كتب عماد حمزة: خالد عطا… حضور لا يرحل

لست بكاتب ولا مؤلفا، لكنني احمل في داخلي الكثير من مشاعر الحب والود لرفيق عرفته منذ سنوات، وصدمت لرحيله المفاجئ.
فحين يرتبط الإنسان بشخص ويحتل مساحة واسعة من حياته، لا يكون هذا الارتباط عابرا، بل يتحول إلى جزء أصيل من الذاكرة والوجدان اليومي. ونادرون أولئك الذين يعبرون حياتنا ويتركون خلفهم فراغا لا يدرك عمقه إلا ساعة الرحيل، خصوصا حين يكونون جزءا من تفاصيلنا الصغيرة؛ كأنهم قطعة من الروح لا ترى، لكنها تحس.
كان خالد عطا واحدا من هؤلاء.
مناضلا وقائدا، نعم، لكنه قبل كل شيء إنسان لم يعش يوما لنفسه، بل جعل من حياته جسرا يعبر عليه الآخرون نحو المعرفة والأمل. غادرنا “أبو الرفاق” بجسده، تاركا وراءه إرثا نضاليا لا تمحوه السنين، وسيرة عابقة بصدق الإخاء ونبل الرفقة.
لم يكن قائدا في موقع المسؤولية فحسب، بل إنسانا يتقدم الصفوف بتواضعه، وصديقا يسبقك بالمودة قبل أن يكون مرجعا في الشدائد. كان نقطة إجماع لكل من عرفه؛ إجماعا على إنسانيته أولا، مهما تعاظمت المهام التي تولاها، وكبرت المسؤوليات التي حملها.
جاء رحيله صادما، موجعا ومباغتا. غير أن ما يخفف عن رفاقه وأبنائه من جيل المناضلين الذين باتوا اليوم قادة، هو ذلك التاريخ الحافل بالعطاء الذي خلفه. فقد كان خالد عطا مدرسة حقيقية في حب الآخر بلا تزلف، وفي الإخلاص بلا ادعاء، وفي الالتزام الصامت الذي لا يحتاج إلى ضجيج ليثبت نفسه.
عرفته قبل سنوات، وكان شغفه العميق بالقراءة إحدى أبرز سماته. كان عاشقا حقيقيا للكتاب، متابعا دقيقا لإصدارات دور النشر العربية، باحثا دائما عن الفكرة والمعرفة، باعتبارهما جزءا لا يتجزأ من معركته الإنسانية والنضالية. كثيرا ما سمعت من رفاقه عن صداقته الدائمة مع الورق، وعن إيمانه العميق بأن الوعي فعل مقاومة.
التقينا مرات عديدة، وكان أكثر ما يلفتني فيه ذلك التواضع النادر؛ تواضع يكاد يكون استثناء في زمن يعلو فيه الزيف وتبهت القيم. ورغم قدرته على الإقامة في أرقى الفنادق وتناول أفخر الوجبات، أصر دائما على أن يكون إنسانا عاديا، قريبا من الناس، يشبههم ويشبه أحلامهم وهمومهم. لم تغره المظاهر، ولم تبدل المواقع من جوهره شيئا.
رحل خالد عطا قائدا، ومناضلا، وإنسانا.
رحل جسدا، لكنه لم يغب أثرا ولا حضورا.
سيبقى تاريخا حيا، ومنارة لكل من عرفه، ودليلا على أن القيادة الحقيقية تقاس بما نزرعه في قلوب الآخرين، لا بما نعتليه من مواقع.
تحية إليك، رفيقنا القائد الكبير خالد عطا.
وعهدنا اللقاء في المكان الذي أحببته دائما:
فلسطين… حرة محررة من الاحتلال

disqus comments here