لوفيغارو: نتنياهو يواصل الإصرار على خوض الحرب في غزة بأهداف غامضة

قالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإعلانه، صباح هذا الثلاثاء، عن المرحلة البرية من عملية مركبات جدعون 2، أثار موجة جديدة من الاستنكار. ففي مواجهة العزلة الدبلوماسية وخطر المقاطعة، يختار نتنياهو وحكومته سياسة المواجهة حتى النهاية. ومع ذلك، فإن دخول فرقتين إسرائيليتين إلى أنقاض مدينة غزة لم يشكّل مفاجأة حقيقية.
وأضافت الصحيفة القول إن القوات الإسرائيلية تعتزم التقدّم بشكل ممنهج، حيث سبقت الهجوم أكثر من 850 غارة خلال الأسابيع الأخيرة بهدف إضعاف دفاعات حركة حماس في المدينة. واستهدف سلاح الجو الإسرائيلي الأبراج السكنية المشرفة على المدينة، وكذلك المدارس والمستشفيات، زاعمًا أنّها نقاط أساسية في بنية الدفاع.
وعلى الأرض، تتابع صحيفة لوفيغارو، تعطي الخطة أولوية لـ“سلامة القوات على حساب سرعة التقدّم”، وفق ما قيل. ففي الأحياء الطرفية لمدينة غزة، تسبق القوات تقدمها بنشر طائرات مسيّرة انتحارية برية لتدمير المنازل الواقعة على محاور التقدّم.
وتنقل الصحيفة عن اللواء الاحتياطي إسرائيل زيف، قوله: “جنودنا يستعدون لمواجهة عدو مختبئ، قناصة وعبوات ناسفة بدائية”. من جانبه، يوضح العميد الاحتياطي داني فان بورين للصحيفة الفرنسية قائلاً: “أحد مزايا هذه العملية هو إمكانية الحصول على معلومات استخبارية فورية أثناء العمل في المنطقة حيث يُحتجز الرهائن. بطبيعة الحال، هناك خطر إصابتهم”، في إشارة إلى قلق واسع في إسرائيل، لا سيما بين عائلات الأسرى.
ويضيف مسؤول عسكري رفض الكشف عن اسمه لصحيفة “لوفيغارو” دائما: “عشرات الكيلومترات من الأنفاق الاستراتيجية ما زالت قائمة، وما بين ألفين و3 آلاف مقاتل من حماس ما يزالون داخل المدينة”. ويؤكد أن “مدينة غزة هي المعقل الرئيسي لحماس، وهي على الأرجح الأقل تضرراً حتى الآن”.
الهجوم سبقه قصف مكثف وأوامر متكررة من الجيش لسكان مدينة غزة -التي كانت قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023 كبرى مدن فلسطين ويقطنها نحو مليون نسمة- بمغادرتها. الهدف هو السيطرة على وسط المدينة، الذي يعتبره الجيش آخر معاقل حماس. وتزعم إسرائيل أن بضعة آلاف من المقاتلين يتحصنون هناك، مجهزين بأسلحة خفيفة ومختبئين في الأنفاق أو بين المدنيين، ويحتجزون نحو عشرين رهينة حيّة من أصل 48 لدى حركة حماس.
وذكَّرت صحيفة لوفيغارو أن إسرائيل حدّدت، بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، مهمة لجيشها ما زالت سارية حتى اليوم: تحرير الرهائن و الأسرى، نزع سلاح حماس، وإدارة غزة من قبل “جهة” غير معادية لإسرائيل. وهي الأهداف ذاتها التي تتكرر مع كل مرحلة جديدة من الحرب، وآخرها منتصف أغسطس/ آب الماضي حين منح مجلس الأمن السياسي الضوء الأخضر لعملية مركبات جدعون 2، مكلِّفاً الجيش أيضاً بالسيطرة على كامل القطاع. غير أن إسرائيل، بخلاف ما بعد 7 أكتوبر، لم تعد تحظى بدعم المجتمع الدولي.
أثار إعلان بدء العملية البرية الثلاثاء موجة إدانات. بريطانيا اعتبرتها “غير مسؤولة تماماً ومروعة”، والاتحاد الأوروبي حذّر من أنها ستؤدي إلى “مزيد من الدمار والموت والنزوح” وأعلن عن عقوبات جديدة ضد إسرائيل. حتى ألمانيا، التي اعتادت التحفّظ، أدانت خطوة تسير “في الاتجاه الخاطئ تماماً”.
أما فرنسا، التي تقود مع السعودية مجموعة من الدول تستعد للاعتراف بدولة فلسطين يوم الثلاثاء المقبل في الأمم المتحدة. وقد أصدرت 142 دولة من أصل 193 بياناً يدعو لإحياء “حل الدولتين”، حيث أعلنت عدة دول، مثل بريطانيا وكندا وأستراليا وبلجيكا والبرتغال، أعلنت استعدادها للاقتداء بفرنسا، ما أثار غضب إسرائيل.
وتضاف إلى ذلك المخاطر المتنامية لعزل إسرائيل رياضياً وثقافياً وأكاديمياً، تتابع صحيفة لوفيغارو. فقد تعطّل ختام طواف إسبانيا للدراجات (فويلتا) من قبل ناشطين مؤيدين لفلسطين رفضوا مشاركة رياضيين إسرائيليين، كما هددت إسبانيا بمقاطعة مسابقة يوروفيجن إذا شارك فنانون إسرائيليون، إلى جانب دعوات لإقصاء الجامعات الإسرائيلية. وهي إشارات قد تنذر برفض شبيه بما واجهته جنوب أفريقيا في زمن الفصل العنصري، تقول صحيفة لوفيغارو.
ويغذّي هذا الاتجاه الاتهامات الموجهة لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية. فقد نشرت لجنة تحقيق مستقلة تابعة للأمم المتحدة هذا الثلاثاء نتائج تحقيقها، مؤكدة أن “السلطات والقوات الإسرائيلية ارتكبت أربعة من خمسة أفعال مندرجة ضمن تعريف جريمة الإبادة الجماعية وفق اتفاقية 1948”.
وقبلها، خلصت الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، وكذلك المؤرخ الإسرائيلي عمر بارتوف، إلى النتيجة نفسها. غير أن نتنياهو يرفض هذه الاتهامات قطعياً، مكتفياً بدعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثابت، والذي أكده وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته للقدس يوم الاثنين.
وفي الدوحة، قال ماركو روبيو يوم الثلاثاء إن “الوقت يداهم” المفاوضات الأخيرة، التي قد تؤدي -إلى جانب نزع سلاح حماس- إلى تحرير بقية الرهائن. معظم عمليات الإفراج السابقة جرت بفضل هدنٍ تفاوضية. ولهذا، يثير خيار التصعيد العسكري قلق عائلات الأسرى في إسرائيل، التي قررت الاعتصام أمام منزل رئيس الوزراء في شارع غزة بالقدس. “لا يمكننا التضحية بحياة الأسرى وجنودنا”، يرددون. لكن حتى الآن، بقي نتنياهو صمّاً أمام ضغط الشارع.