وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف...
كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن رسالة حاسمة بعثت بها المملكة العربية السعودية إلى القيادة الفلسطينية، مفادها أن الرياض لن تُقدم على أي خطوة تطبيعية مع حكومة بنيامين نتنياهو من دون طرحٍ سياسي واضح يقود إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران.
هذه الرسالة لم تكن مجرد موقفٍ عابر، بل إعلانٌ صريح عن معادلة جديدة تُعيد ضبط البوصلة السياسية في المنطقة، وتؤكد أن السعودية ليست ساحة يتنافس الآخرون على رسم سياساتها، بل دولةٌ تُملِي قواعد اللعبة الإقليمية بثقة واقتدار ومسؤولية.
تأتي أهمية هذا الموقف من توقيته ومن مضامينه الاستراتيجية.
ففي ظل محاولات حكومة اليمين الإسرائيلي فرض واقع استيطاني توسعي، والترويج لخطط تهجير صامت في الضفة والقطاع، اختارت الرياض أن تقول كلمتها بوضوح: لا استقرار إقليميًا ولا علاقات طبيعية قبل الاعتراف الفعلي بالحقوق الوطنية الفلسطينية. وهذا ما يعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها بعدما حاولت أطراف متعددة تجاوزها، أو التعامل معها كملف جانبي يمكن ترحيله أو الالتفاف عليه.
إن تأكيد السعودية على أن التطبيع ليس هدفًا بحد ذاته، بل نتيجة لمسار سياسي عادل، يُسقط الرهانات الإسرائيلية على تجاوز الحق الفلسطيني، ويضع سقفًا واضحًا لأي مفاوضات مستقبلية.
كما يعزز من الموقف الفلسطيني الإقليمي والدولي، ويمنح القيادة الفلسطينية سندًا سياسيًا يعيد التوازن أمام حكومة إسرائيلية متطرفة تراهن على شرذمة الموقف العربي والتلاعب بالأولويات.
ردود الفعل جاءت متباينة: فإسرائيليًا، لوحظت حالة من الارتباك والغضب، لأن هذا الموقف السعودي يفرض استحقاقات كانت حكومة نتنياهو تعتقد أنها تجاوزتها. أما عربيًا وفلسطينيًا، فقد لقيت الرسالة ترحيبًا واسعًا، كونها تُعيد التأكيد على أن فلسطين ليست عبئًا كما حاول البعض تصويرها، بل معيار استقامة السياسة العربية، ومركز أي معادلة للسلام في المنطقة.
إن تثمين هذا الموقف السعودي ضرورة سياسية وأخلاقية، فهو يستند إلى رؤية راسخة تعتبر أن لا أمن ولا سلام ولا استقرار من دون حلٍ عادل وشامل يضمن للشعب الفلسطيني جميع حقوقه المشروعة، وفي مقدمتها حقه في دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
إنه تثبيت للحقيقة الأهم: لا تطبيع ولا استقرار قبل العدالة.