هل آن الأوان لمنع هذا التردي الذي نحن فيه..ومنع الانهيار الكامل..؟!

الوعي بحقيقة تردي الأوضاع العربية القائمة وبمناخ الإحباط العام الناتج عن هذا التردي،لا يبرّر ولا ينبغي أن يقود إلى اليأس.

إذا كان الوعي من أعمال العقل،وإذا كان العقل يغلب عليه التشاؤم أحيانا،وهو يحلّل ويستقرئ ببرود وحيادية وموضوعية،فإنّ الإرادة يغلب عليها التفاؤل دائما،لأنها تعبئة روحية ووجدانية لإستنفار طاقات البشر للعمل من أجل مستقبل أفضل.

وإذا كانت التفاصيل في قضايا الوعي توقع في الإشكالات، والتطبيقات الواقعية له تؤدي إلى الاصطدام بعقليات مغزوة بالوعي الزائف،فيمكن للقائم بالوعي في الظروف الحالية أن يستعين بنتائج الواقع التي أنتجتها التجارب المريرة عقب"ربيع العرب"،بل بنتائج التسلط الطويل الذي جثا على قلب العرب طوال عقود ضاعت فيها الحريات،وأُهدرت الثروات،وتراجعت البلاد إلى أوضاع أسوأ بكثير مما كان من ترد في حقبة الاستعمار الكئيب.

إنّ الوعي بحقيقة تردي الأوضاع العربية القائمة وبمناخ الإحباط العام الناتج عن هذا التردي،لا يبرّر ولا ينبغي أن يقود إلى اليأس.

وهنا أقول: إنّ أجيالا عربية سابقة لم تيأس ولم تستسلم لإختراقات الهيمنة الغربية الإستعمارية،بقدر ما قامت بإستجماع إرادتها واستنفرت إرادة الجماهير حولها، وعبأت وحشدت،وتمردت وناضلت،إلى أن حقّقت الإستقلال في النصف الثاني من القرن المنصرم.

وإذا كانت مسيرة دولنا العربية المستقلة قد انتكست،وإذا كان الإستقلال الفعلي لبعضها قد أستبيح أو أفرغ من محتواه،أو إذا كانت مشكلات بعضها الآخر قد تفاقمت،أو إذا كان بعضها الثالث نفسه مهدد في وجوده وبقائه بعد أن غدا بين-مطرقة التخلف وسندان التكفيريين-! فإنّ مسؤولية -هذا الجيل العربي-في حدها الأدنى،هي وقف هذا التردي ومنع الإنهيار الكامل.ومسؤولية-هذا الجيل-في حدها الأقصى هي أن يسلّم الوطن العربي للأجيال التالية وهو مزدهر،متحد وقوي.

إنّ هذه المسؤولية في حدودها الدنيا أو المتوسطة أو القصوى، ليست مستحيلة،ولا هي فوق طاقة البشر،ولا هي أيضا خارج حدود إمكاناتنا المادية والبشرية المتاحة.

ختاما أقول : 

مركز الإشكالية في التاريخ العربي المعاصر،أي في مرحلة ما بعد الاستعمار-التي ما زلنا نعيش تجلياتها إلى الآن أو يبدو أننا نحاول التحول منها-هو استبداد السلطة السياسية المدعوم خارجيا والمتمسح بلافتات وطنية وقومية مخدِّرة للعقول والمشاعر، ومغيبة للتفكير والمراجعة،فضلا عن المحاسبة والتغيير وفقا لقوانين تناسب كرامة الإنسان وامتيازه.

إنّ ما يستوجبه واقعنا العربي لتجاوز أزماته هو إعادة بلورة عملية إدراك هذا الواقع بعيون الراهن، فقبل تسطير الأفق المستقبلي، علينا أولًا تحديد نمط تعاطينا مع واقعنا كما هو،أي أن نقوم بعملية نقدية حقيقية،إذ نمارس بوعي أو بدونه نوعًا من المحاباة النقدية إزاء البنية السياسية والثقافوية التي ننتمي إليها،مما يجعلنا ننسج غطاءً تبريريًا وتمويهيًا يؤثّر بشكل لافت على كيفية رسم انتظاراتنا المستقبلية التي تذهب في الغالب أبعد مما يمنحه الواقع العربي

ولا شكّ أن الشعوب العربية تعيش مرحلة حساسة من تاريخها، يصعب القول كم ستدوم قبل أن تستقر على مسار محدّد.إنها تواجه تحديات على مختلف المستويات دونما استثناء.فهل يمكن القول إن أملاً ما في تجدّد مشروع نهضوي قد يقوم..؟

disqus comments here