كتب محمود الريماوي : 2026 عام جديد من حروب نتنياهو
عن زيارته المزمعة إلى واشنطن بعد غدٍ (الاثنين)، سرّبت مصادر وزارية في تل أبيب أفكاراً لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الزيارة بأنها أتت بناءً على طلب من الزائر: “هو يرغب في زيارتي”… قال ترامب وكرّر العبارة مرَّتَيْن. وقد استبقت الحكومة الإسرائيلية الزيارة فأعلنت أن نتنياهو سيبحث مع ترامب حدوداً جديدة لإسرائيل في غزّة، وسيسعى الزائر إلى نيل موافقة البيت الأبيض على توجيه ضربة جديدة إلى إيران، فيما هدّد وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بأن دولته لن تتزحزح عن غزّة ولا عن سورية. وقبل ذلك، لم تتوقّف المصادر الأمنية الإسرائيلية عن التهديد بحربٍ أخرى على لبنان إذا لم يسلّم حزب الله أسلحته.
في غضون ذلك، أبلغ مبعوث الرئيس ترامب، ستيف ويتكوف، المسؤولين الإسرائيليين، قبل أيام من اللقاء، بضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية ابتداءً من يناير/ كانون الثاني المقبل. ومغزى ذلك أن البيت الأبيض متمسّك بتطبيق خطّة ترامب ذات العشرين نقطة في غزّة، فيما يعتزم نتنياهو التلاعب بها والتنصّل منها، مع نشر أفكار عن العزم على السيطرة الإسرائيلية على ما مساحته 58% من القطاع، ومنع إعادة إعماره، حتى يقتنع السكّان هناك بعدم إمكانية العيش فيه، ما يضطرهم إلى المغادرة. وهو ما يتناقض مع الخطّة التي لقيت إجماعاً دولياً عبر قرار مجلس الأمن 2803.
سيسعى نتنياهو إلى التقليل من حجم الخلاف مع ترامب، ثم تشتيت الانتباه عبر إبداء الرغبة باعتداء جديد على إيران
وبطريقته المعهودة في التلاعب، سيسعى نتنياهو إلى التقليل من حجم الخلاف مع البيت الأبيض، والقفز من ذلك إلى تشتيت الانتباه عبر إبداء الرغبة باعتداء جديد على إيران. فإذا ما أصرّ ترامب، وكما هو متوقّع، على الالتزام بتنفيذ الخطّة، فسوف يعترض ضيفه على القوات الدولية، وعلى مشاركة قوات تركية، ثم على إدارة التكنوقراط الفلسطينية، وإظهار الحاجة إلى وجود قوات الاحتلال خلال عملية رفع الأنقاض التي تستغرق عقوداً، حسب طريقة تقليدية في شراء الوقت بإغراق الخصم بالجزئيات والتفاصيل.
يُفترض أن تخضع مواضيع البحث إلى تنسيق مسبق بين الجانبَيْن، وإلى موافقة عليها من المضيفين. غير أن نتنياهو يرغب، قبل لقائه الرابع مع ترامب، في توجيه المحادثات والتأثير فيها قبل أن تبدأ. فيما الدوائر الأميركية تنشغل بفنزويلا وأوكرانيا. أمّا عن غزّة، فإن ترامب مقتنع بأن خطّته بشأنها “تقيم سلاماً عظيماً لم يحدث مثيل له منذ ثلاثة آلاف عام في الشرق الأوسط”، ولهذا هناك تمسّكٌ بالانتقال (قريباً جدّاً) إلى المرحلة الثانية، وهو ما سبق للمبعوث ويتكوف أن أبلغ به الوسطاء المصريين والقطريين والأتراك حين التقاهم الأسبوع الماضي. وسوف نرى نموذجاً لخلافات بين حليف يقدّم لحليفه دعماً هائلاً وشاملاً، فيما الطرف الآخر الذي يتلقّى الدعم يتحدّاه بصلافةٍ واستعراضية، ويستخفّ به في ذروة الخلافات بالقول: “إننا متّفقون… وإن التحالف بيننا لا يتزعزع”.
ليس هناك من برنامج عمل سياسي وانتخابي جذّاب لنتنياهو أكثر من برنامجه للحروب في عدّة جبهات. فمثل هذا البرنامج يُقصي ما يسمّى دولياً بحلّ الدولتَيْن، ويصرف الأنظار عن الاتهامات الموجّهة إليه بالفساد، ويضع حدّاً لدعوات “طوباوية” بإحلال السلام في المنطقة، فيما المطروح قيد التنفيذ “تغيير الشرق الأوسط”، وليس أقلَّ. ولهذا يُتابَع برنامج حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، ودعم هذا البرنامج على الطريقة الإسرائيلية بشنّ هجمات يومية على الجنوب والعاصمة وشرقي البلاد. وفي سورية، أخذت تتكشّف أكثر فأكثر سياسة اعتماد أذرع محلّية لدولة الاحتلال في الداخل السوري، وقد كشفت “واشنطن بوست” قبل أيام عن برنامج تسليح وتمويل لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، كما لقوات انفصالية في السويداء، وبفضل هذا الدعم تشتدّ وتيرة تحدّي الحكومة السورية من أطراف محلّية، علاوة على التعدّيات اليومية للقوات الإسرائيلية في مناطق سورية مختلفة.
وبينما تعتبر الحكومة الإسرائيلية الحرب على إيران مسألةً مفروغاً منها وبنداً ثابتاً على جدول الأعمال الحربية، تزداد المخاطر من احتكاك إسرائيلي تركي على الأراضي السورية، أو في جنوب تركيا، أو أيّ منطقة أخرى غير متوقّعة تشهد وجوداً تركياً مثل مياه المتوسّط؛ إذ يُغضِب مستوى التعاون المرتفع بين دمشق وأنقرة تل أبيب، التي يقلقها استقرار الوضع السوري وتماسكه. والاجتماعات المكثّفة التي أُعلن عنها أخيراً بين مسؤولين يونانيين وقبارصة وإسرائيليين تصبّ في تعزيز هذه المخاطر، فيما تحفل الصحافة التركية بتقارير تحذّر من صدام تركي إسرائيلي يبدو شبه حتمي، مع تعاظم النزعة الحربية التوسّعية لدى تل أبيب.
تراقب الأطراف العربية حروب نتنياهو الجديدة عن كثب، وتعتصم بصمود سلبي، وتحافظ على العلاقات على حالها مع تل أبيب
ولا تجد واشنطن ما تفعله أو تقوله إزاء العربدة المتعاظمة للحليف الليكودي، سوى أنها لن تنغمس في العمل على إبرام اتفاقات إبراهيمية جديدة ما دام إشعال الجبهات الشاغل الوحيد الذي يشغل هذا الرجل. والواضح أنه يسعى إلى السلام على الطريقة الصهيونية، ويدفع نحو سلام الإذعان، فيما الأطراف العربية تراقب الوضع “عن كثب”، وتعتصم بصمود سلبي، وتحافظ على العلاقات على حالها مع تل أبيب، وكأن شيئاً لم يستجدّ أو يحدُث في الأعوام الثلاثة الماضية.
ومن المفارقات المُقبضة أن أطرافاً عربية باتت تُبدي استعدادها لإقامة علاقات مع حكومة العنصريين في تل أبيب، ما إن تتمكّن هذه الأطراف من بسط سلطتها، كما حال انفصاليين في جنوبي اليمن، وكما هو الشأن مع متزعّمي قوات الدعم السريع في السودان، إضافة إلى من يكتمون رغبات مماثلة ويتحيّنون الفرصة لإظهارها.