خيوط من ذاكرة الوطن: أم ليلى تُطرّز فلسطين بالإبرة والصبر

في زاوية غرفة صغيرة في مخيم الدهيشة جنوب بيت لحم، وتحت ضوء خافت، تجلس أم ليلى، الستينية التي جعلت من الإبرة خنجراً في وجه النسيان. تمسك قطعة قماش بيضاء وتغرز فيها خيوطًا ملونة، كل غرزة تحكي قصة، وكل لون يروي فصلاً من ذاكرة فلسطين المنسوجة.

> “أنا ما بشتغل تطريز، أنا بحكي قصة”، تقول أم ليلى وهي تبتسم وتُنزل نظارتها قليلاً لتدقق في تفاصيل وردة بيت لحم الحمراء المطرزة على الثوب.

ورثت أم ليلى هذه الحرفة من والدتها وجدتها، وتتذكرهن وهن يطرزن في فناء البيت، وتقول:

> “زمان، الثوب كان هوية… كل مدينة إلها رسمة، وكل لون إله معنى.”

لكن بعد نكبة 1948، لم يعد التطريز مجرد حرفة، بل تحوّل لفعل مقاومة صامتة ومصدر رزق للنساء اللاجئات.

> “كنت أطرّز جنب أمي وأنا طفلة، ما كنت أفهم ليش، بس بعدين فهمت إنو هالخيوط بتحكي عن بلدنا اللي تهجرنا منها.”

اليوم، تحوّل بيت أم ليلى إلى مركز صغير لتعليم الفتيات فن التطريز. تتعلم فيه الشابات رموزًا فلسطينية تقليدية كـ شجرة الحياة، المفتاح، ووردة الخليل. تقول إحدى الطالبات:

> “مش بس بنتعلم التطريز، بنتعلم كيف نحافظ على هويتنا.”

ورغم منافسة المنتجات الجاهزة وقلة الإقبال، تصرّ أم ليلى على الاستمرار:

> “التطريز هو صوتنا… إذا سكت، إحنا منسكت.”

في كل معرض تراثي تشارك فيه، تعلق ورقة صغيرة على كل قطعة تطريز، تحكي فيها قصة الرمز والمنطقة التي يمثّلها. أما حلمها الأكبر، فهو إنشاء متحف صغير يضم أثوابًا قديمة وقصصًا لنساء فلسطينيات من أجيال مختلفة.

فالقصة عند أم ليلى لا تنتهي عند الإبرة والقماش، بل تبدأ منهما. في كل غرزة، هناك وطن، وفي كل خيط، نبض، وفي كل وردة، ذاكرة قرية لا تزال تنبض في قلب فلسطين.

disqus comments here