الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الثلاثاء 4/11/2025 العدد 1451

الصحافة الاسرائيل- الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

 

يديعوت احرونوت 4/11/2025

 

 

المعركة على الحدود المصرية

 

 

بقلم: ايلينا كوريئيل

 

اعتاد سكان خط التماس مع مصر، بمن فيهم بتحات نيتسانا، خلال العام الماضي على أزيز عشرات، بل مئات، الحوامات فوق رؤوسهم، عابرةً الحدود من سيناء إلى أراضيهم طوال اليوم. قال مسؤول الامن في مجلس رمات هنيغف الإقليمي، عيدان بسموت، خلال جولة له في الموقع: “كانت هذه المنطقة بأكملها بمثابة طريق سريع للحوامات. بعضها كان يحلق على ارتفاع منخفض وبعضها الآخر على ارتفاع عالٍ. وكانت تصل إلى المنطقة التي يريدها المهرّب”.

عشية يوم الغفران هذا العام، بدأ الجيش بتركيب أنظمة اعتراض الحوامات. أعلن القائد الجديد للواء باران، العقيد ج.، للقادة قبيل يوم الغفران، عندما كانت عشرات الحوامات تعبر الحدود يوميًا، جاعلةً الحياة لا تُطاق لسكان بيتح تكفا والمنطقة. أصبح أزيز الحوامات أمرًا روتينيًا بالفعل. سيعمل بعضها فورًا، وبعضها بعد يوم الغفران، ومن المتوقع وصول جزء كبير آخر بعد عيد العرش. إضافةً إلى ذلك، ستدخل قوات إضافية كثيرة للعمل في جميع أنحاء قطاع اللواء، سواءً ضد عمليات الضبط أو مصادرة الأدوات والوسائل.

انتهت الأعياد، والخبر السار هو أن الحوامات لم تعد تُحلّق كما كانت في السابق فوق رؤوس سكان قرى قادش برنيع، وبئر ميلكا، ونيتسانا، وعزوز. هذا يعني أن الوسائل التي استخدمها الجيش الإسرائيلي تعمل بكفاءة. أما الخبر السيء فهو أن المهربين انتقلوا ببساطة إلى موقع آخر، على بُعد عشرة كيلومترات شمال وجنوب القرى الحدودية.

بحسب أحد عناصر الجيش الإسرائيلي في المنطقة، “علينا أن نكافح من أجل صيانة الاجهزة. الأسبوع الماضي، حدث عطل في الجهاز بسبب تعطل المولد الكهربائي. ببساطة، نفد وقود الديزل. في غضون نصف ساعة، قاموا ببعض عمليات التهريب واختفوا. القاعدة هي السجائر والكريستال والماريجوانا. لكن هناك كميات لا حصر لها من الأسلحة، والقنابل اليدوية والمسدسات والبنادق الحديثة وبنادق الكلاشينكوف. أول تجسيد للتهريب هو بير الدرج. تُخزن الأسلحة ليوم أو يومين، ثم يصل مشترٍ. ثم يختبرون الأسلحة، ويسمع سكان مستوطنات رفيم ورفيفيم وجيزاف إطلاق نار. وكما يقولون: “إطلاق النار أمر طبيعي – حماس تتدرب”، يبلغون عن إطلاق النار علينا، ويقولون “أمر طبيعي”، ويتم نقل الأسلحة. كل يوم هناك احتكاك مع الحوامات. والجيش يلعب لالحوامات، كل يوم”.

في منتصف أكتوبر، عُقد نقاش في لجنة الشؤون الخارجية والأمن بمبادرة من عضو الكنيست تسفي سوكوت (الصهيونية الدينية) حول خطر تهريب الحوامات من الحدود المصرية. وفي الأيام التي سبقت ذلك، وصل أعضاء من الكنيست إلى المنطقة، بمن فيهم وزير الشتات عميحاي شيكلي من حزب الليكود. كما قام رئيس الحزب الديمقراطي، يائير غولان، بجولة في المنطقة. ويعمل حزب “عظمة يهودية” حاليًا على صياغة مشروع قانون يحد من استخدام الحوامات. كما أبدى أعضاء من أحزاب أخرى اهتمامهم بالمبادرة.

تكمن أهمية النجاح في الحد من تهريب الحوامات فوق البلدات نفسها في أنه إذا وضعت الدولة هذه القضية على رأس أولوياتها، فيمكن الحد من هذه الظاهرة بشكل كبير. وقال رئيس ديوان المجلس: “طائرات عام 2025 المسيرة هي بمثابة جمال الأمس. كان هناك تهريب، وسيظل هناك تهريب”.

يقول رئيس مجلس رمات هنيغف، عيران دورون: “تُشكّل ظاهرة تهريب الحوامات مشكلةً وطنيةً لدولة إسرائيل. فالأسلحة غير القانونية المُهرّبة إلى إسرائيل لا تتوقف في الجنوب، بل يستمر جزءٌ كبيرٌ منها شمالًا إلى أعماق البلاد. في نيتسانا، تُشاهدون التهريب، وفي رفيف، تسمعون تجريب الأسلحة، أما في باقي أنحاء البلاد، فلا تُصادفون هذه الأسلحة إلا عند إطلاقها”. تُشكّل مستوطنات بتحات نيتسانا المستوطنة الوحيدة عبر الحدود المصرية، بين بني نتساريم وإيلات، وأدعو الحكومة الإسرائيلية إلى معالجة ظاهرة التهريب بشكل شامل، وتعزيز مستوطنات بتحات نيتسانا فورًا من خلال إصدار قرار حكومي بتوسيع المستوطنة. في نقاش في الكنيست الشهر الماضي، كُشف عن وقوع ما يقرب من 900 عملية تهريب لحوامات من الحدود المصرية إلى إسرائيل خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وتتضح الزيادة في عدد عمليات التهريب على الحدود: فخلال الفترة المذكورة، نُفّذت 896 عملية تهريب، مقارنةً بـ 464 عملية تهريب خلال الفترة نفسها العام 2024.

------------------------------------------

 

هآرتس 4/11/2025

 

 

في سديه تيمان يهاجمون جهاز القضاء من اجل شرعنة المخالفات

 

 

بقلم: عاموس هرئيلِ

 

الاعتقاد بان انهاء الحرب ضد حماس سيخفف قليلا الشرخ الداخلي في المجتمع الإسرائيلي، تبين انه اعتقاد خاطيء من أساسه. لم تمض بضعة أسابيع على وقف اطلاق النار في قطاع غزة، حتى انفجرت قضية المدعية العسكرية. الانقلاب النظام عاد وبصورة اقوى. حملة اليمين تحرف بشكل متعمد النقاش حول الإخفاقات التي سمحت بحدوث المذبحة في 7 أكتوبر والفشل في هزيمة حماس كما تم الوعد بذلك – الى الانقضاض من جديد على جهاز القضاء.

هذا هجوم منفلت العقال، وتصريحات النائبة تالي غوتلب وامثالها ليست استثناء بل هي القاعدة. ومع اقتراب موعد انتخابات الكنيست، اقل من سنة، فان الهدف هو بث الخوف في قلوب حراس العتبة والمشاركين في الاحتجاج وقادة المعارضة، الذين هم في الأصل مشلولين بدرجة كبيرة. مستوى الضجة المرتفع سيكون من الان فصاعدة أعلى وبدون توقف. ومن الصعب استبعاد احتمالية تصعيد التوتر الأمني القائم، اذا احتاج الامر، لأغراض سياسية.

في مثل هذه العملية تكمن افضليات أخرى: يمكن العودة واتهام رجال القانون – بدلا من الشخص الذي لن يكون في أي يوم مسؤول عن أي شيء – بزعم أن هذا سمح بحدوث المذبحة، والقاء اللوم عليهم في ظل غياب وجود حل في غزة. في نفس الوقت يمكن محاولة الحصول على المزيد من التساهل في محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وقد أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يعبر عن رأيه بحرية كعادته، الى هذا الامر مساء أمس. ففي مقابلة مع شبكة “سي.بي.اس” قال: “نتنياهو لا تتم معاملته معاملة جيدة في المحاكمة، لذلك نحن سنتدخل لمساعدته”.

في هذه الاثناء دخلت آلة السم الى مرحلة التصعيد. أول امس (الاحد) اثناء فعاليات الذكرى الثلاثين على اغتيال اسحق رابين، هاجمت هذه الآلة المدعية العامة العسكرية، اللواء يفعات تومر يروشالمي، بكل القوة. وعندما ساد الخوف على حياتها، تم استبدال عملية الإعدام خارج نطاق القانون الصاخبة لبضع ساعات بعملية محاسبة جزئية واجبارية. ولكن بمجرد العثور عليها، وبعد ساعات من البحث المحموم، عادت الالة الى طبيعتها بسرعة. وأعلنت شخصية رئيسية بالغمز بأنه “يمكننا مواصلة الإعدام خارج نطاق القانون”.

حملة التحريض غير موجهة فقط للمدعية العامة العسكرية، هناك اهداف اكبر وعلى رأسها المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارا، من هنا تنبع المحاولة التي لا أساس لها للمتحدث باسم الليكود وشخصيات أخرى لالقاء المسؤولية عن التستر التي كشف، على المستشارة القانونية للحكومة.

تومر يروشالمي اعترفت بمخالفة واحدة وهي تسريب فيلم من مواد التحقيق في قضية التنكيل القاسية بمعتقل غزي في منشأة الاعتقال العسكرية في سديه تيمان. يوجد ضدها شبهات اكثر خطورة التي تبدو مدعومة بالادلة، حول التستر على التسريب وتقديم شهادات كاذبة للمحكمة العليا، ولكنها لم تتطرق اليها في رسالة الاستقالة التي أرسلتها يوم الجمعة. اليوم تم تمديد اعتقالها واعتقال النائب العسكري الرئيسي السابق متان سلوموش بثلاثة أيام. ولكن الادعاءات الأخرى ضدها، وكأنها قامت بنسج فرية على جنود الجيش الإسرائيلي، تبدو مدحوضة ولا أساس لها.

حسب كل الاستنتاجات فان الأفلام التي تم تسريبها هي أفلام اصيلة وتوثق تنكيل طويل ومتعمد. أيضا محاولة رئيس الحكومة أن يصف الان التسريب كاضرار شديد وكاذب بمكانة إسرائيل الدولية هو ادعاء غير مقنع. في كل ما يتعلق بالعلاقات الخارجية لإسرائيل فان المشكلة هي في الأفعال – التنكيل في السجون، وجرائم الحرب في القطاع، وتصريحات هستيرية لوزراء في الحكومة – وليس في التسريبات للنيابة العامة. المدعية العسكرية عثر عليها في الشاطيء الشمالي في تل ابيب، بعد ان تسلم أبناء عائلتها رسالة مثيرة للقلق منها ولم ينجحوا في العثور على مكانها. عندما تم العثور عليها تبين أن هاتفها المحمول اختفى. يمكن ان يخطر بالبال تقديرين متداخلين. الأول هو أنها فكرت بالانتحار، لكنها غيرت رأيها. والثاني هو انها رمت هاتفها في البحر في محاولة لاخفاء الأدلة. باستثنائها وباستثناء المدعي العام السابق، يشتبه أيضا في تورط مسؤولين آخرين في مكتب المدعي العام، من بينهم مسؤولين كبار، في عملية التسريب. كما يشتبه بان كثيرين منهم تستروا على هذا الامر أو كانوا يعرفونه.

هذه قضية خطيرة جدا، وهي تحتاج الى جانب الإجراءات الجنائية كما يبدو، أيضا تطهير واسع في صفوف القيادة العليا للنيابة العامة العسكرية. هذا الامر بالتأكيد لن يساهم في المكانة العامة لسلطات انفاذ القانون في ذروة ازمة سياسية واسعة، التي حددت مسبقا كهدف للتصفية. يمكن الرهان بان المستشارة القانونية للحكومة، التي بدرجة كبيرة مدت حمايتها على تومر يروشالمي، تتسلق الآن الجدران من كثرة الغضب.

الى جانب الجهاد المقدس الذي يستخدم ضد جهاز القضاء، ينشغل السياسيون في اليمين بصورة متواصلة في محاولة إعطاء الشرعية لكل مخالفة يرتكبها الإسرائيليون في الأراضي الفلسطينية، سواء بالزي العسكري أو بدونه. وتعتبر قضية سديه تيمان تجسيد جديد لقضية اليئور ازاريا: الهدف هو تقويض أي شرعية للتحقيق في المخالفات ضد الفلسطينيين وفحص الاعمال المرفوضة ضدهم. في هذا السياق يشرعنون ايضا ادعاءات بشأن ارتكاب اعمال مروعة، مذكورة في لائحة الاتهام، بذريعة حماية الجنود ودحض مؤامرات كاذبة حول فرية.

كعادته ينشر نتنياهو هذه المزاعم خلف ستار زائف من الاحترام. لا يوجد لوزير الدفاع يسرائيل كاتس حاجة لاخفاء كهذا. كاتس تفوق على نفسه بعد كشف القضية عندما اصدر سلسلة بيانات متوحشة ضد المدعية العسكرية، التي فقط اشعلت مناخ الفتك في الشبكات الاجتماعية. لمؤسسات الدولة والمجتمع الإسرائيلي وقع هنا ضرر آخر، الذي كما يبدو سيتم الشعور به لفترة طويلة. المدعية العسكرية هي التي مكنت من حدوث ذلك، لكن هناك من انقضوا على هذه الفرصة وهم يعتزمون استغلالها على اكمل وجه، تحقيقا لمصالحهم الخاصة.

-------------------------------------------

 

 

هآرتس 4/11/2025

 

 

خلف التهديد باستئناف القتال، لبنان يبحث عن تسوية مشابهة لغزة

 

 

بقلم: تسفي برئيل

 

باسلوبه المتغطرس اصدر توم براك، المبعوث الأمريكي الخاص في سوريا ولبنان، عدة تصريحات اثارت موجة من التعليقات على نوايا إدارة ترامب الدفع قدما بانهاء الحملة في لبنان. وقال براك في مؤتمر للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، الذي عقد في نهاية الأسبوع الماضي في المنامة عاصمة البحرين: “الدولة الوحيدة التي لا تتكيف مع التغيرات في الشرق الأوسط هي لبنان. في الواقع الدولة هي حزب الله، التنظيم الذي يوفر لمقاتليه وانصاره ما لا تستطيع الدولة توفيره”.

براك، الذي سعى الى التعبير عن احباط الإدارة الامريكية وإسرائيل من الوتيرة البطيئة لنزع سلاح حزب الله، كرر تهديداته وقال: “لا يوجد للبنان وقت ليضيعه. يجب عليه أن يسارع الى تفكيك سلاح حزب الله”. وبعد ذلك، في مقابلة مع موقع “الشرق” على هامش اللقاء فاجأ من يجري المقابلة معه عندما قال: “فكرة نزع سلاح حزب الله بالقوة غير واقعية. انت لا يمكنك الطلب من لبنان نزع سلاح احد الأحزاب السياسية وأن تتوقع السلام. ما علينا ان نساله لانفسنا هو كيف نمنع هذا التنظيم من استخدام سلاحه”.

يبدو أن براك يطرح بذلك موقف يناقض تماما المطلب الذي يرتكز اليه اتفاق وقف اطلاق النار في تشرين الثاني 2024، وقرار حكومة لبنان في شهر آب، المطالبة بنزع سلاح حزب الله، وإعطاء أمر للجيش اللبناني بان يستكمل هذه المهمة حتى نهاية السنة. أيضا حول موعد انتهاء عملية نزع السلاح يوجد عدم وضوح. المبعوثة الامريكية مورغين اورتيغوس، التي عادت لمعالجة شؤون لبنان، قالت ان نهاية السنة هي الموعد المتفق عليه. في المقابل، قالوا في حكومة لبنان انهم فهموا ان واشنطن كانت مستعدة لتمديد الموعد حتى الانتخابات، التي يتوقع ان تجرى في أيار القادم.

اذا كانت اقوال براك حقا تعبر عن سياسة جديدة فكيف تتساوق مع الضغط المتزايد للولايات المتحدة من اجل انهاء وبسرعة عملية التفكيك، ومع التهديد بالسماح لإسرائيل بتجريد حزب الله من سلاحه وتوسيع نطاق هجماتها في لبنان مع المخاطرة باستئناف الحرب؟. وماذا بخصوص التصريح السابق لبراك الذي بحسبه تجريد حزب الله من سلاحه هو “شان لبناني داخلي”؟.

إضافة الى ذلك، أوضح براك: “الموضوع الان يوجد في يد لبنان. الولايات المتحدة لن تتدخل من الان فصاعدا في وضع فيه تنظيم إرهابي اجنبي (حزب الله) يسيطر على دولة فاشلة (لبنان) التي تملي الوتيرة وتطالب بالمزيد من الموارد، الأموال والمساعدات”. التهديد بـ “التخلي عن الساحة اللبنانية” غير جديد. براك سبق له واسمعه في شهر تموز عندما طلب من حكومة لبنان قبول قرار بشان تجريد حزب الله من سلاحه، ويبدو انه الان أيضا لا ينوي السماح لهذه الساحة بالاشتعال.

واشنطن تتطلع الى تحقيق انجاز سياسي جديد، وهي تحاول منذ أسابيع اجبار لبنان على اجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وبدأت في توسيع اللجنة التي تشرف على تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار، لتشمل أيضا مدنيين. لبنان لم يصل الى هذه المرحلة حتى الان: يمكن تفسير هذا التغيير في تشكيل اللجنة على انه استعداد للانتقال من المفاوضات العسكرية الى السياسية، ومن هنا تصبح المسافة قصيرة للاعتراف بإسرائيل. ولكن هناك مؤشرات أخرى: في يوم الثلاثاء التقى رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد مع الرئيس اللبناني جوزيف عون. وجاء في بيان صادر عن الرئاسة بان الاجتماع “ناقش قضايا عسكرية وامنية، بما في ذلك التنسيق بين الدولتين والاستفادة من أجواء اتفاق غزة وقمة شرم الشيخ، بهدف توسيعها لتشمل لبنان”. في هذا الأسبوع اعرب عون عن استعداده للتفاوض مع إسرائيل، لكنه خفف ذلك وقال: “لا يمكن ان تقتصر المفاوضات على طرف واحد بعد ان رحب الطرف الاخر (إسرائيل) بنا بهجمات إضافية”.

الرئيس امتنع عن اعلان استعداده للمفاوضات المباشرة مع إسرائيل، لكنه أيضا لم يرفض ذلك كليا. هذه التصريحات التي تعكس نوع من المفاوضات حول المفاوضات، حظيت حتى الان برد من براك: “اذا كان اللبنانيون يريدون اجراء مفاوضات (مباشرة) كهذه فنحن سنساعدهم، وسنضغط على إسرائيل لتكون نزيهة”. هذه اقوال يجدر الانتباه اليها. حتى الان أوضح براك لحكومة لبنان بان الولايات المتحدة لن تستطيع كبح إسرائيل إزاء تهديد السلاح والصواريخ لحزب الله. في مناسبة أخرى أوضح بان الولايات المتحدة “لا تستطيع ان تقول لإسرائيل ما تفعله”.

الأكثر أهمية من ذلك هو انه قبل أسبوعين قدم براك اقتراح جديد: إسرائيل ستوقف هجماتها في لبنان لمدة شهرين، وخلال ذلك ستكون هناك مفاوضات كثيفة بشان انسحاب تدريجي من المواقع الخمسة التي تسيطر عليها إسرائيل، وستبدأ مفاوضات حول ترسيم الحدود البرية بين الدولتين، وسيتم إعادة اسرى لبنانيين من المعتقلات في إسرائيل، وستحدد منطقة منزوعة السلاح في جنوب لبنان بعد استكمال نزع سلاح حزب الله. إسرائيل رفضت هذا الاقتراح بشكل تام، وحتى الآن لا تظهر أي جهود أمريكية لجعل إسرائيل أن تكون “نزيهة”.

موقف إسرائيل هو انه على لبنان ان يثبت في البداية بانه قادر على نزع سلاح حزب الله تماما، وفقط بعد ذلك سيكون بالإمكان مناقشة الانسحاب ووقف الهجمات. ولكنهم في واشنطن غير واثقين تماما من ان إسرائيل معنية بأن تدفع الان قدما بمفاوضات مع حكومة لبنان، وليس فقط بسبب ان “الاجواء المفتوحة” التي تتمتع بها إسرائيل في لبنان تعتبر ذخر استراتيجي. هذا بشكل خاص عندما يواصل حزب الله الاحتفاظ بالاف الصواريخ ويحاول ترميم مواقعه أيضا في جنوب لبنان.

المفاوضات حول ترسيم الحدود البرية، كما ينص على ذلك اتفاق وقف اطلاق النار وقرار مجلس الامن رقم  1701 الذي يعتمد على هذا القرار، معناها ان إسرائيل سيتعين عليها الانسحاب من المناطق التي توجد على طول الحدود، بما في ذلك مزارع شبعا والقرى المحيطة بها. لذلك فان التفسير المقبول في لبنان والذي بحسبه التصعيد الإسرائيلي وزيادة الهجمات استهدفت ان تفرض على لبنان التقدم نحو الاتفاق مع إسرائيل، ليس بالضرورة تتساوق مع الرؤية الإسرائيلية. ولكن ليست كل الأوراق توجد لدى إسرائيل. لنفترض ان ترامب يسعى الى تحقيق انجاز سياسي آخر، وانه غير معني بان يفتح مرة أخرى جبهة القتال في لبنان بنطاق كامل. اذا كان الامر هكذا فان من شانه ان يعتبر التصعيد الإسرائيلي – الذي يمكن التقدير بانه منسق معه – تهديد لطموحاته، وتفعيل “أسلوب غزة” أيضا في لبنان.

أي ان يملي على إسرائيل، وليس فقط على لبنان، شروط المفاوضات، وان يقيد مجال نشاطاتها العسكرية ويحدد من جديد مفهوم “نزع سلاح حزب الله”. براك سبق والمح بذلك عندما شرح بان الهدف هو منع حزب الله من استخدام سلاحه، وليس بالتحديد تجريده من سلاحه.

ولكن من اجل ان تتحول هذه العملية الى سياسة فان لبنان يجب عليه ان يعلن بانه مستعد للمفاوضات المباشرة مع إسرائيل حول ترتيبات وقف اطلاق النار وحتى اتفاق سياسي – وفي اعقاب ذلك الاستعداد لمواجهة مفتوحة مع حزب الله. هل لبنان مستعد لخطوة بعيدة المدى كهذه؟.

في هذه الاثناء يعمل الرئيس اللبناني على حشد الدعم العربي لمؤتمر قمة عربية على غرار مؤتمر شرم الشيخ، يحدد بنود الاتفاق المستقبلي مع إسرائيل، ويقدم له حزمة ضمانات سياسية وعسكرية واقتصادية، التي تمكن قيادة البلاد من مواجهة المقاومة المتوقعة من حزب الله وانصاره. مع ذلك، طالما ان الامر يتعلق بلبنان فان الامر يتطلب قدر معقول من الشك. لقد اظهر لبنان بالفعل تصميم سياسي على التعامل مع حزب الله باتخاذ القرارات “الصحيحة” وفقا لاملاءات أمريكا، لكن تطبيقها على ارض الواقع ما زال محدود. قد يكون الانتقال من الترتيبات الأمنية الى اتفاق سياسي شامل مهمة اصعب بكثير، اذا لم تكن مستحيلة.

------------------------------------------

 

إسرائيل اليوم  4/11/2025

 

 

على يهود امريكا وإسرائيل مراعاة “الشرخ الداخلي” في تحديد طريقهما

 

 

بقلم: زلمان شوفال

 

 نحو سبعة ملايين مواطن امريكي تظاهروا ضد الرئيس ترامب، عشرات الالاف في إسرائيل تظاهروا ضد الحكومة – لكن لا هؤلاء ولا أولئك نحو 2 في المئة الى هذا الحد أو ذاك، هم مقطع يمثل سكان بلادهم وهم لن يقرروا مستقبل الحكم وان كان في ذلك نوع من قراءة الاتجاه من ناحية الوضع الاجتماعي والسياسي الداخلي في الدولتين.  وبالفعل، في كلتيهما تبدو صدوع في أرضية الحوكمة وفي الوحدة القومية، من شأنها أن تتسع أكثر فأكثر في اعقاب الانتخابات في السنة القادمة – في الولايات المتحدة، للمجلسين، وفي إسرائيل للكنيست.

لا معنى أن ننشغل الان بالمستقبل السياسي في إسرائيل، حين لا يكون واضحا بالضبط من سيتنافس في الانتخابات. اما في الولايات المتحدة، بالمقابل، فان هوية القوى واللاعبين تتضح بوتيرة متسارعة واساسا يتضح المضمون. في الحزب الديمقراطي الذي تنقصه الزعامة يقف مرشحو الوسط مقابل مرشحين يسعون الى  تموضع حزبهم والولايات المتحدة كلها في اقصى اليسار المتطرف للخريطة السياسية والاجتماعية. هذا الصراع الداخلي يجد تعبيره في هذه اللحظة في جهد المعسكرين في الحزب لتقدير مرشحين عنهما في مناطق الانتخاب المختلفة. في اليسار المتطرف أقيمت هيئة مع ميزانية بمبلغ 50 مليون دولار اتخذت لنفسها هدف تجنيد مرشحين مناسبين، شبان بالأساس، كي تعظم تواجد اليسار المتطرف في الولايات المختلفة. من يقف على الرأس لا يخفون نيتهم في الا تكون الانتخابات في 2026 الا مقدمة لثورة بعيدة الأثر في المستقبل فيما ان التاريخ النهائي هو 2034.

من الجانب الاخر، شخصيات معروفة في الحزب الديمقراطي اقامت اطرا مختلفة كي تضمن فوز مرشحين يمثلون القيم الليبرالية التقليدية لحزبهم. احدى هذه المنظمات “ولكوم”، نشرت برنامجا سياسيا ينتقد الميل المتزايد الى اليسار في حزبهم وتعلق عليه الذنب في الهزائم في الانتخابات الأخيرة. اختبار ملموس في هذه المواجهة سيكون قريبا، في الانتخابات لمنصب حاكم فرجينيا والتي يترشح فيها المرشحة من الحزب الديمقراطي، أفيجيل سبنبيرغر التي اتخذت مسافة واسعة قدر الإمكان عن اليسار. المواضيع الخارجية لا تؤدي بشكل عام دورا هاما في هذه المواجهة الحزبية الداخلية باستثناء المسألة الإسرائيلية الفلسطينية التي استخدمها اليسار المتطرف المؤيد للفلسطينيين كوسيلة لجر أجزاء معتدلة اكثر في اليسار الديمقراطي لمواقفه، حتى قبل حرب غزة.

ان الانتخابات لرئاسة بلدية نيويورك فضلا عن الأهمية في المدينة نفسها، ذات مغزى لان المرشحين من الحزب الديمقراطي لوظائف مختلفة، وليس فقط في نيويورك، يرون في نتائجها مؤشرا. النتائج لن تعرف الا غدا، لكن اذا فاز زهران ممداني (ولشدة الخجل، بمساعدة بضع عشرات الاف “الاغبياء الاستخداميين” أيضا من أوساط الناخبين اليهود)، ستكون لذلك ارتدادات في أماكن أخرى. نيويورك لا تشبه باقي الولايات المتحدة بل العكس هي أحيانا النقيد التام عنها، لكن لا يمكن تجاهل إمكانية ان يكون تأييد الحزب الديمقراطية لمرشح لا سامي ولا اسرائيلي في مدينة ذات نسبة عالية جدا من اليهود يمكنه أن يفسر كتبني لاستراتيجية هدفها السيطرة على مراكز السياسة وعلى مراكز القوة الاقتصادية، الثقافية والإعلامية. على أي حال، ستشكل الانتخابات في نيويورك تحديا للطرفين في الحزب الديمقراطي: لليسار المتطرف، برئاسة السناتور بارني سندرس، عضو المجلس النيابي الكسندرا اكسيو كورتيز وممداني نفسه، ومعسكر الوسط التقليدي.

مكانة الرئيس ترامب في أوساط الجمهور الأمريكي، وان لم تكن في ذروتها متينة. يفقد ورقة، سواء في مواضيع داخلية أم خارجية، سواء كان له حظ ام كان محقا في اختيار خطواته. مع ذلك توجد إمكانية ان في انتخابات الوسط في 2026، سيفقد الجمهوريون اغلبيتهم الطفيفة في مجلس النواب وستكون لذلك تداعيات أيضا في سياسة الخارجية والامن، بما في ذلك في موضوع إسرائيل.

ان التأييد الجمهوري لإسرائيل في المجلسين وبخاصة في مجلس الشيوخ، مستقر وهو سيبقى كذلك طالما كانت سياسة الرئيس ترامب نفسه لا تتأثر سلبا بعناصر في معسكره ممن لا يميلون لإسرائيل ويرون في الخطوات التي يتخذها الرئيس في الشرق الأوسط خروجا عن الأيديولوجية الانعزالية – القومجية التي انتخب على أساسها.

مثلما في الحزب الديمقراطي، في الحزب الجمهوري أيضا توجد تيارات لاسامية متطرفة بما في ذلك في أوساط مستشاري الرئيس الايديولوجيين المقربين، وحسب السناتور كروز فانهم آخذون في الاتساع. وهذه حقيقة لا يجب تجاهلها عند النظر الى الصدوع المتسعة في الجمهور وفي السياسة الامريكية.

ثمة من يخشى من أن يكون من شأن الصدع في الولايات المتحدة أن يتدهور الى حد حرب أهلية، لكن حتى لو لم يحصل هذا، فان الشرخ الداخلي ونتائجه هي شأن يتعين سواء على يهود الولايات المتحدة ام على دولة إسرائيل أن تراعيه في تحديد طريقهما.

------------------------------------------

 

هآرتس 4/11/2025

 

 

زهران ممداني يعارض عنف المستوطنين، هذا أمر صادم

 

 

بقلم: يوعنا غونين

 

 إسرائيل، صورة الوضع: الحكومة تحطم سلطة القانون، مستوطنون مسلحون يحرقون القرى، الشرطة أصبحت مليشيا تلاحق معارضي النظام، الفساد ينتشر في كل الارجاء. ولكن اذا حكمنا على الأمور حسب وسائل الاعلام فان التهديد الأكبر على وجودنا، وعلى حضارة الغرب كلها، هو زهران ممداني، المرشح الديمقراطي الاشتراكي الذي يتوقع أن يتم انتخابه اليوم لرئاسة بلدية نيويورك. من كان يصدق ان “محور الشر” المشهور هو في الواقع خطوط مواصلات مجانية بين بروكلين وكوينس.

 في الاستوديوهات وفي الشبكات الاجتماعية دخلوا اول امس في حالة ذعر شامل في اعقاب دعاية انتخابية تحدث فيها ممداني باللغة العربية (لغة يحيى السنوار!). لا يهم ان المواضيع التي تطرق اليها كانت غلاء المعيشة والقطط اللطيفة. في برنامج “بلاد رائعة”، الذي منذ زمن فقد القدرة على الانتقاد وتحول الى بوجي هرتسوغ في البرامج الساخرة، تم عرض مشهد محرج، يصور فيه ممداني على أنه مؤيد للارهاب ويتملق اليهود، وصدر عنه قول “أنا أحب حماس”، بدلا من قول “أنا أحب الحمص”.

 عندما عبر براك أوباما في هذا الأسبوع عن دعمه لممداني في كل برامج الواقع في القناة 12 – ليس في قناة يانون ميغل – بدأوا في التعامل مع الرئيس السابق كـ “براك حسين أوباما”، مع التأكيد على حسين.

 ممداني يتم عرضه مثل كاريكاتير شخص لاسامي، لانه مسلم عبر عن معارضته الشديدة للاحتلال واعتبر ما يحدث في قطاع غزة “حرب إبادة جماعية”. “أنا ساكون رئيس بلدية، ليس فقط يدافع عن سكان نيويورك اليهود، بل أيضا ساحتفل معهم واقدرهم”. وقد اعلن قبل أسبوعين، وتعهد بزيادة 80 في المئة الميزانية لمنع جرائم الكراهية. ولكن من يهمه ذلك عندما يوجد فيلم من تموز 2023، الذي دعا فيه الى وقف تمويل “عنف المستوطنين”. هذا صادم!. لانه في نهاية المطاف أن تحب إسرائيل يعني ان تحب المذابح الأسبوعية لفتيان التلال الذين يدمرونها من الداخل. ليس هذا فقط، بل هم يهددوننا، هو أيضا قال بانه سيامر باعتقال بنيامين نتنياهو اذا هبط في نيويورك. واذا حدث ذلك فهل هو امر سيء؟ هذا هو الحلم الجديد لمعظم الجمهور في إسرائيل. بعد ذلك كيف يقولون في الوسط السياسي: تعالوا لنركز على ما يوحدنا وليس على ما يفرقنا.

 الأيام ستخبرنا اذا كان ممداني سيكون رئيس بلدية ناجح. المؤكد هو انه ادار احدى الحملات التي هي اكثر اثارة للامل، التي شوهدت في المدينة منذ زمن بعيد. “أبناء نيويورك يعرفون بالضبط ماذا اقترح”، شرح في”نيويورك تايمز” حماسته. “الناس يوقفوني في الشارع ويصرخون، حافلات بالمجان. أو تجميد أسعار الشقق، وهذا يعني اننا نقوم ببناء حركة حول سياسة، وليس حول شخص”. سيكون من اللطيف لو انهم في إسرائيل يتعلمون منه كيف يركزون على البرنامج السياسي بدلا من التركيز على الشخص – الميل الذي تحول الى مرض خبيث لسياستنا.

 في الأصل لا يبدو ان بلادنا الصغيرة ستكون على راس اهتماماته. مع كل الاحترام لتاريخ الإسرائيليين المقتنعين بان العالم يدور حولهم – ممداني يهتم اكثر بأطفال الرياض في منهاتن اكثر من اهتمامه بالأطفال الذين يتربون في الكنيست.

 في كل الحالات، هذا بالتحديد ممتاز لإسرائيل، حيث ان العالم سيتوقف عن تجاهل سلوكها المتوحش ويبدأ بمطالبتها بتحمل مسؤولية افعالها. فقط الضغط الدولي على الحكومة نجح في ان يؤدي الى إعادة المخطوفين وانهاء الحرب. وفقط هذا الضغط يمكن ان ينقذنا من الهاوية التي تدفعنا نحوها.

 زهران ممداني غير خطير على إسرائيل، بل هو خطير على الكذب الذي تكذبه إسرائيل على نفسها. الحقيقة هي انه بدون حرية وامن للجميع لن تكون حياة جيدة لأي طرف. فقط المزيد من الموت، والمزيد من الخراب، والمزيد من الأجيال الجديدة التي تخوفنا من تهديدات مزعومة، من اجل أن لا نضطر الى مواجهة الواقع.

------------------------------------------

 

إسرائيل اليوم 4/11/2025

 

 

عودة عصر الخوف اليهودي

 

 

بقلم: أبراهام بن تسفي

 

أهمية الانتخابات لرئاسة بلدية نيويورك التي ستجرى اليوم، تخرج كثيرا عن المجال والسياق المحلي.

عمليا، هذه الانتخابات هي تعبير للهزات التي تعصف بالمجتمع الأمريكي، على الجالية اليهودية الكبيرة التي فيه. فالفوز المحتمل للمرشح الديمقراطي زهران ممداني وان كان بفارق صغير، سيكون هزة أرضية في تاريخ يهود الولايات المتحدة – ومن شأنه أن يعيدها الى فترات مظلمة ومتحدية. وللمفارقة، فان قسما كبيرا من المقترعين اليهود – واساسا لابناء الجيل الشاب – كفيلون بان يساهموا في هذا التغيير، اذا ما نجح ممداني في الحفاظ على التفوق الذي ابقى عليه في اثناء حملة الانتخابات حيال خصمه الأساس، الحاكم السابق آندرو كومو.

لكن فضلا عن الخطر الفوري، فان دخول مؤيد BDS متحمس لمنصب رئيس البلدية، الذي تعهد باعتقال نتنياهو لدى وصوله الى نيويورك ويعارض وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية – يمثل تحديا لا يقل خطورة. يحاول ممداني خلق فصل مصطنع وبلا أساس بين عدائه العلني للصهيونية وبين اللاسامية، التي يعلن انه يتحفظ عليها. ان مجرد صعوده الى مركز المنصة يضع امام الجالية اليهودية، وليس فقط في نيويورك، تحديا عميقا في مستوى الهوية اليهودية – الامريكية.

 

 جالية على الدرب الذهبي

 

على مدى معظم القرن العشرين بحث يهود الولايات المتحدة عن الدرب الذهبي بين الولاء لارث ومؤسسات المجتمع الأمريكي الذي استوعبهم، وبين صلتهم للصهيونية وتماثلهم مع أبناء شعبهم – سواء كان هؤلاء إخوانهم الذين عادوا الى وطنهم أم أولئك اقرباؤهم الذين علقوا في براثن الطاغية النازي في أوروبا – خشية أن يتهموا بالولاء المزدوج.

هكذا امتنع معظم زعماء الجالية اليهودية عن الضغط على روزفيلت ليطلق صوتا واضحا ضد فظائع المحرقة خشية أن يعد الامر كـ “مبادرة فئوية” تغطي على المصلحة الامريكية الكبرى في الحاق الهزيمة بألمانيا النازية.

في العقد الأول لوجود دولة إسرائيل أيضا خاف زعماء الجالية على مكانتهم، فيما كانوا مضطرين للتصدي لموجة لاسامية متجددة كانت ذروتها لجنة مكارثي التي كان معظم ضحاياها يهود.

ولم تأتي الانعطافة الا في الستينيات: فقد باتت إسرائيل في نظر البيت الأبيض شريكا استراتيجيا، والتنافر في الهوية اليهودية الامريكية آخذ بالتبدد. خرجت الجالية من الظلال وسمحت لنفسها بان تؤيد علنا وعلى الملأ دولة إسرائيل، دون أن تخشى من أن تتهم بـ “اللا أمريكية”.

واليوم، المسائل الحساسة للهوية والصلة، والتي بدا انها تبددت، فتحت من جديد وفرمت بيد فظة. في هذا يكمن المعنى العميق لظاهرة ممداني. في الماضي اضطر سياسيون نقديون لإسرائيل لان يثبتوا بالثناء بانهم ليسوا معادين لها. اما اليوم فالصورة مغايرة تماما. امام جالية يهودية ممزقة ونقدية اكثر تجاه إسرائيل، وامام ضعف دراماتيكي للمنظمات التي تعمل من أجلها، نضجت الظروف لممداني. هو يتحدى مجرد جوهر الصهيونية، يعرفها كغير شرعية ويخرج علنا قسما هاما من يهود نيويورك – ممن الصهيونية هي جزء لا يتجزأ من هويتهم – الى خارج المعسكر.

 

 يتنكرون لارثهم الثقافي والقيمي

 

المفارقة الحزينة تكمن في أنه رغم ذلك توجد استطلاعات تتوقع ان يحظى بتأييد لا بأس به في أوساط اليهود الذين يؤيدون “مذهبه” الاجتماعي الديماغوجي والشعبوي، وينجرون وراء الراديكالية السائدة التي يمثلها – في ظل تنكرهم لارثهم الثقافي والقيمي.

الأيام وحدها ستقول اذا كانت هذه موجة عكرة لكن عابرة، أم لعله امامنا تسونامي حقيقي، يحتاج الى شد المنظومات وإعادة التفكير، سواء من جانب زعماء الجالية في نيويورك وفي المجال الأمريكي كله، ام من جانب دولة إسرائيل وقادتها. النتيجة من شأنها أن تكون محملة بالمصير: عودة عصر الخوف اليهودي وانعدام الأمان في الولايات المتحدة.

------------------------------------------

 

معاريف 4/11/2025

 

 

اختبار زمير، توسيع النقاش كيف وصلنا الى التفكك القيمي في الدولة؟

 

 

بقلم: افي اشكنازي

 

يوم الذكرى الوطني لرئيس الوزراء الراحل اسحق رابين الذي اغتيل قبل 30 سنة تم احياؤه أمس. رابين، وكثيرون من القيادة القومية من اليمين ومن اليسار أبناء جيلهم، ينقصون جدا المجتمع الإسرائيلي. أمس رأينا بحقن مكثفة كيف تدهورت دولة إسرائيل على مستوى الاخلاق، طهارة المقاييس، النزعة الرسمية، وعلى ما يبدو أيضا بحرفية ومهنية متبوئي مناصب عامة في كل منظومات المؤسسة: العسكرية، القضائية والحكم المركزي والمحلي.

اسحق وليئا رابين تورطا عندما “نسيا” اغلاق حساب البنك الدولاري مع رصيد من الفي دولار. حصل لهما هذا بعد أربع سنوات من الخدمة الدبلوماسية في واشنطن. رابين، الذي في هذه الاثناء اصبح رئيس وزراء، لم يحاول طمس الحقائق، تشويش التحقيق، لم يترك زوجته لمصيرها. وقف مرفوع الرأس، اخذ المسؤولية واعلن على الفور بانه سيكون مستعدا لسلطة التحقيق بقدر ما يتطلب الامر. بلا الاعيب وبلا أحابيل. لكن حقا.

رابين هو جزء من جيل 1948. اليوم لم يعد رجال كثيرون من أبناء جيله، رجال مثل هذا الرجل. اليوم يوجد لنا “زعماء” مثل ماي غولان، تالي غوتليف، ارنون بار – دافيد وعيديد سيلمان الذين جعلوا على ما يبدو من القانون توصية وسلطات القانون منظومة يمكن تحديها واللعب معها في ألعاب محفوظة بشكل عام لجهات مشكوك فيها.

وفوق كل شيء تبرز القصة الأليمة للمدعية العسكرية العامة. العفن الذي صدر من هناك ينبغي أن يقلق كل مواطنة ومواطن. فسلوك المدعية العسكرية العامة السابقة اللواء يفعات تومر – يروشالمي وضباط كبار في مؤسسة الادعاء بما فيهم المدعي العسكري الرئيس هو سلوك معيب. لكن هنا ينبغي توسيع النقاش الى المسألة المركزية – كيف وصلنا الى التفكك القيمي في الدولة؟ كيف اصبحنا دولتين، مع منظومتي قانون، مع منظومتي معيار، “لهم ولنا”؟

رجل الشباك ومسؤولون كبار في مكتب رئيس الوزراء سربوا حسب الاشتباه معلومات سرية من الشباك وصلت الى صحيفة المانية. بعضهم مشبوه أيضا بارتباطات اقتصادية محظورة مع قطر. لكن عندها ادعت نصف دولة بان هذه فرية. بل وكانت وزيرة افترت على مواطنة وارسلتها الى اعتقال طويل وكادت “تنهي لها حياتها”. غير أن المحكمة قضت بان الوزيرة كذبت وخدعت الشرطة والمحكمة.

وكانت لنا وزيرة شوشت تحقيق الشرطة فيما هي تقتحم منشأة شرطية وتنتزع أمها من غرف التحقيق برعاية حصانتها البرلمانية.

نعم، هؤلاء هم بالضبط منتخبو نصف الدولة إياها ممن يدعون الان بحماسة بان تسريب شريط التنكيل المزعوم في سديه تيمان عرض أمن الدولة للخطر ومس بمقاتلي الجيش الإسرائيلي. وأن أفعال تشويش التحقيق ونقل معلومات كاذبة الى المحكمة هي مثابة خيانة للدولة وينبغي استنفاد القانون معها بكل شدة.

المشكلة هي ان الخطاب يجري في ميدان المدينة وليس في مؤسسات المملكة. ليس في قصر العدالة والقضاء. يبدو أنه مريح لاحد ما ان تكون مثل هذه الفوضى، وضع كل شيء فيه مباح. ان تتم التحقيقات وفقا لمبدأ من أي طرف من الدولة أنت. مع أي معسكر سياسي تتماثل.

 من حظنا أنه توجد لهذه الدولة هستدروت، أثبتت امس بانها جهة توحدنا جميعنا هنا – على الأقل في كل ما يتعلق بالفساد العام. فالمشبوهون في قضية “يد تغسل يدا”، التي كشفت الشرطة النقاب عنها أمس، تتجاوز تقريبا كل دولتي إسرائيل – شركات خاصة، سلطات محلية، ال عال، قطار إسرائيل، الصندوق القومي لإسرائيل، الجامعة العبرية، وزارات حكومية وغيرها وغيرها.

واضح في هذه اللحظة انه لا توجد هنا قيادة قيمية حقيقية. فقبل أسبوع فقط حاول وزير الثقافة والرياضة ميكي زوهر ترتيب وظيفة الاحلام ليئير نتنياهو، وكل هذا الخير فقط بسبب حقيقة أنه الابن المختار، ابن الزعيم الأعلى.

وعليه، فانه حين لا تكون هناك قيادة ولا تكون طريق، من المتوقع ان يعود الجيش الإسرائيلي لان يكون المتصدر للإصلاح. وبالذات في اسفل درك نعيشه هذه هي الفرصة للإصلاح والبناء من جديد.  هنا من المتوقع لرئيس الأركان الفريق ايال زمير أن يظهر الزعامة والنزعة الرسمية.

متوقع منه أن يستغل الازمة في الادعاء العسكري كي يؤشر الى العودة الى القيم التي ضاعت في اعلى الطريق – من قول الحقيقة من كل لابس بزة ومتبوء وظيفة عامة وحتى المساواة الكاملة امام القانون الى جانب قيم أساسية للمجتمع يعمل في دولة سيادية.

 ------------------------------------------

هآرتس 4/11/2025

 

في اغتيال رابين… هكذا انتزع القاتل منصب “رئيس وزراء إسرائيل”

 

 

بقلم: نحاميا شترسلر

 

اليوم، مع مرور 30 سنة على عملية اغتيال إسحق رابين، ثمة شعور سيئ ومؤلم سائد اليوم. يصعب تقبل حقيقة أن شخصاً حقيراً (لا أذكر اسمه هنا عمداً) نجح في اغتيال القائد الشجاع، المحارب الذي أصبح رجل سلام، والذي قاد عملية جريئة لتغيير وجه الدولة.

يصعب قبول الواقع البائس؛ لا جزاء ولا عقاب اليوم في عالمنا: رجل صالح استقبل بالشر، وشرير لاقى الخير. هؤلاء الذين حرضوا وشتموا وأججوا النفوس ومهدوا الطريق للقتل، لم يدفعوا ثمناً باهظاً فحسب، بل استفادوا أيضاً. ها هو نتنياهو، المحرض الرئيسي ضد رابين، أصبح رئيس الحكومة فور وقوع الجريمة، وها هو بن غفير اليوم وزيراً كبيراً في حكومته، سموتريتش وزيراً للمالية ووزيراً في وزارة الدفاع. كان النبي إيليا انتقاداً للملك احاف: “أقتلت وورثت؟”.

منذ عملية القتل، يحاول رجال اليمين، ومن يرتدون القبعات المنسوجة ورؤساء المستوطنين، إزاحة هذه الوصمة عن أنفسهم. لقد اعتبروا القاتل “عشبة ضارة”، رغم أنه جاء من صميم قلب اليمين المتدين – هو طالب حقوق في جامعة بار ايلان، وكان يقضي أيام السبت في الخليل. بعد عملية الاغتيال، قال بشكل صريح: “لولا قانون الملاحقة وقانون الأخلاق الذي أصدره الحاخامات ضد رابين، ما كنت سأصبح قاتلاً”.

قبل شهر على عملية القتل، عرض بن غفير شارة انتزعها عن سيارة رابين، وقال إن بإمكانهم الوصول إلى رابين مثلما وصلوا إلى هذه الشارة. وبالفعل، وصلوا. وزعم سموتريتش الذي شارك في تلك المظاهرة في ميدان صهيون، بأن الملصق الذي ظهر فيه رابين وهو يرتدي زي الـ “اس.اس”، هو من صنع عميل “الشاباك” افيشاي رفيف. وقال نتنياهو ذلك أيضاً، لكنهما كانا كاذبين. الملصق صنعه فتى في مدرسة دينية في القدس، الذي ألصق وجه رابين على صورة هاينرخ هملر، وأخذ خمس نسخ منها إلى الميدان.

خلال المظاهرة، سمعت صراخ الجمهور: “الموت لرابين”، “رابين قاتل”، “رابين خائن”، “بالدم والنار سنطرد رابين”. ولكن نتنياهو لم يتوقف ولم ينزل عن الشرفة. أما دافيد ليفي وبني بيغن ودان مريدور فقد نزلوا بالفعل. قبل ذلك ببضعة أشهر، سار في مفترق “رعنانا” على رأس مسيرة حمل فيها المشاركون تابوتاً أسود كتب عليه “رابين يقتل الصهيونية”، ورفعوا حبال مشانق.

الثمن الذي ندفعه مقابل قتل رابين، باهظ. تاريخنا كله سيكون مختلفاً لو نجح “الشاباك” في منع عملية القتل. كان رابين سيفوز في الانتخابات على نتنياهو، لأن الجمهور كان يحبه (خلافاً لشمعون بيرس). بعد الفوز، كان سيواصل وينتقل إلى المرحلة التالية في اتفاق أوسلو: اتفاق على الحدود الدائمة بين إسرائيل والكيان الفلسطيني، وحل مشكلة القدس وتسوية مشكلة اللاجئين. هكذا كنا سنعيش اليوم في واقع مختلف كلياً – سلام واستقرار وازدهار. نتنياهو وبن غفير وسموتريتش، كانوا سيبقون ملاحظة هامشية في صفحات التاريخ. كان رابين سيورث معايير سلوك مختلفة عن معايير نتنياهو. كان إنساناً مستقيماً، متواضعاً وخجولاً، كانت قيم الديمقراطية ماثلة أمام عينيه. خلافاً لنتنياهو، دائماً يتحمل المسؤولية. لقد استقال من منصب رئيس الحكومة عقب حساب الدولارات في الولايات المتحدة، الذي كان مسجلاً باسم زوجته فقط. وقد تحمل المسؤولية عن العملية الفاشلة لإنقاذ نحشون فاكسمان رغم أن الفشل كان لدورية هيئة الأركان.

لقد كان رجل أمن تعود على التحقيق مع قادة الجيش بشأن حجم القوات في كل قطاع، ويفحص إذا كانت كافية في حالة حدوث مفاجأة، عمليات وهي لم يقم بها نتنياهو ذات يوم. لذلك، فإن فشلاً ذريعاً مثل الذي حدث في 7 أكتوبر لم يكن ليحدث في عهده. ولو حدث، لم يكن رابين ليتوسل إلى أحد، بل كان سيقدم استقالته على الفور.

لذلك، نتحدث عن يوم حزين. يوم ذكرى لزعيم شجاع، قاد عملية جريئة، التي قتل بسببها. وبقتله، قتل السلام والديمقراطية.

------------------------------------------

 

هآرتس 4/11/2025

 

 

لن يشمل اليهود: عنصرية انتقائية بقانون إعدام الأسرى.. يمتد إلى الضفة الغربية ميدانياً

 

 

بقلم: أسرة التحرير

 

وافقت لجنة الأمن القومي في الكنيست على مشروع قانون “عقوبة الإعدام للإرهابيين” الذي قدمته النائبة ليمور سون هار-ميلخ، للقراءة الأولى. ومن المرجح أن يُطرح مشروع القانون للقراءة الأولى في الجلسة العامة يوم الأربعاء، رغم غياب أي نقاش جدي تقريبًا حول تداعياته. هذا قانون يُهين الكنيست ودولة إسرائيل.

عقوبة الإعدام بحد ذاتها خطأ، وقد أُلغيت في معظم الدول الديمقراطية الغربية (باستثناء ملحوظ لبعض الولايات في الولايات المتحدة). أُلغيت لأسباب عديدة، أبرزها أن الدراسات لم تُثبت مساهمتها في الردع إطلاقًا، لا سيما فيما يتعلق بالإرهابيين الذين يُخاطرون بحياتهم بشكل كبير.

ومن الأسباب المهمة الأخرى أنه في حال وقوع خطأ (ولا يوجد نظام معصوم من الخطأ)، لا يُمكن تصحيحه، ولكن السبب الرئيسي وراء إلغائه هو الاستخفاف بقيمة الحياة. إن الضرر الذي يلحق بمجتمع يُعدم المجرمين، مهما كانت جرائمهم شنيعة، لا يُحصى.

وكأن هذا ليس كافيًا، فإن الاقتراح المقترح أخطر بكثير، إذ يسعى إلى فرض عقوبة الإعدام كعقوبة إلزامية. هذا يعني أن المحكمة لا تملك سلطة تقديرية في إصدار الأحكام، وهو أمر غير موجود في أي دولة غربية، ولا حتى في الولايات المتحدة، ولا حتى في قانون مقاضاة النازيين في إسرائيل.

فضلاً عن ذلك، سيتم فرض العقوبة في الحالات التي ارتُكبت فيها الجريمة بدافع العنصرية أو العداء تجاه الجمهور، وبهدف “الإضرار بدولة إسرائيل وبعث الشعب اليهودي في أرضه”. لذا، لا تسعى إسرائيل إلى تطبيق عقوبة الإعدام على “الإرهابيين”، بل على العرب، لأن الإرهابيين اليهود لا يقصدون “المساس بدولة إسرائيل وبعث الشعب اليهودي على أرضها”.

سيُشكل هذا القانون وصمة عار أخلاقية لن تُمحى، وسيُشوه سمعة إسرائيل في العالم. ستُشكل عقوبة الإعدام القائمة على العنصرية أساسًا متينًا للادعاء بأن إسرائيل تُطبق تشريعات عنصرية انتقائية. ويهدف المقترح أيضًا إلى تسهيل تطبيق عقوبة الإعدام في الضفة الغربية، وجعلها عقوبةً لا مجال للتخفيف منها، وهو عملٌ يتعارض مع القانون الدولي، بدءًا من الأراضي المحتلة.

بالطبع، لقد ألحقت أهوال 7 أكتوبر الضرر بروح المجتمع الإسرائيلي. ومع ذلك، يجب على المجتمع الديمقراطي الذي يتطلع إلى الحياة أن يقاوم هذه المحاولة، وأن يبذل قصارى جهده للحفاظ على قيمه الأساسية: الكرامة الإنسانية، والمساواة، والعدالة.

سيُشكّل هذا القانون مكافأةً للإرهاب، إذ سيُمثّل تقويضًا للتفوق الأخلاقي الذي تتمتّع به الدولة التي تُحارب الإرهاب على أعدائها. ويجب مُعارضته بكلّ الوسائل.

------------------------------------------

 

 

 

 

 

إسرائيل اليوم 4/11/2025

 

 

الخطر الحقيقي في قضية المدعية العامة العسكرية

 

 

بقلم: يوآف ليمور

 

كان رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، الجنرال إيال زامير، منشغلاً في نهاية الأسبوع أيضاً بقضايا أُخرى، وفي مقدمتها قضية المدعية العسكرية العامة التي تهزّ الجيش.

فزامير، مثل سلفه، يعتبر ما حدث إهانة شخصية: العميدة يفعات تومر يروشالمي كذبت عليه، تماماً مثلما كذبت على المحكمة العليا.

تُعدّ هذه القضية من أخطر القضايا التي عرفتها المنظومة الأمنية في العقود الأخيرة، وجوهرها لا يكمن في تسريب المواد المتعلقة بحادثة التعذيب التي يُزعَم أنها ارتُكبَت بحق أسير من "حماس" في قاعدة "سديه تيمان"، فالتسريبات كانت وستظل موجودة، بل إن بعضها أخطر وأكثر تهديداً لأمن الدولة من هذه القضية، ولم يحظَ بأي قدر من الصدى الذي تحظى به القضية الحالية.

لقد أحسنت المدعية العسكرية صنعاً حين استقالت، فالمسألة لا تتعلق فقط بالتسريب والإضرار بجنود الجيش في ظل الضجة العالمية التي أثارتها القضية، بل تتعلق أيضاً بالمسّ بالمؤسسة التي تعمل تحت سلطتها وفوقها، وفي الأساس، بسيادة القانون.

ففي رسالتها الطويلة المفعمة بالاعتذارات، زعمت أنها أرادت حماية المؤسسة والقانون، لكنها تسببت بأذى بالغ لكليهما. وسلوكها هذا يشبه، إلى حد كبير، ما فعله كبار ضباط جهاز الأمن العام ["الشاباك"] في قضية "الخط 300"، حين تحوّل حرصهم على أمن الدولة إلى فضيحة تكتّم وأكاذيب، تماماً مثلما حدث الآن.

سيحتاج جهاز الادعاء العسكري العام إلى هزة عميقة بعد هذه القضية.

ولن تذهب تومر يروشالمي وحدها، بل من المرجح أن يُقال أيضاً ضباط كبار آخرون تورطوا في القضية بشكل مباشر، أو غير مباشر.

فهناك محامون عسكريون أكفاء يمكنهم استبدالهم وإعادة بناء الجهاز، مثل العميد دورون بن باراك، الذي شغل سابقاً منصب نائب المدعي العام العسكري، ثم الرقيب العام على الرقابة العسكرية، وفي الأعوام الأخيرة، تولى منصباً رفيعاً في جهاز أمني آخر.

إن مهمة الادعاء العسكري هي تمكين الجيش من أداء مهماته وحماية جنوده. وخلال نهاية الأسبوع، طُرحت مزاعم، مفادها أن تومر يروشالمي عملت على تعطيل بعض العمليات عمداً، لكن هذه المزاعم هراء كاذب ومُغرض.

لقد رفعت إنذاراً في الحالات التي خشيت فيها من تورُّط القادة والمقاتلين، كي لا يجدوا أنفسهم متهمين بارتكاب جرائم حرب. كانت تلك وظيفتها، وهي وظيفة الادعاء العسكري عموماً، ليس أن يكون فرقة تشجيع، بل حارس البوابة القانونية.

ومثلما كان متوقعاً، سارع فريق المنافقين إلى الهجوم على المدعية العسكرية، وعلى رأسهم وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس. فالرجل الذي لم ينبس ببنت شفة حتى الآن بشأن تسريب أخطر كثيراً إلى صحيفة "بيلد" الألمانية، تضمّن تسريب مادة سرية عرّضت مصدراً استخباراتياً للخطر، ومن المرجح أنها أدّت إلى إفشال صفقة تبادُل أسرى، كان ثمنها حياة عدد من الرهائن، سارع إلى إعلان نيته سحب رتب المدعية العسكرية.

لو أبدى كاتس الشجاعة ذاتها في مواجهة ما يحدث داخل مكتب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أو في التعامل مع زملائه في الحكومة والكنيست، والمشتبه في ضلوعهم في مخالفات جنائية خطِرة، لكفانا ذلك. لكنه لا يتجرأ إلّا على مَن هم دونه في المنصب: فعندما يُطلب منه حقاً حماية الأمن، أو القانون، يختفي ويصمت، ويداه ترتجفان حتى أمام مهمة بديهية، مثل دعم الادعاء العام في مساعيه لمحاكمة النائبة تالي غوتليف، التي خالفت القانون حين نشرت اسم مسؤول كبير في "الشاباك".

يجب أيضاً التذكير بأن هذه القضية لا تبدأ ولا تنتهي عند التسريب وجهود الإخفاء والتغطية التي تلته، والتي ستتحول الآن إلى تحقيق جنائي، وربما إلى لائحة اتهام ضد المدعية العسكرية.

فهذه هي "الطبخة" التي سبقتها "بيضة" على شكل قضية تعذيب خطِرة يخضع المسؤولون عنها للمحاكمة حالياً.

وإذا كانت إسرائيل تريد إعداد دولة تحترم القانون فعلاً، فلا يمكنها التعامل مع أعدائها بوحشية، فهذا هو الفارق بينها وبينهم.

من المرجح أن تُستغل هذه القضية لمواصلة الهجوم على سيادة القانون، وخصوصاً على المحكمة العليا والمستشارة القانونية للحكومة.

لقد طالب بعضهم فعلاً في نهاية الأسبوع بإبعادها عن التحقيق في القضية، على الرغم من أنها هي مَن أمرت الشرطة بفتح التحقيق، بعد أن بلّغها زامير الأمر.

لكن هذه التفاصيل لا تهمّ كثيراً أولئك المنخرطين في الحملة المستمرة ضد المنظومة القضائية، فبالنسبة إليهم، تمثل القضية الحالية فرصة أُخرى لدفع "الثورة" قدماً، إذ يشمل جدولهم، هذا الأسبوع، أيضاً إضعاف الديمقراطية من خلال تشريع يقيّد وسائل الإعلام.

------------------------------------------

 

 

 

يديعوت أحرونوت 4/11/2025

 

 

قانون واحد للجميع.. ورحمة إنسانية للجميع

 

 

بقلم: آري شفيت

 

قلبي يتألم على يفعات تومر- يروشالمي. في غضون أيام قليلة، دمر عالمها وأصبحت عدوا للشعب. جردت البطلة من حريتها، وقد تجرد قريبًا من رتبها. تسببت الأخطاء التي ارتكبتها بحسن نية، في سلسلة من الأحداث المذهلة التي أدت إلى مأساة.

يؤلمني قلبي أيضًا على آري روزنفيلد. في يوم مشرق، دُمّر عالمه وأصبح عدوًا للدولة. في الخامسة صباحًا، داهمت شرطة مسلحة وملثمة منزل ضابط المخابرات الشاب، وأرعبت عائلته، وأخفته في قبو الشاباك. جرد المعارض من كرامته وحريته، وخضع للاستجواب لأشهر، كما لو كان خائنًا أو جاسوسًا خطيرًا. تسببت الأخطاء التي ارتكبها بحسن نية في سلسلة من الأحداث المذهلة التي أدت إلى مأساة.

هناك اختلافات جوهرية بين تومر- يروشالمي وروزنفيلد، ولكن هناك أيضًا أوجه تشابه بينهما. كلاهما سرّب معلوماتٍ غير قانونية، اعتقادًا منه أن هذه هي الطريقة الوحيدة لمحاربة قوى الظلام التي تُهدد دولة إسرائيل. كلاهما يعتقد أن الهدف المقدس يُبرر الوسائل غير المشروعة، وأن النضال العادل يمنحهما الحق في انتزاع العدالة.

بعد اختفاء البطلة تومر- يروشالمي على الشاطئ، طُلب منا جميعًا إظهار التعاطف، وإخماد النيران، وعدم الرقص على الدماء. وهذا صحيح. لا شيء أبشع من الإعدام خارج نطاق القانون. لا يوجد مشهد أفظع من مشهد حشدٍ مدفوعٍ بالكراهية، وهو يُحرق ضحية في ساحة المدينة. ولمنع هذا الرعب تحديدًا، لدينا قانونٌ ومحاكمةٌ عادلةٌ وحقٌ في البراءة. ولكن كما يُفترض أن يكون القانون متساويًا، يُفترض أن يكون التعاطف متساويًا أيضًا. من يطلب منا إظهار التعاطف الإنساني تجاه المدعية العسكرية العامة كان عليه أن يُظهر التعاطف الإنساني تجاه الخصم. من يطلب منا عدم اضطهاد غالي بهرب-ميارا، لا يمكنه اضطهاد بنيامين نتنياهو. القانون هو القانون، والرحمة هي الرحمة، وهما ينطبقان على الجميع.

في هذا الصدد، على الليبراليين الإسرائيليين إعادة النظر في حساباتهم. لعقود، لم يُظهروا تعاطفًا كافيًا تجاه الطرف الآخر. ولفترة طويلة، استخدموا سلطة النظام القانوني بوحشية لتدمير المعارضين.

ترسل القناة 14 نفس نيران قاذف اللهب إلى اليسار التي أرسلتها القنوات اليسارية إلى اليمين لسنوات. تتلقى شيكما براسلر وعائلتها الجحيم نفسه الذي تلقاه يولي إدلشتاين وعائلته. نحن ندخل حقبة خطيرة من الانتقام والثأر. الغضب الذي خزنه اليمين المضطهد لأجيال ينفجر من داخله دفعة واحدة، بقوة وخطورة. النهج الجديد للحكومة وأنصارها هو نهج ثوري لـ"عالم قديم تُهدم أسسه". لقد حان وقتنا. الآن سنفعل بكم ما فعلتموه بنا.

ليس هذا هو الطريق. يجب أن نتوقف. من جهة، الليبراليون هم من يجب عليهم الاعتراف بأخطاء الماضي، وتطهير النظام القضائي من الفساد، وإنصاف الإعلام. يجب التحقيق في قضية المدعية العسكرية بهدوء ودون روع أو تحيز. لكن من جهة أخرى، يجب على اليمينيين ضبط أنفسهم والتحكم في عواطفهم. يجب ألا يستغلوا المأساة لمهاجمة مؤسسات الديمقراطية الليبرالية الإسرائيلية بالـ D9. لقد حان الوقت للعودة من الحماسة إلى الموضوعية، ومن القسوة إلى النزاهة، ومن الجنون إلى العقلانية. من الآن فصاعدًا: قانون واحد للجميع، ورحمة إنسانية للجميع - وأرضية واحدة.

-----------------انتهت النشرة-----------------

disqus comments here