مشروع الدولة في مواجهة مشروع اللاحل: تفكيك التخادم السياسي بين حماس واليمين الصهيوني

يقف الشعب الفلسطيني اليوم عند مفصل بالغ الخطورة، تتصارع فيه رؤيتان متناقضتان: مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، باعتباره المشروع الوطني الجامع والوحيد القابل للتحقق؛ في مقابل مشروع اللاحل الذي يرفع الشعارات القصوى، ويُبقي الصراع مفتوحًا بلا أفق، ويمنح الاحتلال الوقت والمساحة ليواصل توسعه وتغوله.
وفي هذا السياق، جاء حديث السيد خالد مشعل، القيادي في حركة حماس، ليعيد إنتاج خطاب الرفض المطلق لأي حل سياسي، بما في ذلك حلّ الدولتين، مع قبولٍ لفظي بدولة على حدود 1967 كمرحلة “مؤقتة”، دون اعتراف أو التزام سياسي.
هذا الخطاب—في جوهره—ليس تعبيرًا عن ثبات على الحقوق، بل ابتعادًا عن الواقعية السياسية، وإقصاءً لإمكانية إقامة الدولة الفلسطينية، وتكريسًا للوضع الذي يخدم الاحتلال أكثر مما يخدم القضية.
فاليمين الصهيوني المتطرف—من نتنياهو إلى سموتريتش وبن غفير—يرفض الدولة الفلسطينية لأنه يؤمن بمشروع “إسرائيل الكبرى”، ويسعى إلى تحويل الضفة الغربية إلى فضاء استيطاني كامل.
وفي الجهة المقابلة، ترفض حماس الدولة لأنها تعتبرها انتقاصًا من مشروع “التحرير الكامل”. وهكذا يجد الطرفان نفسيهما، رغم العداء المعلن، في تقاطع موضوعي خطير: كلاهما يرفض الدولة، وكلاهما يعطل مسار إنهاء الاحتلال، وكلاهما يترك الشعب الفلسطيني يدفع الثمن.
هذا التلاقي لم يعد مجرد صدفة سياسية، بل أصبح شكلًا من التخادم السياسي المزدوج الذي يعيد إنتاج الصراع في دائرة مغلقة، اليمين الإسرائيلي يستخدم خطاب حماس ليعلن للعالم: “لا يوجد شريك فلسطيني للسلام”، وحماس تستخدم تطرف اليمين لتقول لجمهورها: “لا حل إلا المقاومة، ولا دولة إلا بعد التحرير الكامل”. وبذلك يتغذى كل منهما على الآخر، ويتقوّى كل منهما بخطاب الثاني، بينما يتعطل المسار السياسي، وتتآكل الأرض، ويستمر النزيف الفلسطيني دون توقف.
إن ما يجري على الأرض يؤكد أن هذا التخادم منح الاحتلال أكبر فرصة تاريخية لفرض وقائع جديدة، وإضعاف منظمة التحرير، وتكريس الانقسام، ومنع بناء استراتيجية وطنية موحدة، وهو تخادم يدفع الفلسطينيون وحدهم ثمنه دمًا وتهجيرًا ودمارًا، فيما يواصل الطرفان المتقابلان ترديد خطابين مختلفين في الشكل، متطابقين في النتيجة.
إن المشروع الوطني الفلسطيني، الذي حملته منظمة التحرير الفلسطينية منذ البرنامج المرحلي، يقوم على تحويل النضال من شعار إلى إنجاز، ومن تمنيات إلى واقع سياسي ودولة معترف بها.
وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ليست نهاية الصراع، ولكنها المدخل الوحيد الممكن لإنهائه.
أما الاستمرار في خطاب “الكل أو لا شيء” فلا يعني فعليًا إلا شيئًا واحدًا: استمرار اللاشيء.
إن اللحظة السياسية الراهنة تفرض على الفلسطينيين وقواهم الوطنية إعادة الاعتبار لمشروع الدولة، وتفكيك آليات التخادم التي تُبقي القضية معلّقة بين تطرفين متقابلين.
فالمعركة اليوم ليست فقط مع الاحتلال، بل مع المشاريع التي تحاول—عن قصد أو بدافع الأيديولوجيا—إبقاء الشعب الفلسطيني بلا دولة، بلا أفق، وبلا مستقبل.
إن مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة هو الخيار الواقعي، والشرعي، والوطني، وهو الطريق الوحيد لكسر دائرة اللاحل، وفتح بوابة الحرية والاستقلال، وصون الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.

disqus comments here