تثبيت الشرعية الدولية وإعادة الاعتبار لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ...
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، مساء الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2025، قراراً جديداً تحت عنوان «التسوية السلمية لقضية فلسطين» ضمن أعمال الدورة الثمانين وبموجب البند 35 من جدول أعمالها.
ورغم أن رقم الوثيقة الرسمية لم يُنشر بعد ضمن أرشيف القرارات الكاملة للدورة، فإن القرار حظي بأغلبية كاسحة بلغت 151 صوتاً لصالحه، مقابل 11 ضد، و11 امتناعاً، في مؤشر واضح على حجم التأييد الدولي لحقوق الشعب الفلسطيني، وعلى عمق عزلة إسرائيل السياسية في الساحة الأممية.
يؤكد القرار بوضوح حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
كما يشدد على أن إسرائيل، بصفتها «قوة احتلال»، ملزمة بالامتناع عن اتخاذ أي إجراءات تهدف إلى تغيير الطابع الجغرافي أو الديموغرافي للأراضي المحتلة، بما في ذلك بناء المستوطنات أو توسيعها أو شرعنتها.
ويعيد القرار التأكيد على مبدأ أساسي في القانون الدولي: لا يجوز اكتساب الأراضي بالقوة، ولا يعتدّ بأي إجراء أحادي الجانب يهدف إلى الضم أو فرض وقائع نهائية بالقوة.
دلالات سياسية وقانونية ...
يحمل هذا القرار قيمة مزدوجة، قانونية ورمزية في آن واحد.
فمن الناحية القانونية، يمثل إضافة جديدة إلى سلسلة القرارات الأممية التي تؤكد عدم شرعية الاحتلال والاستيطان، وتوفّر دعماً مهماً لأي تحركات فلسطينية مستقبلية أمام القضاء الدولي أو في سياق حملات المساءلة الدولية.
أما من الناحية السياسية، فإنه يكرّس حالة الإجماع الدولي الواسع حول عدالة القضية الفلسطينية، ويظهر أن الأغلبية الساحقة من دول العالم ترفض محاولات تصفية الحل السياسي أو تجاوز حقوق الشعب الفلسطيني.
إن تأييد 151 دولة للقرار في وقت تتصاعد فيه الضغوط الأميركية والإسرائيلية لتهميش ملف الدولة الفلسطينية، يكشف أن المجتمع الدولي لا يزال يتمسك بمرجعيات القانون الدولي، وأن مشروع الضم أو فرض «إسرائيل الكبرى» لا يحظى بأي قبول أممي. كما يعمّق القرار من عزلة إسرائيل التي بدأت تتسع في السنوات الأخيرة، خاصة مع تنامي الانتقادات الأوروبية لسياسات الاستيطان، وانفتاح دول أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا على دعم الموقف الفلسطيني.
القدس الشرقية… عنوان الصراع
يمنح القرار أهمية خاصة لوضع القدس الشرقية، إذ يعيد التأكيد أنها جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، وأن أي محاولات لتهويدها أو ضمها أو تغيير بنيتها السكانية تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وفي ظل تسارع المشاريع الاستيطانية الإسرائيلية في المدينة، فإن هذا التأكيد الأممي يشكّل ركيزة قوية يمكن البناء عليها دبلوماسياً وقانونياً في المرحلة المقبلة.
أثر القرار على المسار السياسي الفلسطيني ...
يوفر القرار للقيادة الفلسطينية سنداً قانونياً وسياسياً جديداً يعزز من قدرتها على مواجهة الضغوط الدولية والإقليمية الرامية إلى تجاوز الملف الفلسطيني في سياق ترتيبات إقليمية أوسع، ويمكن النظر إليه باعتباره دعوة واضحة لإعادة ترتيب البيت السياسي الفلسطيني، وتوحيد الأداء الدبلوماسي، وتفعيل أدوات القوة الناعمة استناداً إلى إجماع دولي يصعب تجاهله.
كما يعيد القرار الاعتبار لخيار الدولة الفلسطينية باعتباره الإطار الوحيد المقبول دولياً لحل الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، ويقطع الطريق على المشاريع التي تحاول استبداله بحلول اقتصادية أو إنسانية أو أمنية لا تمت بصلة للحقوق الوطنية.
ما الذي يعنيه القرار في ميزان القوة...؟
صحيح أن قرارات الجمعية العامة غير ملزمة قانونياً، ولا تملك أدوات تنفيذية مباشرة، لكنها تملك قوة تراكمية تُشكّل مع الزمن ضغطاً سياسياً وأخلاقياً على الاحتلال، ومع تراكم هذه القرارات، تصبح الشرعية الدولية حائط صدّ أمام محاولات إسرائيل فرض أمر واقع دائم، كما تُسهِم في تهيئة بيئة دولية يمكن أن تؤدي، في لحظة سياسية ملائمة، إلى اتخاذ إجراءات أكثر تقدماً مثل العقوبات أو حظر الاستيطان.
وفي كل الأحوال، يظل القرار خطوة مهمة في مسار طويل، لكنه مسار ضروري لتحصين الموقف الفلسطيني وتعزيز حضور القضية في الأجندة العالمية، خاصة في ظل محاولات بعض الأطراف الإقليمية والدولية تجاوزها أو اختزالها في بعدها الإنساني فقط.
ختامًا نقول:
يثبت التصويت الكاسح على القرار أن الحق الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية حق ثابت لا يسقط بالتقادم.
ويؤكد أن الاحتلال، مهما طال أمده، لا يمكن أن يتحول إلى واقع شرعي أو دائم.
كما يوضح أن المجتمع الدولي رغم تناقضاته، ما زال متمسكاً بقواعد العدالة ورفض ضم الأراضي بالقوة.
إن قرار الجمعية العامة لعام 2025، على رمزيته، هو خطوة إضافية لتثبيت الرواية الفلسطينية وفتح أفق سياسي جديد، يؤكد أن الاحتلال إلى زوال، وأن إرادة الشعوب أقوى من آلة الحرب، وأن الشرعية الدولية مهما ضعفت، لا تزال تقف مع الحق الفلسطيني في الحرية والاستقلال.