الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الجمعة 7/11/2025 العدد 1454
|
الصحافة الاسرائيل- الملف اليومي افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 7/11/2025
الدولة قربان على مذبح ارض اسرائيل
بقلم: دافيد اوحنا
في 4 تشرين الثاني 1995، اليوم الذي قتل فيه اسحق رابين قبل ثلاثين سنة، ارادت ارض إسرائيل ان تحل محل دولة إسرائيل. يبدو ان اسطورة دينية – قومية متطرفة قدمت كقربان الشخص الوسيم الذي جسد بشكل واضح روح إسرائيل التي ميزت السنوات الـ 19 العجاف بين حرب التحرير وحرب الأيام الستة. ويشرح صحيح ادرا رابا ان جدنا إسحاق قد تم تقييده بالفعل، وتم تقديمه كقربان، حيث ان اسمه لم يتم ذكره أبدا في الفصل بعد محاولة التقييد.
اثناء المحادثة التي اجريتها قبل ثلاثين سنة مع رحيل رابين، شقيقة اسحق رابين (التي تحتفل الآن بعامها المئة) التي تعيش في كيبوتس منارة، دخل الغرفة حفيدها غال. قبل بضعة اشهر من ذلك غال احتفل بسن البلوغ وحتى أنه قرأ الجزء الأسبوعي في التوراة، الذي حفظه عن ظهر قلب مع معلمه من كفار بلوم. على سؤالي أجاب بان موضوع الجزء الأسبوعي كان عقد اسحق. وعند سماع أقواله رحيل احضرت من غرفة العمل النهائي لعقد اسحق، الذي كتبه ابنها يفتاح وهو في الصف 12 قبل 28 سنة.
في مقدمة عمله كتب يفتاح بأنه جذبته واقعية الموضوع. “في كل مرة يكون فيها على الأب التضحية بابنه، الشخص يجب عليه التضحية بنفسه من اجل عقيدته، حياته أو تحقيق العدالة التي هي فوق كل شك”. قبل قتل رابين باسبوع دشن معرض “اسحق” الفنان الدانماركي بيتر برندايس في متحف تل ابيب، الذي وصل الى هناك من لقاء مع الملك حسين في عمان، وتشرف بالقاء كلمة. بدون رحمة وبشيء من السخرية قال انه هو نفسه، خلافا لاسحق التوراتي، لم تكن لديه أي نية لتقديم نفسه كقربان. وبعد ستة أيام قتل.
قبل ثلاثين سنة، امام انظارنا وبصورة متعمدة، هيأ الإسرائيليون حياة اسحق رابين، مستغلين مواد حياته من اجل الامل بالسلام. اسحق، الذي هو ابن “روزا الحمراء”، التي سميت هكذا بسبب تطرفها الاشتراكي، المعادي للدين، وابن نحاميا، المقاتل في الكتيبة العبرية والذي دافع عن الحي اليهودي في البلدة القديمة في القدس بجسده، والذي عاش والديه في حيفا، لكن اسحق الشاب الذي ولد في البلاد والاسطوري ولد في القدس. مع ان الامر يتعلق بحقيقة سيرته الذاتية فانه يصعب تجاهل مقارنتها بضحية مشهورة أخرى، المصلوب، الذي نقل مسقط رأسه كما يليق بالمسيح بفضل الذاكرة المسيحية المجددة من الناصرة (حيث عاشت عائلته ومن المرجح انه ولد فيها) الى بيت لحم، حيث كان من المفترض أن يولد المسيح.
في بناء سيرة ذاتية اسطورية هناك محاولة للارتقاء من الجسد والدم الى المواد الأسطورية من اجل منح القربان معنى تجنيدي. رابين تربى في بوتقة الصهر الصلبة لابناء الجيل الثاني من حركة العمل، في مدرسة باسم تشيرني خوفسكي في تل ابيب، على يد المربي المعروف اليعيزر شموئيلي، وفي المدرسة الزراعية خضوري عند المدير الأسطوري شلومو تسيمح، الذي كان قائد في البلماخ وحارب في القدس، والكثير من طلابه كانوا طبق الفضة لدولة اليهود.
في احتلال القدس القائد الاسطوري في حرب الأيام الستة استكمل كوديعة للأجيال ما نقص استكماله في حرب الاستقلال. الزعيم الذي اعاده التاريخ للمرة الثانية لرئاسة الحكومة، تم اعداده لتجسيد دوره التاريخي في صنع السلام. ديغول الإسرائيلي، الذي أمر بتكسير عظام الفلسطينيين في الانتفاضة الأولى، يتصالح معهم بمصافحة تاريخية، هو محرر المناطق ومعيدها. وفي النهاية المأساوية – يجسد الإسرائيلية العلمانية سقط ضحية في مسيرة ضد العنف، برصاص قاتل يرتدي القبعة المنسوجة، على انغام “اغنية للسلام” في أسبوع كان فيه فصل التوراة الأسبوعي هو فصل فيرئيه، الذي تدور احداثه حول ربط إسحاق، كما ربطت إسرائيل دولة إسرائيل.
أوسلو كان نقطة تقاطع تاريخية، وأيضا نقطة تقاطع أظهرت في حينه، والان ايضا، للاسرائيليين والفلسطينيين الخيارات المتاحة لهم للمستقبل. من جهة، هل ستوافق م.ت.ف، في الأراضي التي تخضع حاليا لسيطرتها الأمنية والمدنية في الضفة الغربية، على مسار حماس الشمولي الذي يحبط أي حل مستقبلي؟ هل ستستمر في التلعثم في ادانة الفظائع التي ارتكبت على يد أبناء شعبها في 7 أكتوبر؟. من جهة أخرى، هل سيواصل الإسرائيليون صم الاذان والقلوب إزاء المظالم التي ارتكبها المستوطنون المشاغبون باسمهم؟. منذ اللحظة التي اندلعت فيها الحرب في غزة وزعت وزارة الاستيطان عليهم طائرات بدون طيار وسيارات رباعية في الضفة الغربية، وفي غضون ثلاثة اشهر تم طرد اكثر من 80 تجمع رعاة من هناك، واضيفت 120 بؤرة استيطانية، بموافقة ضمنية من الجيش الإسرائيلي والشرطة (هاجر شيزاف، “هآرتس”، 25/10). هنا تتبلور رؤية مناهضة لاوسلو بشكل بطيء.
هذه الوقائع تدفن كما يبدو حلم أوسلو، الذي سيكون الى الابد مرتبط بذكرى اسم رابين. ولكن خلافا لكثيرين، انا أقول ان اتفاق أوسلو لم يفشل في نقطة انطلاقه. عمليا، هو كان انعطافة تاريخية مهمة، تاسيس اعتراف تاريخي غير مسبوق من قبل الإسرائيليين بوجود الشعب الفلسطيني. طريق طويلة سرنا فيها منذ مقولة غولدا مئير بانه “لا يوجد شعب فلسطيني” وحتى المصافحة التاريخية بين رابين وزعيم م.ت.ف، ياسر عرفات، على العشب في البيت الأبيض. كثيرون نسوا انه قبل فترة قصيرة من التوقيع على الاتفاق حكم على ايبي نتان بالسجن ستة اشهر بسبب التقائه مع أعضاء في م.ت.ف خلافا للقانون. والان، مرة واحدة (في الواقع بعد محادثات مطولة بين يوسي بيلين وأبو علاء) في أوسلو تم شق الطريق للاعتراف المتبادل بين دولة إسرائيل وم.ت.ف.
جميع النزاعات والصراعات والتفسيرات والنقاشات، لا يمكن ان تقلل من أهمية القفزة الكبيرة التي قامت بها إسرائيل بقيادة رابين (بمبادرة من شمعون بيرس): اعتراف رسمي بوجود الشعب الفلسطيني، الذي تم غرسه في وعي الإسرائيليين، وهو انجاز ثوري لا يمكن محوه. هناك من باركوا ذلك وهناك من عارضوا. ولكن منذ ذلك الحين لا احد يمكنه التنكر لمجرد وجود الواقع التاريخي الذي يسمى الشعب الفلسطيني، كما فعل رؤساء حكومات إسرائيل السابقين. يجب عدم الاستخفاف بالانجاز التاريخي لمناحيم بيغن، التوصل الى اتفاق سلام مع اكبر أعداء إسرائيل (مصر)، لكن ذلك كان اتفاق سلام بين دولتين سياديتين، كيانين قائمين. انجاز أوسلو هو في تحويل غير القائم الى قائم، العدم الى وجود، المنفي الى موجود. عمليا، هذا العمل الثوري مطلوب له جرأة وقوة، وعي تاريخي وقوة حسم، التي تجتمع في الوقت المناسب وتحول الشخص الذي يتولى منصب رسمي الى زعيم تاريخي. أي ذاكرة نحمل من صورة اسحق رابين؟ ما هو المرتبط اكثر في الذاكرة باسمه – القتل الأول لرئيس حكومة في إسرائيل أو اتفاق أوسلو بسبب الانطلاقة التاريخية المقرونة به؟.
يوجد لنا “ذاكرة ترميمية” تتغير باختلاف وظائفها، وتغير نظرتنا للماضي التاريخي. في هذه العملية نحن نعيد بناء حقائق الماضي بهدف ملاءمتها مع اهداف الحاضر. في عملية إعادة البناء الانتقائية للاحداث التاريخية أو ابطال الماضي تستخدم ممارسات التأكيد أو المحو، التكثيف أو الاختزال. هاكم ما قاله رابين في 1994 في مقابلة مسجلة اجراها معه عاموس غيتاي، وتنشر هنا لأول مرة. في نهاية المقابلة تحدث رابين عن مشاركته في حصار جيب الفالوجة في 1948، الذي كان من بين المحاصرين فيه الرائد جمال عبد الناصر. لقد قال: “نحن اقترحنا على المحاصرين أن ياتوا لتناول الغداء معنا في كيبوتس غات، مع وعد بعودتهم سالمين. ناصر جلس بجانبي ونظر الى شعار البلماخ وسألني عن معناه. انا شرحت له. ثم قال: “هذه الحرب التي نخوضها معكم هي حرب خاطئة، ضد العدو الخطأ وفي الوقت الخطأ”. المثير للاهتمام ان رابين فهم من هذه الكلمات، كما شهد في تلك المقابلة، ان الطريق الى السلام ستكون أطول مما توقع، وأيضا ان “السلام” لا يتم فرضه”.
الدوافع او الاحتياجات تؤثر على طريقة بناء كل اسطورة وعلى دورها في المجتمع، السياسة والذاكرة التاريخية. لو ان رابين قتل في وقت قريب بعد حرب الأيام الستة برصاصة جندي اردني مثلا، عند المدخل المشهور في البلدة القديمة مع موشيه ديان وعوزي نركيس، لكانت صورته ستكون مقدسة في نظر اليمين أيضا، ولكانت الأسطورة اتخذت معنى مختلفا، بل ومعاكسا، للمعنى الذي شكل من قبل شباب الشموع في ميدان ملوك إسرائيل.
في هذا الميدان في مركز تل ابيب السعيدة، اندلعت الأسطورة المعاكسة – الدمج بين الأسطورة االقومية المتطرقة – ارض إسرائيل الكاملة – وبين الثيوقراطية اليهودية المأنسنة على صورة القاتل يغئال عمير، الامر الذي اخترق حسب فهمه، جوهر التمييز العلماني واليساري. في هذا الموقع العلماني تم اغتيال رابين في 1994، كمتماهي مع اتفاقات أوسلو، ولم يقتل في 1967 كمحرر للمناطق، أو في 1948 كقائد بطولي في حرب تحرير وطنية.
ارض إسرائيل تحتل شيئا فشيئا دولة إسرائيل، دونم وراء دونم وعنزة بعد أخرى، ولا نعرف انها تقترب أكثر. ما الذي يجب علينا فعله إزاء هذا التوجه؟ اذا كنا نريد الحياة فيجب علينا الاستعداد وتفكيك ورقة وراء أخرى وان نكشف هذا المبنى اللاهوتي – السياسي المتهالك لارض إسرائيل من البحر الى النهر، وأن نقوض الفكرة البغيضة المتمثلة في إعادة بناء الأسطورة التوراتية، وان نعيد – مثلما حاول رابين – العقلانية والاعتدال والإنسانية الى عقل وقلب الإسرائيليين.
------------------------------------------
يديعوت احرونوت 7/11/2025
“برابرة التلال” هو اسم الجماعة الأكثر عنفًا وتطرفًا في تلال الضفة
بقلم: اليشع بن كيمون
كان ذلك في وقت متأخر من المساء عندما عاد جندي من الجيش الاسرائيلي، من سكان بؤرة استيطانية في بنيامين، إلى منزله من مناسبة عائلية في آب الماضي. المشهد الذي انكشف أمام عينيه جعله يفكر في أسوأ ما في الأمر: اشتعلت سيارته بينما كانت زوجته وطفله الرضيع في المنزل، وكان من الممكن أن يكونا بداخلها. ما إن استقرت نبضاته واتضح له أن الضرر جسيم، لا محالة، حتى تذكر أنه قبل أيام قليلة، جاء فتيان من التلال إلى منزله وواجهوه، مدّعين أنه “يسير على الخط مع الجيش”. كان هذا عقابه على جرأته على الدفاع عن القانون، ولا يزال يخشى الحديث عن هذه الحادثة خوفًا من التعرض للأذى.
على مسافة ليست ببعيدة، في بنيامين أيضًا، على تلة قرب مستوطنة كوخاف هشاحر، وصل إسرائيلي يسكن في الجوار مؤخرًا بسيارته إلى منطقة المجلس، التي سيطرت عليها نفس المجموعة المكونة من عشرات الفتية المتطرفين. شعر بالخوف عندما اقترب منه عدد منهم، ملثمين وعراة الصدر، يحملون حجارة كبيرة، وتوسل إليهم ألا يلحقوا الضرر بسيارته. لم تُجدِ توسلاته نفعًا، فحطم هؤلاء الأحداث الجانحون نوافذ السيارة، ومزقوا إطاراتها، ولاذوا بالفرار دون أن ينبسوا ببنت شفة.
إن عنف هؤلاء الجانحين – وهم مجموعة صغيرة مسلحة انبثقت من فتيان التلال، يبلغ عددهم عشرات الفتيان، والمعروفين باسم “برابرة التلال” – لا يستهدف الفلسطينيين في الأراضي المحتلة فحسب، بل يستهدف أيضًا الجنود والمدنيين الذين لا يرغبون في الانضمام إلى أساليبهم العنيفة.
استشاطت مستوطنة كوخاف هشاحر غضبًا بعد حادثة “جفعات عيرا شاحر” حيث وقع الهجوم، وأصدرت بيانًا أوضحت فيه أن “سكرتارية المستوطنة تحدثت مع رئيس جفعات عيرا شاحر، وتوصلت معه إلى تفاهم يقضي بإبعاد مجموعة الفتيان عن التل”. فتحت الشرطة تحقيقًا، واحتج السكان “ضد الفوضى”، وبالفعل تم إبعاد الفتيان، لكن هذا الوباء لا يُعالج بالباراسيتامول. لم يُعتقل أحد في القضية، وبعد بضعة أيام، تعرّض أحد سكان كوخاف هشاحر، وهو ناشط معروف في التلال، لاعتداء وحشي في وضح النهار على يد أحد المجرمين المنتمين إلى نواة العنف. يقول أحد الشخصيات المعروفة في المستوطنات، شريطة عدم الكشف عن هويته: “يجب على هؤلاء الأشخاص الرحيل من هنا بسرعة. جميعنا مصدومون. للأسف، وقعت هجمات على اليهود في الماضي، لكن هذه المرة هناك بعض الحوادث غير العادية التي تشير إلى أن الأمور تخرج عن السيطرة”.
يُعدّ العنف الموجه ضد الفلسطينيين أو قوات الأمن ضربة مؤسفة ومألوفة في يهودا والسامرة، لكن احتمالية مهاجمة الفتيان العنيفين للسكان اليهود ما زالت غير مألوفة هناك. “كيف وصلنا إلى وضع يُهاجم فيه اليهود الذين دعموا وساعدوا التلال؟” يتساءل الشخص نفسه: “لا يُمكن بناء تلة دون دعم الجمهور المحيط بها، مما يسمح بفتح الطرق، ونقل الكهرباء والماء، أو توفير وجبات ساخنة للفتيان في التلال. هؤلاء يجمعون أموالًا طائلة من الجمهور، والآن على المستوطنين وضع حدٍّ لهذا، لأن هذا الوضع سيُؤدي إلى كارثة”.
ما الذي تغيّر في العامين الماضيين؟ يبدو أن نجاح هؤلاء الفتيان تحديدًا هو ما منحهم شعورًا بأنهم مُلاك أراضٍ فوق القانون. يقول المصدر نفسه، الذي يُطلق على ذلك اسم “فوضى استيطانية إيجابية”: “لا شك في أن هناك تقدمًا ملحوظًا خلال هذين العامين”. كما أدى ذلك إلى فوضى عارمة من جانب حفنة من الفتيان. من الواضح أن ليس كل من في التلال يوافق على هذه الأفعال، لكن مشكلة المستوطنين تكمن في أنهم يفضلون تجاهل هذه الأحداث. يجب أن يكون الأمر واضحًا: الفتيان الذين يؤيدون إيذاء الجنود والشرطة باسم “الأيديولوجية” يقودون فوضى عارمة تضر في نهاية المطاف بالسكان الذين لا يعجبهم الأمر.
يقول أحد السكان الذي واجه عنف مثيري الشغب: “لقد وصلنا إلى نقطة تحول، وفي هذه المرحلة لم يعد من الممكن التزام الصمت، وعلى الحاخامات وقيادة المستوطنة تحمل المسؤولية ووقف هذا الجنون”. وحسب قوله، يقود “برابرة التلال” ما بين 10 و15 شابًا تتراوح أعمارهم بين 21 و22 عامًا. “على أعضاء الكنيست الذين يعرفون كيف يدعمون فتيان التلال أن يرفعوا أصواتهم الآن، وألا يتجاهلوا الاستيطان، وإلا سيقضون عليه من الداخل”. عندما سُئل أحد سكان التلال عن مكان هذه الهتافات حتى اليوم، عندما كانت القوة موجهة ضد الجنود والفلسطينيين، قال إنه لم يكن من المهم بما يكفي أن يرفع السكان صوتهم ضد العنف. يقول مصدر أمني ميداني: “عندما كان الأمر ضد الفلسطينيين، كان هناك من يكتفي بالإدانات، أما الآن فقد وصل إلى عتبة الباب”، موضحًا أن موجة اعتقالات قد جرت في بعض الحالات. “نحن في منعطف مهم في التعامل مع الحادثة، وإذا تصرفنا بشكل صحيح، فسيكون هناك واقع مختلف هنا. الآن، تدرك المستوطنة أيضًا أننا على بُعد خطوة من الفوضى”.
عندما تأتي إلى يهودا والسامرة للحديث عن عنف هذه النواة العنيفة، يصعب عليك إيجاد سكان يوافقون على التحدث باسمهم. هذا صحيح عندما يتعلق الأمر بالهجمات على قوات الأمن والعنف ضد الفلسطينيين، وهو أكثر صحة عندما يتعلق الأمر بحالات عنف “برابرة التلال” ضد الجمهور الذي ينتمون إليه. يفضل البعض كتمان الأمر في منازلهم، والبعض الآخر يدافع عنه بهدوء، والبعض الآخر يعارضه بشدة، لكنهم يخشون التحدث باسمهم خوفًا من رد فعل عنيف.
ومع ذلك، فإن من يتحدثون هنا يتخذون إجراءً غير بديهي، وخوفهم من “برابرة التلال” هؤلاء حقيقي. ويدرك مسؤول عسكري كبير يعمل في القطاع هذا أيضًا. يبدو وصف “فتيان التلال” رومانسيًا بعض الشيء، كما لو كانوا رعاة غنم يعملون في الزراعة، لكن هذا ليس ما نتحدث عنه هنا. هؤلاء فتيان يحتاجون إلى رعاية مؤسسات الرعاية الاجتماعية وسلطة الوالدين والتعليم، كما يقول. “يتصرفون كما لو كانوا في الغرب المتوحش. ليس لديهم قانون ولا قاضٍ. يتجولون بقمصان كُتب عليها “شعب إسرائيل نعم ودولة إسرائيل لا”. لا يعترفون بالمؤسسات، وهم معادون تمامًا للصهيونية، ويرسمون شعارات “صهيونازية” على الجدران، ويتلقون دعمًا من بعض وسائل الإعلام القطاعية. لقد بنوا آلة حقيقية”. عندما سُئل المسؤول العسكري عن الدعم الذي يتلقاه هؤلاء المجرمون من التلال، أشار إلى بعض ملصقات السبت في المعابد اليهودية. يقول: “هناك أعمدة يُطلى فيها كل شيء بِحَجَّة “رومانسية” استيطان الأرض، وتحت هذه الحُجّة، تسمح هذه الحُفّنة نفسها لنفسها بِنَزع صفة الدولة عن نفسها والتخلص من كل عبء. يمكنك أن ترى فتىً في الثالثة عشرة من عمره يقود سيارة مشطوبة، وهو لا يملك حتى رخصة قيادة؛ ويُشعل فتيان آخرون النار في المركبات، وهناك صلة بين هذه الأحداث والهجمات على قوات الأمن والهجمات على اليهود. عندما تُحرق منشآت عسكرية حساسة، فإنهم يحاولون ردع قوات الأمن، وعندما تُحرق مركبات السكان، فإنهم يحاولون إرهاب من لا يحذون حذوهم.
وبينما يُصرّ سكان التلال على الفصل بين أنواع العنف، يرى الجيش كل شيء على أنه واحد. يقول مصدر أمني ميداني آخر: “من وجهة نظرنا، فإن العنف الذي يبدأ بالفلسطينيين لا يزال يُلحق الضرر بقوات الأمن، وهو الآن مُوجّه ضد اليهود أيضًا”. تُظهر بيانات نظام الأمن المتعلقة بحوادث العنف عبر الخط الأخضر أنه منذ بداية عام 2025، وقع أكثر من 500 حادث بالفعل، مُقارنةً بأقل من 400 حادث في عام 2024 بأكمله. في العام الماضي، وقع 56 حادثًا مُصنّفًا على أنه خطير، مثل الإصابات الجسدية، والهجمات العنيفة، وإحراق الممتلكات، وإلقاء زجاجات المولوتوف. حتى الآن هذا العام، وقع أكثر من 70 حادث عنف خطير.
“هذه مجموعة، بعضهم لا يعيش في يهودا والسامرة، ولأعضائها سجل جنائي يشمل السطو وأعمال عنف” يقول ضابط شرطة رفيع المستوى: “العنف هو السبب. إنهم يُضفون على هذه الجريمة طابعًا إيديولوجيًا، ولكن ما هي الأيديولوجية الكامنة وراء سرقة الهواتف المحمولة والأموال من الفلسطينيين؟ هؤلاء ليسوا “تلالًا” أو “فتيانا””.
يسود تفاؤل حذر خلال الأشهر الثلاثة الماضية، حيث وحدت قوات الأمن جهودها لمكافحة العنف في التلال. فبعد تسجيل 92 حادثة في حزيران، بما في ذلك تسع هجمات حرق متعمد، سُجل 70 حادثة في تموز و40 حادثة في آب. ومع ذلك، بالمقارنة مع العام الماضي، يُعد هذا زيادة. ومن بين أمور أخرى، تشمل الأحداث في الأشهر الأخيرة الاضطرابات التي وقعت في شهر حزيران في موقع بعل حتسور، والهجوم على قائد كتيبة، وإلقاء الحجارة، وثقب الإطارات، ومحاولة دهس، ومحاولة إشعال النار في شرفة في مركز للشرطة في بيت إيل، ورسم شعارات انتقامية على موقع للشرطة، وإشعال النار في مركبة عسكرية احترقت بالكامل، ومظاهرة عنيفة عند مدخل مقر الشرطة العسكرية في بنيامين، وإشعال النار في منشأة أمنية عند تقاطع جفعات أساف، وإلقاء الحجارة على مركبة عسكرية في نفس الموقع، وتخريب الإطارات وكتابة كلمة “انتقام” على سيارة ضابط شرطة، وثقب إطارات سيارة شرطة في شيلو، وإلقاء الحجارة على قوات الأمن في يتسهار، والقائمة تطول.
في الأشهر الأخيرة، وفي أحداثٍ تدّعي قوات الأمن أنها بدأت بهجومٍ شنّه فتيان التلال، أصيبَ عددٌ من الفتيان في حوادث إطلاق نارٍ من قِبَل القوات. كان أحدهم مصابًا بجروحٍ بالغة ويخضع لإعادة تأهيل، وهي في بدايتها فقط، في إحدى الأحداث التي هزّت السكان. وكانت هناك ثلاث حوادث من هذا القبيل. في السادس من كانون الثاني، مباشرةً بعد هجومٍ قاتلٍ قرب قرية الفندق الفلسطينية، والذي قُتل فيه إيلاد وينكلشتاين وراشيل كوهين والراحلة عليزة ريز، وصل حوالي 50 شابًا يهوديًا ملثمًا إلى القرية وأشعلوا النار في جرارٍ وسيارتين وثلاثة مبانٍ ودفيئة. ثم واصلوا طريقهم إلى قرية جينسافوط المجاورة وواصلوا إشعال النار في الممتلكات هناك، قبل أن يفرّوا من قوات حرس الحدود باتجاه بؤرة حفات جلعاد الاستيطانية. ودخل شرطيٌّ كان يطارد شابين يهوديين هربا إلى وادٍ قريب في مواجهةٍ جسدية معهما، وادّعى أنه تعرّض للضرب ورشّ رذاذ الفلفل. في إطار إجراءات اعتقال المشتبه به، ادعى ضابط الشرطة أنه أطلق طلقة تحذيرية في الهواء، لكن الشابين أصيبا بجروح بالغة وحرجة جراء إطلاق النار في الجزء العلوي من جسديهما، وفقًا لضابط الشرطة، بعد أن قفزا عليه أثناء إطلاق النار. استُجوب ضابط الشرطة في مركز الشرطة، وأُطلق سراحه للإقامة الجبرية، وأُوقف عن العمل ثمانية أيام، وعاد إلى عمله في منطقة أخرى. ولا يزال التحقيق في قضيته جاريًا.
“هذه القضية محفورة في ذاكرة الجميع هنا”، يقول أحد سكان إحدى البؤر الاستيطانية في المنطقة. “لقد كانت حادثة بالغة الخطورة أدرك فيها الكثيرون تجاوزًا للخطوط الحمراء. كانت هذه بذرة ما سيأتي لاحقًا.”
الجزء الثاني الذي يتحدث عنه المتحدث وقع في 28 حزيران، عندما تصاعدت الأزمة بين “فتيان التلال” وقوات الأمن حين استُدعيت الأخيرة لتفكيك بؤرة استيطانية غير قانونية بالقرب من بؤرة “بعل حتسور”. قال قائد كتيبة احتياط كان متواجدًا هناك إنه هو وجنوده تعرضوا للهجوم، وتلقى رسائل دعم من رئيس الأركان والمتحدث باسم الجيش الاسرائيلي، الذي أدان مثيري الشغب. في اللقطات التي نُشرت لاحقًا، يظهر قائد الكتيبة وهو يهدد الفتيان في مكان الحادث بسلاحه، الذين بدورهم شتموا الجنود وواجهوهم. أُلقي القبض على ستة من الفتيان، بعضهم قاصرون، لكن الأدلة ضدهم كانت ضعيفة للغاية ولم تُوجّه إليهم أي تهم بشأن الهجوم حتى الآن. علمت “7 أيام” أن مكتب المدعي العام طلب قبل أيام قليلة تحقيقًا شاملاً من الشرطة في محاولة لمقاضاة بعض المتورطين.
مرّ يومان، ووقعت الحادثة، وبعدها وصلت العلاقات بين قوات الأمن وبرابرة التلال إلى مستوى سلبي جديد. ذروة. أصيب مراهق برصاص جندي احتياط من شرطة الحدود كان يقف في زحمة مرورية قرب بؤرة جفعات أساف الاستيطانية. قبل لحظات، تلقى الجندي بلاغًا عن رشق حجارة على الطريق الذي كان يسلكه، فخرج من سيارته وحاول الاتصال بهم، ليكتشف لاحقًا أنهم مراهقون يهود. أصيب أحد المراهقين بجروح طفيفة. يقول مصدر أمني: “اقترب إسرائيليون من الجندي وأخبروه أنهم يتعرضون للرشق بالحجارة. فأطلق النار في الهواء على هؤلاء الملثمين، واقترب من المصاب، فأدرك أنهم إسرائيليون. وعندما وصل مسعف عربي إلى مكان الحادث، رفضوا أن يعالجهم”. يصل الأمر إلى حدّ السخافة والعار، ولا أحد يعترض على هذا الحدث”. عندما يتحدث المسؤول الأمني عن توقع وقوف أحدهم ورفع صوته احتجاجًا، فإنه يتحدث عن القيادة الحاخامية في يهودا والسامرة، التي يقول إنها لا تبذل جهدًا كافيًا. ويضيف: “سيكون من المفيد جدًا أن يضع الحاخامات، وكل من يشغل منصبًا قياديًا، خطوطًا حمراء”. “علينا أن نوضح لهؤلاء المشاغبين أنهم لا يدخلون القرى الفلسطينية، ولا يحرقون المركبات، ولا يُسببون تصعيدًا، ولا يُلحقون الضرر بقوات الجيش الاسرائيلي”. إذا تكلم الحاخامون، سينخفض هذا التوجه”. لم تُثر حوادث العنف الموجهة ضد قوات الأمن أي ندم في التلال، بل على العكس تمامًا. في مجموعات واتساب الشعبية، تصاعد الغضب، ورُويت مزاعم بأن المقاتلين كانوا متساهلين في إطلاق النار، وأُرفقت قائمة بحوادث زُعم أن قوات الأمن أطلقت فيها النار على مستوطنين أبرياء. وجاء في القائمة: “هذا ليس خطأ في تحديد الهوية أو حادثة معزولة، لقد سُمح بسفك دماء المستوطنين، وتجاوزت المؤسسة الأمنية الخطوط الحمراء”. كما نُظمت عدة مظاهرات تحت شعار “يهودي لا يطلق النار على يهودي”، دون أي انتقاد حقيقي لهؤلاء المخالفين للقانون، الذين، وفقًا لقوات الأمن، قاموا بأعمال شغب وتصرفوا بعنف قبل أن يتعرضوا للأذى، أحيانًا نتيجةً للاعتقاد بأنهم فلسطينيون.
في جمعية “حنينو” اليمينية، التي تُقدم المساعدة القانونية لليهود المتورطين في قضايا جرائم قومية، أعلن محامو أحد الشبان الذين شاركوا في المواجهة مع قائد كتيبة الاحتياط في بعل حتسور، عزمهم على مقاضاة مقاتل قضى مئات الأيام في خدمة الاحتياط في الحرب. سيضطر على الأرجح إلى تمويل دفاعه القانوني بنفسه. يقول مصدر أمني: “انظروا إلى نفاقهم! لطالما طالبوا الجيش الاسرائيلي باستهداف راشقي الحجارة عبر الخط الأخضر للقضاء على هذه الظاهرة، والآن، مع انخفاض أعداد الإرهاب الشعبي، وتزايد راشقي الحجارة، يشتكون من سهولة إطلاق النار”. ربما يتوقعون منا أن نسأل عن اسم رامي الحجارة قبل كل عملية إطلاق نار، وبناءً على ذلك سنقرر ما إذا كنا سنحيّده أم لا”. لا تزال الأحداث الخطيرة الموصوفة هنا قيد التحقيق، وفي هذه المرحلة، لا تنوي لجنة الشرطة العسكرية التحقيق مع قائد الفصيل الذي أطلق النار قرب بعل حتسور، ولا مع قائد الكتيبة الذي أطلق النار عليه. لم يُستكمل التحقيق مع الشرطي الذي أصاب الصبية قرب حافات جلعاد بعد، ويبدو أن النظام مرتاح لترك التحقيقات معلقةً حتى لا يُثير المزيد من الاشتباكات على الأرض، حيث قد يؤدي أي قرار في هذا الشأن إلى تصعيد الوضع أكثر.
في هذه الأثناء، على الأرض، لا تزال السيطرة مُحكمة ومُعززة. يقول أحد سكان البؤر الاستيطانية: “هذه ليست فترة غانتس في وزارة الدفاع، عندما كنا نُخلى مرارًا وتكرارًا وكانت هناك العديد من الاشتباكات”. “اليوم، لا ينتهي الذهاب إلى البؤر الاستيطانية بالضرورة بالإخلاء، يُسمح لنا بالبناء”.
بالتوازي مع حوادث العنف ضد قوات الأمن، تتواصل أعمال العنف التي يرتكبها برابرة التلال ضد السكان الإسرائيليين. قبل بضعة أسابيع، انطلقت مجموعة من الفوضويين لتنفيذ عملية “دفع ثمن” في إحدى قرى كتلة شيلو. أحد سكان إحدى البؤر الاستيطانية، الذي أدرك نواياهم، منعهم من المرور في قريته وطردهم. رداً على ذلك، قاموا بثقب إطارات سيارته وعطلوها. يوضح مصدر مطلع على التفاصيل: “لقد وضعوا ثمناً على سيارته. هذه شركة لا تستمع لأحد”.
وفي حادثة أخرى، وقعت قبل نحو شهر عند مفترق شيلو، رصد أحد السكان المحليين صبيين في الثانية عشرة من عمرهما يحاولان تخريب سيارات فلسطينية. طالبهما بالتوقف، وفجأة ظهرت سيارة رشّها شاب، من سكان وسط إسرائيل، بالغاز المسيل للدموع من مسافة قريبة. استلزمت الضحية علاجاً طبياً.
تعرض أحد كبار الشخصيات في المستوطنة لعنف مماثل عندما جاء إلى إحدى البؤر الاستيطانية في منطقة جفعات أساف للتحدث مع الصبية، إلى أن طُرد تحت تهديدات شديدة، حيث أحاط الصبية به وقالوا له: “إن لم تخرج من هنا، فسنفجرك”، وهددوه بإحراق سيارته إن لم يغادر. يقول أحد السكان هناك: “هذا ليس حتى صبيًا من قمة تل، بل جماعة فوضوية كسرت كل القيود، وأجزاء منها تأتي من مناطق أخرى في البلاد، تُلحق الضرر بنا وبالجيش وتُشوه سمعة مجتمع بأكمله”.
وقد رفع يارون روزنتال، رئيس مجلس غوش عتصيون، مؤخرًا صوتًا شجاعًا ضد مثيري الشغب العنيفين في مقال نشره في صحيفة “ماكور ريشون” أدان فيه هذه الأعمال. يقول: “هناك قلة صاخبة هنا، مواقفها في العديد من القضايا تتعارض مع مواقف الأغلبية المطلقة من سكاني، وفي النهاية تُسمع هذه القلة، وكان هدفي من كتابتي إيصال صوت الأغلبية الصامتة. أتلقى الكثير من الرسائل من السكان يسألون: “لماذا يفعل الجيش هذا؟” أو “الجيش يساري ويخدم السلطة الفلسطينية”. وهؤلاء أشخاصٌ ملتزمون بالقيم، يستمعون ببساطة إلى الأقلية الصاخبة، وهم على يقين من صحتها، ويرسلون لي رسائل مفادها أن الجيش يطلق النار على الأطفال. كثيرون في مجتمعنا لا يعرفون حقًا ما هو الخير وما هو الشر، كما أن الصالحين أمامي مندهشون من طريقة تعامل الجيش مع المستوطنات. هذا ما دفعني للوقوف والتحدث، رغم أن أصدقائي نصحوني بالهروب من هذه القضية كما يفر المرء من النار. لذا، أفهم أن هناك ثمنًا قد أدفعه لبياني الواضح والحاسم، لكن الهدف هو تعزيز ما يهم شعب إسرائيل، وليس بقاء شيرون روزنتال في منصبه”.
عند محاولة فهم سبب جرأة تلك المجموعة من مثيري الشغب على مهاجمة قوات الأمن وسكان التلال، يبدو أن فوضى تطبيق القانون قد بدت واضحة قبل نحو عامين. في تلك الأيام، نشأت أزمة ثقة عميقة بين الجيش الاسرائيلي والقسم اليهودي في جهاز الأمن العام (الشاباك) وشرطة “شاي” (المناطق). زعم مسؤولو الشرطة أن الشاباك كان يخفي معلومات عنهم، وترددت مزاعم مماثلة في الشاباك، بالإضافة إلى انتقادات مفادها أن الشرطة، منذ تعيين وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، قد فهمت توجهات القائد ولم تبذل جهدًا للتحقيق في الجرائم القومية. أدت الاتهامات المتبادلة، وتبادل المسؤوليات، والتحقيقات التي توقفت في مواجهة تصاعد الإرهاب اليهودي، إلى توتر العلاقات بين الجهات المسؤولة عن تطبيق القانون في الميدان، وبلغت ذروتها قبل نحو عام مع تفجر قضية أفيشاي معلم، القائد السابق لمنطقة “شاي”، المشتبه به، من بين تهم أخرى، بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة وإساءة استخدام السلطة. وتشمل الشكوك ضد المعلم تجاهله المتعمد لمعلومات استخباراتية تتعلق بالنشطاء اليمينيين المتطرفين ومنع اعتقالهم، بهدف إرضاء بن غفير والحصول على ترقية.
يقول مصدر في الشرطة عن الفترة في محيط 25 كانون الأول، عندما أُجبر معلم على الإجازة: “كانت هناك أيام عصيبة في الاروقة هنا. تدخل المدرسة الدينية وفجأة يأخذك المحققون للاستجواب. شعورٌ مزعج”. بعد بضعة أشهر من اعتقال معلم، نُشر تسجيلٌ لمحادثة بينه وبين رئيس القسم اليهودي في الشاباك، أ.، يُسمع فيه وهو يطلب اعتقال فتيان التلال دون دليل. أ. جمد نفسه بعد النشر.
يقول المصدر: “فوق كل شيء، كان هناك انعدام ثقة، وأدرك مثيرو الشغب على الأرض أن هناك أزمة حقيقية هنا”. منذ ذروة الأزمة، تغيّر رؤساء الهيئات التي واجهت صعوبة في التعاون: فعُيّن المقدم موزي كوهين قائدًا بالنيابة لفرقة شاي بدلاً من معلم، واستُبدل اللواء يهودا فوكس من قيادة المنطقة الوسطى باللواء آفي بلوت، واستُبدل قائد منطقة شاي، اللواء عوزي ليفي، بموشيه بينشي، ولم يعد وزير الدفاع غالانت، الذي كان ينحاز إلى الجيش والشباك في النزاعات مع الشرطة، جزءًا من دائرة صنع القرار.
ولهذا أيضًا نتائج إيجابية. إذ يُمكن الآن، ولأول مرة، نشر تبادل رسائل بين القسم اليهودي في الشاباك والجيش الاسرائيلي بشأن الإدارة المستمرة لمكافحة الجريمة من قِبل فتيان التلال. وكان هناك اتفاق بين الهيئات على الفجوات بينها، بما في ذلك نقص المعلومات الاستخباراتية قبل وبعد حوادث العنف، وضعف نقل المعلومات فيما بينها، ونقص التوثيق العملياتي، وعيوب أخرى سيُظهر فحص النتائج لاحقًا ما إذا تم تصحيحها بالفعل. في غضون ذلك، طُلب من المنظمات وضع إجراء جديد يُنظّم ترتيب العمليات، ووفقًا لشهادات ميدانية على الأقل، فإن التحسن ملحوظ بالفعل.
بعد صياغة وثيقة الثغرات في 24 تشرين الثاني، أُرسلت وثيقة أخرى بعد شهر، تناولت تغيير المفاهيم الأساسية في التعامل مع الجريمة القومية. في الواقع، ووفقًا لبعض المسؤولين الأمنيين، نشأت فجوات في التعريفات بين مختلف المنظمات المسؤولة عن الانفاذ. “بسبب قصور في التعريفات، ما عرّفه جهاز الأمن العام (الشاباك) عملية مضادة، عُرّف في الجيش الاسرائيلي كمواجهة أو احتكاك، وما عُرّف بـ”عملية مضادة خطيرة”. اعتبر في الشرطة حرقًا متعمدًا أو إرهابًا شعبيًا”.
ونتيجةً لذلك، خلقت الفجوات العميقة بين الجيش الاسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) والشرطة ثغرات في التعامل، وأعاقت التحقيقات وتكوين الأدلة التي تسمح بتقديم لوائح اتهام ضد المشتبه بهم. ليس هذا فحسب، بل في كل مرة حاولت فيها وزارة الدفاع أو مجلس الأمن القومي أو مكتب رئيس الوزراء فهم نطاق الظاهرة، كانت البيانات الواردة من كل جهة مختلفة. علم موقع “7 ايام” أن نقاشات محتدمة تدور هذه الأيام حول هذا الموضوع، مصحوبة باختلافات في الآراء حول التعريفات المتفق عليها: ما يُعتبر هجومًا، وما يُعرّف بأنه حادث خطير أو حادث عنيف، بالإضافة إلى تعريفات الجريمة الزراعية، والاحتجاج العنيف، والهجوم المتعمد على قوات الأمن، وما إلى ذلك. من بين أمور أخرى، أصدرت الشرطة قرارًا يفيد بأن إشعال النار في مركبة، وهو ما يُعرّف حاليًا بأنه هجوم، لن يُعتبر كذلك إذا كان يتعلق بمركبات مُهملة ومُزالة من الطريق، شريطة أن ينتهي الحادث دون إصابات. إضافةً إلى ذلك، فإن إلقاء زجاجة حارقة، وهو ما يُعرّف حاليًا بأنه إرهاب شعبي، سيُعرّف بأنه حادث عنيف فقط، إذا لم يُسفر عن إصابات. على عكس الماضي، يحظى ممثلو الشرطة والجيش الاسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) بدعم قادة المستوطنين، ويجرون مناقشات حثيثة معهم بشأن الحوادث العنيفة على أرض الواقع. “تحدثنا مع قائد المنطقة، القائد فينشي، وشعرنا أن هناك من يستمع إلينا”. “الأمر مشابه في القيادة المركزية أيضًا”، يقول أحد قادة المجلس.
لا يتفق الجميع على أرض الواقع. في النهاية، حتى الجيش والشباك والشرطة لا يعرفون كيف يفرقون بيننا، وعندما تنزل عصا، فإنها تنزل علينا جميعًا، كما يقول ناشط في التلال. “هكذا يتلقى الضربات حتى غير المتورطين، لأن هناك العديد من العناصر التي تريد الإضرار بالتلال ولا تتحدث عن الهجمات التي يتعرض لها رعاتنا. هناك العديد من الفوضويين هنا الذين يأتون لإحداث الفوضى وإيذائنا، ونشر مقال كهذا عن هذه المجموعة العنيفة بينما نتلقى الضربات يخلق شرعية لترديد ادعاءات “عنف المستوطنين”. لماذا لا نتحدث عن العبوات الناسفة التي نتعرض لها هنا؟ عن كون رئيس قرية ترمسعيا مساعدًا للإرهابي الذي قتل يهودا غيتا (طالب مدرسة دينية قُتل في هجوم إطلاق نار عند مفترق تفوح في أيار 2019)؟ هناك تحريض مستمر ضدنا، والكتابة عن برابرة التلال دون التطرق إلى ما نمر به هو خطيئة بحق الحقيقة.”
-------------------------------------------
هآرتس 7/11/2025
ترامب وجد سوريا حليفا جديدا ، وبانتظار نتنياهو الان منافسة مع الشرع
بقلم: تسفي برئيل
في الوقت الذي ينتظرون فيه في قطاع غزة قرار دونالد ترامب بشان تحرير الـ 200 عضو من حماس، العالقين في الانفاق، وفي لبنان يتجدد تهديد الحرب، الرئيس الأمريكي بدأ في استكمال “رزمة الاتفاق” مع سوريا، التي بمساعدتها ربما يستطيع أخيرا تحقيق انجاز سياسي حقيقي. في يوم الاثنين سيزور البيت الأبيض الرئيس السوري احمد الشرع. هذا الحدث جدير بوصفه بانه تاريخي: هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها رئيس سوري هذا الصرح.
الشرع من المتوقع ان يقدم لنظيره الأمريكي المهر، وهو مفهوم مدهش عندما يدور الحديث عمن كان قبل عشرة اشهر يعتبر إرهابي، وهناك جائزة موضوعة على راسه تبلغ 10 ملايين دولار. هذا المهر يتضمن، ضمن أمور أخرى، استعداده للانظام الى التحالف الدولي ضد داعش، وموافقة مبدئية، وربما حتى يتجاوز ذلك للتوقيع على اتفاقات امنية مع إسرائيل وإعلان نوايا بشان الانضمام الى “اتفاقات إبراهيم”. في المقابل، الشرع يتوقع رفع كامل وشامل لكل العقوبات التي ما زالت مفروضة على سوريا – وهو الامر الذي سيفتح شرايين الاستثمارات والمساعدات التي تحتاجها الدولة من اجل البدء في إعادة الترميم من الدمار الشديد الذي تسببت به الحرب الاهلية.
شبكة العلاقات التي تطورت بين سوريا الشرع وبين ترامب ليست فقط احدى الحروب التي يحب ترامب التفاخر بانهائها، أو انجاز آخر في الطريق الى جائزة نوبل، التي فاتته هذه السنة. يبدو انها جاءت كهدية قدمها ترامب لـ “صديقه المحبوب” محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي. ابن سلمان سارع الى الاعتراف بنظام الشرع واقنع زعماء دول الخليج بتبني قائد “هيئة تحرير الشام” باعتباره الزعيم الشرعي لسوريا. في نهاية المطاف هو أيضا وضع كل ثقله وامواله على ترامب وحصل على الاعتراف منه أيضا.
لو كان الحديث عن دولة أخرى لكان الحديث انتهى بحفل اعلامي واسع وعناق وتبادل المجاملات، لكن سوريا توجد في منطقة استراتيجية إقليمية تضم – الى جانب السعودية ودول الخليج – تركيا وإسرائيل ولبنان، وروسيا تسعى بجهد لاستعادة بعض القواعد العسكرية التي كانت لها في عهد الأسد على الأقل. وبالنسبة للامريكيين فان نجاح الإدارة الامريكية في سوريا قد يحرر الولايات المتحدة من التواجد العسكري هناك، ويحقق حلم ترامب بالتحرر من “الدولة التي لا توجد فيها الا الرمال”.
لكن الطريق الى هناك ما زالت طويلة ومتعرجة وفيها الغام. فالشرع، الذي لا يسيطر في الوقت الحالي الا على 60 في المئة من أراضي سوريا، يحتاج الى كاسحة الألغام الامريكية من اجل شق الطريق امامه الى سيادة كاملة على كل الدولة، وتحييد كتل المعارضة الكبيرة التي تعترض طريقه، وموازنة المصالح الخارجية التي بدأت تفرض رعايتها عليه. في خضم الصراعات المتنافسة على النفوذ في سوريا تتصدر السعودية، كونها هي التي منحت “الشرع” الشرعية. ويتوقع أيضا ان تمول بمليارات الدولارات اعادة اعمار البنى التحتية وبناء المؤسسات الحكومية، لكن تركيا هي الدولة التي تتصدر “اللعبة الكبيرة”، والتي يتوقع ان تحصد الغنائم السياسية الرئيسية.
انقرة اكتسبت سمعة طيبة في سوريا في سنوات الحرب عندما قامت بتدريب وتمويل وتوجيه ومساعدة “الشرع” في مواجهة نظام الأسد، وهي تعتبر شريكة ومسؤولة عن نجاح حملة الاستيلاء السريعة التي أطاحت بالاسد في كانون الأول الماضي. تركيا، التي تحتل مناطق في شمال سوريا، جعلت نفسها شريكة عسكرية وسياسية منذ الأيام الأولى لتاسيس نظام الشرع، حيث بدأت في تدريب الجيش السوري “الجديد”، واحتفظت بعدد من القواعد العسكرية في سوريا، وهي بطبيعة الحال القناة الرئيسية لمرور البضائع والأشخاص بين الدولتين. ونتيجة لذلك فهي أيضا صاحبة النصيب الأكبر عند توزيع مشاريع إعادة اعمار الدولة.
هذا لا يقتصر على المصالح الاقتصادية المعروفة. فتركيا تطمح الى تفكيك القوة العسكرية للاكراد في سوريا، الذين تعتبرهم تنظيم إرهابي يهدد امنها الوطني. بناء على ذلك هي تعتبر الشرع وجيشه ذخر استراتيجي يمكن ان يحقق من اجلها هذا الهدف. ولكن “قوات سوريا الديمقراطية” (اس.دي.اف)، مثلما تسمى الوحدات الكردية المسلحة، كانت وما زالت حليفة الولايات المتحدة في الحرب ضد داعش. هذه الوحدات، التي حصلت على الثناء من الولايات المتحدة والدول الأعضاء في التحالف الدولي ضد إرهاب تنظيم “الدولة الإسلامية”، تحظى من أمريكا على التمويل والتسليح والتدريب والمعلومات. هي أيضا تحتفظ في حدودها بمعتقلات رجال داعش المسجون فيها عشرات آلاف النشطاء وأبناء عائلاتهم.
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي اعتقد ان التحالف الأمريكي – الكردي هو تهديد لتركيا، عرض على الرئيسين جو بايدن وترامب (في ولايته الأولى) تحمل المسؤولية عن محاربة داعش بدلا من الاكراد، وحتى إدارة المعتقلات الضخمة. ان رفض اقتراحه في كل مرة زاد التوتر والغضب الذي اظهره اردوغان تجاه الإدارات الامريكية، وامتنع عن زيارة واشنطن منذ 2019 وحتى هذه السنة. الآن مرة أخرى قدم اردوغان لترامب الاقتراح القديم مع زيادة مغرية: بدلا من الجيش التركي، سوريا هي التي ستنضم الى التحالف الدولي لمحاربة داعش. قواتها ستحل مكان القوات الكردية، وأيضا ستقوم ببناء معتقلات جديدة لاعضاء داعش في الأراضي التي تسيطر الدولة عليها، بدلا من التي توجد في الإقليم الكردي. هكذا تستطيع أمريكا التنازل أخيرا عن خدمات الاكراد.
إضافة الى ذلك تركيا تعرض هذه الخطوة كجزء من خطة أوسع، التي ستجبر الاكراد على الاندماج في الجيش السوري، وهكذا سيتم استكمال أيضا عملية اخضاع الأقاليم الكردية وقواتها المسلحة للسلطة المركزية. يبدو ان هذه الخطة تخدم الرؤية الاستراتيجية الامريكية، العربية والدولية، التي تتطلع الى تأسيس دولة سورية موحدة فيها السلاح الشرعي يوجد كله في يد الدولة. ولكن هذه الخطة ستجبر ترامب على التخلي عن حلفائه الاكراد، والاعتماد على الجيش السوري – الذي على الرغم من التدريبات التي اجتازها بتوجيه من تركيا وما زال يعاني من إخفاقات تنظيمية – وفعليا نقل الى يد تركيا بصورة شبه كاملة إدارة السياسة الإقليمية لسوريا. الى جانب ذلك هذه العملية يمكن أن تشعل مواجهات عنيفة بين القوات الكردية وقوات الشرع والمليشيات السورية التي تعمل برعاية تركيا في شمال الدولة، وتستأنف الحرب الاهلية على الأقل في بعض محافظات الدولة.
هذه ليست العقبة الوحيدة التي توجد امام ترامب. إسرائيل التي تسيطر على مناطق في شمال سوريا وغربها، عينت نفسها كراعية للاقلية الدرزية في سوريا، التي تطالب بإقامة حكم ذاتي، وربما أيضا دولة مستقلة للدروز. في منظومة الاواني المستطرقة التي تعمل في سوريا، التي فيها التطورات في الإقليم السوري يتوقع ان تؤثر على سلوك الأقلية الكردية، فان التطلع هو التوصل الى اتفاقات امنية بين إسرائيل وسوريا. هذه ستمكن الإدارة الامريكية من مطالبة إسرائيل بالانسحاب من سوريا كي يتمكن النظام من استكمال سيطرته أيضا على جنوب الدولة.
بعد أسابيع من المفاوضات المباشرة بين سوريا وإسرائيل فان اتفاق امني لم يستكمل بعد. في الولايات المتحدة يسود الاعتقاد، وقد عبر عنه أيضا المبعوث الخاص توم باراك، بان إسرائيل لا تقلقها فقط الترتيبات الأمنية، بل رؤية استراتيجية تفضل دولة سورية مقسمة الى كانتونات – التي فيها تستطيع إسرائيل الإمساك بادوات تاثير “إقليمية”، التي ستحيد أو على الأقل توازن أدوات النفوذ التركية.
من غير الواضح كيف ستحسم الولايات المتحدة هذه القضية، لكن التقرير الذي نشرته يوم الخميس “رويترز”، الذي بحسبه واشنطن تخطط لاقامة قاعدة عسكرية كبيرة قرب دمشق للاشراف على تطبيق الترتيبات الأمنية التي سيتم التوصل اليها بين سوريا وإسرائيل، من شانه ان يدل على نوايا ترامب. حسب هذا التقرير فان الولايات المتحدة “ستدخل الى الصورة” كما تفعل في قطاع غزة، وستضمن بنفسها تطبيق الترتيبات الأمنية، وهكذا ستحيد تبريرات إسرائيل التي سيطلب منها الانسحاب من معظم المناطق التي احتلتها في سوريا.
اذا نجح ترامب أيضا في الحصول من الشرع على تصريح ملزم للانضمام الى اتفاقات إبراهيم، حتى لو لم يحدد فيه موعد لذلك، فان إسرائيل ستجد صعوبة في التمسك باستمرار تواجدها في سوريا. وهكذا أيضا سيتم استكمال نشر رعاية تركيا على سوريا، هذه المرة بـ “تصريح” امريكي. حسب هذه الخطة يبدو ان الشرع، نتنياهو واردوغان، سيضطرون الى تقاسم “محبة ترامب”. اذا كان هذا هو الهدف الذي يريده ترامب فسيكون من الصعب تجاهل المفارقة: الرئيس الذي أراد بكل قوته التخلي عن التورط المباشر في الشرق الأوسط، وبالاحرى، موطيء قدم عسكري امريكي، هو الذي وضع سياسة بحسبها يجب على الولايات المتحدة ان لا تحارب حروب شعوب أخرى، يضع نفسه الان مرة تلو الأخرى في نفس الساحة المشتعلة.
------------------------------------------
معاريف 7/11/2025
كيف سمحنا لبن غفير، نتنياهو وسموتريتش، ان يستبدوا بنا وكأننا قطيع خراف
بقلم: ران ادليست
للوجود الإسرائيلي الفوضوي يوجد عبث غريب مسنود بالاستطلاعات: العنصر الأكثر استقرارا في الساحة السياسية هو بنيامين نتنياهو. من حوله تحوم العاصفة وهو يجتازها من خدعة الى خدعة، من خيانة أمانة الى خيانة أمانة، من رشوة سياسية الى رشوة شرف، من عنف ينشأ عن سياسته الى عنف ينشأ عن غياب سياسة.
لا شيء يفعله أو يقوله يصمد اكثر من فقاعة صابون. وفيما تحوم الفقاعة في الهواء وتنفقع تكون انطلقت الى دربها مباركة الفقاعة التالية. هذا هو خط الإنتاج على شريط متحرك من كارثة الى كارثة. ولا يزال، يتصدر هذا الرجل كل الاستطلاعات في ملاءمته لقيادة الدولة. العبث الأكبر في عالمنا الفوضوي هو أن حتى كارهيه يشعرون بنوع من الأمان بمجرد وجود الشيطان الحالي كجزء من عالمهم المعقد. هذا ليس تناقضا اكبر مما نتخيل. فاستقرار كارهي روحنا رغم الخوف منهم هو نوع من الاستقرار. مشوه، لكن واضح.
ظاهرا تعد الانتخابات اليوم مصلحة للجناح الديمقراطي الليبرالي. اما عمليا، فليغفر لي الرب الذي لا اعرفه، يفترض بهذه ان تكون أيضا المصلحة الليكودية. المعارك الداخلية على فتات الحكم تختلط بمظاهر الفساد في كل مكان تطأه قدم ليكودية. وهي كفيلة بان تفجر فقاعة الدمل والانتخابات التمهيدية الحزبية والعامة يفترض ان تكون مصلحة ليكودية طالما لم تتفكك الرزمة الائتلافية.
سؤال آخر هو هل أثر الأداء البائس للحكومة والنتيجة البشعة لحروب إسرائيل الحالية ستعمل على تلك الهوامش الرقيقة التي ستشذ عن التصويت العاطفي فتحطم تعادل الكتلتين. ليس ضربة قاضية، بل معركة نقاط، تطلق فيها منظمة جريمة خرجت عن السيطرة في كل الاتجاهات، بما في ذلك داخل المجنزرة، في مواجهة حركة احتجاج وأحزاب معارضة لم تتبطل بعد على رافعة ارخميدية واحدة.
التساؤل هو هل نحن في فترة انتظار لتراكم كتلة حرجة تتحول الى ثورة شوارع وتسقط الحكومة، ام لجسر واحد اكثر مما ينبغي يؤدي الى دكتاتورية دينية. دكتاتورية ترفع معارضة تتجاوز الأحزاب ورصاصة تفجر الصبر النافد للجمهور. بما في ذلك مظهر فوضى وتسريبات مناهضة للحكومة، تمنح الاحتجاج، بغياب الزعيم، شعارا معارضا موحدا.
اعتقدنا أن هذا سيكون قانون بيبي – سموت للتملص الجماعي من الخدمة. الاحتجاج مر على القانون بصفته موضوع حياة وموت، على أمل ان ينتهي بتفكيك الحكومة. لم ينجح. وما يحصل لقانون التجنيد حصل ويحصل في كل موضوع استقطابي ومثير للحفيظة. على السطح تدور معارك وهمية بدماء زائفة مثلما في WWE الأمريكي. ظاهرا يوجد في ساحة المصارعة الامريكية أزعران منفوخا العضلات يضربان الواحد الاخر ضربات قاتلة. عمليا، كل شيء مخطط له كـ أوبرا صابون مع حبكة، ترفيه تام للامريكيين.
بخلاف عروض المصارعات الامريكية، حيث لا توجد لحظة قليلة الحماسة، في إسرائيل توجد معارك حقيقية تستوجب حسما حقيقيا. في جانب العرض الخارجي، الغاضبة والقاطعة لاحتجاج المعارضة ضد الحكومة تجري بالتوازي حملة آلة الزمن الخالد. مساج يومي ومتابعة أسبوعية ومملة لفروع مسدودة. نوع من الاشفاء الجماعي الذي يشفي يقظة الجمهور، مثلما في موضوع المساواة في العبء.
هذا يحصل أساسا على خلفية وقف القتال. وكأنه لا يوجد فرق بين من يضحي هو بحياته وبين من يضحون به. ولا يزال لا يوجد في هذا القانون إمكانية حقيقية لان يحسم الانتخابات. في الحياة الحقيقية لادارة دولة سوية، الجيش الإسرائيلي لا يحتاج الحريديم كي يضمن الامن القومي، الا اذا طلبت الحكومة امنا قوميا بالحد الأقصى كي تبقي على بضع ساحات قتالية في صالح الإبقاء على الائتلاف وتخليص رأسها من المحاكمة.
أمام حالة مجنونة من هذا القبيل، يطالب الجيش الإسرائيلي بقانون تجنيد للجميع. سواء من ناحية الحاجة الحقيقية أم من الناحية السياسية الداخلية، لاجل اجبار الحكومة على أن تقرر. وحتى حيال الجيش تنفذ الحكومة اشكالا من الصياغات وغيرها من الالتواءات التي تمنع تحول قانون التجنيد الى محفز موحد للجيش الإسرائيلي والاحتجاج لاسقاط الحكومة.
هكذا أيضا احداث التنكيل على نمط حماس بفلسطيني في سديه تيمان والتنكيل بأسلوب آلة السم بالنائبة العسكرية العامة. فمحاولة الحكومة واليمين “احتواء” التنكيل في إطار “الحرب على الوجود اليهودي” أحبطت في اعقاب تسريب الشريط الذي استهدف صد حملة يمينية جعل من سجانين ساديين ابطالا ومحاكمتهم – اغراضا يساريا ضد الحكومة.
لاجل “الاثبات” للجمهور بان الاحداث يحقق فيها حسب القانون واتهام المنكلين يقوم على أساس حقائق، سربت النائبة العسكرية العامة شريطا يثبت الفظاعة وجملة بينات تعزز الادعاء. هذا فعل نبع من مصلحة وطنية صرفة في مواجهة حملة التشهير التي تهدد اجراء المحاكمة، وفي ظل النوايا لاثارة الشغب في اثنائها. وأثار التسريب عاصفة مدعية الحق هدفها جعل المسربة رافعة تلغي المحاكمة. مثل كل إمكانية كامنة للاحتجاج هذه أيضا تبددت في اثناء المحاكمة.
هل يوجد خيار لتوحيد المعسكر الديمقراطي ضمن مطلب لجنة تحقيق رسمية بحرارة غليان؟ ظاهرا “صوت دماء اخيك تصرخ من الأرض”، ما يعزز المطالبة بلجنة تحقيق رسمية بمسؤولية رئيس المحكمة. الاتجاه المتحقق هو حفلة شاي “اليسا في بلاد العجائب” بنجومية معتمر القبعة المجنون، الارنبة المتحفزة والغافي المواظب.
أم ربما القشة الكفيلة بان تحطم عدم مبالاة الاحتجاج هي ذاك العرض المفزع الذي تقدمه كل انواع الشرور، الإغراض والاهانة في الجناح التهكمي المسيحاني – القومجي في قضية النائبة العسكرية العامة.
لا يوجد سبيل للتعايش مع هذا البؤس طواعية. طلاق طوعي الان.
الى أن يحصل هذا، هذه أيام حرجة. اذا ما حلت الكنيست، لا يمكن لنتنياهو أن يتحكم بتركيبة اللجنة، وسيكون ممكنا الافتراض بان تنفذ العصابة خطوة مثيرة للحفيظة. قبل أسبوع تقدم النائب اريئيل كلنر بمشروع قانون لاقامة لجنة تحقيق بأسلوب المحكمة الميدانية. فهل هذه الخطوة تجعل الشوارع غاضبة؟ ليس مؤكدا.
المؤكد هو أن الجبهة الحقيقية للحكومة هي الجبهة الداخلية. ومن يسيطر فيها هما ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. سياسة الخارجية والامن التي كان يتحكم بها في الماضي نتنياهو انتقلت الى إدارة أمريكية، وهذان الاثنان يديران الحياة اليومية لدولة إسرائيل. لا يوجد بينهما فرق حقيقي. لدى بن غفير هذه بهيمية اصيلة تؤدي الى الوحشية، ولدى السموتريتشيين هذه وحشية معللة تؤدي الى البهيمية. لا شك انه في غضون وقت قصير جدا سيصعب علينا جميعا، كل من ينجو من عصر الظلام أن يشرح لانسالنا كيف سمحنا لبن غفير، نتنياهو وسموتريتش، ثلاثي العورة للسياسة الإسرائيلية – ان يستبدوا بنا وكأننا قطيع خراف.
في صالح محبي الغناء العبري المتفكر، وضعنا هو “مثلما يقول المتفائلون – لا بد سيكون خيرا (حافا البرشتاين). ومثلما يقول المتشائمون – خير لم يعد ممكنا أن يكون. ومثلما يقول الساذجون – سيكون على ما يرام، ومثلما يقول الجميع – فليكن ما يكون… ومثلما يقول الباقون – حسنا، لا بأس. ومثلما يقول السياسيون – الوضع خطير، مثلما يقول الواقعيون – يوجد ما يمكن الحديث فيه، ومثلما يقول المثاليون – لن نتراجع، ومثلما يقولون في الجوقة – حسنا، هذا سيمر”.
وهذا هو الجزء المقلق في وضعنا بين حاويات القمامة والروح. الاضطرار لحافا البرشتاين (امرأة ذكية حلوة – مرة) لاجل بناء حجة هي ليست يأسا تاما.
------------------------------------------
هآرتس 7/11/2025
نحن في وضع خطير، يجب وقف الدمار
بقلم: اهود باراك
امام انظارنا تنهار إسرائيل الحرة التي نعرفها. الامر ليس يمين أو يسار، بيبيين أو “فقط ليس بيبي”، أو إسرائيل الأولى امام إسرائيل الثانية، بل هو اما إسرائيل اليهودية الصهيونية الديمقراطية لـ “السور الحديدي” ووثيقة الاستقلال، أو ديكتاتورية عنصرية – دينية، ظلامية وفاسدة، تقود الى دمار الصهيونية ودولة إسرائيل. اما دمار ضخم ومرض أو اصلاح كبير وتعافي (كما قال دافيد غروسمان). لا توجد طريق وسط. الدعوة الى “الوحدة وعلاج الجراح” هي عديمة الأهمية عندما تاتي من الاشخاص المسؤولين عن التحريض، الانقسام والمذبحة، والذين قالوا ان حماس هي “ذخر”، ودعوا الى الانقلاب النظامي الذي عاد الى الانقضاض، أو من قبل اشخاص يجعلهم ضعفهم العقلي أو عمودهم الفقري يتلعثمون بشكل يثير الشفقة.
نحن تجاوزنا نقطة اللاعودة. ان أي علاج روتيني لن يوقف الانهيار، بل نحن نحتاج الى علاج طاريء فقط. في مواجهة حكومة متمردة تتصرف بشكل مخالف للقانون والمصالح الوطنية، حكومة يرفرف عليها علم اسود، فان من واجبنا المدني تفعيل مبدأ “الديمقراطية الدفاعية” واللجوء الى العصيان المدني السلمي حسب نهج غاندي ومارتن لوثر كينغ، نضال يمتد مثل النبع المتدفق حتى يتم القضاء على حكومة الإهمال والفوضى.
ان جنون أنظمة الحكم وزرع الكراهية والانقسام والعمى الاستراتيجي واحتقار “السلطة العليا” ونهب الخزينة، الى جانب تجدد الانقلاب النظامي بوتيرة سريعة، هي التهديد الرئيسي على وجودنا الآن. علينا الاستعداد بجدية للانتخابات، وفي نفس الوقت معرفة انها ستكون حرة، وحتى مجرد اجراءها الذي هو غير مضمون، وأن يظهر عشية الانتخابات بانها تشير الى هزيمة متوقعة للديكتاتور، في المكان الذي يكون فيه تدمير الدولة كما عرفناها على المحك، لن يتمكن أي شخص او مؤسسة ،كان يمكنها العمل ولكنها لم تعمل، من الادعاء بانه “لم يكن يوجد بند في القانون” أو “الحصن لن يسقط” أو أي ادعاء آخر. يجب على المواطنين في المناصب القيادية واجب التصرف، حتى لو لم يكن يقين بنجاح عملهم. اذا تحرك الجميع فان وحدة العمل او الكتلة المتراكمة من الجمهور ستقلب الموازين، ولن يكون هناك دمار.
في هذا النضال يجب ان ننتصر. الأفعال وليس الاقوال هي المطلوبة. ومن لا يملك الشجاعة للقيام بها سيتم تخليده الى الابد في الذاكرة. عندما يصل احد قوانين الانقلاب الى مرحلة تشريعية جديدة فانه يجب على رؤساء المعارضة الصهيونية الستة، بمن فيهم نفتالي بينيت وغادي ايزنكوت، اعلان اغلاق جلسات الكنيست الى حين اسقاط الحكومة، والاعتصام مع أعضاء الكنيست في خيام على تلة الكنيست، ودعوة الجمهور ومنظمات الاحتجاج الى تنظيم اضراب في يوم سبت في 50 ألف خيمة في محيط الكنيست الى حين اسقاط الحكومة. من هناك يجب دعوة المسؤولين عن الاقتصاد والهستدروت والهايتيك والاكاديميا والسلطات المحلية وجهاز التعليم والصحة وحركة الكيبوتسات وحركات الشباب الصهيونية الى اغلاق البلاد حتى اسقاط الحكومة.
في موازاة ذلك يجب على المستشارة القانونية للحكومة الإعلان عن عدم أهلية رئيس الحكومة نتنياهو. وأن يدعي افضل المحامين بانها تملك صلاحية فعل ذلك. ويجب على رئيس الشباك اعلان عدم أهلية نتنياهو حسب المادة 7أ في قانون الجهاز. ويجب على المحكمة العليا الموافقة على الالتماسات التي تطالبها بالحكم بان قرار الأغلبية كان خاطيء باثر رجعي، وان الشخص المتهم بمخالفات خطيرة ارتكبت اثناء ولايته لن يتمكن من الترشح للانتخابات. ويجب على رئيس الدولة الوقوف بصوت واضح ومميز الى جانب اتباع وثيقة الاستقلال. فقط هكذا نحن سننتصر.
نحن في وضع حرج وهذا هو الوقت المناسب للغضب وليس الحزن. هذا هو الوقت للعمل. لن تكون لنا فرصة أخرى. انا على قناعة بانه اذا فعلنا ذلك الان بدون خوف فاننا سننتصر، معا بهذا العمل – سيتم اختبارنا.
------------------------------------------
هآرتس 7/11/2025
لقادة إسرائيل الذين يحذرون من “لاسامية” ممداني: انظروا إلى عوراتكم وجرائمكم أولاً
بقلم: أسرة التحرير
على مدار اليومين الماضيين، تنافس السياسيون الإسرائيليون على من سيُعبّر عن أكبر صدمة لانتخاب زهران ممداني عمدة لنيويورك، ومن سيُحذّر يهود المدينة بحزم من موجة معاداة السامية وجرائم الكراهية. صرّح وزير الأمن القومي بن غفير قائلاً: “لقد غلبت معاداة السامية المنطق السليم”. وصرّح وزير الشتات عميحاي شيكلي قائلاً: “حماس تدعم”. وأعلن أحد قادة المعارضة، أفيغدور ليبرمان، داعياً “اليهود الذين يحبون الحياة” إلى الهجرة إلى إسرائيل: “سقطت التفاحة الكبيرة”. في هذه الأثناء، تتزايد في عاصمة إسرائيل، وتحت المسؤولية المباشرة لهؤلاء السياسيين، موجة مروعة من جرائم الكراهية العنيفة ضد موظفي القطاع العام – سائقي المواصلات العامة. بين الإثنين والثلاثاء من هذا الأسبوع، سُجّل ما لا يقل عن تسع هجمات. ومنذ بداية العام، سُجّل مئة هجوم، معظمها ذات طابع عنصري.
ينتمي المهاجمون إلى قطاعات متنوعة: فتيان يهود متشددون في منطقة ساحة السبت، ومشجعو “بيتار” بالقرب من ملعب “تيدي”، وسكان الأحياء الشمالية من المدينة، ومتظاهرون فتيان من التلال، وغيرهم. وتتنوع أساليب الهجوم أيضاً؛ يقول سائق الحافلة رياض الحسيني: “إذا لم تهاجم، سيلعنونك، أو يبصقون عليك”. في بعض الهجمات، استخدم المهاجمون الغاز المسيل للدموع، وفي حالات أخرى ألقوا الحجارة أو الأشياء، وحطموا النوافذ، وشغّلوا طفايات الحريق، وأشعلوا القنابل المضيئة. ووفقًا لمنظمات السائقين، فقد زادت نسبة الهجمات بنسبة 30 في المئة في العام الماضي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وتتعامل الشرطة بتراخ مع هذه الظاهرة. في قضية الحسيني، وقع جزء من الهجوم بعد وصول الشرطة إلى مكان الحادث ومغادرتها. وفي حالات أخرى، أُغلقت القضايا بسرعة رغم التوثيق الواضح للمهاجمين. أما بالنسبة لوزارة المواصلات، فرغم الموافقة على خطة لإنشاء وحدة أمنية مخصصة للسائقين قبل نحو عامين، لكنها لم تُنفذ. في غضون ذلك، يرفض المزيد من السائقين مواصلة العمل وتحمل الإذلال والضرب، ونتيجة لذلك، يتفاقم نقص سائقي المواصلات العامة، وتتدهور خدمة الحافلات، وتزداد الاختناقات المرورية. لكنها مشاكل ثانوية، فالمشكلة الرئيسية أن جرائم الكراهية اليومية في العاصمة الإسرائيلية أصبحت أمرًا طبيعيًا تمامًا في ظل الحكومة الحالية. وقد امتدت لامبالاة الشرطة تجاه جرائم الكراهية وإرهاب المستوطنين في الضفة الغربية إلى القدس.
قبل أن يوعظوا سكان نيويورك، من الأفضل للوزراء وأعضاء الكنيست أن يتعاملوا مع ما يحدث تحت مسؤوليتهم. ينبغي للسلطات اعتبار الاعتداءات العنصرية على السائقين إرهابًا، والتحقيق فيها وملاحقة مرتكبيها ومعاقبتهم بشدة، واتخاذ إجراءات ضد الحاخامات وأندية كرة القدم والشخصيات العامة، وإطلاق حملة عامة وتثقيفية ضد العنف والعنصرية، ووضع حراس أمن على الخطوط المعرضة للكوارث. كما أنه ليس من المبالغة المطالبة بأن يتصل رئيس بلدية القدس موشيه ليون ووزيرة المواصلات ميري ريغيف، بالسائقين الذين تعرضوا للاعتداء ويقدما اعتذارًا باسم الجمهور الإسرائيلي.
-----------------انتهت النشرة-----------------