بيتسيلم: لا تحتاج إسرائيل إلى قانون للإعدام… فسياسة الإعدام قائمة منذ سنوات
فمنذ سنوات، تفرض الغارات العسكرية عقوبة موت جماعي على سكان غزة، وفي العامين الأخيرين تحوّل القتل إلى سياسة تُنفَّذ على نطاق واسع. أمّا السجون ومراكز الاحتجاز الإسرائيلية، فقد غدت منذ السابع من أكتوبر منظومة تعذيب ممنهجة، قُتل في سياقها ما لا يقل عن 98 أسيرًا ومعتقلًا فلسطينيًا، في الغالب نتيجة التعذيب أو الإهمال المتعمّد. لم يُمنح أيٌّ منهم محاكمة، ولا أُتيحت له فرصة للدفاع عن نفسه، ولا حتى وداع أخير.
وفي الضفة الغربية، قد يكون مجرد الوجود في المكان الخطأ، أو حركة غير محسوبة، حكمًا بالإعدام. قصة الأخوين عميرة مثال صارخ: أُوقفا، ضُربا، ثم أُعدما. وكل ما تبقّى بعد ذلك كان محاولة رسمية لتبرير القتل — محاولة نسفتها الأدلة المصوّرة والتحليلات الجنائية.
قبل نحو أسبوعين، لقي أحمد خليل رجبي، فتى في السابعة عشرة من عمره، مصرعه في ظروف مشابهة. كان رجبي في طريقه إلى الخليل للتسوّق لعائلته، حين أشار له جنود بالتوقّف. امتثل للأمر، وأوقف سيارته، ثم بدأ بالرجوع ببطء إلى الخلف باتجاههم. بعد أن أطلق أحد الجنود النار في الهواء من دون سبب واضح، يبدو أن رجبي ارتبك، فزاد من سرعة سيارته. عندها، أطلق الجنود عليه وابلًا من الرصاص فأردوه قتيلًا.
من المفترض أن يرسم القانون حدودًا واضحة، أن يبيّن للإنسان أين ينتهي الحيّز الذي تُصان فيه حقوقه، وأين يبدأ المجال الذي تملك فيه الدولة صلاحية سلب تلك الحقوق دفعة واحدة. لكن منذ سنوات، لا توجد مثل هذه “الخريطة” للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، ولا للفلسطينيين المحتجزين في معسكرات التعذيب التي تديرها إسرائيل في سجونها ومراكز اعتقالها. هؤلاء لا يعرفون ما الذي يُسمح لهم بفعله، أو ما الذي يجب عليهم تجنّبه، كي لا تُصدر الدولة بحقهم حكمًا بالموت.
مشروع قانون عقوبة الإعدام لـ”المخربين” يستند، منذ البداية، إلى هذا الفراغ الحدودي. فكما تُظهر بيانات الجيش التي صدرت بعد قتل نضال وخالد وأحمد وزياد وغيرهم كثيرين، فإن تعريف إسرائيل لمصطلح “مخرب” تعريفٌ مطاطي، يكاد يشمل جميع الفلسطينيين. ويُستخدم هذا المصطلح أساسًا كأداة تمنح الشرعية بأثر رجعي لقتل أي فلسطيني، بغضّ النظر عن هويته أو أفعاله الفعلية. صحيح أن مشروع القانون، بصيغته الحالية، يعرّف “المخرب” بأنه من اتُّهم بقتل مدنيين إسرائيليين، لكن لا سبب يدعو للاعتقاد بأن هذا التعريف لن يتمدّد ويتسيّب إلى أن ينسجم مع الاستخدام الشائع للمصطلح وهو ان كل العرب مخربين وإرهابيين
هذا المسار يتقدّم بسرعة مذهلة. وإذا كان الجمهور الليبرالي يريد حقًا إيقافه، فعليه أن يبدأ بالاعتراف بمبدئين حاكمين للنظام الإسرائيلي: التفوّق اليهودي، والاستخفاف المطلق بحياة الفلسطينيين. هذان المبدآن هما ما أتاح، على مدى سنوات، تحويل الإعدام إلى ممارسة اعتيادية تُنفّذ باسم الجمهور الإسرائيلي.