كتب أنطوان شلحت : في غايات إسرائيل من التطبيع و”حل الدولتين على المقاس الإسرائيلي”
في الاتفاقيات الائتلافية، التزم نتنياهو بانتهاج سياسة من أجل “فرض السيادة” (الضم) على الضفة الغربية، وهو يعمل على تحقيقها. ولا يجري الحديث عن أي حقوق قومية للفلسطينيين…
عاد في إسرائيل الحديث بقوة عن التطبيع مع مزيد من الدول العربية والإسلامية، والذي سبق لحكومة بنيامين نتنياهو الحالية أن وعدت به، في تعهدها عبر برنامجها السياسي بـ”دفع اتفاقيات سلام إضافية لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي”. وكان واضحا من هذا التعهّد أن كلمة “سلام” لا تشمل الفلسطينيين الذين لم يأتِ البرنامج على ذكرهم مطلقا، باعتبارهم طرفا في أي مفاوضات أو تسوية. وحتى قبل الحرب على قطاع غزّة، أعلنت هذه الحكومة، في خطوطها الأساسية، كما يذكر كثيرون، أن “للشعب اليهودي حقا حصريا لا يمكن التشكيك فيه على كامل أرض إسرائيل”. وفي الاتفاقيات الائتلافية، التزم نتنياهو بانتهاج سياسة من أجل “فرض السيادة” (الضم) على الضفة الغربية، وهو يعمل على تحقيقها. ولا يجري الحديث عن أي حقوق قومية للفلسطينيين، حتى في قطاع غزّة الذي يُعتبر جزءا من مناطق “أرض إسرائيل” التابعة لليهود فقط.
ولا بُدّ من أن نعيد إلى الأذهان ما أُشير إليه لدى درس تداعيات تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية في أواخر 2022 على واقع الصراع، قبل “طوفان الأقصى”، ومؤدّاه أن ما يقوم به اليمين بحقّ الفلسطينيين هو إنكارهم بصفتهم شعبا، مثلما هو موقفه منذ أعوام طويلة، ولكن أيضا في الجهة المعارضة لليمين، بما في ذلك ما يوصف بأنه “يسار”، لا يتحدّثون عن سلام مع الفلسطينيين. ومثلما أشارَ رئيس تحرير صحيفة “هآرتس”، بعد فترة وجيزة من تشكيل ما تُسمّى “حكومة اليمين الكاملة”، فإنّ الحكومة والمعارضة لا تتعاملان مع الفلسطينيين بوصفهم شركاء في صوغ الواقع المستقبلي. والمكانة التي حصلت عليها القيادة الفلسطينية من إسرائيل والولايات المتحدة في فترة اتفاقيات أوسلو طواها النسيان، على وقع مقولة “لا شريك” التي لخّص بها إيهود باراك فشله في الوصول إلى اتفاق مع ياسر عرفات عام 2000. والنقاش الذي دار في الحكومة هو فقط بشأن تقوية السلطة الفلسطينية أو تفكيكها، ولكن لا يتعلق بـ”حل الدولتين”، فضلا عن مزيد من اتفاقيات التطبيع.
وبالنسبة إلى “حل الدولتين”، المعنى الحقيقي لهذا المفهوم، كما في الوسع استشفافه لدى الأوساط المقرّبة من نتنياهو، يمكن تلخيصه على النحو الآتي الذي ينطوي على عوامل إحباطه: أولا، أن يكون التوصل إليه نتيجة مفاوضات، وأن تُحل القضايا والمواضيع المركزية، ومن ضمن ذلك مسائل الحدود والقدس واللاجئين، عن طريق المفاوضات فقط، وليس عن طريق قرارات صادرة عن الهيئات التابعة للأمم المتحدة أو أي جهات أخرى. ويلفت الموقف الإسرائيلي إلى أن الوثائق المركزية المهمة المتعلقة بـ”عملية السلام”، بما في ذلك قراري مجلس الأمن 242 و338 واتفاقيات أوسلو، لا تتطرق إلى “حل الدولتين”، وتبقي مسألة المكانة الدائمة للأراضي الفلسطينية المحتلة في 1967 مطروحة للمفاوضات بين الطرفين.
ثانيا، أن تكون الحدود نتيجة لمفاوضات بين الطرفين، وغير قائمة على أساس خطوط الهدنة من 1949. ثالثا، ينبغي وجود قيادة فلسطينية موحدة تمثل عموم الشعب الفلسطيني، وأن تكون قادرة على تقديم التعهدات وتنفيذها. وفي هذه الجزئية تحديدا يجري التشديد على أن هذا الوضع غير متوفر حاليا. رابعا، يجب أن تعترف الدولة الفلسطينية بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي. خامسا، يجب أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح ومقيدة في قدراتها العسكرية والأمنية وكذلك فيما يتعلق برموز السيادة الأُخرى؛ ويجب أن تستند إلى مبادئ الديمقراطية والحرية والحكم السليم، وأن تكون ملزمة بمنع أعمال الإرهاب والتحريض.
سادسا، إسرائيل لن تُسلّم بقيام أو وجود دولة فلسطينية غير مستقرة سياسيا واقتصاديا، أو أن تكون أداة تتلاعب بها جهات وعناصر إرهابية، بحيث تُشكل تهديدا لإسرائيل. وعند هذا الحد، تضيف تلك الأوساط أنه استنادا إلى التجربة المبنية على الاتفاقيات القائمة، فإنّ أي تسويةٍ تتطلّب ضمانات سياسية وأمنية وقانونية قوية، تكفل عدم إساءة الدولة الفلسطينية استخدام حقوقها السيادية ومكانتها الدولية من أجل خرق أو انتهاك الاتفاقيات الموقّعة.