مياه ملوثة ونقص في الدواء والغذاء.. الحرب لم تنته لمرضى الفشل الكلوي في غزة

لم يحمل وقف إطلاق النار المعلن فرجًا لمرضى الفشل الكلوي في قطاع غزة، ولا حتى تخفيفًا لمعاناتهم، إذ إن الأزمات التي رافقتهم طوال عامين من الإبادة ما زالت قائمة دون تغيير. فمن جهةٍ، يمنع الاحتلال إدخال الأدوية الضرورية للحفاظ على حياتهم، ومن جهةٍ أخرى، يتسبب الحصار المشدّد المستمر في نقص المياه النظيفة، ما يضاعف أوجاعهم ويهدد سلامتهم.

تخضع آمال الهسي لجلسات غسيل كلى ثلاث مرات أسبوعيًا في مستشفى الشفاء، لكن إن توفّر العلاج، فإن الماء الصالح للشرب، وهو في غاية الأهمية لحالتها، لا يتوفّر. تقول: "نُرغم على المياه الملوثة لأننا لا نملك بديلاً، لكنها مؤذية جدًا لنا، فأنا أشعر بالألم بعد كل مرة أتناول منها، ومع ذلك لا خيار أمامي".

وعدا عن أزمة المياه، تعاني آمال من نقص الأدوية الضرورية للبقاء على قيد الحياة وثمنها الباهظ، ما يجبرهم أحيانًا على تأجيل الجرعات.

إلى جانب العلاج، يحتاج مرضى الكلى إلى نظامٍ غذائي خاص يتضمن أطعمةً معيّنةً بنِسبٍ محسوبةٍ من الأملاح والبروتينات، "وحتى هذا لا نستطيع الحصول عليه، وإن وجدنا الأغذية اللازمة فإن أسعارها تفوق قدرتنا، مثل الفواكه".

من جانبه، الأربعيني كريم حجازي، عندما التقيناه، كان منهكًا للغاية وذراعه مثقوبةٌ بالإبر نتيجة جلسات غسيل الكلى التي تصل إلى ثلاث جلسات أسبوعيًا. يقول: "لم أعد أحتمل هذا الألم. جلسات الغسيل تسرق مني ما تبقّى من قوة، والماء الذي نشربه يسبب لي دوخةً وحكةً في جسدي كله، كأن النار تسري في عروقي".

وأرغمت جلسات الغسيل وعواقبها كريم حجازي على ترك عمله، ونتيجة لذلك فإنه يضطر أحيانًا للتنازل عن جلسة غسيلٍ لشراء طعامٍ لأطفاله، كما يتنازل عن النظام الغذائي المقرّر له، "وحتى الماء الصالح للشرب أصبح رفاهية لا نحصل عليها"، أضاف.

وتابع: "كل يومٍ أعيش مع فكرة أن النهاية قريبة، لكني أقاوم. أريد أن أعيش لأجل أولادي فقط، لأراهم يكبرون، حتى لو كنتُ أنا أتقلص من الألم يومًا بعد يوم".

أما مريم غانم (38 عامًا) فتقول إنها تشعر بأنها فقدت جزءًا من حياتها بعد كل جلسة غسيلٍ للكلى، مبيّنةً أن الأطباء يؤكدون على أهمية المياه المقطّرة والنقية خلال العلاج، لكن هذه المياه غير متوفّرة، "أما المياه التي نستخدمها فتترك آثارًا مزعجةً على جسدي، أحيانًا دوخةً شديدةً وأحيانًا حكةً لا أستطيع احتمالها".

وتضيف مريم، وهي تنظر نحو أطفالها الخمسة الذين يلعبون قرب باب الخيمة: "بعد جلسات الغسيل أحتاج إلى راحةٍ تامة، لكن كيف أرتاح؟ أنا وحدي أعيل أطفالي منذ استشهاد زوجي. أعود من المستشفى منهكة، لكن عليّ أن أطبخ وأغسل وأعتني بهم. لا وقت للراحة حتى لو كان جسدي يصرخ من التعب".

وتابعت: "كل ما أحلم به اليوم بسيطٌ جدًا: كوبُ ماءٍ نظيفٌ أشربه دون خوف، وسريرٌ أستطيع أن أرتاح عليه بعد الغسيل. أريد فقط أن أعيش يومًا واحدًا بلا ألم، لأبتسم في وجه أطفالي دون أن أخفي عنهم وجعي".

وبحسب تقريرٍ نشره المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في 20 أيار/مايو الماضي، فإن حرب الإبادة الإسرائيلية أودت بحياة 472 من أصل 1200 مريضٍ بالفشل الكلوي، نتيجة منع إدخال الأدوية والقيود على الحركة وتدمير مراكز غسيل الكلى ومعدّاتها، أي أن حوالي 41% من إجمالي مرضى الكلى في غزة فارقوا الحياة نتيجة الجرائم الإسرائيلية.

ويوضح غازي اليازجي، رئيس قسم أمراض وزراعة الكلى في مستشفى الشفاء، أن 155 مريضًا بالفشل الكلوي في شمال قطاع غزة يحتاجون إلى غسيل كلى مرتين أو ثلاث مرات أسبوعيًا، في حين أن وحدة غسيل كلى واحدة ما زالت قادرةً على العمل في الشمال، وهي موجودة في مستشفى الشفاء، بعد خروج وحدتَي الغسيل في مستشفى الرنتيسي والمستشفى الإندونيسي عن الخدمة بالكامل.

ويؤكد اليازجي لـ"الترا فلسطين" أن هناك نقصًا حادًا في أجهزة غسيل الكلى، إضافةً إلى ضعف إنتاج محطة تنقية المياه، التي لم تعد قادرةً على توفير الكميات اللازمة لتشغيل الأجهزة بالكفاءة المطلوبة. وفوق ذلك، هناك أزمة في الأدوية الحيوية، فدواء "الإريثروبويتين" غير متوفّر، مبينًا أن هذا الدواء أساسيٌّ لمرضى الفشل الكلوي، لأنه يحافظ على نسبة الدم في الجسم، ونقصه يؤدي إلى هبوطٍ حادٍّ في "الهيموغلوبين"، مما يضطرهم إلى نقل الدم للمرضى بشكلٍ متكرّر، وهذا بدوره يسبب مضاعفاتٍ خطيرةً على القلب.

وتحدث اليازجي عن نقصٍ مستمرٍّ في المستلزمات الطبية الأساسية، مثل الأنابيب والقثاطير الدائمة والمؤقتة، بالإضافة إلى أدوية الكالسيوم الضرورية لتعويض النقص في أجسام المرضى، مبينًا أن انقطاع هذه الأدوية يؤدي إلى مشاكل في العظام والعضلات قد تصل إلى تشوّهاتٍ دائمة.

ويوضح اليازجي أن مرضى الفشل الكلوي يشربون مياهًا ملوثةً تحتوي على نسبٍ مرتفعةٍ من الأملاح والنيترات، "وهذا يشكّل خطرًا مباشرًا على حياتهم، بل وحتى على السكان عامةً، حيث تنتشر حالات الإسهال والنزلات المعوية نتيجة هذا التلوث".

ويشير إلى أن مريض الكلى بحاجةٍ إلى نظامٍ غذائي معتدلٍ خالٍ من الأملاح والمواد الحافظة، لكن في ظلّ الظروف الحالية يعتمد معظم المرضى على المعلّبات التي تحتوي على نسبٍ عاليةٍ من الصوديوم والمواد الحافظة، ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وتفاقم الحالة الصحية

disqus comments here