تصاعد الجرائم في الداخل المحتل : الجريمة القادمة مسألة وقت.. فمَن يُعلّق الجرس؟
د. أحمد الطيبي: ما يجري في المجتمع الفلسطيني بالداخل نتيجة مباشرة لسنوات من الإهمال الرسمي وتراكم سياسات التمييز والتقصير في إنفاذ القانون
وديع أبو نصار: الجريمة تتزايد بصورة شنيعة جداً ومن المحزن أن نرى أنفسنا ننشغل بشكل شبه يومي بالجرائم المتفاقمة في مجتمعنا الفلسطيني في الداخل
د. ثائر أبو راس: تصاعد أحداث العنف وجرائم القتل بالداخل خاصة في ظل الحكومة المتطرفة لم يعد أمراً مفاجئاً ومحاربة الجريمة تتطلب مسؤولية مشتركة
مازن الجعبري: استمرار موجة العنف والجريمة المنظمة في الداخل ملف سياسي واجتماعي وأخلاقي من الدرجة الأولى يتطلب جهداً وطنياً ودولياً متكاملاً
نيفين أبو رحمون: يجب التّركيز على التربية الوطنيّة والهُويّة والانتماء وغرس القيم وثقافة الحوار ونبذ العنف وتفعيل دور مجالس الطلاب كمنصّةٍ للديمقراطيّة المسؤولة
طلب الصانع: استمرار مسلسل العنف يعبّر عن غياب منظومة الردع والوقاية ونحن أمام أزمة عميقة في منظومة القيم ودور مؤسساتنا التربوية والأسرية والمجتمعية
شهد المجتمع العربي الفلسطني في الداخل تصاعدًا لافتًا في جرائم القتل منذ بداية العام الجاري، التي تجاوزت كونها مجرد قضايا جنائية، وأصبحت ظاهرة تهدد أمن الأفراد والنسيج الاجتماعي، فيما تدق جريمة قتل الطالب محمد حسين مرازقة (17 عاماً) من قرية عرعرة، مؤخراً، جراء جريمة طعن داخل مدرسة في مدينة كفر قرع بمنطقة المثلث الشمالي داخل أراضي الـ48، جرس الإنذار، وتكشف حجم الانهيار القيمي والتربوي.
وحذر مسؤولون وكُتّاب، في أحاديث لـ”ے”، من تداعيات تلك الجرائم على مختلف مفاصل الحياة في الداخل، حيث تترك أثراً مجتمعيّاً سلبيّاً وخطيراً، مشيرين إلى أن ما يجري ليس صدفة، ولم يعد أمراً مفاجئاً، بل هو نتيجة مباشرة لسنوات من الإهمال الرسمي لحكومة اليمين المتطرف، وتراكم سياسات التمييز والتقصير في إنفاذ القانون، إذ إن الشرطة الإسرائيلية تغضّ الطرف عن المجرمين، إلى جانب التقصير في تقديم الخدمات المجتمعية للشباب في المدارس وخارجها ومعالجة البطالة العالية.
ولفتوا إلى أن هذه الظاهرة تعود بالأساس إلى تسييس ملف الجريمة في المجتمع الفلسطيني بالداخل، وغياب المعالجة المهنية الحقيقية له، فالوزير الإسرائيلي المتطرف بن غفير لا يولي اهتماماً جاداً لإيجاد حلول، ما يؤشر إلى أن الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها المستفيد الأكبر من انتشار وتزايد عمليات القتل منذ سنوات في المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر.
وأكدوا ضرورة أن تكون هناك جهود جدية على مستوى العائلة والمجتمع لتقليص الخلل التربوي والقِيَمي، وأن تبذل الأطراف المعنية جهوداً جادة، وإلا فإن الجريمة القادمة مسألة وقت، وربما ساعات.
الشرطة الإسرائيلية تغضّ الطرف عن المجرمين
أكد رئيس كتلة الجبهة العربية للتغيير في الكنيست النائب د. أحمد الطيبي أن ما يجري في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل ليس صدفة ولا قدرًا، بل نتيجة مباشرة لسنوات من الإهمال الرسمي وتراكم سياسات التمييز والتقصير في إنفاذ القانون.
وأشار إلى أن الشرطة الإسرائيلية تغضّ الطرف عن المجرمين، وتفقد السيطرة على الشارع العربي، إلى جانب التقصير في تقديم الخدمات المجتمعية للشباب بالمدارس وخارجها ومعالجة البطالة العالية.
وأضاف: “لقد حذّرنا مرارًا وقلنا إن من لا يجفّف منابع الجريمة ولا يواجه المنظمات الإجرامية بجدية إنما يساهم في استمرار هذا المسلسل الدموي. فبينما تُترك الأسلحة منتشرة بلا رادع، وتُهمّش برامج الوقاية والتعليم، وتُغلق ملفات التحقيق دون لوائح اتهام، تكون النتيجة ما نراه اليوم: دماء في الشوارع وخوف في البيوت”.
التمييز بين نوعين من الجريمة والعنف
وأوضح الطيبي أنه يجب أن نميّز بين نوعين من الجريمة والعنف:
النوع الأول هو الجريمة المنظمة، وهذه مسؤولية الدولة، والشرطة، والمحاكم، وكل جهاز إنفاذ قانون غائب أو متقاعس.
وأضاف: أما النوع الثاني فهو العنف المجتمعي، مثل تلميذ يقتل تلميذًا آخر داخل مدرسة، أو الاعتداءات داخل الأسرة، أو قتل النساء، لافتاً إلى أن هذا النوع من العنف مسؤوليتنا جميعًا، وهو يبدأ من التربية في البيت، ثم يمتد إلى الشارع، والمدرسة، والمسجد، والإعلام، والقيادات، فالمجتمع لا يُبنى فقط بالقوانين، بل أيضًا بالقيم والوعي والمسؤولية الجماعية.
وعبّر الطيبي عن الأسف من أنّ وزير الشرطة الإسرائيلية إيتمار بن غفير لا يشعر أنه يفشل، بل العكس، يشعر أنه ينجح في كل مرة يُقتل فيها مواطن عربي (من فلسطينيي الداخل) على يد عربي، فبالنسبة له، استمرار هذا النزيف يخدم أجندته العنصرية ويُبعد الأنظار عن فشله الأمني العام.
وقال الطيبي: “نحن نطالب بخطة حكومية شاملة تتجاوز الشعارات، تشمل تعزيز شرطة مهنية غير عنصرية، ومحاربة غسيل الأموال، ودعم التعليم والتشغيل للشباب، وإقامة هيئة مهنية خاصة لمكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل.
وأشار إلى أن نسبة الجريمة في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل تفوق بأضعاف نسبة الجريمة في الضفة الغربية وفي الأردن، مع أن النسيج المجتمعي متشابه، ولكن الفرق أن الشرطة الفلسطينية والشرطة الأردنية لا تتعاملان مع شعبيهما كأعداء كما تتعامل شرطة إسرائيل مع الجمهور العربي الفلسطيني بالداخل.
تقصير كبير من الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها
وقال المحلل السياسي وديع أبو نصار أنه من المحزن والمؤسف أن نرى أنفسنا ننشغل بشكل شبه يومي بالجرائم المتفاقمة في مجتمعنا الفلسطيني في الداخل.
وأشار إلى أن المشكلة هي “أن الجرائم تتزايد بصورة شنيعة جداً، إذ نسمع عن أطفال يُقتلون، وعن جرائم تتخطى كل ما كنا نعرفه من خطوط حمراء؛ تُقتل المرأة المسنّة، ويُقتل رجل الدين، وتُزهق أرواح الأبرياء، تُرتكب الجرائم في كل مكان، دون حسيب أو رقيب”.
وأضاف أبو نصار: “هذا الوضع فعلاً يثير الغضب والاشمئزاز، ويجعل الإنسان يتساءل: إلى أي قاع سنصل بعد ذلك؟”.
وأوضح أن هذا الواقع هو في الأساس نتيجة لتقصير كبير من الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها، مشيرًا إلى أن هناك من يعتقد بوجود تشجيع ضمني من بعض السياسيين على تفاقم هذا الوضع، خاصة من وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير.
خلل متزايد في التربية
وتابع أبو نصار: “لكن من جهة أخرى، علينا ألا نتجاهل مشكلة التربية في مجتمعنا، إذ إن هناك خللاً متزايداً في هذا الجانب. نرى اليوم كثيراً من الشباب الذين يريدون مدخولاً سهلاً، لا يرغبون في العمل الجاد، ويبحثون عن مصادر رزق سريعة، وهؤلاء مستعدون في كثير من الأحيان للخوض في عالم الجريمة متوهمين أن هذه الطريق القصيرة نسبيا قد تجلب لهم مالا وفيرا”.
وأشار إلى أن “هناك أيضاً ما يمكن تسميته تربية الزعرنة والخاوة، أي ثقافة تشجع على أن كل شيء مباح طالما أنه لمصلحتك. وهناك الكثير من الأهالي الذين إما لا يربون أبناءهم أصلاً، أو يربّونهم على مبدأ أنك تستطيع أن تفعل ما تشاء، وأن من يعتدي عليك اضربه بدلاً من أن تشتكي عليه”.
وأضاف أبو نصار: “إن ظاهرة العنف تفشّت حتى في مدارسنا، وأرى أن العلاج يجب أن يكون مزدوجاً: من جهة العائلة والمجتمع، ومن جهة الدولة. لكنني أشك في إمكانية تحقيق ذلك، خصوصاً في ظل الحكومة اليمينية الحالية”.
وخلص أبو نصار إلى القول إنه “يجب أن تكون هناك جهود جدية على مستوى العائلة والمجتمع لتقليص الخلل التربوي الذي نعاني منه، وأعتقد أننا في هذه المرحلة لم نرَ جهوداً حقيقية في أيٍّ من الجانبين، وكل أملي أن أكون مخطئاً، وأن تبذل الأطراف المعنية جهوداً جادة، وإلا فإن الجريمة القادمة مسألة وقت، وربما ساعات”.
ارتفاع جنوني في أعداد الضحايا في عهد بن غفير
ويرى الباحث بالعلوم السياسية د. ثائر أبو راس أن تصاعد أحداث العنف وازدياد جرائم القتل في المجتمع الفلسطيني في الداخل لم يعد أمراً مفاجئاً، مشيراً إلى أن عدد القتلى ارتفع بشكل كبير منذ تولي إيتمار بن غفير وحكومة بنيامين نتنياهو الحالية الحكم.
وأوضح أبو راس أن الأرقام تشير إلى أن المجتمع الفلسطيني يقترب من تسجيل نحو 300 قتيل خلال عام واحد، وهو رقم صادم يعكس حجم الأزمة التي تتفاقم عامًا بعد عام.
وأضاف: إن هذه الظاهرة تعود بالأساس إلى تسييس ملف الجريمة في المجتمع الفلسطيني بالداخل، وغياب المعالجة المهنية الحقيقية له، مبيناً أن الوزير بن غفير لا يولي اهتماماً جاداً لإيجاد حلول عملية، بقدر ما يسعى إلى استغلال هذا الملف لإضعاف المجتمع العربي، من خلال استخدامه كأداة سياسية لترقية ضباط مقربين منه وإبعاد آخرين.
وأشار الباحث أبو راس إلى أن الحكومة السابقة، التي عرفت باسم حكومة التغيير، نجحت إلى حد كبير في الحد من ارتفاع معدلات القتل، لكن في ظل الحكومة الحالية نرى ارتفاعاً جنونياً في أعداد الضحايا، وهذا الأمر لم يعد مفاجئاً.
مخاوف من انتقال العنف إلى المدارس الابتدائية
وتوقف عند حادثة مقتل الطالب في بلدة كفر قرع، معتبراً إياها نقطة فارقة يجب أن تهز ضمير المجتمع الفلسطيني في الداخل بأكمله، محذراً من أن استمرار تفشي هذه الظاهرة قد يؤدي إلى انتقال العنف حتى إلى المدارس الابتدائية إذا لم يكن هناك تحرك جاد ومسؤول من المجتمع وقياداته.
وأكد أن هناك حاجة ماسة لأن تلتئم القيادات الفلسطينية في الداخل وتطرح خطة طريق واضحة للخروج من هذه الآفة، مشدداً على أن جزءًا كبيراً من المشكلة يعود إلى سياسة حكومية متعمدة، تتمثل في تقاعس الشرطة عن أداء دورها كما يجب.
وأوضح أبو راس أن نحو 90% من جرائم القتل في المجتمع العربي لا يُعتقل فيها أحد ولا تُقدَّم لوائح اتهام، ما يعني أن معظم مرتكبي الجرائم ينجون من العقاب، الأمر الذي يشجع على تكرار الجريمة.
ودعا أبو راس إلى العمل على مسارين متوازيين: الأول باتجاه الحكومة ومؤسساتها الأمنية، والثاني داخل المجتمع العربي نفسه، عبر برامج توعوية ومواقف شجاعة من القيادات المحلية في مواجهة منظمات الإجرام، ومحاربة الظواهر التي تغذي العنف مثل الخاوة والابتزاز.
وقال أبو راس في نهاية حديثه إن “محاربة الجريمة تتطلب مسؤولية مشتركة، فكما يجب الضغط على الحكومة لتغيير سياساتها، يجب أيضاً على المجتمع الفلسطيني في الداخل أن يتحمل دوره في معالجة هذه الظاهرة من الداخل، حفاظاً على حياة أبنائه ومستقبل أجياله”.
تهديد النسيج الاجتماعي لفلسطينيي الداخل
وأكد الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي مازن الجعبري أن استمرار موجة العنف والجريمة المنظمة داخل الأراضي المحتلة عام 1948، التي كان آخرها المأساة المفجعة بمقتل طالب مدرسة على يد زميله، تمثل قضية خطيرة تهدد النسيج الاجتماعي للفلسطينيين في الداخل.
وقال: إن هؤلاء الفلسطينيين يعانون أصلاً من سياسات التهميش والتمييز العنصري الممنهج في دولة الاحتلال، ما يجعل تفاقم هذه الظاهرة انعكاساً لبنية سياسية واجتماعية عنصرية متجذّرة.
وأشار الجعبري إلى أن تزايد أعداد الضحايا، بمن فيهم الأطفال والنساء والأبرياء، ليس مجرد ظاهرة اجتماعية عابرة يمكن احتواؤها بحلول محلية محدودة، بل هو ملف سياسي واجتماعي وأخلاقي من الدرجة الأولى، يتطلب جهداً وطنياً ودولياً متكاملاً للحد من هذه الجريمة المستمرة.
توجه سياسي مقصود وليس فشلاً أمنياً عابراً
ويرى الجعبري أن الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية تتحمل المسؤولية الأولى والمباشرة عن هذا الواقع المأساوي، بل إنها المستفيد الأكبر من انتشار وتزايد عمليات القتل منذ سنوات في المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر، متسائلاً: كيف يمكن تفسير الارتفاع الحاد في معدلات الجريمة، وانتشار السلاح غير المرخص، وحالات الابتزاز والعنف، في مجتمع يشكل نحو 20% من سكان الدولة، دون أن تكون لدى أجهزة الشرطة والأمن الإسرائيلية معرفة أو قدرة على السيطرة؟ هذه المعطيات لا تترك مجالاً للشك في أن تغاضي الدولة عن هذه الجرائم، وربما تغذيتها بشكل غير مباشر، يعكس توجهاً سياسياً مقصوداً أكثر منه فشلاً أمنياً عابراً.
وأوضح الجعبري أن تجاهل الحكومة الإسرائيلية ظاهرة الجريمة المنظمة، وامتناعها عن التعامل الجاد معها، يرسل رسالة واضحة للمجرمين بأنهم في مأمن من الملاحقة والمحاسبة، وبالتالي تُكرّس الفوضى وتُضعف ثقة المجتمع الفلسطيني في الداخل بالقانون.
وبيّن أن هذا الواقع لا يمكن فصله عن السياق السياسي الأشمل، فانتشار الجريمة المنظمة ليس عرضاً جانبياً، بل يعكس استراتيجية غير معلنة تخدم أهدافاً سياسية أوسع للدولة الإسرائيلية.
وأكد الجعبري أن الحكومة الإسرائيلية تسعى، عبر ترك الجريمة تستفحل في المجتمع الفلسطيني، إلى تفكيك نسيجه الاجتماعي وإضعاف تماسكه الداخلي، من خلال إشغاله بصراعاته العائلية والداخلية، وإبعاده عن قضاياه الوطنية الجوهرية. وبهذا، يتحقق الهدف الأعمق: صرف أنظار الفلسطينيين داخل الخط الأخضر عن معركتهم من أجل الحقوق والمساواة وصون الهوية الجماعية، في مواجهة سياسات الإقصاء والتمييز الصهيونية المتواصلة.
نارٌ لا ترحم.. إلى أين المسير؟
وقالت الكاتبة السياسية نيفين أبو رحمون في تعقيبها على مقتل طالب من قرية عرعرة، جراء جريمة طعن داخل مدرسة في مدينة كفر قرع بمنطقة المثلث الشمالي داخل أراضي الـ48: “إنها نارٌ لا ترحم، هذا التفشّي المُفجع للعنف والجريمة، الذي ينهشُ في جسد مجتمعنا كالسّرطان. كلُّ يومٍ نحصي فيه الأوجاع، ونتساءل: إلى أين المسير؟ لقد أضحى صوتُ الرّصاص أعلى من صوتِ الحقّ، وصارت قوّةُ الإجرام أعتى من قوةِ القيم والقانون أو هكذا يبدو لنا في ظلّ التقاعس والخذلان المُتعمّد”.
وأضافت أبو رحمون: “لكنَّ الطّعنةَ الأشدّ هي أن نرى هذا الوحش يدبُّ خِلسةً في دهاليز مدارسنا. مؤلمٌ هو هذا المشهد الذي يتكرّر أمام أعيننا، ساحاتٌ كانت مرتعاً للبراءة والأحلام، أصبحت مسرحاً للعنف والتّهديد”.
وأكدت أن المدرسةُ لم تعد مِحضَ مكانٍ للعلم والتّربية، بل تحوّلت إلى ساحةِ صراعٍ أو قلقٍ دائم، يختلطُ فيه الخوفُ على سلامةِ الطالبِ بخوفِ المعلّم على مصيره ومستقبله.
وتابعت أبو رحمون “كمعلّمة، أرى بعينِ القلقِ ما يحدث. أشعر بثقلِ المسؤوليّة الملقاة على عاتقي وعاتقكم/نّ، فنحنُ حُرّاسُ البراعم، وسياجُ المستقبل. كيف نُنشئُ جيلاً مُسالمًا ومُحبًّا للحياة، ودروسُ العنف تُلقى عليه يوميًّا قبل أن نفتحَ نحنُ كتبنا؟ كيف نزرعُ الأملَ في نفوسٍ ترى الموتَ يتربّصُ بها في كلّ زاوية؟
وقالت: “لقد راودتنا، في سياق حديثنا، تخوفاتٌ فعليّة تُهدّد وجودنا”. وتساءلت: “أيّ مستقبلٍ ينتظرُ أطفالنا؟ كيف أصبحت كلّ مساحاتنا غير آمنة؟ حتى تلك الأنشطةُ اللامنهجيّة، التي كنا نراها نافذةً نحو رؤيةٍ مختلفة وأفقٍ أرحب، أصبحت تُقلقنا”.
وأضافت أبو رحمون: “عندما نطرح بعض النّشاطات، ومنها انتخابات مجلس الطّلاب، تراودنا الهواجس: هل ستكون هذه الممارسةُ الديمقراطيّة الصّغيرة بوابةً لاشتباكٍ أو خلافٍ يتطوّر الى عنفٍ مُحتمل؟ حتى الفعلُ البسيط أصبح مَحمَلاً للخوف”.
تعزيز دور المدرسة كملجأ آمن
وتساءلت: ما العمل؟ وأجابت: “إنّها صرخةٌ تنبعُ من حُرقةِ القلبِ ووجعِ المسؤوليّة. لا يكفي أن ننتظرَ حلاً من الخارج. يجب أن نُدركَ أننا جزءٌ من الحلّ، المدرسة قلعة للأمان ويجب أن نُعزّز دور المدرسة كملجأ آمن، ونُفعّل برامج الدّعم النفسي والاجتماعي للطّلاب والمعلّمين”.
وعلى الوجه الاخر شددت ابو رحمون على أهمية التّركيز على التربية القيّمة والوطنيّة، والهُويّة والانتماء، وغرس القيم و ثقافة الحوار ونبذ العنف، وتفعيل دور مجالس الطلاب كمنصّةٍ حقيقيّة للديمقراطيّة المسؤولة.
وترى ضرورة مدّ جسور التّواصل الحقيقي مع الأهالي لخلق جبهةٍ موحّدة لمواجهة الإجرام وغرسِ الوعي والأمل. وأن نكون جزءًا فاعلًا في حراكنا المجتمعيّ ضد العنف والتقاعس، فصمتُنا هو وقودُهم.
ووجهت أبو رحمون رسالة لزملائها وزميلاتها، وقالت: “لنجعل من قلقنا طاقةً للعمل، ومن حُرقتنا نوراً يُضيء طريق أبنائنا وبناتنا. إنّ صمودَنا في قاعاتِ التّدريس، وإصرارنا على غرسِ بذورِ الخيرِ والعلم، وتعزيز الهُويّة، أرقى أشكالِ المقاومة لليأس والإحباط والجريمة”.
انهيار قِيَمي وتربوي
بدوره، قال رئيس لجنة التوجية العليا لفلسطينيي النقب النائب السابق طلب الصانع: إن حادثة مقتل الطالب على يد زميله ليست مجرد جريمة فردية، بل جرس إنذار مدوّ يكشف حجم الانهيار القيمي والتربوي الذي يهدد مجتمعنا.
وأضاف: حين تتحول المدرسة التي يفترض أن تكون واحة للأمان والعلم إلى ساحة دم، فهذا يعني أننا أمام أزمة عميقة في منظومة القيم، وفي دور مؤسساتنا التربوية، والأسرية، والمجتمعية.
وأشار الصانع إلى أن استمرار مسلسل العنف يعبّر عن غياب منظومة الردع والوقاية، وعن تقصير جماعي من مؤسسات الدولة التي لم تتعامل مع الظاهرة ككارثة قومية، ومن المجتمع الذي لم ينجح بعد في بناء ثقافة تسامح واحترام حياة الإنسان.
وقال: “إننا بحاجة إلى نهضة تربوية ومجتمعية شاملة، تبدأ من البيت والمدرسة، وتستكمل عبر مؤسسات المجتمع المدني والقيادات المحلية، لتكريس لغة الحوار بدل العنف، ولتجفيف منابع التحريض والإهمال”.
وأكد الصانع في ختام حديثه لـ”ے” أن “دم الطالب الذي سقط يجب أن يكون صرخة في وجه الصمت والتقاعس، لا رقماً جديداً في قائمة طويلة من الضحايا”.