دراسة لمجموعة بحثية مستقلة توثّق انحياز الإعلام الغربي للسردية الإسرائيلية في حرب غزة
كشف عامان من حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة عن انحياز كبريات وسائل الإعلام الدولية إلى جانب إسرائيل على حساب الفلسطينيين، وهو ما أكّدته دراسة جديدة صدرت الأربعاء، وبيّنت كيف منحت مؤسسات إعلامية من ثمانية بلدان غربية السردية الإسرائيلية الأولوية على حساب وجهة النظر الفلسطينية في تغطيتها لجرائم الحرب الإسرائيلية في القطاع.
أعدّ الدراسة الأولى من نوعها مجموعة بحثية مستقلة هي “Media Bias Meter”، وجاءت بعنوان: “تأطير غزة: تحليل مقارن للتحيّز الإعلامي في ثمانية منصات غربية”. اعتمدت الدراسة على أسلوب تحليل الكلمات المفتاحية، من دون اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي، لتغطي الفترة بين أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وأغسطس/ آب 2025.
وحلّلت الدراسة 54449 تقريراً نُشرت على امتداد 100 أسبوع خلال الحرب على غزة في مواقع ثماني مؤسسات إعلامية، هي: “نيويورك تايمز” الأميركية، هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، “ذا غلوب أند ميل” الكندية، “لوموند” الفرنسية، “دير شبيغل” الألمانية، “كورييري ديلا سيرا” الإيطالية، “لا ليبر” البلجيكية، إضافة إلى “دي تليخراف” الهولندية. وتوصلت إلى أن هذه المؤسسات، رغم اختلافاتها السياسية واللغوية والوطنية، تشترك في نمطٍ واحد من التحيّز، يعزّز السرديات الإسرائيلية ويهمّش الأصوات الفلسطينية.
قال أحد مؤلفي التقرير جي جي درويش: “تكشف البيانات شيئاً أعمق من مجرد انحياز أيديولوجي”، موضحاً: “المسألة ليست مرتبطة بميل هذه المؤسسة أو تلك لليمين أو اليسار، بل تتعلّق بتركيز الصحافة الغربية على المنظور الإسرائيلي، وحصر رؤية الفلسطينيين وحياتهم بعدسة الإرهاب، وتطبيع العنف الذي تمارسه الدولة الإسرائيلي
هيمنة إسرائيلية على العناوين
حضرت إسرائيل بقوة في العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام المشمولة في الدراسة. “نيويورك تايمز” على سبيل المثال ذكرت كلمة إسرائيل 186 مرة في عناوينها مقابل كل مرة استعملت فيها كلمة فلسطين. تلتها صحيفة ذا غلوب أند ميل الكندية، التي ذكرت إسرائيل 66 مرة مقابل مرة واحد لفلسطين. أما وسائل الإعلام الأخرى فقد حضرت إسرائيل في عناوينها بين 11 و26 مرة أكثر من فلسطين، باستثناء صحيفة كورييري ديلا سيرا الإيطالية حيث انخفضت النسبة إلى 3 مقابل 1 فقط. لاحقاً، بيّنت المراجعة اليدوية للعناوين أن نصف الإشارات القليلة إلى فلسطين لم تكن تتعلق بفلسطين مباشرةً، بل باحتجاجات مؤيدة لها في الدول الغربية.
طمس الاحتلال وإغفال الحقائق
كانت كلمات مثل “محتلة” و”حصار” و”مستوطنات غير قانونية” غائبة بشكل شبه كلي عن تغطيات وسائل الإعلام الثماني، وهو ما جرّد الصراع من سياقه، بحسب معدي الدراسة، الذين أشاروا إلى أنه من بين 54,449 مقالة جرى تحليلها، لم تستخدم سوى ثلاث عناوين فقط عبارة “مستوطنات غير قانونية” لوصف الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، اثنان منها في “ذا غلوب أند ميل” وواحد في “لوموند”.
لم تذكر صحيفة نيويورك تايمز أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية “غير قانونية” إلّا 54 مرة من أصل 3234 ذكراً لها. أما “دير شبيغل” فلم تصف الضفة الغربية أو الأراضي الفلسطينية بأنها “محتلة” إلّا مرتين من أصل 3177 مرة ذكرت فيها. وظهر النمط نفسه في باقي وسائل الإعلام، ففي العناوين وحدها، وردت كلمة “محتلة” 29 مرة فقط عند الحديث عن الأراضي الفلسطينية، مقابل 1180 مرة ذُكرت فيها من دون الإشارة إلى احتلالها من قبل إسرائيل.
كذلك، لم يذكر حق العودة للاجئين الفلسطينيين سوى 38 مرة في 54449 تقريراً شملتها الدراسة، فيما لم تحضر كلمة “النكبة” إلّا في ثمانية عناوين.
الإرهاب فوق المجاعة
قارنت الدراسة عدد المرات التي أشارت فيها وسائل الإعلام الكبرى إلى مصطلحات مرتبطة بالمجاعة والجوع مقابل اللغة المرتبطة بالإرهاب، وذلك بين ديسمبر 2024 وأغسطس 2025.
على امتداد المنصات الثماني، استخدمت كلمة “إرهاب” أكثر من كلمات مثل “مجاعة” و”جوع”، حتى بعد أن بدأت وكالات الأمم المتحدة التحذير من مجاعة وشيكة في قطاع غزة. في يوليو/ تموز الماضي، أدى انتشار صور أطفال فلسطينيين يعانون من سوء التغذية، إلى ارتفاع استخدام وسائل الإعلام لكلمتي “مجاعة” و”جوع حاد”، مع ذلك، حتى في تلك اللحظة، بقيت أكثر من نصف المؤسسات، وعلى رأسها “بي بي سي”، تستخدم مصطلحات متعلقة بالإرهاب أكثر من تلك المتعلقة بالمجاعة.
نتائج “غير متوقعة”
وتوصّل معدو الدراسة إلى أن التوجه السياسي للوسيلة الإعلامية، سواءٌ كان يسارياً أو يمينياً، ليس مؤشراً بالضرورة على مستوى تحيّزها في تغطية حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، إذ بيّن التحليل أن “نيويورك تايمز” و”دير شبيغل” و”ذا غلوب آند ميل” و”بي بي سي” كانت الأكثر تحيّزاً لصالح إسرائيل، بالمقارنة مع صحيفة شعبوية يمينية مثل “دي تليخراف” الهولندية أو صحيفة يمينية وسطية مثل “كورييرا ديلا سييرا”.
وخلصت الدراسة إلى أن النتيجة التراكمية للانحياز المستمر للرواية الإسرائيلية هي “سردية عامة مشوّهة تنزع الإنسانية عن الفلسطينيين وتعيد صياغة العنف الذي تمارسه دولة ضد شعب محتل ومحاصر على أنه دفاع عن النفس”، ولفتت إلى أن “هذا التشويه لا يقتصر على التضليل، بل يوجّه السياسات ويخفّف الغضب العام ويُطَبّع الظلم”. كما أكدت أننا أمام “حالة مؤسسية متجذرة في الصحافة الغربية تواصل حجب واقع المعاناة الفلسطينية”.