الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الجمعة 16/5/2025 العدد 1309

الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات
هآرتس 16/5/2025
زيارة ترامب تشير الى انعطافة في الشرق الأوسط، وإسرائيل على الهامش
بقلم: عاموس هرئيلِ
هذه فترة دراماتيكية حقا في الشرق الأوسط، سواء في تطورها أو في الوتيرة التي تأتي فيها البشائر. يبدو أنه في المنطقة تحدث التغييرات الأكبر الآن منذ حرب الخليج الثانية. الولايات المتحدة تعيد تأسيس منظومة تحالفاتها، مع محاولة حل عدد من الخلافات القديمة. السياسة الإقليمية التي يقودها الرئيس دونالد ترامب تعكس خط تجاري قوي، متغطرس، لكنه لا يسعى الى الحروب. يبدو أن ترامب أحب صورة صانع السلام التي تبناها في الفترة الأخيرة، في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى.
في هذه الاثناء دور إسرائيل في هذه الاحداث هو دور هامشي. ترامب يعرض عليها الحل، في الحقيقة سطحي ومليء بالثغرات، الذي يمكنه المساعدة على انهاء الحرب في قطاع غزة. بنيامين نتنياهو لا يسارع الى الموافقة على ذلك. فهو يخاف، مثلما في كل سنوات حكمه، من اتفاق سيفرض عليه. ولكن توجد اخطار أخرى وهي أن يقرر الأمريكيين بالذات ترك إسرائيل لمصيرها وضائقتها، أو ان يحاول نتنياهو افشال بالقوة الاتفاق، في غزة وحتى في ايران.
في نهاية الشهر الثالث على ولايته الثانية رسم ترامب انعطافة. في زيارته في دول الخليج في هذا الأسبوع اطلق صفقات بمبلغ اجمالي يبلغ اكثر من تريليون دولار. في نفس الوقت الرئيس الأمريكي يريد تسريع التوصل الى اتفاق جديد مع ايران حول كبح مشروعها النووي. احتمالية ذلك تبدو عالية، رغم ان مستوى معرفة التفاصيل من قبل ترامب ومبعوثه لكل المهمات، ستيف ويتكوف، منخفض جدا. في حين انه من اجل تحقيق الهدف الثاني المعلن، انهاء الحرب بين إسرائيل وحماس واستكمال صفقة المخطوفين، فقد أصبحت هناك حاجة الى اشراك إسرائيل في هذه المهمة.
ترامب قام بزيارة السعودية واتحاد الامارات وقطر. وفي كل مكان امطرت عليه اكوام من الاحترام والاستخذاء. الحاكم السوري الجديد احمد الشرع دعي للمشاركة في هذه الاحتفالات، وردد عن ظهر قلب الرسائل التي تريدها الإدارة الامريكية، وحصل وفقا لذلك على الثناء بكونه “شاب جذاب”، ولم يعد جهادي يرتدي البدلة.
الشرع حصل على تصريح رئاسي بشان رفع العقوبات الامريكية عن سوريا، واطلق اقوال سلام غير ملزمة مثل ان ترامب توسل اليه من اجل الانضمام لاتفاقات إبراهيم.
من تصريحات الرئيس خلال زيارته ظهر استعداد امريكي لاعادة مناقشة تزويد طائرات اف 35 لتركيا والسعودية. الحفاظ على التفوق العسكري النوي لإسرائيل كان خلال خمسة عقود مبدأ رئيسي في العلاقات مع الولايات المتحدة. أي شخصية إسرائيلية رفيعة لن تتجرأ على التعبير عن ذلك علنا، لكن التفكير بأن دول عظمى إقليمية غير صديقة بشكل خاص ستحصل على فخر التكنولوجيا الجوية الامريكية يثير القشعريرة لدى مهنيين كثيرين في إسرائيل.
نتنياهو في المقابل بقي في هذه الاثناء خارج الصورة. في بداية تشرين الأول 2023، عشية المذبحة في غلاف غزة، حلم رئيس الحكومة بصوت مرتفع بالتطبيع بين إسرائيل والسعودية برعاية الإدارة الامريكية، وفي السر كان يامل بان هذه الخطوة ستساعده على تجاوز القضية الفلسطينية. بعد المذبحة قالت شخصيات كبيرة في حماس في مقابلات مع “نيويورك تايمز” و”الغارديان” بان الرغبة في تخريب الاتفاق السعودي وإعادة النزاع بين إسرائيل والفلسطينية الى راس اجندة الشرق الأوسط، كانت من الاعتبارات الرئيسية لتنفيذ الهجوم.
في هذه الاثناء يبدو ان التطبيع لا يوجد في الأوراق. حتى العائلة المالكة في السعودية يجب أن تأخذ في الحسبان الرأي العام فيها، الذي يعارض الفكرة على خلفية فظائع الحرب في غزة. ترامب في الأصل ينوي تنفيذ معظم طلبات النظام في الرياض، بدون المرور عبر الكونغرس وبدون ربط ذلك بخطوات إسرائيل. في غزة نحن نراوح حتى الآن بين الصفقة والحرب. رسالة الإدارة الامريكية لنتنياهو هي “خذ هذا أو سنترك ذلك”.
حسب ترامب في غزة بقي 20 مخطوف على قيد الحياة (الى جانبهم 38 جثة)، بعد تحرير جندي لواء غولاني عيدان الكسندر في يوم الاثنين الماضي. ويتكوف، الذي جاء الى إسرائيل للتأكد من أن التحرير يجري كما هو مطلوب وأن ترامب يحصل على الفضل الذي يستحقه، قام بزيارة ميدان المخطوفين في تل ابيب وأوضح لعائلات المخطوفين بان الإدارة الامريكية ما زالت تلتزم بالصفقة الى حين تحرير آخر مخطوف.
لكن من اجل فرض اتفاق كامل وشامل فانه يجب على ترامب التصادم مباشرة مع نتنياهو، الذي الرغبة في الحفاظ على الائتلاف تتغلب على أي مصلحة أخرى، لذلك هو بحاجة الى مواصلة الحرب في عدة جبهات في نفس الوقت. الإدارة الامريكية ما زالت تتذبذب في جهودها بين صفقة شاملة لتحرير جميع المخطوفين في فترة قصيرة وبين صفقة مؤقتة “خطة ويتكوف”، التي في اطارها سيتم اطلاق سراح نصف المخطوفين الاحياء، وإعادة عدد من الجثث، خلال وقف لاطلاق النار يمتد لـ 45 – 70 يوم. الامريكيون المحوا لدول الوساطة ومن خلالها لحماس بأنهم ياملون انه حتى ذلك الوقت نتنياهو لن يكون موجود عميقا في داخل المشهد، وانه سيتم إدخاله الى داخل المسار الذي سيؤدي الى استكمال الصفقة، بدون ان يستطيع العودة الى القتال.
حسب مصادر عربية وامريكية فان هذه الصفقة يمكن أن تشمل قوة عسكرية عربية من عدة دول الى قطاع غزة، مع وجود دور رسمي ورمزي للسلطة الفلسطينية، على امل توفير الشرعية لهذه العملية. ولكن علامات استفهام كثيرة ما زالت تحلق فوق طبيعة الاتفاق الذي سيكون مقبول على حماس. هل ستتنازل أيضا عن مجموعة مخطوفين أخيرة، كبوليصة تامين لحياة قادتها، بعد ان حاولت إسرائيل في هذا الأسبوع تصفية محمد السنوار، رئيس الذراع العسكري لحماس؟ ماذا سيكون اتفاق تقسيم القوة في غزة، على فرض ان قيادة حماس تميل الان الى الموافقة على تقليص تدخلها في إدارة القطاع؟ هل ستوافق على نزع سلاحها وخروج قادتها الى المنفى؟ هذه الخطوات التي حتى قبل بضعة اشهر اعتبرت خيالية، من غير الواضح اذا كانت إدارة ترامب تستطيع حقا تطبيقها. وما كان نتنياهو يستطيع تقديمه في سيناريو اخر وكانه انجاز كبير ويسوقه للجمهور كمبرر لانهاء الحرب، يصعب تحققه على خلفية الضغط السياسي الداخلي.
من واشنطن تاتي تسريبات وتلميحات عن توتر متزايد في العلاقة بين ترامب ونتنياهو. واقالة مستشار الامن القومي مايكل وولتس، قطعت قناة الاتصال الرئيسية بين نتنياهو والإدارة الامريكية، التي ادارها الوزير رون ديرمر. حتى أن “واشنطن بوست” نشرت بأن ترامب ركل وولتس وعينه سفير في الأمم المتحدة عندما اكتشف بان نتنياهو يستخدمه في القضية الإيرانية.
في ولاية ترامب الأولى تفاخر اتباع رئيس الحكومة بمستوى تاثيره على الرئيس الأمريكي. الآن يبدو ان إسرائيل فقدت الكثير من قدرة تاثيرها. وفي هذه الاثناء هي تنظر الى التطورات من مكان المراقب فقط. في هذه الظروف نتنياهو يمكن ان يسعى الى صفقة جزئية على امل ان الوزير ايتمار بن غفير والوزير بتسلئيل سموتريتش لن ينسحبا من الائتلاف طالما انه يضمن لهما بأنه في نهاية المطاف سيتم العثور على طريقة لاستئناف الحرب.
من اجل حرف الانتباه عن اقصاء إسرائيل عما يحدث في الرياض، انقضت في هذا الأسبوع ماكنة السم على عائلة الكسندر. في البداية قاموا بمهاجمة الأم ياعيل بعد امتناعها بشكل متعمد عن ضم نتنياهو الى قائمة من قامت بشكرهم. بعد ذلك تمت مهاجمة الجندي نفسه باتهامات لا أساس لها مثل الأداء غير المناسب في صباح الهجوم. هذه وقاحة مدهشة: نتنياهو لم يتحمل أي قدر من المسؤولية عن الإخفاقات التي مكنت من حدوث المذبحة. ولكن جهاز اعلامه المتشعب يطالب بأن يشكروا رئيس الحكومة على اسهامه الذي لم يكن في تحرير الكسندر. هذا في الوقت الذي يتهم فيه المخطوف نفسه بما حدث.
-------------------------------------------
هآرتس 16/5/2025
عنصرية، تطرف واستيطان غزة: بات صعبا التمييز بين الليكود وعظمة يهودية
بقلم: نوعا شبيغل
في الاسبوع الماضي عند افتتاح الدورة الصيفية للكنيست صعد رئيس الائتلاف، اوفير كاتس، الى المنصة وتطرق الى مهاجمة المشاهدين اثناء عرض مراسم احتفال الذكرى الاسرائيلية – الفلسطينية في رعنانا. من كان يتوقع من كاتس، الشخص المتماهي مع التيار المركزي لليكود، ادانة العنف، الذي شمل اقتحام نشطاء من الليكود لكنيس بيت صموئيلي، ورشق الحجارة واصابة مشاركين ورجال شرطة، خاب امله، حيث ان الخطاب الذي القاه كان يمكن بسهولة سماعه من عضو في حزب “عظمة يهودية”.
“الاحتجاج الذي كان خارج المؤتمر في رعنانا كان مشروع ومن الجيد انه كان هناك احتجاج ضد مؤتمر كهذا”، قال. “انا لا يمكنني فهم كيف ان يهود وعائلات ثكلى تجلس مع عائلات مخربين، ويقولون: نحن نبدي الشفقة على الذين قتلوا اعزاءنا… ببساطة، حدث غير معقول. عندها ياتون للتظاهر ضد المؤتمر. ايضا اليمين مسموح له التظاهر، واي مهرجان في وسائل الاعلام على المؤتمر العنيف وكيف تصرفوا هناك، كل الافلام التي شاهدتها لم اشاهد عنف فيها”.
الدعم الذي قدمه حزب السلطة لمهاجمي الاحتفال، الذي تم تخطيطه ونشر عنه مسبقا في قنوات الليكود والمجموعات الكهانية، هو حلقة اخرى في سلسلة الاجراءات والتصريحات التي تطمس الخط الفاصل الضبابي بين الليكود وعظمة يهودية. الحزب الذي يتراسه ايتمار بن غفير هو وريث مئير كهانا الذي تمت مقاطعته ذات مرة من قبل اليمين واليسار، واليوم اصبحت تعاليمه قضية مشروعة في الخطاب العام. مع وجود اعضاء كنيست سيرحب بهم في قائمة الحزبين الى جانب التصريحات المتطرفة والترويج للتصريحات العنصرية، يجب في 2025 بذل الجهود للعثور على الاختلافات بين الاثنين.
الدكتورة ليران هارسغور، من مدرسة العلوم السياسية في جامعة حيفا، توافق على انه في السنوات الاخيرة “الحدود الايديولوجية واللفظية بين الليكود وعظمة يهودية تم طمسها بشكل كبير”، قالت. “الامر يتعلق بظاهرة تحدث في كل العالم”. حسب قولها “عملية التطرف التي يمر فيها الليكود ليست حالة خاصة باسرائيل، بل هي تندمج في منحى عالمي، الذي فيه قوى اليمين المتطرف، واحيانا الشعبوي، تتعزز، واحزاب اليمين – التيار العام، ترد على ذلك بتبني مواقف متطرفة بنفسها”.
هارسغور اشارت الى أنه “في سياق اسرائيل الحديث لا يدور فقط عن تغيير مواقف الليكود، بل ايضا عن تبدل اجيال وشخصيات. في التسعينيات وسنوات الالفين تركت الحزب شخصيات رفيعة ايدت المقاربة الاكثر براغماتية فيما يتعلق بالنزاع بين اسرائيل والفلسطينيين، وتنازلت عن حلم ارض اسرائيل الكاملة. في مرحلة لاحقة الحزب الذي في السابق تم وصفه كيمين ليبرالي اصبح بالتدريج اكثر تمسكا بالخط الشعبوي والمفاهيمي الذي يقوده نتنياهو، والذي يشمل هجمات شديدة على جهاز القضاء ووسائل الاعلام والنخبة”.
تفسير اخر للتطرف هو سلم اولويات رئيس الحكومة. “زعامة نتنياهو وسعيه المتواصل لتعيين منتخبي جمهور مخلصين له شخصيا، ادت الى ابعاد جهات معتدلة وسيطرة بالتدريج لشخصيات اكثر راديكالية. المرشحون غير المتماهين مع المواقف الشعبوية الجديدة تم ابعادهم أو اضطروا الى الاستقالة، وبدلا منهم دخل سياسيون يمثلون خط قومي متطرف، واحيانا عنصري وتحريضي”، قالت هارسغور. “التنافس مع عظمة يهودية ونجاحها في اوساط التجمعات التي كانت في السابق مؤيدة لليكود، ساهمت هي ايضا في تبني مواقف يمينية متطرفة. هكذا، في عملية مزدوجة لابعاد المعتدلين وتقوية المتطرفين فان الليكود تبنى افكار ونماذج عمل احزاب يمينية، شعبوية وراديكالية”.
مشاريع قوانين متطرفة
الى جانب تاييد الافكار المتطرفة، ايضا سلسلة مشاريع القوانين التي قدمها وايدها اعضاء كنيست من الليكود في الكنيست الحالية، تثير التساؤل حول ما هو الفرق بين هذا الحزب وبين عظمة يهودية. من اعتبر ليكودي كلاسيكي، رئيس الائتلاف كاتس، قدم مشروع قانون يوسع الذرائع التي بسببها يتم استبعاد حزب اراد التنافس للكنيست، التي بالفعل تصعب على العرب التنافس، والتي يمكن أن تغير تشكيلة الحكومات المستقبلية في اسرائيل.
في مشروع القانون كتب انه يجب منع تنافس قوائم ومرشحين يؤيدون مخرب واحد، مقابل القانون الموجود الآن، الذي يحظر فقط تاييد منظمة ارهابية، لانه من اجل ان يتم استبعاد القائمة او الشخص فانه يحتاج فقط الى “تصاريح منفردة” لتاييد للارهاب وليس “كتلة حاسمة”، وان الحزب الذي هو جزء من قائمة الاحزاب لن يكون محمي من الاستبعاد المحدد. اضافة الى ذلك كتب انه سيمنع المشاركة في الانتخابات من عبر عن دعم الكفاح المسلح ضد المواطنين الاسرائيليين، وليس فقط ضد دولة اسرائيل كما هو مكتوب الآن. ايضا تم اقتراح ان لجنة الانتخابات يمكنها ابعاد مرشح بدون مصادقة المحكمة العليا، ولكن هو يمكنه الاستئناف للمحكمة العليا بعد القرار.
هذا الاقتراح تمت المصادقة عليه بالقراءة التمهيدية في تشرين الاول، وبعد ذلك نوقش عدة مرات في لجنة الكنيست، التي يترأسها كاتس. اقتراح اخر الذي بادر اليه عميت هليفي من الليكود وتسفيكا فوغل من عظمة يهودية استهدف اثارة الرعب في المعلمين العرب وتمت المصادقة عليه نهائيا في تشرين الثاني. هذا الاقتراح يمكن وزير التعليم من اصدار اوامر لمنع ميزانيات عن المدارس التي “تجري فيها او يتم السماح بالتعبير عن التماهي مع الاعمال الارهابية”. ويسمح لمدير عام وزارة التعليم باقالة باجراء سريع وبدون ابلاغ مسبق معلم، الذي “قام بالتماهي مع تنظيم ارهابي” أو “نشر اقوال ثناء او تعاطف او تشجيع” مع اعمال ارهابية.
رئيس الحكومة نتنياهو ايضا لم ينس الاستخذاء للقاعدة الاستيطانية المحتملة، وفي كانون الاول 2023 اقتبست في “اسرائيل اليوم” اقواله التي قالها في جلسة للحكومة بشأن عنف المستوطنين: “توجد هنا جهات ببساطة تقوم بالتشهير بالمستوطنين، يجب علاج ذلك. لا يوجد ارتفاع في هذه الظاهرة. نحن نرى ذلك ايضا في بيانات الشباك، ببساطة يقومون بحملة على هذا الجمهور العزيز. اذا كانت هناك حالات فهي فردية”.
-------------------------------------------
هآرتس 16/5/2025
بعد اتفاقات إبراهيم، ترامب سيذكرنا بأنه لا يمكن الهرب من اسماعيل
بقلم: كارولينا ليندسمان
لاسفين الذي تم دقه في هذه الاثناء بين إسرائيل نتنياهو وامريكا ترامب يمكن أن يتضح في المستقبل بانه نعمة مقنعة. ربما بالذات بسببه سيتبلور أخيرا الفهم بأن إسرائيل ليست نتنياهو، وأن هذا هو الوقت المناسب للتخلص منه في صناديق الاقتراع أيضا. هل تتذكرون كيف أنه قبل لحظة من 7 أكتوبر كان يمكن تقريبا التوصل الى “التطبيع مع السعودية”؟ والسلام مع العالم العربي كما يحب بيبي، بدون دفع ثمن “القضية الفلسطينية”. من كل الجهات سمعت في حينه احاديث عن جائزة نوبل للسلام لبيبي، وفي معسكر “فقط ليس بيبي” كان هناك من أملوا أن تكون هذه نقطة انطلاقه المحترمة: ارث، عفو عن الملفات، شريطة رحيله. هل تذكرون ذلك؟.
لكن عندها جاء 7 أكتوبر. الفلسطينيون نجحوا في الخروج من سلة قمامة التاريخ، التي القاهم فيها نتنياهو، وعادوا متسللين الى ارض الواقع من خلال قنوات المجاري في غزة. تبين أن الهرم المقلوب الذي كرره نتنياهو على مسامعنا – أولا، السعودية والامارات، وفي النهاية الفلسطينيون، الاحتلال، المستوطنات، النزاع وكل ما فعلناه – هو بنية هشة. حماس ذكرت العالم بان الفلسطينيين لن ينتظروا خمسين سنة أخرى على بعد مسافة متر ونصف من الفقر والاهانة والحصار، في الوقت الذي فيه اليهود والامريكيين وأصحاب المليارات في الخليج يحتفلون على على قواربهم وفي الفنادق الفاخرة واطنان من الأموال بالشرق الأوسط الجديد.
هذا الفيلم شاهدناه من قبل. ترامب عاد الى البيت الأبيض، ثم انتقل مباشرة الى الشرق الأوسط. “اتفاقات إبراهيم” مرة أخرى، الطبعة الثانية. ولكن في هذه المرة يشير الى نتنياهو، “الامر لم يعد كما كان، إسرائيل لن تتمكن من الاستمتاع بثمار السلام بدون دفع الثمن. الدفعة الأولى هي انهاء الحرب. ترامب بدأ يدرك بأن نتنياهو مضلل ومخادع، يوقع على الاتفاقات ثم يتراجع عنها، يتحدث بغطرسة عن “يد ممدودة للسلام”، في حين أنه في الواقع يفعل كل شيء لمنع التوصل الى اتفاق. وحتى لو أن ترامب سئم من أكاذيب نتنياهو فانه توجد إمكانية للتغيير هنا.
الآن بعد التوقيع على اتفاقات إبراهيم، كان من الصعب تجاهل الفجوة بين الاسم السامي والمضمون. إبراهيم – الاب المشترك – ما هذا الاسم الشاعري. لكن الاتفاقات لم تنتبه الى الثقل الرمزي لابراهيم. في كل ما يتعلق بالقدس والبلاد، الاتفاقات شطبت إسماعيل، وكأنه فقط اسحق هو المهم. والتاريخ كما هو معروف لا يغفر هذا المحو. على هذا الخطر حذرت قبل عشرات السنين الكاتبة والمفكرة جاكلين كهانوف، التي رات في حينه ما نرفض نحن فهمه. “يوجد بيننا خلافات كبيرة في مسالة من هو الابن المحبب”، كتبت، “ومن أي زوجة. الموضوع ما زال مشحون بالمشاعر لابناء إسرائيل وأبناء إسماعيل… بالتحديد في سياق هذا الخلاف يجب إيجاد حل – من اللحظة التي فيها كل واحد سيعترف بالاخر كوريث شرعي، يحق له جزء من الورثة، المادية والروحية”.
حسب كهانوف فان الأيديولوجيا الصهيونية، التي جاءت كرد على أوروبا وليس كشريكة في المشرق، لم تنجح في ربط نفسها بتاريخ المنطقة أو بالناس الذين يعيشون فيها. “نحن لن نجد أصدقاء وحلفاء”، حذرت. “طالما أننا نطمح الى البقاء منفردين”. اليهودية، ذكرت الكاتبة، نمت في داخل سياق ثقافي واسع، ليس ككشف منفصل، بل كعملية بطيئة وعميقة تتصل بهذا الفضاء.
كهانوف اقترحت إعادة كتابة قصة إسماعيل وإسرائيل ووالدة كل منهما، من اجل السماح للمستقبل بأن يبدأ. ربما، بسخرية تاريخية، بالذات ترامب الذي لا يعتبر بالضبط رمز للحكمة والاحاسيس، سيذكرنا بأنه لا يمكن الهرب من إسماعيل. وأنه لا يمكن الهرب من هذه المنطقة. وأنه لا يمكن مواصلة لوم الآخرين، طالما أننا نستمر في انتخاب نتنياهو.
-------------------------------------------
معاريف 16/5/2025
ترامب يعيد رسم شرق أوسط بدوننا
بقلم: ألون بن دافيد
منذ أيام صباي العديد كان إسرائيليون يتسلون لعشرات السنين بفكرة ان يجعلوا إسرائيل الولاية الـ 51 للولايات المتحدة. هذا الأسبوع يخيل للحظة أننا اتخذنا خطوة في الاتجاه عندما حرر الرئيس الأمريكي بشكل مستقل واحدا من مخطوفينا. لكن بدلا من التحرك في اتجاه الولايات المتحدة، اخطأنا في المسار وتوجهنا لان نكون المكسيك وهي من الدول التي يريد دونالد ترامب أن يتخلص منها.
العلاقات بين رؤساء وزراء إسرائيل ورؤساء الولايات المتحدة شهدت أيضا ترديات على مدى السنين، لكن في الخمسين سنة الأخيرة من الصعب أن نشير الى فترة اتخذت فيها أمريكا خطوات كبرى في الشرق الأوسط ونحن لم نكن حتى مطلعين عليها. الان ترامب يعيد رسم الشرق الأوسط، بدوننا.
حتى في الأيام التي عصفت فيها الأمواج بين واشنطن والقدس، حرص رؤساء وزراء إسرائيل على التشديد باننا الحليف الأكثر استقرارا وولاء للولايات المتحدة في المنطقة. اما هذا الأسبوع فقد أوضح ترامب بانه بات له حلفاء اغلى منا.
في الأيام التي كان فيها لا يزال معتدا بنتائج الانتخابات في الولايات المتحدة آمن بنيامين نتنياهو، سيد أمريكا في نظر نفسه، بان ترامب سيساند كل خطوة له بما في ذلك جهوده لمواصلة تدليل ملكي التخريب اللذين يديران حكومته. وبالفعل، لا. ترامب ليس معه، ولا معنا أيضا. بقينا، نتنياهو ونحن جميعنا، مع ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. الالتزام الامريكي الأساس بإسرائيل – الحفاظ على تفوقها النوعي عن المحيط – شطب في لحظة بهراء ترامب. على مدى عشرات السنين تعهدت الولايات المتحدة وحرصت على تزويد إسرائيل بسلاح متطور اكثر من ذاك الذي زودت به أي دولة أخرى في المنطقة او ما سمي QME (تفوق عسكري نوعي). صفقات السلاح التي اعلن عنها ترامب – طائرات اف 35، قدرة وصول الى تكنولوجيات القضاء والذكاء الاصطناعي، تشكل تآكلا للتفوق الإسرائيلي.
وما هو الأسوأ؟ ليس لدينا أي فكرة ما الذي يعتزم ترامب بالضبط ان يبيعه للسعوديين، وهل ستتلقى إسرائيل أي تعويض عن هذه الصفقة.
السعودية ليست دولة عدو، بل العكس – توجد لنا مصالح متطابقة كثيرة. لكن منذ 2011، وكما تجسدت في السنة الأخيرة أيضا، لا يمكن توقع استقرار الأنظمة في المنطقة. ترامب يقيم الى جانبنا قوة عظمى عسكرية مع قدرات متطورة، مع نووي مدني وليس فقط لا يسألنا بل انه حتى لا يتكبد عناء اطلاعنا.
في هذا المناخ على إسرائيل أن تفترض بان حجم المساعدات العسكرية الامريكية لم يعد مضمونا. في السنة القادمة يفترض بالرئيس ترامب ان يقرر اتفاق المساعدات التالي الذي يدخل حيز التنفيذ في 2028. اذا ما اتسع الشرخ بين نتنياهو والبيت الأبيض – ليس مؤكدا أن نواصل التمتع بمساعدات مقدار 4 مليار دولار في السنة؟.
ترامب جد لا يحب توزيع المال، واقل من هذا لمن لا يطيعه. نتنياهو على ما يبدو يستشرف هذا المستقبل وأعلن منذ هذا الا سبوع بانه من المجدي أن “نشفى من المساعدات الامريكية”. باستثناء أن ليس واضحا من أي مصادر يعتزم تمويل الشفاء.
إسرائيل تشرئب
حتى بعين غير مهنية وغير متفحصة من الصعب ألا نلاحظ ان ملفات نتنياهو الشخصية آخذة في التقلص في الأسابيع الأخيرة. انظروا اليه والينا. مكانتنا كقوة عظمى إقليمية مدعوة من القوة العظمى العالمية الأكبر – آخذة في التقلص هي أيضا.
بينما نحن في حرب في سبع جبهات مفتوحة، هجرنا ترامب في الجبهة اليمنية، يتجه للاعتراف بالحكم المشكون فيه في سوريا فيما يمد بساطا احمر للرئيس التركي، المشكوك به بقدر لا يقل هو في مفاوضات متقدمة مع ايران ويقيم اتصالا مستقلا مع حماس. ما يسمى بالعبرية البسيطة: هو لا يحصينا.
هو يبقي نتنياهو يتراشق وحده مع الحوثيين، يتسلى بافكار هجوم في ايران، وليس واضحا أي مجال يبقيه هو له لان يرسل ابناءنا كي ينزفوا في رمال غزة. نتنياهو بالفعل يتسلى بفكرة هجوم في ايران. هو يتحدث عن ذلك بلا انقطاع. لكن لا يمكن تخيل هجوم كهذا ينطلق على الدرب دون مباركة الأمريكيين اذا كان في النهاية انفجار للمفاوضات فلا شك أن سلاحنا الجوي سيكون جاهزا.
اذا ما وحتى يحصل هذا، سيعين على نتنياهو أن يكتفي برؤيا الحرب الدائمة في غزة. الجيش الإسرائيلي مستعد لتوسيع العملية في القطاع. معظم الجيش النظامي استبدل منذ الان بقوات احتياط في خطوط النشاط العملياتي، وهو يقف جاهزا وخلفه نظام قتالي قبيل عملية واسعة وعديمة الجدوى في غزة. لكن في القطاع أيضا ليس واضحا ما هو مجال المناورة الذي سيتركه له ترامب.
بعد السنتين الأخيرتين توجد أمور قليلة لا تزال تبعث فيّ الدهشة. ان اسمع هذا الأسبوع الرئيس الأمريكي يعلن التزامه لاعادة كل المخطوفين وفي نفس الوقت رئيس وزراء إسرائيل يقول لمنتدى الجرحى: “اذا اعطونا عشرة مخطوفين – حسنا، نأخذهم” – انفغر فمي. كانت هذه لحظة صافية من الحقيقة. نتنياهو يؤمن حقا بانه يفعل للمخطوفين جميلا في أن يوافق على اعادتهم، شريطة ان يقولوا له شكرا، له ولعقيلته.
في الأيام القريبة القادمة سنعرف ممن يخلف نتنياهو اكثر: من ترامب عديم الكوابح ام من شركائه الائتلافيين الذين يضمنون له الوظيفة والكرسي. “نتنياهو هو مشكلة”، قال في الماضي سموتريتش. “لكنه لن يبقى هنا الى الابد. الطبيعة والبيولوجيا سيفعلان فعلهما”. نتنياهو سمع ومع ذلك واصل تحقيق كل اماني سموتريتش وبن غفير اللذين يريان فيه ليس اكثر من حمار المسيح. والان عليه أن يختار اذا كان سيحقق أيضا رؤياهما عن “شعب وحده يسكن” وان يثبتنا كدولة منبوذة.
من يمكنه أن ينقذنا هو نجم الاستعراض الذي يتولى منصب رئيس الولايات المتحدة. مع شهيته التي لا تنتهي للتصريحات والتشريفات، ومع الحلم للسير نحو مبنى بلدية أوسلو لتلقي جائزة نوبل، يمكن لترامب اليوم أن يعفينا من الحرب الزائدة في غزة وربما أيضا ان يخلص النفوس المعذبة التي تبقت في ايدي حماس. هو القوة الوحيدة التي يمكنها أن تجبر نتنياهو على أن يفعل الامر الصائب وعندها سنرحب كلنا بانتخاب دونالد بن بغل ترامب.
-------------------------------------------
هآرتس 16/5/2025
يُدخلون الغابة الى الفيلا
بقلم: رفيت هيخت
الأساس الثابت الوحيد حتى الان في السلوك الدولي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هو نيته اخراج الى حيز التنفيذ صفقة السلاح الضخمة مع السعودية، التي لها معنى كبير لاقتصاد أمريكا. كثيرون في إسرائيل اعتقدوا ان الصفقة مع السعودية يمكن ان تشكل أيضا مسار خروج فعلي وتراثي لبنيامين نتنياهو من عار 7 أكتوبر، مع التخلي عن شركائه الكهانيين لصالح نوع من الشركاء المحببين عليه اكثر مثل بني غانتس وامثاله.
المنطق الموجود في هذه الخطوة واضح: المشاركة في إعادة تشكيل الشرق الأوسط على خلفية الدوافع المناوئة لإيران في المنطقة، وحتى قياداته وتوسيع التطبيع والعلاقات الاقتصادية مع دول إسلامية أخرى. المقابل غير الثقيل جدا إزاء اللامبالاة السعودية النسبية بضائقة الفلسطينيين، كان يمكن ان يكون اظهار استعداد معين لدولة فلسطينية في المستقبل، وقبل ذلك بالطبع، انهاء الحرب والقتل في غزة.
لا يجب الانفعال كثيرا من المرحلة المؤيدة للعرب التي يقودها ترامب في الوقت الحالي. هناك ما يدعو الى التعبير عن القلق على خلفية تقلبه وتوجهاته المتحايلة، فضلا عن التحفظات العميقة بشأن دول مثل السعودية وقطر وسوريا، وبدرجة معينة تركيا، التي تجعل معاييرها المدنية وسجلها في موضوع حقوق الانسان إسرائيل تظهر وكأنها واحة في اسكندنافيا. بالاجمال لا يتم هنا تقطيع اوصال الالمراسلين ولا يتم اجراء ختان للاناث.
يجب أيضا ان يكون المرء غبي مع قدرة على الانكار مبالغ فيها كي يصرخ بسرور إزاء التسلح الكثيف لدولة غير ديمقراطية تماما، التي ما زالت تظهر العداء، المخفي أو العلني، لإسرائيل، أو أن يوافق بتفاؤل على سباق التسلح والتحول النووي الإقليمي.
مع ذلك، في هذه المنطقة المضطربة وفي هذه الفترة الفظيعة التي فيها النساء يتم اطلاق النار عليهن اثناء الذهاب الى غرف الولادة والأطفال يتم قصفهم وتجويعهم حتى الموت، واغلاق الصفقات، ليست هي الامكانية الأسوأ على هذا الكوكب. في افضل الحالات هذه الاتفاقات يمكن أن تؤدي الى تقليص العنف الإقليمي باسم التجمع حول طوطم الرأسمالية. وفي أسوأ الحالات، للدقة، السيناريو الذي بحسبه السعودية تتسلح بهدف مهاجمتنا في المستقبل، نتنياهو كان يجب عليه محاولة الانضمام الى طاولة اتخاذ القرارات من اجل ترجيح الكفة لصالح إسرائيل.
لكن ليس فقط انه لم يقفز على عربة السعودية، بل هو خلال اشهر الحرب ذهب وعمق تحالفه مع الصهيونية الدينية والكهانيين، حتى على حساب تحالفه مع الحريديين، وخرق وعد الاعفاء من التجنيد. جميع الدلائل تشير الى أن نتنياهو يدفع نحو حرب طويلة، مع التضحية بالمخطوفين واحتلال مناطق في القطاع، وهي الخطوة التي معناها السياسي هو عزلة إسرائيل عن التحالف الذي يتم نسجه في المنطقة ويقرب السعودية من الولايات المتحدة.
عندما نسأل أعضاء حكومته كيف سيبدو الاستسلام المامول لحماس، الذي يمكن ان يؤدي أخيرا الى إعادة المخطوفين وانهاء الحرب، تكون الإجابات على ذلك مختلفة ومتغيرة وفقا للمواقف والرغبات الشخصية. الى جانب نفس النفي الذي يدور الحديث عنه للقيادة، من هم الذين ما زالوا بحاجة الى نفي من صفوف قيادة حماس العليا – هناك رغبات أخرى مثل تهجير السكان، احتلال مناطق وما شابه. هذه الإجابات تهدف في نهاية المطاف الى شيء واحد وهو رفض انهاء الحرب. ولكن نتنياهو توجد له اعتبارات خاصة، في حين تعمل الصهيونية الدينية الاستيطانية على تحقيق أهدافها القديمة تحت غطاء امني يتمثل في “دفع الأرض ثمنا” مقابل الفظائع التي ارتكبت في 7 أكتوبر.
عندما وضع اهود براك تعبير “فيلا في الغابة” لم يكن بحاجة الى توضيح من هو “صاحب الفيلا” في المعادلة، ومن هم سكان الغابة. الآن يمكن القول باننا نشاهد العكس. كهانية حكومية ودعم شعبي واسع جدا لاسلوب الطرد والابادة الجماعية، بدون أي تأنيب للضمير وبدون خجل، تسمح للحكومة بان تختار بشكل متعمد تغذية الغابة بدلا من بناء الفيلا.
-------------------------------------------
يديعوت احرونوت 16/5/2025
ترامب رجل العرب
بقلم: ناحوم برنياع
في 4 حزيران 2009 بعد الظهر وصل براك حسين أوباما الى مدرج جامعة القاهرة. كان رئيسا جديدا بالنايلون، محوط بهالة انتصاره في الانتخابات، نجم شعبي. كنت هناك، بمناسبة مقابلة صحفية أراد أن يعطيها لمجموعة صغيرة من الصحفيين من دول الشرق الأوسط. واحد منهم، بجلابية بيضاء، مباشرة من السعودية كان جمال خاشقجي، لاحقا الصحفي الذي قطعه إربا رجال محمد بن سلمان، الذي هو اليوم الشريك الرئيس، المحبوب لامريكا في الشرق الأوسط. خاشقجي كان الوحيد الذي تجرأ على مصافحتي والحديث معي هناك، امام الوجوه المفزوعة لزملائه، لكن ليست هذه هي القصة.
القصة هي عن التشبيه بين الخطاب الذي القاه أوباما في القاهرة في 2009 والخطاب الذي القاه الرئيس دونالد ترامب يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع في قاعة حفلات فاخرة في الرياض. الاختلاف مذهل؛ وكذا وجه الشبه.
“السلام عليكم”، حيا أوباما الحضور في بداية خطابه. “جئت الى القاهرة كي أدعو الى بداية جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي. توجد لنا مباديء مشتركة – مباديء العدل والتقدم، التسامح والاحترام لكل انسان”.
كانت القاعة الكبرى مليئة بالطلاب الذين حرصوا على أن يردوا بالهتافات على كل نقطة طرحها أوباما، باستثناء المقطع الذي تحدث فيه عن التزام أمريكا بإسرائيل. الرئيس المصري حسني مبارك اختار الا يأتي: ولم يكن التغيب صدفة.
“الارتباط بين الولايات المتحدة وإسرائيل يقوم على علاقات ثقافية وتاريخية وعلى دروس المحرقة”، قال. “لا يمكن قطعها. من جهة أخرى…”.
في الجهة الأخرى كان الفلسطينيون. “لا يمكن التنكر لحقيقة أن الشعب الفلسطيني عانى كثيرا في كفاحه لاجل الاستقلال”، قال أوباما. تحدث عن عذابات النزوح، عن الانتظار المضني في مخيمات لاجئين لعصر سلام وأمن، عن الذل اليوم الذي يتسبب لهم به الاحتلال. “أمريكا لا تعترف بشرعية استمرار المستوطنات”، قال أيضا. لا يوجد أي شك: وضع الفلسطينيين لا يطاق. أمريكا لن تدير الظهر لتطلعاتهم لدولة خاصة بهم”.
بين الخطاب والمقابلة تحدثت هاتفيا مع رون يرون، محرر الصحيفة في تلك الفترة. الرد في البلاد جد صعب، روى. بعد المقابلة تحدثت مع رام عمانويل وديفيد اكسلورد، المساعدين اليهوديين لاوباما. رويت لهما عن الرد. “قلنا له مسبقا”، رد عمانويل. “لم يوافق على تغيير كلمة”.
الفصل الفلسطيني في الخطاب اشعل الإسرائيليين، لكن في العالم العربي اولوا أهمية اكبر للفصول الأخرى. أوباما دعا عمليا الى انقلاب نظامي في العالم العربي. “التزامي هو لحكومات تعكس إرادة الشعب”، قال أوباما. “أمريكا لا تفترض انها تعرف ما هو الخير لكل واحد، لكني اؤمن بان كل الناس بصفتهم هذه موحدون بالمطالبة ببضعة أمور: حرية التعبير، قدرة تأثير على قرارات الحكومة، ثقة بسلطة القانون ومساواة امام القضاء، الحرية لكل انسان لان يعيش كما يشاء. هذه حقوق انسان. نحن سندعمها في كل مكان”.
كانت هذه هي النقطة التي فهمت فيها لماذا قرر مبارك التغيب عن الحدث. فقد كان يعلم أو أوباما يلعب بالنار. وعندما نشب بعد اقل من سنتين الربيع العربي، كان هناك من حملوا خطاب أوباما المسؤولية عما حصل: هو الذي غرس البذرة.
وكانت النتيجة انهيار أنظمة استبدادية في العالم العربي، بما في ذلك مصر، وحروب أهلية مضرجة بالدماء في ليبيا وفي سوريا. المحاولات لاقامة أنظمة ديمقراطية تخضع للقانون ولارادة الجمهور فشلت. الدكتاتوريات عادت؛ وكذا الفساد، وكذا الفوضى؛ وكذا المس المتواصل بحقوق الانسان. الملوك فقط نجوا. وهم استقبلوا بتنفس للصعداء مملكة ترامب.
مكان للامل
فيما كان علم ضخم للسعودية خلفه اكثر خضرة من الأخضر، نهض ترامب ليلقي بكلمته. مرة أخرى رئيس جديد، مرة أخرى بداية جديدة، تاريخية، في العلاقات مع العالم العربي والإسلامي. الرياض حلت محل القاهرة: هذا لم يكن صدفة. عن مصر قفز ترامب مثلما قفز عن إسرائيل: هو لا يحصي دولا تحتاج الى مساعدة أمريكية.
محمد بن سلمان القى الخطاب الافتتاحي، كله تملق للضيف. بعد ذلك جلس في الصف الأول في جلابية بيضاء على اريكة ملوكية. في الجمهور لم يكن طلاب – كان فيه رجال اعمال من العالم العربي ومن أمريكا. أناس يرتبطون الواحد بالاخر بحبال المال.
الخطاب كان مصقعا اقل ليس تاريخيا أقل. فقد بدأ بوابل من الثناء الذاتي على أداء إدارة ترامب في أربعة اشهر وجودها واحتقار تام لولاية سلفه. بعد ذلك انتقل الى ثناء لا يقل مبالغة للثورات التي تجري في دول محمد بن سلمان وحكام النفط الاخرين. “العالم يجب أن يفهم”، قال ترامب. “هذا الانتقال الرائع يجري ليس كنتيجة للضجيج الذي يثيرونه في الغرب، الناس الذين يأتون في طائراتهم الجميلة ويعطون لكم محاضرات منمقة كيف تعيشوا وكيف تحكموا. تريليونات الدولارات بذرت على هذه الجمعيات الليبرالية، المحافظة الجديدة. الشرق الأوسط الجديد ولده أناس المنطقة أنفسهم. في النهاية كل أولئك الذين ادعوا بناء الأمم، هدموا الأمم. تدخلوا في حياة مجتمعات مركبة لم يفهموها. قالوا لكم ما تفعلوه، لكن لم يكن لهم أي فكرة عما ينبغي لهم هم أنفسهم أن يفعلوه. السلام، الازدهار والتقدم جاءت ليس جراء رفض متطرف لتراثكم بل جراء تبني التراث الذي تحبونه جيدا. صنعتم معجزة بطريقتكم، الطريقة العربية. هذه هي الطريقة الجيدة”.
أوباما اقترح على حكام العرب حلولا أيديولوجية: اذا ما حرصوا على حقوق الانسان، اتبعوا الديمقراطية الليبرالية مع سلطة القانون، حقوق النساء والأقليات، اجماع وطني بدلا من اكراه – أمريكا ستكون معهم. اما ترامب فيقترح عليهم حلولا شخصية: ولي العهد السعودي رائع، هو يحبه. هو يحبه لدرجة أنه وافق، كبادرة طيبة شخصية، أن يرفع العقوبات التي فرضتها أمريكا على النظام السوري وان يلتقي الرئيس السوري، الجهادي السابق، احمد الشرع.
هذا حل والآخر حل. ومع ذلك، الفارق شاسع: أوباما يقيم موقف السيد الذي ينتهجه على أساس فكر ومشاعر ذنب عميقة بسبب مظالم الاستعمار الغربي والرأسمالية الامريكية؛ اما ترامب فيعلق كل شيء بعلاقات شخصية وتجارية. من جهة هو انعزالي: ما يحصل في دول أخرى لا يحرك له ساكنا؛ من جهة أخرى هو مستثمر يلتقط كل صفقة. ليس صعبا أن نتخيل ترامب يقول بعد لقاء مع هتلر، يا له من حاكم رائع وكيف يقد المانيا الى مستقبل لامع.
ليست واثقا أي من الحلول ضار اكثر، خطير اكثر على استقرار منطقتنا ورفاهها. الناس الذين التقت الصحافة بهم هذا الأسبوع في شوارع القاهرة، دمشق، الرياض، بيروت، اضفوا هالة على خطاب ترامب. أخيرا قام رئيس امريكي يرفض رفضا باتا الاستعمار الغربي. اسهم محمد بن سلمان ارتفعت الى السماء. “القاهرة هي قلب العالم العربي”، قال أوباما في 2009. الرياض هي محفظته، فهم ترامب. رغم أن إسرائيل بقيت في الخارج، الولد الذي بقي في البيت، يحتمل أن تكون رحلة ترامب تبشر لها بالخير. صحيح أن إسرائيل فقدت مكانة الصدارة التي كانت لها في أمريكا كدولة قوية، مستقرة، ديمقراطية، الوحيدة في منطقة التي يقبلها الحزبان؛ صحيح أن التوقع لقرار ترامب بهجوم عسكري على النووي الإيراني لم يتحقق ولعله لن يتحقق ابدا.
لكن يوجد أيضا مكان للامل: في الشرق الأوسط الذي يجري على أساس تجاري، فان للكراهيات القديمة وللحسابات التاريخية توجد أهمية اقل. الازدهار بدلا من الثأر، الثمار بدلا من الدم. هذا هو ا لفكر الذي حرك حاكم الامارات، محمد بن زايد لان يبادر الى ما اصبح اتفاقات إبراهيم. لقد أمسك بإسرائيل في هذا الانتقال وهي مع الحكومة غير الصحيحة في الزمن غير الصحيح. لم يفت الأوان بعد.
-------------------------------------------
هآرتس 16/5/2025
مسؤول بفرع “أمنستي” في إسرائيل: راودني شك.. لكن تبين أن “نيتها” إبادة الغزيين تجويعاً
بقلم: ياريف موهير
عندما صدر تقرير حركة “أمنستي العالمية”، الذي يتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة، كنت أتولى منصب نائب مدير عام فرع الحركة في إسرائيل، وكنت من رؤساء المعارضة العلنية للفرع لهذه المقولة – معارضة كلفت الفرع طرداً فعلياً من الحركة العالمية.
كنت من بين الذين اعتقدوا أن أمنستي لن ينجح تقريرها في إثبات عنصر النية، الذي هو ضروري للإدانة بارتكاب إبادة جماعية. لم نحتج على استنتاجات التقرير، بل على التحليل الذي جاء فيه؛ بأنه لا يوجد تفسير منطقي آخر لأفعال إسرائيل عدا عن نية من الأعلى لإبادة سكان غزة. اعتقدنا أن هناك تفسيراً آخر محتملاً، مثلاً الاستخفاف بحياة الغزيين في الطريق إلى تحقيق الأهداف العسكرية. واعتقدنا أن الانحياز لإسرائيل سيثقل القيام بتحليل مهني. كل ذلك تغير إزاء وقف شامل لإدخال المساعدات إلى غزة.
قرار منع المساعدات الإنسانية الذي يطبق منذ آذار، يعطي تأثيراً أكبر في أوساط السكان المحليين (ربما أيضاً في أوساط المخطوفين)، وكل يوم يمر بدون مساعدات تزداد الصورة قتامة. هذه لحظة فاصلة. فالأمر لا يتعلق بتقييد نطاق المساعدات مثلما كان في السابق، بل يتعلق بمنعها كلياً وبشكل مستمر.
يصعب الادعاء بأنه لا يوجد هنا عامل “النية” – فهو قرار رسمي للحكومة، متسق ومطبق أيضاً بعد تقارير عن نتائج مخيفة، وبعد إعلان المسؤولين عن مؤشر آي.بي.سي للأمم المتحدة بأن واحداً من بين 5 غزيين في حالة جوع. وهذه السياسة تغير قواعد اللعب: مبررها الوحيد هو تجويع السكان الذين لا يملكون أي سيطرة على حماس، بهدف تحقيق استسلام المنظمة الإرهابية التي لا تهتم بمصير رعاياها.
تصريحات من جانب جهات إسرائيلية التي بحسبها منع المساعدات سيتوقف من التجويع الجماعي، تعكس خط تفكير مثير للغضب ومشوه، يرتكز إلى ادعاء بأن هناك مخازن غذاء في غزة ووجود احتياطي كاف – الأمر الذي يناسب التقارير من الميدان، بما في ذلك تقارير جهات إنسانية دولية. بشكل عام، لا يمكن التوقف مرة أخرى قبل التجويع الجماعي. لا كبسة يمكن تشغيلها أو وقفها في أي وقت نريده.
التجويع الجماعي يبدأ بـ “الجيوب الجائعة” للآلاف في ظل الفوضى والتوزيع الداخلي السيئ، وهكذا لن يبقى غذاء للضعفاء ولمن هم غير مقربين من حماس. إضافة إلى ذلك، إزاء معلومات طبية تقول بأن للأطفال الخدج تغذية غير سليمة، التي لا تؤدي إلى الموت، لكنها قد تؤدي إلى أضرار خطيرة لا يمكن إصلاحها – هناك فئة عمرية كاملة في غزة معرضة لهذه الأخطار. وحقيقة أنه معروف أن حماس لن تستسلم بسهولة، هذا إذا استسلمت، فإن إبادة السكان تبدو هدفاً ثانوياً للحكومة، وليس وسيلة مشوهة أمام حماس، والتي تفحص من سيتراجع أولاً.
إسرائيل تقول بأنها ستعمل على تطوير منطقة إنسانية تمكن من توزيع المساعدات بحيث لا تصل حماس إليها، لكنها لم تنتظر إقامتها. يجب التأكيد على أن إقامة هذه المنطقة لن يحل المشكلة، ولن يبرر تجويع السكان في أرجاء القطاع الأخرى، فهذه المنطقة لن تستوعب مليوني شخص. ولكن عدم استعداد إسرائيل للانتظار يدل على عدم الرغبة حتى في تخفيف المس بالسكان.
صحيح أن حماس شريكة في هذا الرعب: كان يمكنها فتح مخازن الغذاء خاصتها، وكان يمكنها تحرير المخطوفين، وألا تنفذ المذبحة من البداية أو الاستسلام، ولكن هذه الشراكة لا تعزينا. مسؤولية حماس لا تعفي إسرائيل من المسؤولية، لأنها هي التي تقوم بالتجويع مباشرة. إسرائيل تعتبر قوة محتلة، لذلك، هي المسؤولة عن سكان المنطقة حسب القانون الدولي.
كيفما أدير الأمر، فالوضع مخيف، وإسرائيل تصعب على من يريد الدفاع عنها من تهمة الإبادة الجماعية. كيف يمكن الادعاء الآن بأن إسرائيل لا تعمل من خلال نية؟ هذه وصمة على جبيننا.
-------------------------------------------
هآرتس 16/5/2025
لا صحافة ولا رأي لأحد إلا ما يراه نتنياهو وكرعي وقناة 14
بقلم: أسرة التحرير
جعلت الحكومة حربها على الإعلام الحر لازمة مركزية في حملة تقويض أساسات الديمقراطية. الوزراء، بقيادة نتنياهو، يحرضون ضد الصحافيين، ويصفون قنوات الإعلام بأوصاف منكرة، ويحاولون التضييق على خطاها والتشكيك بمصداقيتها، بل وإغلاق قنوات البث العامة.
لقد تحول الخطاب السام إلى أفعال مع تعيين سلسلة من المقربين لمناصب أساسية في الرقابة على وسائل الإعلام، والدفع قدماً بتشريعات خاصة، وقرارات حكومة تستهدف منح امتيازات إدارية بقناة الحكم، القناة 14، وبالمقابل فرض عقوبات وإلحاق ضرر اقتصادي بوسائل إعلام مستقلة.
عرض وزير الاتصالات شلومو كرعي، هذا الأسبوع، مشروع قانون بإصلاح شامل في سوق البث في إسرائيل، بما في ذلك إعادة ترتيب شكل الرقابة على قنوات التلفزيون المركزية وعلى مجال الأخبار. لا خلاف بأن في مجال البث مواضع خلل، والسوق بحاجة إلى ترتيب محدث. في مشروع القانون هذا، ثمة بنود عديدة صاغتها أو أيدتها المستويات المهنية. لكن انشغال الحكومة الحالية بالتشريع في سوق الاتصالات خطر حقيقي على الإعلام الحر. مشروع القانون يتضمن إقامة سلطة حكومية جديدة قد تخضع لنفوذ سياسي مباشر وتكون لها صلاحيات غير مسبوقة تسمح بفرض غرامات جسيمة على هيئات أخبار، بل وإغلاقها. عملياً، المشروع يعيد تصميم سوق البث في التلفزيون والإنترنت، وستكون لكل قرار آثار دراماتيكية على الاستقرار الاقتصادي لهيئات البث الكبرى في إسرائيل.
يحاول كرعي أن يتغطى بذريعة مصلحة المستهلك، لكنه عملياً يمنح نفسه صلاحيات غير ملجومة. أحد البنود يمنح الوزير والأغلبية المصادفة في لجنة الاقتصاد صلاحيات مباشرة لإغلاق قناة إعلامية. وجاء في المشروع أنه إذا ما خرقت القناة -برأي الوزير- إحدى القواعد وكان هذا الخرق، برأيه، “يمس بالجمهور” (دون تعريف واضح ما هو المس بالجمهور) سيكون ممكناً نزع رخصة القناة. المستوى السياسي يرتب لنفسه أدوات لكم الأفواه.
الحكومة كلها، وكرعي بخاصة، أثبتوا في السنتين والنصف الأخيرتين بأن هدفهم واحد: المس بالمؤسسات الاجتماعية الأكثر حيوية لأداء الديمقراطية، وخلق حكم لهم بلا توازنات وكوابح. إن الانقلاب النظامي الذي بدأ بجهاز القضاء يصل الآن إلى سوق الاتصالات، وغايته واضحة: اقتلاع الأصوات النقدية في وسائل الإعلام لأجل السيطرة على وعي الشعب وتخليد الحكم. ليس لمثل هذه الحكومة أساس أخلاقي وقيمي للانشغال بأي إصلاح مهما كان في سوق الاتصالات. يا كرعي، ارفع يديك عن الإعلام الحر.
-----------------انتهت النشرة-----------------