لماذا تراجع نتنياهو عن “بشراه”؟.. وما حقيقة ما يجري في مفاوضات الصفقة المعطلة؟

لماذا قال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إنه يأمل أن يكون بإمكانه إعلان بشرى ما بخصوص قضية المختطفين، إن لم تكن اليوم فغدًا، وما لبث أن تراجع وأضاف: “أو بعد غد”، فيما قال بيان صادر عن مكتبه إنه كان يتحدث بالمجاز لا حرفيًا، وإنه قصد القول إن العمل جارٍ بجد، وإن لم يكن هناك اتفاق اليوم، فإننا لن نتنازل!
تزامن هذا مع إعلان حركة “حماس” عن قبولها مقترحًا أمريكيًا لصفقة يقضي بالإفراج عن عشرة أسرى على دفعتين بينهما هدنة 60 يومًا وضمانة من الرئيس الأمريكي بدخول مفاوضات إنهاء الحرب على غزة.
بيد أن المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف أطلق هو الآخر تصريحات متباينة، حيث هاجم “حماس” واتهمها بتعطيل المساعي من جهة، وتحدث بلغة متفائلة مع عائلات الأسرى الإسرائيليين.
فما الذي حصل؟ وما هي الحقيقة على أرض الواقع؟
في محاولة قراءة أو توضيح ما قاله نتنياهو، نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية عن مصدر سياسي قوله: “كان رئيس الوزراء يقصد أننا لن نتخلى عن إطلاق سراح مختطفينا، وإن لم نتمكن من ذلك في الأيام القليلة المقبلة، فسنحقق ذلك لاحقًا. حاليًا، تواصل حماس التمسك برفضها”.
ونقلت عن مصدر إسرائيلي آخر، لاحقًا: “كان هناك خطأ في التعبير، فالقصد أن العملية يومية، ونسعى إلى نتيجة إيجابية، وإن لم تكن اليوم فغدًا، وإن لم تكن غدًا فبعد غد. نحصل على إشارات بأن حماس تريد صفقة وأنها يائسة، لكن في النهاية هم بحاجة لتوقيع حكم إعدام لأنفسهم، أي الموافقة على النفي ونزع السلاح. وفي الوقت الحالي يمكن تنفيذ المرحلة الأولى من مبادرة ويتكوف التي تتضمن إدخال مساعدات إنسانية. لكن عرض حماس لا يطابق مبادرة فيتكوف”.
وفي حين أوضحت “حماس” أنها قبلت مبادرة ويتكوف لكن بشروط مختلفة تمامًا، قال ويتكوف نفسه، بعد مهاجمة “حماس”، ضمن حديث لشبكة “سي إن إن”: إن إسرائيل ستوافق على إعادة نصف المختطفين، والدخول في مفاوضات بشأن وقف دائم لإطلاق النار، زاعمًا أن مبادرته لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن مع مسار لإنهاء القتال، وفقًا لمقترحه الأصلي، ما زالت مطروحة على الطاولة، داعيًا “حماس” لقبولها.
صدمة عائلات الأسرى
وعبّرت عائلات الأسرى عن صدمتها من تصريحات نتنياهو، كما يتجلى في قول عيناف تسنغوكر، والدة الجندي متان، الأسير في غزة: “إن نتنياهو يعذبنا ليلًا ونهارًا، بينما ابني وحيد في نفق، ويعاني من ضمور عضلي”، لافتة إلى أن هذا الحدث تكرر مرات كثيرة: “ولم أعد أراه إلا كتعذيب متعمد. كفى! أعيدوا لي ابني”.
عمليًا، هذه المرة الأولى التي قال ويتكوف إنه تولى بنفسه إدارة المفاوضات لإنهاء القتال، فيما يبدو كضمانة لـ “حماس”. وأوضح ويتكوف، في حديثه المذكور للشبكة الأمريكية، أن إسرائيل ستوافق على وقف مؤقت لإطلاق النار يعيد نصف المختطفين الأحياء ونصف الجثامين، ويقود إلى مفاوضات جوهرية للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وهو ما وافقت على إدارته.
وفي حديثه، عاد ويتكوف إلى المبادرة الأصلية التي عرضها، والتي تلتزم بها إسرائيل منذ عودة القتال في مارس الماضي، لكنه لم يوضح مدة الوقف المؤقت، وهو ما يشكل نقطة مركزية في المفاوضات.
ووفق ما نقلته قناة “الجزيرة”، فإن العرض الذي وافقت عليه “حماس” يتضمن وقفًا لإطلاق النار لمدة 60 يومًا، يتم فيه إطلاق سراح 5 مختطفين إسرائيليين في اليوم الأول من الاتفاق، وخمسة آخرين في اليوم الأخير.
تحليل تصريحات ويتكوف
وترى جهات إسرائيلية غير رسمية أن كلمات ويتكوف شكّلت إشارة أولى منه إلى أنه سيدير مفاوضات إنهاء الحرب خلال وقف إطلاق النار المؤقت. وكانت “حماس” قد طالبت سابقًا بضمانات بأن إسرائيل ستفاوض بجدية لإنهاء الحرب إذا وافقت على وقف مؤقت جديد لإطلاق النار، بعد أن رفضت ذلك في الفترة الأخيرة.
وترجّح أن تدخّل ويتكوف في مفاوضات وقف إطلاق نار دائم يهدف إلى طمأنة “حماس” بضمانات من واشنطن بأن إسرائيل ستشارك في هذه المفاوضات مستقبلاً.
وعلّقت إسرائيل، في وقت سابق، على تصريحات مصادر “حماس” التي نُشرت في وكالة “رويترز”، وأوضحت أنها “لا تعدو كونها مناورة تتناقض مع العرض الذي قدمته حماس عبر الوسيط بشارة بحبح”.
وأضافت مصادر إسرائيلية رسمية محجوبة الهوية أن الأمريكيين أيضًا خاب أملهم من رد “حماس”، وتابعت: “من وجهة نظر إسرائيل، المبادرة الوحيدة المطروحة هي مبادرة ويتكوف الأصلية، ولا نقبل ألاعيب أخرى. هناك محاولة لتشويه جوهر الفكرة التي قدمها ويتكوف. الأمريكيون يدركون ذلك ولا يقبلونه”.
خوف على صورة إسرائيل
وسارعت وسائل الإعلام العربية للنشر أن “حماس” وافقت على عرض ويتكوف، فقالت “قناة الأقصى” التابعة لـ “حماس” إن العرض يؤكد وقفًا دائمًا لإطلاق النار في غزة. فيما أفادت قنوات أخرى، نقلًا عن مصدر في “حماس”، أن الحركة وافقت على العرض الذي تلقّته من الوسطاء.
وتم أيضًا الحديث عن مفاوضات غير مباشرة لتشكيل لجنة لإدارة غزة، ومحادثات حول وقف إطلاق نار طويل الأمد وإعادة الإعمار. وذُكر أن الاتفاق يشمل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين المحكوم عليهم بأحكام قاسية ومؤبدات، إلى جانب انسحاب جزئي وتدريجي من القطاع.
في إسرائيل، اختلفت التفسيرات لموقف نتنياهو، الذي تراجع بسرعة عن “بُشراه”، فرجّح بعضهم أنها ربما تكون محاولة جديدة للمناورة نتيجة تعارض ضغوط خارجية وداخلية متعاكسة، من قبل الإدارة الأمريكية مقابل الشارع الراغب بوقف الحرب الآن.
وهناك من يرجّح أن نتنياهو ندم على استعجال “التبشير” بعد تقدم حقيقي في المفاوضات نتيجة أسباب مختلفة، فسارع للتحفظ والتعديل، علمًا أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن اختراق وشق طريق في المفاوضات ليتضح لاحقًا أن الصفقة بقيت معطلة.
ويوضح المعلق العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل، أن ترامب فاض به وملّ الحرب، ويسعى لصفقة تنهي الحرب، كما قال هو بنفسه، في الليلة الفائتة.
ويرى هارئيل أن السؤال: كم ضغطًا سيمارس ترامب على نتنياهو كي لا يعطّل الصفقة هذه المرة أيضًا، منوّهًا هو الآخر أن الضغط الأمريكي على نتنياهو متعلق بحجم الضغط العربي على الإدارة الأمريكية لوقف النزيف.
وهذا ما يقوله زميله، محرر الشؤون الشرق أوسطية في الصحيفة تسفي بار إيل، معتبرًا أن التزام ترامب للسعودية من شأنه أن يؤدي لوقف الحرب قريبًا.
بيد أن ترامب يبدي مواقف غير واضحة ومفتوحة ومتناقضة، يختتمها عادة بالقول: “ننتظر ونرى”، كي يبقى غير متوقع، ويحافظ لنفسه على خط الرجعة، ويبقي على حالة الترقّب حيال ما سيقوله من جديد.
ويبدو أن موقف ترامب المحتمل بوقف الحرب ينعكس في تصريحات نُسبت للمبعوث آدم بوهلر، الذي تحدث مع عائلات المحتجزين الإسرائيليين عن احتمال سماع أخبار إيجابية قريبًا.
المؤكد أن المذبحة في غزة مستمرة، ومن جرائم الاحتلال الأخيرة قصف مدرسة ومقتل عشرات، معظمهم أطفال ونساء.
في المقابل، يواصل السواد الأعظم من الإسرائيليين إبداء لا مبالاة حيال الدم الفلسطيني المسفوح، وعندما تتحدث عنه بعض أوساطهم فإنها تنطلق من ميزان الربح والخسارة، وبما يتعلق بصورة ومكانة إسرائيل في العالم في ظل انتشار صورة المقتل اليومية، وليس لاعتبارات أخلاقية.
وهناك من يدعو لوقف الحرب الآن على مبدأ معاودتها من جديد ريثما تنتهي عملية استعادة الأسرى أولًا.
ويحمّل المعلق الناقد الإسرائيلي روغل ألفير المحلّلين والصحافيين الإسرائيليين مسؤولية تبني بيانات جيش الاحتلال من هذه الناحية بشكل عام، وتوفير التبريرات للقصف المتوحش، كقولهم إنه جاء لتصفية قيادي إرهابي، وفي سياق شيطنة الفلسطينيين ونزع صفتهم الإنسانية.