لا يدافع عن الخليج إلا أهله

■ كنا نعتقد في الماضي، أن الولايات المتحدة وضعت حدوداً للنفوذ الإسرائيلي في المنطقة، وفي سياقه، حرّمت عليها التدخل في شؤون دول الخليج، بما في ذلك إيران نفسها، باعتبار الخليج ودوله يندرج في إطار الأمن القومي للولايات المتحدة.
فهو بالنسبة لواشنطن: 1- مصدر رئيس للطاقة؛ 2- سوق إستهلاكية؛ 3- موقع إستراتيجي في الصراعات الدولية، يمسك بعدد من الممرات المائية الدولية، ولذلك أقامت فيه قواعدها العسكرية (الجوية في الدوحة والعربية السعودية + البحرية في البحرين + محطات لوجستية في عُمان).
بالمقابل أباحت الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل التحرك على خط بلاد الشام (لبنان + سوريا + فلسطين + الأردن وآخرها العراق)، وكذلك مصر، التي ما زالت سيناء تشكل مطمعاً لإسرائيل، ونهر النيل هدفاً لا تخفي أطماعها نحوه.
وهكذا، اطمأنت دول الخليج (ما عدا إيران) إلى أن إسرائيل لن تقدم على أي عمل عدائي ضدها، في رهان أن الوجود الأميركي في مياه الخليج وعلى شواطئه حصانة للأمن العربي فيه. ما وقع في الدوحة في 9/9/2025 من عمل عدواني غادر، كما وصفه رئيس الوزراء القطري، شكل صدمة سياسية كبرى، حين أوضحت هذه الصدمة أن رئيس حكومة نتنياهو قد أعاد رسم الخطوط الحمر، التي تعطل عليه طموحاته الإستعمارية، وأن لا مكان آمناً في «الشرق الأوسط» ودول الخليج من أعماله العدوانية.
وقد أثار هذا العدوان الغادر سؤالاً إستراتيجياً: هل أقدمت إسرائيل على قصف الدوحة، متحدية الجانب الأميركي، و«قاعدة العديد» على أرض قطر، أم أن العدوان قد تم بالتنسيق مع الولايات المتحدة؟.
هل فبركت الإدارة الأميركية رواية قالت فيها أنها علمت بالعملية الإسرائيلية في وقت كانت فيه الصواريخ تتجه نحو الدوحة، أي قبل دقيقتين من وقوع العدوان، وأنها أبلغت قطر بذلك على الفور؟.
المصادر الرسمية القطرية قالت إنها تبلغت إنذاراً من الولايات المتحدة، لكن بعد 10 دقائق من وقوع العدوان، أي بعد فوات الأوان، ما يعيدنا إلى السؤال الرئيسي: هل كانت الولايات المتحدة على علم مسبق بالعدوان؟ هل تواطأت مع إسرائيل ضد الدوحة من أجل الفوز باغتيال الوفد الفلسطيني المفاوض؟ وبالتالي هل باتت الحسابات الإسرائيلية أكثر أهمية وأجدى من الحسابات الأميركية؟ وهل باتت الولايات المتحدة على استعداد للغدر بحلفائها لصالح إسرائيل؟
العلم العسكري البسيط، يؤكد أن العملية العدوانية تمت بالتنسيق التام مع الولايات المتحدة.
منطقة الخليج منطقة أمن إستراتيجي ومسرح عمليات للولايات المتحدة، لا يدخلها حليف إلا بإذن وبتنسيق مع الولايات المتحدة، ولعل الحرب الأميركية – الإسرائيلية على إيران تشكل دليلاً ساطعاً على ذلك.
فضلاً عن أنها منطقة عمليات للأسطول الجوي الأميركي لن تطرق أبوابها وعمقها الأمني أية تحركات مدنية أو حربية إلا وفق قواعد مسبقة ومعمول بها، وبالتالي لا يمكن لأي دولة أن توجه نيرانها الجوية على الدوحة، دون أن تعتبر الولايات المتحدة ذلك خطراً عليها يتوجب التصدي له، إلا إذا كان العمل قد تم تنسيقه معها.
كيف ظهرت الصواريخ الإيرانية على شاشة رادارات «قاعدة العديد»، وتمّ إسقاطها في الجو، ولم تظهر الصواريخ الإسرائيلية على شاشات الرادار في نفس المحطة؟.
من هي الجهة العسكرية التي كانت تدير الدفاعات الجوية في سماء قطر؟ وهل يمكن أن يكون هناك شبكتان دفاعيتان لأجواء واحدة، كل شبكة تعمل بمعزل عن الأخرى؟.
نستخلص أن قطر ذهبت ضحية إسرائيل والولايات المتحدة معاً، وأن إدعاء الولايات المتحدة أن الحدث لن يتكرر، لا يؤمن الثقة التامة، لا لقطر ولا لأي عاصمة عربية، فالمندوب الإسرائيلي في مجلس الأمن حوّل المؤسسة الدولية من مؤسسة لحماية الأمن والسلام والاستقرار في العالم، إلى منبر لإعلان الحرب على العواصم العربية التي تستضيف قيادات المقاومة الفلسطينية (وصفها زوراً وبهتاناً بالإرهاب).
وقال مخاطباً رئيس حكومة قطر: «إن لم تعملوا على طرد قيادة حماس من بلادكم، فنحن سنعمل على ذلك بدلاً عنكم»، أي إنه تهديد واضح بأن العملية ستتكرر ما دامت قيادة حماس مقيمة في قطر، وحتى ولو لجأت هذه القيادة إلى الرياض نفسها، فإن القرار الإسرائيلي سينفذ ما دامت إسرائيل لم تعاقب عقاباً صارماً على عملها الغادر وعلى عدوانها الوحشي.
لم يعد نتنياهو يقيم وزناً للحسابات القديمة، بتنا معه أمام حسابات جديدة تقوم على الحسم: اغتيال القيادات الفلسطينية، تدمير قطاع غزة، تهجير سكان القطاع، ضم الضفة الغربية، تقويض أسس قيام الدولة الفلسطينية، تهجير سكان الأراضي المحتلة إلى سيناء والأردن وسوريا ولبنان والعراق، وكل الأرض العربية مطمع إسرائيل، وحيث يصل حذاء الجندي الإسرائيلي تكون إسرائيل، إلى أن يتم استكمال عملية إعادة «هندسة الشرق الأوسط»، أي إسرائيل التلمودية التي يجلس رئيسها على عرش روما العظمى، ويعطي تعليماته إلى «ولاته» في الدول العربية.
إذا لم تتم مقاومة هذا المشروع بكل عناصر القوة فالإحتمال قائم!.
وكما أن فلسطين لا يدافع عنها إلا شعبها؛
وكما أن سوريا لا يدافع عنها إلا شعبها؛
وكما أن لبنان لا يدافع عنه إلا شعبه؛
وكما أن مصر لا يدافع عنها إلا شعبها؛
وكما أن اليمن لا يدافع عنها إلا شعبها؛
فإن دول الخليج هي الأخرى لن يدافع عنها إلا شعبها.
أما الضمانات والوعود الأميركية فقد واراها نتنياهو في التراب ■