طولكرم وجنين: مدينتان فلسطينيتان منكوبتان تحت مقصلة الاحتلال ..!

طولكرم وجنين: مدينتان فلسطينيتان منكوبتان تحت مقصلة الاحتلال ..!
بقلم: د. عبد الرحيم جاموس
في الضفة الغربية، لم تعد النكبة حدثًا يستذكره الفلسطينيون في 15 أيار/مايو من كل عام، بل باتت واقعًا يوميًا تعيشه مدنهم وقراهم، لاسيما في شمال الضفة، حيث باتت طولكرم وجنين نموذجين حيين لما يمكن وصفه بـ"النكبة المستمرة"، بفعل الإجراءات الإسرائيلية المتصاعدة من حصار، تدمير، تهجير، وإفشال ممنهج لمقومات الحياة والبقاء.
طولكرم... مدينة منهكة ومحاصَرة....
منذ عدة أشهر، تخضع مدينة طولكرم لحصار أمني خانق، حيث أغلقت سلطات الاحتلال مداخلها الرئيسية، وحوّلت أحياءها، خاصة مخيمي نور شمس وطولكرم، إلى ساحة مواجهة مفتوحة لعمليات عسكرية متكررة خلفت دمارًا واسعًا في البنية التحتية، وهدمت عشرات ومئات المنازل، وشردت مئات العائلات.
بات الوصول إلى المدينة أشبه بالمغامرة، خاصة في ظل استمرار نقاط التفتيش العسكرية والحواجز الطيارة، التي تعيق حركة المواطنين وتشل الحياة الاقتصادية. الأسواق خاوية، والمحال تغلق أبوابها باكرًا، والمزارعون عاجزون عن الوصول إلى أراضيهم. ويتحدث سكان عن نقص حاد في المواد الأساسية، وغياب الخدمات الطبية، وتراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين.
جنين... استمرار الاستهداف المنهجي....
الوضع لا يختلف كثيرًا في مدينة جنين، التي تعيش حالة استنزاف دائمة منذ سنوات، لكنها شهدت تصعيدًا غير مسبوق في العام الأخير، مع توالي الاقتحامات لمدينتها ومخيمها. استهدفت الآليات الإسرائيلية البنية التحتية بشكل مباشر، حيث دُمّرت شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي مرارًا، وأعيد قصف الطرق الحيوية وتخريبها عمدًا، لتُقطع أوصال المدينة وتُشلّ قدراتها.
أما اقتصاد المدينة، الذي كان يعتمد على الحركة التجارية بين الداخل الفلسطيني والضفة، فقد تراجع بنسبة كبيرة، بفعل الإغلاقات الأمنية وتدمير المصانع والمنشآت الصغيرة، وتزايد نسب البطالة والفقر، في ظل غياب أي دعم دولي فعّال أو حماية للمدنيين.
التهجير الصامت والسياسة العقابية الجماعية...!
ما يحدث في طولكرم وجنين ليس مجرد حملة عسكرية عابرة، بل سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى إنهاك المجتمع الفلسطيني وإجباره على الرحيل الطوعي.
فمع تدمير المنازل وملاحقة الشبان واعتقال العشرات، وتخريب مصادر الرزق، أصبحت الحياة في هاتين المدينتين شبه مستحيلة.
يُقدّر عدد العائلات المهددة بالتهجير أو التي هجّرت فعليًا من منازلها في المخيمات بالمئات بل بالآلاف، وسط صمت دولي وتجاهل أممي فاضح، ما يضع علامات استفهام حول مسؤولية المجتمع الدولي في حماية المدنيين تحت الاحتلال.
إن استمرار هذا الواقع دون تدخل دولي حازم يعني انزلاق الوضع نحو كارثة إنسانية حقيقية، لا سيما في ظل تردي الخدمات الصحية والتعليمية، وغياب الأمن الغذائي.
إن طولكرم وجنين اليوم لا تحتاجان فقط إلى الإغاثة، بل إلى إرادة سياسية دولية حقيقية لإنهاء الاحتلال ورفع الحصار، وضمان الحماية للشعب الفلسطيني وحقوقه الأساسية.
في ظل ما تعانيه المدينتان من حصار وتدمير وتهجير، يبقى السؤال مفتوحًا:
هل من منقذ؟ هل من مشيئة دولية لوقف هذا العبث الممنهج بحق مدن فلسطينية كاملة؟
ما ينطبق على طولكرم وجنين قد ينطبق غدًا على نابلس أو رام الله أو الخليل.
النكبة مستمرة، والاحتلال لا يزال يتمدد، والعالم يكتفي بالمشاهدة.

disqus comments here