من حلم البيت إلى خيمة النزوح: الشباب بين التشريد والضياع

في قطاع غزة، حيث تتحول الأحلام إلى رماد تحت نيران القصف، لم يعد "البيت" مجرد جدران وسقف، بل أصبح رمزًا للحياة المفقودة والذاكرة المنهارة. ومع كل منزل يُدمَّر، يُقتلع معه جيل كامل من جذوره، وتُطوى صفحات من الأمل كانت مرسومة على جدران الغرف وأبواب البيوت.

فقدان منازل العائلات: بداية الانكسار

بالنسبة لآلاف الشباب الفلسطينيين في غزة، فإن فقدان البيت لم يكن فقط خسارة مادية، بل زلزالًا نفسيًا هزّ الكيان الشخصي والاجتماعي. لقد تحولت الأحياء الآمنة إلى ركام، وضاعت تحت الأنقاض ذكريات الطفولة، وطقوس الأعياد، وأصوات الضحكات.

يجد الشاب نفسه فجأة مشردًا بلا مرجعية مكانية، لا عنوان له، ولا جدران تحتوي خوفه أو تطمئنه. أصبحت الخيمة أو المدرسة أو العراء مأواه المؤقت، في انتظار "هدنة" قد لا تأتي، وعودة مجهولة المعالم.

الحياة في مراكز الإيواء: واقع بلا خصوصية

مراكز الإيواء، رغم كونها مأوىً اضطراريًا، إلا أنها لا تشبه "البيت" في شيء. في صفوف مكتظة، يتقاسم عشرات العائلات الأماكن، وتُنتزع خصوصية الشباب تمامًا. لا غرفة يختلون فيها بأنفسهم، ولا ركن يحلمون فيه بحرية.

هذا الواقع يولد حالة من الاغتراب الداخلي ، حيث يشعر الشاب بأنه بلا هوية، بلا فضاء شخصي، وبأن كل ما بناه في داخله انهار كما انهارت جدران بيته. في تلك المراكز، تُلغى الحدود بين الحياة الفردية والجماعية، وتتآكل المساحات النفسية اللازمة للتفكير والتطور.

كرامة مهدورة وهوية مهددة

أكثر ما يُهدر في رحلة النزوح هو كرامة الإنسان ، والشباب بطبيعتهم يحملون حساسية مفرطة تجاه كرامتهم وهويتهم. أن يُعامل الشاب كرقم في سجل نازحين، أو متلقٍّ للمساعدات، يضرب في صميم شعوره بالقيمة الذاتية.

ومع الوقت، يبدأ بعض الشباب في فقدان الشعور بالجدوى والانتماء ، ويعيشون أزمة وجودية: هل ما زال للحياة معنى دون بيت، دون حرية، دون مستقبل؟ وهل يمكن إعادة بناء شخصية شابة وهي تُكسر كل يوم؟

مستقبل معلق بين الركام

البيت بالنسبة للشباب لم يكن فقط مكانًا للمبيت، بل قاعدة للانطلاق: نحو الجامعة، العمل، العلاقات، الطموحات. غيابه يعني شللًا في كل المسارات. كثيرون اضطروا لترك الدراسة، أو فقدوا وظائفهم، أو أجبروا على الهجرة الداخلية، متخبطين في دوامة من عدم اليقين.

تتراكم آثار النزوح على المدى الطويل، فتُزرع بذور القلق، الاكتئاب، والغضب الكامن الذي قد ينفجر في أي لحظة، ما لم يتم التعامل معه بجدية ومسؤولية.

ضرورة التدخل والدعم

من الضروري الاعتراف بأن الشباب الفلسطيني النازح يحتاج إلى ما هو أكثر من بطانية وغذاء. إنه يحتاج إلى إطار نفسي، تربوي، وثقافي يُعيد له إنسانيته وكرامته.

المطلوب اليوم هو برامج دعم تعيد بناء العلاقة بين الشاب ومجتمعه، توفر له فضاءات للتعبير، وتدعمه لاستعادة حلمه... ذلك الحلم الذي كان يبدأ من البيت.

disqus comments here