تقرير: تأثير التغييرات بالنظام العالمي على أمن إسرائيل في ظل إدارة ترامب
أشار تقرير إسرائيلي جديد إلى أن للتغيرات في النظام العالمي تأثير كبير على الأمن القومي الإسرائيلي وتزيد التهديدات عليها، وذلك على إثر تزايد خطر الحرب بقوة شديدة بين دول وتقوض المظلة الأمنية التي توفرها الولايات المتحدة لحليفاتها، لكن "ثمة احتمالا لتقليص التهديدات تجاه إسرائيل بسبب التزام الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بدفع اتفاقيات سلام ومنع حروب".
ووصف التقرير، الصادر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، النظام العالمي الذي ساد منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، في العام 1991، بأنه "ليبرالي" بقيادة الولايات المتحدة، وأنه حل مكانه مؤخرا "نظام القومية والشعبوية والتنقيحية"، بعد أن واجه النظام "الليبرالي" معارضة شديدة "من خارج الغرب وصعود قوى غير ليبرالية داخل الغرب نفسه وخاصة في الولايات المتحدة نفسها، مع صعود ترامب إلى كرسي الرئاسة".
وصعد خارج العالم الغربي محور الصين – روسيا – كوريا الشمالية – إيران، "الذي يسعى إلى إضعاف الهيمنة الأميركية والغرب الليبرالي بمجمله، ويضع التحدي الدولي الأبرز أمام النظام الليبرالي. فقد تحدى الغزو الروسي لأوكرانيا في العام 2022، العقيدة الليبرالية بشأن سلامة أراضي الدولة، واعتبرت أن على الدول احترام الحدود الدولية وألا تغزو جاراتها كي تضم أراض"، حسب التقرير الذي تجاهل السياسة الإسرائيلية في هذا السياق.
ونشأ شرخ داخلي في الغرب بين "الليبراليين" وبين تيار "شعبوي غير ليبرالي" ويميني – قومي تتعزز قوته، "وأقل التزاما تجاه المؤسسات الدولية وتحالفات عسكرية إثر تركيزه على مصالح محلية للدولة القومية وابتعاده عن القيم الليبرالية الكونية".
ولفت التقرير إلى أن التطور الأهم في هذا السياق كان انتخاب ترامب رئيسا في العام 2024. "فتوجهه القومي الماثل في شعار ’أميركا أولا’ يظهر التزاما أقل تجاه الحلفاء ويطرح علامات استفهام حيال وقوف أوتوماتيكي أميركي إلى جانبهم في حال هوجموا. ونتيجة لذلك، ارتفعت ميزانيات الأمن في دول كثيرة ونشأ سباق تسلح متصاعد".
يشار إلى أن الأمن القومي يتأثر من الربط بين عاملين، هما قدرات الدولة والتهديدات عليها. وكلما كان لدى الدولة قدرات عسكرية واقتصادية وتكنولوجية أكثر من أجل الدفاع عن نفسها والتهديدات ضدها أقل، فإن وضع أمنها القومي أفضل. والعكس صحيح، كلما كانت قدراتها محدودة والتهديدات ضدها مرتفعة يكون أمنها القومي أضعف.
وحسب التقرير، فإن "تبعات التغييرات في النظام العالمي على الأمن القومي الإسرائيلي بارزة للغاية، سواء من حيث التأثير على التهديدات التي تقف إسرائيل أمامها، أو من حيث القدرات لمواجهة هذه التهديدات. والتغييرات في النظام العالمي تؤثر على زيادة التهديدات لكنها تؤثر أيضا على احتمال تراجعها. وهذا ينطبق على القدرات أيضا، فالتحولات في النظام العالمي من جهة، تتحدى قدرات إسرائيل لكن جزءا من التغييرات من شأنها أن تعززها".
فانعدام الاستقرار المتصاعد في العالم وسباق التسلح نتيجة لذلك "يمنح أفضليات لإسرائيل بسبب صناعاتها الأمنية المتطورة، التي تحتاج إلى قسم من منتجاتها الأمنية على الأقل الدول التي تنتقد إسرائيل، وخاصة في أوروبا. كما أن دولا في أوروبا وشرق آسيا، التي كانت تحت المظلة الأمنية الأميركية حتى الآن، باتت مضطرة للاستفادة من خبرة إسرائيل الحربية الكبيرة".
تحولات أميركية داخلية
شدد التقرير على أن "إدارة ترامب تؤثر مباشرة على الأمن القومي الإسرائيلي في عدة أبعاد، وبعضها متناقضة من حيث انعكاساتها على أمن إسرائيل. فالجزء الأكثر ولاء لترامب في تحالف حركة ماغا التي يقودها هم الإنجيليون. والمفهوم الأساسي للكثيرين منهم هو ’صراع الحضارات’. أي أن الإسلام وحركاته الراديكالية المختلفة يهددون ’التراث اليهودي – المسيحي’، وإسرائيل تعتبر بنظرهم الطليعة التي تواجه تهديد الإسلام الراديكالي مباشرة، وبذلك تعتبر كمن تدافع عن العالم المسيحي. وسواء كان ترامب يشاركهم هذا الرأي أم لا، فإن مواقف الإنجيليين تؤثر على اعتباراته بشأن الدعم العسكري لإسرائيل، الذي وصل ذروته في الحرب ضد إيران".
من جهة ثانية، فإن أنصار ترامب من معسكر "أميركي أولا" الانعزالي، يتخوف من أن تستدرج إسرائيل الولايات المتحدة إلى حروب في الشرق الأوسط. "وهؤلاء الانعزاليون يريدون أن يقلصوا أكثر ما يمكن الدعم الأميركي لإسرائيل، وعارضوا التدخل الأميركي في الحرب ضد إيران خشية تورط لا ضرورة له. ويبرز إلى جانب ذلك التراجع في تأييد الجمهور الأميركي عموما لإسرائيل، وخاصة في الحزب الديمقراطي والجيل الشاب، ومن شأن ذلك أن يكون تأثيره سلبي بشكل دراماتيكي على قدرات إسرائيل في المستقبل".
كذلك أشار التقرير إلى "تراجع مكانة إسرائيل كدولة ديمقراطية في النظام العالمي الحالي ليس فقط بسبب تدهور المميزات الديمقراطية في إسرائيل، وإنما بسبب عدم الاهتمام بالقيم الديمقراطية من ناحية الإدارة الحالية في واشنطن".
ترامب ونتنياهو في الكنيست، تشرين الأول/أكتوبر الماضي (Getty Images)
واعتبر التقرير أن توثيق علاقات محور الصين – روسيا – كوريا الشمالية – إيران، يشكل تهديدا على إسرائيل، خاصة إذا عزز أعضاؤه تسليح إيران بطائرات وصواريخ ودفاعات جوية، "التي ستضع مصاعب أمام حرية عمل إسرائيل مثلما كان خلال الحرب ضد إيران".
كذلك اعتبر التقرير أن قطر وتركيا، اللين وصفهما بمحور "الإخوان المسلمين"، تشكلان تهديدان على إسرائيل، وأن هذا المحور تعزز مؤخرا بسبب "ضلوعه الكبير في الخطوات لإنهاء الحرب في قطاع غزة وبلورة خطة ترامب للسلام. ومركز احتكاك آخر هو الحكم الجديد في سورية الذي ساعدت تركيا في نشوئه".
إلا أن التقرير وجه انتقادا مبطنا لإسرائيل وسياستها الرافضة لوقف الحرب، مشيرا إلى أن "ثمة احتمالا لتقليص التهديدات تجاه إسرائيل بسبب التزام ترامب بدفع اتفاقيات سلام ومنع حروب. فقد كان ضلوعه مصيريا في إنهاء الحرب قي غزة، وطرح خطة سلام طموحة صادق عليها مجلس الأمن الدولي. ومجرد التوصل إلى هذه الخطة هو إنجاز كبير، وإذا تم تطبيقها فإنه يتوقع أن تخفض التهديدات على أمن إسرائيل. وإذا تم التوصل إلى تطبيع علاقات مع السعودية، مقابل حل الدولتين للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، فإن مستوى التهديدات تجاه إسرائيل سينخفض بشكل كبير".
وخلص التقرير إلى أنه "لا تزال هناك علامات استفهام ثقيلة على هذه القضايا، لكن تعلق إسرائيل الكبير جدا بالولايات المتحدة وإدارة ترامب، إضافة إلى العلاقات الوثيقة التي أقامها ترامب مع لاعبين كثيرين في المنطقة ورغبته الشديدة بدفع اتفاقيات سلام، تمنح أملا، إذا أنه بالإمكان تخفيف وربما إنهاء الصراعات في المنطقة، أو قسم منها على الأقل، بطرق سلمية، وبذلك خفض التهديدات الأمنية على إسرائيل وتحسين أمنها القومي".