حراك دولي مهم

في خطوة لافتة ومهمة أصدر وزراء خارجية 23 دولة، من بينها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا وأستراليا واليابان بيانا مشتركا شديد اللهجة الى حكومة الائتلاف الإسرائيلي الحاكم أول أمس الاثنين 19 أيار/ مايو، جاء فيه " أن إسرائيل منعت دخول المساعدات الإنسانية الى غزة على مدار أكثر من شهرين... لقد نفذت المواد الغذائية والأدوية والامدادات الأساسية... والسكان يواجهون خطر المجاعة. يجب أن يتلقى سكان غزة المساعدات التي هم في أمس الحاجة إليها." وانتقد البيان قرار إسرائيل بدخول 5 شاحنات فقط من أصل 9 شاحنات وافقت على دخولها للقطاع المحاصر، وتضمن البيان مطلبين أساسيين من إسرائيل " السماح باستئناف كامل للمساعدات الى غزة على الفور، وتمكين الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية من العمل بشكل مستقل ونزيه لإنقاذ الأرواح والحد من المعاناة والحفاظ على الكرامة."
وأكد البيان، إن اعلان إسرائيل السماح بدخول كمية ضئيلة من الغذاء الى غزة غير كاف على الإطلاق، كما وطالب دولة الإبادة الإسرائيلية "بوقف عملياتها العسكرية في غزة فورا." ورفضت الدول الموقعة على البيان، قيام إسرائيل بتوزيع المساعدات الإنسانية، وتمكين الأمم المتحدة بالقيام بالمهمة دون تدخل منها، لتقديم المساعدات الأساسية للمدنيين؛ وأدانت اللغة البغيضة لبعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية والتهديد بالتهجير القسري، لأنه انتهاك فاضح للقانون الإنساني الدولي، وحذرت إسرائيل من مغبة التلكؤ في ادخال المساعدات الإنسانية، لأنها لن تقف مكتوفة الايدي بينما تواصل حكومة نتنياهو أفعالها الفاضحة."
وكان وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو أمس الثلاثاء 20 مايو في تصريح لإذاعة "فرانس إنتر"، بأن بلاده عازمة على الاعتراف بدولة فلسطينية. وقال إن بلاده تدعم مراجعة اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، الذي طرحه وزير خارجية هولندا، وذلك ضمن الإجراءات الإضافية التي تدرسها مع بريطانيا وكندا ردا على الحرب في قطاع غزة. وأضاف: وانا أعمل بنشاط من أجل ذلك، لأننا نريد المساهمة في حل سياسي يصب في مصلحة الفلسطينيين، ولكن أيضا في مصلحة أمن إسرائيل. وتابع، لا يمكننا ان نترك لأطفال غزة إرثا من العنف والكراهية، لذا يجب ان يتوقف كل هذا، ولهذا السبب نحن مصممون على الاعتراف بدولة فلسطينية.
كما أن الحكومة البريطانية استدعت السفيرة الإسرائيلية في لندن بشأن توسيع العمليات العسكرية في غزة، وقالت الحكومة البريطانية في بيان صادر عنها، أن حكومة نتنياهو تنتهج سياسات فظيعة في غزة والضفة، ولا يمكن الوقوف مكتوفي الايدي أمام ممارسات إسرائيل "الخطيرة". وأرفقت في بيانها عن توجهها بتجميد المفاوضات على اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل ردا على استمرار الحرب على غزة. وقال وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي أمس الثلاثاء، إن المدنيين واجهوا التجويع والتشريد، والآن يواجهون قصفا جديدا ومعاناة جديدة، وتابع، المحتجزون المتبقون في غزة يتعرضون لخطر أكبر بسبب الحرب. وأضاف، أن الكارثة الإنسانية في غزة تضاعفت بشكل سريع منذ انهيار وقف إطلاق النار قبل أكثر من شهرين، وأشار الى ان إسرائيل استهدفت المستشفيات بشكل متكرر وكثيرا من عمال الإغاثة الإنسانية قتلوا.
ويعد اتفاق الشراكة الموقع عام 1995 الإطار القانوني الذي ينظم العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، ويشمل مجالات الدبلوماسية والتجارة والاقتصاد وغيرها من الملفات الحيوية، ويعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر مجموعة دولية داعمة لإسرائيل بعد الولايات المتحدة.
وفي السياق، دعت وزيرة الخارجية الأسترالية، بيني فونغ إسرائيل للسماح بدخول المساعدات الإنسانية الى قطاع غزة فورا. وجاء في بيان لها أول أمس الاثنين، أن استراليا تنضم الى النداء الدولي الموجه لإسرائيل لتسمح باستئناف دخول المساعدات الى غزة بشكل كامل وفوري. وتبنت ما حملة بيان الدول ال22. وأكدت أن استراليا تدعو جميع الأطراف الى وقف إطلاق النار وإبرام صفقة الرهائن.
هذه المواقف الدولية من دول وازنة ومؤثرة في السياسة الدولية، لها أهمية كبيرة في التقدم خطوة نوعية للأمام للتصدي لنزعات إسرائيل النازية والابادية، خاصة وأنها حملت في طياتها مواقف متقدمة وجادة في مطالباتها بوقف الحرب فورا، والمطالبة بإدخال المساعدات الإنسانية بمشتقاتها المختلفة وبكميات كبيرة، ومن خلال رفضها قيام إسرائيل بتوزيع المساعدات، وتمكين الهيئات والمنظمات الأممية وخاصة هيئة الأمم المتحدة من توزيعها بشكل مستقل، وطالبت بوقف التهجير القسري وحروب التجويع والامراض والاوبئة واستهداف المستشفيات بشكل متكرر وعن سابق تصميم وإصرار لتوسيع الإبادة الجماعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وبإعادة النظر في اتفاقية التعاون المشترك مع دول الاتحاد الأوروبي، والاستعداد لاعتراف عدد من الدول بدولة فلسطين، واقرنت ذلك بالدعوة للحل السياسي، وهو صلب موضوع الصراع على مدار العقود الثمانية الماضية، مما شكل عامل ضغط حقيقي على حكومة نتنياهو النازية من خلال التهديد بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية وديبلوماسية عليها، ما دعاها للسماح بإدخال مساعدات محدودة جدا، رغم انها سمحت وفق تصريح لأحد المسؤولين الامميين بإدخال 100 شاحنة، لكنها حتى الان لم تسمح الا بإدخال عدد محدود لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.  
ولن اتوقف أمام ردود الفعل الإسرائيلية الذرائعية والكاذبة بدءً من نتنياهو الى ساعر وغيرهم، التي تحاول تبرير ابادتها الجماعية بذريعة 7 تشرين اول / أكتوبر 2023، التي باتت ممجوجة ومرفوضة من المجتمع الدولي، وخاصة من حلفاء إسرائيل النازية، كونها لم تعد تنطلي على قادة دول العالم.
مما لا شك فيه ان بيان الدول ال23 يمكن اعتباره نقلة نوعية على طريق الاسهام بوقف الإبادة الجماعية، لأنه لم يشجب ولم يستنكر الحرب فقط، وانما طالب بإجراءات عملية وفورية مقرونة بفرض العقوبات على الدولة الإسرائيلية اللقيطة.

disqus comments here