حرب المنتصرين الثلاثة ... من ربح ومن خسر؟

انتهت الحرب الخاطفة بين إسرائيل وإيران، التي استمرت 12 يومًا، بتدخل أميركي مباشر عبر عملية البي 2، التي استهدفت منشآت نووية إيرانية بدقة غير مسبوقة.
ومع إعلان وقف إطلاق النار، سارعت الأطراف الثلاثة إلى تقديم نفسها كمنتصر: إيران تحدثت عن تثبيت معادلة "الردع المتبادل"، إسرائيل اعتبرت أنها منعت إيران من بلوغ العتبة النووية، والولايات المتحدة قدّمت تدخلها كدليل على حيويّتها الاستراتيجية في المنطقة وقدرتها على تعطيل البرنامج النووي الإيراني.
هذه الحرب لم تُخض لتحقيق نصر عسكري حاسم، بل لإعادة تموضع سياسي لكل طرف في ظل مشهد دولي متقلب.
إيران سعت لترميم صورتها بعد احتجاجات داخلية وتراجع اقتصادي، وإسرائيل استغلت الحرب لإعادة بناء صورتها الردعية بعد فشلها الذريع في كسر صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
أما واشنطن، فأرادت تأكيد حضورها كقوة ضابطة للموازين ومؤهّلة لرسم حدود التصعيد.
لكن خلف هذه المسرحية المتقنة، من الخاسر الحقيقي؟
الجواب المؤلم: هو الشعب الفلسطيني.
فبينما كانت العواصم تتبادل الرسائل النارية، كانت غزة تعيش أسوأ كارثة إنسانية في تاريخها المعاصر: آلاف القتلى، ملايين المشردين، وانهيار شامل للبنية التحتية، وسط صمت دولي مريب. لم تُذكر فلسطين في بيانات الحرب إلا عرضًا، وكأنها "أثر جانبي" لصراع أكبر.
وفي الضفة الغربية، تصاعدت آلة القمع الإسرائيلية: اعتقالات جماعية، إعدامات ميدانية، هدم منازل، وحصار مالي خانق، وسط غياب أي موقف دولي رادع أو تضامن فاعل.
الدول الكبرى: تواطؤ صامت، رغم خطورة الحرب وتداعياتها، لم تُسجّل مواقف واضحة من القوى الكبرى إزاء العدوان الإسرائيلي أو الكارثة الإنسانية في غزة، الاتحاد الأوروبي اكتفى بالتصريحات الدبلوماسية، بينما روسيا والصين التزمت الحياد، منشغلتين بصراعات أخرى.
أما الولايات المتحدة، فكانت الطرف الفاعل ميدانيًا، تنفذ الضربات وتُدير المشهد، بانحياز كامل لإسرائيل، وتجاهل مطبق للحق الفلسطيني.
هل النصر كان شرط وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران؟
الجواب نعم.
فقد خرج كل طرف بصورة المنتصر لضرورات داخلية: إيران لجمهورها، إسرائيل لمجتمعها المنقسم، والولايات المتحدة كضامن لتوازنات المنطقة.
هذه المعادلة أنتجت حربًا "مضبوطة وتحت السيطرة "، نتائجها محسوبة، ورسائلها مشفّرة، لكنها تُعيد إنتاج الظلم وتُكرس الاحتلال.
إن أخطر ما كشفت عنه هذه الحرب هو تحول المنطقة إلى مسرح صراعات محسوبة، تُدار وتُخاض بعيدًا عن جوهر الصراع الحقيقي:
وهو الاحتلال الإسرائيلي والحرمان من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، فالمعادلة التي تُثبَّت اليوم هي: حروب سريعة، انتصارات شكلية، وخسارات حقيقية تتكبدها الشعوب المستضعفة.
فلسطين تُدفع خارج المعادلة، لا لأن قضيتها انتهت، بل لأن النظام الدولي يراها عبئًا على مصالحه، لذلك، فإن أي قراءة لحرب إيران–إسرائيل دون التوقف عند ما يجري في غزة والضفة، ستكون ناقصة ومُضلِّلة.
المطلوب اليوم ليس فقط تفكيك سرديات "النصر المصنوع"، بل إعادة تموضع القضية الفلسطينية في قلب المشهد الدولي، بوصفها المعيار الأخلاقي والإنساني والسياسي لأي توازن حقيقي.
فالردع الحقيقي يبدأ من إنهاء الاحتلال، لا من إدارته أو التكيّف معه، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ..