مصر: الطائفة الإنجيلية ترفض ربطها بـ «المسيحية الصهيونية»

رفضت الطائفة الإنجيلية في مصر أي محاولات للربط بينها وبين المسيحية الصهيونية، وذلك بعد أن أثارت الإعلامية هند الضاوي جدلا واسعا، بقولها هناك حملة أطلقها مايك إيفانز مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتدريب مئة ألف إنجيلي لتحسين صورة إسرائيل لاستعادة شعبيتها في أمريكا وحول العالم، معتبرة أن الإنجيليين يميلون للرواية الإسرائيلية.

خطة إيفانز

الضاوي، وهي مقدمة برنامج «حديث القاهرة» على قناة «القاهرة والناس»،

قالت إن «أجيالا من الشباب ترى أن إسرائيل ظالمة، وإن هناك الكثير من الشباب في أمريكا يميلون للرواية الفلسطينية»، وعليه «مستشار ترامب يقول إن لديه خطة لتبييض سمعة إسرائيل، وهذه الخطة لها مراحل متعددة تبدأ بتدريب الإنجيليين لصالح إسرائيل حول العالم».

وتابعت: «إسرائيل ظالمة من وجهة نظر المجتمع الدولي، وهناك محاولة لتدريب 100 ألف مسيحي انجيلي ليكونوا سفراء لإسرائيل في بلادهم. الإنجليون يميلون للرواية الإسرائيلية، وهناك خطة لتأسيس أكاديمية رقمية لتدريب الإنجيلين لدعم إسرائيل، وخطة لإنشاء مركز فكر إنجيلي لدعم إسرائيل ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو».

وشددت على أن «مستشار ترامب يقول إن حروب القرن الحالي هي حروب إعلامية، وإن هناك بالفعل في تلك الفترة حربا إعلامية تشن ضد منطقة الشرق الأوسط وتعمل على تنفيذها وحجم إنفاق كبير لخدمة هذه الرواية»، مشيرة إلى «محاولات إنجيلية لنشر الفكر الداعم لإسرائيل حول العالم واستقطاب ملايين البشر».

بعد تصريحات للإعلامية هند الضاوي حول خطة مستشار ترامب

الطائفة الإنجيلية في مصر ردت على حديث الضاوي، وقالت في بيان، إن خدمتها في مصر هي خدمة وطنية خالصة، ممتدة لما يقرب من قرنين من الزمان، عبر كنائسها ومؤسساتها الوطنية، وموجهة في الأساس لخدمة الإنسان والمجتمع دون تمييز.

وأضافت في بيانها، أنها بجميع مذاهبها تمارس دوراً وطنياً أصيلاً داخل المجتمع المصري، من خلال العمل الكنسي والخدمي والتنموي، بما يعكس التزامها التاريخي تجاه الوطن والمواطن، ومشاركتها الفاعلة في بناء المجتمع ودعم الاستقرار.

وشددت في بيانها على رفضها القاطع لأي محاولات للربط بينها وبين ما يُسمى بـ(المسيحية الصهيونية)»، مؤكدة أن «هذا الربط مرفوض جملة وتفصيلا، ولا يمت بصلة إلى عقيدة الطائفة أو مواقفها اللاهوتية والإنسانية والوطنية».

كما جددت التزامها الثابت بالدفاع عن الحقوق المشروعة لجميع الشعوب، والدعوة إلى سلام عادل ودائم، يقوم على أسس العدل وصون كرامة الإنسان. وأن السلام الحقيقي لا يتحقق إلا بإقرار الحقوق، واحترام القيم الإنسانية المشتركة» .

واختتم البيان بالدعوة إلى الصلاة من أجل أن يعم السلام في فلسطين والمنطقة والعالم أجمع، في ظل التحديات الإنسانية والسياسية الراهنة، بما يعكس البعد الروحي والإنساني لمواقف الطائفة الإنجيلية.

تعميم غير صحيح

كذلك قال النائب وعضو المجلس الإنجيلي العام، فريدي البياضي، إن الطرح الذي قُدم أوحى بأن ما جرى يعكس موقف الإنجيليين عالمياً تجاه إسرائيل والصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، مؤكدًا أن هذا التصوير يفتقر إلى الدقة ويتجاهل واقع التنوع الواسع داخل الطيف الإنجيلي على مستوى العالم.

وشدد على أن ربط مؤتمر سياسي محدد بموقف جميع الإنجيليين حول العالم يمثل تعميمًا غير صحيح. فالإنجيليون يتجاوز عددهم مليار شخص، وينتمون إلى ثقافات وسياقات اجتماعية وسياسية مختلفة، ولا تجمعهم رؤية سياسية موحدة.

وأضاف: أن مشاركة عدد محدود من القساوسة في لقاء سياسي تنظمه جهة رسمية إسرائيلية لا يمكن اعتبارها معبّرة عن موقف الكنائس الإنجيلية عالميًا، لا سيما أن هذه المشاركات ترتبط في الأساس بالواقع السياسي الأمريكي، أكثر من ارتباطها بالنسيج الإنجيلي المتنوع في مختلف دول العالم.

ولفت البياضي إلى أن تيار «المسيحية الصهيونية» الذي جرى الترويج له في الحلقة التلفزيونية هو في حقيقته اتجاه محدود داخل بعض الأوساط الإنجيلية الغربية، ولا يمثل الأغلبية الساحقة من الكنائس الإنجيلية، ولا يعكس مواقف الكنائس في الشرق الأوسط.

وأكد أن الكنائس الإنجيلية في المنطقة، ومنها الكنائس المصرية، تنطلق في مواقفها من ثوابت واضحة تقوم على العدل، ورفض الظلم، ودعم السلام العادل، وهو ما يتعارض جوهريًا مع أي خطاب يربط الإيمان المسيحي بتبرير الاحتلال أو انتهاك حقوق الشعوب.

وبين أن هناك قيادات إنجيلية ذات ثقل وتأثير دولي أعلنت مرارًا رفضها لاستغلال العقيدة المسيحية لتبرير ممارسات الاحتلال، وأن بين هؤلاء القس جيم واليس، الذي ربط بين الإيمان المسيحي والعدالة الاجتماعية، وانتقد سياسات الاحتلال بشكل علني، وكذلك القس توني كامبولو، الذي اعتبر «المسيحية الصهيونية» انحرافًا لاهوتيًا، ودعا إلى الإصغاء لمعاناة الشعب الفلسطيني.

كما لفت إلى الدعم الدولي الواسع الذي تحظى به القيادات المسيحية الفلسطينية، وعلى رأسهم القس منذر إسحق، فضلًا عن التأييد العالمي لوثيقة «كايروس فلسطين»، التي تبنتها كنائس وقادة إنجيليون باعتبارها صوتًا مسيحيًا أخلاقيًا يطالب بالحرية ورفع الظلم.

وأكد البياضي أن موقفه، المتسق مع قطاعات واسعة داخل الكنائس الإنجيلية في المنطقة والعالم، يستند إلى قيم راسخة تتمثل في العدل، واحترام كرامة الإنسان، ورفض الظلم، والدعوة إلى سلام عادل ومستدام.

ودعا النائب وسائل الإعلام إلى التحلي بالمهنية والدقة عند تناول القضايا الحساسة، والتمييز بين مواقف مجموعات شاركت في فعاليات سياسية محددة وبين الواقع الحقيقي والمتنوع للكنائس الإنجيلية على المستوى العالمي، واختتم قائلًا: “الإيمان لا يُستخدم لتبرير الظلم، بل ينحاز دائمًا إلى الحق والعدالة والسلام” .

السلم المجتمعي

المستشار نجيب جبرائيل، رئيس منظمة «الاتحاد المصري لحقوق الإنسان»، اعتبر أن حديث الضاوي يمثل تجاوزًا خطيرًا يهدد السلم المجتمعي والوحدة الوطنية.

وعبر في تصريحات متلفزة عن صدمته مما وصفه بإذاعة خبر منسوب للكيان الصهيوني يتحدث عن تدريب مئة ألف مسيحي ليكونوا سفراء لإسرائيل، مؤكدًا أنه لم يكن يتصور أن تقوم مذيعة مصرية بنقل مثل هذا المحتوى دون إدانة أو استهجان واضح.

وبين أن المشكلة لا تكمن فقط في نقل الخبر، حتى لو كان منسوبًا لمصدر خارجي، وإنما في طريقة عرضه دون توضيح خطورته أو فضح أبعاده السياسية والدينية.

وشدد على أن تصريحات الضاوي تسهم في إثارة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، من خلال الإيحاء بأن المسيحيين متعاونون مع الكيان الصهيوني، ما وصفه بأنه «استنتاج خطير ومرفوض». وشدد على أن المسيحيين المصريين كانوا ولا يزالون جزءًا أصيلًا من النسيج الوطني، وضحوا بأرواحهم ودمائهم دفاعًا عن الوطن، مشيرًا إلى شهداء حرب أكتوبر، وكذلك ضباط مسيحيين سقطوا في مواجهة الإرهاب خلال السنوات الماضية.

غضب قبطي

في المقابل دافع البعض عن الضاوي، ورأى أنها عرضت قضية لنقاش، وطالبت الكنائس الشرقية بالرد على هذه الدعوة.

وكتب الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الأسبق أحمد النجار على صفحته على «فيسبوك»: «تابعت الهجوم على الإعلامية هند الضاوي بشأن عرضها وتحليلها لما ذكره أحد مستشاري ترامب عن تدريب 100 ألف مسيحي إنجيلي ليكونوا سفراء لإسرائيل في بلادهم، وعن زيارة ألف قس إنجيلي لكيان قتلة النساء والأطفال، في ديسمبر/ كانون الأول الجاري ضمن مبادرة لتدريبهم كسفراء غير رسميين، لتعزيز الدعم للكيان وشرعنة احتلاله الإجرامي باسم الدين».

وأضاف: «تعاطفت مع المنتقدين لها والذين وصل البعض منهم للمطالبة بطردها من القناة التي تقدم برنامجها عليها، لأن البعض منهم محل ثقتي، لكنني شاهدت الحلقة لأتبين الأمر مباشرة، فوجدت أنها لم تخطئ إطلاقا، فقد عرضت بثا حيا لمستشار لترامب وهو من المسيحيين الإنجيليين من أقصى اليمين الديني، يقدم هذا الطرح. وكل ما فعلته أنها طالبت الكنائس الشرقية بالرد عليه إيمانا منها بوطنية تلك الكنائس التي ترعى مواطنين قبل أن يكونوا متدينين».

وزاد: «الحكام المسلمون الذين روجوا لما يسمى اتفاقيات السلام الإبراهيمي هم خدم أكثر سوءا للصهيونية، من مستشار ترامب والأصوليين الإنجيليين الذين يتبعونه، هناك صهاينة من كل الأديان، والمعيار الوحيد لذلك هو دعمهم لكيان تأسس بالاغتصاب ويستمر بالعدوان والعربدة والاعتقال والتعذيب والقتل والهدم والتخريب والإبادة الإجرامية لأبناء الشعب الفلسطيني صاحب الأرض والحق .» وخلال الأسابيع الماضية ركز الإعلام المصري على قضية المسيحية الصهيونية، والأسبوع الماضي تناول صانع المحتوى أحمد الغندور قضية المسيحية الصهيونية في برنامجه «الدحيح»

وكان الإعلامي المصري باسم يوسف رد الشهر الماضي على الانتقادات التي وُجّهت إليه عقب حلقته في برنامج كلمة أخيرة على قناة «أون» التي تناول فيها موضوع «الصهيونية المسيحية».

ونشر فيديو عبر حسابه الشخصي على الفيسبوك، قال فيه إنه تحدّث في الحلقة عن أنواع معيّنة من الكنائس الإنجيلية التي تربطها علاقات وثيقة بإسرائيل، وليس عن كل المسيحيين.

ووجه حديثه للمنتقدين: الغاضبون مني، هل كنائسكم ترفع علم إسرائيل؟ هل ترسل عشرات الملايين من أجل نقل يهود من أمريكا للاستيطان بشكل غير قانوني؟

disqus comments here