الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الثلاثاء 25/11/2025 العدد 1469

الصحافة الاسرائيل- الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

 

معهد بحوث الأمن القومي (INSS) 25/11/2025

 

 

 

يجب بناء الجيش الاسرائيلي للحرب القادمة وليس للحرب السابقة

 

 

 

بقلم: عيزر غات

 

إن الصدمة العميقة التي خلفتها حرب السابع من أكتوبر، وما نتج عنها من وفرة في الميزانيات المتاحة للمؤسسة الدفاعية، قد تدفع الجيش الاسرائيلي إلى الاستثمار في سلسلة طويلة من برامج بناء القوات والتجهيز دون تحديد واضح للأولويات. ينبغي أن يُبنى هذا التحديد من الأعلى، في تخطيط هيئة الأركان العامة، بناءً على الخطوط العريضة للتهديدات المتوقعة للحرب القادمة، في حال وقوعها. يجب تحديد الصعوبات والثغرات الرئيسية في قدرات الجيش الاسرائيلي، وتوجيه استثمارات بناء القوات نحوها. وهذا ما يحدث عمليًا إلى حد كبير. ومع ذلك، هناك قلق من أن جزءًا كبيرًا من جهود بناء القوات والاستثمارات فيها سيُوزّع على جبهات القتال بشكل تدريجي – جزئيًا على أطر ووسائل قتالية كانت أكثر ملاءمة للحرب السابقة منها للحرب القادمة. ليس من المرجح أن يكون هذا الاستثمار دون المستوى الأمثل من حيث مخرجات الأمن فحسب، بل من المرجح أيضًا أن يزيد ميزانية الأمن بما يتجاوز اللازم، ويضر بالنفقات المدنية المهمة وبالقوة الاقتصادية لإسرائيل. والأهم من ذلك كله، يجب ألا نستعد للحرب السابقة.

لم يعد حزب الله موجودًا كجيش إرهابي قوي على الحدود الشمالية لإسرائيل، قادرًا على غزو سريع لأراضيها والتهديد بغزو الجليل. هذا لا يعني أن حزب الله لم يعد يُشكل تهديدًا. الآمال في نزع سلاح المنظمة ضئيلة. في الواقع، يبذل حزب الله جهودًا حثيثة لإعادة تأهيل نفسه، ومن المتوقع بالتأكيد اندلاع معارك ضده. مع ذلك، أصبح حزب الله اليوم أضعف بكثير مما كان عليه، بعد أن خسر جبهته الداخلية في سوريا، ولن تسمح له إسرائيل – لا سيما من خلال سلاح الجو والقوات الخاصة – بالعودة بقوة إلى جنوب لبنان.

أما بالنسبة لقطاع غزة، فلا يزال من السابق لأوانه التنبؤ بتطورات الوضع هناك بعد التوقف الحالي في الحرب الشرسة ضد حماس. فقد دُمرت الهياكل القتالية الرئيسية للمنظمة، وبنيتها التحتية لإنتاج الصواريخ، ومركز قيادتها خلال الحرب. ومع ذلك، من الصعب تصديق أن حماس ستوافق على نزع سلاحها أو أن تُنزع من قِبل قوات دولية، وفقًا لخطة ترامب. على العكس من ذلك، تُعزز حماس سيطرتها على القطاع وتُجنّد مقاتلين جدد. لذلك، قد يشتعل القتال ضد حماس مجددًا، وربما يؤدي إلى هجوم من قِبل الجيش الاسرائيلي لاحتلال ما تبقى من أراضي تحت سيطرة الحركة في قطاع غزة خلف الخط الأصفر، بعد أن تحرر المخطوفون من قبضة الحركة.

يبقى التهديد الأمني ​​الرئيسي لإسرائيل هو إيران – وفي مقدمتها برنامجها النووي، وإلى جانب ذلك جهودها لتجديد منظومة صواريخها الباليستية، كمًا ونوعًا. منذ سحق “حلقة النار” الإيرانية حول إسرائيل، أصبحت المواجهة المباشرة بين البلدين أكثر واقعية وقابلية للتنبؤ من ذي قبل. ويمكن الافتراض أن إسرائيل، ردًا على هذه التهديدات، تبذل، حسب الحاجة، أقصى جهودها في مجالات الاستخبارات والتكنولوجيا وبناء القوة، هجوميًا ودفاعيًا.

ساحة أخرى، ثانوية لكنها لا تزال مهمة، وقد اكتُشفت فيها صعوبات وثغرات كبيرة في القدرات الإسرائيلية، هي التهديد الحوثي القادم من اليمن، سواءً بإطلاق النار على إسرائيل، أو بشكل رئيسي بإغلاق مضيق باب المندب أمام حركة الملاحة البحرية وإغلاق ميناء إيلات. لسلاحي الجو والبحرية دور قيادي في مواجهة هذا التحدي، ومن ناحية أخرى، يجب دراسة خيارات العمل داخل اليمن ومحيطه، قدر الإمكان بالتعاون مع الحكومة اليمنية التي تسيطر على جنوب البلاد، ومع المملكة العربية السعودية ودول الخليج ودول الجوار الأخرى.

في الضفة الغربية، لا يزال هناك احتمال اندلاع عنف كامن على مستويات مختلفة، وهو عنف يتفاقم في ضوء الاعتداءات التي يرتكبها المستوطنون المتطرفون ضد الفلسطينيين، والتي تُقابل برد فعل ضعيف من الحكومة والجيش. ونظرًا لمحدودية التعاون الأمني ​​من السلطة الفلسطينية، ونشاط الجيش الاسرائيلي المكثف، يصعب حاليًا تصور إمكانية شن هجوم عسكري شامل، على غرار هجوم 7 أكتوبر، من قِبل حماس أو قوات السلطة الفلسطينية. مع ذلك، يجب أخذ احتمال وقوع هجوم منظم على التجمعات السكنية الواقعة خارج الخط الأخضر وداخله في الاعتبار.

يرى البعض أن مصر، بقيادة الرئيس السيسي، عدوٌّ محتمل، قد يبدأ حربًا مع إسرائيل أو يتصاعد إلى حرب. لا أتفق مع هذا التقييم. مع ذلك، يجب على من يتبنونه أن يتذكروا أن مصر تعتمد عسكريًا على الولايات المتحدة – حتى أكثر من إسرائيل – وأن إمدادات الأسلحة والذخيرة الأمريكية إليها من المتوقع أن تُشل في حالة الحرب. إضافةً إلى ذلك، يُشكل عبور شبه جزيرة سيناء تحديًا لوجستيًا وعملياتيًا هائلًا، نظرًا لقلة السكان والغطاء، وستكون التشكيلات المصرية ولوجستياتها، بتميزها العسكري، عُرضةً بشدة للهجوم الجوي. وبالمثل، فإن سلاح الجو قادر على تدمير الجسور وإغلاق الأنفاق عبر قناة السويس. هذه حقائق عسكرية أساسية في هذا المجال، ومصر تُدركها جيدًا.

بالطبع، يجب أن يكون الجيش الاسرائيلي مستعدًا بشكل أساسي لأي تهديد لحدود إسرائيل، بما في ذلك من مصر. هذا الاستعداد هو في نهاية المطاف أساس الردع الإسرائيلي ضد تحقيق التهديد. ووفقًا لمنشورات علنية، يمتلك الجيش الاسرائيلي ست فرق مناورة وعددًا مماثلًا من الفرق اللوائية. وإذا لزم الأمر، فسيكون هذا كافيًا لتركيز الجزء الأكبر من قوته في جنوب إسرائيل ضد التهديد البري الرئيسي للبلاد، وفقًا للمبادئ الكلاسيكية لنظرية الأمن. وفي معركة جوية-برية مشتركة في ظل هذه الظروف، تتمتع إسرائيل بتفوق واضح.

بعد تغيير النظام في سوريا، يرى البعض أن تركيا تُشكل تهديدًا عسكريًا حاليًا. ومرة ​​أخرى، هذه مسألة تقييم، سواء من حيث جدوى الصراع أو من حيث خطوطه العريضة. لا شك في عداء أردوغان لإسرائيل، الذي ازداد حدةً في أعقاب الحرب، وفي رؤيته للهيمنة الإقليمية. لكن هذا بعيد كل البعد عن استعداد الرئيس التركي للمخاطرة بمواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل. في هذه الساحة أيضًا، من المتوقع أن تقع مواجهة عسكرية، إن حدثت، على بُعد مئات الكيلومترات من تركيا، في ظل تحديات لوجستية وعملياتية جسيمة، وفي ظل تفوق سلاح الجو الإسرائيلي، وعلى مقربة من معظم القوات البرية للجيش الإسرائيلي. علاوة على ذلك، وكما أن الحكومة والأغلبية الشيعية في العراق لا ترغبان في سيطرة إيرانية عليه، فمن غير المتوقع أن تعتبر الحكومة الجديدة في سوريا، التي تلقت ولا تزال تتلقى دعمًا واسعًا من تركيا، نفسها دولة شرعية ضمن نطاق الحكم العثماني.

 

 

 أولويات بناء القوة

 

يجب الحذر من احتمال توجيه جزء كبير من جهود بناء قوة الجيش الاسرائيلي لمعالجة صدمة السابع من أكتوبر والحرب الأخيرة. “من اكتوى بالحر فليحذر البرد”، لكن خطر السابع من أكتوبر لم يصمد في صورته السابقة، والحلول المتاحة له تكمن في الغالب في جوانب أخرى.

من الواضح أن هناك حاجة ملحة لإصلاح أنظمة الأسلحة التي تضررت بشدة خلال الحرب، وتجديد الإمدادات، والعودة إلى الخدمة الاعتيادية لمدة ثلاث سنوات، وإجراء تعديلات أخرى مختلفة. مع ذلك، لا ينبغي الافتراض، صراحةً أو ضمناً، أن الحرب القادمة شديدة الضراوة ستستمر حوالي عامين أيضًا، وبالتالي تخصيص استثمارات باهظة الثمن للتحضير لها. ينبغي اعتبار مدة الحرب الأخيرة استثناءً، وسيتم مناقشة أسبابها لاحقًا. فرغم أنها كانت ضرورية في ظل الظروف التي نشأت، إلا أن الحرب الطويلة تتعارض مع مبادئ العقيدة الأمنية. وبالطبع، لا يمكن استبعاد احتمال إطالة أمد حرب مستقبلية شديدة الضراوة غير متوقعة. مع ذلك، تمسكّت إسرائيل بوضعها الأمني ​​الحالي، حتى في ظلّ هذا الوضع الحربي، حتى وإن تطلّب ذلك استنزافًا حادًا للأفراد النظاميين والاحتياطيين والمعدات القتالية. وستواجهه أيضًا في المستقبل، إذا ما تحقق، دون إرهاق ميزانية الدفاع، وميزانية الدولة، في سيناريو متطرف.

وخلافًا للرأي السائد بعد اندلاع الحرب السابقة، فإن الجيش الاسرائيلي ليس صغيرًا جدًا على مهامه. فهو من أكبر الجيوش في العالم، ويضمّ عشرات الألوية القتالية النظامية والاحتياطية. لم يقتصر الأمر على القضاء على خطر غزو الجيوش الإرهابية عبر الحدود بشكل جوهري فحسب؛ بل إنّ الردّ الفوري على هذه الغارات هو إنشاء نظام دفاع مكاني في البلدات الواقعة على طول الحدود، يعتمد على سكانها، وبالتالي يكون متاحًا على الفور، ويعتمد بشكل كبير على أفراد الاحتياط المُسرّحين، وتسليحهم خفيف وبسيط وأرخص بكثير من تسليح التشكيلات الميدانية الثقيلة. في ظلّ هذه الخلفية، يبرز إهمال فرق الاستعداد قبل السابع من أكتوبر في البلدات المحيطة بغزة بشكل صارخ. إن إنشاء الفرقة 96، ضمن هيئة الأركان العامة للجيش، على طول الحدود الشرقية، عقب الحرب، هو الخطوة الصحيحة والفعالة والاقتصادية التي ينبغي اتخاذها على جميع الحدود.

يعود امتداد الحرب السابقة بشكل رئيسي إلى الحملة على قطاع غزة. على النقيض من ذلك، حققت إسرائيل إنجازات ساحقة في وقت قصير جدًا، سواءً ضد حزب الله، عندما شنّ الجيش الاسرائيلي هجومًا قويًا في لبنان، أو في الحملة التي استمرت 12 يومًا ضد إيران. يجب أن يُفهم أن استمرار القتال في قطاع غزة نابع في الغالب من العامل تحت الأرض، بعيدًا عن مشكلة الرهائن الذين تحتجزهم حماس، والتي تختفي فيها قوات حماس وتظهر. حتى بعد عامين، لم يجد الجيش الاسرائيلي حلاً فعالاً سواءً لدخول الأنفاق لتنظيفها أو لتدميرها. إن المشكلة التكتيكية التي يطرحها هذا النظام الذي يمتد لمئات الكيلومترات، والمحفور في صخور الحجر الرملي الناعمة التي تفصل القطاع عن باقي الجبهات، معروفة ومعروفة. ولكن من المشكوك فيه أن أهميته الاستراتيجية قد تم استيعابها.

ففي غياب حل فعال للمشكلة، اضطر الجيش الاسرائيلي إلى اتخاذ رد فعل يتمثل في إغراق المنطقة بقوات، وصلت إلى خمس أو ست فرق في ذروة الحملة – وهو ما يُشبه حجم القوات التي نشرها الجيش الاسرائيلي ضد جيشي مصر وسوريا مجتمعين في حرب أكتوبر. ومع ذلك، استمرت الحملة عامين ولم تصل إلى نتيجة حاسمة. ظاهريًا، يبدو جليًا أن هناك أمرًا مستبعدًا هنا.

هذا هو المأزق: الاستراتيجية الرئيسية التي برزت في الحرب، ومن المشكوك فيه ما إذا كان هناك وعي كافٍ بكيفية تأثيرها على استخلاص الدروس من الحرب. إن المأزق الرئيسي الذي يواجهه الجيش البري ليس النقص الواضح في التشكيلات الثقيلة الإضافية، بل غياب الرد المناسب على تحييد العمل السري – وخاصةً تطهيره وتدميره – في مجالات التكنولوجيا، وعقيدة القتال، وبناء القوات، والتدريب. هناك ما يدعو للتساؤل عما إذا كان الجيش الاسرائيلي قد أدرك جذور هذه المعضلة جيدًا، ويركز على حلها بشكل كافٍ.

 

 

ملخص

 

من الواضح أن منظومات الأسلحة التي تضررت وتآكلت خلال الحرب تحتاج إلى إعادة تأهيل. ولكن في الوقت نفسه، وفي ظل تراجع أهمية التهديد البري من الجيوش الإرهابية، وفي ضوء المشكلة الأساسية المتمثلة في العمل السري في قطاع غزة، يجب مواءمة بناء قوة الجيش الاسرائيلي مع التحديات ذات الصلة.

في الساحات البرية المباشرة، يجب أن ينصب التركيز على نظام أمن الحدود التابع للجيش الاسرائيلي، وعلى حلول هجومية شاملة لتحييد النظام الانفاق في قطاع غزة.

يُمثل الميدان الإيراني أولوية قصوى، ولا تزال الاحتياجات الأساسية هناك، مثل القتال في الدائرة البعيدة، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالقوات الجوية وأنظمة الاعتراض والاستخبارات. كما أن التهديد الحوثي من اليمن أقل أهمية بكثير في الدائرة البعيدة.

تتعلق ثغرات مهمة أخرى بالتعامل مع صواريخ كروز والطائرات المسيرة والصواريخ المضادة للدبابات. ترتبط اتجاهات التطوير والتجهيز الخاصة بها بشكل أقل بالمنصات الأرضية الثقيلة نفسها، وبأنظمة التشويش والاعتراض النشطة، بما في ذلك الليزر وأنظمة مثل “ويندبريكر” و”ديربان آرو”، والتي يجب تركيبها على جميع المركبات المدرعة.

لا ينبغي الانجرار إلى استثمارات متزايدة على طول الجبهة بأكملها، كنوع من “الرفاهية” و”للاحتياط”، عندما يعمل نظام الدفاع كنوع من اتحاد الفروع والجيوش، ولكل منها حصة من الكعكة.

على عكس الانتقادات التي كانت سائدة في بداية الحرب، فإن الاستثمارات في التكنولوجيا، وكذلك في سلاح الجو، تلعب دورًا رائدًا في بناء القوة لمواجهة تحديات الحرب القادمة. في هذا الإطار، يجب على سلاح الجو أيضًا التركيز على متطلباته. على سبيل المثال، هل يحتاج حقًا إلى تجديد باستثمارات ضخمة، بعد أن كان من المقرر إغلاق منظومة المروحيات القتالية قبل الحرب؟ يُقدَّم هذا النظام كرد فعل على هجوم مفاجئ من جيوش إرهابية خفيفة، كما سدّ ثغرة في الحرب اكتُشفت في اعتراض صواريخ كروز، وهي صواريخ صغيرة وبطيئة وتطير على ارتفاع منخفض. تُعد صواريخ SCAR نظامًا مكلفًا ومتطورًا مصممًا لمحاربة التشكيلات المدرعة. من المحتمل جدًا أن يكون الطيران الأخف وزنًا والأرخص بكثير في شراء وصيانة الطائرات المصممة لهذا النوع من المهام، مثل Sky Warden، وهي نسخة عسكرية مدرعة ومجهزة تجهيزًا جيدًا ومسلحة جيدًا من رشاش Air Tractor 802، والتي تستخدمها أيضًا القوات الأمريكية، ردًا أفضل على غزو مفاجئ من قبل جيوش إرهابية. حتى في مواجهة صواريخ كروز، تبدو صواريخ SCAR في الغالب حلاً مؤقتًا.

إن تركيز استثمارات الجيش الاسرائيلي وتحسينها لمواجهة تحديات الحرب القادمة أمران أساسيان – من الناحيتين التشغيلية والمالية.

-------------------------------------------

 

 

 

 

 

 

هآرتس 25/11/2025

 

 

 

المواجهة المتصاعدة بين كاتس وزمير تهدد بجر كل الجيش الى داخلها

 

 

 

بقلم: عاموس هرئيلِ

 

في الساعات التي سبقت القصف في بيروت وبعدها، كان رئيس الاركان ايال زمير ينشغل في موضوع مختلف: سلسلة الخطوات الانضباطية ضد ضباط كبار في الجيش الاسرائيلي، على خلفية استنتاجات لجنة ترجمان حول اخفاقات 7 اكتوبر. اللجنة، برئاسة الجنرال احتياط سامي ترجمان، فحصت التحقيقات العسكرية الرئيسية وقدرت جودتها. في التقرير الذي قدمته في بداية الشهر الحالي وردت توصيات شخصية ضد اكثر من عشرين ضابط كانوا مشاركين في اتخاذ القرارات قبل المذبحة.

ترجمان وضع قنبلة على عتبة رئيس الاركان، رغم ان الخطوات الانضباطية لم تكن بصورة رسمية من صلاحية اللجنة. زمير لم يكن متحمس للانشغال في ذلك، ازاء العبء على الجيش الاسرائيلي في الحرب والندوب التي تركتها احداث 7 اكتوبر. يصعب على رئيس الاركان الخروج بشكل جيد من حدث كهذا، وكثير من الضباط يعتقدون أنه وقع عليهم ظلم. في المقابل، هناك عائلات ثكلى لن تكتفي بالخطوات التي تم اتخاذها، و”مجلس اكتوبر”، الذي يشمل المئات منها، يطالب وبحق بتحقيق نزيه من قبل لجنة تحقيق رسمية.

سلسلة الخطوات التي اعلن عنها يوم أول أمس زمير كانت شديدة جدا: ابعاد ثلاثة جنرالات الذين يوجدون في اجراءات التسريح من الخدمة في الاحتياط، وتوجيه تنبيهات انضباطية لثلاثة جنرالات ما زالوا في الخدمة. خطوات مشابهة مثل الابعاد عن خدمة الاحتياط وتنبيهات انضباطية، وحتى عزل من الخدمة الفعليا، اتخذت ضد ضباط برتبة مقدم وحتى رتبة عميد، في شعبة الاستخبارات العسكرية وفي قيادة المنطقة الجنوبية. القرارات كانت تتناسب في معظمها مع توصيات ترجمان. ولكن قرار زمير تركيز المسؤولية على اصحاب المناصب في يوم المذبحة منع اتخاذ خطوات انضباطية ضد مشاركين آخرين، من بينهم الجنرال اليعيزر طوليدانو، الذي كان قائد المنطقة الجنوبية حتى قبل ثلاثة اشهر قبل اندلاع الحرب. طوليدانو، مثل كل المشاركين الآخرين، تسرح من الجيش الاسرائيلي اثناء الحرب.

الصعوبة الاساسية في موضوع رئيس الاركان تتعلق برئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الحالي، الجنرال شلومي بندر. لواء العمليات الذي كان يترأسه في 7 اكتوبر كان له دور في فشل هيئة الاركان في الاستعداد لهجوم حماس في الغلاف. ولكن بندر يحظى بتعاطف كبير من زمير بسبب قيادته لجهاز الاستخبارات في حربي لبنان وايران. في نهاية المطاف اتفق على ان يحصل على تنبيه انضباطي، وان لا يواصل بقاءه في الجيش بعد انهاء منصبه كرئيس لشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”. هذه تسوية مبايية، ستمكن بندر من استكمال ولايته في منصبه. في هذه الاثناء لا يوجد لدى رئيس الاركان مرشح مناسب لاستبداله اذا قرر الاستقالة بعد التوبيخ، أو اذا حاول نتنياهو ووزير الدفاع كاتس دفعه الى المغادرة.

ان اتخاذ خطوات متشددة ضد المتورطين هو خطوة مطلوبة، تأتي في وقت متأخر جدا، بعد اكثر من سنتين على المذبحة. اذا كانوا في هيئة الاركان يريدون محاولة اعادة ترميم ثقة الجمهور بالجيش، التي تضررت بشكل كبير، فان هذه خطوة من الخطوتين التي يجب القيام بهما. الثانية هي البدء في عملية حقيقية لتطبيق دروس الحرب، التي عمليا لم تبدأ بعد.

لكن من ناحية سياسية لم يتضح بعد اذا كان زمير قد اجتاز هذه القضية. ظاهريا، يوجد لدى نتنياهو ما يجعله راض: الهجوم يوجه من جديد نحو الجيش الاسرائيلي، وهو يحرص على عدم التعبير عن أي شعور بالمسؤولية أو الذنب بسبب المذبحة التي حدثت اثناء توليه منصب رئيس الوزراء شبه الدائم. ربما ان الاختلاف بين اتخاذ الخطوات المتاخرة ضد الضباط وبين سلوك نتنياهو سيبرز المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية – وربما يحولها الى قضية رئيسية في الحملة الانتخابية القادمة.

------------------------------------------

 

 

يديعوت احرونوت 25/11/2025

 

 

 

التفاهمات السرية لحماس مع الإدارة الامريكية

 

 

 

بقلم: رون بن يشاي

 

تتزايد الشكوك في المؤسسة الأمنية بأن التفاهمات السرية واسعة النطاق بين الوسطاء وحماس حول قضايا وجودية للمنظمة هي التي أقنعت كبار مسؤوليها بالموافقة في 3 أكتوبر على إطلاق سراح جميع الرهائن ومناقشة تنفيذ خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المكونة من 20 نقطة. في الواقع، وفي إطار الجهود المبذولة لإقناع حماس بالامتثال لإنذار ترامب وعدم رفض خطته، قدم المفاوضون من تركيا وقطر ومصر عرضًا لم يستطع مسؤولو حماس رفضه.

وفقًا لشكوكٍ في المؤسسة الأمنية، تعهّد الوسطاء، نيابةً عن الولايات المتحدة أيضًا، بأنه إذا أطلقت حماس سراح جميع الرهائن الإسرائيليين خلال 72 ساعة، وكانت مستعدةً لمناقشة البنود المتبقية من خطة العشرين نقطة والتعاون في تنفيذها، فلن تُطلب من الحركة ونشطائها، بمن فيهم المقاتلون المسلحون وأعضاء حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، الذهاب إلى المنفى كما تطالب إسرائيل، بل سيتمكنون من البقاء في قطاع غزة كمواطنين عاديين. هذا يعني أن حماس ستتمكن من البقاء في القطاع كقوةٍ تعمل خلف الكواليس، حتى لو أُجبرت على التخلي رسميًا عن السلطة.

كما ساد قلقٌ في إسرائيل من أن نزع سلاح حماس ونزع سلاح غزة من البنية التحتية الإرهابية لن يتم بالقوة والعنف، بل بالاتفاق – وفقًا لشروطٍ تُحدَّد في مفاوضاتٍ بين الوسطاء، وفي مقدمتهم مصر، والحركة. ستلعب قوة الاستقرار متعددة الجنسيات (ISF)، التي سيُعاد تشكيلها بموجب خطة ترامب، دورًا في نزع سلاح حماس والجهاد الإسلامي، ولكن فقط بشروط متفق عليها بين الوسطاء والحركة، ولن تستخدم القوة في أي حال.

هذا يعني أن حماس ستتمكن من المطالبة في المفاوضات مع الوسطاء بتسليم قوات الأمن الإسرائيلية الأسلحة التي تُعرّفها الحركة والوسطاء بأنها “هجومية” فقط، مثل الصواريخ والطائرات المسيرة والطائرات الشراعية والطائرات المقاتلة والعبوات (التي دمر الجيش الاسرائيلي أكثر من 70 في المئة منها على أي حال)، ولكنها ستتمكن من امتلاك أسلحة “دفاعية” مثل البنادق والرشاشات وقاذفات صواريخ آر بي جي الفتاكة وعبوات من جميع الأنواع، مما سيسمح لحماس والسلطة الفلسطينية بمواصلة كفاحهما المسلح الذي يُطلقان عليه “مقاومة الاحتلال” و”الدفاع ضد عدوان الجيش الاسرائيلي”، وهو كفاح مشروع من وجهة نظرهما.

من المقترحات الأخرى التي طرحتها حماس في الأيام الأخيرة، أن تُسلّم الحركة أسلحتها إلى السلطة الفلسطينية، التي ستُخزّنها لها ريثما يتم إيجاد استخدام مشروع لها. وقد أعلنت السلطة الفلسطينية رفضها لهذا الترتيب، ولكن على أي حال، ستسعى حماس والجهاد الاسلامي إلى التوصل إلى اتفاق في المفاوضات مع الوسطاء يسمح لهما بشن حرب عصابات، بدايةً ضد الجيش الاسرائيلي داخل قطاع غزة، وربما لاحقًا ضد المواطنين الإسرائيليين.

أما فيما يتعلق بنزع سلاح قطاع غزة، فإن التزام الوسطاء بالقيام بذلك بالاتفاق مع حماس يسمح لجيش الإرهاب بتطوير قنوات وأساليب مبتكرة سرًا لاستعادة بنيته التحتية الإنتاجية وحفر الأنفاق. ويتم ذلك في ظل تضليل وتغاضي من جانب قوة حفظ السلام الدولية، تمامًا كما يحدث حاليًا في لبنان.

 

 

مطلب ترامب

 

على ما يبدو، بعد الاتفاق على التفاهمات السرية بين حماس والوسطاء، طالبت حماس بالتزام مباشر من الرئيس ترامب باحترام الولايات المتحدة وإسرائيل لتفاهمات ووعود الوسطاء. وقد طالب وحصل على ذلك. في اجتماع بوساطة قطرية بين المبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف وصهر ترامب، جاريد كوشنر، والقيادي في حماس، خليل الحية، أكد ويتكوف للقيادي في حماس أن الرئيس ترامب على دراية بخطة العشرين نقطة وملتزم بتنفيذها، بالإضافة إلى الوعود غير المكتوبة التي قطعها الوسطاء لحماس. وهذا ما أدى إلى تحقيق اختراق في قضية الأسرى.

لكن حماس مُنحت أيضًا فرصة الحفاظ على قوتها كقوة سياسية وعسكرية في القطاع. ستُجبر المنظمة على التخلي عن قبضتها الرسمية على السلطة في مرحلة ما، لكن جميع المؤشرات تشير إلى أنها ستبقى خلف الكواليس وأمامهم كقوة مهيمنة وشعبية على الأرض وفي الحكومة المدنية الفلسطينية التي ستُعاد في غزة. ستتمكن حماس من امتلاك الأسلحة التي تُمكّنها من شن حرب عصابات، ومن نهب المساعدات الإنسانية، لتمويل ما بين 20 ألفًا و25 ألف مسلح جندتهم مؤخرًا في صفوفها. سيسمح التحرير “الخفيف” أو “المتفق عليه” للقطاع لكتائب عز الدين القسام بإعادة بناء الأنفاق وورش تصنيع الأسلحة التي خسرتها في الحرب.

 في إسرائيل، تُلاحظ الحكومة بارتياح أن هدف الحرب الذي حددته الحكومة في أكتوبر 2023 قد تحقق تقريبًا بنجاح: فبفضل تدخل الرئيس الأمريكي ودعم إسرائيل لخطتها، عاد معظم الرهائن، أحياءً وأمواتًا، إلى ديارهم. ولكن في الوقت نفسه، من الواضح تمامًا أنه إذا تحققت الالتزامات السرية التي قطعها الوسطاء والمبعوث ويتكوف لحماس، فستُجبر دولة إسرائيل على التخلي عن تحقيق هدف حربي مهم آخر: انهيار حكم حماس المدني والعسكري في قطاع غزة. ما دامت حماس موجودة وقادرة على استعادة قدراتها التدميرية والقاتلة، فقد تُصيبنا أهوال السابع من أكتوبر/تشرين الأول مجددًا.

لذلك، كان تحقيق هذا الهدف، الذي حددته الحكومة برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 23 أكتوبر 23 كأول أهداف الحرب الثمانية، أمرًا بالغ الأهمية ليتمتع سكان إسرائيل عمومًا، وسكان النقب الغربي خصوصًا، بأمن جسدي مستدام وشعور بالأمن. لن يتحقق هذا الشرط إذا استغلت حماس فعليًا الثغرة الواسعة في السياج التي فُتح لها، وإذا استمر ترامب وإدارته في دعم ترتيبات تسمح للمنظمة الإرهابية بالعمل في قطاع غزة بنفس الطريقة التي يعمل بها حزب الله حاليًا في لبنان.

لقد وضعنا ترامب اليوم في نفس الموقف الذي أراد نتنياهو تجنبه عندما حثته عائلات الرهائن على الموافقة على وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن. زعم نتنياهو آنذاك أنه إذا وافق على صفقة بهذه الشروط، فلن يتمكن من تدمير حماس عسكريًا ومدنيًا، وأن المنظمة ستحظى بحصانة أمريكية ودولية.

هذه ليست مجرد نظرية. عندما ندرس الآن من منظور أمني إسرائيلي ما يحدث على الأرض، والتحركات الدبلوماسية، وما هو معروف عن الخطط في المقر الأمريكي في كريات جات (CMCC)، تظهر صورة غير مشجعة على الإطلاق. والأمر الذي يبرز على الفور هو حقيقة أنه لا يوجد جدول زمني مخطط للأشهر المقبلة ــ أو حتى العام المقبل ــ للتحرك الذي من شأنه نزع سلاح حماس وإخلاء قطاع غزة من السلاح.

علاوة على ذلك، أبلغت حماس الوسطاء أنها لا توافق على نزع سلاحها، وأنها على الأكثر مستعدة للحديث عن “إعادة تنظيم السلاح” – وهو مصطلح أخرق صاغته الحركة الإسلامية المتشددة، ومعناه الحقيقي هو أن حماس تشترط في أي خطة “لنزع السلاح” أن تكون وسائل الحرب متاحة لها متى شاءت، وبسرعة. من المشكوك فيه أن حماس كانت ستسمح لنفسها بوضع مثل هذه الشروط لو لم تكن قد تلقت مسبقًا التزامًا سريًا حازمًا من الوسطاء وويتكوف بالتوصل إلى خطة متفق عليها لنزع السلاح. كان هذا حتى قبل أن تتخلى الحركة عن الرهائن الإسرائيليين الأحياء، الذين كانوا الورقة الوحيدة والأكثر فاعلية في يدها.

إضافةً إلى ذلك، لا توجد أي مؤشرات على أن قوة الاستقرار الدولية (ISF)، التي يُفترض أن تُشرف على نزع السلاح على الأقل، ستُشكل خلال الشهر أو الشهرين المقبلين. من ناحية أخرى، تُدار عملية نقل المساعدات الإنسانية إلى الأراضي التي تسيطر عليها حماس (“المنطقة الحمراء” على حد تعبير الضباط الأمريكيين)، حيث يتواجد معظم السكان، بشكل مستمر ومنظم، كما أن الاستعدادات لإعادة الإعمار المدني – ولكن فقط في شرق قطاع غزة الذي تسيطر عليه إسرائيل (“المنطقة الخضراء”) – قد وصلت بالفعل إلى مرحلة أولية متقدمة.

 

 

تقسيم قطاع غزة

 

مما ينعكس في عمل المقر الرئيسي في كريات جات – دون الخوض في التفاصيل – تظهر الصورة الكبيرة التالية التي تعكس بوضوح نوايا الأمريكيين، على الأقل في المرحلة الوسيطة الحالية من تنفيذ خطة ترامب. تنوي الولايات المتحدة إبقاء قطاع غزة مقسمًا إلى منطقتين تحت السيطرة لفترة طويلة: “منطقة حمراء” تسيطر عليها حماس، غرب الخط الأصفر، حيث يتواجد معظم السكان، حوالي مليوني شخص، وتمتد على 43 في المئة من أراضي قطاع غزة؛ ومنطقة خضراء يسيطر عليها الجيش الاسرائيلي شرق وشمال وجنوب الخط الأصفر، حيث يتواجد ما بين 200 ألف و300 ألف غزي.

في هذه الأثناء، تولت القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، بالتنسيق والتعاون مع إسرائيل، مسؤولية قضية واحدة: إدخال مساعدات إنسانية ضخمة إلى “المنطقة الحمراء” (مع علمها التام بأن حماس تسيطر على معظمها)، وهناك أيضًا مراقبة استخباراتية دقيقة من الجو لما يحدث في الشوارع. لكن بخلاف ذلك، لا شيء. ليس فقط لأن قوات الأمن الإسرائيلية لم تُشكل بعد، بل كسياسة مدروسة: لا إزالة للأنقاض، لا إعادة بناء، لا تأهيل للبنية التحتية، لا نزع سلاح – ولا نزع سلاح البنية التحتية القتالية.

لا ينوي الأمريكيون التدخل فعليًا – عسكريًا أو مدنيًا – في المنطقة التي ستبقى تحت سيطرة حماس. إنها فترة أخرى لم تُحدد نهايتها بعد ولا تلوح في الأفق. همهم الوحيد هو الحفاظ على وقف إطلاق النار بشكل أو بآخر، وألا تشن إسرائيل عملية عدوانية واسعة النطاق في المنطقة تُنهي حكم حماس المدني وقدراتها العسكرية.

في المقابل، يُجري المقر الأمريكي في كريات جات نشاطًا تخطيطيًا مدنيًا مكثفًا منذ عدة أسابيع، بهدف إنشاء “مجتمعات مؤقتة” في المنطقة الخضراء الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية – أحياء وأكواخ وخيام لإيواء الفلسطينيين المشردين، والذين سيتدفقون من جميع أنحاء القطاع، وخاصة من المنطقة الخاضعة لسيطرة حماس. بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية من طعام وماء وكهرباء، سيحصل المستوطنون أيضًا على خدمات صحية وتعليم ورعاية اجتماعية وأمن شخصي وفرص عمل – وهي خدمات غير متوفرة في المنطقة الحمراء.

يعتزم الأمريكيون، بتمويل من دول الخليج الغنية، وبتنفيذ مصري بالأساس، بناء مدينة جديدة على أنقاض رفح في غزة، بالإضافة إلى بلدات وقرى في منطقة خان يونس جنوب قطاع غزة. ووفقًا للخطة، ستكون هذه في البداية “مجتمعات مؤقتة”، ولكن تدريجيًا، بعد إزالة الأنقاض، سيتم بناء مدن وبلدات وقرى حقيقية بتكلفة عشرات المليارات.

تتمثل الفكرة الأمريكية الأساسية في أن توفير السكن وتحسين ظروف المعيشة وتوفير حياة كريمة للشباب، وخاصة خلال فصل الشتاء، سيدفع ما لا يقل عن مليون ونصف المليون غزي إلى مغادرة المنطقة الحمراء بشكل جماعي والانتقال إلى المجتمعات المؤقتة في المنطقة الخضراء، تاركين وراءهم عناصر حماس للاختيار بين مواصلة حياة شاقة بين الأنقاض وفي الأنفاق، وربما أيضًا مواجهة هجوم كبير من الجيش الاسرائيلي، وبين التخلي طواعيةً عن السلاح والعيش كمواطنين عاديين.

 ------------------------------------------

 

 

معاريف 25/11/2025

 

 

 

الاتفاق الأمني هام للولايات المتحدة والشرع واسرائيل أيضا

 

 

 

بقلم: ميخائيل هراري

 

 زيارة الشرع الى البيت الأبيض، وهي الزيارة الأولى لرئيس سوري الى واشنطن، هي حدث تاريخي في علاقات الدولتين. للعناق الأمريكي يوجد منطق سياسي متماسك: رغم علامات الاستفهام المعروفة يبدو الشرع الامل الوحيد الان لاستقرار سوريا وضمان بقاء ايران خارج الدولة.

في الأشهر الأخيرة تتقدم منظومة العلاقات بين الدولتين بوتيرة مبهرة. فالغرفة التجارية السورية ومجلس الاعمال السوري – الأمريكي الذي أقيم مؤخرا يعملان بنشاط على الدفع بالاعمال الاقتصادية الى الامام. مندوبو كبرى شركات الطاقة Chevron and Conocophilips زاروا سوريا، وماستر كارد عادت منذ الان للعمل فيها وكذا فيزا على الطريق. غوغل وميتا في اتصالات متقدمة مع السلطات السورية. في المستوى الاستخباري التعاون قائم، وحسب تقارير الحكم في دمشق عملت تجاه اهداف لداعش والمواقع التي خزن فيها سلاح إيراني. اعلانيا، ولا ينبغي الاستخفاف بذلك، اعلن الشرع عن انضمامه الى التحالف الدولي ضد داعش.

ومع ذلك، فان مسألة العقوبات التي فرضت في حينه على سوريا لم تسوى في ضوء معارضة أعضاء من الكونغرس بمن فيهم جمهوريون، ولا تزال تشكل حجر عقبة هام لجذب استثمارات مكثفة الى سوريا. ترامب وعد برفعها قبل نهاية السنة.

في الميدان بقيت امام الشرع تحديات ثقيلة الوزن – توسيع حكمه في الدولة. الجوزة الاقسى هي الاكراد – قوة عسكرية منظمة، اثبتت نفسها في القتال ضد داعش. وهم يحظون بدعم امريكي ومعنيون بالحفاظ على “طابع حكم ذاتي”. هذا ما تعارضه تركيا، وتواجد وزير الخارجية التركي في قسم من لقاءات الشرع في واشنطن جاء ليضمن حفظ المصلحة التركية. لا تزال على حالها مسألة العلويين في شمال غرب الدولة، والدروز (والبدو) في الجنوب الشرقي.

زار وزير الخارجية السوري لندن فور الزيارة في واشنطن وتحدث في معهد البحوث “تشيتهام هاوس”. وتكرس اهتمام الحضور على الساحة الداخلية وعلى مسألة هل يعتزم النظام الجديد إقامة نظام حكم تمثيلي وبرلماني. وامتنع الوزير عن ذكر اصطلاح “ديمقراطية” ولم يرد بالقطع على السؤال اذا كانت توجد نية للسماح بإقامة أحزاب سياسية في إطار التعددية السياسية، الملموسة في الدولة.

ان المسار السريع الذي يسير فيه الشرع مبهر، وجدير بالتوقعات منه أن تكون واقعية. معقول أن قسما كبيرا من خطواته وبخاصة تلك المتعلقة بالإجراءات ضد داعش ومحافل الجهاد تثير معارضة في أوساط قسم ممن يحيطون به. هكذا أيضا هو الاندفاع نحو المعسكر الأمني. في واشنطن هناك من يحذر من محاولات الاغتيال للشرع.

إسرائيل ملزمة بان تأخذ بالاعتبار المكانة المفضلة التي يتلقاها الشرع من ترامب، فيما هو مسنود من ولي العهد السعودي والرئيس التركي. الائتمان من جانب ترامب ذو مغزى وجدير بإسرائيل ان ترتبط به. الاتفاق الأمني الذي لا يزال يتلبث، هام للولايات المتحدة وللشرع ولكن لإسرائيل أيضا. ان الثقة المتزايدة بالنفس لدى الشرع وجدت تعبيرها منذ الان في تصريحاته تجاه إسرائيل ومطالباته حول الاتفاق. ان اتفاقا يرتب التزامات الدولتين باتفاقات فصل القوات في 1974 يخدم مصالح إسرائيلية وجدير به ان يوقع في أقرب وقت ممكن. الأوراق المتبقية في يد إسرائيل لا تزال تمنح مجال مناورة محسن.

-------------------------------------------

 

 

يديعوت احرونوت 25/11/2025

 

 

 

يدحرجون المسؤولية

 

 

 

بقلم: ايتمار آيخنر

 

بدءًا من حجتها بعدم “التحقيق أثناء الحرب”، مرورًا بالزعم بضرورة “التحقيق مع محكمة العدل العليا”، وصولًا إلى ضرورة “توافق واسع”. بعد الإجراءات التأديبية في الجيش الإسرائيلي، يتزايد تسليط الضوء على تهرب الحكومة من أي تحقيق في تقصيرها. في غضون ذلك، لم تجتمع اللجنة الوزارية التي ستُحدد صلاحيات لجنة التحقيق، ولم تُحدد نطاقات مسؤوليتها إطلاقًا.

بانضمام الوزيرين عيديت سيلمان وشلومو كيرعي إلى اللجنة التي ستُحدد صلاحيات اللجنة الوطنية للتحقيق في أحداث السابع من أكتوبر، يرتفع عدد الوزراء في اللجنة المُمثلين للحكومة إلى عشرة. حتى بعد مرور أكثر من أسبوع على إعلان تشكيلها، لم تجتمع اللجنة لأول مرة. ليس من الواضح شكل التفويض الذي ستُقرره اللجنة، ومتى سيبدأون التحقيق، ومن سيُعيّنه وزير العدل يريف ليفين، رئيس اللجنة الوزارية، لرئاسة لجنة التحقيق.

يبدو أن لدى الحكومة الإسرائيلية الوقت الكافي. على مدار العامين الماضيين، ناقش الوزراء ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مراتٍ لا تُحصى سبل التحقيق في تقصير السابع من أكتوبر. تحدث الوزراء جيلا جمليئيل، وآفي ديختر، وزئيف إلكين في بداية الحرب عن أهمية إنشاء لجنة تحقيق رسمية. قالت جمليئيل في حزيران من العام الماضي: “أؤيد إنشاء لجنة تحقيق رسمية بعد الحرب”. وفي كانون الثاني من هذا العام، عبّرت الوزيرة عن رأي مختلف قليلاً، مُعلنًة في الكنيست أنه “سيتم إنشاء لجنة لتمثيل شعب إسرائيل”. كما مرّ ديختر بعملية مماثلة: “فيما يتعلق بواقعة السابع من أكتوبر، قلتُ، وأُكرّر: لجنة تحقيق رسمية بعد انتهاء الحرب”. في أيار من هذا العام، أكد أنه “لا تُشكل لجنة في زمن الحرب”.

كما عارضت وزيرة الاستيطان والمهمات الوطنية، أوريت شتروك، تشكيل لجنة تحقيق حكومية طوال فترة الحرب، بل وطالبت بالتحقيق مع المحكمة العليا. وقالت في تشرين من العام الماضي: “من المستحيل دعم لجنة تحقيق رسمية. أعتقد أن للمحكمة العليا دوراً في الواقعة. بعض الأفراد هم موضع تحقيق، لا أقل مني، ولا أقل من رئيس الوزراء، ولا أقل من ضباط الجيش”.

وكان نتنياهو نفسه تفادى تشكيل لجنة تحقيق رسمية بحجة أنه ما دامت الحرب مستمرة، فلن يُشكّلها . بعد أكثر من شهر على عودة الرهائن، يسعى نتنياهو إلى تشكيل لجنة لا تُفاجئه. ولتحقيق ذلك، من الضروري ضبط الشروط جيدًا: صلاحيات اللجنة، وتشكيلها، ومن يرأسها، وتأجيلها قدر الإمكان. يعلم أعضاء الحكومة أن لجنة يرأسها قضاة موضوعيون – قضاة في المحكمة العليا، ومسؤولون كبار منفصلون عن الحكومة – ستُقرر أن الحكومة الإسرائيلية، وخاصة رئيسها، يتحمل قسطًا كبيرًا من المسؤولية عن كارثة السابع من أكتوبر. كما يعلمون أن أي نتيجة حقيقية وموضوعية ستُجبر نتنياهو على العودة إلى دياره، كما حدث مع القادة العسكريين هرتسي هليفي والجنرالات، تمامًا كما حدث مع رئيس الشاباك السابق رونين بار، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.

لكن عندما يقرر رئيس الأركان إيال زامير اتخاذ إجراءات ضد كبار الضباط المسؤولين عن هذا التقصير – حتى وإن قُدِّمت حججٌ تُفيد بأنه قليلٌ ومتأخرٌ جدًا – تنتقل المسؤولية إلى الحكومة الإسرائيلية. في البداية، وعد نتنياهو والوزراء بأن تكون لجنة التحقيق محايدة، لكن يبدو أن المعارضة غير مستعدة للمشاركة.

في الوقت الحالي، ليس من الواضح تمامًا مدة عمل اللجنة الوزارية وموعد انعقادها، وقد يستغرق هذا وقتًا – فنحن في عام انتخابي – وقد يسمح تأجيلٌ آخر لنتنياهو بالترشح دون أي غموض في تقريره أو استنتاجاته.

بهذه الخطوات، تُضعف الحكومة المؤسسات القانونية الديمقراطية، والجهات الرقابية، بما في ذلك المحكمة العليا – المسؤولة عن تشكيل لجنة تحقيق حكومية – للتحقيق في أحداث مأساوية في تاريخ الشعب والدولة. بهذه الإجراءات، ستُقرر الحكومة نفسها المسؤولة عن مذبحة 7 أكتوبر من سيُحقق فيها.

-------------------------------------------

 

 

إسرائيل اليوم 25/11/2025

 

 

 

انهيار النظام في ايران مسألة وقت فقط

 

 

 

بقلم: د. تمار عيلام غيندين

 

طهران تنهار – تماما بكل معنى الكلمة. فقد أصبحت المدينة العاصمة الإيرانية عندما كان في كل الدولة اقل من 10 مليون نسمة. أما اليوم فيسكن فيها وحدها اكثر من 10 مليون.

التخطيط، الإدارة وسلم الأولويات عليلة، سلسلة من سنوات الجفاف ودول مجاورة توقف مياه الأنهار من الوصول الى ايران – كل هذا أدى الى أزمة غير مسبوقة في اقتصاد الماء في الدولة. توقفات لضخ الماء في كل ليلة باتت أمرا اعتياديا.

تتضمن الازمة أيضا ضحالة مخزون المياه الجوفية، الامر الذي ينتج حفر في مراكز المدن الكبرى بما فيها طهران، وهبوط الأرض. السبيل الوحيد لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة هو ترك المنطقة.

إضافة الى ذلك بسبب تلوث الهواء تغلق في المدينة المدارس في الأيام التي يكون فيها الهواء خطيرا على التنفس.

كل هذه المشاكل ليست خاصة بطهران. العاصمة، التي هي أيضا المدينة الأكبر، تلقى معظم الانتباه. لكن مشكلة تلوث الهواء تتشارك فيها كل المدن الكبرى، ومشكلة الماء تشمل كل ايران.

ان تبديل العاصمة هو ممارسة دارجة نفذت عشرات المرات في اثناء نحو 3000 سنة تاريخ. فالحجوم التي وصلت اليها طهران تجعل المهمة اصعب بكثير، وان كان في نهاية الامر محتمة.

هذه المشاكل لا تخرج الناس الى الشوارع، على الأقل ليس بالحجوم والقوى اللازمة لتغيير النظام. ومع ذلك، فان طهران في حالة انهيار سواء بالمعنى المادي أم بالمعنى المجازي.

 

 

تخوف من احتياجات شعبية

 

إسرائيل ليست العدو الأخطر للجمهورية الإسلامية. العدو الأخطر هو الشعب الإيراني، الذي يخرج للتظاهر بين الحين والآخر. بعض من موجات المظاهرات – مثل مظاهرات الوقود في 2019 واحتجاج امرأة – حياة – حرية في 2022 /2023 – كانت كبيرة، واسعة ومضرجة بالدماء، بما في ذلك دماء رجال قوات الامن.

في كل موجات المظاهرات في القرن الـ 21، شكلت منظومة الامتداد للنظام وبخاصة حزب الله، احتياطي قوى ساعدت النظام في القمع – لان معظم الإيرانيين ببساطة لم يوافقوا على عمل ذلك.

منذ سقوط الأسد في سوريا والنظام يخشى الاحتجاجات الشعبية – ويتخذ سبيلين لمنعها: من جهة – اعتقالات، تعذيبات واعدامات، وبخاصة بعد حرب الـ 12 يوما. من جهة أخرى – محاولة لارضاء الشعب. مثلا، الحكم ممزق بين الحاجة لاظهار التزمت وفرض الحجاب على النساء، وبين الحاجة الى الحفاظ على بقائه والا يغضب الشعب اكثر مما ينبغي. أشرطة أفلام من حفلات رقص وموسيقى – بما فيها برعاية النظام – تنشر صبح مساء. هناك أيضا تظهر نساء بلا حجاب يرقصن على انغام موسيقى غربية بالاجمال. بعد ذلك يدفع مدراء المكان او أصحابه على ذلك الثمن بمكان عملهم.

 

 

يعيدون كتابة التاريخ

 

إضافة الى ذلك، تحاول الجمهورية الإسلامية إعادة كتابة التاريخ وعرض حرب الـ 12 يوما ضد إسرائيل كنصر ساحق، في ظل استخدام شخصية الملك الساساني شابور الذي هزم قيصر روما، بشعار “ستعودون للركوع امام ايران”. غير ان الإمبراطورية الساسانية كانت قبل الإسلام، ومنذ وقت غير بعيد عارضت الجمهورية الإسلامية الهوية الإيرانية الجذرية. شعار “ستعودون للركوع امام ايران” ووجه بردود فعل مثل “نعم”، الجمهورية الإسلامية ستركع امام ايران”. آلية إعادة العقوبات التي تم تفعيلها هذا الصيف دون صلة بالحرب، اعادت العقوبات الاقتصادية على الجمهورية الإسلامية وعلى مواطني ايران، ورفع الدولار الى ذرى جديدة. الغاء اتفاقات النووي تسبب برد فعل معاند في الجمهورية بما في ذلك الخروج من معاهدة منع انتشار السلاح النووي NPT، تطوير متسارع للمشروع النووي والسلاح بعامة وابعاد مراقبي الوكالة الدولة للطاقة الذرية. كما أن الجمهورية الإسلامية تتزويد بسلاح دفاعي وهجومي كي لا يمسك بها مرة أخرى غير مستعدة للجولة التالية من الحرب، التي هي، في نظر كل اللاعبين في المنطقة، مجرد مسألة وقت.

فهل الجمهورية الإسلامية ستنهار فعلا؟ في موعد ما نعم، إذ انه لا يتواصل أي حكم الى الابد. هذا أيضا مسألة “متى” اكثر مما هي مسألة “هل”. إذن متى؟ يمكن فقط الامل في أن يكون هذا اقرب الى الـ 54 سنة من سلالة بهلوي وأقل قربا من 437 سنة الإمبراطورية الساسانية.

-------------------------------------------

 

 

 

 

 

هآرتس 25/11/2025

 

 

 

حقن السم للمخربين تخدم نتنياهو، هي ستفكك المعارضة

 

 

 

بقلم: ألوف بن

 

ايتمار بن غفير ليس السياسي الاول الذي شق  طريقه فوق جثث المحكومين بالاعدام. فقد سبقه بيل كلينتون الذي يعتبر الآن ايقونة ليبرالية، لكن كحاكم لاركينسو والذي تنافس على رئاسة الولايات المتحدة في 1992 هو تاكد من اعدام رجل مختل عقليا ادين بقتل شرطي. السجين تم اعدامه بحقنة قاتلة، وهي العقوبة التي يقوم باعدادها المشروعون في اسرائيل لمن تتم ادانته بقتل شخص “بقصد المساس ببعث الشعب اليهودي في ارضه”، وفقا للتعديل 159 في قانون العقوبات (عقوبة الاعدام للارهابيين)، الذي يوشك على المصادقة النهائية عليه في الكنيست. كلينتون اراد أن يظهر كـ “قوي في وجه الجريمة”، بينما يريد بن غفير أن يظهر بأنه جلاد “النخبة”. يمكن لشريكه مفوض مصلحة السجون كوبي يعقوبي، ان يزوده بمئات جثث الفلسطينيين المسممة قبل الانتخابات كوسيلة لكسب الاصوات لحزب قوة يهودية.

النقاش حول عقوبة الاعدام يتركز على الظلم الاخلاقي للاعدام وعلى التمييز المتأصل في مشروع القانون بين الارهابيين الفلسطينيين واليهود. ولكن توجد لهذا التشريع المتسارع اهمية سياسية ايضا. فهو يقسم كتلة المعارضة الى اقسام. في التصويت على القانون بالقراءة الاولى ايده افيغدور ليبرمان وعارضه الديمقراطيون والاحزاب العربية، بينما غاب يئير لبيد وغادي ايزنكوت وبني غانتس عن الجلسة. فقط في اسرائيل لا يملك زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق موقف من قضية مصيرية مثل الاعدام الجماعي. هكذا بالضبط يريد بنيامين نتنياهو أن يقسمهم ويخيفهم. هو يستمتع بحشر يئير غولان في الزاوية مع ايمن عودة واحمد الطيبي ومنصور عباس، كشريك غير شرعي في “ائتلاف صهيوني”، وبالتالي، تحييد خيار تشكيل حكومة مستقبلية بدون الليكود.

مثلما هي الحال مع حقن الارهابيين بالسم، فان لجنة التحقيق التي سيشكلها نتنياهو لكارثة 7 اكتوبر ستكون ايضا بمثابة تكتيك “فرق تسد” بين خصومه السياسيين. ووفقا للوزير زئيف الكين، عضو لجنة صياغة خطاب التعيين، يفترض ان تقرر اللجنة الحكومية بان اتفاقات اوسلو من العام 1993 والانفصال عن غزة في 2005، ادت الى هجوم حماس في 2023. بكلمات اخرى، سيزين استنتاجاتها شعار الدولة القديم اليميني “مجرمي اوسلو الى العدالة”، لكن سيكون فيها فقط عزاء قليل لنتنياهو الذي عاد الى الحكم بعد اوسلو والانفصال ولم يقم بالغائها، وكان لديه الوقت الكافي للاستعداد للدفاع عن الدولة. ان لوم اسحق رابين واريئيل شارون لن يعفي نتنياهو من المسؤولية عن التخلي عن المستوطنات في غلاف غزة.

وحتى لو واجهت اللجنة صعوبة في تبرئة نتنياهو كليا، الا انها ستمنحه نقاط مهمة في اللعبة السياسية. يصعب تخيل من سيمثل امام لجنة التستر الحكومية لتبرير اوسلو والانفصال بأثر رجعي. التحركات التاريخية لتقسيم البلاد حاليا لا تحظى بدعم كبير، حتى في اوساط معارضي نتنياهو. لقد اختار نفتالي بينيت، الزعيم الجديد للمعسكر الليبرالي، عدم المشاركة في مسيرة تابين رئيس الحكومة المغدور، خشية ان تلتصق به ذكرى الاتفاق مع ياسر عرفات. يريد بينيت حشد الاصوات في شارع كابلان وليس في ميدان رابين.

منذ بداية الحرب ادار نتنياهو سياسة خارجية وامنية حازمة، التي تحظى بشعبية كبيرة حتى خارج معسكر بيبي. هكذا بقي في السلطة رغم الفشل الفظيع، والاستطلاعات السيئة والوعود العبثية بالنصر المطلق. وهذا هو سبب تاييده للجنة شبه التحقيق وعقوبة الاعدام للمخربين. حقن السم لحماس ربما ستشتهر في التك تك وفي لافتات بن غفير، لكنها ستساعد نتنياهو على توسيع الائتلاف بعد الانتخابات، وتقليص اعتماده على شركائه الكهانيين.

 ------------------------------------------

 

 

هآرتس 25/11/2025

 

 

 

نصر مطلق؟ نتنياهو لم يهزم أي من الاعداء، كل التهديدات بقيت على حالها

 

 

 

 بقلم: نحاميا شترسلر

 

اللقاء المؤثر للمخطوفين مع الرئيس الامريكي ترامب في الاسبوع الماضي اثبت ان المحللين يمكنهم الخطأ. فقد قدروا ان تحرير العشرين مخطوف الاحياء سيستغرق وقت طويل، وسيتم على دفعات، وفي كل الحالات حماس ستبقي لديها عدد من الاسرى الذين ستستخدمهم كبوليصة تامين، ولن تطلق سراحهم لسنوات. ايضا شعبة الاستخبارات العسكرية قدرت ذلك. ولكن العشرين مخطوف تمت اعادتهم، بدون ان يبقى لدى حماس “أي ورقة مساومة”، وهذا انجاز لنتنياهو الذي في الواقع جاء بتأخير كبير، لكنه وصل. محظور ان ننسبه فقط لترامب.

ايضا لم يقدر أي أحد بان حماس ستعيد معظم الجثث. المحللون قالوا انه بعد تفجير الانفاق، وتدمير البيوت، وتغيير طبيعة الارض، فانه سيكون من الصعب، وحتى من غير الممكن، العثور على الجثث. ولكن في الحقيقة تمت اعادة 25 جثة من بين الـ 28 جثة، هذه مفاجأة ايجابية. يجب مواصلة المطالبة باعادة الجثث الثلاثة المتبقية.

المحللون قدروا ايضا اننا لن نتسلم كل المخطوفين الاحياء بدون الانسحاب الكامل من القطاع. ولم يقدر أي احد بانه ستتم اعادتهم ونحن نوجد على “الخط الاصفر”، الذي يعني الاحتفاظ بـ 58 في المئة من مساحة القطاع. ايضا هذا انجاز لنتنياهو.

من الجدير ايضا قول الحقيقة بالنسبة للضغط الذي استخدمه نتنياهو من اجل احتلال مدينة غزة. ففي اللحظة التي دخل فيها الجيش الاسرائيلي الى احياء المدينة بهدف احتلال المعقل الاخير لحماس، فان قيادة حماس خشيت من التدمير الشامل واخلاء مليون مدني. الوسيط الامريكي ستيف ويتكوف قال ان “الضغط العسكري على مدينة غزة ساهم في قرار حماس التوقيع على اتفاق انهاء الحرب”.

حماس وافقت على التوقيع على الاتفاق لانه بعد سنتين من القتال وتدمير البنى التحتية وتصفية 23 ألف مخرب، فان هذه المنظمة الجهادية تعبت. اضافة الى ذلك جزء من الجمهور الغزي بدأ في اتهام حماس بمعاناة السكان، والمليشيات الخاصة تشكلت ضدها. ايضا من يؤيدون حماس وقطر وتركيا ارادوا انهاء الحرب. هم خافوا من ان القتل والتدمير في مدينة غزة سيؤدي الى مظاهرات ضدهم ويقوض حكمهم.

يجب اضافة الى ذلك دور ترامب المهم. فقد اراد تحقيق “سلام امريكي”: تسوية سلمية تقودها الولايات المتحدة، تهدف الى تعزيز تفوقها العسكري والاقتصادي. بالنسبة لترامب الهدف النهائي هو الاموال، وبمجرد سيطرة الولايات المتحدة على المنطقة فان الشركات الامريكية ستجبي ثروة طائلة والاقتصاد الامريكي سيستفيد.

لكن خلافا للانجازات التكتيكية فان نتنياهو قادنا الى خسارة استراتيجية على الصعيد السياسي – العسكري. مكانتنا كـ “الابنة المدللة” في واشنطن تآكلت لصالح السعودية، ومكانتنا في العالم هي في حضيض تاريخي. حماس في الواقع تضررت، لكنها لم تتم تصفيتها. هي تسيطر على المناطق التي قمنا باخلائها، ويمتثل لها حوالي 20 ألف مسلح. ايضا حزب الله لم يستسلم ولم يتجرد من سلاحه. هو يرمم بناه التحتية ويجند اشخاص ويبني قيادات ويجمع السلاح. هو يعود ليكون تهديد للجليل، رغم ان رئيس اركانه تمت تصفيته. ولكن الفشل الاكبر لنتنياهو هو في الجبهة الايرانية. على الفور بعد انتهاء حرب الـ 12 يوم، سارع الى التفاخر وقال: “لقد حققنا نصر تاريخي على ايران، وازلنا عنا تهديدين وجوديين، التهديد النووي وتهديد الـ 20 ألف صاروخ بالستي”. ولكن نحن لم نزل أي شيء. ايران لم تستسلم. وهي غير مستعدة لاي رقابة على مشروعها النووي، وما زالت تنتج الصواريخ البالستية بوتيرة عالية. وقد اعلنت مؤخرا بانها ستطلق “2000 صاروخ كل يوم في الصراع القادم مع اسرائيل”.

بكلمات اخرى، من منظار سياسي – عسكري وجدنا انفسنا في وضع حرج. نتنياهو فشل في اخضاع أي عدو من اعدائنا، وبقيت جميع التهديدات على حالها. فهل هذا نصر مطلق؟ لقد جلب الشخص الاحقر في تاريخ الشعب اليهودي هزيمة استراتيجية.

------------------------------------------

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هآرتس 25/11/2025

 

 

 

الاحتلال هو ورم في جسد اسرائيل، فقط المقاطعة يمكن أن تنقذها

 

 

 

بقلم: اوري بار يوسف

 

فيما يلي أمر يجب أن يقال، دولة اسرائيل مريضة بالسرطان. هذا السرطان له اسم وهو الاحتلال. اضراره الاولى ارسلها بعد حرب الايام الستة في 1967، ومنذ ذلك الحين استمر في الانتشار، احيانا بشكل بطيء، واحيانا مثلما في هذه الاثناء، بوتيرة قاتلة. وكان اول من شخصه هو البروفيسور يشعياهو لايفوفيتش، وايضا اسحق رابين ساهم بدوره عندما قال باسلوبه المباشر والمستقيم في 1976 بان حركة غوش ايمونيم هي “سرطان في النسيج الاجتماعي – الديمقراطي في دولة اسرائيل”.

مثل أي مرض خبيث فانه يمكن لسرطان الاحتلال القضاء على المريض حسب طريقة التعامل معه. في هذه المرحلة، بعد مرور ستين سنة على العملية، هناك أمر واحد واضح وهو انه لا يمكن لدولة اسرائيل والمجتمع الاسرائيلي والقيادة السياسية الاسرائيلية مواجهة هذا المرض لوحدها، حتى مع اضراره الواضحة. نحن اضعنا هذه الفرصة مبكرا عندما وافقت حكومة اشكول، بضغط من مناحيم بيغن ويغئال الون ووزراء آخرين، على اقامة المستوطنات الاولى في غوش عصيون وغور الاردن والخليل.

كل محاولات التعامل مع سرطان الاحتلال باءت بالفشل. رابين حاول الدفع قدما بتسوية جزئية مع الاردن في الضفة الغربية في العام 1974، لكن بسبب ضغط اليمين اضطر الى الاستسلام. لقد تم احباط عملية اوسلو التي قادها على يد يغئال عمير في 4 تشرين الثاني، وعندما فاز نتنياهو في انتخابات 1996 تأكد انها كانت عملية اغتيال. اريئيل شارون حاول اخذ زمام المبادرة بعملية الانفصال، ويبدو أن نيته كانت مواصلة المضي قدما حتى في مواجهة ضغوط المستوطنين، لكن هذا لم يكن كاف. اهود باراك واهود اولمرت، عمل بطريقته، على انهاء الاحتلال ولكنهما فشلا في نهاية المطاف. ومنذ ذلك الحين لم تكن هناك أي محاولة للتعامل مع المشكلة التي تهدد بتدمير اسرائيل كدولة سليمة.

حتى الاحتلال اسرائيل كانت قصة نجاح غير مسبوقة. فخلال اقل من عشرين سنة عدد سكانها ازداد باربعة اضعاف، واقتصادها نما بـ 10 في المئة في السنة، الزراعة تقدمت بخطوات ضخمة، واسرائيل كان فيها جهاز تعليم فاخر (الحاصلون على جائزة نوبل الآن هم الذين تعلموا في ذلك الوقت)، ويضاف الى كل ذلك جيش قوي وشبكة أمن استراتيجية حولت اسرائيل الصغيرة الى الدولة النووية السادسة في العالم (حسب منشورات اجنبية).

كل شيء لم يكن مثالي، لكن السياسيين عملوا بجهد لحل المشكلات بدلا من افتعالها. وخلافا لما كان سائدا في حينه، كانت المشكلات الامنية على الحدود الهشة اقل. في العقد قبل حرب الايام الستة قتل اقل من 200 جندي ومدني في العمليات القتالية، وفي العقد التالي، على حدود “أكثر أمنا” وبميزانية دفاع مضاعفة وجيش اقوى بكثير، قتل اكثر من 4 آلاف شخص. أي ان الاحتلال لم يوفر الامن، بل العكس هو الصحيح.

حتى العام 1967 كان طموح اسرائيل هو تحقيق السلام، لكن الاحتلال وضع طموحات اخرى مثل “الحدود الآمنة”، “ارض اسرائيل الكاملة”، “من البحر الى النهر”. الآن حتى يئير غولان يحذر من استخدام كلمة سلام، وفقط الاحزاب العربية، التي قد يكون وقتها محدود، هي التي تتحدث بصراحة عن حل الدولتين.

في داخل الدولة سرطان الاحتلال أدى الى شرخ آخذ في الاتساع، والى تطرف اليمين الوطني الذي هو غير مستعد للتنازل حتى ولا عن شبر واحد. حتى العام 1967 احتلت الصدارة القضايا الاقتصادية والاجتماعية. ومن العام 1967 وحتى 2022 الحملات الانتخابية ركزت بصورة معينة على مستقبل المناطق. ومنذ بداية 2023 سرطان الاحتلال، على شاكلة زعران التلال مثل بن غفير وسموتريتش وستروك ونصف الليكود على الاقل، انبت اورام خطيرة في نسيج مناعة الديمقراطية في الدولة. ومن غير الواضح اذا كان النظام السياسي والقانوني المتين الذي بني هنا على مر السنين سيكون قادر على مواجهة هذا التهديد.

منذ العام 1967، وهو الوقت الذي تم فيه صياغة مقولة “الاراضي مقابل السلام” كطريقة لحل النزاع، جر الاحتلال المتواصل اسرائيل من مكانة الدولة الديمقراطية المتقدمة، التي تعمل على ان تكون “منارة للاغيار”، الى مكانة الدولة المنبوذة، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تحتل شعب آخر لفترة طويلة.

دمار غزة وموت عشرات آلاف المدنيين من الشيوخ والنساء والاطفال، اكمل المهمة ووضع اسرائيل على رأس قائمة الدول المنبوذة. معظم الاسرائيليين لا يعرفون لماذا نحن نستحق ذلك. ولكن مواطني العالم الآخرين يشاهدون الصور من غزة واعمال شغب المستوطنين في الضفة، والرد هو امر طبيعي. مكانة اسرائيل الدولية الآن هي بشكل كبير من صنع يديها. وخلافا لكوريا الشمالية أو السودان ذات يوم كنا في مكان مختلف. خلافا لهذه الدول نحن نواصل الحصول على المساعدات السخية من امريكا ومن دول الاتحاد الاوروبي.

علاج السرطان هو امر صعب ومؤلم. وفي ظل عدم وجود القدرة الداخلية على مواجهة الاحتلال فاننا لا نعتمد الا على باقي العالم وضغطه الذي سيجلب لنا الدواء. هذا يخلق مفارقة لان اصدقاءنا بالتحديد الذين ياملون لنا الخير هم الذين يمكن ان يساهموا في تدميرنا. فمثلا، عندما تعلن المستشارة الالمانية أن مقاطعة اسرائيل في مسابقة اليوريفزيون امر محظور، وعندما ترفع المانيا حظر السلاح، فان النية قد تكون حسنة، ولكن النتيجة سيئة. لانه من غير مقاطعة دولية، ثقافية ورياضية وسياحية، وربما اقتصادية وأمنية، فانه لا توجد فرصة لموافقة اسرائيل على انهاء الاحتلال. ومثلما انه بدون علاج كيميائي أو اشعاع سيموت المريض، فانه ايضا بدون ضغط، بالذات من قبل اصدقائنا، فان سرطان الاحتلال سيقتلنا.

 ------------------------------------------

 

 

أميركا.. والحاجة إلى عقول مفكّرة

 

 

 

بقلم: اميل امين

 

من بين أهمّ التساؤلات التي طرحها علماءُ السياسة والمفكّرين حول العالم، لا سِيّما في العقود الأخيرة، هو ذاك المُتعلّق بمن يصنع اتجاهات العالم، هل المواقف أم الأشخاص؟

يَقْطَع بطريرك السياسة الأميركيّة هنري كيسنجر بأنّ الأشخاص بلا شكٍّ هم مَن يقودون العالم بأفكارهم التي تصنع المواقف وتحدّد اتّجاهات الأحداث، ويدلّل على نظرته هذه بما جرى في الاتحّاد السوفيتيّ بنوعٍ خاصٍّ في ثمانينات القرن المنصرم، حين وصل إلى مكتب قيادة الحزب الشيوعيّ، طغمة من القادة كبار السنّ، بدءًا من بريجنيف، ثم أندروبوف، وصولاً إلى تشيرننكو، قبل أن يعرف ميخائيل غورباتشوف طريقه إلى الحكم، ويتبنّى سياسة البريسترويكا والجلاسنوست، أي المكاشفة والمصارحة، ثم إعادة البناء.

كانت تلك ولا شكَّ مرحلة الأشخاص الذين قادوا الشيوعية إلى مثواها الأخير، ذلك لأنهم عجزوا عن قراءة الأزمنة، وفهم مجريات التاريخ، وبلغت بهم مرحلة الانسداد التاريخيّ، حدَّ الوهم بأن النظريّة الشيوعية خالدة وسوف تعيش لألف عام، وما هي إلّا سبعين سنة وكانت النهاية؟

اليوم يختلف المشهد وينتقل من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، حيث الولايات المتّحدة الأميركيّة وحتّى الساعة مالئة الدنيا وشاغلة الناس، والقطب المنفرد ولو إلى أجل قريب بمقدرات العالم والسؤال: هل الولايات المتّحدة الأميركيّة، وفي الأوقات الراهنة تحديدًا، في حاجة إلى قادة جُدُد، وإلى عقولٍ مفكّرة بمنظورٍ عصرانيّ مغاير لمرحلتين تاريخيّتين، مرحلة الحرب الباردة، ثم القطب المنفرد بعد سقوط حلف وارسو؟

الشاهد أنّ الناظر إلى الداخل الأميركيّ اليوم، تكاد الدهشة أن تَلُفَّه من جرَّاء وقائع الأحداث وطبائع الأمور هناك، لا سِيَّما بعد أن تحوَّلَ العالم السياسي، من دائرة التنافس السياسي التقليديّ المعروف والموصوف، إلى حَيِّز الصراعات والصدامات المحفوفة بالكراهية العِرْقِيّة، والتحَزُّب غير الإيجابيّ القائم على التهويل تارةً والتخوين تارةً، ولعلَّ أقرب مشهد في هذا السياق المخيف، هو توجيه عدد من أعضاء الكونجرس من الديمقراطيّين، ما يشبه الأوامر إلى القوات المسلّحة الأميركية، وقوّات الحرس الوطنيّ، بأن تتمَرَّدَ على قرارات الرئيس ترمب القاضية بالانتشار في المدن، وهو الأسلوب الذي لجأ إليه سيّدُ البيت الأبيض في طريقه، كما يتصوّر، لمكافحة العنف والجريمة، ومحاولة انتشال الولايات المتحدة من أزمات الصراعات والفوضى والانفلات.

هل تصرّف أعضاء الكونجرس هؤلاء، يمكن أن يصُبَّ في خانة الخيانة العظمى، ويحقّ للرئيس أن يقوم بسجنهم، إن لم يكن إعدامهم كما تقتضي قوانين البلاد، لا سيما في حالات الارتباك والخروج عن القانون؟

من هنا ينفلش الحديث عن حاجة الولايات المتحدة إلى مشروع مانهاتن جديد لكنه من النوع الفكريّ وليس النوويّ.

تحفظ أضابير التاريخ، قصة مشروع مانهاتن البحثيّ الذي جرى العمل عليه في أثناء الحرب العالمية الثانية، بدءًا من العام 1942، وقاد البلاد إلى حيازة أول قنبلة نوويّة في التاريخ.

غير أنّه من الواضح أنّ هناك حاجةً إلى مشروع مانهاتن لرأس المال البشريّ النخبويّ، بأكثر من الحاجة إلى أنواع متطوّرة من القنابل النوويّة، والعهدة هنا على البروفيسور “ريان ب. ويليامز”، رئيس معهد كليرمونت، وناشر مجلّة العقل الأميركيّ، والذي طرح القضيّة للنقاش خلال حلقةٍ نقاشيّةٍ في مؤتمر المحافظية الوطنية لعام 2025 بالمعهد عينه.

التساؤل المثير الذي طرحه ويليامز يبحث في العلاقة بين مستقبل الحضارة الغربيّة، والتصاعُد المثير إلى حَدِّ المخيف لعالم الذكاء الاصطناعيّ.

لا يستقيم التركيز على التقدّم التكنولوجيّ في تقدير الكثير من أصحاب العقول الراجحة، من غير رأس مالٍ بشريٍّ نخبويٍّ حقيقيٍّ، والاختلال يقود إلى وضع الحضارة الغربيّة في مَهَبّ الريح.

لكنَّ الخوفَ مِمَّن؟ أهو من الصين السابقة أحيانًا في مسارات ومدارات الذكاءات غير البشريّة، وربّما من روسيا القادرة على تسخير قدراتها العلميّة الفيزيائيّة تحديدًا لمقارعة أميركا عسكريًّا؟

غالب الظنِّ أنَّ الخوف الأميركيَّ الأكبر ينطلق من داخل أميركا عينها، حيث حقبة ضبابيَّة، شِقاقِيَّة فِراقيّة، ما بين أحزابٍ متشارعة، وقضايا ما بعد الحداثة والأنسنة المتنازعة.

قراءة رئيس معهد كليرمونت، والتي تميل إلى نوع من المحافظيّة الداخليّة، غير المنشغلة بالتبشير بالديمقراطيّة وغزو بلدان العالم، كما في حقبة محافظي بوش الابن أوائل الألفيّة الثالثة، تقطع بأنّ هناك حاجةً لنخبةٍ أميركيّة تمزج بين العقل والنقل، ولها دالة على الآداب والعلوم والفنون، كما تبرع في فهم منطلقات السياسة، بهدف رفع مستوى الحكومة على الصعيدَيْن الوطنيّ والولايتيّ.

والشاهد أنّ أزمة التعليم الأميركيّ، من الروضة وحتى ما بعد الثانويّ، باتت تنعكس على فرق النخبة الأميركيّة المضمحلة إلّا ما رحم ربُّك.

عبر صفحات مجلّة أتلانتك، نرى جدلًا حول العمليّة التعليميّة في جامعة هارفارد، ذروة مؤسّسات الاعتماد المرموقة، والملاحَظ هناك أنّ التقييمات المرتفعة للخرّيجين، لا تعكس مستويات متقدّمة من الفهم، ذلك أن الأتمتة والميكنة والشات جي بي تي، عطفًا على غيرها من أدوات الذكاء الصناعيّ، جعلتْ الطلاب يضربون صفحًا عن قراءة الكتب، ويتوقّفون عن التفاعل مع الأفكار النقديّة الخلّاقة، ما يغلق أبواب الروح الأميركيّة على مصادر المعرفة الحقيقيّة.

في يناير الماضي، أجرى مركز بيو استطلاعًا للرأي بين المراهقين الأميركيّين، الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و 17 عامًا، فوجد أن عدد مستخدمي تشات جي بي تي قد تضاعف منذ 2023 من 13% إلى 26%.

الكارثة لا الحادثة تتمثّل في أنّ أدوات الذكاء الاصطناعيّ تستنزف في المرحلة الثانويّة تركيز الطلاب، وتضعف عقولهم، ثم يلتحق أفضلهم بمؤسّسات التعليم العالي المرموقة حيث تقلّ فرصُهم أكثر من أيِّ وقتٍ مضى للاستفادة من أهم سنوات حياتهم في بناء رأس المال الفكريّ وصقل عقولهم وأرواحهم.

تبدو أميركا اليوم في صراعٍ داخليٍّ مخيف، بين الروح والمادّة، بين أنصار الدونكشتويّة التكنولوجيّة إن جاز التعبير، والتي يؤمن أصحابها بأن الذكاءات هذه، قادرة على محاربة السرطان، وإطالة عمر الإنسان واستكشاف المريخ، وزراعة الصحارى، وقد يكون هذا في حدِّ ذاته صحيحًا.

لكنَّ الإشكاليّةَ الحقيقيَّةَ تتمثَّل في أن تكون هذه هي السبب الرئيس وراء تفريغ الروح من إنسانِيَّتها، والعقل من ذكائه الطبيعيّ، والمجتمع من حلمه الذي جعل منه مقصدًا للشرق والغرب على حدٍّ سواءٍ.

السؤال هنا: “هل من معادلةٍ توفيقيّة، لا تلفيقيّة، قادرة على مسايرة تطورات التقنيّة، مع الحفاظ على مفاهيم الحرية وصيانة الثوابت الليبراليّة الدستوريّة وإرث الآباء المؤسِّسين؟

الجواب مهمٌّ للغاية، ذلك أنّه قادرٌ على تحديد وتجهيز قيادات أميركا ما بعد المائتين وخمسين عامًا من نشوئها وارتقائها، وما إذا كان التكنوفاشيزم هم من سيديرون عقارب ساعتها، أم رجالات الدولة والقادة الذين تشكَّلَتْ عقولُهم وأرواحهم في سنوات التكوين من خلال التفكير العميق على الأسئلة الوجوديّة القديمة، لا سِيَّما المتعلِّقة بالعدالة، الخير العام، الحقوق الطبيعيّة، الازدهار البشريّ، الفلسفة واللاهوت.

يبدو التفوّقُ التقنيّ المنعزل عن الضمانات الأخلاقيّة والسياسية والدستوريّة، معضلةً مخيفة لأميركا اليوم، والرهان على السعي الجامح للتفوُّق التكنولوجيّ مع إهمال ما عداه من المرجَّح أن يؤدِّيَ إلى تدمير الذات.

هل الولايات المتّحدة الأميركيّة فحسب التي تبدو في حاجةٍ ماسّة إلى تطوير مشورع مانهاتن لرأس المال الفكريّ؟

بالقطع الأمر يتجاوز الحضارة الغربيّة إلى الشرقيّة، بل وعموم الإنسانية، ما بين الفُرَص والتحَدِّيات.

------------------------------------------

 

 

هآرتس 25/11/2025

 

 

 

لضمان فوزه بالانتخابات.. نتنياهو: سأنزع الشرعية عن حزب منصور عباس

 

 

 

بقلم: أسرة التحرير

 

نتنياهو الآن في ذروة الاستعدادات للانتخابات. هدفه واضح: تحييد أي إمكانية للتغيير السياسي، واقتلاع السابقة التاريخية لحكومة التغيير، التي شارك فيها، لأول مرة منذ قيام الدولة، حزب عربي كشريك كامل – حزب الموحدة “راعم” بقيادة منصور عباس. الاستراتيجية نفسها، العرب نفس العرب الذين سعى نتنياهو نفسه لكسبهم في الماضي. لكن ما هو مسموح به لنتنياهو ممنوع على غيره. هذه خطوة واضحة: تعميق نزع الشرعية عن التعاون مع الأحزاب العربية، تمهيدًا لحظرها.

يحافظ نتنياهو على كتلة الموالين له باستخدام نسغ البيبية والكهانية؛ ويسعى الآن إلى تقليص هامش المناورة المتاح للمعارضة. هذه هي خلفية بيانه يوم الأحد، الذي أفاد فيه بأنه ينوي “إكمال عملية” حظر الحركة الإسلامية، عقب تصنيف ترامب جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية. لقد سبق لإسرائيل أن حظرت الفصيل الشمالي من الحركة الإسلامية عام 2015. ويُشكّل الفصيل الجنوبي المعتدل القاعدة التنظيمية لكتلة “الموحدة”. يُدرك عباس هذه الخطوة جيدًا: “يعمل نتنياهو على جعل “الموحدة” حزبًا غير شرعي، ويحاول منعها من الترشح في الانتخابات لضمان فوزه ومنع حكومة التغيير”، على حد قوله. هذا هو الهدف بالفعل: تقليص التمثيل العربي، وبالتالي زيادة فرص كتلة اليمين في تشكيل حكومة.

إن مساعي الإضرار بالأحزاب العربية ليست جديدة، سواءً برفع نسبة الحسم، أو بمحاولة شطب مرشحين للكنيست من خلال توسيع تعريفات “دعم الإرهاب” وغيرها من التلاعبات التي رفضتها محكمة العدل العليا مرارًا وتكرارًا. ومن منا لا يتذكر نشأة بيبي-كاهانا في تصريح نتنياهو الخالد يوم انتخابات 2015 بأن “العرب يتوافدون بأعداد كبيرة إلى صناديق الاقتراع”. ووسط كل هذا السم العنصري الذي سكبه نتنياهو وحكومته على المجتمع الإسرائيلي، نجحت كتلة عباس في تحقيق المستحيل؛ لقد كسرت حكومة التغيير أعمق المحرمات في السياسة الإسرائيلية. ما يفعله نتنياهو الآن هو ترجمة مباشرة لرسائل الكراهية التي أطلقها هو وشركاؤه ضد مشاركة العرب في الحكومة (“داعمي الإرهاب”)، إلى نزع الشرعية وحظر المشاركة. يجب ألا تقع المعارضة في هذا الفخ. على أعضاء حكومة التغيير السابقين حماية شريكهم عباس، الذي اخترق أكثر الحدود السياسية تحصينًا في إسرائيل، وحماية الشراكة السياسية مع العرب، وتمثيلهم في الكنيست وعضويتهم في الحكومة، وتوسيع المشروع المشترك. هذه لحظة اختبار لهم. يعتمد مستقبل إسرائيل على التعاون بين اليهود والعرب في جميع مجالات الحياة، وخاصة في الكنيست والحكومة. لقد حدث التغيير بالفعل، ويحاول نتنياهو قتله. يجب ألا يُسمح له بذلك.

-----------------انتهت النشرة-----------------

disqus comments here