أهود أولمرت : حتى هنا. نحن نرتكب جرائم حرب

حكومة إسرائيل تدير في هذه الأيام حرب عديمة الجدوى، بدون هدف وتخطيط واضح أو أي احتمالية للنجاح. منذ اقامتها لم تبادر دولة إسرائيل الى حرب كهذه. أيضا بذلك مجموعة المجرمين التي يقف على رأسها بنيامين نتنياهو اوجدت سابقة ليس لها مثيل في تاريخ الدولة.

النتيجة الواضحة لعملية “عربات جدعون” هي قبل أي شيء آخر، فوضى في عمليات وحدات الجيش، التي تنتشر في ارجاء القطاع. هذا ينطبق بالتحديد على الاحياء التي حارب فيها جنودنا وقُتلوا واصيبوا، وأيضا قتلوا الكثير من جنود حماس الذين يستحقون الموت، والكثير من المدنيين غير المشاركين. الاخيرون انضموا لاحصائيات الضحايا العبثيين في أوساط السكان الفلسطينيين، التي اخذت تأخذ ابعاد وحشية.

ما يحدث في قطاع غزة في الأسابيع الأخيرة ليست له صلة بهدف حرب مشروع، المقاتلون والجنود يرسلون من قبل قيادة الدولة، وقيادة الجيش الخاضعة لها، من اجل ارتكاب اعمال وحشية في احياء مدينة غزة، جباليا وخانيونس، في عملية عسكرية غير شرعية. الآن هذه حرب سياسية – خاصة، ونتيجتها الفورية هي تحويل القطاع الى منطقة كارثة إنسانية.

في السنة الأخيرة سمعت في العالم اتهامات شديدة ضد سلوك الجيش الإسرائيلي والحكومة في غزة، بما في ذلك اتهامات بالابادة الجماعية وجرائم حرب. في نقاشات إعلامية في البلاد وفي الساحة الدولية عارضت بشدة هذه الاتهامات، رغم أنني لم اوفر أي انتقاد لتوجيهه للحكومة. في وسائل الاعلام الغربية يسمعون جميع الأصوات في الخطاب العام في البلاد ويعرفون كيفية تشخيص من يتحدث باسم نتنياهو ومخصييه، وأيضا معارضيه الذين يعتبرونه كما هو معتاد على الكتابة الآن في الاعلام، رئيس عائلة جريمة. أنا لم اتردد في اجراء مقابلات في ايرلندا، إيطاليا، هولندا، بريطانيا وأماكن أخرى في الساحة الدولية. اكثر من مرة خيبت أمل من قاموا بدعوتي عندما قلت بشدة بأن إسرائيل لا ترتكب جرائم حرب في غزة. القتل المبالغ فيه، نعم. عدد غير معقول من الضحايا غير المشاركين، من بينهم أطفال ونساء وشيوخ، نعم كان ذلك. ولكني زعمت بشدة وبقناعة شخصية بأنه ليس في أي حالة تم إعطاء تعليمات من قبل متخذي القرارات في المستوى السياسي للمس بالمدنيين في غزة بدون تمييز.

العدد الكبير من المدنيين غير المشاركين الذين قتلوا في غزة كان غير معقول وغير مبرر وغير مقبول، لكنهم جميعا، كما قلت في كل قنوات الاعلام الدولية، كانوا نتيجة حرب وحشية.

هذه الحرب كان يجب أن تنتهي في بداية العام 2024، ولكنها استمرت بدون مبرر أو هدف معين أو رؤية سياسية لمستقبل قطاع غزة وكل منطقة الشرق الأوسط. وحتى لو أن الجيش المخول، الذي يجب عليه تنفيذ تعليمات المستوى السياسي، قد عمل في حالات كثيرة بتهور وبدون حذر وبعدوانية مفرطة، فقد فعل ذلك بدون أمر أو توجيه من مستوى قيادي كبير للمس بالمدنيين بدون تمييز. لذلك، حسب فهمي في حينه، لم يتم ارتكاب جرائم حرب.

إبادة جماعية وجرائم حرب هي مصطلحات قانونية تتطرق بشكل كبير الى ادراك ومسؤولية من توجد في يده الصلاحية لتحديد اهداف الحرب، وسيرها وحدود القتال وقيود استخدام القوة. أنا حاولت في كل المناسبات التي اتيحت لي التمييز بين الجرائم المنسوبة لنا، التي رفضت الاعتراف بها، وبين عدم الحذر واللامبالاة تجاه الضحايا الفلسطينيين في غزة، وتجاه الثمن الإنساني غير المحتمل الذي نجبيه هناك. التهمة الأولى نفيتها، أما الثانية فقد اعترفت بها.

في الفترة الأخيرة لم يعد باستطاعتي القيام بذلك. ما نفعله في غزة هو حرب تدمير، قتل المدنيين بدون تمييز أو حدود، قتل وحشي واجرامي. نحن نفعل ذلك ليس بسبب فقدان سيطرة طارئة في قطاع معين، وليس بسبب اندفاع عديم التوازن لجنود وحدة ما، بل نتيجة سياسة املتها الحكومة، عن قصد وبصورة متعمدة واجرامية وخبيثة وباهمال. نعم، نحن نرتكب جرائم حرب.

أولا، تجويع غزة. في هذه القضية موقف جهات رفيعة في الحكومة مكشوف وواضح. نعم، نحن نمنع الغذاء والدواء ووسائل العيش بالحد الأدنى عن سكان غزة كجزء من سياسة معلنة. نتنياهو يحاول كالعادة طمس طبيعة التعليمات التي يعطيها من اجل التملص من المسؤولية القانونية والجنائية في المستقبل، لكن جزء من مخصييه يقولون ذلك علنا وحتى بتفاخر: نعم، نحن نقوم بتجويع غزة، لأن كل سكان غزة هم حماس، لذلك فانه لا يوجد أي قيد أخلاقي أو عملياتي لتدميرهم جميعا، 2 مليون شخص.

وسائل الاعلام الإسرائيلية، كل واحدة لاسبابها (التي في جزء منها هي مفهومة)، تحاول تلطيف صورة ما يحدث في غزة. ولكن الصورة التي تظهر في العالم هي اكثر اتساعا، وبالاساس صادمة. لا يمكن أن تكون مطئن النفس وغير مبالي تجاهها، لم تعد أي إمكانية للتجاهل وهز الرأس وكأن رد العالم على ما يحدث هناك هو بالاجمال اندفاع واسع للاسامية، وأن الجميع في نهاية المطاف يكرهوننا وكلهم لاساميون.

هذا غير صحيح. الرئيس الفرنسي عمانويل ميكرون ليس لاسامي. أنا اعرفه شخصيا وتحدثت معه في الأشهر الأخيرة. اثناء الاختبار الجيش الفرنسي وقف في خط الجبهة الأول للدفاع عن إسرائيل، وتعاون في احباط هجمات الصواريخ الإيرانية. “نحن نقاتل معكم ضد اعداءكم بتوجيهات مني. وانتم تتهمونني بدعم الإرهاب”، قال ميكرون مؤخرا. هو صديق لإسرائيل، ومثله رئيس حكومة هولندا ديك سكوف، ورئيسة حكومة إيطاليا جورجا ميلوني وآخرين كثيرين ينضمون اليهم من وزراء أوروبا البارزين والمهمين وزعمائها.

هم يسمعون الأصوات من غزة، ويرون معاناة مئات آلاف المدنيين، ويسمعون الأصوات التي تتصاعد في جلسات الكابنت في إسرائيل، ويفهمون ما هو مكشوف وواضح: ان وزراء حكومة إسرائيل، وعلى راسهم رئيس العصابة نتنياهو، يتخذون فعليا، بتفكير مسبق وبدون تردد، سياسة تجويع وضغط انساني، التي نتائجها يمكن أن تكون كارثية.

الآن بدأت تسمع أصوات من حكومات صديقة لإسرائيل مثل كندا، بريطانيا وفرنسا، بأنه يجب اتخاذ وسائل متشددة ضد الحكومة – رغم أن هذه من شأنها أن تؤدي الى ضرر شديد لدولة إسرائيل. ميكرون اقترح فحص استمرار وجود اتفاق الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، وبعده اقترح ذلك أيضا رؤساء حكومة اسبانيا، هولندا وإيطاليا. الاخيران هما زعيمان خلافا لميكرون متماهيان مع اليمين، وحتى فترة قصيرة امتنعا عن القيام بأي خطوة كان يمكن أن تحرج إسرائيل.

هذه الأصوات ستزداد، وهناك خطر من أنه بالإضافة الى خطوات محكمة الجنايات الدولية في لاهاي،  في نهاية المطاف، سيتم اتخاذ خطوات حقيقية من العقوبة ضد دولة إسرائيل، التي ثمنها الاقتصادي والسياسي، والعسكري في بعض الحالات، سيكون قاتلا.

ان جوقة الزعران في حكومة نتنياهو وآلة السم التي تديرها ستنطلق على الفور بصراخ الضحية النموذجية: الاغيار لاساميون، هم يكرهوننا، هم دائما كانوا ضدنا، هم يؤيدون الإرهاب ونحن نحارب الإرهاب. الحقيقة هي أن هذه الحكومات ليست معادية لإسرائيل، بل معادية لحكومة إسرائيل. ويعتقدون أن الحكومة قد أعلنت الحرب على دولة إسرائيل ومواطنيها، وأن الضرر الذي تلحقه بالدولة قد يكون غير قابل للإصلاح.

أنا اتفق معهم، أنا اعتقد ان حكومة إسرائيل هي العدو من الداخل. فقد أعلنت الحرب على دولة إسرائيل ومواطنيها. وأي عدو خارجي من بين الذين حاربناهم في سنوات الدولة الـ 77 لم يلحق بإسرائيل ضرر اكبر من الضرر الذي تتسبب به حكومة إسرائيل برئاسة ايتمار بن غفير، نتنياهو وسموتريتش. أي عدو خارجي لم ينجح في تقويض التضامن الاجتماعي الذي كان أساس قوة المجتمع الإسرائيلي في كل الاختبارات الوجودية التي مرت عليها منذ 1948 كما فعلت وتفعل حكومة نتنياهو.

ساعود واكرر هنا باختصار الى ما تحول الى مسلمات في أجزاء واسعة في الجمهور الإسرائيلي: هذه الحكومة غير جديرة. هي غير قادرة ولا تريد ان تفعل ما هو جيد للدولة ولمواطنيها. هي تنشغل في تدمير كل أسس الوحدة الداخلية، والتعاون بين المجموعات، وأيضا التعاون بين الفئات، حتى تلك التي تختلف فيما بينها بقضايا جوهرية، من خلال حماس هستيري لتحريض الواحد على أخيه، وتحريض الام على أولادها، وتحريض الجنود على بعضهم البعض، وتحريض الزعران على المخطوفين وعائلاتهم، من خلال الخداع السادي، المرضي، التفريطي والاجرامي، وهي بالطبع لا تعيد المخطوفين.

في داخل كل هذه الفوضى نحن نواصل قتل المدنيين الفلسطينيين حتى في الضفة الغربية. لقد قلت ولن اتراجع بأن شباب الفظائع يرتكبون كل يوم في الضفة اعمال إجرامية مقيتة من خلال غض نظر الشرطة ووحدات الجيش التي توجد في مناطق الجريمة.

لقد حان الوقت للتوقف، قبل أن يتم ابعادنا جميعا عن عائلة الشعوب، ويتم استدعاءنا الى المحكمة الدولية بسبب ارتكاب جرائم حرب، وحتى الدفاع الجيد لن يفيدنا. حتى هنا.

disqus comments here