الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الجمعة 30/5/2025 العدد 1321

الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 30/5/2025
نتنياهو تدفعه شهوة الانتقام بسبب الإهانة التي تعرض لها من حماس
بقلم: اسحق بريك
شخصية نيرون القيصر المميزة دائما ارتبطت بقصة حريق روما الكبير في العام 64م. ولا توجد إجابة قاطعة على سؤال اذا كان نيرون هو المسؤول عن اشعال الحريق. ولكن المؤكد هو أن الحريق تسبب في تدمير أجزاء كبيرة في روما ولقي كثيرون حتفهم فيه.
نيرون كان قيصر مختلف عليه، إضافة الى موضوع الحريق. فمن جهة، هو دفع قدما بالفنون والتسلية، واقام العاب للتفاخر، وكانت له شعبية في أوساط عامة الناس. من جهة أخرى، حكمه اتسم بالقسوة والتبذير والريبة، الامر الذي أدى الى اعدام خصومه المحتملين، بما في ذلك من أبناء عائلته. وفي نهاية المطاف فقد دعم مجلس الشيوخ والجيش، وانتحر في العام 68م من اجل الهرب من الاسر. سواء احرق نيرون روما أم لا، فان قصة الحريق أصبحت جزء لا يتجزأ من الأسطورة التي تحيط بشخصيته كرمز للحكم الوحشي وعديم الرحمة.
خلافا لعلامات الاستفهام حول أفعال نيرون، الذي حكم روما قبل الفي سنة، لا توجد لنا أي حاجة للمؤرخين كي يبلغونا عن أفعال بنيامين نتنياهو. فنحن نرى باعيننا كيف يقوم باحراق الدولة ويدمر بشكل كامل المعايير والقيم والقوانين والديمقراطية واي مجال من مجالات الحياة وطابع الدولة في نظر العالم.
كان يوجد في التاريخ زعماء قاموا بتدمير دولهم، واحيانا دول أخرى – نتنياهو يحتل مكان محترم في هذه القائمة. فهو يفعل ذلك بتفوق، عندما تقوم طائفة من المتملقين الذين لا يوجد لهم عمود فقري بالسجود له بدون خجل، ويواصلون الجملة المعروفة (بالمعنى المشوش وليس الأصلي)، “من يدمرونك ومن يخربونك يخرجون منك”.
ما الذي جعل نتنياهو والمستوى السياسي والمستوى الأمني، المسؤولين عن الفشل الاقسى في تاريخ الدولة، وعن الإدارة الفاشلة للحرب التي لم تحقق أي هدف من أهدافها، يواصلون الحرب التي لن تتحقق فيها الأهداف التي تم وضعها. المستوى السياسي والمستوى الأمني يتصرفان كمسعورين، وكأنهم فقدوا القدرة على الحكم وتدفعهم الرغبة في الانتقام من الإهانة الشخصية التي الحقتها بهم حماس في 7 أكتوبر. خلال سنوات وثق نتنياهو بحماس. هو شجع على نقل أموال كثيرة في الحقائب الى هذه المنظمة. وهكذا مكنها من إقامة مئات الكيلومترات من الانفاق تحت الأرض، التي تملأ قطاع غزة على طوله وعرضه. حسب تقارير في وسائل الاعلام فان يوسي كوهين رئيس الموساد السابق، وهرتسي هليفي الذي كان في حينه قائد المنطقة الجنوبية، تم ارسالهما للالتقاء مع جهات قطرية. هدف اللقاء الذي كان بتوجيه من نتنياهو هو اقناع قطر بالاستمرار في نقل الأموال الى قطاع غزة، التي بعضها وصل الى ايدي حماس.
ان نقل هذه الأموال الذي تمت المصادقة عليه من قبل حكومة إسرائيل، استهدف كما يبدو منع الانهيار الانساني في القطاع والحفاظ على الاستقرار الأمني. مع ذلك، حسب تقارير في وسائل الاعلام الإسرائيلية فان نتنياهو تم تحذيره عدة مرات من جهات امنية، بما في ذلك الشباك، بان أموال قطر توجهها حماس الى اهداف عسكرية، بما في ذلك حفر الانفاق.
بسبب الأموال الضخمة التي حولها نتنياهو لحماس، فانه بعد 7 أكتوبر شعر بأن حماس قامت بخيانته واهانته تماما. عندها سيطرت عليه الرغبة في الانتقام واسعادة كرامته المفقودة. وهو لن يتراجع عن محاولة “تدمير حماس بشكل مطلق” حتى لو تم تدمير دولة إسرائيل.
هذا الشخص فقد التفكير العقلاني، وانحرف كليا عن السكة. حتى فرصة الانضمام للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى الدفع قدما بالعلاقات مع السعودية ودول أخرى في المنطقة رفضها بسبب الرغبة في الانتقام من حماس، وكي يبقى في منصب رئيس الحكومة. هو مستعد لفعل ذلك على حساب أمن الدولة. لم يعد لديه الآن ما يخسره، لذلك لا يوجد من يمكن التحدث معه. وقد ساهم في هذا الوضع أيضا المستوى السياسي والمستوى الأمني بصورة متغطرسة وأنا مضخمة واهمال اجرامي، وبعدم اعداد الجيش للحرب وتجاهل كل التحذيرات.
نتنياهو وشركاؤه في المستوى السياسي والمستوى الأمني هم المسؤولون بشكل مباشر عن موت آلاف المدنيين والجنود، واصابة عشرات الآلاف (كثيرون منهم بإصابة بالغة، جسديا ونفسيا)، وعن اختطاف مئات الأشخاص الذي يعضهم ماتوا في الانفاق وبعضهم ما زال محتجز في اسر حماس، وعن تهجير آلاف المواطنين من مستوطنات الجنوب والشمال، وعن تدمير مستوطناتهم واحراق تقريبا 200 ألف دونم من الاحراش الطبيعية والغابات والحقول، وعن الاضرار باقتصاد إسرائيل وعلاقاتها مع دول صديقة، وعن تقويض المجتمع ومناعته القومية، وعن تدمير الصحة والتعليم، وتدمير الجيش.
في كل أيام حكمه كرئيس للحكومة انشغل نتنياهو فقط بالنووي الإيراني، ولم يهمه على الاطلاق الجيش البري. هو سمح لخمسة رؤساء اركان بتقليص الجيش البري الى درجة أننا بقينا بدون جيش يمكنه الدفاع عن حدود الدولة والانتصار في الحرب، حتى لو في ساحة واحدة. في دولة سليمة كان نتنياهو سيعاقب على اهماله الاجرامي. ولكن رغم كل ما فعله بشعب إسرائيل، إلا انه لا يسمح حتى بتشكيل لجنة تحقيق رسمية، كي لا يسمع صوتنا علنا. هو لن يتحمل المسؤولية عن أي شيء، وحتى أنه قال بأن ضميره نقي، واستخف بالمحكمة العليا عندما اعلن عن تعيين دافيد زيني في منصب رئيس الشباك. الآن، رغم كل ما قيل أعلاه، فان نتنياهو والكابنت ووزير الدفاع يسرائيل كاتس ورئيس الأركان ايال زمير، جميعهم قرروا مواصلة الحرب، الامر الذي سيؤدي الى موت المخطوفين الذين بقوا على قيد الحياة، والى خسائر وجراح بالغة لجنود كثيرين آخرين، والى فصل مطلق لإسرائيل عن العالم، والى تعميق الانهيار الاقتصادي والمناعة الوطنية، ومنع إعادة بناء الجيش إزاء تعاظم التهديد الوجودي لإسرائيل. باختصار، استمرار الحرب سيؤدي الى دمار تام للدولة، وكل ذلك كما قلنا من اجل الحفاظ على بقاء الحكومة التي يترأسها نتنياهو ومن اجل الانتقام من حماس.
تصريحات واجابات نتنياهو في المؤتمر الصحفي الذي عقده في الأسبوع الماضي كانت غريبة. نتنياهو وشركاؤه سيسجلون وصمة عار خالدة في تاريخ الشعب اليهودي. ونحن لن نبعث من جديد إلا اذا استيقظ الشعب من سباته الشتوي وقام بازاحتهم.
------------------------------------------
إسرائيل اليوم 30/5/2025
الاستيطان في الضفة يتسع بوتيرة متسارعة
بقلم: حنان غرينوود
المزارع في الضفة أصبحت احد مشاريع العلم للحكومة الحالية وللصراع ضد خطة فياض (إقامة دولة فلسطينية بالامر الواقع) والبناء الفلسطيني غير القانوني في المناطق ج.
سواء المؤيدين للمشروع العظيم ام المعارضين له يتفقون على أن الحديث يدور عن خطوة محطمة للتعادل، بواسطتها تأخذ إسرائيل من جديد السيطرة على المناطق التي تخلت عنها قبل سنتين – ثلاث سنوات.
رواد المبادرة يبقون على سرية كبرى في كل ما يتعلق بالمزارع، مكانها وعملها، وبالتالي لا توجد معلومات تأتي بشكل رسمي عن عددها او مدى تأثيرها على الأرض. وعلى أساس معلومات جمعتها منظمات مختلفة، مجموعة البحث “تمرور” بقيادة د. شاؤول ارئيلي تكشف لأول مرة النقاب عن حجم المزارع وتأثيرها على الأرض.
حسب “تمرور” يوجد حاليا 133 مزرعة في كل ارجاء الضفة. في ضوء حقيقة أنه في 2021 لم تكن في الأرض حتى ولا مزرعة واحدة، فان هذا عدد هائل من المزارع. في السنوات الأخيرة كما يبدو هذا واضحا جدا في المعطيات الجديدة أيضا، بذلت جهود هامة لبناء المزيد فالمزيد من المزارع. في 2022 كان في الضفة 64 مزرعة، في 2023 وصل العدد الى 82، في 2024، في ظل الحرب ارتفع العدد الى 118، اما الان وكما اسلفنا يصل العدد الى 133 في كل ارجاء الضفة.
معناها العظيم ليس فقط في مجرد وجودها، بل في أراضي الرعي التي تستولي عليها. على نحو مفاجيء، هنا المؤيدون والمعارضون للمشروع يتفقون على الحقائق المبدئية – المزارع تستولي على أراض هائلة بسبب القطعان التي توجد فيها وهي تضيق على خطة الفلسطينيين الذين ينسحبون من المناطق ج.
بينما في اليسار يهاجمون الخطوة بحدة ويدعون بان المزارع تتسبب بطرد الفلسطينيين من أراضيهم، في اليمين يعتقدون بان هذه خطوة استراتيجية هدفها التعزيز الدراماتيكي للسيطرة في الضفة.
التغيير – أساسا مؤخرا
من معطيات “تمرور” يتبين بوضوح التأثير الدراماتيكي للمزارع على الأرض. في 2012 كان في الضفة 29 كيلو متر مربع من أراضي الرعي التي عمل فيها اسرئيليون، معظمها في منطقة السامرة وشمال غور الأردن. اما الان فقد اتسع حتى 2018 الى 116 كيلو متر مربع لكن معظمها في نفس الأماكن وفي بضع نقاط في جنوب جبل الخليل.
لقد وقع التغيير الدراماتيكي في 2019 و 2020، حين بدأ هذا المعطى ينمو بشكل دراماتيكي، بحيث أنه في نهاية السنة الثانية سجل 312 كيلو متر مربع من أراضي الرعي، معظمها في منطقة السامرة وبنيامين، مع مؤشرات متزايدة في جبل الخليل. لاجل فهم حجم التغيير – في 2020 اضيف 111 كيلو متر مربع من مناطق الرعي لتلك القائمة، مقابل 13 كيلو متر قبل ثلاث سنوات من ذلك.
وحسب المعطيات، في 2023 استولت المزارع على أراض بحجم 254 كيلو متر. في 2024 اضيف 116 كيلو متر أخرى. هذه السنة يبدو انخفاض دراماتيكي في الاستيلاء على الأراضي في المناطق ج، حيث 7 كيلو متر مربع فقط، لكن سبب ذلك اغلب الظن هو ان الأرض المفتوحة بدأت تنفد. بين القرى والمدن الفلسطينية والمستوطنات الإسرائيلية، الى جانب المزارع القائمة، لم يعد هناك أراضٍ كثيرة للاستيلاء عليها في مناطق ج.
------------------------------------------
هآرتس 30/5/2025
ترامب يقرر “اليوم التالي” في الشرق الأوسط وليس لإسرائيل الا ان تطيع
بقلم: تسفي برئيل
مفهوم “اليوم التالي” كان يمكن أن يترجم الحرب الى إنجازات بعيدة المدى تضمن فترة هدوء، فيها عودة المخطوفين، وعودة المخلين الى بيوتهم، والافق الاقتصادي والنظامي لدولة إسرائيل. بدلا من ذلك هو يمثل غياب مطلق لتخطيط سياسي وتسوية اخذة في التبلور ليس بيد إسرائيل.
في كل “الجبهات السبعة”، وهو مفهوم آخر يردد صدى حرب الاستقلال، اخذة في التراكم اتفاقات وتسويات مؤقتة. اذا صمدت هذه الاتفاقات فهي ستغطي على الحاجة الى إدارة “المعركة بين الحربين”، التي ميزت العقود الأخيرة، واملاء مكانة إسرائيل في الشرق الأوسط. هذه التسويات، لشديد الفشل، لا تاتي بفضل مبادرة سياسية بعيدة الرؤية لإسرائيل او على أساس خطة عمل منظمة التي تم التخطيط لها مسبقا، بل هي تبنى وتوضع وتملى على يد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتمتلك الشرعية من منظومات العلاقات التي يؤسسها مع عدد من دول المنطقة، وبالاساس دول الخليج وعلى رأسها السعودية. كلما تطورت هذه التسويات فانه يمكن القول ان النشاطات العسكرية لإسرائيل في الواقع وضعت الأسس لتسوية إقليمية جديدة، لكن ما يعتبر “تغيير لوجه الشرق الأوسط” ينفذه الرئيس الأمريكي الذي يقوم بتشكيل “اليوم التالي” كما يريد.
عندما يتم فحص على انفراد كل جبهة من هذه الجبهات التي جرت فيها الحرب، وندمجها في نسيج واحد، فانه تتضح لنا الجناح السياسي الإقليمي الجديد الذي تطور بعد 7 أكتوبر، وابرز انجاز عسكري وسياسي هو سحق قيادة حزب الله في لبنان وتحويله من تنظيم – حاكم توجد له دولة، ومن المحور الرئيسي في “حلقة النار” التي اقامتها ايران في المنطقة، الى تنظيم لزج.
في الواقع حزب الله ما زال يحتفظ بسلاحه وبالامكانية الكامنة ليهدد استقرار لبنان، ولكن بدون الركيزة الجماهيرية والسياسية التي اعطته الحياة لعشرات السنين. الرئيس والحكومة الجديدة في لبنان قاموا بإلغاء النموذج الذي استمر لسنوات كثيرة، والذي يقول بأن “المقاومة”، أي حزب الله، هي الضمانة لسيادة الدولة وأمنها.
الرئيس جوزيف عون، الذي عندما كان قائد الجيش عرف عن قرب المعادلة المهينة التي بحسبها الجيش هو ثانوي بالنسبة لحزب الله، بكونه عاجز امام العدو الإسرائيلي، أعاد الترتيب الصحيح لوضعه السليم عندما قال ان الدولة ستحتفظ بحقها الحصري للسيطرة بالوسائل العنيفة. التجديد ليس في الاقوال نفسها التي سبق وتمت صياغتها في القرار 1701 من العام 2006، الذي عليه يستند وقف اطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، بل في تطبيقها بالفعل.
العملية لم يتم استكمالها بعد. إدارة ترامب الجديدة سمحت لإسرائيل بتمديد تواجدها في لبنان الى ما بعد الستين يوم التي كان يجب فيها أن تنسحب، أيضا البقاء في خمسة مواقع في لبنان. يوجد لحزب الله سلاح كثير في شمال الليطاني، وليس كل مخازن السلاح جنوب الليطاني تم العثور عليها ومصادرتها. ولكن حتى رجال الامن الإسرائيليين يتاثرون من التصميم والوتيرة، وبالاساس من حقيقة ان نشر قوات الجيش في جنوب لبنان، يتم تقريبا بدون مواجهات مع نشطاء حزب الله. يصعب تخيل هذا الانقلاب المهم بدون الضغط الكثيف لترامب.
في نفس الوقت هو وبحق هدد الحكومة اللبنانية بعقوبات من اجل تسريع انتشار الجيش اللبناني في المنطقة وتحييد قدرات حزب الله العسكرية. وفي نفس الوقت تقييد حجم النشاطات العسكرية لإسرائيل في لبنان، الذي هو الان جزء لا يتجزأ من ساحة اللعب الامريكية، وإسرائيل يجب عليها ان تلعب فيها حسب قواعد جديدة.
في وقت قريب من انهيار حزب الله انهارت الجبهة السورية. هذه لم تكن “جبهة ساخنة”، التي واجهت إسرائيل مباشرة، لكنها شكلت جبهة داخلية لوجستية لحزب الله ومحور يربط بين ايران ولبنان. وكانت ساحة عمل رئيسية في “المعركة بين الحربين”، التي ادارتها إسرائيل. سقوط نظام الأسد والاستيلاء على الحكم على يد احمد الشرع ظهر بالنسبة لإسرائيل كفرصة لتثبيت مواقع سيطرة في سوريا وإقامة فيها قطاع امني، الذي سيمنع تمركز قوات معادية على طول الحدود. ولكن في تعريف “قوات معادية” شملت إسرائيل أيضا قوات الشرع نفسه الذي ما زال يعتبر في اسرائيل إرهابي وجهادي.
في الوقت الذي توجه فيه اسرائيل رؤية عسكرية تشبه التي وجهتها في حرب لبنان الأولى فهي تعتقد أنها تستطيع تجنيد الى جانبها “حلف من الأقليات”، الدروز في جنوب سوريا والاكراد في الشمال، كي يتم استخدامهم كقوات صد تكتيكية، والاهم من ذلك هو انهم سيقيدون سيطرة الشرع على كل الدولة وسيمنعون انتشار قواته على طول الحدود مع إسرائيل. إمكانية الاعتراف بنظام الشرع من اجل اجراء معه المفاوضات، على الأقل حول ترتيبات امنية ومنع المواجهة، تعتبر ليس فقط انها غير عملية، بل هي حتى خطيرة، حيث ان تفسيرها هو التعاون مع تنظيم إرهابي. “التهديد السوري” تعاظم في الوقت الذي ظهر فيه ان تركيا أصبحت هي الدولة الراعية لسوريا، وانها تنوي ترميم جيش الشرع وإقامة فيها قواعد عسكرية.
المواجهة مع تركيا كانت على شفا الاشتعال، لكن في حينه ظهر ترامب وقلب طموح إسرائيل رأسا على عقب. خلافا لطلب إسرائيل عدم الاعتراف بنظام الشرع، فان ترامب استجاب لطلب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. فقد التقى مع الشرع وصافحه وقرر رفع العقوبات عن سوريا. بذلك اعطى الرئيس الأمريكي الشرعي الدولية لنظام اعتبرته إسرائيل عدو محتمل. “حلف الأقليات” وفكرة الحرب بواسطة امتدادات بديلة، تحل الآن مكانها تسويات وتنسيقات امنية، التي تتم صياغتها مباشرة بين ممثلين إسرائيليين وسوريين بـ “رقابة” أمريكية وبتنسيق تركيا. من المبكر القول ما اذا كانت هذه التطورات ستثمر ترتيبات دائمة جديدة او انضمام سوريا لاتفاقات إبراهيم. ولكن في هذه الاثناء أيضا في سوريا إسرائيل يجب عليها ملاءمة نفسها مع واقع سياسي ليست هي التي رسمته او بادرت اليه، الذي قواعده يتم تقريرها في واشنطن والرياض وأبو ظبي والدوحة وانقرة.
في شهر اذار هدد ترامب بان كل رصاصة يطلقها الحوثيون ستعتبر وكأنها اطلقت من ايران، وأن “القيادة الإيرانية ستتحمل المسؤولية وستعاني من النتائج، التي ستكون قاسية جدا”. بعد شهر ونصف من ذلك قرر بلورة “اتفاق” مع الحوثيين في اليمن ووقف حرب الولايات المتحدة ضدهم. القرار هو فقط مرحلة مكملة للبنية الفوقية التي يشكلها. هدفه، الذي اعلن عنه منذ فترة، هو تقليص ساحات المواجهة المشتعلة الى تسويات سياسية تحرر الولايات المتحدة من الحاجة الى “القتال من اجل الحفاظ على حدود دول أخرى”. إسرائيل التي تفاجأت بقيت وحدها في ساحة البحر الأحمر، التي تقلصت من تهديد الاقتصاد العالمي، وبالاساس اقتصاد دول المنطقة، الى ساحة مركزة امام إسرائيل. وبذلك فقد أصبحت اقل أهمية بالنسبة للعالم.
حتى مفهوم “حلقة النار” نفسه يحتاج الى تعريف جديد. منظومة المبعوثين التي اقامتها ايران في المنطقة من اجل استخدمها كقوات هجوم متقدمة وتهديد رادع ضد نوايا مهاجمتها، يمكنها ان تتلقى هدف جديد، محلي وليس إقليمي، اذا تم التوقيع على اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة. لأنه، كما يمكن الاستنتاج من تصريحات ترامب الأخيرة التي حذر فيها نتنياهو من مهاجمة ايران، فان الأخيرة “محمية” بحكم اجراء المفاوضات حول الاتفاق النووي، وهي ستكون محمية اكثر اذا تم التوقيع عليه.
افتراض إسرائيل الذي بحسبه تدمير غلاف منظمات وكلاء ايران سيحولها الى دولة هشة اكثر، تبين انه افتراض مبكر جدا، وربما هو افتراض غير واقعي. هي لم تتوقع “عامل ترامب”. هذا كان (وما زال) مفاجأة، مؤلمة، مهينة، وبالنسبة لإسرائيل أيضا مهددة. ترامب لم يتشاور مع إسرائيل عندما قرر اطلاق مفاوضات مع ايران، وقد ابلغ نتنياهو عن هذه الخطوة “المغيرة للعبة”، بشكل عابر، تقريبا كما فعل عندما اعلن عن وقف اطلاق النار مع الحوثيين.
التعامل بشبه تجاهل مع رئيس حكومة إسرائيل هو موقف خطير بحد ذاته ومسألة ثانوية. حتى الان لم يوقع اتفاق مع ايران، ومن غير المعروف اذا كان سيوقع عليه وماذا سيحتوي. ولكن ايضا إمكانية موافقة الولايات المتحدة على اتفاق مؤقت، او أي صياغة أخرى ستعتبر كنجاح سياسي لترامب، يمكن أن تقلص الطريقة التي ينظر فيها العالم، لا سيما الولايات المتحدة، الى التهديد النووي الإيراني. إسرائيل ستجد نفسها في حينه مثلما في الساحة الحوثية والسورية، لوحدها امام ما تعتبره تهديد وجودي. ولكن مقابل هذه الساحات، اذا قررت إسرائيل العمل ضد ايران بشكل مستقل فهي ستخاطر بمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
ان ابعاد إسرائيل عن المشروع الدبلوماسي الإقليمي الذي يشكله ترامب، والطريقة التي يرسم فيها حدود ساحة النشاطات العسكرية التي هي مخولة بالعمل فيها، تقلص هامش “المعركة بين حربين”، وستجبر إسرائيل على الانشغال في ما نجحت لسنوات في الامتناع عن فعله، بناء استراتيجية سياسية تتلاءم مع النتائج العسكرية التي حققتها، والتي حتى الان لم تعرف كيفية الاستفادة منها.
------------------------------------------
يديعوت احرونوت 30/5/2025
الحكومة توجد بفضل الحرب؛ الحرب تتواصل بفضل الحكومة
بقلم: ناحوم برنياع
حماس أرادت صفقة تضمن استمرار وجودها في غزة ووقف الحرب؛ حكومة إسرائيل ارادت صفقة تضمن استمرار سيطرتها في غزة واستئناف الحرب. المهمة التي اخذها على عاتقه بشارة بحبح، مبعوث ترامب الى حماس، وستيف ويتكوف، مبعوث ترامب الى إسرائيل، كان مليئة بالتحدي. كيف نجعل الطرفين يقبلان مسارا لا يضمن اعطائهما أي من المطالب التي طرحها. مثلما علمنا هنري كيسنجر، في أوضاع كهذه لا مفر من عدم الكذب. الكذب هو الزيت الذي يدخل المفتاح، الكف التي تدخل القدم في الحذاء.
بحبح، في الدوحة، شرح لممثل حماس بان 10 مخطوفين احياء أيضا سيصعبون على حكومة إسرائيل خرق وقف النار – وربما يصعبون عليها اكثر. فشهادات 10 يتحررون وصرخة عائلات لا يزال اعزاؤها في الخلف ستقوم بالواجب، وستخلق دينامية. في هذه الاثناء سينسحب الجيش الإسرائيلي من كل القطاع باستثناء غلافه الداخلي ويسمح لحماس بان تسيطر على توزيع المساعدات وإعادة بناء نفسها.
ويتكوف، في واشنطن، شرح لديرمر وبرنياع، مبعوثي نتنياهو ان المنحى هو المنحى ذاته والحرب هي الحرب ذاتها. إسرائيل لا يمكنها أن تستند الى الابد الى رفض حماس. من الأفضل لنتنياهو أن يقول نعم، والا فسيواجه الغضب المنفلت للرئيس.
الصفقات تتم في نقطة زمنية تكون فيها للطرفين مصلحة مشتركة؛ وكبديل هي تتم عندما يقتنع الطرفان بان بوسعهما ان يخرقا الصفقة ويخرجان بسلام. طرف واحد في هذه القصة قاتل؛ طرف ثاني محتال. أي منهما ليس جديرا بالثقة. وعليه فلا يتبقى لنا غير أن نرافق بالدموع وبالعناق 10 مخطوفين احياء يعودون الى الديار و 18 عائلة تدفن شهدائها وتغلق الدائرة.
الرقم 600 وحشي: 600 يوم و 600 ليلة. وهو يعطي تعبيرا ليس فقط عن معاناة المخطوفين وضائقة العائلات بل وأيضا لانعدام الوسيلة لدى الدولة في ضوء التبطل المتواصل. أطول حروب إسرائيل حيال اصغر اعدائها. أمور كثيرة انقلبت في عالمنا في هذه الـ 600 يوم. امران تبقيا على حالهما، ثابتان ومستقران: الحكومة والحرب. الحكومة توجد بفضل الحرب؛ الحرب تتواصل بفضل الحكومة. لكل شيء سيء توجد سابقة، لكني لا اعتقد انه يمكن أن نشير الى حرب في الماضي تحكمت فيها بهذا القدر اعتبارات الراحة السياسية.
انظروا الى وزراء الحكومة. الى المواضيع التي تشغلهم. الى مستواهم الشخصي. الى الأعداء الذين يريدون أن يبيدوهم والثورات التي يريدون أن يحدثوها. الى تصريحاتهم في جلسات الحكومة وفي الشبكة: هؤلاء هم الاصفار الذين صنعوا الـ 600.
المأساة والمهزلة
عمليا، ايران هي دولة نووية. استخدام كلمة “حافة” لا يستهدف الا أغراض التغطية، مثل دولة أخرى، تحمي الحافة أقدم بكثير من ايران. السؤال ليس اذا كانت إسرائيل قادرة على ان تهاجم النووي الإيراني بدون إذن، اسناد ودعم من الولايات المتحدة. لنفترض أنها قادرة. السؤال هو ماذا يعطي هذا، هل سيؤجل الانطلاق الرسمي لايراني نحو مكانة دولة نووية على المليء ام العكس، يعطي تبريرا للانطلاق بمبرر الدفاع عن النفس.
هذا الأسبوع نشر ان مبعوثي نتنياهو الى البيت الأبيض، ديرمر وبرنياع اوضحا لادارة ترامب بانها اذا ما توصلت الى اتفاق نووي مع الإيرانيين يتعارض وتوقعات إسرائيل، فان “الاتفاق لن يلزم إسرائيل، مثلما لم يلزمها الاتفاق الذي وقعه الرئيس أوباما”.
وكما يقول الاقتباس الشهير عن كارل ماركس، يكرر التاريخ نفسه بداية كمأساة، بعد ذلك كمهزلة. قبل 10 سنوات رفض نتنياهو الاتفاق رفضا باتا. تخلى عن إمكانية التأثير على مضمونه. بدلا من هذا شن حربا ضد الرئيس في واشنطن بما في ذلك ظهور كدي في الكونغرس من خلف ظهر الرئيس. وكانت النتيجة معاكسة: بدلا من منع الاتفاق، دفع إدارة أوباما الى الإسراع بالتوقيع على الاتفاق بشروط اقل جودة.
في أيار 2018، بالهام من نتنياهو، انسحب ترامب من الاتفاق. كان هذا الخطأ الثاني: بدلا من منع سباق ايران من النووي، حرر ترامب الحبال. العملية العسكرية التي تمناها نتنياهو لم تحدث لا بقرار امريكي ولا بقرار إسرائيلي. بينيت الذي خلف نتنياهو في رئاسة الوزراء، ادعى بان الملفات التي وجدها في هذا الموضوع كانت فارغة. بايدن، الذي أعاد بدء المفاوضات مع ايران، لم يصل الى نتائج.
الان ترامب يجرب قوته. على عادته هو يبحث عن انجاز سريع، لامع، مبهر: صفقة القرن. في وسائل الاعلام الامريكية أشاروا هذا الأسبوع الى أنه من نهاية نيسان وترامب يعد، ويعود ليعد، بانه يوشك على انجاز اتفاق لانهاء الحرب في أوكرانيا “في غضون أسبوعين”. “هذان هما أطول أسبوعين في التاريخ”، كما لاحظ بسخرية مراسل سي.ان.ان.
ترامب ليس أوباما. الكياسة ليست تعنيه. وقد اختار لان يرد على التهديد من إسرائيل بمكالمة تحذير هاتفية مباشرة الى اذن نتنياهو وبرد علني، امام الكاميرات. في عهد أوباما امتطى نتنياهو ظهر كونغرس جمهوري، الذي قفز على كل فرصة للخصام مع الرئيس. فعلى من سيمتطي الان؟ على الديمقراطيين الذين فقدهم؟ على الجمهوريين الذين يأتمرون بإمرة ترامب؟ ما هي الغاية من تهديد لا يمكن تحقيقه؟ ايران نووية هي بشرى سيئة. وها هو، مرة أخرى القطاع ينطلق على الدرب ومرة أخرى تبقى إسرائيل على الرصيف، مهزومة ومرتبكة. ترامب، مسيح حقنا، توقف عن احصاءنا.
-------------------------------------------
هآرتس 30/5/2025
الإخفاق الأكبر هو التفكير بأنه يمكن مواصلة الاحتلال الى الأبد
بقلم: زهافا غلئون
58 سنة من الاحتلال. 58 سنة من الكذب الفظ والهستيري، الذي من قاموا به اخذوا منا كل ما وافقنا على إعطائه لهم، وما زالوا يريدون المزيد. 58 سنة ونحن نقول لانفسنا باننا نحتفظ بالمناطق لأنه “لا يوجد امامنا خيار” و”من اجل الامن”. سنة تلو أخرى أمننا يتبدد اكثر، واصبح نكتة وغالي بدرجة مخيفة. بطريقة ما أيضا الآن، بعد المذبحة الفظيعة في 7 أكتوبر، وبعد سنتين على حرب خاسرة في غزة، مع عمليات يومية في الضفة، ما زال نفس المحتالين يبيعوننا نفس الكذب المستهلك.
هذا من اجل الامن! يعلن بنيامين نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير. نتنياهو من ناحيته يدفع قدما بامن الائتلاف، وشكاءه يحاولون الدفع قدما بامن غوش قطيف المستقبلي، وامن البؤر الاستيطانية الفظيعة التي أقامها أصحاب القمصان باللون البني لهم في المناطق. في البداية اوضحوا ان كل ذلك “من اجل المخطوفين”، والآن المبرر هو “من اجل الامن”. لا امن ولا مخطوفين، هذا قتل لعشرات آلاف المدنيين، بما في ذلك الأطفال، مقابل العقارات في غزة وفي جبال لبنان. كل شيء اصبح مكشوف، وفقط بين حين وآخر يعملون على تجميل الكذب للناس الساذجين بيننا، الذين لم يعرفوا بعد ماذا باعوهم.
نحن نستحق ذلك لأنه كان يمكننا المعرفة مسبقا. نحن اعتقدنا اننا نستطيع خداع التاريخ، والتهرب من مصير المستعمرين الاخرين، والنجاح في التظاهر بانه توجد هنا بلاد بدون شعب لشعب بدون بلاد. ولكن يوجد هنا شعب. وفي محاولة تجاهله وطرده ومحوه من البلاد التي عاش فيها وتشكل، فقد محونا أنفسنا.
صور الجمهور الجائع في غزة، الذي ينقض على أماكن توزيع المساعدات، هي دليل مخيف على ذلك. لا يوجد أي يهودي من الذين نجوا من الكارثة لا يعرف عن ماذا اتحدث. والدي عرفا ماذا يعني التجويع، وهربا عندما تمكنا من ذلك. امام هذه الصور يقف وزراء الحكومة ويضربون على صدورهم بتفاخر ويقولون: هذا نحن فعلناه! نعم، هم فعلوا، وعلى ذلك يتفاخرون، على الأطفال الجائعين الذين تم سحقهم حتى الموت في محاولة الحصول على علبة تونا. هكذا يتفاخرون أيضا بالشباب، الذين يضربون في يوم القدس على أبواب العرب وهم ينشدون “لتحترق قريتكم”، البعض منهم قام في السابق باحراق قرية أو قريتين في الضفة. تفاخر إسرائيلي، تفاخر يهودي، تفاخر عالمي.
كان هناك من عرف مسبقا. يشعياهو لايفوفيتش مثلا كتب في مقال نشره في 1968: “خلال فترة قصيرة ستقطع العلاقة الروحية والنفسية بينها (إسرائيل) وبين الشعب اليهودي، أيضا العلاقة الروحية والنفسية بينها وبين المضامين التاريخية لشعب إسرائيل واليهود”. نعم، بدلا من اليهودية حصلنا على لفتات يهودية فارغة مثل قبعة على رأس كهاني، ونجمة داود يقوم رجال الشرطة برسمها على وجه احد السجناء.
“كل مضمون الوحش الذي يسمى “ارض إسرائيل الكاملة” لن يكون إلا وجود الجهاز الحكومي – الإداري لها”، قال لايفوفيتش. “الدولة التي تسيطر على مجموعة سكانية معادية عددها 1.4 – 2 مليون اجنبي ستكون بالضرورة دولة شين بيت (شباك)، مع كل ما يترتب على ذلك من التداعيات على روح التعليم وحرية التعبير والتفكير وعلى النظام الديمقراطي. انقلاب نظامي؟ بذوره تم غرسها في السابق في حينه”.
فساد؟ حسنا. “الفساد المرافق لأي نظام استعماري سيرافق دولة إسرائيل أيضا. الإدارة ستضطر الى التعامل مع قمع حركة عصيان عربية… هناك خوف من ان الجيش الإسرائيلي أيضا – الذي كان حتى الان جيش شعبي – سيتدهور هو الآخر ويصبح جيش احتلال، وقادته سيصبحون حكام عسكريين، مثل نظرائهم لشعوب أخرى.
مرت سنتان، لكن الشعور هو أنه مر عقد. شعور معظم الإسرائيليين، بالطبع، ليس شعور من يمثلون الاحتلال الذين يجلسون في الحكومة. بالنسبة لهم الحديث يدور عن فترة معجزة. لم يكن في أي يوم واقع الدولة شفاف الى هذه الدرجة فيما يتعلق بما ترفض الدولة رؤيته. ففي حين تم تشريد مئات آلاف الإسرائيليين من بيوتهم، والمدن احترقت ودمرت في الشمال وفي الجنوب، كان احد الوزراء في الحكومة مسرور ببناء عدد من البؤر الاستيطانية الكهانية على أراضي فلسطينية في جنوب جبل الخليل.
هذا ليس بالصدفة. ففي الـ 56 للاحتلال كتبت هنا بان إسرائيل ليست دولة محتلة، بل احتلال له دولة. السنتان الاخيرتان اخذتا هذه المقاربة حتى النهاية. عندما اختفت الدولة بالنسبة لمئات آلاف الإسرائيليين، بالتحديد حينئذ كانت هي موجودة هناك بالنسبة للعنيفين والحالمين جدا في أوساط المستوطنين. وبينما كان الإسرائيليون يشاهدون انهيار أعمالهم التجارية ويحاولون الحفاظ على زواجهم في غرف الفنادق بعيدا عن بيوتهم ومجتمعهم، احتفلت اوريت ستروك وسموتريتش بعالم فيه كل شيء مسموح ومباح.
نحن استخففنا بإمكانية التسوية السياسية. فقد اعتبرت هذيان في حين أن ابناءنا تم ارسالهم للموت في شوارع مدن اجنبية، ومواطنونا ماتوا في شوارع مدننا. ولكن حل الدولتين في اطار اتفاق إقليمي لا يعتبر هذيان. هو الاحتمالية الواقعية الوحيدة التي في اطارها يمكننا العيش وإعادة تاهيل انفسنا، والبناء ومعالجة الجراح والسعي الى الحرية والسلام. هذه هي الطريق الوحيدة لتخليص عنقنا من حبل المشنقة الذي قمنا بلفه عليها. وعندما ينتهي كل ذلك سننظر حولنا باستغراب ونقول: كيف سمحنا لهذا الكابوس السام بالتواصل خلال سنوات كثيرة؟.
-------------------------------------------
هآرتس 30/5/2025
جنودنا ينفذون جرائم حرب، متى سننجح في رؤية ذلك؟
بقلم: دانيال بلاتمان
حتى لو كان هذا ليس الهدف من أقواله عن قتل الأطفال في غزة، فان يئير غولان اطلق رصاصة البداية لعملية ستستمر لسنوات بعد انتهاء حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل. أقواله غير اللطيفة تم الرد عليها في هجمات إجرامية من جانب قادة الإبادة الجماعية، من بنيامين نتنياهو وحتى بتسلئيل سموتريتش، ومن يقفون خلفهم، بني غانتس، افيغدور ليبرمان ويئير لبيد، بسبب كلمة هواية. ولكن هذا ليس الأساس. المهم هو مواجهة جرائم الحرب التي ينفذها الجيش الإسرائيلي، الذراع التنفيذي لسياسة الإبادة التي تمليها الحكومة. جيش الشعب، ابناؤنا وبناتنا، ينفذون جرائم حرب وابادة جماعية. ولكن هذا موضوع المجتمع الإسرائيلي غير قادر على لمسه.
في تحقيق ينيف كوفوفيتش (“هآرتس”، 18/12/2024) تحدث جنود عما حدث في محور نتساريم بعد ان اعلن الجيش الإسرائيلي عنه بانه منطقة محظورة اثناء تقسيم القطاع الى قسمين: كل من اجتاز الخط الوهمي تم اطلاق النار عليه وقتله، هكذا أيضا حدث مع الذين ضلوا طريقهم ولم يكونوا مسلحين، او مجرد يركبون على دراجات. في مناطق الإبادة لا توجد قوانين، وكل جسم يتحرك هو هدف. هذه شهادات قاسية بدون شك، لكن الشهادات الأكثر قسوة لا يتم نشرها في الصحف الإسرائيلية، ولا حتى في “هآرتس”.
طبيبان متطوعان تحدثا مع موقع “بوليتيكو” في 19/7/2024 عن الواقع في مستشفى في خانيونس، قالا: “نحن مررنا على صفوف من الأطفال قبل سن البلوغ، الذين تم اطلاق النار على رؤوسهم. وهم كانوا يموتون ببطء. وعلى الفور بعدهم وصل أطفال جدد الذين اطلقت النار على رؤوسهم. عائلاتهم قالت ان الأطفال كانوا يلعبون في البيت او في الشارع عندما اطلقت القوات الإسرائيلية النار عليهم”.
طبيب كندي عمل في مستشفى في رفح وصف صورة مشابهة لصحيفة “لوس انجلوس تايمز” في 16/2/2024: “سالت ممرضة عن الخلفية. فقالت لي ان الأطفال تم احضارهم قبل بضع ساعات. كانوا مصابين بنار قناص في الرأس. هم كانوا أبناء 7 – 8 سنوات… شاهدت حتى أطفال اصغر منهم مصابون بنار قناص في الرأس والصدر. هم لم يكونوا مقاتلين، بل أطفال صغار”.
كل هذا فقط نقطة في بحر. متى سيكون المجتمع قادر على النظر مباشرة الى هذه الفظائع التي تم تنفيذها بدون القاء المسؤولية على متخذي القرارات أصحاب اجندة الإبادة، أو مجموعات صغيرة تؤمن بان إبادة كل سكان غزة هي امر مشروع ومبرر؟ متى سيكون قادر على مواجهة الماضي، والاعتراف بالخطأ الفظيع والبدء في عملية التوبة، العلاج وإعادة البناء؟ اذا نظرنا الى تاريخ المانيا فان هذا يمكن ان يستغرق سنوات كثيرة.
بعد خمسين سنة على انتهاء الحرب العالمية الثانية، في آذار 1995، تم افتتاح في هامبورغ معرض، الذي عرض فيما بعد في مدن أخرى في المانيا، بعنوان “حرب إبادة: جرائم الرايخ، 1941 – 1944. هذه كانت انعطافة في النقاش الجماهيري، السياسي والاكاديمي، في المانيا بالنسبة للماضي النازي. للمرة الأولى تم عرض 1400 صورة ورسالة وأمر ومذكرات ميدان، التي دللت على التورط المباشر والممنهج لوحدات الرايخ (ليس الـ اس.اس) في إبادة اليهود والغجر، وقتل اسرى الحرب السوفييت، وتجويع السكان المدنيين في أوروبا الشرقية.
هكذا انهارت بشكل نهائي فرضية “الرايخ النقي” (المعادل الألماني لفرضية “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”)، التي تجذرت في وعي المانيا الغربية في الخمسينيات، ونسبت جرائم النازية فقط لـ اس.اس أو لمتطرفي الحزب. هذه الفرضية مكنت ملايين الجنود المسرحين من الاندماج في إعادة اعمار المانيا وفي المنظومة السياسية والاقتصادية، بدون ان يطلب من المجتمع اجراء حساب عميق للنفس على ما فعله ابناءه في شرق أوروبا في سنوات الحرب.
رد الجمهور الواسع على المعرض كان صدمة وتشوق الى معرفة الحقيقة. نصف مليون زائر تقريبا قاموا بزيارة المعرض في الأشهر الأولى. ولكن إضافة الى ذلك بدأ أيضا هجوم مضاد. فمنظمات المحاربين القدامى في الرايخ وجمعيات الضباط المحافظين وجهات سياسية يمينية، قامت بتنظيم مظاهرات ضد المعرض في المدن الألمانية، مع محاولة تخريب المعرض بالعنف.
مؤرخون مثل هانس مومزان وفيل رام فيته ويورغان كوكا اكدوا على أهمية المعرض. مومزان، وهو من طلائع الباحثين في المانيا النازية، قال ان المعرض الغى امتياز الانكار وحول التحقيق في الرايخ الى واجب بالنسبة لكل من يتناول تاريخ الكارثة. فيته، وهو خبير في التاريخ العسكري، نشر في 1996 مقال بعنوان “الجيش كمنفذ لسياسة عرقية”، وقال ان الأوامر الجنائية لـ “عملية بربروسا” (غزو المانيا للاتحاد السوفييتي في 1941) حولت الضباط الالمان الى شريك كامل في سياسة الإبادة.
كوكا قال ان ملايين الجنود العاديين لم يتمكنوا من البقاء أبرياء اثناء خدمتهم لنظام قاتل. هكذا هي الحال أيضا في إسرائيل. في اعقاب توجيهات المستوى السياسي فان القيادة العليا في الجيش الإسرائيلي تصدر أوامر لها تداعيات إجرامية، ومئات آلاف الجنود الذين ينفذونها لا يعود بإمكانهم أن يعتبروا أبرياء. الجميع شركاء في جريمة الإبادة الجماعية.
المؤرخ عومر بار طوف اثبت في بحثه المهم عن الرايخ (جيش هتلر، دبير، 998) بانه في مراحل تجنيدهم فان جنود الرايخ تم تشكيلهم من قبل منظومة تعليمية – دعائية، التي عرضت اسطورة الشيطان اليهودي – البلشفي كتهديد لمجرد وجود الشعب الألماني. عند غزو الاتحاد السوفييتي تسربت هذه الأيديولوجيا الى الأوامر الحربية. الحرب اعتبرت مهمة تدمير، وليس مواجهة عسكرية عادية. ظروف جبهة بربرية وخسائر كبيرة وثقافة نهب الممتلكات، عززت نزع الإنسانية المطلق لليهود والسلافيين. الجنود اعتبروا العنف والقتل الجماعي أمور مشروعة، وحتى أنها مطلوبة. بار طوف استنتج ان ادراك المشروع الأيديولوجي العنصري النازي يشرح التماهي الدائم للجندي الألماني مع اهداف الحرب للقيادة السياسية حتى انهيار المانيا.
في الجيش الإسرائيلي لا توجد بالطبع منظومة تلقين سياسية وايديولوجية تشبه المنظومة التي كانت في الجيش الألماني. ولكن عدد غير قليل من الجنود في الوحدات الميدانية يستمعون لقيادة دينية قومية متطرفة، بالأساس الحاخامات المتطرفين الذين منذ سنوات قبل الحرب الحالية يعتبرون الحرب مع العدو الفلسطيني حرب أيديولوجية وليس مواجهة عسكرية معقدة.
مثلما تحول اليهودي من ناحية الرايخ من انسان الى يهودي بلشفي، هكذا تحول الفلسطيني في إسرائيل من انسان الى مخرب – نازي. هذه البلاغة مبنية على مصطلحات دينية تقتضي من الجنود التعامل مع الحرب كحرب مقدسة، وتبرر نزع الإنسانية وابادة الفلسطينيين. على سبيل المثال، في عملية “الرصاص المصبوب” (2009) نشر ان الحاخام العسكري الرئيس في حينه افيحاي روندسكي قال: “ملعون من يشفق في الحرب على العدو”. وفي عملية “الجرف الصامد” (تمو 2014)، نشر قائد لواء جفعاتي، العقيد عوفر فنتر، على مرؤوسيه صفحة أوامر للقائد كتب فيها: “التاريخ اختارنا لنكون رأس الحربة لمحاربة العدو الإرهابي الغزي، الذي يدنس ويلوث ويلعن اله معارك إسرائيل”.
في الحرب الحالية، في اعقاب الصدمة من مذبحة 7 أكتوبر، نضج نزع الإنسانية المطلق عن الفلسطينيين وترجم الى إبادة جماعية. العميد يهودا فاخ قال في كانون الثاني 2024 بأنه لا يوجد أبرياء في غزة. في القناة 14 نشر ان قائد دورية غولاني قال لجنوده في نيسان 2025: “كل من تلتقون به هو عدو. اذا لاحظتم أي جسم فعليكم استخدام السلاح ومواصلة السير. يجب عدم الالتباس في هذا الموضوع”. الجنرال احتياط غيورا ايلاند دعا اكثر من مرة الى تجويع سكان القطاع ومنع ادخال المساعدات الإنسانية. تراكم هذه الاقوال من قبل رجال عسكريين يشير الى عملية أيديولوجية. قادة في الجيش يصورون الحرب كحرب إبادة، ويشرعنون خطوات متطرفة الى درجة اطلاق دعوات للابادة أو الطرد الجماعي.
عودة الى المانيا. كيف اثر المعرض حول جرائم الرايخ على الرأي العام في المانيا؟ الاستطلاعات التي أجريت من 1994 وحتى 2002 تعكس تغير دراماتيكي: من 48 في المئة الذين صدقوا بان الرايخ عمل باحترام طوال الوقت وحافظ على اخلاق القتال اثناء الحرب، انخفضت نسبتهم الى 27 في المئة فقط. برامج تعليمية في المدارس تم تعديلها، ووزارة الدفاع في الجمهورية الفيدرالية دمجت نماذج جديدة لتدريب الجنود، ركزت على المسؤولية الأخلاقية للشخص اثناء الحرب.
في 2005 اصدر البوندستاغ تقرير خاص عن ثقافة ذكرى وتعليمات التاريخ، اشير فيه الى المعرض كمسرع مركزي لتغيير هذا الفكر. الرئيس الألماني رومان هرتسوغ قال في خطاب القاه في 1997 بان “الشجاعة في النظر مباشرة الى جرائم جيشنا لا تضعف الوطنية بل تعززها”. هذا نقوله لنلفت انتباه الرئيس اسحق هرتسوغ.
تاثير المعرض على الذاكرة الجماعية الألمانية للابادة الجماعية النازية كان واسع النطاق وبعيد المدى. فقد غير نقطة الثقل في الذاكرة الجماعية: من خطاب “نحن أيضا عانينا”، الذي ركز على تدمير المدن في المانيا، وعشرات آلاف الضحايا المدنيين الذين قتلوا وتم احراقهم وهم على قيد الحياة في هامبورغ (1943) وفي درزدين (1945)، وجرائم الحرب التي ارتكبها جنود الجيش الأحمر في المانيا – الاغتصاب الجماعي للنساء ونهب الممتلكات وقتل المدنيين – الى موقف جديد موجهة نحو مسؤولية الضحايا.
المعرض أعاد الإبادة الجماعية الى مركز الرواية التاريخية التعليمية في المانيا وساهم في تبلور ثقافة ذاكرة نقدية تعتبر مواجهة المسؤولية الجماعية والماضي شرط مسبق للمواطنة الديمقراطية. عندما ستنجح إسرائيل في فهم العلاقة بين مذبحة 7 أكتوبر وبين الابادة الجماعية التي تنفذها الآن في غزة، بهذه الطريقة ستبدأ عملية التوبة.
مفكران يهوديان كبيران ادركا هذه العملية رغم أنه تفصل بيننا وبينهما 800 سنة. الرامبام (قوانين التوبة)، قال: “ما هي التوبة؟ ان يتخلى المخطيء عن خطيئته وان يقوم بمحوها من عقله وأن يعزم في قلبه بعدم العودة اليها… من يعرف الاسرار يشهد له بأنه لن يعود اليها ابدا”. الحاخام فيدال دي تولزا، ابن القرن الرابع عشر وصاحب كتاب “مغيد مشنيه”، قال عن اقوال الرمبام: “عبارة يشهد له… بأن لا يعود اليها أبدا، هو طلب للتغيير الذاتي الجذري: تغيير الهوية الأخلاقية حتى تنقطع علاقة الاستمرارية بين “الأنا” المخطئة و”الأنا” الجديدة”.
يشعياهو لايفوفيتش قال في آب 1982، في بداية حرب لبنان الأولى: “عندما يحتل شعب شعب آخر بسلطة قيسرية ويمنع عنه الحرية فانه بذلك يفسد نفسه. اذا لم نتجرأ على النظر الى ما فعلته أيدينا مباشرة والاعتراف به والشعور بالالم تجاهه، فنحن لن نحصل على نهضة أخلاقية شخصية أو نهضة قومية”.
------------------------------------------
معاريف 30/5/2025
المسؤولية القومية عن جرائم الحرب ملقاة على كل المجتمع الإسرائيلي
بقلم: ران ادليست
جدول أعمال هذا الأسبوع والشهر القريب القادم كان يفترض ان تمليه قصة 9 الاخوة والاخوات أبناء اقل من 12 ممن حرقوا حتى الموت في نهاية الأسبوع الماضي في خانيونس – وعن ام العائلة، طبيبة تعمل في المستشفى واستقبلتهم محروقين حتى الموت. جدول الاعمال لم يتغير. كان هذا صاروخا طار في الهواء من كوكب آخر وتحطم بمنظومة الدفاع الفاعلة التي تحمي المجتمع الإسرائيلي. في الجيش الإسرائيلي يدعون انه لا يمكن القول ان الأطفال قتلوا في هجوم إسرائيلي. وبالتأكيد يحتمل أن يكون الجيش محقا. مأساتنا هي انه منذ زمنذ بعيد لم يعد مهما ما الذي يحصل حقا.
هذه القصة، على خلفية الفظائع المؤكدة، تستقبل كتقرير حقيقي وتنضم الى جبل الاتهام الذي يرتفع ضد الدولة، التي هي نحن أيضا. المتهم الحصري بالوضع هي الحكومة – التي تحدد للجيش في غزة مهمة متعذرة. كيف نعرف ان المهمة متعذرة؟ عودوا الى بداية النص. كل الباقي، من نزلاء المقطورات في كل البلاد وحتى آخر نزلاء المقاهي في تل أبيب، بما في ذلك الجيش الإسرائيلي يبحثون عن طرق فرار من الاتهام والدفاع عن النفس في وجه الحكومة.
وعندها كما هو متوقع، وربما قبل ذلك، يصعد الجيش الى المتاريس حيال الحكومة. انا واثق ان رئيس الأركان ايال زمير أيضا لم يفكر بانه من لحظة التعيين الى لحظة التغيير سيقف رأسا برأس حيال رئيس الوزراء ومنفذ كلمته، وزير الدفاع.
المعركة ضد الحكومة هامة لهوية وقوة الجيش اكثر بكثير من المعركة على غزة، التي يخسر فيها الجيش في كل يوم يقترب فيه من الهدف (السيطرة على 70 في المئة من أراضي القطاع). وذلك أيضا حتى لو اعلن بان حملة “عربات جدعون” انتهت وغزة في أيدينا!”، السؤال الواجب هو ماذا في ذلك؟ سلاح الجو يسيطر في القطاع منذ نحو سنتين، ماذا في ذلك؟
دولة إسرائيل كلها عالقة في القطاع، ولا شيء خير سيخرج من تلك السيطرة في الجو، في البحر، في البر وفي النظام الغذائي لسكان غزة. الا اذا كان عشرات الاف القتلى وبينهم الاف الأطفال (لشدة الفظاعة والغباء تم من يجادر في عددهم) هم الدليل على السيطرة. في هذه الأيام يناور الجيش البري بعشرات الاف الشبان الذين يبحثون عن ثأرهم وهويتهم. هذا سيحصل غدا أو بعد غد بالتوازي مع المعالجة الدولية لما يظهر كجرائم حرب. هذا هو السبب الذي يجعل الجيش الإسرائيلي يكافح اليوم في سبيل قدرته على التملص من المسؤولية الحصرية عن فظائع الحرب، وتنظيم ميدان القتال الجماهيري، القومي، الدولي والتاريخي بالترتيب الصحيح: بداية الحكومة كقائدة الجيش (هذا هو القانون المكتوب) ، وبعد ذلك الجيش، الذي علق بفخ شبه ديمقراطي أجبره على أن ينفذ اعمالا يرفرف فوقها علم اسود. نعم، نعم، هذا التشخيص اشكالي بعض الشيء، لكنه صحيح. بدون الجيش لا توجد هنا حياة، وبدون الحكومة يمكن البدء بحياة جديدة وبحملة كفارة وإعادة تأهيل.
ان محاكمة مجرمي الحرب هذه (لا يمكن لاي ادعاء بالحق ان يغطي على وجودها) لا ينبغي أن تدار في لاهاي. المحاكمة ضد الحكومة يجب أن تديرها دولة إسرائيل. حتى لو كانت المسؤولية القومية عن الجريمة الحربية ملقاة على كل المجتمع الإسرائيلي. فعلى كل مواطن ومواطنة وقعت جرائم الحرب امام عيونهم وتحت انوفهم ولم يتمكنوا من منعها.
السبيل الوحيد للسير في اجراء المحاكمة الإعلامية والجماهيرية هو ان يقدم الى المحاكمة (حسب القانون، أتذكرون؟) هنا في إسرائيل، كل أعضاء حكومة اسرائيل كمسؤولين أعلى. هذا لن يحصل، وخسارة. لا توجد في إسرائيل زنزانة يمكنها أن تحمل عشرات الوزراء والوزيرات. ربما مباني الامة في القدس.
رأس سهم مفاجيء
في هذه الاثناء يوجد لمجتمع يحب الحياة وملزم باستخلاص الدروس طرق أخرى للتخلص ممن يفرون من المسؤولية ويرفضون تشكيل لجنة تحقيق رسمية: طريق الـ كابونا. تشخيص وبلورة ملفات حقيقية واضحة فيها المسؤولية الجنائية لاعضاء الحكومة في كل ما يتعلق باعمال غير قانونية. وهذا لن يحصل، وخسارة. وقعنا في فخ هو “نصف الشعب” وفخ طغيان الأغلبية البرلمانية الذي سيلغي الانتخابات.
رأس السهم ضد الحكومة اليوم هو الجيش الإسرائيلي. في هذه المرحلة من انزال الايدي تأتي النائبة العسكرية الى مؤتمر رابطة المحامين في البلاد. اطروحتها هي ان لدى الجيش الأدوات التي تسمح للقتال ضد حماس وفقا لقواعد اللعب القانونية، وفقا للقانون الدولي. إسرائيل كاتس ابلغ زمير بانه يحظر مشاركتها في المداولات.
هكذا؟ الناطق العسكري، ردا على ذلك، يربي وزير الدفاع: “رئيس الأركان صادق قبل بضعة أيام على مشاركة النائبة العسكرية في مؤتمر رابطة المحامين. وذك للاهمة العليا لشرح الجهود التي يقوم بها الجيش للحفاظ على القانون وعلى القانون الدولي. هذا الشرح هام على نحو خاص في فترة يتصدى فيها الجيش لادعاءات عابثة واتهامات كاذبة ضد جنود الجيش ومقاتليه”.
مرغوب فيه الا نتخيل قائد سلاح الجو ورئيس الاركان ان يضعا المفاتيح على طاولة رئيس الوزراء. السؤال هو كيف يوجه هذان الاثنان معارضتهما لحرب بقاء بنيامين نتنياهو والحكومة. هل سيستسلمان وحمام الدماء في القطاع يستمر أم يراوحان في رفضهما لمواصلة حمام الدماء الحالي.
الى جانب الدفاع عن الجيش الإسرائيلي، بدعوى أن هذه قبل شيء هي الحكومة – يجب الحديث عن دور الشباك. بخلاف الجيش الذي قتل وارتاح بين الحملات، فان الشباك لم يتوقف للحظة عن اعماله القتالية السرية في الطريق من قنبلة موقوتة الى قنبلة كفكرة.
ان الدفاع عن الشباك هو بالتأكيد موضوع اشكالي من جانب من يعرف بان هذا الجهاز هو العامل الأسود لالية احتلال تعسفية. في حينه، قبل كثير من الطوفان اليميني – المسيحاني، حين ادارت قواتنا الحرب ضد الإرهاب، كنت اعرف شخصا ادخل ذات مرة مشبوها بالتجسس الى كيس مواد بناء معلق في السطح وضربه بعصا مجرفة.
لم يكن لي شك في أنه قصد حقا ان ينزع منه اعترافا وهكذا أيضا، بوم بوم، الوصول الى السلام. في حينه أيضا وقف الشباك، مثل الجيش، مع ساعة التوقيت التي كان يفترض بها أن تدق انتظارا لتسويات سياسية. وفي حينه أيضا كان للسياسيين اجندة سياسية. باستثناء أولئك مثل رافي ايتان، الذي منذ 1983 تنبأ باننا في الطريق الى “مئة سنة إرهاب”.
ايتان لم يتهم العرب فقط بل أيضا التركيبة المتفجرة لفلسطينيين ويهود في صراع على مصير بلاد إسرائيل من البحر الى النهر. عندي شك غامض في أنه كان اليوم سينضم الى حركة الاحتجاج.
-------------------------------------------
هآرتس 30/5/2025
خطة ويتكوف.. انتهى زمن ابتزاز قارعي طبول الحرب في إسرائيل
بقلم: أسرة التحرير
وفقاً لتقارير من مساء أمس، سيعلن ترامب قريباً عن وقف نار في قطاع غزة. رغم نفي إسرائيل وحماس، نأمل في أن يكون وقف النار قريباً. وحسب التقارير الأخيرة أيضاً، قال مبعوث الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إن بلاده تعتزم عرض منحى جديد لوقف نار في غزة. وقال مصدر إسرائيلي إن المنحى الجديد يتضمن اقتراحاً بتحرير 10 مخطوفين أحياء و18 جثة على دفعتين في غضون أسبوع مقابل 60 يوماً من وقف النار في قطاع غزة.
وحسب تقارير من يوم أمس، قال رئيس الوزراء نتنياهو لعائلات المخطوفين إن إسرائيل توافق على منحى ويتكوف. نأمل في أن تكون الموافقة حقيقية، ولا يتبين أنها جزء من حسابات تهكمية نهايتها خيبة أمل. ونأمل أيضاً في أن يكون كل منحى مرحلي يقر مقدمة في الطريق إلى منحى يتضمن تحرير كل المخطوفين مقابل وقف الحرب، وتحرير سجناء فلسطينيين، وأخيراً انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من القطاع. لن يكون هناك منحى نهائي لا يتضمن كل هذه الأسس، هذه هي الظروف الوحيدة التي يمكن فيها تحرير مخطوفين ونهاية الحرب. ينبغي أن تكون هذه هي الأهداف العليا لإسرائيل، وعليه فمن الواجب أن تصل إلى توافقات وتعمل على تطبيقها بسرعة.
زمن الـ 58 مخطوفاً، بينهم 20 أحياء، ومئات آلاف النازحين، الجوعى والمعوقين واليتامى في غزة، ينفد بسرعة. هذا هو وقت القرارات الشجاعة. تعهد وزير المالية سموتريتش بأنه “لن يسمح لمثل هذا الأمر أن يحصل”، والخطر على سلامة ائتلاف نتنياهو واضح. لكن إسرائيل لم يعد يمكنها أن تتصرف في ضوء ابتزاز قارعي طبول الحرب في اليمين ومؤيدي القتل والترحيل.
معظم الإسرائيليين، ومعظم العالم، وكذا التاريخ، لن يغفروا لنتنياهو إذا ما ترك المخطوفين وسكان قطاع غزة لمصيرهم الضائع. العالم يبدي بوادر يقظة للعمل ضد إسرائيل. بعد 20 شهراً، انتهت كل المعاذير. لا يجب أن تكون على جدول الأعمال الآن أهداف خيالية وعابثة أخرى. على إسرائيل إخراج مشروع إنقاذ ليس هناك ما هو أهم منه: إنقاذ كل المخطوفين ووقف المعاناة والقتل في غزة.
نأمل نجاح ما قاله نتنياهو لعائلات المخطوفين في اختبار الواقع. ونأمل أن تستجاب موافقة إسرائيل بموافقة حماس. حان الوقت لوضع حد لدائرة العنف وسفك الدماء للسنة والنصف الأخيرتين. المنحى الذي يعرضه ويتكوف يجب أن نتبناه بلا إبطاء، بكل ثمن، بسبب إلحاح الساعة. انتهى زمن قارعي طبول الحرب وحالمي الأحلام الشوهاء عن استيطان واحتلال في غزة، ويجب إنهاء زمن معاناة غزة.
-----------------انتهت النشرة-----------------