الصين تتهم أميركا وإسرائيل بـ "زعزعة الشرق الأوسط فلا سلام من خلال القوة

باريس: دعا وزير الخارجية الصيني وانج يي، إلى "اتفاق دولي جديد" بشأن إيران، متهماً الولايات المتحدة وإسرائيل بزعزعة استقرار الشرق الأوسط من خلال العمليات العسكرية، التي تستهدف المنشآت النووية الإيرانية، مشدداً على أن الصراع العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران "يجب ألّا يتكرر"، حسبما نقلت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست".
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو في باريس، أعرب وانج أيضاً عن قلقه العميق إزاء تصاعد التوترات في المنطقة، محذراً من شبح "كارثة نووية" تلوح في الأفق، وفق ما نقلت الصحيفة يوم السبت.
وتأتي تصريحاته في وقت كثّفت فيه بكين، انتقاداتها لواشنطن وتل أبيب عقب الضربات التي استهدفت الشهر الماضي، أفراداً ومنشآت نووية إيرانية. كما تواصل الصين تقديم نفسها كوسيط رئيسي، وفق الصحيفة.
وأكد وانج يي الذي يقوم حالياً بجولة أوروبية، أن الصين تولي أهمية لتعهدات إيران المتكررة بعدم تطوير أسلحة نووية، مع احترامها في الوقت ذاته لحقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
حرب إيران وإسرائيل لا يجب أن تتكرر
وقال وزير الخارجية الصيني: "على هذا الأساس، ينبغي على الأطراف المعنية تسريع المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق دولي جديد لحل المسألة النووية الإيرانية، ووضع الأنشطة النووية الإيرانية بالكامل تحت الإشراف والضمانات الصارمة للوكالة الدولية للطاقة الذرية".
وأضاف: "طريق السلام تحت أقدامنا، والتاريخ سيحكم على مدى صدق كل طرف"، مشدداً على أن الصراع العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران "يجب ألّا يتكرر".
وقال: "الحرب ليست حلاً للمسألة النووية الإيرانية، والضربات الاستباقية تفتقر بوضوح إلى الشرعية، كما أن إساءة استخدام القوة العسكرية لن تؤدي إلا إلى إشعال نزاعات أوسع وتعميق العداء".
"سابقة سيئة"
كما ندّد بالولايات المتحدة بسبب شنّها ضربات جوية على منشآت نووية تابعة لدولة ذات سيادة، واصفاً ذلك بـ"السّابقة السيئة". وحذّر قائلاً: "إذا أدّت مثل هذه الأعمال إلى كارثة نووية، فإن العالم بأسره سيتحمّل العواقب".
ورفض وانج يي بشكل قاطع فكرة "السلام من خلال القوة"، والتي تُشكّل الأساس للنهج العسكري الأميركي والإسرائيلي، واصفاً إياها بأنها "سياسة القوة".
وقال: "إذا كانت القوة وحدها هي التي تحدد الصواب من الخطأ، فأين هي القواعد؟ أين العدالة؟ القوة لا يمكن أن تجلب السلام الحقيقي، وقد تفتح صندوق باندورا".
وتساءل: "كيف يمكن للدول الأضعف، خصوصاً الدول الصغيرة والمتوسطة، أن تتعامل مع هذا الوضع؟ هل مصيرها أن تُقدَّم على الطاولة وتُذبح متى شاء الأقوياء؟".
وقالت "ساوث تشاينا مورنينج بوست"، إن الصين تدعم حلاً سياسياً ودبلوماسياً لقضية البرنامج النووي الإيراني، وسعت إلى إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 (JCPOA)، منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018.
ودعت بكين إلى حوار متعدد الأطراف للحفاظ على إطار الاتفاق النووي، أو السعي إلى "حل مقبول من جميع الأطراف"، دون أن تُلمّح صراحة إلى اتفاق جديد.
حرب غزة
وخلال زيارته إلى المنطقة في مارس الماضي، قدّم وانج مقترحاً من خمس نقاط للسلام في الشرق الأوسط، تضمّن من بينها حلّ المسألة النووية الإيرانية من خلال الحوار، ومناقشة "خريطة طريق وجدول زمني" لإحياء اتفاق 2015.
وخلال المؤتمر الصحافي يوم الجمعة، وضع وانج القضية الإيرانية في سياق أوسع يشمل قضايا الشرق الأوسط الأخرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وقال: "لا يمكن لأي حل حقيقي للمسألة النووية الإيرانية أن يتجاهل جوهر المشكلة في الشرق الأوسط، وهي القضية الفلسطينية".
وجدّد وانج موقف الصين الداعم للفلسطينيين، مؤكداً أن الأزمة الإنسانية في غزة يجب ألا تستمر، وأن حل الدولتين يظل السبيل الواقعي الوحيد للخروج من دوامة الاضطراب في الشرق الأوسط.
وفي رسالة موجهة إلى فرنسا، التي تشدّد على مفهوم "الاستقلالية الاستراتيجية"، دعا وانج باريس إلى العمل مع بكين من أجل "الدفاع عن العدالة، وتحمل المسؤولية، ودعم تسوية النزاعات عبر الحوار والتفاوض، ورفض الكيل بمكيالين".
وتُعد فرنسا، بوصفها عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من الدول الموقعة الأساسية على الاتفاق النووي، إلى جانب الصين وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي.
الصين لن تقبل خسارة روسيا
وقال مسؤول مطلع لشبكة CNN الأميركية، إن وزير الخارجية الصيني وانج يي أبلغ المنسقة العليا لشؤون السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس، أن بكين "لا يمكنها قبول خسارة روسيا حربها ضد أوكرانيا"، لأن ذلك ربما يتيح للولايات المتحدة تحويل كامل تركيزها نحو الصين، وهو ما يتناقض مع الموقف المعلن لبكين بتبني "الحياد" في هذا الصراع.
وأضاف المسؤول، الذي رفض كشف هويته، أن هذا التصريح جاء خلال اجتماع استمر 4 ساعات مع كالاس يوم الأربعاء، في بروكسل، شهد "مناقشات صعبة ولكن غلب عليها الاحترام"، وتناول مجموعة واسعة من القضايا من الأمن السيبراني ومعادن الأرض النادرة إلى اختلال الميزان التجاري، وقضية تايوان، والوضع في الشرق الأوسط".
واعتبر المسؤول أن تصريحات الوزير الصيني توحي بأن بكين ربما "تفضل إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، بما يُبقي الولايات المتحدة منشغلة ويؤخر مواجهتها مع الصين".
وأشار إلى أن هذه التلميحات تتوافق مع ما يقوله منتقدو سياسة بكين، من أن للصين رهانات جيوسياسية أكبر بكثير في هذا الصراع مما تعترف به رسمياً فيما يتعلق بالحياد.
في المقابل، أعادت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينج، التأكيد على موقف بكين المعلن منذ بداية الحرب المستمرة منذ 3 سنوات، عندما سُئلت خلال إحاطة إعلامية دورية عن هذا الحديث، الذي نشرت تقارير بشأنه لأول مرة صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست"، التي تصدر في هونج كونج.
وقالت ماو: "الصين ليست طرفاً في قضية أوكرانيا. موقفنا من الأزمة الأوكرانية موضوعي وثابت، وهو الدعوة إلى التفاوض ووقف إطلاق النار وتحقيق السلام. الأزمة الممتدة لا تخدم مصالح أي طرف".
وأضافت: "نحن نسعى إلى تسوية سياسية في أسرع وقت ممكن، وسنواصل لعب دور بنّاء بالتعاون مع المجتمع الدولي، ومع مراعاة إرادة الأطراف المعنية".
واعتبرت CNN أن التصريحات العلنية الصينية "تخفي واقعاً أكثر تعقيداً".