الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الثلاثاء 27/5/2025 العدد 1318

الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
يديعوت احرونوت 27/5/2025
كيف سندفع عن الحرب الأبدية
بقلم: سيفر بلوتسكر
المعهد الإسرائيلي للديمقراطية الى جانب صندوق ايلي هورفيتس يعقدان غدا وبعد غد المؤتمر الاقتصادي القومي السنوي في القدس، مؤتمر هو الوريث الشرعي لمؤتمرات قيساريا المعروفة من التسعينيات. ولما كان الواقع الاقتصادي الإسرائيلي اليوم يمليه حدث قومي جارف واحد، هو استمرار الحرب، فينبغي للمؤتمر الاقتصادي الحالي ان ينشغل تقريبا فقط في هذا الموضوع المصيري. عليه أن يبحث وان يعرض على الملأ آثار “الحرب الأبدية” في قطاع غزة على الاقتصاد، على الديمقراطية، على علاقات العمل، على مكانة إسرائيل في العالم، على أسواق المال والعمل، على مؤسسات الدولة والثقة المتقلصة بها، على مستوى المعيشة، على مزاج المواطنين وعلى الاخلاق والضمير لكل إسرائيلي وكل الإسرائيليين. نحن على مسافة خطوة من أزمة اقتصادية متعددة الساحات. ودور الاسرة الاقتصادية في البلاد هو ان تضع مرآة تعكس الحقيقة امام أصحاب القرار العسكري – السياسي. اما الانشغال بمسائل أخرى مهما كانت هامة ومثيرة للفضول، فيمكن تأجيلها الى المستقبل.
رئيسة المؤتمر محافظة بنك إسرائيل السابقة البروفيسور كارنيت بلوغ، أعطت تعبيرا عن الواقع المضني في بحث نشرته عشية المؤتمر وعنوانه “في ظل الحرب: فضائل الميزانية، سلم الأولويات وآثار ارتفاع العبء الأمني”. وكتبت البروفيسورة بلوغ تقول “انه بقدر كبير فان الافتراض (الكامن في ميزانية الحكومة) بان تبلغ ميزانية الدفاع نحو 5.2 في المئة من الناتج في العام 2025 او نحو 110 مليار شيكل، هو متفائل بل ربما ليس معقولا… الحرب في غزة لم تنتهي بعد، وبلا توقع رسمي لانهائها، حين تكون لاستمرار الحرب آثار مالية بعيدة المدى”. وهاكم جملة أساسية في بحثها: حتى كتابة هذه السطور لم تعرض الحكومة استراتيجية واضحة لانهاء الحرب وعليه فيحتمل ان يكون متوقعا ارتفاع حاد آخر في نفقات الامن ربما اكثر مما هو متوقع حسب توصيات لجنة نيجل” (لجنة تحديد ميزانية الدفاع التي عينها رئيس الوزراء نتنياهو).
وكيف سندفع لقاء الحرب التي لا نهاية لها؟ البروفيسور بلوغ تقترح “تمويل الارتفاع في نفقات الامن والفائدة برفع الضريبة”. لمحافظة بنك إسرائيل السابقة واضح بانه لن يكون مفر من رفع معدلات الضريبة القائمة، بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة، وإلغاء إعفاءات وتسهيلات إضافية بقيمة هائلة تصل الى 6 في المئة من الناتج المحلي في العام 2029 (125 مليار شيكل بمقاييس هذه السنة). ان اثقال العبء يجب برأيها أن يبدأ منذ الان، لان نهاية الحرب ليست في الأفق. واذا لم نرفع الضرائب ونجند الميزانيات، كما تحذر البروفيسور بلوغ فسيتعين على الدولة أن تقلص الخدمات للمواطنين. التعليم، الصحة، التعليم العالي، الرفاه الاجتماعي، البنى التحتية، المواصلات – بقرابة 40 في المئة للفرد. ووفقا لحساباتها فننزل الى مستوى خدمات عامة مثلما في تركيا وفي المغرب.
ولا تزال توقعاتها تميل الى الجانب المتفائل. فعدم انهاء الحرب والسيطرة العسكرية الكاملة في قطاع غزة لن يسمحا للاقتصاد الإسرائيلي أن ينمو، مثلما يفترضون في ا لمالية وفي بنك اسرائيل بـ 3.5 في المئة في السنة او الابقاء على تضخم مالي بمعدل 2 في المئة في السنة. سيكون الحال أسوأ بكثير. هروب الادمغة وهروب الدولارات الذي حذر منه الاقتصاديون في مؤتمر ايلي هورفيتس قبل سنتين بسبب الإصلاح ا لقضائي من شأنه أن يحدث في سنة الحرب الثالثة بشدة تسونامي. والى هذا ستضاف المقاطعات والعقوبات من أوروبا على إسرائيل، انخفاض حاد في استثمارات الخارج والداخل، تراجع محتم في إنتاجية العمل، اشتعال محتمل لانتفاضة عنيفة في مناطق السلطة الفلسطينية واحساس متزايد في أوساط أجزاء واسعة من الجمهور الإسرائيلي بان هذه ليست حربهم العادلة بل “الحرب الأبدية” للجناح المسيحاني في الصهيونية الدينية. هذا واقع مستقبلي فتاك نتائجه جمود في نمو الاقتصاد وتسريع التضخم المالي.
من مؤتمر ايلي هورفيتس ومن المعهد للديمقراطية 2025 يجب بالتالي ان يخرج نداء واحد، صاخب ومدوٍ: أوقفوا الحرب قبل أن نتدهور الى عقد اقتصادي، اجتماعي وقيمي ضائع.
------------------------------------------
هآرتس/ ذي ماركر 27/5/2025
النيابة طلبت في 2014 رأي قانوني يعتبر قطر دولة معادية، الاستخبارات العسكرية رفضت
بقلم: عمري كليشر
هل يمكن اعتبار قطر دولة معادية؟ هذا السؤال القانوني يتم طرحه في قضية فيها يتم التحقيق مع عدد من المقربين من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، للاشتباه بأنهم حصلوا على أموال من اجل الدفع قدما بمصالح قطر. الإجابة على هذا السؤال حاسمة بالنسبة لقدرة النيابة العامة على بلورة لائحة اتهام تتضمن مخالفات امنية مثل مساعدة العدو اثناء الحرب، وليس فقط مخالفات في مجال الضرائب أو تبييض الأموال على سبيل المثال.
عدم اليقين بالنسبة لاعتبار قطر دولة معادية، ينبع ضمن أمور أخرى، من أنه في قانون العقوبات الذي يشمل، ضمن أمور أخرى، جرائم مساعدة العدو في حالة الحرب، لا توجد قائمة مغلقة للدول المعادية. قانون آخر وهو أمر التجارة مع العدو الصادر في 1939، يمكن وزير المالية من تحديد قائمة الدول التي يحظر الاتجار معها. القائمة تشمل العراق، ايران، سوريا ولبنان، لكن ليس قطر.
قانون آخر وهو قانون منع التسلل، يشمل قائمة الدول التي يحظر الذهاب اليها، وهي لا تشمل قطر، والذي لم يتم تحديثه أيضا منذ سنوات كثيرة. ويحتمل أن يتم في القريب الدفع قدما بقانون يمكن أن يوجد فئة مؤقتة لقطر وهي “دولة راعية للارهاب”. مشروع القانون في هذا الشأن تمت المصادقة عليه مؤخرا في اللجنة الوزارية لشؤون التشريع.
من الوثائق التي وصلت “ذي ماركر” يتبين أنه في 2014 واجهت النيابة العامة مشكلة اعتبار قطر دولة معادية، في اطار التحقيق في قضية امنية أخرى. النيابة العامة طلبت في حينه الحصول على رأي استخباري يحدد بأن قطر، إضافة الى دول أخرى، هي دولة معادية، لكن رجال قسم التحقيقات في شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي رفضوا توفير مثل هذا الرأي.
في تلك الفترة تسلم منصب رئيس قسم التحقيق ايلي بن مئير، الذي ارتبط اسمه بعد ذلك بقضية “قطر غيت”. حسب تحقيق “هآرتس” فان بن مئير هو احد أصحاب شركة “كويس”، التي شاركت في تفعيل شبكة الحسابات الوهمية ومواقع مزيفة في اطار حملة علاقات عامة لقطر قبل المونديال في 2022.
قاعدة معلومات حساسة
التحقيق الذي اجري في 2014 تناول موضوع مواطن إسرائيلي اشتبه فيه في اختراق قاعدة معلومات تضمنت ملايين التفاصيل الحساسة عن مواطنين إسرائيليين، في محاولة لبيعها لمن يدفع أكثر. حسب الاشتباه هو توجه الى سفارة كل من قطر والسعودية وايران في تايلاند، وحتى أنه تحدث مع ممثلين من قبلها. في تلك الفترة اعتقدوا في النيابة العامة بأن هذا المواطن توجه الى هذه السفارات على افتراض أن دولها تريد شراء قاعدة المعلومات من اجل المس باقتصاد إسرائيل.
نفس هذا المواطن اعتقل وحكم عليه بالسجن بسبب عدة جرائم، بما في ذلك الجريمة الأمنية التي يمنع نشرها، في اعقاب تحقيق مشترك بين الشرطة وقسم السايبر في النيابة العامة. في مرحلة التحقيق وبلورة لائحة الاتهام طلبت النيابة العامة رأي مهني يمكنها من اعتبار قطر، السعودية وايران، دول معادية حسب قانون العقوبات. الهدف كان نسب للمشتبه فيه مخالفة محاولة تقديم معلومات للعدو.
حسب صيغة طلب وزارة العدل من شعبة الاستخبارات، في النيابة العامة أرادوا الحصول على جواب على سؤال هل من المحتمل أنه خلال سنة 2014، الفترة ذات الصلة بالتهمة الأمنية المخطط لها في لائحة الاتهام، اعتبرت ايران، بالحد الذي يكون فيه هذا محتمل أيضا بالنسبة لقطر والسعودية، “دولة معادية”، أي انها طرف محارب أو في حالة حرب مع إسرائيل، أو تعتبر نفسها أحدهما، سواء أعلنت الحرب أم لا، وسواء كانت عمليات عدائية عسكرية أم لا” (كما ينص قانون العقوبات).
الطلب قدم في 25 كانون الأول 2014، و”بسبب الجدول الزمني المكتظ” فقد طلبوا في النيابة العامة معرفة هوية الجهة التي ستكتب الرأي والى أي دول سيتم التطرق، حتى 29 كانون الأول. ولكن فقط في 5 كانون الثاني 2015 قام حاييم فسمونسكي، الذي كان في حينه رئيس قسم التحقيق والقضاء والتكنولوجيا في النيابة العامة، والآن هو المدعي العام في منطقة المركز في القضايا الجنائية، بحتلنة ببلاغ الكتروني داخلي للمدعين العامين الذين عالجوا الملف بأن “المستشارة القانونية في امان قالت لي بأنه في نهاية المطاف، بعد الفحص مع الجهات المختصة في قسم التحقيقات في امان لن يكون بإمكانهم توفير رأي يعتبر السعودية أو قطر دول معادية. لذلك، سيتم تقديم رأي بشأن ايران فقط”.
في نهاية الإجراءات القانونية تمت ادانة هذا المشتبه فيه وحكم عليه بالسجن. لائحة الاتهام شملت بند سري تناول الجرائم الأمنية التي نسبت اليه.
في تلك الفترة حقا، في 4 كانون الثاني، تسلم بن مئير منصب رئيس قسم التحقيقات بدلا من العميد ايتي بارون، بعد أن عمل بن مئير كضابط استخبارات اول. على سؤال هل هذا الموضوع تم تقديمه لمعالجته، أجاب بن مئير بأنه “بطبيعة الحال وحسب الإجراءات أنا محظور علي التطرق الى القضايا المرتبطة بخدمتي في الجيش الإسرائيلي، بدون التطرق الى صلب الادعاءات حول حدث وقع أو لم يقع قبل عقد تقريبا. معظم نشاطاتي في الخدمة العسكرية كانت مهنية كجزء من إجراءات عمل منظمة ورقابة، باندماج وتنسيق مع جهات مختصة كثيرة في أمان وفي الجيش الإسرائيلي”.
في تلك السنوات نقلت قطر مئات ملايين الدولارات لحماس في كل سنة، كما يبدو من اجل اعمار قطاع غزة، وهي العملية التي تم بتنسيق ودعم رئيس الحكومة نتنياهو. رغم أنه في نفس الوقت طلبت النيابة العامة اعتبار قطر دولة معادية من اجل تقديم مواطن إسرائيلي للمحاكمة، الذي حاول اجراء اتصالات معها.
إجراءات منظمة وممنهجة
من المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي جاء: “بن مئير هو موظف مخلص، اسهامه المعروف تم التعبير عنه خلال سنوات خدمته، لا سيما في اشهر القتال الأخيرة التي عمل فيها الكثير من اجل امن الدولة. في اطار وظيفته في الاحتياط طلب منه التحقيق في احداث 7 أكتوبر، في استخبارات قيادة المنطقة الجنوبية. تحقيقه العميق والاساسي ساهم جدا في قدرة شعبة الاستخبارات العسكرية “امان” والجيش الإسرائيلي على التعلم من احداث 7 أكتوبر، وتطوير خطة لتطبيق الدروس.
“بدون التطرق الى الادعاءات المحددة، التي على خلفية الفترة الزمنية لا يمكننا فحصها، فان الإجراءات الاستخبارية التي يتم تنفيذها في قسم التحقيقات وفي شعبة الاستخبارات العسكرية هي إجراءات منظمة وممنهجة، وتتم كتابتها من قبل اشخاص مختلفين وهي تخضع لضوابط مختلفة من اجل انتاج منتج استخباري يمكنه اجتياز عمليات رقابة مختلفة قبل نشره.
------------------------------------------
إسرائيل اليوم 27/5/2025
حسم يحطم الدائرة السحرية مع حماس
بقلم: أمنون لورد
رئيس الوزراء لا يقول عبثا “نأمل ببشائر طيبة” اليوم، وان لم يكن اليوم فغد، وان لم يكن غدا فبعد غد. لكن الحقيقة هي أن اتفاق وقف النار على أساس منحى ويتكوف كما نشر ليس مقبولا.
المشهد المتكرر هو كالتالي: حماس تشن هجوما على إسرائيل. إسرائيل ردا على ذلك تدخل الى حملة يجبرها على أن تقاتل في منطقة مدينية مبنية مكتظة، مما يتضمن قتلا كثيرا للمدنيين والكثير من الدمار. في غضون أسبوع او شهر أو شهرين يتحقق وقف نار. وهو يتضمن “اعمار القطاع”. مليارات الدولارات تضخ الى صناديق المخربين او مباشرة الى أيديهم. الكثير من المال العربي، من قطر أو من كل مكان آخر.
هذه المرة يختلف الامر. هكذا يريدون ان نصدق. رغم أن حماس آكلة اللحوم فقدت الكثير جدا من قواها البشرية ورغم الدمار الواسع، بقيت الصفقة الحقيقية على حالها: اعمار قطاع غزة. استجلاب جسر على شكل مساعدات إنسانية. المنظمة توجد أساسا كاسطورة وكجهاز سيطرة على شاحنات إنسانية. لغرض التغيير، في اطار اتفاق مؤقت يرافقه انسحاب شبه كامل للجيش الإسرائيلي من القطاع، تتلقى مساعدات زائدة. في النهاية بعد كل السياقات، يأتي الاعمار الدائم أيضا. اعمار دمار غزة واعمار منظمة الاجرام لفخار بريطانيا، فرنسا، كندا، قطر والولايات المتحدة.
دونالد ترامب الأصلي، ليس ذاك الذي يجلس اليوم في البيت الأبيض، كان سيشعر بالاهانة لو كان سمع بان كلفة اعمار بلدات غلاف غزة في اعقاب حملة القتل الجماعي للنخبة النازية هي نحو 4.5 مليار شيكل، وقطر والاتحاد ا لاوروبي وباقي الدول الـ “ممولة” لاعمار غزة ليس مطالبة لان تمول اعمار الدمار في أراضي دولة إسرائيل. لا شك أن اقتراح الاتفاق الوقح، كما يمكن القول، يدل على ثقة متزايدة بالنفس في أوساط من تبقى من قيادة حماس. اذا وصل احد ما من هذه التشكيلة اليوم الى مدينة الأضواء او حتى الى مركز لينكولن في نيويورك، لكان حظي بالعناق وبالهتاف. يوم مذبحة 7 أكتوبر وصفه رئيس لجنة التحقيق البريطانية كأسفل الدرك في تاريخ القتال الذي لم يشهد له مثيل منذ 1945. اذا ما حصلوا لقاء هذا على جائزة اعتراف بدولة فلسطينية من جانب فرنسا، بريطانيا وكندا – فليس لاكلي اللحوم ما يدعوهم الى انهاء الحرب.
من الصعب أن نعرف ما الذي سيدفع زعماء حماس الى الاستسلام وتحرير كل المخطوفين. احد الأمور التي يمكنها أن تؤدي الى انهاء الحرب ونزع سلاح حماس هو هبوط من النوع الذي يوجد في لبنان او في سوريا. ابتداء من الأسبوع الماضي، الى هذا الحد أن ذاك، هذه مرحلة الحرب التي يمكن أن تسمى “حرب ماكرون – يئير غولان”. حماس ترى ان الانتفاضة العالمية تنجح. القتل في واشنطن. حملة الانهزامية لغرض انقلاب سلطوي من جانب النخب، الانشغال الداخلي في المشكلة الاستراتيجية المتعلقة بـ “تضارب المصالح” ومتاهة رونين بار – كل هذه كفيلة بان تشجع زعماء حماس على الصمود. الاقتراح جيد، هم يحصلون على افضل ما يطالبون به. وهم أساسا يشعرون انه تنشأ فجوة بين الإدارة الامريكية وإسرائيل. لا مفر امام إسرائيل غير مواصلة عزف الموسيقى التي تحبها جدا حماس، موسيقى الحرب.
------------------------------------------
هآرتس 27/5/2025
نتنياهو يتبنى نموذج ترامب
بقلم: اوري بار يوسف
هناك الكثير من التفسيرات للقرار الغريب، بأقل وصف، لبنيامين نتنياهو تعيين الجنرال دافيد زيني في منصب رئيس الشباك القادم. يمكن الافتراض أن احد الدوافع هو النموذج الذي وضعه امامه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في سلسلة التعيينات لرجال مخابرات منذ عودته الى منصبه. حسب الطريقة الامريكية التي يتم فيها انتخاب الرئيس بانتخابات شخصية، يعطى له الحق في اجراء تعيينات في الإدارة كما يريد، وهذا الحق تم استغلاله في حالات كثيرة أيضا في مجال المخابرات. في الحقيقة، توجد في ذلك عيوب، لكن حتى بداية العام 2025 عملت هذه المنظومة بشكل غير سيء. ولكن الامر ليس هكذا الآن.
يبدو ان الرئيس ورجاله يعملون على تثبيت سلسلة تعيينات غريبة، تهدف الى القضاء على قدرات مهنية بنيت خلال سنوات وتسييس أجهزة المخابرات. التي تم اعدادها لوصف الواقع للرئيس كما هو، لكن الآن يجب عليها عرض الواقع عليه كما يريد أن يراه. في الواقع يبدو أن الإخفاقات على الطريق، والثمن سيكون باهظا. هاكم عدد من الأمثلة.
في منصب رئيس جهاز المخابرات القومي الأمريكي الذي يتكون من 18 جهاز سري، يعمل فيها 120 ألف مهني، ويمول بمئة مليار دولار في السنة، تم تعيين عضوة الكونغرس السابقة تولسي غفارد، التي ليست لها تجربة استخبارية، وإزاء مواقفها وتصريحاتها السابقة، خاصة دعمها لنظام الأسد في سوريا ونظام بوتين في سوريا، فانها متهمة بأنها “ذخر” للمخابرات الروسية.
منذ تسلمها للمنصب اثبتت غفارد بأنه في كل ما يتعلق بالمكاسب السياسية هي مناسبة لهذا المنصب. على سبيل المثال، في بداية نيسان أمر رئيس طاقمها بتغيير وثائق استخبارية، قوضت ادعاء الإدارة بشأن العلاقة بين عصابة الجريمة “تيرن ديغوار” وحكومة فنزويلا، وهي العلاقة التي كما يبدو بررت استخدام “قانون الأعداء الأجانب” من العام 1798، وطرد أعضاء العصابة الى سان سلفادور. وعندما لم يساعد الضغط ورجال المخابرات صمموا على موقفهم، قامت غفارد بإقالة الموظفين الكبيرين في “مجلس المخابرات القومي”، اللذين صمما على موقفهما، وهكذا ألمحت للآخرين كيف يتصرفون اذا كانوا يرغبون في التقدم في المنصب.
عندما نشر رئيس الـ اف.بي.آي السابق جيمس كومي في الانستغرام منشور دعا فيه الى التخلص من ترامب، سارعت الى تبني ادعاء أنه طلب استخدام العنف. ورغم ان كومي قام بنفي ذلك وحذف المنشور، إلا ان غفارد قالت ان مكانه في السجن.
كاش باتل، الذي تم تعيينه كرئيس لـ اف.بي.آي، دعا حتى قبل تسلم منصبه الى تصفية مكانة هذا الجهاز كجهاز مسؤول عن التجسس المضاد، بدون توضيح من سيفعل ذلك بدلا منه، وسوق، بما في ذلك في كتب الأطفال التي ألفها، نظرية مؤامرة تعتبر جهاز المخابرات جزء من “الدولة العميقة”. قبل فترة قصيرة لتسلمه هذا المنصب امرت النائبة العامة (وزيرة العدل) في الإدارة الامريكية، فاميلا بوندي، والمسؤولة أيضا عن الـ اف.بي.آي، باغلاق الوحدة التي تم اعدادها لمواجهة عمليات تأثير الدول الأجنبية، لا سيما روسيا والصين، وباتل نفذ ذلك. فيما بعد تم اغلاق المزيد من الوحدات التي استهدفت مواجهة تحدي التاثير الأجنبي.
تسييس الـ اف.بي.آي ازداد مع التغيير الشامل لمهنيين كبار مخلصين للإدارة، وخفض مكانة موظفين كبار قدامى. باتل أيضا قرر نقل 1500 موظف من القيادة في واشنطن الى وظائف ميدانية في ارجاء الدولة. ومن غير الواضح كيف سيتم تنفيذ ذلك، لكن من المؤكد أن النتيجة ستكون استقالات واضرار بالقدرات المهنية للجهاز. إضافة الى ذلك أمر باعتقال قاضية في ويسكونسن بتهمة أنها ساعدت مهاجر غير قانوني على التهرب من الاعتقال. وخلافا لإجراءات الجهاز قام بنشر صور لها وهي مكبلة.
رئيس الـ سي.آي.ايه، الذي تحلق فوقه غيمة من استخدام وثائق استخبارية لأغراض سياسية، حتى منذ كان رئيس المخابرات القومية في ولاية ترامب الأولى، يحذر حتى الآن من القيام بخطوات فظة لسييس الوكالة. مع ذلك، في السابق اعلن عن نيته توسيع نشاطات العملاء الميدانيين وتقليص وظيفة خلق للتقدير الاستخباري – العامل الذي يمكن ان يضع امام الرئيس صورة واقع تختلف عن تلك التي يريدها. مهنيون مؤهلون يستقيلون، ومن المرجح الافتراض بان العملية ستزداد عند تنفيذ الإصلاحات. النتيجة ستكون المس بقدرة جهاز المخابرات المركزية الامريكية على القيام بدوره.
عندما عاد نتنياهو من اللقاء الأول مع ترامب في شهر شباط، أوضح في جلسة للحكومة الحاجة الى “الإخلاص”، وعرض سياسة الإدارة الامريكية كنموذج وقال: “من لا يتساوق معنا لن يكون هنا”. شهادة رونين بار التي بحسبها نتنياهو طلب منه “الإخلاص الشخصي”، أظهرت التعبير العملياتي لهذه الرؤية. تعيين دافيد زيني، الجنرال الذي له حقوق ولكن ليست لديه المؤهلات لاستبدال بار، باستثناء كما يبدو ضمان الإخلاص الشخصي لنتنياهو، هو تعبير آخر صارخ على ذلك.
خلافا لجهاز المخابرات الأمريكي المتدهور فان جهاز الاستخبارات الإسرائيلية اجتاز حتى الآن اختبار الولاء للدولة بنجاح، وليس للزعيم. ومن اجل امن دولة إسرائيل يجب عليه مواصلة التصميم على موقفه.
-------------------------------------------
هآرتس 27/5/2025
مرحلة الاقالة تقترب
بقلم: عيران يشيف
في المقال الذي نشرته قبل نصف سنة تقريبا (“هآرتس”، 6/11) كتبت بأنه يوجد للامريكيين مفهوم يصف الشخص الذي يحتاج الى صيانة عالية، وقدرت بأنه بسبب ذلك سيقوم ترامب بازاحة بنيامين نتنياهو عن الحكم، ترامب يعتبر نتنياهو السيد “صيانة عالية”. بعد ان حصلت اسرائيل من الولايات المتحدة على 18 مليار دولار مساعدات امنية في السنة الماضية. ترامب يعتقد ويقول ايضا بأنه لا يريد استثمار الاموال، سواء في اوكرانيا أو في اسرائيل. واستمرار الدعم بالجنون الشرق اوسطي ليس في اجندته. ايضا كتبت ان ترامب يريد اتفاق مع السعودية، الذي سيزيد ثراءه وثراء عائلته كما حدث في اتفاقات ابراهيم.
خلافا للراي السائد فان نتنياهو هو العائق بالنسبة لترامب. مصالح ترامب تتساوق مع مصالح اسرائيل ولكن ليس مع مصالح نتنياهو. وأن نتنياهو يزعجه في تحقيق اهدافه. أنا توقعت أنه بعد احتراق نتنياهو سيقوم بطرده. التطورات في الفترة الاخيرة تقرب نتنياهو من مرحلة الاطاحة. ترامب وطاقمه يدركون أنهم لن يتقدموا معه الى أي مكان، وأنه يوجد له بديل.
ارغب في التوضيح: أنا غير محسوب على مؤيدي ترامب. بالعكس، أنا اعتقد أنه يسبب الدمار للديمقراطية والمجتمع والعلوم في الولايات المتحدة. التحليل التالي يتعلق فقط بعلاقته مع نتنياهو والمتطرفين الذين يوجدون بجانبه.
ترامب يريد الدفع قدما بالسلام من اجل تحقيق اهداف اقتصادية. لا توجد له أي مصلحة في الحروب التي ستحتاج الى تدخل الولايات المتحدة في المنطقة. مثلا، هو تخلى عن الحرب ضد الحوثيين. في المقابل، نتنياهو يواصل اشعال الشرق الاوسط ويعبر عن رغبته في مهاجمة المنشآت النووية في ايران وتدمير قطاع غزة. نتنياهو، وهذا واضح لواشنطن ايضا، قام برعاية حماس لسنوات وهو يواصل منع قدوم بديل واقعي لحكمها في القطاع. ترامب لا يريد الانجرار الى تورط عسكري، ولا يريد مواصلة صب ملايين الدولارات على حروب نتنياهو، وهو غير معني بتعريض صفقاته الجديدة في شبه الجزيرة العربية للخطر. وهو بالتاكيد يستمع الى محمد بن سلمان اكثر مما يستمع لرجال نتنياهو.
بنظرة عالمية لا يوجد لنتنياهو مؤيدين، سواء في اوساط الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في الغرب أو اشخاص مثل فلادمير بوتين أو رجب طيب اردوغان، المقبولين على ترامب. في قائمة “انجازات” نتنياهو يمكن الاشارة الى تنكر معظم زعماء دول العالم له. ويوجد هناك امر اعتقال له في معظم الدول الاوروبية.
رجال الادارة في واشنطن يدركون ان نتنياهو ضعيف ويتعرض للابتزاز بشكل دائم. وفي الاستطلاعات يجد نتنياهو نفسه مرة تلو الاخرى في الاقلية. هم ادركوا ان نتنياهو يجرهم بدون توقف، واحيانا ايضا يقوم بخداعهم. رجال الادارة يرون انه توجد في اسرائيل بدائل سياسية مريحة اكثر لهم، ومن المرجح أنهم سيعملون على الدفع بها قدما. يبدو ان زعماء كندا وفرنسا وبريطانيا، وربما ايضا ألمانيا، سينضمون الى هذه العملية. انتخابات في اسرائيل في اقرب وقت هي الاحتمالية المفضلة والمعقولة. ايضا معظم الجمهور في اسرائيل يؤيد هذه الاحتمالية التي هي عملية ديمقراطية مطلوبة، ولن يصعب عليه الدفع بها قدما. تلميحات من قبل ترامب بشأن اشكالية نتنياهو واليمين المتطرف فقط ستقوي المنحى السائد في الاستطلاعات منذ فترة طويلة.
الادارة الامريكية الحالية توجد لها اداة ضغط مهمة على الحريديين، وهذه الادوات سيحسنون استخدامها على فرض انهم لا يريدون تفويت القطار. اذا تعاونوا في اسرع وقت لترسيخ مصالحهم في الحكومة القادمة. ولكن أنا اقدر أنهم سيصممون وسيخسرون لأنه حسب رأيي رؤساء الحريديين قصيرو النظر. في الولايات المتحدة ايضا يدركون القوة الصغيرة نسبيا لشركاء نتنياهو في اليمين المتطرف. مثلا، سموتريتش الذي لا يتوقع اجتياز نسبة الحسم.
الاطاحة بنتنياهو يمكن ان تكون مرفقة بانتقاله الى امريكا، الى جانب تسوية اموره القضائية التي يتوقع تفاقمها في اعقاب قضية قطر غيت وتشكيل لجنة تحقيق رسمية. ترتيب مشابه تم في السابق مع زعماء فاسدين في امريكا اللاتينية عند استقالتهم.
صبر ترامب ينفد. ليس لديه أي مصلحة في أن يتسبب نتنياهو “الخاسر” في تآكل انجازاته الهامة الاخيرة. مرحلة الاطاحة بنتنياهو تقترب.
-------------------------------------------
معاريف 27/5/2025
كيف سيغلق الرئيس ترامب الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل
بقلم: افي اشكنازي
“حرب العشرين شهرا” تصل على ما يبدو الى الانطواء. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيحاول أن ينقذ ربما شيئا ما آخر كي يقلص قدر الإمكان الاهتزازات في الائتلاف. مهمته هي انقاذ 58 مخطوفا والنجاة 58 يوما حتى إجازة الصيف للكنيست.
لكن في الجيش الإسرائيلي وفي جهاز الامن يفهمون بانه من الأفضل انهاء المعركة في قطاع غزة الان باتفاق جيد. اتفاق يجلب المخطوفين الاحياء الى الديار والشهداء الى قبر إسرائيل. المعركة في القطاع الان تضغط على حماس في عدة ابعاد. ولعل هذا هو السبب الذي جعل المنظمة تعمل أمس بكد كي تبشر لكل العالم كم هو الاتفاق قريب.
الخطوة الأولى في عملية الجيش الإسرائيلي الان هي تحريك السكان من شمال القطاع ومن مدينتي خانيونس ورفح. لقد جعل الجيش الإسرائيلي مناطق واسعة في غزة مدن اشباح، جزر خرائب. الخطوة الثاني هي استيلاء الجيش الإسرائيلي على الأراضي ونزع ارض غزة من الغزيين وحماس. حتى الان نجح في أن يسيطر على نحو نصف أراضي القطاع.
الخطوة الثالثة هي الضربة الكبيرة لقدرات حماس العسكرية. هنا ينبغي أن نعرض الصورة بشكل واسع: منذ بدأت حملة “عربات جدعون” صفى الجيش الإسرائيلي اكثر من 800 مخرب، بينهم 50 مسؤولا في حماس. نفذ اكثر من 3100 هجوم على اهداف للمنظمة. وفي اليومين الأخيرين فقط هوجم 200 هدف.
سلاح الجو يعمل بشكل منهاجي. يتلقى معلومات استخبارية دقيقة من الشباك ومن شعبة الاستخبارات وكذا من الفرق المناورة الخمسة. العمل هو دقيق ضد مخربين، مبان – بعضها مباني مدارس جعلتها حماس قيادات، انفاق تحاول ترميمها، مواقع اطلاق وغيرها.
الخطوة الرابعة هي تجاوز حماس في توزيع المساعدات الإنسانية، وهكذا ضرب قدرة الحوكمة لديها حيال السكان المحليين.
لقد تعرضت حماس لضربات قاسية. ولكنها لا تزال تقف على قدميها. لديها الاف الصواريخ ومئات عديدة من الانفاق. حماس هي المنظمة السلفية الأكثر تطرفا بحيث أن روحها وايديولوجيتها لم تنفذا ولن تنفذا في المستقبل.
حماس لا تشكل اليوم تهديدا وجوديا على إسرائيل. وليكن واضحا: الجيش الإسرائيلي لن يصل الى النفق الأخير، الى المخرب الأخير، ولا حتى الشبشب الأخير (حسب نتنياهو). لا غدا ولا بعد خمس سنوات من الحرب.
جهاز الامن والجيش الإسرائيلي سيحتاجان لان يعملا في العقود التالية بشكل منهاجي لاجل منع حماس من إعادة بناء نفسها وبناء قدراتها العسكرية – صغيرة أم كبيرة.
إسرائيل ملزمة بان تبني اليوم التالي. ليس فقط من يحكم في غزة بل كيف ستتم الرقابة الاستخبارية وماذا سيكون العمل العسكري الإسرائيلي في القطاع بعد حرب العشرين شهرا.
الان يبقى ان ننتظر لنرى كيف سيغلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحرب الأطول في تاريخ الدولة. حرب بدأت بالكارثة الأكبر للشعب اليهودي منذ المحرقة، وهي الان تقف في مفترق هام قبيل تغيير شكلها وسلوكها.
------------------------------------------
هآرتس 27/5/2025
ماذا لو ضغطوا على الزر الذي قتل تسعة اطفال، ايديهم ستبقى نقية وطاهرة
بقلم: روغل الفر
يتجول الآن بيننا عدد من المواطنين الذين يخدمون في الجيش الاسرائيلي، وهم مسؤولون مباشرة عن قتل تسعة اخوة اعمارهم اقل من 12 سنة، في هجوم على بيتهم في خانيونس. ربما هم في الجيش النظامي أو في الجيش الدائم أو في الاحتياط. هذا لا يهم. النشاطات التي نفذوها انتهت بموت تسعة، تسعة اطفال، اعمارهم اقل من 12 سنة، والدهم اصيب اصابة بالغة، وكذلك ايضا الاخ الوحيد الذي بقي على قيد الحياة. الجثث الصغيرة كانت محروقة وممزقة. الأم شاهدت الجثث واشلاء اولادها عندما تم احضارهم الى المستشفى، هي طبيبة هناك.
الجمهور في اسرائيل لا يهتم بألمها في افضل الحالات، وفي اسوأ الحالات هو يحتفل بمشاهدة هواية الانتقام. الوالد ايضا هو طبيب. الوالدان ليس لهما أي صلة بحماس، هما طبيبان. كل اولادهم الذين قتلوا في العملية اعمارهم اقل من 12 سنة. هم اطفال، ليسوا مخربين. هم ابرياء ولا يستحقون الموت. الاطفال الموتى لا توجد لهم أي صلة بحماس. اطفال صغار لم يخططوا لقتل الجنود. أو اغتصاب النساء في غلاف غزة أو اختطاف من هناك مسنين في سيارات التندر أو على الدراجات.
ما الذي سيقوله لانفسهم الجنود الذين قتلوا هؤلاء الاطفال؟ سيقولون لانفسهم بأنهم هم انفسهم ابرياء. الاطفال قتلى ولكن هؤلاء الابرياء هم الذين قاموا بقتلهم. حيث أنه في نهاية المطاف قتل الاطفال في غزة ليس هوايتهم. بل هوايتهم في غزة هي الرفقة، البطولة وقتل المخربين، وليس الاطفال. اذا كان الامر هكذا فهل هم يقولون لانفسهم بأنهم اخطأوا، خطأ ساذج لاناس ابرياء.
حسب بيان الجيش الاسرائيلي هم لاحظوا عدد من الاشخاص الذين اعتبروا مشبوهين في منطقة قتال خطيرة، التي سبق للجيش الاسرائيلي أن قام باخلائها من المدنيين لحمايتهم. من هنا فان الخطأ ليس خطأهم. ايضا هو ليس خطأ بريء. هم ببساطة لم يخطئوا. الاطفال هم الذين اخطأوا، الوالدان هما اللذان اخطأوا. هم حصلوا على فرصة مناسبة لاخلاء المكان من اجل حماية انفسهم. الوالدان هم المسؤولان عن موت الاولاد لأنهما لم يقوما باخلائهم وخرقا التعليمات. ربما هم يقولون لانفسهم بأنه كان هناك تشويش. هكذا الامر في ساحة القتال. فوضى. هذا يحدث. أمر لا يمكن تجنبه. ربما كان هناك سوء فهم بشأن المبنى الذي تمت مهاجمته. ربما الوالدان اخطآ في الاعتقاد بأنه يمكن العودة اليه. يصعب أن تكون والد، لا سيما في غزة. الآباء يرتكبون الاخطاء. احيانا اخطاء الآباء تكون قاتلة.
في كل الحالات الجنود هم الابرياء هنا. نواياهم حسنة. هم ما زالوا اخلاقيين، كل الجنود الذين شاركوا في العملية التي قتل فيها تسعة اخوة ابناء اقل من 12 سنة. ابرياء. اخلاقيون. الجنود الاكثر اخلاقية في العالم. هم على حق.
أي جندي في الجيش الاسرائيلي يديه غير ملطخة بدماء الأطفال الابرياء في غزة. الجنود هم الذين ينفذون بالفعل القتل، لكن الدماء توجد على ايدي مخربي حماس، وليس على ايديهم. حتى لو كانوا هم الذين ضغطوا على الزر الذي اطلق القنابل. وحتى لو كانوا هم المسؤولون عن التشخيص الخاطيء للهدف. وحتى لو كانوا هم انفسهم آباء لاطفال وقادرين على تخيل كيف سيشعرون لو أنهم شاهدوا جثث واشلاء اولادهم عندما يتم احضارها الى المستشفى.
الدماء ليست على ايديهم لأن ايديهم بريئة، وكذلك قلوبهم. هم الابرياء في هذه القصة. في هذه التراجيديا المخيفة.
رغم أن حماس لم تعد تشكل تهديد استراتيجي، ورغم أن القتال لم يعد ضروريا، وأن المخطوفين في الانفاق سيموتون بسببه، إلا أنهم ابرياء. هم جنود. تلقوا اوامر وهم ينفذونها. اوامر غير قانونية بشكل واضح؟ الجيش الاسرائيلي لا يعطي اوامر غير قانونية. الجيش الاسرائيلي هو الجيش الاكثر اخلاقية في العالم، لذلك فان أي امر يعطيه هو قانوني. وحتى هو أمر بريء. الجيش الاسرائيلي هو جيش بريء. انظروا الى 7 اكتوبر.
-------------------------------------------
يديعوت احرونوت 27/5/2025
فشل نتنياهو ليس في المجال القضائي بل في المجال الاستراتيجي
بقلم: بن درور يميني
نتنياهو يوجد في مرحلة “المجاكرة”. فهو يشد الحبل. يريد أن يثبت بان الحكم هو وهو الحكم. مثابة عبقري سياسي، هو مقتنع بان سلوكه الاستفزازي، تعيين رئيس شباك كما يشاء، يضيف له أصوات. فالتجربة من الحملات الانتخابية الأخيرة تثبت، كما يجدر الانتباه، بانه كلما خلق إحساسا بانهم يطالبونه اكثر، يتعزز اكثر. نتنياهو كان في اسفل الدرك الانتخابي في الاستطلاعات على الأقل، عندما بدأت التحقيقات ضده. ما أن بدأت – حتى بدأ الارتفاع في الاستطلاعات.
والان، كما يخيل، وضعه حتى افضل بكثير. وذلك لانه لا يدور الحديث عن مكتشفات جديدة لفساد شخصي أدت بشكل مفعم بالمفارقة الى مساعدته فقط. هذه المرة يدور الحديث عن صدام مقصود مع المستشارة، وحسب فتوى نشرتها مساء أمس غالي بهرب ميارا – مع محكمة العدل العليا أيضا. لكننا لسنا بعد في لحظة أزمة دستورية يتعين فيها على جهة أخرى من سلطات انفاذ القانون ان تقرر من تطيع، نتنياهو أم سلطة القانون. نحن لا نزال في مجال الغموض.
الموضوع هو أن هذا بالضبط لا يريده نتنياهو. لان اخفاقه الأكبر ليس في المجال القضائي. اخفاقه الأكبر هو في المجال الاستراتيجي. نحن نقترب من 600 يوم قتال، ولا يوجد حسم. وضع إسرائيل، كل يوم، يصبح أسوأ. حماس تتعزز ربما ليس في الجبهة العسكرية، لكن في الجبهة الدولية التي تصبح اكثر فأكثر عداء لإسرائيل. حماس حققت الهدف الأهم الذي باسمه خرجت الى الحرب – افشال التطبيع مع السعودية.
هكذا بحيث أنه على خلفية السقوط السياسي الذي هو سقوط استراتيجي، الذي يتحمل مسؤوليته نتنياهو وفقط نتنياهو توجد له الان مصلحة في جعل الموضوع القضائي هو المواجهة الأساسية. هناك هو يشعر بامان اكبر بكثير. هناك هو يمكنه أن يبيع، على الأقل لقسم من المصوتين، بانه ضحية الدولة العميقة. هناك هو يمكنه أن يروي قصص الف ليلة وليلة عن مؤامرات ضده. هو المسكين والضعيف الذي يقاتل ضد مضطهديه. هو محق ليس لانه محق. هو محق لانه ضعيف. انه الضعف، لكن من جهة اليمين. لقد سبق لترامب ان انتصر في هذه الورقة. في الماضي نتنياهو أيضا. هكذا هو مرة أخرى يراهن على الورقة إياها.
هذا بالضبط هو السبب الذي يدعونا الا نقع في خدمة نتنياهو. لا النخبة القضائية، لا قضاة المحكمة العليا وعلى راسهم الرئيس اسحق عميت، ولا المستشارة أيضا. لا تقعوا في هذا الفخ لانكم تلعبون بالنار. انتم لا تريدونها. اما نتنياهو فيحتاجها. لكن كلما كانت قراراتكم وتعليماتكم اكثر تطرفا – هكذا نتنياهو سيشعر براحة اكبر. هكذا بحيث أنه يجدر التفكير بلجم اكثر قليلا. لا حاجة للفاعلية. لا حاجة لتفسير بكاء للقانون. فالحكماء سبق أن علمونا انه لا يجب فرض القضاء على الجمهور الا اذا كانت اغلبية الجمهور يمكنها أن تقبله. هذه المرة يجب أن نقول – لا حاجة لقرار محكمة كدي ولا لتعليمات متطرفة وذلك كي لا تعطوا نتنياهو الذريعة لخرقها. القضاء، كما ينبغي أن نذكر أناس القضاء، ليس علما دقيقا. ولا توجد أي حاجة لان تتخذ قرارات قضائية تتناقض والقرارات السابقة مثلما حصل مؤخرا، فقط كي تثبت بان هنا الحاكم الأعلى.
على شيء واحد لا جدال. قرار المحكمة يجب أن ينفذ. واذا كان التفسير الصحيح للقرار هو أن نتنياهو لا يمكنه أن يعين دافيد زيني رئيسا للشباك – هذا ما سيكون. لكن حتى في الفتاوى بقيت الأمور غامضة. فالمستشارة قضت، من جهة، بان نتنياهو “عمل بخلاف حسم المحكمة العليا – في ظل خرق واع لتعليمات قضائية ملزمة” وان القرار بالتعيين “اتخذ في وضع تضارب مصالح”، لكنها تقضي أيضا بانه “يثور شك حقيقي اذا كان ممكنا تعيين اللواء زيني في المنصب”. في هذا “الشك” توجد فتحة هروب. لان نتنياهو، حسب المستشارة أيضا يفترض أن يعين وزير آخر يعالج الموضوع. فهل الوزير الاخر سيعمل ضد نتنياهو؟ في الحكومة الحالية لم يخترعوا بعد وزيرا كهذا. زيني سيعين مرة أخرى. وماذا عندها؟ هل ستستبعد المستشارة التعيين مرة أخرى؟
هكذا يوجد الان، وليعذرني أناس القضاء، لعبة أطفال. وهذا بالضبط ما يريده نتنياهو. المهم هو الا ننشغل بالموضوع الكبير، الحقيقي، الاستراتيجي. المهم الا ننشغل بالسقوط الذي توجد إسرائيل في ذروته. واناس القضاء يمنحونه بالضبط ما يريد. فحتى لو لم يكن هذا زيني، وحتى رسميا لو لم يختار نتنياهو رئيس الشباك التالي، فهذا سيكون احد ما يريده نتنياهو. فماذا اجدت محاولات أناس القضاء. يبقى الامل فقط بأمر واحد. كائنا من كان رئيس الشباك القادم، فان الرسمية ستتفوق عنده أيضا على التحيزات السياسية. لقد سبق أن كان لنا هنا رئيس شباك ومستشار قضائي ومفتس عام شرطة، ثلاثتهم مع كيبا، ثلاثتهم مع أمل في أن يخدموا الملك وليس المملكة – وثلاثتهم لم يخدموا الملك. هكذا بحيث أنه في المرحلة التي نوجد فيها، يجدر بنا أن نشغل صافرة التهدئة. لا حاجة للمواجهة، فهي لن تخدم سلطة القانون، انها لن تخدم الا نتنياهو فقط وحصريا.
-------------------------------------------
هآرتس 27/5/2025
93% من الإسرائيليين اليهود يؤيدون الفكرة الإبــادة الكامـلــــة لـ»العـمــالــيـق» الــعــرب ..
بقلم: شاي حزكاني تامير شوريك
في خضم حركة الاحتجاج ضد خطة فك الارتباط (عن غزة في سنة 2005)، ألقى رئيس المدرسة الدينية "يوسف لا يزال حيا" في يتسهار، الحاخام اسحق غينزبورغ، عظة في حديقة الورود القريبة من الكنيست. سبق لغينزبورغ أن نشر مقالاً بعنوان "باركوا هذا الرجل"، تكريماً لباروخ غولدشتاين (مرتكب مذبحة الحرم الإبراهيمي في سنة 1994، والتي أدت إلى مقتل 29 فلسطينياً) الذي كان قيد الاعتقال الإداري. بعد اغتيال رابين، كتب أيضاً كتاباً أجاز فيه قتل النساء والأطفال من غير اليهود. في كانون الثاني 2005، حدد رؤيته أمام مناصريه في القدس، والتي تتمحور حول موت الفكرة المؤسِّسة والساذجة للصهيونية العلمانية بشأن "الدولة اليهودية الديمقراطية".
العظة المعروفة، اليوم، باسم "حان الوقت لكسر الجوزة" سعت لترسيخ فكرة التفوق اليهودي في "أرض إسرائيل"، وإعداد الأجواء للقتل الجماعي للفلسطينيين والتطهير العرقي الكامل في البلاد. واليوم، على مشارف استكمال نجاح خطة الحاخام، من المفيد العودة إلى النظر في نياته.
وُلد الحاخام غينزبورغ في الولايات المتحدة في سنة 1944، وبدأ مسيرته حاخاما من خلال حركة "حباد" (من أكبر الحركات الحسيدية في أوروبا)، وهو يسكن، اليوم، في قرية "حباد"، وأصبح يتمتع بشعبية كبيرة جداً في أوساط الصهيونية الدينية، وخصوصاً وسط الحردليين. وهو يقدم مزيجاً فريداً في نوعه من الفكر الحسيدي والقومية المسيحانية المستوحاة من فكر الحاخام كوك (1865-1935، من أهم مفكّري الصهيونية) والحركة التصحيحية. وكان طوال سنوات يوجّه رسائله إلى عامة الناس، ومن بينهم العلمانيون في مجال العصر الجديد وعلم النفس اليهودي.
المجموعة الأكثر تقديراً له هي الميليشيات المسلحة التي يُطلق عليها اسم "فتيان التلال"، وهي المسؤولة عن المذابح الأسبوعية وأعمال القتل في الضفة الغربية. ويعتقد غينزبورغ، بعكس حركة "غوش أيمونيم" (حركة دينية متطرفة مؤيدة للاستيطان) أنه لا يحق للفلسطينيين الحصول على وضع "مقيم أجنبي"، وأن وجودهم في أيّ أرض من "أراضي إسرائيل" هو كفر.
شبّهت العظة إسرائيل بجوزة مؤلفة من 4 قشور: الثمرة وترمز إلى شعب إسرائيل، أمّا القشور، فهي دولة إسرائيل العلمانية ومؤسساتها.
وفي رأي الحاخام، كان شعب إسرائيل، في بداية الطريق، بحاجة إلى هذه القشور لكي ينمو ويتطور. لكنه، اليوم، يرى أن هذه القشور تحولت إلى عنصر يعيق تطوُّر شعب إسرائيل في أرضه، لذلك يجب كسر هذه القشور وتحطيمها من أجل قدوم المسيح المنتظر. هناك 3 قشور، وسائل الإعلام والمنظومة القضائية وأجهزة الدولة، وهو يعتبرها نجسة ويجب تحطيمها، أمّا الجيش الذي يشكل القشرة الرابعة، فيمكن إصلاحه، لكن يجب إحراق القيم الأخلاقية التي تفشّت فيه.
بالنسبة إلى غينزبورغ، منذ سنة 2005، لم يعد المقصود أفكاراً نظرية، بل رؤيا واضحة يجب على أتباعه العمل في ضوئها. لكن الخطة كانت بحاجة إلى الفرصة المناسبة... وهذه الفرصة سنحت في 7 تشرين الأول. كتب غينزبورغ في نشرته الإخبارية "نيفلاوت"، بعد أسابيع على "المذبحة"، إن "وحشية" العماليق التي تتجلى في أعمالهم تتطلب منا التمسك بمبدأ "اقضِ على ذِكر العماليق تحت السماء - إبادة كاملة". أمّا التضحية بالمخطوفين من خلال المعارضة الشديدة للصفقة، فكان ثمناً معقولاً يمكن دفعه في سبيل ما يسميه الحاخام "النصر المطلق".
من أجل معرفة مدى جاذبية اللغة المروعة التي يستخدمها غينزبورغ، في نظر الإسرائيليين اليهود من مختلف طبقات الشعب، الذين يتوقون إلى "حل" للمشكلة الفلسطينية، يمكن العودة إلى أرقام استطلاع أُجريَ في آذار من أجل فحص سلسلة من "المسائل غير المهذبة"، لا تظهر في الاستطلاعات التي تُجرى بصورة دائمة في إسرائيل. أجرى هذا الاستطلاع أحد المتخصصين، بناءً على طلب من جامعة بنسلفانيا، وشمل 1500 شخص يشكلون نموذجاً يمثل السكان اليهود في إسرائيل.
طرح الاستطلاع السؤال التالي: هل تؤيد الحجة القائلة، إنه عندما يحتل الجيش الإسرائيلي مدينة معادية، يجب عليه أن يتصرف مثلما تصرّف بنو إسرائيل عندما احتلوا أريحا تحت قيادة يهوشواع، أي أن يقتل كلّ السكان؟"
فأجاب نحو 47% من الذين شملهم الاستطلاع بنعم. بينما قال 65%، إن هناك تجسيداً معاصراً للعماليق، ورأى 93% من هؤلاء أن الوصية الدينية بمحو ذِكر العماليق لا تزال تنطبق على عماليق هذه الأيام.
وأعرب 82% من الذين شملهم الاستطلاع عن تأييدهم للتهجير القسري لسكان قطاع غزة، وأيّد 56% التهجير القسري للمواطنين العرب في إسرائيل. هذه النسبة المؤيدة للتهجير كانت 45% و31% في استطلاع يعود إلى سنة 2003.
هناك دليل آخر على الانتصار الكبير الذي حققه غينزبورغ يمكن رؤيته في التبني الواسع النطاق للمواقف المؤيدة للتطهير الإثني والإبادة الجماعية من طرف الجمهور العلماني الذي فشل في تقديم بديل من الصهيونية المسيانية، إذ يؤيد أكثر من 69% من العلمانيين التهجير القسري لسكان غزة، و31% منهم يعتبرون إبادة سكان أريحا سابقة يجب على الجيش تبنّيها.
أمّا الإنجاز الاستثنائي للحاخام غينزبورغ بشأن كسر القشور، فحقّقه حتى بين أنصاره غير المباشرين. الإعلام العبري، القشرة الأولى، كان في حالة تعبئة دائمة، لكنه حافظ على شيء من الاحترافية. وفي الفترة الأخيرة، تخلّت إسرائيل عن هذا المظهر. ومنذ "المجزرة" في غلاف غزة، تخلى العديد من الصحافيين عن التغطية النقدية، وانضم بعضهم إلى الدعوات المحمومة إلى الانتقام والطرد والإبادة.
وحتى منظومة القضاء، التي رفضت، علناً، إعلان تفوُّق اليهود في "أرض إسرائيل" وحقهم في طرد وإبادة وتجويع أعدائهم، في مقابل دورها الحاسم في المحافظة على الاحتلال، والتي شبّهها غينزبورغ بحجر أساس يجب كسره... والتي تمثّل على القشرة الثانية، شهدت تبدلاً في الفترة الأخيرة. قبل شهرين، رفض قاضي المحكمة العليا، ديفيد مينتس، الالتماس الذي قدمته منظمة "غيشا" لإجبار إسرائيل على تأمين تزويد القطاع بالمساعدات الإنسانية، بحجة أنها حرب "وصايا توراتية"، ومنع فعلياً ملايين الغزيين من الحصول على الطعام والمياه والدواء. فالحكم الذي أصدره القاضي مينتس، وهو من سكان مستوطنة "دولف"، وانضم إليه رئيس المحكمة يتسحاق عميت والقاضي نوعام سولبرغ، من مستوطنات آلون شافوت، بدأ يترك أثره.
يرى البعض أن الصدمة والقلق اللذين أصابا المجتمع الإسرائيلي في أعقاب أحداث 7 تشرين الأول هما التفسير الوحيد لهذا التصعيد. لكن يبدو أن "المجزرة" لم تكن سوى المحرك الذي حرّر شياطين تغذّت وتربّت على مدى عقود في الإعلام، وفي المنظومة القضائية، وفي التعليم. فالصهيونية، إلى جانب كونها حركة قومية، هي أيضاً حركة مستوطنين مهاجرين، تسعى لإزاحة السكان المحليين. ودائماً ما تواجه مجتمعات المستوطنين المهاجرين مقاومة عنيفة ووحشية من الجماعات الأصلية، التي ترفض انتزاعها من أرضها. إن الطموح إلى تحقيق أمن مطلق ودائم قد يؤدي إلى خطة عملية تهدف إلى إزالة السكان المعارضين، ولذلك، فإن كل مشروع استيطاني يحمل في طياته إمكانات للتطهير العرقي والإبادة الجماعية، مثلما حدث فعلاً في أميركا الشمالية في الفترة الواقعة بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، أو في ناميبيا في مطلع القرن العشرين.
إن الحردلية، التي يُعد اسحق غينزبورغ من أبرز قادتها في هذا الجيل، تقدم للإسرائيليين غطاءً دينياً لمحو الهوية الأصلانية الفلسطينية. وهي توفر لغة وخطة عمل للمتدينين والعلمانيين الذين يبحثون عن "حل" للصراع لا يتطلب منهم التنازل عن امتيازاتهم في ظل نظام التفوق اليهودي. حتى استخدام اللغة التوراتية لتبرير جرائم الحرب ليس جديداً على الصهيونية؛ لقد استخدم المستوطنون الطهرانيون في أميركا، وفي أيرلندا، وفي أماكن أُخرى، الكتاب المقدس، وشبّهوا الشعوب الأصلية التي قاومتهم بالعماليق والكنعانيين، وبالتالي مارسوا ضدها التطهير العرقي والإبادة الجماعية.
من المهم التوضيح: هذا المسار ليس حتمياً، فالصهيونية المسيحانية تسعى فعلاً لمنع عملية إنهاء الاستعمار في إسرائيل وفلسطين، لكنها لا تجعله أمراً مطلقاً. لقد توفّر لمعارضي المسيحانية عدد من مفترقات طرق، كان في إمكانهم اختيار مسار مختلف فيها، لكن الثمن كان أن يعيدوا اختراع أنفسهم، كإسرائيليين من نوع جديد. وبغياب الاستعداد للقيام بذلك وبلورة رؤية متكاملة تقوم على تفكيك نظام التفوق اليهودي والآليات الاستعمارية، ظلت الأبواب مفتوحة لرياح الجنون التي يمثلها غينزبورغ وأمثاله. وإذا كان هناك أمل بوقف الاندفاع نحو مجتمع إسبرطي ومنبوذ، فهو يكمن في الرفض الكامل لفكرة التفوق اليهودي، ولمنطق التهويد، حتى بصيغته المقبولة، اليوم، لدى الصهيونية العلمانية. فالرؤية البديلة من المسيحانية الانتحارية هي الشراكة والمساواة الحقيقية بين البحر والنهر.
------------------------------------------
يديعوت 27/5/2025
الدولة التي تتخلى عن مختطفيها لدى «حماس» ليست بلدي
بقلم: عنات ليف-أدلر
في كتابه "1984"، الذي تنبأ فيه بالمستقبل بطرق مخيفة للغاية، ابتكر الكاتب جورج أورويل "الغرفة 101". وهنا يعرض الحاكم الشمولي المواطن المسجون لأعمق كابوس ورعب، من أجل كسر روحه. ومن كان يصدق أنه من خريف العام 2023 وحتى صيف العام 2025، ستصبح غرفتنا رقم 101 مسكنا للمختطفين.
نعم، هذا هو الكابوس الذي يطارد الغالبية العظمى من الإسرائيليين ليلاً ونهاراً، وهم يرون أمام أعينهم كيف يتم تفكيك دولة إسرائيل، التي تأسست على قيم الاحترام المتبادل والمسؤولية، وتجريدها من جوهرها. منذ 591 يوماً، يتخلى أصحاب السلطة عن المختطفين الأحياء الذين تمكنوا بشق الأنفس من البقاء على قيد الحياة حتى هذه اللحظة، ويرسلون إشارات الحياة من أعماق الأنفاق الترابية، والرطوبة، والجوع، والتعذيب، والظلام، والموت.
لا، هذه ليست "مأساة شخصية لـ 22 عائلة" كما أعلن أحد المتشككين في الحكومة، بل هي المأساة الوطنية الأكثر شمولاً وفظاعة التي عرفناها، وليست مجرد إهدار ساخر وخبيث للحياة ترتفع منها رائحة خانقة، بل تدمير وجه البلاد كما عرفناها، ونشأنا عليها، لكنها لن تكون كما كانت أبداً. بلد نشك في أننا سنكون قادرين على الاستمرار في الانتماء إليه، عندما نستيقظ في ذلك الصباح الأسود عندما ستعلق علامات العار على حزامنا الأبدي وأرواحنا، نتيجة دخول الأرض الذي بدأ، الليلة الماضية. مدخل من الممكن أن يؤدي بنسبة عالية جدا إلى قتل الرهائن، الذين سيدركون في لحظات الرعب و"الإرهاب" الأخيرة أن الدولة التي ستفعل كل شيء لإنقاذهم قد تم تدميرها وإسكاتها. إن علامات العار التي ستبقى في آذاننا إلى الأبد هي أصداء الصرخات المؤلمة التي أطلقتها عيناف من أجل متان، وإيديت من أجل ألون، وداني من أجل عمري، وسيلفيا من أجل ولديها، وكل الآباء والأبناء من أجل أحبائهم الذين يصرخون إلينا من الأرض منذ عام ونصف العام.
"المختطفون الأحياء في خطر داهم، والسياسة الحالية تقضي عليهم. كل قصف وكل تأخير في إطلاق سراحهم يزيد من هذا الخطر، فوفقا لشهادات ناجين من الأسر، كلما اقترب القتال من مناطق احتجاز المختطفين زاد شعور الخاطفين بالتهديد، وزادت ردود أفعالهم الاندفاعية وغير العقلانية. إضافةً إلى ذلك، يُبدد النشاط العسكري فرصة استعادة الجثث التي قد تختفي إلى الأبد بسبب صعوبة تحديد أماكنها والتعرف عليها، وانهيار الأنفاق، وتغيرات التضاريس، وتفكك التسلسل القيادي، ونقص المعلومات الاستخبارية المُحدثة". هذا ما كتبته عائلات المختطفين، الليلة الماضية، في وثيقة موقف رفعوها إلى الحكومة والجيش. "يمكن لإسرائيل الآن أن تختار الحياة وتعيد جميع المختطفين. هذا هو الوقت المناسب للاختيار بين إنقاذ الأرواح أو التخلي عنها".
البلد الذي لا يعيد رهائنه من الجحيم ليس بلدي. هذه بالتأكيد ليست الدولة التي باسمها سار الجاسوس الشجاع، إيلي كوهين، إلى المشنقة، حيث أعيدت إلى إسرائيل، قبل أيام، الوثائق المتعلقة بنشاطاته في سورية.
ولكن دولة إسرائيل لم تفشل فقط في اتخاذ الإجراء الإنساني والأخلاقي واليهودي والإسرائيلي المطلوب لمدة 591 يوماً ولم تعد رهائنها في صفقة شاملة واحدة؛ كما أنها ترسل إلى المعركة المقاتلين الذين يعلنون أن قوتهم قد استنفدت، ولكن بعد جولات متكررة تستمر مئات الأيام لكل منها، يهددهم قادتهم بإرسالهم إلى السجن إذا لم يظهروا للدفاع عن استمرار الحكومة الخبيثة.
------------------------------------------
عن موقع "معهد دراسات الأمن القومي" 27/5/2025
جولة المحادثات الخامسة بين واشنطن وطهران: ما الذي تغيّر؟
بقلم: سيما شاين وإلداد شافيط
أُقيمت جولة المحادثات الخامسة بين الولايات المتحدة وإيران في روما (22 أيار الجاري)، وفي الخلفية، يكرّر كل الأطراف في الإدارة الأميركية، ويشددون على أن الاتفاق يجب أن يضمن عدم امتلاك إيران برنامجاً للتخصيب. في غضون ذلك، يكرّر الإيرانيون توضيحهم أن الأساس الوحيد لإجراء المفاوضات، بالنسبة إليهم، هو "الاستمرار في التخصيب على درجة منخفضة لأغراض مدنية في إيران." وقرر الطرفان العودة إلى الاجتماع قريباً.
سبقت الاجتماع محادثة هاتفية بين الرئيس ترامب ورئيس الحكومة نتنياهو، عبّر خلالها الرئيس ترامب، بحسب الناطقة بلسان البيت الأبيض، عن رغبته في التوصل إلى اتفاق مع إيران، إذا كان الأمر ممكناً، مشيراً إلى أن المحادثات تسير في "الاتجاه الصحيح". وقالت الناطقة بلسان البيت الأبيض، إن الرئيس رجل صفقات، وهو يؤمن بالوسائل الدبلوماسية. وبدا نشر هذا الكلام كأنه خطوة تهدف إلى التلميح إلى إسرائيل بأن عليها عدم التفكير في هجوم عسكري، على الأقل في هذا الوقت. يكتسب هذا الكلام أهمية خاصة، في ضوء التسريبات التي نشرتها وسائل الإعلام الأميركية، التي تحدثت عن رصد الاستخبارات الأميركية مؤشرات تدل على تحضير إسرائيل لهجوم على إيران.
من جهتها، تأمل إيران بأن تؤدي المحادثات إلى اتفاق على أساس موقفها المبدئي بشأن حقها في التخصيب، ومن خلال توضيحها أنها ستكون مستعدة لاتخاذ الخطوات المطلوبة، والتي تضمن أنها لا تنوي التوجه نحو برنامج نووي. في ختام الجولة الخامسة، قال وزير الخارجية الإيراني عراقجي، إن هذه الجولة كانت من أكثر الجولات مهنيةً، وفي تقديره، يوجد تفهُّم أفضل كثيراً لموقف إيران. ولمّح عراقجي في كلامه إلى أنه طرح مقترحات تقنية من أجل ردم الفجوات، ولكي يفحصها الطرفان، بحيث يصبح في الإمكان إجراء جولات المحادثات المقبلة وبلورة الاتفاق.
في المقابل، رفع الإيرانيون عتبة التهديدات إزاء إسرائيل لردعها عن القيام بهجوم. ويبدو كأن الإيرانيين يعون جيداً الاهتمام الإسرائيلي الكبير بـ"نافذة الفرص" من أجل مهاجمة البرنامج النووي، وذلك على خلفية الأضرار الجسيمة التي لحِقت بوكلائهم، وخصوصاً "حزب الله"، وفي ضوء ضعف إيران الذي كشفه الهجوم الإسرائيلي ضدها في تشرين الأول 2024.
بعد خمس جولات من المفاوضات، من الواضح جيداً أن الطرفين معنيان بمواصلة جهودهما لاستنفاد المفاوضات. ويفرض الجدول الزمني التوصل إلى تفاهمات في وقت قريب، قبل اتخاذ قرار بشأن تفعيل بند "سناب باك" الذي يعيد فرض عقوبات مجلس الأمن في موعد نهائي، هو تشرين الأول/أكتوبر. وأشارت مصادر أميركية إلى احتمال أن يكون الهدف الآن هو صوغ الأطر الأساسية لاتفاق جديد، وترك كثير من التفاصيل لمفاوضات لاحقة. وإذا تقدّم الطرفان في هذا المسار فعلاً، فثمة تخوُّف من أن تواجه المفاوضات بشأن الجوانب التقنية صعوبات قد تمنع تنفيذ اتفاق الإطار المبدئي، وهو ما سيسمح لطهران بكسب الوقت وتأجيل آلية العودة إلى تفعيل فرض العقوبات.
------------------------------------------
هآرتس 27/5/2025
تثبيت السيادة في القدس
بقلم: ياعيل فريدسون
صباح اليوم ستعقد الحكومة جلسة احتفالية في مدينة داود في قلب سلوان. إن عقد الجلسة في شرقي القدس في موعد معروف مسبقا، نشر في وسائل الإعلام. بالتأكيد ستسمع فيها تصريحات عن السيادة، والحكومة ستصادق على المزيد من ملايين الشواقل لجمعية "العاد"، التي تقوم بتهويد شرقي القدس. ولكن في هذه السنة ستسمع تصريحات فارغة بشكل خاص إزاء حقيقة أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سيسافر في الغد لتقديم شهادته في المحكمة المركزية في تل أبيب. يتبين أن عاصمة إسرائيل غير آمنة بما فيه الكفاية من ناحيتها.
طبقا للقانون فإن محاكمة رئيس حكومة إسرائيل تجري في المحكمة المركزية في القدس. قبل بداية مرحلة الادلة استثمرت إدارة المحاكم في ترميم قاعة كبيرة وواسعة في الطابق الثالث من اجل أن تستوعب مجموعة المحامين والمراسلين ويبقى أيضا مكانا لجمهور واسع. نتنياهو اختار عدم حضور النقاشات في المحاكمة، باستثناء بضع مرات، التي فيها تم إغلاق الشوارع في محيط المحكمة وهو أصبح هدفا محصنا.
اطلاق الصواريخ من اليمن غير خريطة التهديدات لإسرائيل. ومثلما كشف في "هآرتس" قبل شهادته في كانون الأول 2024 استخدم نتنياهو الضغط على رئيس الشباك رونين بار كي يقدم رأيا أمنيا يقول بأنه يجب تأجيل تقديم الشهادة لأسباب امنية. في الشباك وفي إدارة المحاكم بحثوا عن حلول تستجيب للحاجة إلى قاعة محصنة وطلبات الحماية، وفي نهاية المطاف تم اختيار القاعدة 201 في المحكمة المركزية في تل ابيب، التي تم اعدادها وتحصينها ضد اطلاق النار من اجل إجراءات محاكمة منظمات جريمة.
القضاة الثلاثة من القدس اضطروا في كل جلسة إلى الذهاب إلى تل ابيب، وحاولوا فحص عدة مرات اذا كان يمكن العودة إلى القاعة الاصلية. موقف إدارة المحاكم والشاباك الذي تم تقديمه مؤخرا، وهو دمج طلبات حراسة مبالغ فيها مع بيروقراطية حكومية، قرر بأنه لا يمكن العودة إلى العاصمة. على سبيل المثال، الإمكانية التي تم فحصها هي عقد الجلسة في المحكمة العليا، لكن هذا الاقتراح تم رفضه لأن اجراء محاكمة لرئيس الحكومة يعني "التأثير على القدرة على فتح باب المحكمة امام الجمهور الواسع، كما هو متبع منذ تاسيسها"، وذلك بسبب المطالبة بتقييد دخول الجمهور إلى محيط المحكمة. مكان آخر تم فحصه هو قاعة جلسات الحكومة في مبنى جينري في القدس. ولكن هذه الاحتمالية تم رفضها لأن اعداد القاعة مع قاعات مشاهدة وغرف اجتماعات ستحتاج إلى ميزانية كبيرة من اجل الصيانة. وحسب البيروقراطية في إسرائيل فستحتاج إلى ستة اشهر على الأقل من اجل استكمال المناقصة.
في الأسبوع الماضي نشرت مراسلة واللاه تال شليف بأن نتنياهو يريد المجيء إلى نهائي كأس الدولة في كرة القدم، في يوم الخميس في ستاد بلومفلد. هكذا نشأ وضع فيه رئيس الحكومة يريد المجيء إلى مكان عام معروف مسبقا، سواء في شرقي القدس أو في ستاد كرة قدم، يتم بذل الجهود لاظهار المرونة من ناحية إجراءات الحماية، في حين انه عندما يدور الحديث عن محاكمة رئيس الحكومة يطبعون الوضع الذي فيه بسبب اطلاق الصواريخ لا يوجد أي مكان آمن من اجله في عاصمة إسرائيل.
هذه رسالة مهينة للمواطنين. الحديث لم يعد يدور عن وضع مؤقت لحرب قصيرة ستنتهي، على المواطنين التعود على واقع صافرات الإنذار.
من بين الصور المثيرة للاهتمام من الحرب في أوكرانيا هو صورة للرئيس فلودمير زيلنسكي وهو يتجول في شوارع كييف في الأيام التي كان فيها الروس يلقون القنابل على المدينة. وقد فعل ذلك ليكون بمثابة نموذج شخصي وكي يبث المناعة والقدرة على الصمود للمواطنين. نتنياهو يتصرف بصورة معاكسة تماما: في بداية الحرب انتقل هو وزوجته إلى منزل الملياردير سيمون فالك، الذي فيه ملجأ نووي. وبدلا من حل مشكلة اطلاق الصواريخ التي عطلت حياة الإسرائيليين لسنة ونصف اختار نتنياهو تقديم شهادته في تل أبيب.
من يريد وبحق استعراض السيادة لا يجب عليه عقد جلسة للحكومة في سلوان، بل أن لديه قدرة على الظهور في المحكمة المركزية في شارع صلاح الدين.
-----------------انتهت النشرة-----------------