كتب أسامه أبو رشيد : مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية أداة إسرائيلية

خلال كلمتها في مؤتمر مؤسّسة Turning Point USA اليمينية في مدينة فينكس بولاية أريزونا، السبت الماضي، زعمتْ مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية، تولسي غابارد، أن “أكبر تهديد” يواجه الولايات المتحدة هو “الشريعة الإسلامية”، معتبرةً أنّها “تهدّد الحضارة الغربية”. وقالت إن “أعظم تهديد على المديين القريب والبعيد لحرّيتنا وأمننا هو الأيديولوجيا الإسلامية المتطرّفة”. وأضافتْ أن هذا الفكر “ينتشر على يد أشخاص لا يؤمنون بالحرية أصلاً، وأيديولوجيتهم تتناقض جذرياً مع الأسس التي يقوم عليها دستورنا ووثيقة الحقوق، التي تنصّ على حقوق غير قابلة للتصرّف، مثل الحياة والحرية والسعي وراء السعادة”. وتابعتْ أن “جوهر هذه الأيديولوجيا سياسي، يسعى إلى إقامة خلافة عالمية تحكم حتى داخل الولايات المتحدة”، مدّعيةً أن أنصار هذه الأيديولوجيا “قد يستخدمون العنف أو أيَّ وسيلة يرونها ضرورية لإسكاتنا”. ومضتْ في توجيه اتهامات لا أساس لها، حين زعمتْ إن منظّمات إسلامية أميركية، مثل مجلس العلاقات الأميركية–ا لإسلامية (كير)، “تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في الولايات المتحدة”، وأن مدينة باترسون في نيوجيرسي “تفخر بوصف نفسها بأنها أول مدينة مسلمة، وتعمل على إدخال مبادئ إسلامية في حكوماتها المحلّية تُفرض على الناس عبر القوانين أو العنف”.

ليست غابارد مسؤولة عادية؛ فهي تقود الاستخبارات الوطنية الأميركية، وهو موقع يُفترض في شاغله المهنية لا الأيديولوجيا

كان يمكن لهذا الخطاب التحريضي القائم على أكاذيب صارخة من مسؤولة في إدارة متطرّفة كإدارة دونالد ترامب أن يمرّ مرور الكرام، لولا سببان جوهريَّان. السبب الأول، أن غابارد ليست مسؤولةً عاديةً؛ فهي تقود الاستخبارات الوطنية الأميركية، وهو موقع يُفترض في شاغله المهنية لا الأيديولوجيا. لكن غابارد، التي انتقلت من الحزب الديمقراطي إلى أن تكون مستقلة عام 2022، ثم إلى الحزب الجمهوري عام 2024، معروفة بتحوّلاتها السياسية الانتهازية وفق مصالحها، وهو ما أهّلها لنيل ثقة ترامب وتعيينها في منصبها الحالي.

ويكفي للدلالة على انتهازيتها الإشارة إلى موقفين سعت فيهما إلى استرضاء ترامب. الأول تعديلها في يونيو/ حزيران الماضي موقفها القائم على تقييمات الاستخبارات التي تقودها بشأن برنامج إيران النووي، بعد أن انتقدها ترامب لتصريح لها في مارس/ آذار 2025 إن إيران ليست قريبةً من امتلاك سلاح نووي. لكنّها عادت في يونيو لتقول إنها تتّفق مع ترامب، بعد قراره بمشاركة إسرائيل في عدوانها على إيران، بأن الأخيرة قد تتمكّن من تصنيع سلاح نووي خلال أسابيع، متهمةً الإعلام بإخراج شهادتها السابقة “من سياقها”. أمّا الموقف الثاني فكان سحبها في أغسطس/ آب الماضي التصاريح الأمنية من 37 مسؤولاً أميركياً، حاليين وسابقين، متهمةً إياهم بأنهم “سيّسوا المعلومات الاستخباراتية وتلاعبوا بها، وسرّبوا معلومات سرّية من دون تفويض، وارتكبوا انتهاكات جسيمة لمعايير العمل الاستخباراتي”، من دون تقديم أدلة. اللافت أن القائمة ضمّتْ موظّفين شاركوا في تقييمات تتعلّق بمحاولات روسيا التدخّل في انتخابات 2016 لصالح ترامب، إضافةً إلى مسؤولين عملوا في الأمن القومي خلال إدارتي جو بايدن وباراك أوباما، وأشخاص وقّعوا رسالةً تؤيّد فتح تحقيق لعزل ترامب على خلفية اتهامات بأنه ضغط على أوكرانيا.

السبب الثاني أن تصريحات غابارد تأتي ضمن استراتيجية إسرائيلية أوسع لحرف النقاش عن حرب الإبادة التي تشنّها في قطاع غزّة، وأدّت إلى تدهور صورة إسرائيل في دول مؤيّدة لها تاريخياً، كالولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا. وهذه النقطة تعيدنا إلى السبب الأول، إذ تقدّم غابارد نفسها ناشطةً سياسيةً مؤدلجةً وانتهازيةً، في وقت تدير أجهزة استخباراتية يفترض أنها مهنية. ولكن، ما هي الاستراتيجية الإسرائيلية هنا؟ في سبتمبر/ أيلول الماضي نشر موقع Drop Site News تقريراً مسرّباً أعدّته شركة استطلاعات أميركية بتكليف من وزارة الخارجية الإسرائيلية لتحسين صورة إسرائيل في الولايات المتحدة وأوروبا. الشركة التي أشرفت على تنفيذ المهمة هي Stagwell Global، وهي شركة أسّسها المستشار السياسي المعروف مارك بن، الذي يشغل منصب رئيسها التنفيذي. وكان هذا قد تبرّع بمائة ألف دولار للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) بعد 7 أكتوبر (2023)، وتربطه علاقة بحزب الليكود منذ عمله في حملة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن الانتخابية عام 1981. وبحسب نتائج التقرير، فإن أفضل وسيلة لإسرائيل لمواجهة تراجع صورتها هي تعزيز الخوف من “الإسلام الراديكالي” و”الجهادية”، إذ تشير الأبحاث إلى أن مستويات هذا الخوف لا تزال مرتفعةً في المجتمعات الغربية.

تماهي كبار مسؤولي إدارة ترامب مع استراتيجية تستبطن “الإسلاموفوبيا” يعني مرحلة صعبة من التصعيد ضد العرب والمسلمين داخل أميركا وخارجها

هنا مكمن الخطورة. تتصرف مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية كما لو أنها بيدقٌ في الاستراتيجية الإسرائيلية ولوبيها في أميركا. وهذا اختراق خطير للوكالات المتخصّصة الأميركية، ولم يعد الأمر مقتصراً على المؤسّسات السياسية كالبيت الأبيض والكونغرس والوزارات. وبالمناسبة، هذا أحد أبرز عوامل انقسام حركة “لنجعل أميركا عظيمةً مرّة أخرى” (ماغا)، وهو الانقسام الذي ظهر جليّاً في مؤتمر Turning Point USA الذي تحدّثتْ فيه غابارد، إذ لم يتردّد اعتذاريّو إسرائيل مثل بن شبيرو في اتهام كل مَن ينتقد إسرائيل بأنه معادٍ للسامية، بينما رأى الإذاعي اليميني تاكر كارلسون أن الخطاب المعادي للمسلمين غير مبرّر ويُستخدم لصرف الانتباه عن أجندة اللوبي المؤيّد لإسرائيل. وفي كل الأحوال، تماهي كبار مسؤولي إدارة ترامب مع الاستراتيجية الإسرائيلية التي تستبطن “الإسلاموفوبيا” وتستظهرها يعني أننا مقبلون على مرحلة صعبة من التصعيد ضدّ العرب والمسلمين، في أميركا وخارجها.

disqus comments here