الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الجمعة 12/9/2025 العدد 1407

 الصحافة الاسرائيل- الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

 

معهد بحوث الامن القومي (INSS) 12/9/2025

 

 

الهجوم الإسرائيلي في قطر: المعاني للمدى القصير والبعيد

 

 

بقلم: يوئيل جوجنسكي

 

لا بد أن يصار الى الحديث كثيرا عن الهجوم الإسرائيلي في الدوحة، قطر. حتى لو لم تحقق العملية هدفها، تصفية قيادة حماس، فانها سعت لان تطلق رسالة للمنظمة ولمضيفيها، والتي تعمل على ان تموضع نفسها كوسيط حيادي في مراكز النزاع في ارجاء العالم وكمركز دبلوماسي وتجاري محصن من الإصابة – بان قواعد اللعب تتغير. ليس مؤكدا على الاطلاق بان الرسالة وصلت. الهجوم يشدد بالفعل معاضل الولايات المتحدة في حاجتها لحفظ التوازن بين حلفائها في المنطقة ويفتح فصلا جديدا، ليس مؤكدا انه انجح من سابقه، في محاولة للوصول الى صفقة مخطوفين وانهاء الحرب. سياسة قطر لن ننجح في تغييرها.

الضربة لقطر تعد انتهاكا شاذا للسيادة، وهي تستخدمها كي تتبنى دور الضحية التي تتكتل حولها مظاهر التضامن والتنديد العربية بما في ذلك من جانب دول عربية لا تشعر بمحبة زائدة تجاهها وتجاه حماس. زعماء الدول العربية تحج الى الدوحة للتعبير عن تضامن زائف مع امير قطر، تميم بن حمد آل ثاني. قطر تحاول تأطير الهجوم كانتهاك فظ لقاعدة الحصانة في العلاقات الدولية والتي يتمتع بها الوسيط، واكثر من ذلك كضربة لا تقل عن ذلك لامن الخليج. ولكن بالتأكيد سيصعب عليها من الان فصاعدا الاقناع بانها لا تزال تعرض ملجأ آمنا في أراضيها لجهات مختلفة. رئيس الوزراء نتنياهو يهدد بان إسرائيل ستواصل ملاحقة منظمات الإرهاب، لكن مشكوك فيه أن تتمكن إسرائيل من فعل هذا مرة أخرى في قطر، في ضوء رد ترامب والمصالح الامريكية.

وبالفعل توجد واشنطن في وضعية غير سهلة من ناحيتها. من جهة، قطر هي شريك قريب، بمفاهيم عديدة اقرب من باقي دول الخليج. هي تساعد الولايات المتحدة دبلوماسيا في ساحات مختلفة – من ايران وحتى افغانستان وفنزويلا – تشتري منها سلاحا اكثر من السعودية، وتستضيف القاعدة الامريكية الأكبر خارج أراضي الولايات المتحدة، مقر القيادة الوسطى الامريكية. من جهة أخرى إسرائيل هي حليف قريب من الولايات المتحدة، وفي هذه الفترة جسدة بالملموس تصميمها على تغيير قواعد اللعب وعدم السماح بالحصانة لقتلة حماس. يحتمل أن يقنع نتنياهو ترامب بضرورة العملية كسبيل لانهاء الحرب بسرعة اكبر. غير أن ترامب لا يحب الإخفاقات ومن شأنه ان يقيد محاولات مشابهة لإسرائيل للعمل في المنطقة في المستقبل كنتيجة لذلك.

مشكوك جدا أن تكون إسرائيل تعمل بلا إذن امريكي في ما هو ساحة أمريكية عسكرية واضحة رغم المحاولات المفهومة من جانب الإدارة الامريكية للنأي بنفسها عن الحدث قدر الإمكان. غير ان مصداقية الولايات المتحدة تجاه قطر ودول الخليج على أي حال تضررت بسبب الهجوم ومن شأن هذا ان تكون له تداعيات بعيدة الأثر. صحيح أن ليس لقطر بدائل افضل من مظلة الدفاع الامريكية، لكن حقيقة انها تعرضت للهجوم مرتين في غضون ثلاثة اشهر، من ايران والان من إسرائيل، تصدع الصورة بان الولايات المتحدة بقيت درع الخليج.

من ناحية إسرائيل تشكل الخطوة استمرارا للسياسة الهجومية العلنية ضد حماس من خارج حدود المعركة في غزة أيضا. الضربة في قلب العاصمة القطرية ليست فقط رسالة لحماس بل أيضا رسالة ردعية واسعة. لكن هذا الردع يحمل ثمنا: دول الخليج، التي تتطلع للحفاظ على الاستقرار والازدهار، ترى في الخطوة إشارة مقلقة لتطلع إسرائيلي الى هيمنة إقليمية. فهي ليست مشبوهة بالعطف لقطر ولحماس لكنها في نفس الوقت لا تريد ان ترى اعمالا من هذا القبيل من جانب إسرائيل. خوفها من السياسة الإسرائيلية من الان فصاعدا في المنطقة من شأنه أن يثقل على العلاقات القائمة والمحتملة مع إسرائيل، وبخاصة على خلفية استمرار الحرب ويتعين على إسرائيل ان تعمل معها كي تغير هذه الصورة. معقول أن قطر هي الأخرى ان تمارس الضغط على جيرانها العرب كي يتراجع بعضهم، كاتحاد الامارات مثلا عن علاقاتهم مع إسرائيل، وآخرون، كالسعودية، ان يغلقوا الباب تماما امام إمكانية تطبيع مستقبلي.

تواجه إسرائيل الان التداعيات السلبية للخطوة التي كان لها احتمال بان تغير الواقع في كل ما يتعلق بمنظمة حماس. لكن معقول ان نواصل رؤية المزيد من الامر ذاته. تصفية قيادة حماس كانت ستمنح حكومة إسرائيل مثابة صور نصر تسمح لها بان تنهي الحرب بسرعة اكبر. لكن يبدو أن هذا ليس الوضع، وعليه أليس مؤكدا على الاطلاق كم يمكن لهذه الخطوة على المدى البعيد ان تملي واقعا جديدا.

إسرائيل تبث بانها ليست مستعدة لان تتجلد على حصانة دبلوماسية زائدة، حتى بثمن توتر إقليمي. هذه محاولة من جانبها ليس فقط لضرب حماس بل لتغيير المعادية الإقليمية. لا الاعتماد بعد اليوم على قطر كوسيط مركزي بل فتح ثغرة للاعبين آخرين، يحتمل نصر، يمكنهم أن يحاولوا اخذ مكانة الوساطة. لكن ليس لمصر التأثير إياه على حماس مثلما لقطر، وبقدر كبير فان مصر الفقيرة متعلقة اقتصاديا بمساعدة قطرية هامة – وبالتالي فهي مفتوحة للنفوذ القطري.

إسرائيل تنهي فصلا في علاقاتها مع قطر. دولة مركبة. على مدى السنين مست قطر بمصالح إسرائيلية، لكن إسرائيل فضلت احتواء هذا والحفاظ على علاقات تجارية، دبلوماسية بل وامنية معها، بالتوازي مع انتقادها لسياستها واساسا علاقاتها مع حماس – علاقات إسرائيل نفسها طورتها بشكل غير مباشر بمجرد تشجيع قطر على نقل التمويل للمنظمة. علاقات القدس والدوحة ستتسم من الان فصاعدا بطابع مختلف – إسرائيل عملت عسكريا في دولة حافظت معه على علاقات متفرعة وجارية واستخدمتها كي تحقق اهداف الحرب لتحرير المخطوفين.

احدى نتائج الهجوم في الدوحة هي مس، في الزمن الفوري بالمفاوضات لتحرير المخطوفين. لكن في المدى الابعد معقول ان كل الأطراف – بمن فيهم قطر التي تحتاج الى وظيفة الوسيط كي تحفظ مكانتها ونفوذها، وحماس التي تستخدم المخطوفين كورقة مساومة لتحقيق إنجازات – سيعودون بهذا ا لشكل أو ذاك الى طاولة المفاوضات. يجسد الهجوم ان إسرائيل اختارت مسار إدارة النزاعات: انجاز ردعي فوري ممكن، تغيير واقع بثمن احتمال أزمة متواصلة. الازمة باتت هنا، اما الإنجاز فليس مؤكدا.

------------------------------------------

 

معاريف 12/9/2025

 

 

إسرائيل اثبتت أنها قادر ة على مهاجمة كل المنطقة، والدول العربية تعرف حجم الخطر

 

 

بقلم: جاكي خوجي

 

عشر دقائق طويلة وقف رئيس وزراء قطر محمد بن جاسم أمام الكاميرات وفرغ غضبه على بنيامين نتنياهو وعلى الولايات المتحدة. شتم الأول وعجب من الثاني. منظومات الرادار القطرية هي من انتاج الولايات المتحدة، وعلى سؤال صحافي اعترف المسؤول القطري بانها لم تشخص طائرات سلاح الجو الإسرائيلي. “فوضوي”، وصف ابن جاسم نتنياهو. اتهم إسرائيل بالزعرنة وبارهاب الدولة، ودعا الدول العربية لاعطاء الرأي في التطور الخطير. في المساء ذاته اتصل به ولي العهد السعودي والملك الأردني للاعراب عن دعمهما. رئيس اتحاد الامارات محمد بن زايد هبط في الغداة في الدوحة “إسرائيل تحاول فرض هيمنتها على المنطقة”، قال وزير الخارجية الأردني ايمن الصفدي، “الخطر كبير، وهو يزداد كبرا”.

أي من هؤلاء الزعماء، وغيرهم ممن اعربوا عن دعمهم لقطر في اعقاب الهجوم، لم يذرف دمعة على حماس. رئيس وزراء قطر لم يذكرهم ولا حتى بكلمة، وان كان يعرف كل الشخصيات التي وجهت اليها الصواريخ وهو يتحدث معهم على أساس يومي تقريبا.

قيادة المكتب السياسي للحركة نجت بالفعل، لكن من ناحية حكام العرب كان يسرهم لو كانت فنيت. واضح للجميع بان حماس تسير الى نهايتها بهذا الشكل او غيره وان الاحتمال في أن يكون لها انبعاث طفيف. أمنهم القومي هو ما يريده هؤلاء الحكام، استقرار دولهم وكذا بعضا من الكرامة الذاتية التي انتهكها طيارون بعد ظهر يوم الثلاثاء.

في نظرة من الخليج أوضح الهجوم الإسرائيلي لكل حكومات المنطقة بان إسرائيل لا تبحث عن علاقات جيرة عميقة تبنى ببطء او تسعى لتسوية المشاكل بالدبلوماسية البناءة. هي دولة عصبية، تحتقر اضطرارات جيرانها. ترى محيطها بعيون امنية وتفكير للمدى القصير.

بخلاف حروب الماضي التي تعلمنا فيها قيود القوة، لا توجد على إسرائيل اليوم قيود كهذه ولا حتى أخلاقية. هذا وضع جديد واستثنائي. قبل سنتين فقط رُدعنا من حزب الله، الإيرانيين، وبقدر اقل من حماس وسوريا الأسد. كل هؤلاء كُسحوا واليوم لا توجد ولا حتى قوة واحدة يمكنها أن توقف الجيش الإسرائيلي عسكريا أو سياسيا. اذا كانت توجد مثل هذه القوة فهو الرئيس الأمريكي، لكنه يمنح إسرائيل اسنادا بلا تحفظ.

 

 حالة مصر

 

بشكل غير مسبوق، تتمتع إسرائيل في هذه الأيام بسيطرة جوية مطلقة في كل دول المنطقة. من بيروت عبر دمشق، صنعاء، الدوحة وحتى طهران. لا يمكن لاي جيش او سلاح جو ان يكبحها، ومن يفعل هذا من شأنه ان يتلقى ضربة قاسية. امام تفوق ساحق كهذا، من سيضمن للعرب (او الاتراك) بان غدا او بعد غد لن يرسل الجيش الإسرائيلي لان يهاجم دولا أخرى، ينتهك سيادتها ويحرج حكامها؟ ولا يهم، لهذا الغرض اذا كان الهدف هو مواطنون أجانب. هذه مسألة سيادة ومسؤولية عن الوطن.

“هذه زيارة اخوية”، قال رئيس اتحاد الامارات محمد بن زايد عشية هبوطه هذا الأسبوع في الدوحة. هو جاء ليقول للامير تميم بن حمد آل ثاني انه ليس وحده.

أمن قطر هو أمن الأردن”، أضاف عبدالله ملك الأردن كمن يريد أن يقول، كلنا في القارب ذاته.

ابن زايد لا يكثر من زيارة قطر، وفي الأيام العادية يرى في جيرانه، وعلى رأسهم ايران وقطر يثيرون مشاكل من شأنها أن تورطه وتورط جيرانه بحروب ليست لهم. لكن هو أيضا يصعب عليه الوقوف جانبا حين يتصرف اصدقاؤه من القدس مع الامارة المجاورة وكأنها حديقة تسالي خاصة.

في علاقات إسرائيل مع جيرانها العرب توجد قواعد لا يجب انتهاكها. احداها تقول انه اذا كانت توجد علاقات سرية – الى جانب العلاقات العلنية او بدونها – فيجب احترامها. لإسرائيل علاقات سرية، بهذا القدر او ذاك، مع كل دول المنطقة تقريبا. مع القطريين أيضا وحتى في أيامنا هذه. وهي تقوم على أساس علاقات أمن معناها في الغالب بعيد الأثر والصمت فيها جميل.

هذه العلاقات كان يفترض أن تضمن حصانة قطر من أفعال كتلك التي نفذها سلاح الجو يوم الثلاثاء. بالضبط مثلما كان يفترض بها أن تضمن حصانة مصر، الصديق الاستراتيجي الأول في سموه، والتي مع رئيسها كانت لنتنياهو علاقات خاصة. وها هي، منذ 7 أكتوبر لم تكف مصر عن دفع اثمان الحرب وان كانت ليست حربها.

يوم الاحد سيجتمع في الدوحة مسؤولون كبار من دول عربية ودول إسلامية للبحث في التطور الجديد وفحص السبل لوقف الانجراف. حيال الهيمنة الإسرائيلية المتعاظمة، توجد لدى الحكومات العربية اليوم أوراق ضغط قليلة. في المجال العسكري، هم خبراء في بناء منظمات وكيلة. هذه مبادرة بعيدة الأثر، تحتاج لزمن كي تقف على اقدامها وقد سبقت زمانها. كما أن مشروعا ذكيا مثل اتفاق الدولارات الذي بواسطته نجح القطريون في التأثير من الداخل على القيادة الأمنية والسياسية لإسرائيل يستغرق وقتا لنسجه.

الوسيلة الأساس، الفورية، المتبقية في ايدهم هي ممارسة الضغوط على البيت الأبيض. وهم يجربونها منذ سنتين لكن بلا جدوى. اذا أرادوا يمكنهم ان يمسوا باتفاقات إبراهيم او يقلصوا العلاقات، العلنية او السرية. هكذا يفعل المصريون منذ سنين، ولكن من الصعب القول ان سياسة السلام البارد حققت الإنجازات المنشودة.

 

الحذر، صور نصر

 

للتحكم الإسرائيلي الحصري في سموات الشرق الأوسط وفي الغالب في كل المنطقة، تفوق امني لا حاجة لتفسير معناه. كل عدو مؤسسات سيفكر مرتين قبل أن يتجرأ على المس بإسرائيل. هذا الواقع بدلا من ان يهديء يثير بالذات سؤالا مفاجئا: هل يمكنه أن يمنحنا الامن المرجو؟

الجواب، مثل السؤال، مركب. جزء منه تلقيناه هذا الأسبوع في الهجمة الاجرامية في مفترق راموت. الإرهاب الفلسطيني يلعب خارج القواعد. يستخدم السكاكين والسلاح الخفيف، يظهر من بين السكان ويستغل جدا تداخلنا الجغرافي الواحد بالاخر. في غزة وان كانت حماس تلقت ضربة قاضية وعمليا هزمت، لكن هذا الإقليم يصبح أرض البوار. لا يوجد في الأفق حل سياسي او خطة مقنعة لضمان الاستقرار فيه.

الحدود السورية أيضا مستقرة بشكل نسبي. لكن اذا ما تضعضع الحكم المركزي في دمشق بل حتى اذا ما واصل ضعفه، فمن شأن الواقع الجديد ان يولد أعداء لإسرائيل. في الضفة الغربية حقق الجيش الإسرائيلي سيطرة أمنية، لكنها ولدت بيد من حديد. وتعلمنا التجربة ان الهدوء النسبي من جانبهم بعد فترة مضرجة بالدماء من شأنها أن تتبين بالذيات كفترة هدوء. هكذا أيضا الحرم. وضع الامن فيه مستقر منذ سنتين منذ نشبت الحرب في القطاع. من ناحية الفلسطينيين هذا هدوء مؤقت وليس نتيجة رضى.

مثلما يشبه قصور 7 أكتوبر سابقه في 1973، هكذا هي أيضا الانتصارات العسكرية التي جاءت بعده وانقلاب الجرة في فيها من شأنه أن يعيد الينا النشوى. صحيح أن التهديد الاستراتيجي على إسرائيل قل. وعقيدة “وحدة الساحات” سحقت ومعها المعسكر الإيراني. ولا يزال، احذروا من صور النصر. في القوة المطلقة توجد أيضا مخاطر، من شأنها أن تخدر أو تشوش.

------------------------------------------

 

هآرتس 12/9/2025

 

 

ايران قد تجني ربحا سياسيا من الهجوم في قطر الذي يضعضع مكانة الولايات المتحدة

 

 

بقلم: تسفي برئيل

 

في يوم الثلاثاء، عندما شوهدت طائرات سلاح الجو على رادارات القاعدة الامريكية في قطر، في طريقها لمهاجمة فيلا خليل الحية في الدوحة، وتصفية قادة حماس، عقد في القاهرة لقاء مهم مر قليلا تحت الرادار الإقليمي والدولي. وقد شارك في اللقاء وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، والأمين العام للوكالة الدولية للطاقة النووية، رفائيل غروسي، وقد عقد برعاية وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي. لقد وقع هناك اتفاق من شانه ان يمهد الطريق لاستئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة وايران، وان يبعد عن ايران العقوبات، وربما ان يدفع قدما باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران.

حسب هذا الاتفاق الذي ما زالت تفاصيله سرية، ستسمح ايران باستئناف عمل المراقبين في كل المنشآت النووية، بما في ذلك التي تضررت بسبب القصف الإسرائيلي والامريكي (الذي أدى الى وقف الرقابة). استئناف الرقابة هو واحد من الشروط الثلاثة التي وضعتها الدول الثلاثة، المانيا، بريطانيا وفرنسا، امام ايران كاساس للموافقة على تأجيل تفعيل فرض العقوبات لنصف سنة. الشرطان الآخران هما تقديم تقرير كامل عن الـ 404 كغم من اليورانيوم المخصب بمستوى 60 في المئة، واستئناف المفاوضات حول اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة.

غروسي أوضح بان الاتفاق الجديد سيضمن “اجراء رقابة جديدة اكثر شفافية”. وحول تفاصيل تطبيقه سيتعين على الطرفين مناقشة ذلك. فيما يتعلق بالقانون الإيراني الذي تم سنه بسرعة بعد الهجوم، الذي يحظر التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، المتهمة بنقل معلومات لإسرائيل، أوضح عراقجي بان الاتفاق الجديد تم طبقا للقانون، ويسمح برقابة خاضعة للمصادقة التي أعطيت من المجلس الإيراني للامن القومي. ولكن الجدول الزمني يلح ولا يبقي هامش مفتوح للنقاشات: دول أوروبا بدأت في تفعيل آلية فرض العقوبات. في شهر آب الماضي توجهت هذه الدول الى الأمين العام للأمم المتحدة وطلبت تفعيل هذه الآلية، والموعد الأخير الذي سيكون بالإمكان تطبيقه حسب الاتفاق النووي الأصلي هو 18 تشرين الأول، الا اذا تم الاتفاق على تمديده.

مرة أخرى يطرح سؤال هل ايران تريد فقط كسب المزيد من الوقت والتسويف في المفاوضات حول الرقابة وان تحصل على مزيد من التمديد قبل فرض العقوبات عليها. في هذه الاثناء طهران تحاول لف نفسها بحزام امان، روسي وصيني، الذي سيضمن لها ان تكون العقوبات إشارة ميتة بسبب التعاون مع حلفائها. ولكن حتى لو كانت ايران تنوي بجدية ان تفتح من جديد قناة دبلوماسية مع إدارة ترامب، فقد بقيت امامها عقبات لم يتم حتى الآن إيجاد حل لها: ايران تصمم على حقها في تخصيب اليورانيوم في أراضيها، وتطالب بضمانات أمريكية بأن لا تتم مهاجمتها طالما أن العملية الدبلوماسية مستمرة. هذه الطلبات رفضها ترامب. وبعد انتهاء موعد الإنذار النهائي الذي وضعه امام القيادة في ايران، شن هجوم على المنشآت النووية.

لكن بعد الهجوم الإسرائيلي في قطر، الذي حسب الرد الغاضب لترامب تم خلافا لموقفه، فان الدرس الإيراني هو انه حتى لو وافق الرئيس الأمريكي على ضمان ان لا تتم مهاجمة ايران، فان هذا الوعد سيتبين انه بدون اسنان من غير تعهد إسرائيلي مشابه. هذا ليس فقط استنتاج ايران، بل هو أيضا استنتاج جميع دول المنطقة. عندما تطلب ايران ضمانات أمريكية فان افتراضها الاستراتيجي هي وجيرانها العرب يستند الى الرؤية التي تقول بان الولايات المتحدة هي الدولة العظمى الوحيدة التي يمكنها ضمان امن المنطقة، ومنع حرب والدفاع عن حلفائها. هذه الرؤية موجودة في أساس الشراكة التي فيها دول الخليج “تدفع” مقابل امنها بواسطة المشتريات العسكرية الامريكية واستثمارات بتريليونات الدولارات في الاقتصاد الأمريكي ووقوف سياسي موحد الى جانب “الغرب”، الذي يشمل منع المنافسة من روسيا والصين؛ اعتبار ايران تهديد إقليمي ودولي؛ رأي موحد حول تعريف الإرهاب والتوقيع على اتفاقات سلام وتطبيع مع إسرائيل كجزء من اتفاقات إبراهيم التي هي ثمرة حلم الرئيس ترامب.

في ولاية ترامب الأولى كان من يؤيدون هذه الرؤية يطمحون الى إقامة حلف دفاع إقليمي، امريكي – عربي، الذي كان يمكن لإسرائيل ان تكون شريكة فيه. لذلك، أيضا ايران اعادت حساب مسارها الاستراتيجي. لقد اعتمدت ايران على روسيا والصين، اللتان وقعت معهما على اتفاقات تعاون بعيدة المدى، التي وعدت ولم تنفذ، باستثمار مئات مليارات الدولارات. في نفس الوقت بدأت ايران في تقرير سياسة “صفر مشكلات مع الجيران العرب”. استئناف العلاقات الدبلوماسية مع دولة الامارات في 2022، بعد سنة من ذلك مع السعودية، الى جانب علاقات وثيقة ومستقرة مع قطر، شريكتها في اكبر حقل للغاز في العالم في الخليج الفارسي. كل ذلك استند الى افتراض ان نفوذ هذه الدول لدى واشنطن قد يكون مثابة درع حماية لإيران من الهجمات الامريكية والإسرائيلية.

في اطار هذه السياسة جندت ايران عدد من جيرانها، من بينها سلطنة عمان، قطر ودولة الامارات، ومن وراء الكواليس السعودية أيضا، كوسيطة بينها وبين الولايات المتحدة في الاتفاق النووي. هكذا فانها اوجدت منظومة من الدول العربية “ذات المصالح”، التي حتى لو لم تكن حليفة حقيقية الا أنها شكلت أداة ضغط يمكن ان توازن تاثير إسرائيل على واشنطن في القضية النووية. لذلك، ليس صدفة ان دولة عربية، مصر، وليس النمسا أو إيطاليا، هي التي تم “اختيارها” لتستضيف في هذا الأسبوع التوقيع على اتفاق استئناف الرقابة في المنشآت النووية.

جهود ايران لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة، التي قطعت في 1979 بسبب التوقيع على اتفاق كامب ديفيد، مستمرة منذ ثلاث سنوات ولكن بدون نجاح كبير. مصر غير مستعجلة لاعطاء ايران الشرعية العربية، والحساب التاريخي لها مع ايران هو أطول ومؤلم اكثر من الحساب بين السعودية وايران، وبالتاكيد الحساب بين ايران والامارات. بشكل عام مصر هي “دولة بطيئة”، التي لا تسارع الى استئناف العلاقات مع دول تعتبرها معادية. لقد كانت آخر دولة استأنفت العلاقات مع تركيا. وكانت الأخيرة التي تبنت قطر بعد حصار طويل، ولم تفتح بعد قلبها لسوريا في ظل نظام الشرع.

أيضا العلاقات مع ايران جرت بـ “وتيرة مصرية”. ولكن في السنة الماضية حدثت انعطافة تمثلت بالزيارة المغطاة إعلاميا التي قام بها عراقجي في القاهرة في بداية شهر حزيران، قبل عشرة أيام على بدء الهجوم الأمريكي – الإسرائيلي في ايران. في المؤتمر الصحفي الذي عقده وزراء خارجية ايران ومصر في نهاية اللقاء قال عراقجي: “لم تعد هناك عقبات بين الدولتين. العلاقات الدبلوماسية بيننا ممكنة الآن اكثر من أي وقت مضى. الثقة المتبادلة بين مصر وايران لم تكن قائمة من قبل”. من المبكر تحديد هل ومتى ستستأنف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. ولكن بتوطيد العلاقات بينهما توجد رسالة واضحة للولايات المتحدة وإسرائيل: الرؤية الاستراتيجية التقليدية التي بحسبها محور عربي مؤيد لامريكا هو بالضرورة محور مناهض لإيران، تقتضي إعادة الفحص.

الهجوم الإسرائيلي في قطر يمكن ان يدفع قدما بهذه الاستراتيجية عدة خطوات للامام وأن يمنح ايران مكسب سياسي لم تكن تتوقعه. في الطريق هي يمكنها ان تضعضع نسيج العلاقات بين الولايات المتحدة ودول المنطقة. بالنسبة لهذه الدول فان إسرائيل تعاملت مع قطر فقط، وهي الدولة التي تعتبر بالنسبة للولايات المتحدة حليفة كبيرة ليست عضوة في الناتو، وكأنها ايران أو سوريا أو لبنان – “منطقة نيران” حرة يمكن مهاجمتها في أي وقت وبأي ذريعة. رد السعودية، التي حاكمها محمد بن سلمان ابلغ قطر بانه سيضع تحت تصرفها كل قدرات المملكة للدفاع عنها؛ وزيارة التضامن السريعة لحاكم أبو ظبي، محمد بن زايد، في قطر، الى جانب التلميح التهديدي على مستقبل اتفاق السلام مع إسرائيل؛ المحادثة الداعمة بين الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان مع حاكم قطر – كل ذلك يخلق، على الأقل تصريحيا، تحالف تضامني، عربي – إيراني. ايران تعتبر داخليا عضو متساوي في المكانة، لانها لم تعد الدولة الوحيدة التي تتعرض للهجوم في المنطقة.

“شراكة المصير” هذه لا تهدد بإقامة تحالف عسكري أو تحالف استراتيجي بين الدول العربية وايران. مع ذلك، هي تشير الى شرخ يتوسع في مكانة الولايات المتحدة في المنطقة. اذا كانت الدولة العظمى في العالم غير قادرة على ضمان سلامة حلفائها وتوفير المقابل السياسي لـ “خدماتها واستثماراتها”، فربما سيتعين عليها رسم استراتيجية دفاع جديدة. استراتيجية في افضل الحالات ستطلب من ترامب تبني على الفور سياسة ناجعة تضمن وقف التهديد الإسرائيلي، وفي أسوأ الحالات هي يمكنها اعتبار إسرائيل دولة معادية تهدد الامن القومي لكل دولة في المنطقة، وعندها سيتم استبدال المحور المناويء لإيران بمحور مناويء لإسرائيل.

-------------------------------------------

 

هآرتس 12/9/2025

 

 

سياسة التصفيات تهديد منفلت العقال

 

 

بقلم: يوسي فارتر

 

في ظهيرة يوم الثلاثاء، بالضبط في موازاة الصواريخ التي اطلقتها طائرات سلاح الجو على فيلا قادة حماس في الدوحة، اطلق مكتب رئيس الحكومة صلية أكاذيب نحو الجمهور الإسرائيلي: “جميع رؤساء جهاز الامن ايدوا بدون استثناء العملية”؛ “قيادة حماس السياسية هي بالتحديد العائق امام عقد الصفقة”. وقد تم التلميح أيضا الى ان العملية هي رد صهيوني مناسب على عملية اطلاق النار في القدس.

الأكاذيب تم دحضها بسرعة. رئيس الموساد، رئيس الأركان ورئيس هيئة الامن القومي، اعتقدوا انه يجب استنفاد المفاوضات قبل عملية القصف. ولكن نتنياهو لا يريد الاستنفاد، بل هو يريد القصف. وقد برز في هذا الموقف ايال زمير، الذي يجب تقديره بشكل خاص على تمسكه بقضية إعادة المخطوفين. بذلك هو يواصل الخط الأخلاقي والقيمي لسلفه هيرتسي هليفي، بالأساس وهو يعرف ان تحذيره بخصوص المس باحتمالية عقد الصفقة سيسقط على آذان صماء. زمير صمم على اسماع رأيه مع المعرفة بان اعتبارات نتنياهو مختلفة كليا، وان هذه الفترة فقط ستعكر العلاقات المتعكرة أصلا.

الرؤساء احتفلوا بالنجاح. “أنا أمرت الجيش الإسرائيلي بتنفيذ العملية التي نفذت بشكل دقيق، التي تدوي في ارجاء العالم”. ان تبجح نتنياهو في خطابة في متحف التسامح، قبل ان يكون لديه أي دليل عن وضع اهداف الهجوم. “لقد انقضت الأيام التي كان فيها قتلة شعبنا يحظون بالحصانة”، زأر بغضب مناعطاهم هذه الحصانة. “الأعداء يجب عليهم معرفة شيء واحد وهو أنه منذ إقامة دولة إسرائيل لم يعد دم اليهود مشاع”. نعم، نحن رأينا ذلك.

في لحظة تحولت قطر، “دولة معقدة، غير بسيطة وكثيرون يمدحونها، وكونها دولة غير معادية”، الى شيطان بحد ذاته. في اليوم التالي لمحاولة الاغتيال، عندما تبين ان رقصة النصر كانت سابقة لاوانها ومبالغ فيها، نشر نتنياهو فيلم غاضب نبح فيه باللغة الإنجليزية وتحدث عن “دول تستضيف الإرهاب”، التي اذا لم تقم باعتقال من يزورونها فنحن “سنفعل ذلك”.

تهديد صريح وفارغ من المضمون (الا اذا كان قد أصيب بالجنون تماما) لمصر وتركيا. هذا الحوار المتطاول، الذي بث بالأساس خيبة أمل مما ظهر في ذلك الوقت كفشل كامل أو جزئي للعملية، اثبت الى أي درجة تشوش رأي رئيس الحكومة. والى أي درجة هو غير مؤهل. منفلت العقال، متغطرس، تحركه فقط الغرائز والدوافع، ويوجه كلامه لـ “القاعدة” الأكثر تطرفا. خطر واضح وفوري على أمن الدولة ومكانتها الدولية.

الذراع السياسية” لحماس يجب بترها. لكن كل شيء يوجد له وقت وشكل. عملية “غضب الله” لقتل أعضاء وقادة المنظمة الإرهابية “أيلول الأسود”، الذين كانوا المسؤولين عن مذبحة الرياضيين في أولمبياد ميونيخ في 1972، استمرت لعقدين. لقد نفذها عملاء الموساد في ارجاء العالم. لو كانت لنتنياهو ذرة من المسؤولية وحكمة غولدا مئير فانه، وللدقة الكابنت، كان سيستنسخ الأوامر التي صدرت في حينه. ولكن في السنتين الأخيرتين هو احب صورة ازعر الحي، صورة “صاحب البيت أصيب بالجنون”، الذي يطلق الصواريخ في كل الاتجاهات ويقصف ويهدم بيوت في طهران، بيروت، دمشق وصنعاء – وبالطبع، في قطاع غزة.

لقد رافق اغتيال قادة حماس أو قادة حزب الله دائما “التقدير” الحكيم الذي يقول بان قتلهم سيكون عامل إيجابي في محاولة التوصل الى صفقة لاطلاق سراح الرهائن. وهذا الامر لم يثبت أبدا.

 

أبراج في الهواء

 

في هذه المرحلة من الحرب، وقبل لحظة من اكتمال سنتين على بدايتها، فان كل شيء يجب اشتقاقه من مسالة واحدة فقط: مصير الـ 48 مخطوف ومخطوفة الذين يوجدون في الانفاق، القبور الارتجالية والثلاجات المنتشرة في القطاع. وكيف ستتم اعادتهم الى إسرائيل قبل موت الاحياء بألم واختفاء الشهداء الى الأبد. لا يوجد أي عاقل لن يقول بان العملية في الدوحة، سواء نجحت أو لم تنجح، ستلين موقف قيادة حماس، العسكرية في القطاع والسياسية في قطر، وتجعلها تصرخ: “اريد هذا”. ما اصبح معروف من شهادات المخطوفين المحررين هو ان أي عملية كهذه تجلب عليهم موجة من التعذيب القاسي، الجسدي والنفسي، والتي تضاف الى عذابهم اليومي منذ 707 يوم.

نتنياهو يعيش بارتياح مع معاناتهم. سياسة التصفية التي يتبعها غير موجهة فقط لحماس والاعداء الآخرين في الشرق الأوسط. ففي موازاة ذلك هو يعمل بجدية كبيرة على اغتيال مرة تلو الأخرى، وبنجاح، صفقات لإنقاذ المخطوفين، سواء بنفسه بشكل صريح أو من خلال التسريب على لسان “مصدر سياسي”؛ سواء بواسطة الوكلاء مثل بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير أو بعملية عسكرية متبجحة ولها صوت كبير مثل التي نفذت في قلب الدوحة، والتي قضت على ما كان يبدو كمفاوضات على وشك الاستئناف، حسب مبادرة الرئيس ترامب.

الآراء والانباء بخصوص الجانب الأمريكي في هذا الشأن متناقضة. ما الذي عرفوه، متى عرفوا وهل صادقوا على ذلك. دونالد ترامب، الذي يحب ان يكون فقط متعهد الانتصارات وليس زميل في الإخفاقات، ابعد نفسه بسرعة عن الحدث. الثمن السياسي الذي تدفعه إسرائيل، الذي من غير الواضح اذا حصل على المقابل العسكري، باهظ جدا – هي فقط بدأت في الدفع. ليس فقط في دول اتفاقات إبراهيم التي في الأسبوع القادم ستظهر تضامنها ودعمها لقطر، بل أيضا في دول أوروبا، التي كثير من زعمائها يعتبرون رئيس حكومة إسرائيل نوع من بوتين الشرق الأوسط.

بعد الدوحة ستشخص الأنظار نحو قطاع غزة. الأسبوع الماضي تميز باسقاط أبراج في مدينة غزة على يد الجيش الإسرائيلي. عمليات القصف التي تؤجل الدخول البري الكثيف الى المدينة – عملية لا جدوى لها لان لا احد يعرف كم بيان مرعب بدأ بـ “سمح بالنشر” سيكون في نهايتها. مشاهد الأبراج المدمرة كانت مرضية لقاعدة نتنياهو، ووفرت مادة لعروض وزير الدفاع يسرائيل كاتس، الغريبة والصبيانية، في الشبكات الاجتماعية؛ ومن جهة أخرى، هي تمنح رئيس الأركان ايال زمير لحظة للتنفس، حيث يؤكد ان العملية ستنفذ بوتيرة مدروسة ودقيقة، وفقا للمعايير التي تحددها القيادة المهنية، أي الجيش. زمير يبحث عن المنقذ الذي سيمنع العملية من الاستمرار ويؤدي في النهاية الى عمل سياسي (الذي تتجنبه الحكومة بشدة)، بعنوان “اطلاق سراح الرهائن”. في الأسبوع القادم يمكن توقع تصعيد إضافي في مواجهته مع مجلس الوزراء الذي سيتهمه بالتأكيد بالتباطؤ وعدم الشجاعة.

الدائرة التي فتحت باعطاء أمر تنفيذ العملية في الدوحة، يمكن ان تغلق هنا بالضبط، مع ترامب الذي اضطر أيضا في هذا الأسبوع الى امتصاص الشكاوى التي جلبها عليه نتنياهو، من شركائه في قطر وزعماء الشرق الأوسط وحتى مؤيديه في الداخل. مبدأ نتنياهو هو مواصلة الحرب طالما أن ترامب يسمح له بذلك، وطالما أننا بعيدين عن موعد الانتخابات. عملية الاغتيال كان يمكن ان تخلق له صورة النصر المامول التي تحمل الرقم الذي لا احد يعرفه، والتي معها كان يمكن ان يعلن “نحن قتلنا، حققنا وانهينا”. في الوضع الحالي هي من شانها ان تجلب له صورة نهاية أخرى: حامضة وخالية من أي بهجة. قد يقوده الإحباط المتاجج في داخله الى مناطق بالغة الخطورة، لن يدفع هو ثمنها – هو لا يدفعه أبدا كما نعرف – بل الجنود والرهائن وعائلاتهم.

 

توأم التحريض

 

أيضا أعضاء اليمين وجدوا صعوبة في هضم انقضاض ايتمار بن غفير وبنيامين نتنياهو على المحكمة العليا في ساحة العملية في القدس. “الدم لم يجف بعد”، وهذان الفاشلان المتسلسلان، اللذان انهار من الدماء تسيل تحت ارجلهم وعلى أيديهم، يحرضان ضد قضاة المحكمة العليا، الذين كل ما قضوا به هو انه يجب تطبيق السياسة القانونية بخصوص السجناء الأمنيين في السجون الإسرائيلية.

الان لا يوجد أي سبب للتفريق بين الازعر والكهاني الأصلي، وتقليده. نتنياهو سمع بن غفير، الى جانبه، يتطاول بصورة وحشية على المحكمة العليا وسارع الى الانضمام وتوبيخ القضاة لانهم لا يفهمون ان إسرائيل في حالة حرب. هو لن يسمح لأي احد بتطويقه من اليمين، حتى لو كان الكهاني الأكثر حقارة.

ما ظهر في تلك اللحظة كعمل تلقائي هو جزء من استراتيجية نزع الشرعية عن قضاة المحكمة العليا قبل الانتخابات. الحملة الانتخابية الآخذة في الاقتراب ستشغل جدا المحاكم. خلال الحملة الطويلة، في يوم الانتخابات وربما أيضا بعده. ان الصاق لقب خونة، الذين ليس فقط لا يساعدون الدولة التي تحارب اعداءها بل يتعاونون معهم، استهدف تمهيد الأرضية لخرق جماعي وتجاهل ورفض تنفيذ قرارات المحكمة التي ستصدر في هذه الأشهر. هذا هو الهدف الحقير.

ان المشهد المريض لوزير الفشل القومي، وللمتهم الذي هرب من المحكمة ووصل الى مكان الحدث، حيث كان وجوده غير ضروري ومزعج جدا – يمكن تلخيص الامر في قصة واحدة من الميدان حدثتني عنها مراسلة قامت بتغطية الحدث. عندما وصل بن غفير الى مكان الحدث تم ارسال الشرطة لدفع المراسلين والمصورين الى الخلف بذريعة وجود “متفجرات مشتبه فيها”، وان التجمع يتعارض مع عملهم. عندها بادر مصور وقال للشرطة: “لكن بن غفير طلب منا التقاط صورة له”. في تلك اللحظة تنحى رجال الشرطة جانبا وفتحوا المجال لوسائل الاعلام. بالنسبة لهم كان هناك شخص واحد فقط يدير الحدث، وهو لم يكن القائد.

 ------------------------------------------

 

إسرائيل اليوم 12/9/2025

 

 

بالتوازي مع احتلال غزة: إسرائيل ستشجع الهجرة الطوعية

 

 

بقلم: شيريت افيتان كوهين

 

يستعدون للدخول، المساعدة والهجرة: ثلاث مداولات تجري في اليوم الأخير تفيد بان سيناريو الصفقة يتراجع في صالح استكمال إجراءات الدخول الى مدينة غزة قريبا، وربما قريبا جدا.

أمس عقد نتنياهو مداولات في موضوع هجرة سكان غزة الطوعية وبحثت فيها الإمكانيات التي ستعطى لمن يعرب عن رغبته في الهجرة من غزة. هذه الخطوة من المتوقع أن تكون منتهية بالتوازي مع الدخول البري لجنود الجيش الإسرائيلي الى غزة وكخطوة استكمالية لخطوات الهجوم. مع ذلك، في المداولات التي جرت أيضا طافت الى السطح المشكلة المتكررة: مواطنو غزة معنيون بالمغادرة، لكن الدول المستوعبة تراكم مطالب وشروط من جانبها على إسرائيل، ضمن أمور أخرى على بيع الاسلحة. اليوم ستجرى جولتين متقاربتين من المداولات: واحدة ستعنى بالمساعدة المدنية لغزة والثانية هي اجتماع الكابنت المصغر للبحث في خطط الهجوم في مدينة غزة والتي من المتوقع ان تخرج الى حيز التنفيذ. في المداولات في الجانب الإنساني سيعرض الوزير سموتريتش كيف ستمول الأموال التي صودرت من السلطة الفلسطينية بمبلغ 4 مليون شيكل المساعدات التي ستواصل الدخول الى قطاع غزة حتى في اثناء الحملة البرية في مدينة غزة. احد التحديات سيكون إيصال المساعدات الى مراكز المساعدات مسبقا وذلك لمنح جنود الجيش الظهر السياسي اللازم لمواصلة الحرب.

 الجدول الزمني: الانهاء حتى نهاية السنة

الجولة الثالثة والحاسمة من المداولات ستكون لوزراء الكابنت المصغر الذي ستعرض عليه مرة أخرى خطط العملية في غزة واغلب الظن أيضا نتائج محاولة التصفية في الدوحة. صحيح حتى كتابة هذه السطور في إسرائيل يقدرون بان أيضا من الأهداف لم يصفى لكن ليس واضحا بعد ما هو وضع الإصابات التي تلقوها.

امس علم ان 200 الف رجل وامرأة غادروا منذ الان المدينة استجابة للتحذيرات التي نثرها الجيش في المدينة واساسا في اعقاب تفجير أبراج جاء ليردع اكبر عدد ممكن من المواطنين عن البقاء في منطقة العملية العسكرية الإسرائيلية. حسب تقديرات جهاز الامن فان ما لا يقل عن نحو 200 الف مواطن غزي سيبقون في مناطق القتال رغم ذلك، وعليه فان إسرائيل تستعد لمواصلة ادخال المساعدات الى غزة في ظل الحرب.

تقول مصادر في القدس ان الصفقة شطبت عن جدول الاعمال وان الجداول الزمنية التي وضعها الامريكيون لانهاء الحرب حتى نهاية السنة الميلادية ستتضمن أساسا استكمال خطوات احتلال مدينة غزة. محاولة التصفية في اجتماع مسؤولي حماس في قطر والتي كانت في قلب الجدال بين قادة جهاز الامن (رئيس الأركان، رئيس أمان، رئيس الموساد ورئيس هيئة الامن القومي عارضوا، نتنياهو وكاتس أيدا) – سرعت خطوة استمرار الحرب. والان سيحاولون هنا الرفع الى الحد الأقصى بانجازات إسرائيل في الحرب في الاشهرين المتبقيين حتى نهاية السنة، وربما قبل ذلك – وفقا للصبر الأمريكي الذي من شأنه أن يقصر في اعقاب العملية غير المنسقة في الدوحة.

 

الإعلانات من جهة

 

والى ذلك توجد فجوة واسعة بين الإعلانات الكفاحية لاتحاد الامارات ضد إسرائيل في مجال السيادة في اعقاب الهجوم في الدوحة، وبين الشخصيتين اللتين زارتا هناك هذا الأسبوع – الأولى في زيارة رسمية تمثيلا لدولة إسرائيل، نائبة وزير الخارجية شيران هسكيل؛ والثانية في توقف انتقالي في الطريق الى الهند (لا يوجد طريق آخر للدولة البعيدة) – وزير المالية بتسلئيل سموتريتش. حتى على خلفية الأجواء القاسية من ناحية دبلوماسية، الزيارة الرسمية لهسكيل جرت في أجواء إيجابية، يمكن حتى أن يقال جدا.

بينما معظم اللقاءات التي جرت هناك هذا الأسبوع لم تنشر وبقيت في أجواء السرية – والتي تلزم دولة مثل اتحاد الامارات التي ترغب في العلاقة مع إسرائيل لكن أيضا في حفظ مكانتها في العالم العربي – خرج احد اللقاءات الى الإعلان بل وحتى بصورة مشتركة. كما أن الهبوط الانتقالي لسموتريتش في الدولة يدل اكثر على العلاقات بين الدولتين اللتي تحتفلان بخمس سنوات على اتفاقات إبراهيم قريبا. المصاعب مفهومة في ضوء الحرب المتواصلة. مثلما هو الحال أيضا مع الخطاب المتصلب حول الخطوات الإسرائيلية الأخيرة. نتنياهو يتصرف حيال كل هذا بالحذر اللازم ولا سيما بالنسبة للسيادة، لكن في حكومته بل وفي حزبه تتبلور اغلبية تطالب باخذ المخاطرة.

 

آسيا تقترب

 

بينما دول أوروبا في قسم منها بدأت تدير الظهر لدولة إسرائيل يبدو أن في إسرائيل لا يكتشفون أمريكا بل آسيا. زيارة سموتريتش مع وفد اقتصادي الى الهند مرت من تحت الرادار الإعلامي هذا الأسبوع، لكن يمكن ان نرى تفاؤلا اعلى في العلاقات الدولية. توقيع اتفاقات جديدة، تعاون مالي وكذا دخول إسرائيليين الى منظومة المدفوعات الهندية.

في الهند لا يتحدثون مع المسؤولين الإسرائيليين عن الحرب في غزة او عن الهجوم في الدوحة بل عن مصالح اقتصادية مشتركة. الاقتصاد، هكذا يقول من كان هناك هذا الأسبوع، هو الذي سيسير في العلاقات بين الدولتين الى الامام وربما أيضا مع دول عربية.

احد أوجه التعاون المستقبلية الهامة التي طرحت في اللقاءات مع سموتريتش من جانب رجال اعمال التقى بهم كان محور الربط بين الدولتين او ما يسمى “سكة السلام”. هذا المحور يفترض أن يخلق ليس فقط اعترافا بين الدول، بما فيها السعودية – بل افق اقتصادي مجزٍ. وبينما يبدو أن المحادثات مع السعودية ليست على جدول الاعمال حاليا بسبب الحرب في غزة والدولة الفلسطينية التي لن تقوم –لا يزال ما يمكن أن يقرب بين الدول هو ما يقبع في أساسا العلاقات مع اتحاد الامارات ومع الهند أيضا – المصالح الاقتصادية. هذه، كما يقول رجال سموتريتش يمكنها أن تشق الطريق بسرعة اكبر الى “اتفاقات إبراهيم 2” من طريق التنازلات السياسية.

------------------------------------------

 

هآرتس 12/9/2025

 

 

نتنياهو يموضع إسرائيل كلاعب خطير حتى تجاه دول تريد أن تساعدها

 

 

بقلم: ليزا روزوفسكي

 

في مساء يوم الثلاثاء، بعد فترة قصيرة على مهاجمة سلاح الجو في الدوحة، احتفلت السفارة الامريكية في إسرائيل بيوم الاستقلال الأمريكي الذي أقيم في متحف التسامح في القدس، وهو الاحتفال الذي تم تاجيله بسبب الحرب مع ايران. في هذا الحدث تمت استضافة الكثير من الوزراء والضباط الكبار، والزي العسكري الانيق للملحقين العسكريين اختلط بالبدلات السوداء لنشطاء الحريديم. أيضا سياسيون إسرائيليون، بمن فيهم ايتمار بن غفير، شلومو قرعي، ميكي زوهر ورئيس الكنيست امير اوحانا، شاركوا في هذا الحدث.

شخص واحد كان حاضر – غائب وهو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. هو لم يشاهد في هذا الاحتفال، لكنه قضى وقت طويل في قسم الشخصيات الهامة جدا، مخفي عن جمهور الضيوف الكبير، وارسل اليه فقط خطاب قصير مسجل، خطاب طويل، باللغة العبرية وباللغة الإنجليزية، الذي برر ومدح الهجوم في الدوحة، والذي ارسل لوسائل الاعلام من قبل مكتبه، القاه نتنياهو في جناح الشخصيات الهامة على نغمة التصفيق وبرعاية وحضور المستضيف، السفير الأمريكي مايك هاكبي.

هذا كان قبل بضع دقائق على قيام المتحدثة بلسان البيت الأبيض، كارولينا ليفت، بتوضيح وتصريح هجومي جدا بان هذا الهجوم لم يكن بموافقة الولايات المتحدة. الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، كرر بعد ساعتين هذه الرسالة بشكل دقيق. في اليوم التالي ظهرا، مرة أخرى الى جانب هاكبي، نتنياهو دشن متنزه ترامب على شاطيء بات يم. من هناك قال ان الدول التي ادانت الهجوم “يجب عليها الخجل”، لانها صفقت لقرار أمريكا تصفية أسامة بن لادن في الباكستان، والآن “يجب عليها التصفيق لإسرائيل بسبب تمسكها بهذه المباديء”.

يبدو ان هذا السلوك، الالتصاق بهاكبي كدرع بشري واطلاق رسائل هجومية من مناطق معقمة، يميز وضع نتنياهو جيدا. هو معزول في العالم، منبوذ من قبل الحزب الديمقراطي الأمريكي، والآن هو غريب أيضا بالنسبة لجزء كبير في أوساط الجمهوريين وحركة “ماغا”. أيضا المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف ليس من بين مؤيدي نتنياهو، هذا حسب شهادات فيما يتعلق باقواله في محادثات مغلقة. ترامب نفسه يدرك جيدا ان اسهم إسرائيل انخفضت في الكونغرس وفي أوساط الجمهور الأمريكي. هو يتحدث بتذمر، لكنه ما زال يقف متفرج ويعطي نتنياهو حرية التصرف.

لكن ماذا بشأن بقية العالم؟ بشكل عام الخطوات ضد إسرائيل يتم اتخاذها بحذر بموازاة افعالها. ولكن اذا كان يمكن التحدث عن وضع قابل للتراجع قبل تفاقم المجاعة في غزة، في اعقاب الحصار الكامل للمساعدات الإنسانية في الربيع، وقبل البدء في عملية احتلال مدينة غزة، فان إسرائيل الآن تقف على بعد خطوة من نقطة اللاعودة. يوجد أيضا تاريخ: 22 أيلول، وهو اليوم الذي فيه فرنسا، كندا، استراليا، بريطانيا، بلجيكا وعدد من دول الغرب، يتوقع ان تعلن عن اعترافها بدولة فلسطين.

هاكم فقط عدد من احداث هذا الأسبوع: اسبانيا اعادت سفيرتها من إسرائيل، وبالتالي، علاقات إسرائيل مع دولة أوروبية كبيرة، التي هي هدف سياحي وثقافي مرغوب فيه، بالفعل نزلت، حتى لو يكن اعلان رسمي حول ذلك، الى مستوى متدني. لقد تم حظر رسميا دخول الوزيرين بن غفير وسموتريتش الى دول ميثاق شنغن، الذي معظم دول أوروبا عضوة فيه. في نهاية المطاف رئيسة الممثلية الأوروبية السامية، اورسولا فون ديرلاين، أعلنت بانها تتحمل المسؤولية عن الدفع قدما بفرض عقوبات على إسرائيل.

عقوبات رمزية أولى تم فرضها – وقف تمويل مشاريع تعاون بلدية، التي استهدفت الدفع قدما بإدارة سليمة وناجعة في المدن. المنح التي ستفقدها إسرائيل بسبب ذلك غير كبيرة، لكن سيناريو فيه سيجمد اتفاق التجارة الحرة، الذي معناه الاقتصادي كبير جدا، تحول في هذا الأسبوع من موضوع خيالي الى واقعي.

حسب اقوال دبلوماسيين أوروبيين فان الوضع الآن “ديناميكي”. هم يعرفون جيدا ان إسرائيل ليس فقط من شانها ان “تعاقب” الغرب عن طريق ضم مناطق في الضفة الغربية، بل أيضا يتوقع ان تتخذ خطوات مباشرة ضد الدول التي ستعترف بفلسطين. اذا كان طرد دبلوماسيين من النرويج ومن استراليا، الذين يمثلون دولهم في رام الله، مر بهدوء نسبي، فان الوضع لن يكون هكذا اذا تم اغلاق قنصلية فرنسا وقنصلية بريطانيا في شرق القدس، وهي القنصليات المسؤولة عن العلاقات مع الفلسطينيين، ولكنها أيضا تمثل التاريخ الكولونيالي لهذه الدول. في حالة فرنسا فان القنصلية هي المسؤولة أيضا عن ممتلكات الدولة في القدس، وحماية الطوائف الدينية في المدينة، ومسؤولة عن كنيسة القيامة.

كل ذلك كان صحيح أيضا قبل الهجوم في الدوحة. هذا فقط فاقم الوضع. الرئيس الفرنسي عمانويل ماكرون ورئيس الحكومة البريطانية، كير ستارمر، نددا بالهجوم. المانيا أوضحت بان الهجوم لا يمكن قبوله وعبرت عن تضامنها مع قطر. وزيرة خارجية كندا ذهبت خطوة الى الامام وأعلنت بان بلادها “تفحص علاقاتها مع إسرائيل”، في اعقاب الهجوم. حتى دولة الامارات زادت حدة اللهجة مؤخرا، والان أوضحت بأن أي هجوم على أي دولة من دول الخليج هو مثابة عدوان عليها جميعها. مصر، حسب احد التقارير، مستعدة لتجاوز سياستها وان تقترح على كبار قادة حماس استضافتهم في أراضيها. كل دولة من هذه الدول تعتبر حماس تهديد، مباشر وفوري بالنسبة لمصر، أو غير مباشر بالنسبة لبريطانيا وفرنسا.

لكن ما يعرضه نتنياهو كعملية انتقام مبررة ومطلوبة يعتبر في الغرب، ولدى جيران إسرائيل العرب، تهديد ملموس ليس اقل من ذلك. قبل أسبوعين من وقوفه على منصة القاء الخطابات امام زعماء العالم في نيويورك، نتنياهو عمل على موضعة إسرائيل كلاعبة غير متوقعة وخطيرة – أيضا تجاه من يحاول مساعدتها.

------------------------------------------

هآرتس 12/9/2025

 

إسرائيل بعد إعلان أوروبا مقاطعتها تجارياً وفرض عقوبات: هزة اقتصادية وسياسية ودبلوماسية

 

 

بقلم: أسرة التحرير

 

ما القاسم المشترك بين مؤتمر أطباء في البرتغال، ومهرجان موسيقى، ومعارض سلاح، وصندوق الثروة النرويجي، وجامعة في هولندا، وصناديق بحث وبضعة اتحادات رياضية؟ في الأشهر الأخيرة، كل هؤلاء أعلنوا مقاطعتهم لإسرائيل أو الإسرائيليين: الدعوة ألغيت، لا نريدكم.

الأربعاء من هذا الأسبوع، حدثت قفزة أخرى مهمة، تؤشر لإسرائيل عما ينتظرها. الاتحاد الأوروبي، بقيادة رئاسة المفوضة أورسولا فون دير لاين، أعلن عن خطط للدفع قدماً بالمقاطعة في مجال التجارة مع إسرائيل، إلى جانب خطوات عقابية ضد “وزراء إسرائيليين متطرفين”. يتضمن المقترح تعليقاً جزئياً لاتفاق الارتباط، الذي يرتب التجارة بين الاتحاد وإسرائيل. وكانت إسرائيل قد صدرت إلى الاتحاد في 2024 بقيمة 16.9 مليار دولار، واستوردت 24.8 مليار دولار. الاتحاد يشتري من إسرائيل نحو ثلث من عموم تصديرها. طريق التنفيذ طويل، وليس واضحاً إذا كانت فون دير لاين معنية بالسير فيه، لكن إعلان النوايا هذا هو هزة أرضية دبلوماسية واقتصادية وسياسية.

إسرائيل تسير نحو فقدان شرعيتها في العالم، ودحرت إلى مجموعة دول منبوذة وباتت أقل راحة، حتى لأصدقائها القدامى والأكثر ولاء.

للمقاطعة وجوه عديدة: عقوبات على مستوطنين؛ وحظر دخول لوزراء كبار في الحكومة؛ واحتجاج في مناسبات رياضية، وإبعاد غير مباشر عن المشاركة فيها؛ وحظر سلاح وأعمال احتجاج لعاملي الموانئ الذين يرفضون تحميل السفن الإسرائيلية؛ وشركات غذاء ترفض شراء منتجات زراعية إسرائيلية؛ وصناديق استثمار في النرويج، بل حتى في شركات أمريكية تساعد إسرائيل أفعالها في غزة.

لقد بدأت المقاطعة في مجال الثقافة ومست بالفنانين. أوجه التعاون، التمويل وحتى المشاركة في المؤتمرات تبدأ بالاختفاء في ضوء الضغط العالمي المتزايد. وحتى في المجال الذي كان محل حسد كل العالم – الاستحداث – بدأوا يشعرون بالضغط. شركات عديدة بدأت تنظر أو تنفذ “تغيير علم” – اتحاد في دولة أخرى، وإزالة العلامات الإسرائيلية أو على الأقل عدم إبرازها. فضلاً عن ذلك، يتعرض الإسرائيليون بشكل عام لعداء متزايد حين يتجولون في العالم.

في إسرائيل يمكنهم أن يصرخوا “لاسامية” حتى بعد غد، والتنكر لحقيقة أن المقاطعات موجهة ضد سياسة الحكومة وليس ضد اليهود. العالم بدأ يشرح لإسرائيل بأن هناك ثمناً لمواصلة الحرب في غزة. هذا هو سبيله ليقول بأن أفعالها لم تعد مقبولة من ناحيته. إذا بقيت إسرائيل على حالها، فسنستيقظ لنكتشف بأنها لم تعد قادرة النجاة من هذه العزلة.

------------------------------------------

 

هل ستسفر الغارات على قطر عن نتائج عكسية على "إسرائيل"؟

 

كان قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضرب قيادة حماس مخاطرة كبيرة.

 

الكاتب: بن كاسبيت

 

موقع "المونيتور" الأميركي ينشر مقالاً يقدم تحليلاً استقصائياً للهجوم الإسرائيلي على قطر، مع التركيز على الدوافع الداخلية لـ"إسرائيل"، الانقسام داخل المؤسسة الأمنية، ودور الإدارة الأميركية، وعواقب الضربة على العلاقات الإقليمية واستقرار الوساطة في غزة.

استهدفت الطائرات المقاتلة الإسرائيلية التي أسقطت 10 ذخائر دقيقة على فيلا في الدوحة بعد ظهر يوم الثلاثاء اجتماعاً لقيادة حماس لمناقشة ما وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه إنذاره الأخير للحركة لتحرير الرهائن الإسرائيليين في غزة والدخول في مفاوضات لإنهاء حرب غزة.

أعلنت حماس أسماء خمسة من أعضائها الذين قُتلوا في الضربة، لكنها قالت إن القيادة العليا للحركة نجت. لا تزال "إسرائيل" تعمل على تحديد ما إذا كانت شخصيات بارزة مثل خليل الحية، زعيم الحركة المنفي في غزة والمفاوض الرئيس، قد قُتل أيضاً.

قطر أدانت العملية باعتبارها انتهاكاً لسيادتها

تستضيف قطر قيادة حماس منذ عام 2012 بناءً على طلب الولايات المتحدة. كما موّلت الحركة وسكان غزة الفقراء بناءً على طلب "إسرائيل". منذ 7 أكتوبر، عملت قطر كوسيط مع مصر والولايات المتحدة.

صدمت الغارة الإسرائيلية على بُعد 800 1 كيلومتر (200 1 ميل) من حدودها المنطقة. وصرح أحد كبار مساعدي رئيس الوزراء لموقع "المونيتور" شريطة عدم الكشف عن هويته: "لمدة عام ونصف، ناقش نتنياهو إذا ما كان الوقت قد حان لمهاجمة قطر والقضاء على كبار مسؤولي حماس هناك. لكنه لم يمتلك الشجاعة للقيام بذلك حتى الآن". وأشار المسؤول إلى أنّ مقتل ستة إسرائيليين يوم الاثنين في هجوم إرهابي في تل أبيب تبنته حماس، إضافة إلى مقتل أربعة جنود إسرائيليين يوم الأحد في هجوم على غزة، ربما كانا السبب في قرار نتنياهو.

وصرح مساعد آخر لنتنياهو لموقع "المونيتور" أنّ وجود وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر في واشنطن هذا الأسبوع ساعد في اتخاذ القرار. وأضاف، طالباً عدم الكشف عن هويته: "إن وجود ديرمر هناك سمح لنتنياهو بالمخاطرة وإصدار الأمر بتنفيذ الهجوم. أمور كهذه لا يمكن تفسيرها عبر الهاتف، ولدى ديرمر نفوذ على ترامب وجماعته".

ترامب مستاء

صرّح ترامب يوم الثلاثاء بأنه أُبلغ بالضربة الإسرائيلية المُخطط لها من قِبل الجيش الأميركي. ويُثير استياؤه المُعلن من هذه الخطوة وإصراره على عدم تدخّل الولايات المتحدة قلقاً بالغاً في "إسرائيل". كما أصدر نتنياهو بياناً عقب الضربة مباشرة، مُعلناً المسؤولية الكاملة عن القرار وتنفيذه.

لكن "إسرائيل" قلقة أيضاً من بيان للمتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، مفاده أنّ الجيش الأميركي أبلغ الإدارة الأميركية بالغارات، وأنّ واشنطن أبلغت قطر. ولا تزال "إسرائيل" تُحاول تحديد إذا ما كانت قطر قد تلقت التحذير قبل الضربات، وكان بإمكانها تحذير حماس.

وقال مسؤول أمني إسرائيلي كبير لموقع "المونيتور"، شريطة عدم الكشف عن هويته: "إذا حدث هذا، فهذا يعني أنّ التزام الولايات المتحدة تجاه قطر أكبر من التزامها تجاهنا". لطالما كانت قطر مركزاً لوجستياً وقيادياً للقيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط.

وأضاف المسؤول الأمني ​​الإسرائيلي الكبير لموقع المونيتور أنّ قرار استهداف قيادة حماس اتُخذ قبل نحو شهر. مع ذلك، كان التوقيت محل خلاف، حيث حذّر البعض في الجيش من أنّ استهداف الحركة أثناء دراستها لمقترح ترامب كان استفزازاً لا داعي له.

وقال مصدر سياسي إسرائيلي، طلب عدم الكشف عن هويته: "من الواضح أن ترامب يعشق النجاح والنصر. لكنه بدأ يُظهر استياءه بمجرد إعلان حماس عدم تصفية كبار قادة الحركة". كما أنّ بقاءهم سيُقلق نتنياهو بشدة.

ووفقاً لهذا المصدر، كان نتنياهو يأمل في أن يُحقق له قتل قيادة حماس النصر على الحركة التي وعد بها الإسرائيليين، وأن يمنحه مساحة للموافقة على مطالب حماس بإنهاء الحرب. لكنه ربما اعتقد أيضاً أن الهجوم سيُساعده في الدفاع عن نفسه من الاتهامات الموجهة إليه بخيانة "إسرائيل" من خلال التقرب من قطر في السنوات الأخيرة للحفاظ على الوضع الراهن. وتُجري الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) تحقيقات في شكوك حول نفوذ قطري على "إسرائيل" من خلال دفع أموال لمساعدي نتنياهو المقربين.

بذل نتنياهو جهوداً حثيثة لتبرئة ترامب والجيش الأميركي من مسؤولية غارة الدوحة. ويبدو أنّ "إسرائيل" لم تُبلغ الأميركيين بالعملية إلا بعد أن اكتشف الرادار الأميركي الطائرات المقاتلة الإسرائيلية الخمس عشرة وطائرات الدعم المتجهة شرقاً.

ولعل نتنياهو كان يأمل أن يتفاعل ترامب بإيجابية، كما فعل مع قرار "إسرائيل" قصف المنشآت النووية الإيرانية في حزيران/يونيو، حيث أشاد بتنفيذها المعقد وأمر بشن ضربة أميركية حاسمة على المنشأة النووية المدفونة في فوردو. وأشاد ترامب بنفسه كبطل حرب، مدعياً أنّ العملية دمرت البرنامج النووي الإيراني.

ونظراً لكون قطر حليفاً رئيساً للولايات المتحدة، واحتمال فشل الغارة الجوية في تحقيق هدفها، فإن ترامب ينأى بنفسه بوضوح عن الخطوة الإسرائيلية. وكتب على موقع "تروث سوشيال": "كنت مستاءً للغاية حيال ذلك... حيال الطريقة التي سارت بها الأمور".

من جانبهم، يبدو أنّ القطريين يشعرون بالخيانة، بينما تشعر "إسرائيل" بالقلق من رد دبلوماسي محتمل. قال مصدر دبلوماسي شرق أوسطي لموقع "المونيتور" شريطة عدم الكشف عن هويته: "من المرجح أن تكشف قطر الآن جميع الطلبات المتكررة التي تلقتها من إسرائيل على مر السنين: تمويل حماس واستضافة كبار مسؤوليها والتوسط معها". وأضاف: "قد يكشف القطريون ازدواجية نتنياهو في استخدام قطر".

ووفقاً للمسؤول الأمني ​​الإسرائيلي الكبير، عارض رئيس الموساد، ديفيد برنياع، الهجوم "في الوقت الحالي". كما رأى قائد الجيش، الفريق إيال زامير، الذي هدد علناً قبل أسبوعين "بمهاجمة قادة حماس في الخارج"، أنه من الأفضل استنفاد اقتراح ترامب وانتظار رفض حماس الرسمي قبل الهجوم. كما اعترض اللواء نيتسان ألون، الذي كان سابقاً أحد أبرز المفاوضين الإسرائيليين مع حماس، على الخطة ولم يُدعَ للمشاركة في المناقشات. وقال المصدر إن مجموعة وزراء الحكومة المعروفة باسم المجلس الوزاري الأمني ​​المصغر لم تجتمع.

من الواضح أن نتنياهو وديرمر قررا المراهنة منفردين، وربما يكونان قد خسرا.

-----------------انتهت النشرة-----------------

disqus comments here