كتب” اسماعيل الريماوي “سياسة الهروب إلى الدم حين تتحول المرحلة الثانية إلى كابوس نتنياهو

في الوقت الذي كان يفترض فيه أن تتجه الأنظار إلى المسار السياسي لاتفاق غزة وإمكانية الانتقال إلى مرحلته الثانية، اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الهروب مجددا إلى الميدان، في سلوك بات سمة ثابتة لحكومته، يقوم على إفشال أي استحقاق سياسي عبر التصعيد الأمني وخلط الأوراق، زيارة نتنياهو المرتقبة إلى واشنطن ولقاءاته مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم تكن سوى غطاء لمحاولة شراء الوقت والالتفاف على جوهر الاتفاق، إذ تشير كل المعطيات إلى أن نتنياهو لا يريد فعليا الانتقال إلى المرحلة الثانية، لأنها تعني التزامات سياسية وأمنية داخلية لا يستطيع الوفاء بها في ظل تركيبة حكومته اليمينية المتطرفة وضغوط حلفائه من أحزاب الاستيطان والحرب المفتوحة.

إعلان الجيش الإسرائيلي اغتيال رائد سعد، لم يكن حدثا عسكريا معزولا ولا ردا تقنيا على حادث أمني، كما حاولت إسرائيل الترويج، بل جاء في توقيت مدروس بعناية، ليشكل خرقا واضحا ومتعمدًا للاتفاق ورسالة مزدوجة، الأولى للمقاومة بأن إسرائيل غير معنية بتهدئة مستقرة، والثانية للوسطاء وللإدارة الأميركية بأن نتنياهو يحتفظ بحق تفجير المسار متى شاء، تبرير الاحتلال للعملية لا يصمد أمام حقيقة أن الاتفاق يقوم على ضبط الاشتباك ومنع الاغتيالات، وأن أي خرق من هذا النوع يفتح الباب أمام دوامة تصعيد لا يمكن التحكم بها.
الأخطر في المشهد أن إسرائيل نفسها أقرت بأن عملية الاغتيال تمت بموافقة مباشرة من نتنياهو ودون إبلاغ الولايات المتحدة، في خطوة تعكس حجم الاستهتار السياسي الذي يتعامل به مع حلفائه، كما تكشف رغبته في فرض وقائع جديدة على الأرض تسبق أي نقاش حول المرحلة الثانية من الاتفاق. نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، يدرك أن الانتقال إلى المرحلة التالية يعني نهاية مبررات استمرار الحرب، ويفتح الباب أمام مساءلة داخلية واسعة حول إخفاقاته الأمنية والعسكرية، فضلا عن تفكك ائتلافه الحاكم، لذلك يفضل إبقاء الوضع معلقا، لا حرب شاملة ولا سلام، بل حالة توتر دائم تسمح له بالبقاء السياسي أطول فترة ممكنة.
في هذا السياق، لا يمكن فصل ما يجري في غزة عن السلوك الإسرائيلي المتصاعد على الساحة اللبنانية، حيث تستمر الاستفزازات اليومية والتهديدات العلنية بحرب جديدة، هذا التصعيد المتوازي يعكس استراتيجية إسرائيلية واضحة تقوم على توسيع ساحات الاشتباك، وتحويل أي ضغط سياسي إلى تهديد عسكري، في محاولة لإعادة ترميم صورة الردع التي تآكلت منذ بداية الحرب، لبنان، كما غزة، يُستخدم كورقة ضغط ورسالة نارية مفادها أن إسرائيل مستعدة لإشعال المنطقة بأكملها إذا فُرض عليها مسار سياسي لا يناسب حسابات نتنياهو الشخصية.
ما يجري اليوم يؤكد أن العقبة الحقيقية أمام أي تقدم ليست في التفاصيل التقنية للاتفاق، بل في الإرادة السياسية لحكومة الاحتلال، وعلى رأسها نتنياهو، الذي يتقن فن التهرب، ويجيد استخدام الاغتيالات والتصعيد العسكري كأدوات للهروب من المرحلة الثانية، ومن أي استحقاق يعيد طرح سؤال اليوم التالي للحرب، ومستقبل غزة، ومصير حكومته، في ظل هذا الواقع، تبدو المنطقة كلها رهينة لمزاج سياسي مأزوم، يقوده رجل يحاول إنقاذ نفسه على حساب دماء الفلسطينيين واستقرار الإقليم، غير آبه بالتحذيرات الدولية ولا بمخاطر الانزلاق إلى حرب أوسع قد لا ينجو أحد من تداعياتها.

disqus comments here