الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاثنين 19/5/2025 العدد 1311

الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات
يديعوت احرونوت 19/5/2025
في الجيش يؤكدون ان حملة “عربات جدعون” بدوافع مهنية
بقلم: رون بن يشاي
كبار مسؤولين في الجيش قلقون جدا من الميول التي تظهر في الخطاب العام للتشكيك بطهارة دوافع الجيش الإسرائيلي الذي بدأ بالاستعدادات لمعركة “عربات جدعون” بادعاء عن تجويع قطاع غزة، وكذا عن فجوات في الامتثال للاحتياط. مسؤولون كبار للغاية في هيئة الأركان وفي الشباك قلقون من الادعاءات وكأن هيئة الأركان وقيادة المنطقة الجنوبية يخرجون الى “عربات جدعون” رغم انهم لا يؤمنون بقدرتهم على أن يحققوا من خلال هذه المعركة تحرير المخطوفين وحسم حماس في نفس الوقت.
بالنسبة لاخلاق القتال في الجيش يرفضون رفضا باتا الادعاء الذي يسميه ضابط كبير للغاية في الجيش “رواية دعائية كاذبة تنشرها حماس” بشأن تجويع الفلسطينيين في القطاع. القلق في هيئة الأركان ينبع من أن هذه الادعاءات التي تحظى بابراز كبير في الشبكات الاجتماعية وحتى في وسائل الاعلام الرسمية تمس بدوافع مقاتلي الجيش وتؤدي الى عزل ونبذ إسرائيل في الساحة الدولية.
بالنسبة لرجال الاحتياط، يقول مصدر عسكري كبير ان الخطاب الجماهيري يعرض صورة بشعة اكثر عن الواقع في الميدان. في الجيش لم يتوقعوا ان يصل مستوى الامتثال الى 120 في المئة مثلما في 8 أكتوبر، لكن بعد اكثر من سنة ونصف من الحرب في عدة جبهات، فان المعطيات اكثر من مرضية.
في كل ما يتعلق بـ “عربات جدعون” يدعي كبار رجالات هيئة الاركان بان منحى المعركة خطط وعرض على المستوى السياسي الذي اقره من بين ثلاثة مناحي وضعتها شعبة العمليات بالتعاون مع شعبة الاستخبارات وسلاح الجو – هكذا بحيث أن الجيش يخرج الى الحملة بقدر كبير بمبادرته وبمصادقة المستوى السياسي وليس العكس. “نحن نؤمن بما نفعله. هدف ما يجري في قطاع غزة في الأيام الأخيرة وقبلها أيضا هو تحرير المخطوفين وحسم حماس في نفس الوقت فيما أن الأولوية هي بالطبع لتحرير المخطوفين”، يقول المصدر إياه الذي يعكس على حد قوله موقف الأغلبية الساحقة من الضابطية العليا في الجيش، بدء برئيس الأركان وحتى مستوى قادة الالوية والكتائب. “نحن نعرف ما نفعله، بل وتوجد أيضا مؤشرا على أنه ينجح”.
البيانات المتتالية للناطق العسكري في الأيام الأخيرة عن تحريك قوات الى مناطق مشرفة، تستهدف أساسا آذان كبار من تبقى من القيادة العسكرية لحماس في القطاع وآذان كبار المكتب السياسي لحماس المتواجدين في الدوحة. عمليا، يعمل سلاح الجو في ا لايام المتحدة بشكل مكثف في شمال القطاع وفي وسطه بهدف دفع السكان غير المشاركين للتحرك من الشمال الى الجنوب، فيما أن القوات البرية تدخل الى المنطقة الفاصلة في هوامش القطاع وفي وسطه، في اطار مرحلة الاستعداد لتنفيذ “عربات جدعون”. الهدف هو انه اذا ما وعندنا يصدر الامر، ستتحرك القوات الى مهامها بسرعة. عمليا، أساس “عربات جدعون” لم يبدأ بعد، مرحلة الاعداد هي عملياتية لكن أيضا – وهذا قيل علنا – هدفه خلق ضغط وعي على حماس للمرونة.
لقد نشأت الحاجة لتشديد الضغط على حماس في اعقاب تشخيص وفد المفاوضات الإسرائيلي الذي سافر الى الدوحة وكذا في شعبة الاستخبارات وفي الشباك، في زمن زيارة ترامب الى الشرق الأوسط لتشديد مواقف وفد حماس الى المفاوضات في قطر. عمليا، تركت حماس المفاوضات لانها اعتقدت، في اعقاب تصريحات ترامب وتصريحات في الاعلام الأوروبي حول خلاف شديد بل وعداء بين الرئيس ترامب ونتنياهو. “في حماس اعتقدوا انهم نجحوا في دق اسفين بين الولايات المتحدة وإسرائيل وان من الان فصاعدا سيضغط ترامب على إسرائيل لوقف الحرب والسير الى صفقة التي وان كانت ستتضمن إعادة المخطوفين دفعة واحدة، لكنها أيضا ستلزم إسرائيل بوقف الحرب في القطاع والموافقة على خطة “اليوم التالي” المصرية”، يقول مصدر عسكري كبير. السبب الثاني لتصلب مواقف حماس هو نجاحها في الاعلام العالمي والإسرائيلي بالنسبة للرواية، التي تعتقد بان “الفلسطينيون يموتون جوعا في القطاع نتيجة عمل إسرائيلي مقصود بمنع دخول المساعدات الإنسانية”.
في الجيش يدعون بحزم – لا يوجد ولم يكن تجويع مقصود للسكان غير المشاركين في غزة. لا يزال يوجد غذاء ودواء في القطاع وان كان ضيقا، وحيث ينقص حقا يتم ادخال ما ينبغي وفقط بقدر ما ينبغي. كنتيجة لعدم دخول قوافل المساعدات الكبرى الى القطاع، ينفد الغذاء في مخازن منظمات الإغاثة، وليس لدى حماس ما يكفي من الغذاء، الدواء والوقود لبيعها في السوق الحرة لاجل تمويل عملها او حتى للتوزيع على رجالها.
يجري منسق الاعمال في المناطق، كل يوم تقويما للوضع مع الهيئة الإنسانية التي تعلم في تل أبيب، وتشارك فيها منظمات إنسانية دولية. هناك يعرفون بالضبط ما يوجد في القطاع ويتأكدون من أنه لا يوجد تجويع مقصود. ومع ذلك، يوجد أساس لتقارير ممثلي الأمم المتحدة الى قطاع غزة بشأن ظاهرة أطفال ورضع شُخص لديهم سوء تغذية. وعلى حد قول مسؤولي الجيش هذا الادعاء صحيح لكنه محصور وغامض جدا. هو صحيح أساسا للطبقات الفقيرة التي طريقة توزيع الغذاء والماء من المنظمات الدولية تتسبب بان يتنحوا جانبا من قبل قسم من سكان القطاع ممن يهتمون بأنفسهم أولا وليس بالعائلات الفقيرة، في الغالب للامهات او للاسر التي لها مرضى ومعوقون من غير القادرين على التدافع في الطوابير لتلقي الغذاء والدواء.
هذا الوضع يعتزم الجيش إصلاحه من خلال أربعة مراكز لوجستية تبدأ بالعمل في غضون نحو أسبوع في جنوب القطاع وفي بضع نقاط توزيع مؤقتة أخرى، تكون شمال ووسط القطاع. من سيدير توزيع الغذاء ستكون شركة أمريكية تعطي لكل عائلة، ضعيفة ام قوية صندوقا يحتوي على غذاء، دواء وما شابه، حسب عدد النفوس في تلك العائلة واحتياجاتها.
لا يزال، حماس تتمسك برواية التجويع وهي تنشرها وتحركها في وسائل الاعلام العالمية وبنجاح كبير. كنتيجة لذلك لحق ضرر جسيم بإسرائيل ليس فقط في أوروبا بل حتى في أوساط دوائر ليست اسلام متطرف ويسار راديكالي في الولايات المتحدة.
مع ذلك، في نهاية الأسبوع الاخير طرأت انعطافة حين انهى الرئيس ترامب زيارته الى الشرق الأوسط وفهمت حماس بان واشنطن لا تعتزم ان تفرض على القدس الامتناع عن معركة “عربات جدعون” وعدم ادخال مساعدات إنسانية كما أملت. إضافة الى ذلك، في الذراع السياسي لحماس تبينوا ان حملة التجويع المقصود في غزة لا تلين مواقف المستوى السياسي في إسرائيل بل العكس، الدخول البطيء للجيش الاسرائيلي، والذي يترافق ونار جوية شديدة الى مناطق الاستعدادات لعربات جدعون أدى برجال الذراع السياسي لحماس بان يفهموا بان من المجدي ومن المرغوب فيه الان العودة الى طاولة المفاوضات.
الضغط العسكري، كما يقولون في الجيش، فعل فعله بشكل واضح يصعب التشكيك فيه وما ساهم جدا في ذلك هو الضربة لقيادة حماس العسكرية في غزة ولا سيما محمد السنوار، مما لم يتأكد بعد، لكن توجد مؤشرات واضحة على أنه صفي. كل ما قيل أعلاه ليس فيه ما يضمن ان تنجح حملة “عربات جدعون” في المهمة المزدوجة لاعادة المخطوفين وحسم حماس بل وتوجد مؤشرات على أنه يحتمل الا تخرج هذه المعركة الى حيز التنفيذ بكاملها بل تبقى في المرحلة الحالية، وبالتأكيد طالما استمرت المفاوضات. لكن في القيادة العليا والوسطى في الجيش يؤمنون بان الحملة كما اقرها المستوى السياسي ستسمح بتحقيق تحرير مخطوفين وحسم حماس وان الاقوال التي يطلقها السياسيون في الائتلاف ووزراء في الحكومة هي بمسؤوليتهم فقط. ويقول المصدر الكبير: “نحن نعمل لاعتبارات مهنية عسكرية صرفة استنادا الى تقديرات عميقة لشعبة الاستخبارات وجهات أخرى في اسرة الاستخبارات وليس حسب خطوط توجه سياسية كذه او تلك.
-------------------------------------------
هآرتس 19/5/2025
الضغط يتصاعد ونتنياهو يمهد الارضية للحل
بقلم: عاموس هرئيلِ
الولايات المتحدة تستخدم في الفترة ضغط شديد جدا على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كي يوافق على قبول خطة ويتكوف لاطلاق سراح نصف المخطوفين الاحياء الموجودين لدى حماس ووقف اطلاق نار مؤقت في قطاع غزة. رجال الرئيس دونالد ترامب يأملون أن يمكن الاتفاق المؤقت من ان يتم فرض بعد ذلك على اسرائيل صفقة شاملة لاطلاق سراح جميع المخطوفين. حماس، التي تسعى الى ذلك، تأمل في الحصول على ضمانات الامريكية لتطبيق ذلك مقابل موافقتها على صفقة مؤقتة تحفظت منها حتى الآن. في نفس الوقت ما زالت الادارة الامريكية تحاول التوصل الى صفقة شاملة.
نتنياهو، الذي حسب معرفتنا، لم يقرر كيف سيرد، يحاول الآن أن يسوق للجمهور في اسرائيل شيء من النصر، الذي سيمكن من تبرير الصفقة المؤقتة وربما يبقي في الائتلاف في هذه المرحلة شركاءه في اليمين المتطرف، قوة يهودية والصهيونية الدينية. في الخلفية الجيش الاسرائيلي بدأ في نهاية الاسبوع في عملية برية محدودة في مناطق في القطاع وزاد قوة الهجمات الجوية في الفترة الاخيرة. في هذه الهجمات قتل مئات الفلسطينيين، معظمهم من المدنيين.
خطة ويتكوف التي يمكن ان تنفذ خلال شهرين يمكن ان تمكن رئيس الحكومة من ان يجتاز بنجاح دورة الكنيست الصيفية، التي تنتهي في 27 تموز. في مثل هذه الحالة سيبقى الائتلاف على الاقل حتى بداية الدورة الشتوية في نهاية تشرين الاول – الانتخابات القادمة لن يتم اجراءها قبل ربيع 2026. هذا هو الهدف الاول لنتنياهو الآن والاعتبارات الاخرى تظهر هامشية بالنسبة له. معنى الصفقة الجزئية هو تاجيل تحرير المخطوفين المتبقين من خلال استمرار وجود خطر معين على حياتهم.
مثلما هي الحال دائما فانه من الجدير الاستماع الى صفحة رسائل الابواق من اجل فهم الى أين يامل ان يصل رئيس الحكومة. الرسائل من صباح أمس: يتوقع صدور “قرار مصيري” في المفاوضات خلال 24 ساعة، فقط الضغط العسكري الاسرائيلي هو الذي يلين موقف حماس ويقربها من الموافقة على صفقة جزئية، واسرائيل يجب عليها دراسة حل وسط على خلفية توقعات ادارة ترامب والازمة الانسانية المتفاقمة في القطاع.
في هذا الصباح نشرت قنوات تلفزيونية سعودية هي “الحدث” و”العربية” بأنه تم العثور على جثة رئيس الذراع العسكري في حماس في القطاع محمد السنوار، في النفق الذي فجره سلاح الجو في خانيونس في منتصف الاسبوع الماضي. ونشر ايضا بأنه قتل معه عشرة نشطاء من حماس، من بينهم محمد شبانة قائد اللواء القطري لحماس في رفح. في جهاز الامن في اسرائيل يمتنعون عن تأكيد التقرير وحتى الآن ينتظرون بيان رسمي من حماس، رغم التقدير المتزايد بأن السنوار والاشخاص الذين هو مسؤول عنهم قتلوا في الهجوم.
اذا كان السنوار قتل حقا فقد بقي من القيادة في القطاع التي كانت توجد عشية الحرب فقط شخصية رفيعة واحدة وهي عز الدين الحداد، قائد لواء غزة عشية مذبحة 7 اكتوبر والآن هو قائد حماس في شمال القطاع. اسرائيل سبق واستخدمت اكثر من مرة وسائل اعلام خليجية من اجل “استيضاح” معلومات – أي نشر معلومات كان يصعب الاعلان عنها رسميا أو محاولة اجبار حماس على الاعتراف بالامور التي حدثت. حماس في المقابل تفضل على الاغلب الحفاظ على ضبابية في الاخبار حول المس بقادتها، على الاقل لفترة معينة. اعلان رسمي عن موت السنوار اذا نشر، سيسهل على نتنياهو تسويق رواية نجاح عملياتي كبير في القطاع، الذي كما يبدو يقرب اسرائيل من النصر المطلق على حماس ويبقي لها هامش مناورة في المفاوضات مع استجابة لطلبات الولايات المتحدة.
اطلاق سراح الجندي المخطوفي عيدان الكسندر، الذي يحمل الجنسية الامريكية، تم ترتيبه في الاسبوع الماضي كخطوة تبني الثقة بين الولايات المتحدة وحماس. قيادة حماس في الخارج، التي من شأنها أن تتسلم صلاحيات اكثر وتاثير في السياسة اذا حقا تم قتل محمد السنوار، تريد من الامريكيين ضمانات بأنه لن يتم استئناف القتال بعد انتهاء المرحلة الوسيطة. على الاجندة تقف الان مناقشة صفقة شاملة لاطلاق سراح مخطوفين واسرى (“الجميع مقابل الجميع”)، ومسالة مستقبل حماس في القتال – طلب اسرائيل نزع سلاحها واقتراح لنفي القادة الكبار الباقين من القطاع، وطلب حماس ضمان سلامتهم بعد انتهاء الحرب.
في الخلفية في الغرب وفي العالم العربي يزداد القلق من تدهور خطير، الذي بدأ مؤخرا في الوضع الانساني في القطاع، الى درجة الخوف من مجاعة جماعية. اسرائيل، التي تظهر الانغلاق واللامبالاة في علاج الازمة يمكن ان تجد نفسها في عزلة سياسية شديدة نتيجة سلوكها. دول الوساطة، قطر ومصر، والسعودية واتحاد الامارات، تضغط من جهة على حماس كي تتنازل، ومن جهة اخرى على الولايات المتحدة لاجبار نتنياهو على الاستجابة للاتفاق.
رغم بقاء البعثة الاسرائيلية للمفاوضات حول المخطوفين في الدوحة، والبيان عن عودة حماس الى المحادثات غير المباشرة، فان الامور لن يتم حسمها هناك، بل بالمحادثات بين واشنطن والقدس. حتى الآن كان التفويض الذي منحه نتنياهو للبعثة في قطر مقلص جدا. في هذا الصباح اجرى مقابلة في “كان” العميد احتياط اورن سيتر، وهو شخصية كبيرة سابقة في طاقم المفاوضات، قال فيها “هذه هي لحظة التوصل الى افضل اتفاق يمكن التوصل اليه”. سيتر اختلف مع ادعاء نتنياهو بان الضغط العسكري سيعيد المخطوفين، وقال ان الضغط هو فقط اداة للدفع قدما بالمفاوضات. وردا على ذلك نشر مكتب رئيس الحكومة بيان مطول وفظ وعنيف هاجم فيه سيتر واصدقاءه، واتهمه بتقويض المفاوضات في الوقت الذي كان فيه عضو في الطاقم، واضاف ادعاء لا اساس له وهو أن “سيتر يؤيد استمرار حماس في السلطة”.
ان نوبة الغضب الجامحة التي اصابت المكتب مثيرة للدهشة بدرجة معينة، لأنها لا تتساوق مع توقيت ميامي، لكن هذا ليس الامر المثير للاهتمام هنا. في ختام الرد جاء أن “الفريق يعمل في الدوحة لاستنفاد أي فرصة من اجل التوصل الى الاتفاق، سواء حسب خطة ويتكوف أو انهاء القتال، الذي يشمل اطلاق سراح جميع الرهائن”. حتى الآن صمم نتنياهو على التوصل الى اتفاق جزئي حسب خطة ويتكوف، ورفض التوصل الى اتفاق شامل. هذه الامور قد تعكس حجم الضغط الذي تستخدمه امريكا حاليا. وف يالخلفية توجد مسالة اخرى وهي قلق مسؤولين كبار سابقين في المؤسسة الامنية من ان نتنياهو يفكر مرة اخرى في شن هجوم على المنشآت النووية، رغم التقدم في المحادثات بين الولايات المتحدة وايران.
بعد عدة منشورات جاء فيها بان نائب الرئيس الامريكي فانس، المؤشر الانعزالي والاقل تعاطفا مع اسرائيل سيصل بعد غد الى البلاد. بعد الظهر خرج بيان نفي رسمي من الادارة الامريكية. ولكن الآن لا شك أنه مثل كل الحرب فان العلاقة بين الولايات المتحدة واسرائيل تقف امام فترة من القرارات الحاسمة. كعادة ترامب فان رسائل كثيرة ومتناقضة يتم ارسالها، وحتى اللحظة الاخيرة سيكون من الصعب معرفة الى اين وجهته. الواضح جدا هو انه في نهاية زيارته في الخليج، الرئيس الامريكي سيزيد الضغط على اسرائيل في محاولة لتحقيق تقدم في المفاوضات في الفترة القريبة القادمة.
-------------------------------------------
يديعوت 19/5/2025
قفزة الرجوب الى شيبا جزء من العلاقات المركبة بين إسرائيل وكبار رجالات السلطة
بقلم: ناحوم برنياع
ثلاثة دخلوا الى بار: واحد غبي، الثانية شريرة والثالث ساذج. انظروا الي، قالت الشريرة: شرانيتي معدية. حين افتح فمي في الحكومة يفغر الوزراء الجالسون افواههم، مثل الأطفال في الروضة، وعلى التو وفي الفور يصبحون اشرارا مثلي. أنا نور لليهود.
انظروا الي، قال الغبي. غبائي منتصر. وزير يتحدث بهراء في جلسة حكومة وتوا وعلى الفور يصبح الوزراء اغبياء مثله. نحن الأغلبية.
انظروا الي، قال الساذج. انا لست ساذجا حقا بل اتساذج. لكني رئيس وزراء وانتم لا. سيدة شريرة، سيد غبي: يوجد لكما من تتعلمان منه.
ماذا يعني ذلك؟ في جلسة الحكومة التي انعقدت الأسبوع الماضي، ولاحقا في جلسة الكابنت. الحكومة انعقدت للبحث في موضوع محبوب: اللاسامية في العالم. بطبيعة الأحوال، انتقل البحث الى اللاسامية في السلطة الفلسطينية. زئيف قام وجاء باقتباسات في مجلة “مكور ريشون”.
وزير الداخلية موشيه أربيل قطع النقاش في سؤال: “هل يمكنني أن افهم من اعطى جبريل الرجوب الاذن للدخول الى إسرائيل وزيارة ابنه في المستشفى دون الحديث مع وزير الداخلية؟”.
“وساد الهدوء في الغرفة”، تصف الصحيفة الدراما. “ها هو هذا يحصل لنا مرة أخرى. واحد من عظماء كارهينا يحظى بمعاملة متزلفة ومثنية”.
“من حقا اعطى الامر”، سأل نتنياهو سؤالا من ساذج.
جبريل الرجوب ترأس في التسعينيات، سنوات أوسلو، أحد أجهزة الامن في السلطة الفلسطينية. هو تحدث في تلك السنوات عن السلام. والاهم من ذلك هو وجهازه كانا مجندين للحرب ضد الإرهاب المتصاعد من حماس. وحسب الشائعات، قتل بعضا من المخربين شخصيا، بمسدسه. زملاؤه في إسرائيل درجوا على تسميته جبريئيل ريغف – الى هذه ا لدرجة كان هو واحدا منهم.
في بيتونيا، غربي رام الله، بنى قلعته – مبنى المكاتب الأكثر افتخارا في المناطق. في اثناء الانتفاضة الثانية، قصف سلاح الجو المبنى ودمره حتى الأساس.
منذئذ انقلب الرجوب. هو يشتم إسرائيل في كل فرصة وفي كل محفل. من اللحظة التي عين فيها رئيسا لاتحاد كرة القدم الفلسطيني هو يفعل كل ما في وسعه كي يخرب على مكانة إسرائيل في الفيفا.
للرجوب يوجد ابن. اسمه إبراهيم، رامي. هو ابن 35. منذ وقت غير بعيد أصيب بانهيار رئوي. كمقيم من شرقي القدس يستحق النزول في أي مستشفى في إسرائيل. وصل الى شيبا في وضع حرج، خُدّر وأجريت له عملية جراحية. بلغت العائلة بان ليس مؤكدا ان ينجو. الاب طلب الاذن للمجيء لوداعه. وصل الطلب الى طاولة رئيس الشباك رونين بار ومنسق اعمال الحكومة في المناطق اللواء غسان عليان. فأقراه. الرجوب وصل الى المستشفى، رأى الابن وعاد الى رام الله. في هذه الاثناء تحسنت حالته. يحتمل أن يكون اليهود انقذوا حياته.
وزراء الحكومة غضبوا: الوزيرة اوريت ستروك ذكرت نتنياهو بان الكابنت قرر قبل سنة تفكيك السلطة الفلسطينية. وقضت بانه “كان من تجاهل قرار كابنت صريح وهذه هي النتيجة”. وزير الصحة اورئيل بوسو اشتكى من أن الرجوب ليس وحيدا. “منسق الاعمال وضابط الطب الرئيس يدخلان الى المستشفيات جرحى ومرضى فلسطينيين بدون تنسيق مع المستوى السياسي”.
أنا لا افهم كيف يحصل هذا”، قال نتنياهو.
هو يفهم جيدا جدا: المستوى السياسي، أي هو، لا يريد تنسيقا. اذا ما سألوه فسيتعين عليه أن يجيب؛ واذا أجاب سيكون مسؤولا عن النتائج. هو لن يصمد امام الضغط، لن يصمد امام العبء. ابتدائي، يا معالي الوزير، ابتدائي.
بعد بضع ساعات انعقد الكابنت. وانضم الوزير بن غفير الى المشتكين. “اردت أن افهم كيف سمحوا للرجوب بالدخول”، طلب. “انا أيضا اريد أن افهم”، قال نتنياهو.
في جلسة الكابنت حضر اللواء عليان. شرح بان الابن كان في وضع حرج. “انا لست ضد لقاءات وداع بين أب وابن”، قالت ستروك، “لكن لماذا يحصل هذا هنا بالذات؟ فليذهب الى مستشفى في نابلس”.
“من يقر أمورا كهذه؟” رفع نتنياهو صوته، ووزير الدفاع كاتس حرص على الايضاح: “انا لم اعرف في الزمن الحقيقي”.
قفزة الرجوب الى شيبا هي جزء من العلاقات المركبة بين إسرائيل وكبار رجالات السلطة. خطاب السياسيين في الطرفين فتاك، لكن الاحتياجات اليومية تفرض تعلقا متبادلا. سلوك انساني تجاه الطرف الاخر يطفيء الشكوك، ينقذ الحياة، يستدعي نية طيبة. نعم، الخاوة موجودة والارتباطات أيضا. والعوض ليس كبيرا. وحتى الاب المكروه يستحق ان يودع ابنا يوشك على الموت.
لماذا اكترث بالرجوب؟ لان للشر لا توجد حدود. أولئك الوزراء الذين يهذرون عن زيارة آب الى المستشفى يغلقون قلبهم أيضا امام مصير 58 مخطوفا وعائلاتهم؛ الوزراء ذاتهم يسعون الى جر إسرائيل الى إبادة جماعية لا نعرف كيف نخلص منها والوزراء إياهم يرسلون بخفة عقل، بالاجماع، جنود الجيش الى جولة قتال أخرى، مشكوك في جدواها. اوريت ستروك تفهم؛ اما نتنياهو، فقط نتنياهو، لا يفهم.
------------------------------------------
هآرتس ذي ماركر 19/5/2025
رغم نمو الاقتصاد الاسرائيلي 3.4%، الا ان الحكومة تضخم البيانات
بقلم: ناتي توكر
خطوات الحكومة الدراماتيكية لتثبيت ميزانية 2025 وخفض العجز، خلقت في اسرائيل تخوفات كثيرة من تاثير القرارات والمراسيم على الاقتصاد. البيانات التي نشرت امس (الاحد) من شأنها ان تؤدي بنا الى التصديق بأن هذه التخوفات تلاشت. الاقتصاد سجل نمو جيد في الربع الاول من العام 2025، حسب المكتب المركزي للاحصاء، زيادة 3.4 في المئة في الناتج المحلي مقابل الربع السابق في احتساب سنوي (كأن وتيرة النمو هذه استمرت خلال العام).
كان هناك سبب للخوف عند المصادقة على ميزانية 2025. الحكومة قامت فيها بخطوات تقريبا غير مسبوقة، اثرت على جيوبنا جميعا. وضمن امور اخرى، هي قامت بخطوات جباية ضرائب بمبلغ 24 مليار شيكل، مثلا بواسطة تجميد درجات ضريبة الدخل، رفع رسوم التامين الوطني وتجميد المخصصات. الحكومة ايضا قلصت اجور العاملين في القطاع العام، وخفضت رسوم العلاج لكل عامل في الاقتصاد. اضافة الى كل ذلك دخل الى حيز التنفيذ ايضا رفع ضريبة القيمة المضافة 1 في المئة، التي تقدم للحكومة 7 مليارات شيكل في السنة.
الخوف كان من أن هذه الخطوة ستمس بالاساس باستهلاك الفرد. عندما ينخفض الدخل المتاح لكل مواطن في اسرائيل بسبب فرض الضرائب فانه يصبح لديه مال اقل لانفاقه. واذا كانت الاسعار ترتفع في نفس الوقت نتيجة تدابير الحكومة وبسبب تضخم الاقتصاد، فمن المهم أن يتصرف المواطنين بتحفط اكبر والامتناع عن المشتريات غير الضرورية.
لكن يبدو ان اداء الاقتصاد في الربع الاول للعام 2025 اثبت العكس. رغم كل اجراءات فرض الضرائب إلا أنه ارتفع الاستهلاك الخاص للفرد بالفعل. والاستهلاك الخاص الحالي للفرد سجل – باستثناء استهلاك السلع المعمرة مثل السيارات، أو السلع شبه المعمرة مثل الادوات الكهربائية – زيادة تبلغ 4.1 في المئة مقارنة مع الربع السابق من حيث القيمة السنوية.
سلسلة الاستهلاك الشخصي (بما في ذلك المنتجات المعمرة وشبه المعمرة) هي المسؤولة عن نصف انتاج السوق. حسب معطيات المكتب المركزي للاحصاء فانها بالتحديد جذبت الانتاج الى الاسفل عندما انخفضت 5 في المئة في الربع الاول بارقام سنوية. لكن هذا الانخفاض كان لمرة واحدة، وقد حدث بالاساس نتيجة تبكير مشتريات مهمة مثل السيارة والادوات الكهربائية الى الربع الاول في 2024 على خلفية توقع دخول الاجراءات الى حيز التنفيذ في بداية 2025.
بكلمات اخرى، مداخيل الضرائب التي كان يمكن أن تسجل في الانتاج في 2025، تم تحويلها الى نهاية 2024، لذلك، فان استهلاك الفرد تقلص في الربع الحالي. لولا هذا التحول لكان النمو في استهلاك الفرد حاد، والزيادة في نشاط كل الاقتصاد في الربع الحالي كان سيقفز الى وتيرة سنوية تبلغ 5.4 في المئة، حسب حساب اجراه الاقتصادي الاول في بنك هبوعليم، فيكتور بهار. “محركات نمو الاقتصاد هو الاستهلاك الذي استمر في الزيادة، البناء للسكن الذي ارتفع 28 في المئة في الربع الاخير”، قال بهار.
هذا ليس ثابتا
هل اقتصاد اسرائيل حقا يعرض صحوة سريعة، والتدابير الضريبية لن تؤثر أبدا على قرارات استهلاك المواطنين؟ يمكن الافتراض بان الاقتصاد حقا يعاد ترميمه والنمو بسرعة نسبية، بالتأكيد على خلفية حقيقة أنه في الربع الاول كانت تهدئة في الحرب، والناس سمحوا لانفسهم بتحرير طلبات كانت مكبوتة خلال الاشهر السابقة.
لكن ربما انه يوجد لارتفاع الاستهلاك سبب مختلف كليا. ربما ان النشاط الاقتصادي يواصل كونه يزود بالتنفس الصناعي، او على الاقل يحصل على محفزات تعمل على تعزيز الاستهلاك الخاص.
بهار اقترح النظر بالتحديد الى الاستهلاك العام. هذا الرقم يعكس الاموال التي تنفقها الحكومة، سواء على اهداف مدنية مثل شراء السلاح أو دفع رواتب جنود الاحتياط، أو على اهداف مدنية مثل تمويل المخلين ودفع تعويضات للمدنيين.
معطيات الاستهلاك العام قفزت اثناء الحرب. من 100 مليار شيكل تقريبا في الربع الثالث في 2023 قفز الانفاق العام بعد 7 اكتوبر 25 في المئة. وفي كل ربع منذ اندلاع الحرب تنفق الحكومة 125 مليار شيكل تقريبا.
ايضا في الربع الاول في 2015 الذي فيه كان هدوء امني وتقريبا لم يبق سكان تم اخلاءهم فان النفقات العامة بقيت مرتفعة، مع 125 مليار شيكل لكل ربع. المعنى هو ان الحكومة تواصل سياسة مالية موسعة جدا للنفقات الامنية، وايضا المدنية.
“عندما تتبع الحكومة سياسية موسِعة كهذه فان مليارات الشواقل تصل الى جيوب المواطنين، ايضا النفقات الامنية يمكن أن تصل الى المواطنين مثلا بواسطة الدفعات لجنود الاحتياط. المشتريات الامنية هي ايضا يمكن أن تعود الى العائلات، مثلا عندما تشتري الدولة خدمات تمريض للجنود وترسل الاموال للموردين”، شرح بهار. “كانت هناك حالات فيها جنود الاحتياط حصلوا على مكافأة على الخدمة في الاحتياط اضافة الى راتبهم في مكان العمل. نحن لا نحسدهم، لكن في نهاية المطاف اموال كثيرة تنزلق الى العائلات، الامر الذي كما يبدو اثر على الاستهلاك.
عودة الى العام 2022
زيادة 25 في المئة على النفقات العامة تعكس زيادة تبلغ 1 في المئة من الانتاج. “نحن لاحظنا بان النفقات العامة استقرت في الربع الاول”، قال بهار. “هذا امر مقلق لأننا كنا نريد رؤية بالتحديد انخفاض في هذا الربع لأنه في معظمه كان يوجد هدوء امني. اذا استقر هذا الرقم فان المعنى هو أن الحكومة تستمر في انفاق الكثير من الاموال على الاستهلاك العام، رغم أنه كانت هناك ميزانية اضافية وتقريبا لم يبق أي اشخاص تم اخلاءهم من بيوتهم.
المشكلة الاساسية هي أن اعطاء تنفس كهذا للاقتصاد يمكن أن يتم بشكل مؤقت فقط. “هذا ليس دائما”، قال بهار. وشرح بأن هذه الزيادة للنفقات تزيد على المدى البعيد دين الحكومة، رغم أن جزء من الاموال يعود للحكومة من خلال التدابير الضريبية، إلا أنها في نهاية المطاف ستضطر الى تخفيض نفقاتها. على أي حال، بهار يعتقد أنه الآن تنبؤ نمو شامل للاقتصاد 3.5 في المئة هو أمر واقعي. هذا هو تنبؤ بنك اسرائيل مثلما نشر في شهر نيسان.
الناتج لم يرجع الى مستواه قبل الحرب
بيانات الانتاج تعكس الزيادة الشاملة في النشاط الاقتصادي. ولكن النظرة الاكثر اهمية هي كيف نما الاقتصاد بالنسبة للسكان، الذين ازداد عددهم ايضا بشكل ثابت في كل ربع في السنة. بعد انخفاض أو كساد في معظم الارباع السابقة فانه في الربع الاول في 2025 نما الناتج المحلي الخام للفرد 2.2 في المئة وبلغ 42.5 ألف شيكل في هذا الربع.
مع ذلك، الاقتصاد ما زال بعيد عن تعويض الانخفاض الذي كان في ارباع سابقة. ومستوى الانتاج للفرد الآن يشبه ما كان في الربع الثاني في 2022. اضافة الى ذلك هذا النمو في الناتج المحلي الخام للفرد يمكن أن يحدث نتيجة وتيرة بطيئة نسبيا لزيادة عدد السكان، 1.2 في المئة في الربع الاول في 2025.
-------------------------------------------
هآرتس 19/5/2025
لم يؤد اغتيال يحيى السنوار إلى تغيير في شروط حماس، ولن يؤدي اغتيال شقيقه إلى تغييرها أيضاً
بقلم: جاكي خوري
إن احتمال مقتل محمد السنوار في الهجوم على خان يونس قد يكون إنجازاً رمزياً، لكنه لن يؤدي إلى نقطة تحول. وسوف يدفع الرهائن ثمن تجدد القتال.
منذ ورود التقارير عن احتمال مقتل محمد السنوار في هجوم على نفق في خان يونس، تعمل إسرائيل على تغذية وتعزيز الادعاء بأن هذه نقطة تحول استراتيجية في المحادثات للتوصل إلى اتفاق. وتزعم إسرائيل أن السنوار الأكبر هو “الرجل الصلب” وهو الذي منع التقدم في المفاوضات، وأن موته، إلى جانب قادة كبار آخرين في الجناح العسكري، سيؤدي إلى تفكك ومرونة في حماس. لكن مثل هذه الآمال سمعت مرارا وتكرارا منذ بداية الحرب، ولكنها لم تتحقق. لقد تلقت حماس ضربات قاسية خلال العام والنصف الماضيين، ولكنها لم تغير مواقفها بشكل جذري فيما يتصل بالمطلب النهائي ــ وقف القتال وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة كشرط يسمح بالإفراج عن جميع الرهائن.
وكان أحد نقاط التحول هذه هو مقتل يحيى السنوار، الذي كان الشخصية الأكثر سيطرة وأعلى منصب في حماس. وسمعت أصوات مماثلة بعد اغتيال رئيس الجناح العسكري محمد ضيف، وبعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية وعائلته. ولكن حتى بعد كل هذا، ظلت حماس تصر على نفس المبدأ الواضح: إن التوصل إلى اتفاق شامل لن يكون ممكنا إلا في إطار اتفاق لإنهاء الحرب وانسحاب إسرائيل.
بالنسبة لحماس، هذا المبدأ ليس مسألة تكتيكات أو استراتيجية، بل مسألة بقاء: أي صفقة تحت النار سوف ينظر إليها في نظرها وفي نظر الجمهور الفلسطيني على أنها استسلام معلن، وفتح المجال أمام استمرار الاحتلال الإسرائيلي والسيطرة على القطاع ــ ربما لأجيال. ولا يوجد زعيم في حماس يستطيع أن يقبل بهذا، لا فكرياً ولا علنياً. وكان الاغتيال يهدف إلى الضغط على حماس لكي تكون أكثر مرونة، ولكن حتى الآن لم يؤد الضغط إلى المرونة، بل إلى العكس. ومع تزايد استخدام القوة العسكرية، أصبحت مواقف حماس أكثر تشددا. وإذا بدأت المناورات العسكرية الواسعة النطاق، فإن الرهائن قد يدفعون الثمن.
وهناك عامل آخر غالبا ما يتم تجاهله في إسرائيل وهو البنية الداخلية لحركة حماس. وكان محمد السنوار شخصية مهيمنة بعد اغتيال شقيقه، لكن التنظيم كان يعمل بالفعل بطريقة فوضوية. وتم تقسيم آلية اتخاذ القرار إلى قيادة داخلية وقيادة خارجية بين القيادة في قطاع غزة ونظيرتها في قطر. إن اغتيال مركز قوة مركزي مثل السنوار – إذا نجح بالفعل – لن يؤدي بالضرورة إلى تحويل السلطة إلى عناصر أكثر براغماتية، ولكنه قد يؤدي في الواقع إلى تفتيت خطير لمراكز السيطرة في القطاع.
ومن شأن هذا التشرذم أن يجعل من الصعب اتخاذ قرارات متفق عليها ومركزية، فضلاً عن إدارة المعاملات. مع تفرق القوى، تفرق السيطرة على الرهائن. إن السيناريو الذي يتولى فيه كل منهم خلية مختلفة، وليس بالضرورة منسقة، يجعل من الصعب إنشاء مخطط عام للاتفاقية. ومن غير الواضح من الذي يسيطر فعليا على المنطقة اليوم. إن القادة الميدانيين من المستوى المتوسط، الذين نجوا من الهجوم، يعملون الآن في ظل ظروف قاسية – وهم غير مستعدين للتحلي بالمرونة. بالنسبة لهم، فإن الصفقة الآن هي صفقة “إما النجاح أو الفشل”، ولن يتسرعوا في تحمل المخاطر. ولكن حماس تتميز أيضاً بقدر معين من الثبات. ورغم الصدمة والضربة التي تعرضت لها، حافظت المنظمة على تسلسلها الهرمي والتزمت بالاتفاقيات السابقة، بما في ذلك خلال وقف إطلاق النار المؤقت وتبادل الأسرى. وتستمر القيادة الخارجية – خليل الحية (الذي لا يزال يعتبر زعيم حماس في القطاع) وزاهر جبارين – في تحديد الخط إلى جانب شخصيات كبيرة في المكتب السياسي.
وحتى عناصر المنظمة في قطاع غزة لم يعودوا يعرفون بالضرورة من المسؤول على الأرض. لكنهم يدركون أيضاً أنه إذا تم اتخاذ قرار بإنهاء الحرب، فسوف يكون هناك من سيعمل على تنفيذهــ وخاصة فيما يتصل بقضية الرهائن والإفراج عنهم. تم الاتفاق على تفاصيل إطلاق سراح عيدان ألكسندر في الدوحة أو القاهرة، لكن حماس في قطاع غزة هي التي نفذت العملية فعليا.
من يعلق آماله على الاغتيالات قد يخدع. قد تكون هذه الإنجازات رمزية وإعلامية، ولكنها ليست بالضرورة إنجازاً عملياً. وفي ظل واقع الانقسام وعدم اليقين والقتال المستمر ــ إذا لم يحدث تغيير جوهري في نظرة إسرائيل إلى الاستيطان ــ فلن يكون هناك اتفاق، بغض النظر عن عدد كبار المسؤولين الذين سيتم إبعادهم عن الطاولة.
-------------------------------------------
إسرائيل اليوم 19/5/2025
احتلال الان
بقلم: البروفيسور آفي بار ايلي
القول “سنحرر كل المخطوفين الان في صفقة وبعد ذلك نهاجم او نحتل القطاع” هو تضليل ذاتي خطير. أولا، لن تدخل أي جهة خارجية الى القطاع بعد الصفقة، قبل ان نحتله وننزل “المقاومة” فيه الى مستوى سري مقموع. لا الأمريكيين، لا الاماراتيين ولا السعوديين ولا العناصر السامة والفاسدة من القطريين او المصريين نريدهم هناك. احد لن يقوم من اجلنا بمهمة تحييد حماس. هذه مهمة حيويةـ، وحقا خطيرة جدا، على الجنود والمخطوفين – لكن لن تكون لنا حياة في البلاد دون أن ننفذها. اخفاق الشباك والجيش في 7 أكتوبر جعلنا نعلق في الحاجة الماسة لاحتلال وتطهير القطاع. تعلمنا درسا صعبا: لا يمكن التعايش مع جيش إرهاب على حدودنا. بعد المناورات الناجحة هناك لتحرير اكبر عدد من المخطوفين، الان وصلنا الى لحظة الحقيقية ولا يمكننا ان نهرب منها الى حلول لفظية هزيلة.
ثانيا، لا يمكننا أن نهاجم بعد ذلك، لان تحرير مخطوفين في اتفاق لن يأتي بدون ضمانات دولية مقيدة لحماية جيش الإرهاب الوحشي لحماس، الذي سيتبقى في القطاع. لن تجدينا العلل التي ستقدمها حماس. فـ “هجوم بعد ذلك” هو كلام فارغ.
ثالثا، كلمة “كل” هي فرضية عديمة الأساس. منذ نهاية 2023، ترفض حماس بثبات ان تقر او تأخذ المسؤولية عن قائمة المخطوفين الذين نعرف انهم احياء أو ان تقدم معلومات عمن ليس معروفا لنا مصيره. زمن غير طويل قبل تحرير عيدان الكسندر، أعلنت حماس انه “فقدت الاتصال به”. لم تكن هذه مجرد وحشية لذاتها – بل وحشية محسوبة لغرض بث الغموض.
حماس تسعى للوصول الى صفقة مخطوفين تتعهد فيها إسرائيل في الانسحاب من القطاع وعدم الهجوم بعد ذلك. وعندها تبتز إسرائيل من خلال المخطوفين المتبقين لديها، حتى الهجوم التالي. وهذا سيأتي بل وسيأتي – مثل الانتفاضة الثانية بعد الهروب من لبنان، وبعد سيطرة حماس على القطاع والهجمات علينا بعد الهروب الأول من القطاع. اذا هربنا مرة أخرى في “صفقة مخطوفين” سنكون مثل أولئك الاغبياء الذين حسب البرت آينشتاين يكررون المرة تلو الأخرى التجربة ذاتها على امل ان هذه المرة فقط ستنتهي بشكل مختلف.
تأخرنا حتى الان في احتلال القطاع من اجل انقاذ عدد مخطوفين كبير قدر الإمكان، بسبب ضغوط ضارة للغاية من الإدارة الامريكية السابقة، وبسبب إخفاقات استراتيجية وتكتيكية في القيادة العسكرية السابقة للجيش. اثنان من الأسباب الثلاثة المؤخرة ازيلا. قائد الجيش استبدل، ورئيس الأركان زمير بلور خطة لاحتلال القطاع، لتطهيره ولفرض حكم عسكري عليه كله من خلال اخلاء السكان الى قرب حدود مصر. حتى وقت أخير مضى نالت الخطة التأييد من إدارة ترامب، وهذه شاركت في تخطيط جمع السكان المقاتلين، تموين مباشر للمساعدات الإنسانية دون صلة بحماس وفتح بوابات الهجرة.
لكن تكثر المؤشرات على أن صبر ترامب قد ينفد، وبخاصة في مواضيع المؤن الإنسانية. امام نتنياهو ينغلق مجال المجاورة بين ضغط عسكري وصفقة مخطوفين. حملة “عربات جدعون” محظور استبدالها بضغط عسكري آخر لاجل الدفع قدما بصفقة مخطوفين. محاولة كهذه الان ستكون سقوطا في فخ حماس. الحكومة وهيئة الأركان ملزمتان بالفهم بان علينا أن نحتل ونطهر القطاع – الان. معظم الإسرائيليين واعون جدا لهذا المنطق الأليم. ومن المؤسف ان بعضهم يميلون الى كبته، لانعدام القدرة او لنقس الإرادة لتحمل المشاعر المرافقة له. صحيح، الخطر كبير سواء على الجنود أم على المخطوفين – لكن الخطر اكبر علينا جميعا اذا ابقينا في القطاع جيش إرهاب يقف على اقدامه. نحن لا يمكننا أن نسمح لانفسنا بان نكون عبيدا وارانب لمشاعرنا. لا، لن نطفئها ولن نتنكر لها لكن سنتحكم بها من اجل حياتنا في البلاد.
-------------------------------------------
هآرتس 19/5/2025
من قال إن الفلسطينيين من البشر؟
بقلم: نوعا ليمونا
في الرد على منشور شيرا غيفن، الذي شمل كلمات “إبادة جماعية”، مرفق بصورة لممثلة إسرائيل في مسابقة اليوروفيجن، وكتابة “لن يبزغ فجر جديد”، كتب المراسل ألموغ بوكر أن “هذه التصريحات هي التي أوصلتنا إلى 7 أكتوبر”. “هؤلاء الناس اليساريون يظهرون الشفقة على الغزيين”، أضاف، حتى الفظائع التي ارتكبتها حماس في لم تجعلهم يستوعبون من هم “الأخيار” ومن “الأشرار. أو حقيقة “إما نحن أو هم”.
في عالم بوكر، الخطيئة النهائية ليساريين مثل غيفن، هي رفضه التعامل مع الفلسطينيين كحفنة غير إنسانية واحدة، وهذا -حسب رأيه- خطأ يزيد من مسؤولية حكومات اليمين التي عززت وقوت حماس، وتخلت عن سكان الغلاف المحسوب عليها، ويزيد من مسؤولية قادة الجيش الذين فشلوا في الدفاع عن البلدات.
عالم بوكر ينقسم إلى أسود وأبيض، أخيار وأشرار، وكل الغزيين أشرار. نزع الإنسانية الذي يقوم به يعليه تحفظ واحد. عند مناقشة رغبة سكان غزة في الهجرة، تصبح الكتلة الارهابية لهؤلاء الناس الذين يحبون الموت أفراداً مع إرادة حرة، الذين يريدون العيش وكسب الرزق وتربية الأولاد بأمان.
في هذا السياق، يبشر بوكر بسرور أن نصف سكان القطاع يريدون المغادرة. هذا حسب قوله وحسب الاستطلاع الذي أجرته “جهات أجنبية”. ولأنه لا يشرك المشاركين بمصدر التقرير، فقد توجهنا إلى استطلاع آخر نشره في مركز أبحاث السياسات والاستطلاعات هذا الشهر، الذي أسسه خليل الشقاقي، فوجدنا أن 43 في المئة من سكان غزة عبروا عن استعدادهم للهجرة، وليس النصف. على أي حال، يجب التعامل مع هذا الرقم بضمان محدود، فكما كتب ميخائيل سفارد (“هآرتس”، أمس) “لا يوجد شيء يسمى هجرة طوعية في ظروف غزة الآن. الذين سيغادرون، هذا إذا غادروا، سيفعلون ذلك لأن جريمة ضد الإنسانية ترتكب ضدهم”.
لو كانت لهم في أخبار 12 نزاهة صحافية بالحد الأدنى لأشاروا إلى معطى “الهجرة الطوعية” مع رقم آخر من استطلاع الشقاقي. مثلاً، 47 في المئة من الغزيين أجابوا “لا” على سؤال ما إذا كان لديهم ما يكفي من الطعام ليوم أو يومين. 52 أجابوا بـ “نعم” على سؤال ما إذا قتل أحد أبناء العائلة في الحرب الحالية. حسب هذا الاستطلاع، خلافاً لما ظهر في تقارير بثتها القناة 12 فإن معظم الغزيين يتهمون في المقاوم الأول إسرائيل والولايات المتحدة بمعاناتهم، وليس حماس.
ثمة أرقام مهمة أخرى كان يجب التطرق إليها، مثل انخفاض نسبة الغزيين الذين يعتقدون أن هجوم حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر “كان صحيحاً”، مقارنة مع نسبتهم في بداية الحرب. ومن المهم أيضاً معرفة أن الأغلبية الساحقة لا تعتقد أن تحرير المخطوفين أو نزع سلاح حماس سيؤديان إلى إنهاء الحرب. وأظهر الاستطلاع أيضاً بأن نصف سكان غزة يؤيدون المظاهرات ضد حماس في القطاع. و4 من كل 10 فلسطينيين يؤيدون حل الدولتين، الذي يزداد عندما يتم ذكر حدود 1967.
لكن في عالم بوكر البسيط وعالم القناة التي يبث منها، لا مكان لتنوع الألوان والمواقف. ولا اهتمام بالتعقيد البشري. الغزيون ليسوا بشراً إلا إذا كانت مواقفهم تتساوق مع ما يعتبر مصلحة لإسرائيل.
-------------------------------------------
هآرتس 19/5/2025
“رواية إسرائيل” للعالم: نحن الضحية الأولى والأخيرة.. ولا ضحايا بعد 7 أكتوبر
بقلم: روغل الفر
“الجميع تعودوا على أنه يمكن قتل 100 غزي في ليلة واحدة، وأن هذا الأمر لم يعد يهم أحداً”، قال عضو الكنيست تسفي سوكوت (الصهيونية الدينية) في مقابلة مع “اوفيرا فلنسون” في القناة 12 مساء السبت. حدث هذا في اليومين السابقين لهذه الأقوال. يدور الحديث عن سياسة الحكومة. يبدو أن لدى نتنياهو وشركائه الفاشيين في الحكومة ما يكسبونه من قتل جماعي للغزيين، الذي يتوقع أن يزداد عقب توسيع العملية البرية ومنع إدخال المساعدات الإنسانية. إسرائيل تقتلهم في عمليات القصف ومنع الغذاء. نتنياهو سيبقى سياسياً. وسموتريتش وبن غفير سيدفعان قدماً باحتلال القطاع، والاستيطان فيه، والترانسفير.
بعد يوم على تصريح سوكوت، بعد أن أصبح الأمر عادياً في الواقع الإسرائيلي واستقبله الجمهور بنفس اللامبالاة التي استقبل فيها القتل الجماعي لسكان غزة، فازت يوفال رفائيل، ممثلة إسرائيل في مسابقة اليوروفيجن، بالمرتبة الثانية بشكل عام، والأولى في تصويت الجمهور. مدير البعثة يوآف تسفير، أوضح بأن “أوروبا والرأي العام العادي مثل سائقي السيارات العمومية، والمخربين، والمساعدين في الإنتاج، كلهم في صفنا، في صف رواية إسرائيل. أما من يقفون ضدنا فهي النخبة والقضاة”.
لا يمكن تجاهل حقيقة أن الأمر يتعلق بقص الادعاء البيبي ولصقه: الشعب العادي في إسرائيل مع الانقلاب النظامي ومع قتل جماعي للغزيين، أما الذين ضد ذلك فهم النخبة والقضاة. نفس الادعاء، نفس الموقف الشعبوي. تسفير جزء لا يتجزأ من النخبة في إسرائيل. حسب رأيه النخبوي، ما هي “الرواية الإسرائيلية” التي يدعمها “عامة الناس” في أوروبا؟ “يجب الفهم بأن الناس يعرفون الحقيقة بشأن الرواية الإسرائيلية”. وقد أكد بأن “رواية يوفال وما مرت به في 7 أكتوبر”. في هذا الشأن، لا يمثل تسفير “عامة الشعب” في إسرائيل فحسب، بل النخبة في إسرائيل أيضاً: مجموعة مرجعيته تعارض الانقلاب ولكنها في الواقع “تدعم قتل 100 شخص من سكان غزة في ليلة واحدة في الحرب” كسياسة مبررة.
من ناحية الأغلبية الحاسمة من الجمهور الإسرائيلي، فإن “الرواية الإسرائيلية” توقفت عند مذبحة 7 أكتوبر. منذ تلك الأعمال الفظيعة، لم يكن هناك أي انحراف آخر في الحبكة ولم يسجل أي تطور. “الرواية الإسرائيلية” تجمدت زمنياً، عند نقطة الضحية النهائية التي تسمح بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. إضافة إلى ذلك، كما أشار تسفير، فإن الناس العاديين في أوروبا “يعرفون الحقيقة حول الرواية الإسرائيلية”، ما يعني بأن هناك من يحاول إخفاء “الحقيقة” عنهم.
بذلك، يفترض تسفير وجود مؤامرة وأنباء كاذبة من قبل النخبة والقضاة في أوروبا، الذين لا يعملون على “الناس العاديين”. وهذا بالضبط ما يقوله نتنياهو عن “الشعب العادي” في إسرائيل: “هل ترون”، هو يقول للنخبة والقضاة والدولة العميقة، أن الحقيقة كشفت، الشعب العادي نجح في كشفها، الآن لم يعد بالإمكان خداعه.
تسفير من النخبة التي تعارض نتنياهو. لكن في الساحة الدولية، في اليوروفيجن، فإن البيبيين والنخبة التي يمثلها تسفير هم في نفس الطرف ويقولون نفس الأقوال البلاغية الشعبوية التي تميز الفاشية: إدانة “النخبة” المخادعة، وتمجيد “حقيقة عامة الناس”. “الرواية الإسرائيلية” تتجاهل كل ما فعلته إسرائيل للغزيين منذ 7 أكتوبر. وبالنسبة له، فإن النخبة الأوروبية التي ترفض تجاهل ما يحدث هي الشريرة هنا.
-------------------------------------------
هآرتس 19/5/2025
نتنياهو بعد “إجباره” على إرسال وفد للدوحة: بالمقابل.. سأرفع مؤشر القتل
بقلم: أسرة التحرير
أعلن الناطق العسكري رسمياً البدء في حملة “عربات جدعون”، لكن سكان قطاع غزة لم يحتاجوا لبيان لمعرفة أن ضربة البداية باتت في ذروتها. فحسب مصادر طبية في القطاع، قتل الجيش الإسرائيلي في ساعات الصباح المبكرة 125 فلسطينياً حسب التقارير، وكان القصف الجوي موجهاً إلى “مخازن وسائل القتال” أو “مواقع الإطلاق” بل أيضاً لأحياء سكنية مكتظة، ومنازل وحتى خيام نازحين.
منذ الأسبوع الماضي، وعدد القتلى بارتفاع حاد في القطاع. ولئن بلغ منذ أيام الأحد حتى الثلاثاء 20 حتى 50 قتيلاً في اليوم، فقد قتل الأربعاء 70 شخصاً على الأقل، والخميس 120 على الأقل، وفي نهاية الأسبوع أحصي أكثر من 100 قتيل كل يوم. وحسب مصادر صحية في القطاع، فإن الأغلبية الساحقة مدنيون، بينهم نساء وأطفال.
لم يعد ممكناً التسليم بما تفعله إسرائيل في قطاع غزة. فقد قال النائب تسفي سوكوت يوم الجمعة: “الكل اعتاد على قتل 100 غزي في ليلة واحدة، وهذا لا يهم أحداً في العالم”. لشدة الرعب، لم يقل سوكوت هذا كنداء أخلاقي للصحوة، بل كتبرير لحاجة “المواصلة والحسم”. وهذا ليس نزعاً للإنسانية بل تلبد أخلاقي مطلق.
القتل المباشر ليس سبب الموت الوحيد في القطاع. حسب منظمات الإغاثة الدولية والأمم المتحدة، يتعاظم الخوف من انهيار تام في المنظومة الإنسانية هناك، لدرجة خطر الجوع الجماهيري. العالم الغربي والعالم العربي على حد سواء يعربان عن قلق متزايد، لكن إسرائيل تتمسك بموقفها: مزيد من القوة، من الضغط، من الدم، التصفية، “الضرر الجانبي”. حتى متى؟ متى يكفي؟
وكأنه يهزأ بالأمل، نشر البيان الرسمي عن انطلاق “عربات جدعون” على الدرب بعد بضع ساعات من إعلان رئيس الوزراء نتنياهو بأن فريق المفاوضات الإسرائيلي يعمل في قطر كي يستنفد كل احتمال لصفقة تعيد المخطوفين “سواء حسب منحى ويتكوف أم في إطار إنهاء القتال”. عملياً، لا تزال الحكومة مصرة على منحى غير قابل للتطبيق، فيما يوضح وزير الأمن القومي بن غفير بأن “أي منحى لإنهاء الحرب دون حسم حماس، لن يقوم ولن يكون”.
تقف إسرائيل في مفترق. طريق واحد يؤدي إلى توسيع الحرب. التضحية بالمخطوفين، وتفاقم الجوع، واستمرار قتل آلاف الأبرياء بينهم أطفال، وتخطيط ترحيل جماعي، وعزلة دولية وإفساد أخلاقي. أما الطريق الثاني فيؤدي إلى صفقة شاملة لإعادة كل المخطوفين، وإنهاء القتال، وسحب قوات الجيش الإسرائيلي، ومساعدة إنسانية، وترميم قطاع غزة وتعاون دبلوماسي دولي لتغيير عميق في المنطقة، بما في ذلك المسألة الفلسطينية.
ليس لإسرائيل مستقبل إلا بطريق واحد.
-------------------------------------------
مؤسسة هيرتيدج ومشروعها “إستر” 19/5/2025
خطة مدروسة لتدمير الحركة المؤيدة لفلسطين في أمريكا
“القدس العربي”: نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا أعدّته مراسلتها الاستقصائية كاتي بيكر، كشفت فيه أن “مؤسسة هيريتدج” (التراث)، وهي مؤسسة بحثية محافظة مقرها واشنطن، أرسلت في أواخر نيسان/أبريل فريقًا إلى إسرائيل للقاء شخصيات سياسية نافذة، من بينهم وزيرا الخارجية والدفاع، والسفير الأمريكي السابق مايك هاكابي.
وتُعرف هذه المؤسسة بقيادتها لـ”مشروع 2025″، وهو مخطط لولاية ثانية محتملة للرئيس دونالد ترامب، يهدف إلى إعادة هيكلة الحكومة الفدرالية وتوسيع السلطة التنفيذية بشكل كبير.
وخلال الزيارة إلى إسرائيل، ناقش فريق المؤسسة أيضًا ورقة سياسية مثيرة للجدل تُعرف باسم “مشروع إستر”، وهي خطة تهدف إلى تفكيك الحركة المؤيدة لفلسطين في الولايات المتحدة، خاصة في الجامعات، والمنظمات التقدمية، وداخل الكونغرس.
يهدف “مشروع إستر” إلى تفكيك الحركة المؤيدة لفلسطين في الولايات المتحدة، خاصة في الجامعات، والمنظمات التقدمية، وداخل الكونغرس
وُضع مشروع إستر في أعقاب هجوم حماس على إسرائيل عام 2023 وتصاعد الاحتجاجات ضد الحرب في غزة، ويدعو إلى استراتيجية شاملة لمكافحة معاداة السامية من خلال وصف طيف واسع من منتقدي إسرائيل بأنهم يشكّلون “شبكة دعم إرهابية فعلية”، ما يبرر اتخاذ إجراءات ضدهم، مثل الترحيل، وقطع التمويل، والملاحقة القضائية، والفصل من العمل، والطرد من المؤسسات، والنبذ الاجتماعي.
ويهدف المشروع إلى إزالة المناهج التي يُعتقد أنها متعاطفة مع “خطاب دعم حماس” من الجامعات، وفصل الأكاديميين الذين يدعمون هذا الخطاب، بالإضافة إلى تطهير وسائل التواصل الاجتماعي من المحتوى المعادي لإسرائيل، وحرمان المؤسسات من التمويل العام لهذا السبب. كما يدعو إلى إلغاء تأشيرات الطلاب الأجانب الذين يدافعون عن حقوق الفلسطينيين، أو ترحيلهم.
وتنص الخطة على “تحقيق جميع الأهداف في غضون عامين”، بمجرد تولي إدارة رئاسية متعاطفة السلطة. وبعد أربعة أشهر فقط من تولي ترامب منصبه، يستعد قادة مؤسسة التراث للاحتفال بما وصفوه بـ”نصر مبكر”. ومنذ تنصيبه، تبنّى البيت الأبيض، إلى جانب جمهوريين آخرين، خطوات تعكس أكثر من نصف مقترحات “مشروع إستر”، وفقًا لتحليل نيويورك تايمز. من بين تلك الإجراءات تهديدات بحجب مليارات الدولارات من التمويل الفدرالي عن الجامعات، ومحاولات لترحيل مقيمين قانونيين.
وفي أول تصريحات علنية للمؤسسة بشأن هذا المشروع منذ عودة ترامب، أكّد مهندسو “إستر”، في مقابلات مع الصحيفة، وجود تشابه واضح بين خطتهم والإجراءات الأخيرة ضد الجامعات والمتظاهرين المؤيدين لفلسطين على المستويين الفيدرالي والمحلي.
وقالت فيكتوريا كوتس، نائبة مستشار الأمن القومي السابقة ونائبة رئيس مؤسسة التراث والمشرفة على مشروع “إستر”: “نحن الآن في مرحلة تنفيذ بعض المسارات، سواء من خلال العقوبات التشريعية أو القانونية أو المالية، ضد ما نعتبره دعماً مادياً للإرهاب”.
وأكد مسؤولو المؤسسة أنهم لا يعرفون ما إذا كانت الإدارة الأمريكية، التي أنشأت فرقة عمل معنية بمكافحة معاداة السامية، قد استعانت فعليًا بمشروع “إستر”، فيما رفض مسؤولو البيت الأبيض التعليق.
ويذهب المشروع إلى أبعد مما سُبق من جهود قمع المؤيدين لفلسطين، إذ يُساوي بين المشاركة في احتجاجات جامعية مؤيدة للفلسطينيين وتقديم “دعم مادي للإرهاب”، وهو توصيف قانوني واسع يمكن أن يؤدي إلى السجن والترحيل والعقوبات المدنية.
يُساوي مشروع إستر بين المشاركة في احتجاجات جامعية مؤيدة للفلسطينيين وتقديم “دعم مادي للإرهاب”، وهو توصيف قانوني واسع يمكن أن يؤدي إلى السجن والترحيل والعقوبات المدنية
ويقول جوناثان جاكوبي، المدير الوطني لـ”مشروع نيكسوس”، وهي مجموعة تعمل على مكافحة معاداة السامية والدفاع عن حرية النقاش: “غيّر مشروع إستر قواعد اللعبة، إذ ربط بين أي معارضة للسياسات الإسرائيلية وشبكة دعم حماس. لم يعد الأمر مسألة أيديولوجيا، بل أصبح قضية تتعلق بالإرهاب وتهديد الأمن القومي”.
ورغم أن مؤسسة هيريتدج تصف المشروع بأنه “استراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية”، وتشدد على أنه لا يستهدف الآراء بل من تعتبرهم “داعمين لحماس”، إلا أن منتقدين يرون فيه وسيلة لاستغلال المخاوف من معاداة السامية لفرض أجندة سياسية أوسع، تشمل إعادة هيكلة التعليم العالي والقضاء على الحركات التقدمية.
يركّز المشروع حصرًا على “معاداة السامية من اليسار”، متجاهلًا مظاهر العداء اليهودي من اليمين، وهو ما أثار انتقادات حتى من منظمات يهودية بارزة. فقد وصفت ستيفاني فوكس، المديرة التنفيذية لمنظمة “صوت يهودي من أجل السلام”، ترامب بأنه: “يسلك نهجا استبداديا، يبدأ باستهداف المنظمين من أجل حقوق الفلسطينيين، ليُعِد أدوات القمع التي ستُستخدم لاحقا ضد كل من يعارض أجندته الفاشية”.
وفي رسالة مفتوحة، حذر 13 قياديا يهوديا سابقا – من بينهم رئيس سابق لرابطة مكافحة التشهير – من أن “جهات فاعلة تستغل المخاوف بشأن سلامة اليهود لتقويض التعليم العالي، وسيادة القانون، وحرية التعبير”. ودعت الرسالة المنظمات اليهودية إلى مقاومة هذا النهج والانضمام إلى باقي القوى الديمقراطية.
وقد شهدت الأشهر التي أعقبت هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحرب غزة التي تلته، اضطرابات عميقة في الجامعات الأمريكية، من احتجاجات طلابية متواصلة إلى ردود فعل سياسية متصاعدة.
في خضمّ ذلك، اجتمع أربعة من المحافظين الداعمين لإسرائيل – ثلاثة منهم غير يهود – لمناقشة الأحداث. من بين الحضور كانت إيلي كوهانيم، مبعوثة ترامب السابقة لمكافحة معاداة السامية، التي عبّرت عن امتنانها لهؤلاء الذين أطلقوا على أنفسهم “أصدقاء مسيحيون”.
وكان من بينهم لوك مون، المدير التنفيذي لمشروع “فيلوس”، وماريو برامنيك، رئيس “التحالف اللاتيني من أجل إسرائيل”، إلى جانب جيمس كارافانو، كبير مستشاري مؤسسة التراث. ويعتبر هؤلاء جزءا من حركة الإنجيليين المسيحيين الذين يرون في دعم إسرائيل تحقيقا لنبوءات توراتية أو وسيلة لتعزيز النفوذ المسيحي عالميًا.
وبحلول صيف 2024، بلورت مؤسسة هيرتدج استراتيجية وطنية هدفها إقناع الأمريكيين بأن الحركة المؤيدة لفلسطين في الداخل هي جزء من شبكة دولية تدعم حماس، وبالتالي تهدد أمن الولايات المتحدة نفسها.
وقد استهدفت الاستراتيجية جماعات معروفة مثل “صوت اليهود من أجل السلام” و”طلاب من أجل العدالة في فلسطين”، لكنها ذهبت إلى أبعد من ذلك، إذ قدّمت المؤسسة في وثائق للمانحين “هرما” على رأسه “نخب تقدمية”، من بينهم مليارديرات يهود مثل جورج سوروس وحاكم ولاية إلينوي جيه بريتزكر، كما اتهمت مؤسسات خيرية كـ”تايدز” و”صندوق روكفلر بروذرز” بدعم “بيئة معادية للسامية”.
وفي قائمة “المتحالفين”، أدرجت أسماء سياسيين بارزين مثل بيرني ساندرز وإليزابيث وارن.
وتضمنت مواد العرض، التي كشفت عنها صحيفة “ذا فوروارد” لأول مرة، مجموعة من الأهداف من بينها “إصلاح الأوساط الأكاديمية”، وذلك عبر وقف تمويل المؤسسات التعليمية، ومنع بعض الجماعات المؤيدة للفلسطينيين من دخول الحرم الجامعي، وفصل أعضاء هيئة التدريس الداعمين لهذه الجماعات. كما اشتملت الخطة على ما وصفته بـ”الحرب القانونية”، من خلال رفع دعاوى مدنية وتحديد الأجانب الذين يمكن أن يكونوا عرضة للترحيل. إلى جانب ذلك، تضمنت المبادرات المطروحة جهوداً لحشد دعم وكالات إنفاذ القانون على المستويين المحلي والولائي، إضافة إلى “تهيئة ظروف غير مريحة” تحول دون قدرة هذه الجماعات على تنظيم احتجاجاتها.
-------------------------------------------
عن "N12" 19/5/2025
معادلة ترامب الجديدة في الشرق الأوسط: إسرائيل تفقد مكانتها
بقلم: إيلي فوده
من منظور اقتصادي، يمكن اعتبار زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى الخليج ناجحة للغاية؛ فقد وقّعت الولايات المتحدة مع السعودية وقطر والإمارات صفقات تفوق قيمتها التريليون دولار، في مقابل حصول هذه الدول على أسلحة وتكنولوجيا متقدمة.
ولا يزال الوقت كفيلاً بإظهار إذا ما كانت هذه الصفقات ستتحقق فعلاً؛ إذ ظلّ جزء كبير من الصفقات، التي وقّعها ترامب خلال زيارته في سنة 2017، حبراً على ورق.
ومن الصعب أيضاً التنبؤ بما إذا كانت الدول الثلاث، ولا سيما السعودية، قادرة، مالياً، على تحمّل النفقات، في ظل تراجُع أسعار النفط وصعوبات اقتصادية أُخرى.
وعلى الرغم من أن الزيارة ركزت على الجانب الاقتصادي، فإنها حملت دلالات سياسية، لبعضها تبعات مهمة أيضاً على إسرائيل.
تتمثل الدلالة الأولى في توجيه رسالة مهمة إلى إيران، خلال سير المفاوضات معها بشأن الملف النووي، مفادها أن دول الخليج، إلى جانب الولايات المتحدة، شكّلت عملياً "طوق نجاة".
صحيح أن ترامب زار ثلاث دول فقط، إلّا إن اجتماعه بممثلي الدول الست في مجلس التعاون الخليجي، والتي تشمل أيضاً الكويت وعُمان والبحرين، بعث رسالة موقف موحّد مناهض لإيران.
وعلى أرض الواقع، ترتبط هذه الدول أيضاً بعلاقات مع إيران، لكن الزيارة والاجتماع يشيران إلى ترتيب الأولويات الحقيقي لدول الخليج فيما يتعلق بالقضية الإيرانية.
الدلالة الثانية تتعلق بالأهمية المتصاعدة لهذه الدول الثلاث على الساحتين الإقليمية والدولية.
صحيح أن أول زيارة قام بها ترامب في ولايته الأولى كانت أيضاً للسعودية، لكنه انتقل بعدها مباشرة إلى إسرائيل.
ومن بين دول الخليج، يبدو أن استعراض الصداقة من جانب قطر كان مهماً، وذلك على خلفية الانتقادات الغربية والإسرائيلية الموجّهة إليها بشأن تمويل منظمات "إرهابية" ومناهج تعليمية "متطرفة".
أمّا مصر، الغارقة في ديون ضخمة، فلا يسعها سوى النظر إلى شقيقاتها العربيات الثريات بعين الحسد.
الدلالة الثالثة هي أن الصراع على سورية يشهد تحولاً. لا يزال اللغز قائماً بشأن إذا ما كان الحاكم الجديد لسورية، أحمد الشرع، غيّر توجُّهه فعلاً، لكن اللقاء الذي حظيَ بتغطية إعلامية واسعة بين الشرع وترامب قد يشير إلى الاتجاه الجديد الذي تسلكه سورية.
من غير الواضح سبب مسارعة ترامب إلى التخلّي عن ورقة العقوبات دون أن يحصل، فعلياً، على مقابل ملموس لكل المطالب التي طرحها، غير أن الإغراء الذي وعد به كان يهدف إلى تعزيز القبضة الغربية، التي حظيت بدعم إضافي من خلال تعهّد سعودي بسداد ديون سورية للبنك الدولي.
الدلالة الرابعة هي أن خطوط الفصل بين المعسكرات الإقليمية أصبحت أقل وضوحاً. خلال الحرب، نشأ تمييز واضح بين محور المقاومة بقيادة إيران، وبمشاركة سورية ولاعبين غير دولاتيين، مثل "حزب الله"، و"حماس"، والحوثيين، والميليشيات العراقية، وبين نخب المعسكر المعتدل الذي ضم إسرائيل والدول الموقّعة على اتفاقيات السلام والتطبيع، فضلاً عن السعودية.
في المنتصف، وقف كلٌّ من تركيا وقطر، فتبنّت الأولى موقفاً معادياً لإسرائيل بوضوح، بينما لعبت الثانية دور الوسيط بين "حماس" وإسرائيل، مع ميل واضح لمصلحة "حماس".
إن زيارة ترامب لقطر، إلى جانب لقائه الرئيس السوري، بحضور افتراضي للرئيس التركي أردوغان، تشير إلى أن خطوط التماس التي كانت تفصل بين هذه المعسكرات تمزّقت.
إسرائيل تفقد مكانتها
للدلالات السياسية المذكورة أعلاه تبعات مهمة على إسرائيل. الأولى والأهم، هي أن إسرائيل لم تعد الحليف المُفضَّل، ومن المؤكد أنها ليست الحليف الوحيد للولايات المتحدة في المنطقة.
والأخطر من ذلك، أن دول الخليج تقدّم للولايات المتحدة خيارات اقتصادية ومالية لا تستطيع إسرائيل منافستها. وهذا الاستنتاج يقود إلى نتيجتين فرعيتين:
أولاً: أن إسرائيل قد تفقد في المدى البعيد جزءاً من تفوّقها التكنولوجي لمصلحة دول المنطقة.
ثانياً: أنها لن تحظى، بعد اليوم، بحُرية مطلقة في تنفيذ نزواتها السياسية، أو العسكرية، وإذا أرادت أن تكون جزءاً من المنطقة، وأن تستفيد من عضويتها في القيادة المركزية الأميركية، التي أدت دوراً حاسماً في الدفاع عن أجوائها خلال الهجوم الإيراني في نيسان 2024، فعليها أن تأخذ في الاعتبار أيضاً مصالح المعسكر الذي تسعى للانضمام إليه.
النتيجة الثانية هي نشوء إمكانية لنسيج جديد من العلاقات مع تركيا وسورية.
جاء اللقاء بين ترامب والشرع وأردوغان في سياق محادثات استكشافية جرت بين ممثلين إسرائيليين وسوريين في دولة الإمارات، وممثلين إسرائيليين وأتراك في أذربيجان.
من الواضح أن هناك ترابطاً بين هذه التحركات التي تفتح المجال أمام تقارُب محتمل بين الدول الثلاث.
مع ذلك، ثمة فرق جوهري بين حالة العلاقات الإسرائيلية – التركية، إذ توجد علاقات دبلوماسية قائمة، وبين حالة العداء القائمة بين إسرائيل وسورية، إذ لا يزال البلدان في حالة حرب، في ظل احتلال إسرائيل، وضمها هضبة الجولان، وسيطرتها على المنطقة المنزوعة السلاح.
ويمكن إدراج لبنان أيضاً ضمن هذا النسيج الجديد من الفرص: الضربة التي تلقاها "حزب الله" أدت إلى إضعافه داخلياً، وانتخاب رئيس مسيحي معارض له، وازدياد الأصوات المطالِبة بفتح صفحة جديدة في العلاقات مع إسرائيل.
النتيجة الثالثة تتعلق بالقضية الفلسطينية، على الرغم من أنها لم تحظَ باهتمام كبير خلال الزيارة، فقد اطّلع ترامب بشكل مباشر على الموقف العربي الجماعي الذي يطالب بوقف الحرب وانسحاب إسرائيل من غزة، وهو موقف يشمل، بطبيعة الحال، أيضاً إطلاق سراح الأسرى.
وإن لم يتبنَّ ترامب هذا الموقف العربي بصيغته الكاملة، فإنه بات يدرك بشكل أفضل، الآن، مدى قوته وتبعاته على تحقيق المصالح الأميركية.
في الوقت نفسه، أظهرت الزيارة أن التطبيع مع السعودية ليس مطروحاً على الطاولة.
لقد أدى السابع من تشرين الأول 2023 إلى تغيّر في الموقف السعودي تجاه حل القضية الفلسطينية. فكما رفضت إسرائيل في السابق مبادرة السلام العربية، ترفض الحكومة الإسرائيلية اليوم الدفع بـ"العملية السياسية"، في مقابل المقترح العربي - السعودي.
ومن المهم التشديد على أن هذه الزيارة لم تُسفر عن أي قرار بشأن توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين السعودية والولايات المتحدة، أو بشأن منح واشنطن موافقة على برنامج نووي سعودي مدني، وهما شرطان كانا مرتبطَين، جوهرياً، باتفاق تطبيع محتمل مع إسرائيل.
المعادلة الجديدة
إن الاستنتاج الفوري من كل ما سبق، هو أن زيارة ترامب إلى الخليج عززت عزلة إسرائيل داخل معسكر الدول المعتدلة؛ لم يتم إخراج إسرائيل منه لكن مكانتها تضررت. ومع ذلك، فإن نظرة أعمق تكشف أن نتائج الزيارة السياسية تحمل في طياتها إمكانات إيجابية لإسرائيل، إذا أحسنت استغلالها.
مثلما حدث بعد حرب 1967، حققت إسرائيل مكاسب عسكرية، لكنها لم تُترجم إلى إنجازات سياسية. فالحرب، حسبما علّمنا كلاوزفيتش، لا يمكن أن تكون هدفاً بحد ذاته، بل هي أداة من بين أدوات أُخرى لتحقيق مكاسب سياسية.
إن اتخاذ قرار بإنهاء الحرب وإطلاق سراح الأسرى، في وقت باتت "حماس" مهزومة فعلياً، من دون دعم حقيقي، ولا قيادة، من شأنه أن يغيّر الموقف من إسرائيل على الساحتين الدولية والإقليمية، ويفتح أمامها المجال لاغتنام الفرص التي أتاحتها الحرب والزيارة.
إن فرصة الاتفاق مع السعودية لم تُغلق، بالضرورة، فهي باتت مرهونة، الآن، باستعداد إسرائيل لإنهاء الحرب والمضيّ قدماً نحو حلّ القضية الفلسطينية، وفي المقابل فإن نافذة الفرص التي فُتحت تجاه تركيا وسورية لا تعتمد على تقدُّم في المسألة الفلسطينية، لكنها مشروطة بتغيير في سياسة إسرائيل تجاه هاتين الدولتين. ومع ذلك، يبدو أن حاجة نتنياهو ورغبته في الحفاظ على ائتلافه الحكومي تطغى على جميع هذه الفرص.
وهكذا، يتضح مرة أُخرى أن المقولة الإسرائيلية الشهيرة، إن العرب، وخصوصاً الفلسطينيين، هم وحدهم الذين لا يفوّتون فرصة لتفويت الفرص، حسبما قال أبا إيبان، لم تعد لها أرضية يمكن الركون إليها.
-----------------انتهت النشرة-----------------