انتهاكات جسيمة في مراكز الاحتجاز في ولاية الجزيرة

كشف مرصد «الجزيرة لحقوق الإنسان»، أمس الإثنين عن رصد وتوثيق أكثر من 3000 حالة اعتقال تعسفي، في ولاية الجزيرة، وسط السودان.
وقال في تقرير حديث إن الولاية شهدت، خلال الفترة من 15 أبريل/ نيسان 2023 وحتى سبتمبر/ أيلول 2025، تصاعد الانتهاكات الجسيمة التي تنفذها جهات أمنية وعسكرية متعددة، بينها الخلية الأمنية، الاستخبارات العسكرية، قوات درع السودان، ومجموعة «البراؤون».
وسجل التقرير أيضاً أكثر من 160 حالة اعتراف قسري، وأحكاما قاسية بحق 950 معتقلا، شملت السجن المؤبد والإعدام، بالإضافة إلى محاكمة 150 امرأة بتُهم وصفها التقرير بـ«الملفقة».
كما رصد «ممارسات فساد مالي تطال ذوي المعتقلين، حيث يضطر البعض إلى دفع ما بين 5 إلى 8 ملايين جنيه للإفراج عن أبنائهم أو لحمايتهم من التعذيب». في مدينة الحصاحيصا، وثّق التقرير، احتجاز أكثر من 230 شخصاً، بينهم نساء وأطفال، داخل معتقل في مصنع سور، دون فصل القاصرين عن البالغين، مشيرا إلى أن ذلك يعد انتهاكا واضحا لاتفاقية حقوق الطفل.
أما في رفاعة، فتم رصد احتجاز 70 معتقلاً داخل غرفة بمساحة لا تتجاوز 6 أمتار، وسط ضرب ممنهج وتجويع متعمد.
في محلية المناقل، سجل التقرير حالات تصفية جسدية ودفنا لضحايا التعذيب في مقابر خاصة، إلى جانب حرمان تام من الكرامة الإنسانية والرعاية الصحية، بينما تستمر الانتهاكات في ود مدني، التي سجلت أكبر عدد من المعتقلين منذ اندلاع الحرب.
وفقاً للتقرير، تجاوز عدد المعتقلين في ود مدني وحدها 3000 شخص، غالبيتهم من النشطاء السياسيين، أعضاء لجان المقاومة، ومتطوعين في غرف الطوارئ.
وأكد المرصد أن 950 ملفا تم تحويلها إلى المحاكم، وصدر فيها أحكام قاسية شملت السجن لسنوات طويلة، السجن المؤبد، وأحكاما بالإعدام.
وأضاف: «تمت محاكمة ما لا يقل عن 150 امرأة بتهم مرتبطة بـ«التعاون»، في ظل غياب الأدلة القانونية، بينما تم توثيق 160 حالة اعتراف قسري انتزعت تحت التعذيب الشديد».
ورصد التقرير «تفشي الفساد المالي داخل مراكز الاحتجاز، حيث تفرض رسوم مالية ضخمة على ذوي المعتقلين مقابل الإفراج أو التخفيف من المعاملة(السيئة)».
وذكر بأن «بعض العائلات تدفع ما لا يقل عن 5 ملايين جنيه سوداني للحصول على «شهادة انتساب» شكلية لقوات درع السودان- كانت موالية للدعم السريع وبعدها انضمت للجيش- تستخدم أمام المحكمة، بينما يُطلبُ من العائلات دفع ما لا يقل عن 8 ملايين جنيه سوداني للإفراج (عن أبنائهم) من معتقلات تابعة للخلية الأمنية.
ومن أبرز حالات الانتهاك، التي وثّقها التقرير، وفاة المواطن خالد حسن عوض الجيد المعروف بـ«ود الليبي»، الذي اعتقل في المناقل قبل شهر رمضان 2024 دون توجيه تهمة، وأُبلغت أسرته بوفاته بعد العيد، دون تقرير طبي أو تفسير رسمي، وسط ترجيحات بأنه توفي تحت التعذيب أو نتيجة إهمال طبي.
كما أشار التقرير إلى الاعتقال التعسفي للكاتب والمؤرخ والإذاعي خالد بحيري (70 عاما) الذي جرى توقيفه في يناير/كانون الأول 2025 من منزله في ود مدني على يد جهاز المخابرات العامة دون أمر قانوني. وتم احتجازه سرا لمدة ثلاثة أشهر قبل نقله إلى سجن سيئ السمعة، حيث تدهورت حالته الصحية نتيجة سوء المعاملة وحرمانه من العلاج.
ويؤكد التقرير أن بحيري، الذي سبق اعتقاله مرتين من قِبل قوات الدعم السريع، يمثل حالة نموذجية لما وصفه بـ«نمط القمع المتكرر من جميع أطراف الحرب ضد الشخصيات المدنية والمستقلة».
وطالب مرصد الجزيرة، بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين تعسفيا، وفتح تحقيقات مستقلة في جرائم التعذيب، القتل، والاختفاء القسري، مؤكدا على محاسبة المتورطين من جميع الجهات دون استثناء.
ودعا إلى توفير الدعم القانوني والطبي والنفسي للمعتقلين وضمان حماية المدنيين ووقف الانتهاكات الممنهجة في مراكز الاحتجاز. وأكد أن ما يجري في ولاية الجزيرة يمثل نمطاً ممنهجاً لانتهاكات حقوق الإنسان، مشددا على أن الإفلات من العقاب يشجع على استمرار الجرائم بحق المدنيين والمعتقلين.