وزارة المالية والتخطيط: بين إدارة الأزمة وإعادة تعريف القرار الوطني
لا يأتي تعيين الدكتور أسطفان سلامة وزيرًا للمالية والتخطيط الفلسطيني في لحظة عادية، بل في ذروة واحدة من أخطر المراحل التي تمر بها السلطة الفلسطينية سياسيًا وماليًا ووظيفيًا.
فالوزارة التي يتولاها ليست حقيبة خدمية، بل مفصل سيادي يتقاطع فيه المال مع السياسة، والقرار الوطني مع منظومة الهيمنة الإسرائيلية والدولية.
إنه تعيين يعكس عمق المأزق:
قرار دمج وزارتي المالية والتخطيط ليس خطوة إدارية بحتة، بل اعتراف ضمني بأن الأزمة لم تعد أزمة سيولة أو إدارة موارد، بل أزمة نموذج اقتصادي–سياسي بُني على التبعية والارتهان. فالاقتصاد الفلسطيني، كما تشكّل بعد أوسلو، لم يُصمَّم ليكون اقتصاد صمود أو تحرر، بل اقتصاد “إدارة حياة تحت الاحتلال”.
في هذا السياق، يُستدعى وزير يمتلك خبرة تقنية عالية، وعلاقات واسعة مع المانحين، وقدرة على مخاطبة المؤسسات الدولية.
لكن السؤال الحقيقي: هل المطلوب إدارة الأزمة أم كسر بنيتها؟
القيود البنيوية على القرار المالي:
يعمل وزير المالية الفلسطيني ضمن ثلاث دوائر ضغط متداخلة:
1. الاحتلال الذي يحتجز أموال المقاصة ويستخدمها كسلاح سياسي.
2. المانحون الذين يربطون الدعم بشروط سياسية وأمنية.
3. الواقع الداخلي المثقل بالعجز، والبطالة، وتآكل الثقة الشعبية.
ضمن هذه الدوائر، يتحول القرار المالي من أداة سيادية إلى هامش مناورة ضيق.
وهنا تكمن خطورة الدور: إما القبول بهذه المعادلة وإدارتها، أو محاولة توسيع هامشها وربطها بخيار وطني أشمل.
بين أن يكون وزير احتواء ووزير رؤية:
التاريخ القريب يُظهر أن معظم وزراء المالية الفلسطينيين كانوا وزراء احتواء:
احتواء الغضب الاجتماعي، احتواء ضغط الاحتلال، واحتواء شروط المانحين.
الانتقال إلى نموذج وزير الرؤية يتطلب:
إعادة تعريف أولويات الإنفاق باتجاه الصمود لا الاستهلاك.
تقليص التبعية التدريجية للاقتصاد الإسرائيلي.
فتح نقاش وطني صريح حول كلفة استمرار النموذج القائم.
هذه ليست قرارات تقنية، بل قرارات سياسية بامتياز.
توقيت التعيين ودلالاته السياسية، يأتي هذا التعيين في ظل:
حرب إبادة على غزة.
انسداد أفق التسوية.
حديث دولي متزايد عن “اليوم التالي” وإعادة هندسة السلطة الفلسطينية.
من هنا، فإن وزارة المالية قد تتحول إما إلى أداة لإعادة إنتاج السلطة بوظيفتها الأمنية–الإدارية، أو إلى رافعة لإعادة بناء الشرعية عبر الاقتصاد والصمود والعدالة الاجتماعية.
خلاصة القول:
إن نجاح الدكتور أسطفان سلامة لن يُقاس بانتظام الرواتب فقط، بل بقدرته – وقدرة النظام السياسي من خلفه – على تحويل المال من أداة ابتزاز إلى أداة صمود، ومن وظيفة إدارية إلى قرار وطني.
فإن فُتح له هذا الأفق، كان شريكًا في إعادة تعريف القرار الاقتصادي الفلسطيني.
وإن أُغلق، فلن يكون أكثر من كفاءة عالية في إدارة أزمة منخفضة السقف.
والمسؤولية، في الحالتين، لا تقع على الوزير وحده، بل على القرار السياسي الذي يحدد له:
هل يُراد للاقتصاد أن يخدم التحرر… أم أن يُدار تحت الاحتلال؟زة