صراع المصالح والجوع يلتهم «شعب غزة» مُحاصر

مصطلح الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، بات لا يمثل الواقع الحالي، بل المعنى الأكثر دقة، هو أن القطاع يمر بأسوأ كارثة إنسانية في تاريخ البشرية، في ظل العدوان الإسرائيلي، في أعقاب هجوم 7 أكتوبر، الذي لم يكن مدروسًا من جانب حركة حماس، التي كانت تعلم جيدًا أن إسرائيل لن تصمت، ولكن سوء تقدير الموقف من جانب الحركة، وعدم إدراك عواقبه، أدى إلى النتيجة الكارثية التي يمر بها قطاع غزة الآن.
ولا شك أن الحصار الذي فرضه جيش الاحتلال على القطاع، وإغلاق كافة المعابر الحدودية، ومنع دخول المساعدات، كان العامل الرئيسي، في حالة "التجويع" الممنهج، وهو انعكاس للصراع بين حماس وجيش الاحتلال، الذي يرفض إدخال المساعدات، بحجة أن الفصائل المسلحة التابعة للحركة تستولى عليها، لدعم إمدادات التغذية لعناصر المقاومة، بدلا من توزيعها على المدنيين.
- انتصار سياسي
الواقع أن جيش الاحتلال، يهدف إلى فرض حصار شامل على «حماس» داخل غزة، دون النظر إلى أن هناك عدد من الرهائن لا زالوا محتجزين لدى حماس، ومن الممكن أن يقتلوا في أعمال القصف أو الجوع بسبب نقص الغذاء. ومن هنا يتمحور الصراع بين حماس وإسرائيل. الحركة ترفض الاستسلام للحفاظ على كيانها السياسي، وسيطرتها على حكم غزة، وترفض التفريط في السلطة، وعلى الجانب الآخر، يسعى بنيامين نتنياهو إلى القضاء على حماس، إمعانًا في تحقيق انتصار سياسي، خاصة وأنه يواجه سيل من الغضب من جانب المعارضة الإسرائيلية وأسر الرهائن.
بين تعنت «حماس» وتطرف إسرائيل، يقف شعب غزة على حافة الهاوية، يدفع ثمن حرب بالإكراه، وبات القطاع بالكامل على حافة مجاعة حقيقية. خطورة الأمر أيضا، تمكن في أن قطاع غزة يعاني من نقص حاد في إمدادات الغذاء، بسبب عدم قدرة التجار على جلب بضائع، وارتفعت الأسعار بشكل جنوني، إلى جانب قيام البعض باحتكار البضائع لرفع أسعارها لتحقيق مكاسب، دون النظر إلى حجم المعاناة التي يواجهها الغزيين.
- انهيار نفسي ومجتمعي
بات الصراع في غزة، ليس بالسلاح فقط، بل هناك حرب أخرى متشابكة بين شركات خاص وفصائل سياسية، ومن يمتلكون النفوذ في غزة، للسيطرة على عمليات استيراد البضائع. والغريب أن عدد كبير من سكان غزة، فقدوا وظائفهم وليس لديهم مصدر دخل، يمكنهم من شراء البضائع، التي تضاعفت أسعارها بسبب حرب النفوذ والاحتكار، وهو ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
الصراع القائم في غزة، الذي أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، دفع الأهالي للبحث عن بدائل. وفي مشاهد مؤلمة، نجد النساء والأطفال ينبشون في القمامة، للبحث عن «لقمة عيش» تسد الجوع، واللجوء إلى التسول. لذلك أصبح سكان غزة يعانون من حالة انهيار نفسي ومجتمعي تام. أيضا «مؤسسة غزة» التي أشرفت عليها الولايات المتحدة الأمريكية، لتوزيع المساعدات على المدنيين في القطاع، كانت «لعبة سياسية»، حاولت من خلالها أمريكا تجميل صورتها أمام الرأي العام العالمي، بأنها تحرص على دعم المدنيين في غزة، بل قام جيش الاحتلال بإطلاق النار على الأهالي، خلال حصولهم على المساعدات، بحجة «فض التزاحم».
- تغيير خريطة غزة
أمام تلك المشاهد، نجد أن حركة حماس، فقدت سيطرتها على غزة، وأصبح القطاع يواجه حالة من الفوضى الأمنية غير مسبوقة، ويعكس ذلك عدم قدرة الحركة على توفير المساعدات الغذائية وباقي المستلزمات، بل يتم نهبها من جانب عناصر مسلحة، تردد أنها تابعة للحركة، لذلك أصبحت هناك حالة من انعدام الثقة بين المواطنين و«حماس».
من المؤكد أن الوضع القائم في غزة، سيغير خريطة الحياة بشكل جذري، وبات مستقبل القطاع محفوف بالمخاطر، في ظل رغبة إسرائيل على تغيير الخريطة، وتنفيذ مخطط التهجير القسري، والقضاء على حركة حماس نهائيًا، ومحاولة إنهاء القضية الفلسطينية، ولكن أمام صمود شعب غزة، رغم ما يتعرض له من تدمير على كافة المستويات، يحول دون تنفيذ المخطط الإسرائيلي.