يديديا شتيرن : صراعات نتنياهو على وشك تفجير إسرائيل

بقلم: يديديا شتيرن
كما في المأساة الإغريقية، حيث يُدفع الأبطال، أحياناً بإرادتهم، وأحياناً نتيجة عمى بصيرتهم، نحو الكارثة، كذلك هي الحال هنا. في كل مفترق طرق بين خيار يخفف التوتر وخيار يصعّده يتم اختيار الخيار الذي يصعّد، إمّا عن قصد، وإمّا عن جهل، وهو ما يؤدي إلى مزيد من شدّ الحبال.
يبدأ بعض خيوط الحبل بالانقطاع فعلاً، عندما يعلن الطرفان نزع الشرعية الوظيفية عن بعضهما. فهنا، على سبيل المثال، قضت المحكمة بأن تصرُّف رئيس الحكومة يدل على حالة تضارُب مصالح عندما أقال رونين بار، ومن هناك، يسعى رئيس الحكومة لتعيين الجنرال دافيد زيني، على الرغم من قرار المحكمة، وطلب المستشارة القضائية للحكومة تأجيل التعيين، ريثما يتم التوصل إلى تسوية تضمن منع تضارُب المصالح. ردّت المستشارة، الاثنين الماضي، بقولها: إن رئيس الحكومة غير مخوّل أصلاً للمشاركة في مسألة تعيين رئيس «الشاباك». لم ينقطع الحبل بعد: لم نصل بعد إلى أزمة دستورية يُجبَر فيها كلّ مواطن ومواطنة على الاختيار بين الانصياع لقرارات السلطة التنفيذية، أو الامتثال لأحكام السلطة القضائية، لكن المسافة بيننا وبين الكارثة تتقلص باطّراد، وكل ذلك يجري على خلفية حرب متواصلة ومتفاقمة، وكارثة الأسرى التي تُدار بلا أفق، وموجة عالية من التسونامي الدبلوماسي توشك على اجتياح سواحلنا.
عندما أعلن رونين بار موعداً قريباً لتقاعُده، وقبِلت الحكومة، أصبحت الالتماسات ضد إقالته غير ذات صلة. كان في إمكان المحكمة تخفيف منسوب التوتر، على غرار ما حاول أن يفعل القاضي المخالف نعوم سولبرغ. لكن لا، اختار قضاة الأغلبية تقديم اجتهاد قانوني موسّع بشأن مسألة إقالة رئيس «الشاباك»، وفي أثناء ذلك، اعتبروا أن رئيس الحكومة واقع في حالة تضارُب مصالح.
الصحة النظرية للاجتهاد (رئيس «الشاباك» مؤتمن على المصلحة العامة، وليس تابعاً لرئيس الحكومة)، وللقرار (لرئيس الحكومة مصلحة شخصية في تحديد مَن يترأس الجهاز الذي يحقق في قضايا تشمل مقرّبين من مكتبه)، واضحة في نظري. لكن، هل كان من الضروري للمحكمة أن «تنكأ الجرح»، حتى في وقت لم تكن مُلزمة باتخاذ قرار عملي؟ أمّا مسؤولية رئيس الحكومة فهي أخطر: لقد شدّ الحبل بقوة عندما تصرّف بخلاف موقف المستشارة القضائية للحكومة في قضية الإقالة، وبعد صدور ردّ المحكمة، قرّر مواصلة شدّ الحبل بقوة أكبر، فسارع إلى تعيين رئيس جديد لـ «الشاباك». ليس فقط بخلاف موقف المستشارة، بل أيضاً خلافاً لقرار صريح من المحكمة العليا الذي أقرّ وجود تضارُب مصالح.
صحيح أنه تعهّد بأن الرئيس الجديد للجهاز لن يشارك في التحقيق مع بعض العاملين في ديوان رئيس الحكومة، لكن ما الذي كان سيتضرر لو أنه انتظر تعليمات المستشارة بشأن تضارُب المصالح، ثم أجرى التعيين بطريقة قانونية؟ من الواضح أن الحديث يدور حول خطوة تعنّتية، استعراضية، ترمز إلى رغبته في عدم الإصغاء لـ«الموظفين»، وبالعبرية المباشرة: رفض الاعتراف بسلطة القانون.
وبناءً على ذلك، قامت المستشارة بالتصعيد: قررت بشكل قاطع أن رئيس الحكومة ممنوع من تعيين رئيس لجهاز «الشاباك» ما دامت التحقيقات جارية ضد أعضاء في مكتبه، كذلك رأت أن هناك «شكاً حقيقياً» في إمكان إصلاح الخلل القانوني في تعيين الجنرال دافيد زيني، والذي تم بطريقة غير سليمة وغير قانونية، بحسب رأيها.
إن شدّ الحبل يجسّد مأساة من عدة أوجه: أولاً، إفراغ جهاز «الشاباك» من قيمته، عندما يتم تعيين رئيسه بطريقة تثير الشكوك في دوافع مَن عيّنه، كما أن إجراء التعيين نفسه، في جلسة سريعة داخل سيارة، وعلى ما يبدو، من دون عِلم رئيس الأركان، وبما يخالف الإجراءات، هو إجراء أعوج ومشوّه. يجب أن يتمتع جهاز «الشاباك» ورئيسه بشرعية جماهيرية واسعة، بقدر الإمكان. لقد أضرّ رئيس الحكومة بهذه الشرعية.
ثانياً، تبين أن رئيس الحكومة يعتزم تجاهُل موقف المستشارة القضائية والمضيّ قدماً في تعيين زيني؛ عندها، ووفقاً للقانون الثالث لنيوتن، سيقابل شد الحبل بقوة مضادة: ستقدَّم التماسات، ستكون نتيجتها المرجّحة حكماً قضائياً يقضي بأن التعيين جرى بطريقة غير قانونية، لأن المعيِّن تصرّف، حسبما أقرّت المحكمة والمستشارة قبلها، وهو في حالة تضارُب مصالح، وسيستغل رئيس الحكومة إبطال التعيين كدليل إضافي على «حكم الموظفين» و»الدولة العميقة»، ويواصل تقويض ثقة الجمهور بالجهاز القضائي الذي يفرض سيادة القانون.
ثالثاً، سيتأخر تعيين رئيس لجهاز «الشاباك» في وقت الحرب، بسبب معركة شدّ الأيادي القضائية، وقد يستمر التأخير أسابيع طويلة، وربما أكثر.
رابعاً، تسبّب رئيس الحكومة بخلق توتّر غير مرغوب فيه بين اثنين من أهم أجهزة الأمن، الجيش الإسرائيلي وجهاز «الشاباك»، على الرغم من أن التعاون بينهما ينقذ أرواحاً.
والأهم من ذلك: يستمر ويتعزز الإغراء الخطِر من قادة الجمهور في إسرائيل لعدم الامتثال لأحكام المحكمة العليا، وهو احتمال قد يؤدي إلى تفكّك المجتمع الإسرائيلي. إن عدم الامتثال للمحكمة هو بمثابة إلغاء لـ»هيبة الحكم»، ونتيجته أن «يفترس كل إنسان رفيقه». وفي حال حدوث ذلك قد تلجأ المحكمة إلى استخدام «سلاح يوم القيامة»: إعلان تعذُّر أداء رئيس الحكومة مهماته، الأمر الذي يمكن أن يشعل حرباً أهلية لا يمكن التنبؤ بعواقبها.
هناك إمكانية لوقف هذا الانحدار الخطِر، فبما أن المستشارة القضائية قررت ضرورة إعادة تنفيذ إجراء التعيين من دون تدخُّل من رئيس الحكومة على اللواء دافيد زيني أن يعلن فوراً استعداده لتولّي المنصب فقط بعد استيفاء جميع شروط التسوية، وبعد مصادقة لجنة التعيينات، برئاسة القاضي آشر غرونيس، على التعيين، وفي حال تقديم التماس أيضاً من المحكمة. يجب على رئيس الحكومة تحمُّل مسؤولية تصحيح مسار التعيين، وذلك عبر نقل صلاحية التعيين إلى وزير آخر، وعلى الحكومة إجراء نقاش مهني منظم، والتعاون بشكل كامل مع لجنة التعيينات، وتخفيف حدة خطابها التصادمي تجاه المحكمة والمستشارة القضائية. على الرغم من أن المستشارة تبدي شكوكاً في إمكانية تعيين زيني فإنني أعتقد أنه لا يجوز استبعاد شخص لا يشوبه خلل شخصي، ويشهد الجميع على نزاهته، عن تولّي المنصب، فقط لأن رئيس الحكومة اختاره ضمن مسار غير سليم. يجب التأكد من تنفيذ الإجراء بطريقة سليمة، وأن يبتعد اللواء زيني كلياً عن أيّ مشاركة في التحقيق، وهذا كافٍ. إذا تبنّت المحكمة هذا الموقف يبدو أنه من الممكن الخروج من هذه الملحمة بسلام.
في المأساة الإغريقية، حيث العالم مكوّن من أسطورة وخيال، تكون الكارثة أمراً لا مفرّ منه، لكن المأساة التي نعيشها نحن تتعلق بالحياة الحقيقية، الشخصية والوطنية، ومن الضروري تجنُّب الكارثة. إن الغطرسة الإغريقية، أي الجرأة المفرطة والتصرف بتكبّر، من دون اعتبار للظروف الخارجية، هي الفخ الذي سقط فيه أبطال المأساة، وهذا الفخ منصوب أيضاً أمام اللاعبين في تلال غفعات رام (مقر السلطات الإسرائيلية). لا ينبغي لهم الإصغاء إلى الجوقة المغرية، التي تدعوهم إلى حسم الصراع عبر شدة إضافية للحبل.
إن التاريخ سيُسجل، يا رئيس الحكومة، وأيها القضاة، وأيها اللواء زيني، هل ستعرفون كيف تكبحون جماح أنفسكم؟