مؤسسات أكاديمية تندد بقرار إلغاء مؤتمر “فلسطين وأوروبا” في جامعة “كوليج دو فرانس”
وجّهت أربع من كبرى الجمعيات العالمية المتخصصة بدراسات الشرق الأوسط رسالة عاجلة إلى الرئيس الفرنسي ورئيس “كوليج دو فرانس”، اعتبرت فيها أن إلغاء مؤتمر “فلسطين وأوروبا” يشكل انتهاكًا خطيرًا للحرية الأكاديمية. وطالبت بالسماح بانعقاده وحماية الباحثين من الضغوط السياسية.
انتقدت أربع من أكبر الجمعيات العالمية المتخصصة بدراسات الشرق الأوسط قرار “كوليج دو فرانس” إلغاء مؤتمر “فلسطين وأوروبا”، معتبرة الخطوة نتيجة ضغوط سياسية وإعلامية تتعارض مع القواعد التي تحكم استقلال المؤسسات العلمية في فرنسا.
وفي رسالة مشتركة وُجهت إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزير التعليم الوطني والشباب فيليب باتيست، ورئيس “كوليج دو فرانس” توماس رومر، قالت الجمعيات إن القرار “يثير قلقًا بالغًا” بشأن مستقبل الحرية الأكاديمية في البلاد.
ووفق الرسالة الموقعة بتاريخ يوم أمس، الأربعاء، فإن الندوة التي كان من المقرر عقدها يومي 13 و14 تشرين الثاني/ نوفمبر، نظّمها كرسي التاريخ المعاصر للعالم العربي في “كوليج دو فرانس” بالشراكة مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
وكانت ستجمع “أكاديميين متخصصين بارزين من مؤسسات مرموقة حول العالم”، بينهم أعضاء من الجمعيات الأربع: DAVO، BRISMES، SeSaMO، MESA. وذكرت الرسالة أن المؤتمر يهدف إلى بحث موقع القضية الفلسطينية داخل الديناميات السياسية والفكرية الأوروبية المعاصرة، مضيفة أن موضوعه “مشروع بحثي مشروع وفي غاية الأهمية”.
وقالت الجمعيات إن الإلغاء جاء بعد “تعليقات مضللة على وسائل التواصل” وضغوط مباشرة من وزارة التعليم العالي، مشيرة إلى أن “البيانات العلنية التي وصفت المؤتمر بأنه نشاطي أو شككت في شرعيته الأكاديمية تشكل اعتداءً غير مبرر على نزاهة الباحثين المدعوين”.
واعتبرت الرسالة أن تصوير العمل الأكاديمي الرصين بوصفه نشاطًا سياسيًا “يقوّض المبادئ الأساسية للبحث التاريخي والاجتماعي”، مؤكدة أن تقييم الأبحاث ومناقشتها “مسؤولية المجتمع الأكاديمي وحده، لا نتيجة تدخلات سياسية”.
وفي جانبها القانوني، شددت الرسالة على أن فرنسا ملزمة بحماية الحرية الأكاديمية بموجب قوانين محلية وأوروبية ودولية، منها المادة L952-2 من قانون التعليم الفرنسي، والمادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والمادة 13 من ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي، والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
واعتبرت أن “إلغاء هذا المؤتمر يمثل انتهاكًا خطيرًا لهذه الالتزامات”، ويرسي سابقة تتيح للسلطة التنفيذية ووسائل الإعلام التأثير في تحديد الموضوعات التي يُسمح مناقشتها داخل الجامعات، بما يهدد التعددية ويثبط البحث النقدي.
وتطرقت الرسالة كذلك إلى توظيف مفاهيم مثل “العلمية” و”الرصانة الأكاديمية” لتبرير القرار، مؤكدة أنها استُخدمت في السنوات الأخيرة لـ”نزع الشرعية عن باحثين وتقويض النقاش الأكاديمي التعددي”، ولربط أبحاث معينة بـ”اتهامات دعم الإسلام السياسي أو الإرهاب أو معاداة السامية”، وهو ما ساهم في “تغذية الإسلاموفوبيا والخطابات المعادية للعرب”.
ودعت الجمعيات الأربع السلطات الفرنسية إلى اتخاذ خطوات عاجلة تشمل، وفق تعبيرها، “إصدار اعتذار رسمي للمنظمين والسماح بانعقاد المؤتمر في مقرات كوليج دو فرانس”، و”الإعلان العلني عن الالتزام بالنقاش العلمي المفتوح والناقد”، إضافة إلى “حماية الباحثين والطلاب من الضغط السياسي والإعلامي الذي يهدد حرياتهم الأكاديمية أو سلامتهم الشخصية”، والامتناع عن أي إجراءات تحد من دور الجامعات كمساحات للبحث العلمي المستقل.
وختمت الرسالة بالتأكيد على أن إلغاء المؤتمر في “مؤسسة مرموقة مثل كوليج دو فرانس” يمكن أن “يشجع على مزيد من الهجمات على الحرية الأكاديمية في فرنسا وخارجها”، معلنة أن نص الرسالة سينشر على مواقع الهيئات الأربع التزامًا بسياساتها الداخلية.