الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاثنين 30/6/2025 العدد 1343

 الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

 

معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي (INSS) 30/6/2025

 

 

إغلاق دائرة الحرب في قطاع غزة

 

 

بقلم: اودي ديكل

 

يتعين على إسرائيل أن تستغل التغيير الدراماتيكي الذي حدث في المنطقة في أعقاب جولة القتال مع إيران، وأن تظهر الشجاعة السياسية ــ وليس العسكرية فقط ــ وأن تختار عملية مسؤولة لإنهاء الحرب.

لقد استنفدت إسرائيل معظم إنجازاتها العسكرية الممكنة في قطاع غزة، ومن الآن فصاعدًا، يُعدّ استمرار القتال مجرد “خلط أوراق” والغرق في مستنقع غزة، مما سيؤدي إلى خسائر فادحة، دون أي فائدة أمنية حقيقية، وقد يؤدي حتى إلى احتلال كامل للقطاع. حماس، كجيش (إرهابي)، فُكّكت في ساحة المعركة – فقدت معظم قوتها، وقُضي على سلسلة قيادتها بالكامل تقريبًا، ودُمّرت بنيتها التحتية العسكرية والمدنية. وقدراتها محدودة بعمليات إرهابية وحرب عصابات متفرقة. أما قضية الرهائن، وهي جرح غائر في قلوب الإسرائيليين ، فلم يتغير شيء خلال الشهرين اللذين انقضيا منذ بدء عملية “عربات جدعون”. لذلك، من الأفضل لإسرائيل استغلال إنجازات القتال، سواء في قطاع غزة أو ضد إيران تحديدًا، كورقة ضغط لتحرك سياسي يُفضي إلى إطلاق سراح الرهائن في أسرع وقت ممكن وإنهاء الحرب.

البنية التحتية لهذه الخطوة السياسية موجودة بالفعل، وهي تتمثل في الخطة التي وضعتها مصر على جدول الأعمال، والتي حظيت بدعم الدول العربية والإسلامية. يتضمن الاقتراح المصري شروطًا لإنهاء الحرب في غزة بشكل كامل وانسحابًا إسرائيليًا تدريجيًا من القطاع، مقابل إعادة الرهائن وإقامة ترتيبات حكم جديدة تضمن عدم سيطرة حماس عليه، بالإضافة إلى إعادة تأهيله مدنيًا واقتصاديًا.

في الوقت نفسه، يجب على إسرائيل أن تستفيد من التغيير الدراماتيكي الذي حدث في المحاذاة الاستراتيجية الإقليمية في أعقاب جولة القتال مع إيران: فقدت حماس راعيتها – ضعفت إيران ومحور المقاومة إلى حد كبير؛ فقدت حماس مكانتها كعضو بارز في “حركة المقاومة الإقليمية” وأصبحت منظمة أسيرة تعتمد على رحمة الآخرين – جفت طرق نقل الأموال وتهريب الأسلحة إلى المنظمة في قطاع غزة؛ تم إثبات تحالف أمني سياسي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والذي ستجد قطر صعوبة في دق إسفين فيه؛ القاهرة، إن الرياض وأبو ظبي وعمان والدوحة تخشى بالفعل الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة (خاصة في ظل وجود حكومة يمينية متطرفة في السلطة)، ولكنها مستعدة للتدخل في مستنقع غزة من أجل الترويج لإنهاء الحرب، وهي أكثر نضجاً في اقتراح وتنفيذ آلية لنزع السلاح من القطاع؛ لقد سئم الجمهور الغزي من استمرار الحرب وتحركات حماس، ولم يعد يخشى كما كان في الماضي من آليات الأمن الداخلي ووحدات “السهم” التابعة للمنظمة؛ في الممارسة العملية، تقف حماس عند مفترق طرق في اتخاذ القرار. بين استمرار “المقاومة” والكفاح المسلح، وهو ما يعني خطراً وجودياً مباشراً على بقائها، وبين التنازل عن السلطة وتسليم السلاح تدريجياً، وهو ما من شأنه تمكينها من البقاء كحركة وإعادة إعمار القطاع.

في هذا السياق، صرّح سامي أبو زهري، المسؤول البارز في حماس، بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، بأن حماس مستعدة لإطلاق سراح جميع “الأسرى” الإسرائيليين المحتجزين لديها كجزء من صفقة شاملة واحدة، شريطة الحصول على ضمانات دولية حقيقية لوقف إطلاق نار شامل ووقف الأعمال العدائية في قطاع غزة. ولا تشترط حماس إطلاق سراح “الأسرى” باتفاق سياسي طويل الأمد أو إنجازات استراتيجية، بل ترى وتعتبر هذه خطوة إنسانية يمكن تنفيذها إذا تم ضمان وقف الهجمات الإسرائيلية على الفور وإزالة التهديد المستمر لحياة المدنيين في قطاع غزة.

بالنسبة لإسرائيل، فإن وقف القتال الآن والمضي قدمًا نحو اتفاق ليس “استسلامًا لشروط حماس” – كما يصفه المعارضون الإسرائيليون لإنهاء الحرب – بل هو خيار منطقي لخيار أفضل. لقد أُجبرت حماس على التخلي عن حكمها، وتضررت قدرتها على إعادة بناء قوتها بشدة، ولدى إسرائيل الأدوات اللازمة لمنع تسليحها وتعزيز قوتها، سواء من خلال إغلاق قنوات تهريب الأسلحة ونقل الأموال، أو من خلال قوة الإنفاذ وحرية العمل العسكري.

تفعيلها لإحباط أي تهديد إرهابي ومحاولة إعادة بناء البنية التحتية الإرهابية في قطاع غزة. الاختبار الحقيقي ليس في تصريحات حماس بالنصر، بل في الوضع الميداني: فقد أُجبرت حماس فعليًا على التخلي عن سيطرتها على الحكم وعن رؤية التحرير الفوري لفلسطين، كما رآها قادتها قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

إن إنهاء الحرب الآن قد يمنح إسرائيل إنجازات إضافية كبيرة لا يمكن للمسار العسكري وحده أن يحققها:

1. فرصة لإنقاذ الرهائن أحياءً – أعلنت حماس مرارًا وتكرارًا منذ بداية الحرب استعدادها لإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين إذا أوقفت إسرائيل القتال وانسحبت من قطاع غزة. من وجهة نظرها، ليس لدى إسرائيل ما تخسره إذا وضعت تصريحات حماس موضع الاختبار. إذا استجابت لهذا العرض وأفرجت حماس بالفعل عن جميع الرهائن، ستكسب إسرائيل، أرواحًا وأرواحًا، أغلى ما تملك، وبالتالي تسلب حماس ورقة المساومة الرئيسية التي لا تزال بحوزتها. إذا اتضح أن حماس تغش، أو تعجز عن تسليم جميع المخطوفين، فستتمكن من استئناف القتال من منطلق العدالة، مما سيكسبها شرعية واسعة. بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، التي تضع (على الأقل على المستوى الرسمي) إعادة المخطوفين هدفها الأسمى، تُعدّ هذه خطوة ضرورية للوفاء بالتزاماتها تجاه عائلاتهم وشعب إسرائيل.

2. تداعيات إقليمية إيجابية – ينتظر العالم العربي، وخاصةً الدول الرئيسية: السعودية ومصر والإمارات والأردن، وقف إطلاق النار الإسرائيلي في غزة للتحرك لإعادة إعمار القطاع وتوسيع وتعميق “اتفاقيات إبراهيم”. تُشير السعودية صراحةً إلى أن التقارب بينها وبين إسرائيل (التطبيع والعلاقات الرسمية) لن يكون ممكنًا إلا بعد انتهاء الحرب المدمرة في غزة ورسم مسار لحل الصراع. الإسرائيلي الفلسطيني. الدول العربية المعتدلة مستعدة لاستثمار موارد مالية وسياسية في إعادة إعمار القطاع، والمشاركة في قوة المهام التي ستُرسي الاستقرار في المنطقة، ثم العودة إلى مسار التطبيع وإقامة علاقات استراتيجية مع إسرائيل.

3. استمرار هذا الوضع المضطرب سيؤدي إلى فوضى، ستجبر إسرائيل على احتلال القطاع. فإذا حققت إسرائيل احتلالًا كاملًا للقطاع (حتى لو لم يُعلن رسميًا)، فلن تُقدّم أي دولة عربية مساعدة لإسرائيل وسكان غزة، وكذلك المجتمع الدولي. ستتحمل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن مشكلة غزة بجميع جوانبها، بما في ذلك إعادة الإعمار وتلبية احتياجات حوالي مليوني نسمة، بتكلفة عشرات المليارات سنويًا. في ظل هذه الخلفية، من المتوقع أن تشتد الانتقادات الدولية لإسرائيل.

4. الوضع الداخلي في إسرائيل. تُعمّق الحرب المطولة والقاتلة الشرخ في المجتمع الإسرائيلي، وتُلحق الضرر بالاقتصاد، وتُشتّت الانتباه عن ضرورة استعادة الحكم الرسمي وغير الرسمي. قد يُسهم إنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن في استقرار الوضع الداخلي، ويُتيح للاقتصاد التعافي، ويُعيد لجيش الدفاع الإسرائيلي الكفاءة المطلوبة في مجالات أخرى، وفي ظل التهديدات الاستراتيجية (بما في ذلك الحفاظ على الردع ضد حزب الله، ومنع تجدد المشروع النووي الإيراني، وموازنة الهيمنة التركية في سوريا، والتصدي للإرهاب في الضفة الغربية). ما دامت إسرائيل غارقة في قطاع غزة، تُحوّل موارد ثمينة إلى هناك، بالضرورة على حساب الاستعداد للتحديات المستقبلية.

آليات إنهاء الحرب وتسويتها

في أعقاب التحول الجذري في ميزان القوى في المنطقة: استعادة الردع الإسرائيلي؛ والرغبة العلنية للرئيس الأمريكي في إنهاء الحرب؛ وإضعاف المفسدين – العناصر المارقة المدعومة من إيران؛ وضعف حماس وعزلها، وهي تحت رحمة الوسطاء؛ واستعداد الدول العربية، للانضمام والمساعدة في استقرار القطاع وإقامة إدارة تكنوقراطية تتولى زمام الحكم من حماس – تم إنشاء نافذة فرصة لإنهاء دورة الحرب في قطاع غزة التي بدأت هناك في أكتوبر 2023.

الخطوات المقترحة لإنهاء الحرب وتسوية الوضع:

- التزام إسرائيل بإنهاء الحرب بضمانة أمريكية، مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى الأحياء دفعةً واحدة.

- السماح برحيل قادة حماس، عسكريين ومدنيين، إلى دولة ثالثة، مع التعهد بعدم المساس بهم.

- إنشاء إدارة تكنوقراطية لإدارة قطاع غزة بدلاً من حماس، بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، وبمساعدة ودعم من الدول العربية المعتدلة.

- لن تسحب إسرائيل قواتها من القطاع إلا بعد إبعاد حماس عن السلطة وإقامة حاجز مادي فعال لمنع التهريب من شبه جزيرة سيناء إلى قطاع غزة.

- ومع انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من القطاع، ستُنشر قوة شرطة فلسطينية تابعة للسلطة الفلسطينية هناك، إلى جانب قوة عمل عربية مشتركة للمساعدة في استقرار المنطقة، وضبط النظام العام، وتأمين المساعدات الإنسانية وتوزيعها على السكان.

- إن تنفيذ الخطة المصرية لإعادة تأهيل قطاع غزة مشروط بإنشاء آلية فعّالة لنزع السلاح، وتشكيل فريق عمل عربي مشترك للإشراف على نزع السلاح وتنفيذه.

 

استيفاء عدد من الشروط المتراكمة:

 

إن نجاح عملية التسوية والتوصل إلى اتفاق سوف يعتمد على استيفاء عدد من الشروط المتراكمة: النشاط الأميركي والمصري، وعدم تدخل قطر في المحور المركزي؛ الحفاظ على حرية العمل العسكري وحقوق إسرائيل في فرض القانون، من أجل إحباط التهديدات ومنع تجدد البنى التحتية الإرهابية.

إنشاء آلية مراقبة قوية وتدخلية من خلال فريق عمل عربي مشترك لنزع سلاح حماس ومنع إعادة تمكينها؛ وسيتم الإشراف على المساعدات الإنسانية وجهود إعادة الإعمار لمنع تسرب المواد المخصصة لإعادة بناء البنية التحتية المدنية في قطاع غزة إلى أيدي حماس.

لقد حان الوقت لتقديم معادلة جديدة للبقاء لحماس، معادلة تُوضّح لها أن استمرار وجودها مرهون بتركيزها على هويتها كحركة شعبية دينية، لا كذراع عسكري إرهابي تابع لـ”المقاومة”. بمعنى آخر، يجب إقناع قادة حماس، وخاصة المقيمين منهم في قطر، بأن سبيل إنقاذ الحركة وبقائها ليس مواصلة الحرب، بل تسليم الرهائن والحكومة والسلاح.

ولتحقيق هذه الغاية، تستطيع الدول العربية السنية أن تقدم لحماس حوافز، بما في ذلك ضمانات لأمن قادتها ونشطائها الذين سيتم نفيهم من القطاع؛ وحلول توظيف في القطاع لنشطاء حماس، وخاصة في الرتب المتوسطة والدنيا، الذين سيسلمون أسلحتهم؛ والسماح بالنشاط السياسي والاجتماعي على المستوى المحلي، شريطة أن يتوقف التحريض المتطرف على الكراهية والإرهاب والعنف على الفور.

الاتجاهات المستمرة بعد انتهاء الحرب

– حق العودة للقتال – سيتم الاعتراف بحق إسرائيل في العمل العسكري إذا انتهكت حماس هذا الاتفاق واستأنفت بناء قوتها العسكرية. بعد عودة الرهائن، سيتمتع جيش الدفاع الإسرائيلي بحرية العمل بكثافة عالية في جميع أنحاء القطاع، دون القيود المفروضة حاليًا بسبب المخاوف من إيذاء الرهائن.

– الجانب الإنساني – سيخفف انتهاء الحرب بشكل ملحوظ من الأزمة الإنسانية في قطاع غزة. سيتسنى إيصال المساعدات وتوزيعها على السكان، وسيُنقذ المزيد من الضحايا (قُتل حوالي 55 ألف فلسطيني في الحرب، أكثر من نصفهم ليسوا من نشطاء حماس أو الإرهابيين).

– الشرعية – إن إسرائيل التي اكتسبت الشرعية الكاملة في حربها على إيران وصفر شرعية في سياق الحرب في غزة، سوف يُنظر إليها على أنها أظهرت المسؤولية واستجابت للدعوات لإنهاء الحرب، وهي خطوة من شأنها أن تخفف الانتقادات الموجهة إليها وتعيد إليها قدراً من التعاطف والثقة.

– توسيع نطاق “اتفاقيات إبراهيم” – توقفت عملية التطبيع بين إسرائيل والسعودية عقب الحرب، وجُمدت العلاقات مع دول السلام و”اتفاقيات إبراهيم”. إن الاستجابة الإيجابية لدعوة هذه الدول لإنهاء الحرب ستُعيد زخم العلاقات، وستُجدد المحادثات سريعًا لإقامة علاقات رسمية بين إسرائيل والسعودية وتوسيع نطاق “اتفاقيات إبراهيم”. وسيعزز التقدم في هذا الاتجاه التكامل الإقليمي لمعسكر الدول المعتدلة في مواجهة إيران ووكلائها.

إن استمرار الحرب في غزة يعني استمرار نزيف إسرائيل في القطاع دون هدف واضح والتخبط في الوحل الذي يضعف الجيش الإسرائيلي، ويؤدي إلى تآكل الصمود الوطني، وتفاقم الأزمة الإنسانية والفوضى في القطاع، ويمنع إمكانية استغلال إنجازات إسرائيل في الحملة ضد إيران لتوسيع “اتفاقيات إبراهيم” وإنشاء تحالف إقليمي بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة الدول العربية المعتدلون وإسرائيل. بمعنى آخر، إن عدم استغلال فرصة إنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن هو أسوأ الخيارات. لذا، فإن إنهاء الحرب في غزة هو الخيار الأمثل.

أودي ديكل: شغل منصب مدير معهد دراسات الامن القومي عشر سنوات، يدير حاليًا برنامج البحث “من الصراع إلى التسويات”. شغل منصب رئيس إدارة المفاوضات الفلسطينية، في عهد رئيس الوزراء أولمرت، كجزء من عملية أنابوليس. شغل العميد (احتياط) ديكل مناصب عديدة في جيش الدفاع الإسرائيلي في مجالات الاستخبارات والتعاون العسكري الدولي والتخطيط الاستراتيجي. وكان آخر منصب شغله هو في الجيش الإسرائيلي، ترأس القسم الاستراتيجي في إدارة التخطيط بهيئة الأركان العامة. وشغل سابقًا منصب رئيس قسم العلاقات الخارجية وقائد وحدة الاتصال الخارجي في إدارة العمليات، ورئيس قسم الأبحاث في وحدة الاستخبارات بسلاح الجو. ترأس ديكل اللجنة الثلاثية لإسرائيل والأمم المتحدة ولبنان بعد حرب لبنان الثانية، وترأس لجانًا عسكرية مع مصر والأردن. كما ترأس مجموعات عمل للتنسيق الاستراتيجي والعملياتي مع الولايات المتحدة. وشارك في لجنة تحديث المفهوم الأمني (2006). وتنسيق صياغة استراتيجية الجيش الإسرائيلي.

-------------------------------------------------------------

 

 

 

 

 

هآرتس 30/6/2025

 

 

حقل الألغام الذي ينتظر ترامب في الشرق الأوسط لم يتم تحييده بعد

 

 

بقلم: تسفي برئيل

 

اتفاقات ابراهيم هي الآن الحلم القابل للتحقق، والذي من شأنه حل جميع النزاعات في الشرق الاوسط. الاتفاقات هي “الصفقة الكبرى” التي تنتظر فنان الصفقات الذي يجلس في البيت الابيض، ولم يسجل حتى الآن انجازه السياسي الاول منذ أداء اليمين كرئيس للولايات المتحدة. حسب ترامب يمكن التقدير بان دول اسلامية بعيدة مثل اندونيسيا والباكستان وماليزيا وبنغلاديش، ودول قريبة ايضا مثل سوريا ولبنان والسعودية، تنتظر بصبر وهي تحمل الحقائب الجلدية التي توجد فيها اوراق اعتماد السفراء. الاسرائيليون يشمون الآن رائحة الزيت المحروق الذي يتم قلي الفلافل فيه، ويفحصون اسعار الفنادق في جدة وفي الرياض، ومسارات التزلج على الجليد في شمال لبنان. لكن المسافة القصيرة الى هذه الاماكن يجب ان تتغلب على العقبات المليئة بالالغام التي ما زالت تهدد تحقق هذا الحلم.

في الايام القريبة القادمة ستجتمع الحكومة اللبنانية من اجل مناقشة مسودة العمل التي طرحها في الاسبوع الماضي المبعوث الامريكي توم براك، التي تطلب فيها الولايات المتحدة من لبنان اتخاذ قرار عملي بشأن نزع سلاح حزب الله. القرار المبدئي تم اتخاذه، سواء في خطاب الفوز للرئيس اللبناني جوزيف عون أو في تصريحات رئيس الحكومة نواف سلام. الجيش اللبناني ينشغل منذ وقف اطلاق النار مع اسرائيل في مصادرة سلاح حزب الله جنوب الليطاني، وحسب عون فقد سيطر على 80 في المئة من القواعد التي كان يسيطر عليها حزب الله.

لبنان حصل ايضا على “موافقة” محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، على نزع سلاح الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين وخارجها، ورؤساء التنظيمات في المخيمات اعلنوا عن استعدادهم للتعاون مع الحكومة اللبنانية. عون، الذي عين نفسه كجهة حصرية مسؤولة عن تنفيذ هذا التعهد يتمسك بالموقف الذي يقول ان نزع السلاح يجب أن يكون من خلال الحوار مع حزب الله لمنع المواجهات العنيفة التي يمكن ان تؤدي الى الحرب الاهلية.

لكن واشنطن غير مستعدة للانتظار الى حين اجراء هذا الحوار ونجاحه. اذا كانت الرغبة هي اجراء الحوار، قال براك، فيجب أن يتم اجراءه على الفور في اطار جلسة للحكومة بمشاركة وزراء حزب الله الذين سيعطون موافقتهم.

حتى الآن من غير المعروف هل وكيف ستتم ادارة هذه الجلسة، لكن الرئيس اللبناني يضع شرط اساسي بحسبه أي عملية للحكومة اللبنانية سيتم الرد عليها بخطوة من قبل اسرائيل. أي أن قرار الحكومة بنزع السلاح يجب الرد عليه بانسحاب جزئي لاسرائيل من الخمسة مواقع التي يسيطر عليها الجيش في لبنان، في حين أن تنفيذ القرار يجب الرد عليه بالانسحاب الكامل من قبل اسرائيل.

واشنطن تهدد بأنه اذا لم تستجب الحكومة اللبنانية لطلباتها فانها ستنسحب من لجنة الرقابة على تطبيق وقف اطلاق النار، أي أن الولايات المتحدة ستطلق يد اسرائيل لتفعل ما تريد في الاراضي اللبنانية، واليونفيل ستقوم باخراج قواتها، ولبنان لن يستطيع الحصول على المساعدات الاقتصادية التي هو بحاجة اليها بشكل ملح. نتيجة لذلك هي بالفعل ستصبح دولة معزولة ولن تكون لها فرصة لاعادة الاعمار. من السابق لاوانه تقدير كيفية تصرف الحكومة وما اذا كان حزب الله سينضم للقرار الذي يعني التنازل عن اداة الضغط الاساسية التي توجد له ولايران في لبنان والتحول الى حركة سياسية.

لكن سلوك حزب الله في هذه القضية توجد له اهمية كبيرة تتجاوز حدود الدولة. فهو سيشير الى الاستراتيجية التي تنوي ايران تبنيها تجاه وكلاءها، والطريقة التي تخططها لتطوير مراكز نفوذها في المستقبل. هل ستواصل العمل بواسطة التنظيمات المسلحة التي شكلت دول صغيرة داخل دول سيادية، أو انها ستتوجه لبناء لنفسها نفوذ سياسي يقوم على اساس التعاون مع الحكومات بدون تهديدات عسكرية. في العراق مثلا، ايران وافقت مبدئيا على دمج المليشيات الشيعية التي تدعمها في الاطار العسكري – الوطني. ولكن لبنان هو دولة رئيسية بسبب قوة حزب الله العسكرية ومكانته كتنظيم ادار ونسق نشاطات الوكلاء الآخرين. هكذا، ايضا حتى لو اصبح حزب الله حركة سياسية الا أن له تاثير كبير على قرارات الحكومة، وبالتاكيد في كل ما يتعلق بالتطبيع مع اسرائيل.

 

قضايا صغيرة

 

في سوريا القصة مختلفة كليا. فالرئيس الجديد احمد الشرع اغلق بنجاح طرق وصول ايران، عسكريا وسياسيا. وبالتالي، حرم حزب الله من قناة تزويده الاكثر اهمية. الشرع اعلن بانه غير معني بمواجهة مع اسرائيل، وحتى انه لم يستبعد انضمام سوريا بـ “بشروط مناسبة” لاتفاقات ابراهيم. وهو حتى الآن قال معظم “الاقوال الصحيحة”، وحصل على مقابل قيم، الذي وجد تعبيره ليس فقط بالمصافحة الدافئة مع الرئيس ترامب، بل رفع العقوبات عن سوريا.

فقط بقيت قضية صغيرة، “هضبة الجولان”. وحتى قبل ذلك مصير المناطق التي سيطرت عليها اسرائيل اثناء الحرب في جنوب الدولة وفي هضبة الجولان السورية. وزير الخارجية الاسرائيلي جدعون ساعر اوضح في الاسبوع الماضي بانه لا يوجد ما يمنع انضمام سوريا للاتفاقات اذا تنازلت عن هضبة الجولان. هكذا فقد عمل ساعر على تحليل مشاركة الشرع، الذي فقط حتى قبل بضعة اسابيع كان يعتبر جهادي اسلامي خطير.

نظريا، يمكن لاسرائيل وسوريا التوقيع على اتفاق سلام وابقاء قضية ترسيم الحدود الى المفاوضات المستقبلية بينهما. ولكن اذا صممت اسرائيل على استمرار سيطرتها على الاراضي السورية بعد قولها بان هضبة الجولان ليست محل للتفاوض، لان ترامب نفسه اعترف بسيادة اسرائيل فيها، وأن الفلافل في دمشق يمكن أن يحترق قبل تمكن الزبون الاسرائيلي الاول من الاستمتاع بها.

جائزة اخرى كبيرة تقريبا سقطت في حضن اسرائيل عشية الحرب في غزة. اذا كانت قبل الحرب قد طلبت السعودية من اسرائيل ومن امريكا فقط خطوات “لتحسين ظروف حياة الفلسطينيين”، فهي منذ ذلك الحين غيرت مواقفها. خلال الحرب في غزة وضعت المملكة الاعتراف بحل الدولتين، الذي سترافقه خطوات عملية نحوه كشرط اساسي لموافقتها على اقامة علاقات مع اسرائيل. السعودية التي قادت الجهود الدبلوماسية العربية لانهاء الحرب في غزة تملك في يديها اداة نفوذ قوية على الرئيس ترامب، على شاكلة تعهد باستثمارات تبلغ تريليون دولار في الولايات المتحدة في فترة ولايته. تنفيذ هذا الاستثمار لا يرتبط في الحقيقة باقامة الدولة الفلسطينية، لكن من يطمح الى انجاز سياسي فانه يدرك أن هذه الامور مرتبطة ببعضها البعض.

بالنسبة لحكومة اسرائيل التي تديرها مجموعة مسيحانية راديكالية، فان التطبيع لا يعتبر هدية قيمة مثل التي من اجلها يجب التنازل عن حلم العودة الى قطاع غزة، حتى لو كانت ستضمن جائزة نوبل لترامب أو ستعزز شعبية نتنياهو الجماهيرية. هذه المجموعة يوجد لها سلم اولويات خاص بها الذي بالضرورة لا يتساوق مع مصلحة دولة اسرائيل. لسعادتها الكبيرة، ترامب نفسه لم يظهر حتى الآن أي ميل لدعم حل الدولتين. سيكون من المثير رؤية كيف ان الرئيس، الذي لم ينجح حتى الآن في لي ذراع نتنياهو من اجل انهاء الحرب في غزة، سيقنع السعودية بالاكتفاء بترتيبات انسانية في القطاع كبديل عن حل القضية الفلسطينية.

-------------------------------------------------------------

 

هآرتس 30/6/2025 

 

حماس تضررت، السلطة مقصية والعشائر تأخذ السيطرة في قطاع غزة

 

بقلم: جاكي خوري

هذه الصورة تتكرر في عدد من المناطق في قطاع غزة، بالاساس في شمال القطاع: قوافل المساعدات تدخل الى الاحياء والشباب يتجمعون حولها. لا احد يقترب منها، الجميع يحترمونها. المسؤولون الجدد عن النظام العام في مكان لا يوجد فيه نظام ولكن يوجد فيه جمهور. بعد ذلك يشرف الشباب على قدوم الشاحنات الى مراكز توزيع الغذاء، ويمنعون مهاجمتها أو نهبها. هم ليسوا جنود اسرائيليين أو رجال حماية دوليين، بل هم من سكان القطاع، ابناء العشائر القوية في المنطقة، وهي عائلات قوتها في القطاع آخذة في التعزز.

هذه العائلات، التي هي عشائر متوسطة وكبيرة، دخلت الى الفراغ الذي تولد بسبب اضعاف حماس ومعارضة اسرائيل تواجد السلطة الفلسطينية في القطاع. الحديث يدور عن توجه بدأ في الاشهر الاولى للحرب، وكلما مر الوقت وتآكلت قيادة حماس وسيطرتها تقوى هذا التوجه. بعد ان قامت اسرائيل باغتيال عدد كبير من قادة حماس، وايضا رجال الاجهزة، بما في ذلك رجال شرطة، نشأ في القطاع نوع من المنطقة الحرام، وضائقة المساعدات الانسانية اوجدت فرصة ذهبية. لأنه في ظل غياب حماس من الذي يمكنه فرض النظام افضل من العائلات القوية في المنطقة؟.

“اينما توجد سيطرة للعائلات، يوجد نظام”، قال لـ “هآرتس” نشيط مسؤول عن حماية المساعدات. “أينما تقول اسرائيل بأنها تسيطر توجد فوضى ونهب”. ولكن الحديث لا يدور فقط عن مبادرة مرتجلة، في مناطق مثل جباليا والزيتون ودير البلح، العائلة هي السيد على الاقل بشكل جزئي. هي التي توفر الخدمات الاساسية للسكان، بما في ذلك حل النزاعات وتوفر لهم الاذن الصاغية. في المقابل، العائلات هي ايضا الشريكة للمنظمات الدولية التي تعمل هناك. والى جانب الحماية هي توفر طرق لتجاوز العقبات البيروقراطية.

يمكن القول بان شمال القطاع هو نوع من مشروع تجربة، هناك هذا الواقع على الارض. وكدليل على ذلك هو طريقة توزيع المساعدات هناك في الاسبوع الماضي بشكل منظم نسبيا. في وسط القطاع وفي جنوبه، المناطق التي لم يتم فيها التنسيق مع العائلات، تم نهب المساعدات وهي في الطريق الى مراكز التوزيع. “نحن رأينا أنه يمكن فرض النظام اذا رغبوا في ذلك”، قال احد سكان شمال القطاع. “لذلك، النضال الان هو على وصول ذلك الى كل ارجاء القطاع”. سبب ذلك هو ان الجنوب، المنطقة المشوشة، يرتبط ايضا بسيطرة العشائر. احد سكان هذه المنطقة قال: “هناك عائلات تعتبر النهب والسرقة احد عوامل القوة. لذلك فانه من المفضل بالنسبة لها سرقة وبيع البضائع بعشرات آلاف الدولارات بدلا من ادخالها بشكل منظم الى القطاع”، نحن في وضع معقد جدا، لم نعد نعرف من الذي حقا يسيطر وعلى من. حتى الآن بالنسبة لنا العشائر والعائلات هي افضل من الفوضى والمليشيات”.

احيانا جميع القوى التي تعمل في القطاع تتكتل، من جهة حماس التي ما زالت موجودة بحجم متغير، ومن جهة اخرى، العشائر التي تحاول تحقيق السيطرة على بعض المناطق، ومن جهة ثالثة، احيانا هناك جنود الجيش الاسرائيلي. فقط في الاسبوع الماضي اصيب عدد من الاشخاص اثناء تبادل لاطلاق النار خارج مستشفى في خانيونس في جنوب القطاع. في هذه الحادثة كان طرفان اساسيان، وحدة “السهم” التابعة لحماس، ومسلحون من عشيرة بربخ. حسب شهادات السكان فان اعضاء وحدة السهم اطلقوا النار على ابناء عائلة بربخ، وعلى الاقل قتل شخص واحد منهم واصابوا آخرين. في حماس قالوا ان العشيرة كانت مشاركة في نهب شاحنة مساعدات، ولكن في العائلة نفوا ذلك. المواجهة في المنطقة استمرت لبضعة ايام ونتج عنها مصابين. في النهاية حققت حماس سيطرتها في المنطقة.

صراعات القوة هذه تعمق اكثر فاكثر الشعور بعدم الامان لدى المواطنين، قالت للصحيفة مواطنة غزية، التي حسب قولها ذهبت عدة مرات في الفجر الى مراكز التوزيع واصطدمت بملثمين لم تعرف لمن ينتمون. “نحن نخرج فجرا في الظلام كي نتمكن من الوصول، وعندها نصطدم بكل النماذج”، قالت. “لم اعد اعرف من ينتمي لهذه العائلة ومن هو مجرم ومن هو رجل حماس. نحن لم نعد نفكر بالنظام العام، بل بالحصول على الطحين والغذاء، واذا كان ذلك عن طريق العشائر وبمساعدتها فليكن”.

حكم العائلات

سيطرة هذه الحمائل أو غيرها في مناطق في القطاع لا تعتبر ظاهرة جديدة، الامر ابعد من ذلك. منذ عشرات السنين العائلات الممتدة هي العامل الرئيسي في النسيج الاجتماعي الفلسطيني. البنية القبلية ليست فقط من بقايا الماضي، بل هي منظومة حية ونشطة وتوفر الرد على الاحتياجات الاجتماعية، الاقتصادية وحتى الامنية، في ظل غياب مؤسسات دولة قوية. بمعنى معين يبدو الامر يشبه قوة العائلات في القرى العربية في اسرائيل، التي ايضا فيها سلطات الدولة تنسحب. هي تدافع عن اعضائها امام المجرمين وممثلي السلطة، وهي ايضا تساعد على ايجاد عمل.

لكن في قطاع غزة، الذي فيه ايضا في عهد حماس الذهبي اعتمدت المنظمة على التعاون مع العائلات، سيطرتها كانت واضحة اكثر. هكذا شرخ خبراء في الاقتصاد وفي المجتمع الفلسطيني. هذا وجد تعبيره في كل اركان الاقتصاد الغزي – الزراعة، التجارة والصيد. وفقا لذلك، فانه في السنوات التي سيطرت فيها حماس بقوة كان التهريب من خلال الانفاق الى مصر الشريان الرئيسي لاقتصاد القطاع، كان للعائلات ايضا دور مهم في ذلك.

الان بسبب الانقسام السياسي وتآكل المؤسسات فان العائلات التي توجد لها قوة اجتماعية وسياسية موازية تبرز وتلعب دور مركب في احلال السلام الاجتماعي وفي توزيع الموارد، وحتى في توجيه الولاء السياسي. بعض العائلات والحمائل معروفة تاريخيا بأن لها نفوذ في القطاع، البعض منها بشكل كبير وبعضها اقل. مثلا، عائلة الجعبري متماهية مع كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري لحماس. عائلة برهوم من خانيونس، المعروفة بفضل ابنها فوزي برهوم، المتحدث السابق باسم حماس. ولكن الحديث لا يدور فقط عن حماس. ففي القطاع هناك عائلات مع مرور السنين ارتبط اسمها بجسم معين في كل المجالات، بدءا بالتماهي الاقتصادي وانتهاء بالدعم الاقتصادي وتوفير النشطاء لهذا الجسم المسلح. الآن مع ذلك يصعب قياس طبيعة الصلة، لأن كثير من العائلات تضررت بشكل كبير، وهناك عائلات فقدت ممتلكاتها، وحتى هناك عائلات غادرت القطاع.

بخصوص العائلات التي ما زالت تنشط في القطاع، حتى لو ضعفت صلتها مع اجهزة السلطة، فان الارتباط بالسكان بقي على حاله في مرات كثيرة. عمليا، في ظل غياب سلطة مركزية وعدم اليقين غير المسبوق في غزة، فان الكثير من العشائر تعتبر جزر استقرار. التصريح الذي نشره في الشهر الماضي “تجمع العائلات والمخاتير في جنوب القطاع، يمكن معرفة منه ان العائلات يمكنها تحمل المسؤولية عن مجالات حيوية في الحياة في غزة. الى جانب ذلك يبدو أن هذه العائلات تنوي حماية الحدود السياسية والوطنية، وهي ترفض التحول الى عنصر في جهاز التعاون مع اسرائيل. هذا التصريح عبر ايضا عن دعمه لحماس وللفصائل التي تعتبر فصائل المقاومة الفلسطينية. ومع ذلك، طالبوا في التصريح بتدخل السلطة الفلسطينية في الشؤون المدنية.

كل هذه الشروط، اضافة الى الوضع الهش، تدل اكثر من أي شيء آخر على مؤقتية الوضع الحالي. ولكن حتى النموذج القائم الان بعيد عن ان يكون كامل بالنسبة للسكان. كثيرون منهم يشيرون الى سلبيات تظهر من المركزية الجديدة للقوة. “لا يمكن القول بان العائلات والعشائر هي كما كانت ذات يوم، عندما كان شيخ القبيلة أو رئيس العائلة يتخذ القرارات باسم الجميع”، قال للصحيفة أحد ابناء عائلة ثرية في القطاع حتى الحرب. “الوضع تغير. الآن ما يربط هو بالاساس القوة الاقتصادية أو قوة السلاح. لذلك، فان كل انواع الشباب المسلحين يصعدون ويصبحون ذوي قوة. في حالات كثيرة هذه القوة يتم الحصول عليها من خلال التخويف. هذا جزء من الفوضى التي ترعاها اسرائيل، مثلما هي الحال مع مليشيا أبو شباب”.

على رأس هذا التنظيم يقف ياسر أبو شباب، وهو ابن قبيلة الطرابين البدوية، المعروف بنشاطاته الاجرامية، بما في ذلك نهب المساعدات في نهاية السنة الماضية. ورغم أن أبو شباب نشر تسجيل قال فيه بانه لا يتعاون مع اسرائيل، حسب مصادر في غزة، إلا أن تنظيمه يضم 100 شاب مسلح وهو يحصل على الدعم الصامت من الجيش الاسرائيلي لنشاطاته، وحتى أنه يحصل على مساعدة لوجستية واستخبارية منه.

اسم أبو شباب ليس الاسم الوحيد الذي ارتبط باسرائيل، بشكل فعلي أو بامكانية كامنة. لذلك فان رؤساء العشائر وكثير من المخاتير في القطاع صرحوا علنا عن رفض التحول الى اداة بيد الاحتلال، أو أن يكونوا البديل للحركات الوطنية. في اسرائيل يعتبرون ذلك محاولة لخلق بديل محلي عن سلطة حماس. ولكن بالنسبة للفلسطينيين فان أي دعم اسرائيلي كهذا ليس اقل من التماهي مع الاحتلال ومحاولة تحويل البنية التقليدية الى اداة تخدم اسرائيل. مثلا، أبو شباب، الذي حسب شهادات من غزة، حدث تغيير على مكانته، والآن قوة هذا التنظيم في حالة تدهور.

لكن هناك ايضا عملية تنظيم بعيدة المدى، بصبغة فلسطينية فقط، على سبيل المثال محمد دحلان، رئيس الامن الوقائي السابق ومن كبار قادة حركة فتح وهو الآن رئيس التيار الاصلاحي في الحركة، بمرافقة هذا اللقب هو يدير ويمول منظمات غير ربحية ومنظمات اغاثة. مقربون من دحلان يشيرون الى أن الجمعيات المرتبطة به تعمل بالتنسيق مع مؤسسات الامم المتحدة وتشارك في تقديم المساعدات الانسانية المباشرة للعائلات في قطاع غزة. ناشط بارز يوضح ذلك ويقول: “يتم تسليم المساعدات بواسطة مؤسسات دولية، بعضها امريكية، من خلال اجهزتها. لا توجد لنا آلية مستقلة للتوزيع. نحن نقوم بنقل المعدات اليهم وهم يهتمون بادخالها الى القطاع وتوزيعها، واحيانا يكون ذلك باشراف العائلات نفسها”.

 

 

الوضع الحالي

 

في محادثات مع سكان في غزة ظهر مرة اخرى قاسم مشترك: الحالة المؤقتة. ايضا الان عندما على الاقل في شمال القطاع تم تحقيق آلية ثابتة لتوزيع المساعدات، فان السؤال الرئيسي ليس متى سيتم توسيعها في كل ارجاء القطاع، بل متى ستتوقف كليا. “يوجد تفاهم على أنه حتى لو أن هذه الالية ناجعة، فان اسرائيل غير معنية بالضرورة بتفعيلها طوال الوقت”، قال مصدر في احدى العشائر التي توفر الحماية للمساعدات. “ربما ان الطموح هو بالذات الحفاظ على الهدوء المصطنع لوقت طويل الى جانب الفوضى المراقبة”.

في القطاع على قناعة بان سلطة العشائر لا يمكن ان تبقى في القطاع طالما انه لا يوجد حسم من هو السيد فيه. احد سكان غزة، ناشط في احدى العائلات، قال للصحيفة ان “اسرائيل معنية بنهب قوافل المساعدات لتعزيز مكانة عصابات الجريمة”. وحسب قوله فانه عندما توجد ارادة حقيقية للعائلات، وعندما يسمحون لها بالعمل، هي ستنجح في فرض نظام افضل. ولكنه غير واثق من ان هذا حقا هو مصلحة اسرائيل، “حتى لو كان الامر يتعلق بعائلات مرتبطة بفتح أو بالتيار المرتبط باتحاد الامارات”. وقد اعطى امثلة على ذلك. “اسرائيل تريد الحفاظ على حالة الفوضى من اجل الادعاء بأن المساعدات تصل الى حماس، لان ذلك يخدمها سياسيا، ومن اجل صد الضغط الدولي”.

طه الاسطل، وهو من كبار هيئة العائلات والعشائر في خانيونس، قال ان اسرائيل تضع العقبات امام آلية ادخال المساعدات الانسانية الى القطاع، وحتى أنها تسمح بالفعل لجهات جريمة بالمس بهذه العملية لاسباب خاصة بها. “بدلا من السماح لجهاز محلي، ينسق مع المنظمات الدولية للعمل بشكل منظم”، قال في نهاية الاسبوع في مقابلة مع راديو “الشمس” في الناصرة. “اسرائيل تقوم بتعويق ادخال القوافل وتضع شروط مشددة وحتى أنها توفر بالفعل الدعم لجهات اجرامية، التي تحاول السيطرة على المساعدات ونهبها”.

حسب قوله فانه في الايام الاخيرة تم الحصول على تعهد بادخال عشرات الشاحنات المحملة بالطحين، لكنهم في اسرائيل صمموا على أن تدخل المساعدات فقط في معبر كرم أبو سالم، بصورة تزيد الخوف من فقدان السيطرة على الارض. “هذا يفتح مدخل للسرقة، عدم النظام وانهيار الجهاز المدني الذي نحاول الحفاظ عليه”، قال. “تصعب معرفة كم من الوقت يمكننا الصمود هكذا. نحن نفعل كل ما في استطاعتنا لحماية المساعدات والتاكد من وصولها الى هدفها، لكن الشعور هو ان اسرائيل بالذات هي التي تسد هذه الامكانية”.

لكن اسرائيل هي فقط عامل رئيسي واحد من بين ثلاثة عوامل، لها صلة فيما يحدث في القطاع. فالى جانبها تعمل بالطبع حماس، وهناك ايضا السلطة الفلسطينية التي تريد العودة الى غزة بعد 18 سنة غياب. وهي تعرف انه لا يمكنها فعل ذلك بدون اشراك العائلات والاعتراف بدورها، الامر الذي يلزمها بتحسين العلاقات واعادة الثقة من جديد وتطوير نموذج حكم يدمج بين المؤسسات الرسمية والبنية التقليدية. بسبب ان بعض العائلات حافظت على علاقتها مع السلطة وعائلات اخرى ابتعدت عنها (بعضها يعتبر اسرائيل طوق نجاة حيوي)، فان المهمة التي تقف امام مؤسسات السلطة هي مهمة معقدة بشكل خاص.

-------------------------------------------------------------

 

هآرتس 30/6/2025 

 

نتنياهو ينثر من خلال افعاله بان المخطوفين سينتظرون الى ان يتم وقف محاكمته

 

 

بقلم: عاموس هرئيلِ

 

رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يحاول تجنيد الرئيس الامريكي لابتزاز بالتهديد جهاز القضاء في اسرائيل، والتوصل الى الغاء الاجراءات الجنائية ضده، بدون ادانة وبدون أي اعتراف بالتهمة. هذا هو الاستنتاج المطلوب من التصريحات الاخيرة للرئيس الامريكي. بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب يريان انفسهما شركاء في نجاح الهجوم في ايران وعلى المنشآت النووية. الآن، حيث يريد ترامب استخدام هذا الانجاز في ايران لصالح انهاء الحرب في غزة، واعادة المخطوفين والتطبيع بين اسرائيل والسعودية (ربما الاكثر اهمية جائزة نوبل للسلام)، فانه يوجد لنتنياهو طلب صغير آخر وهو “ساعدني على التخلص من المحاكمة”.

ترامب استجاب لذلك من خلال التصريحات الاكثر عنفا. فجر أمس كتب “فظيع ما يفعلونه لبيبي نتنياهو. هو بطل حرب عمل بشكل رائع عندما عمل مع الولايات المتحدة للتخلص من التهديد النووي الخطير في ايران. الآن هو في خضم مفاوضات حول الصفقة مع حماس التي ستعيد المخطوفين. كيف يمكنهم فرض عليه الجلوس في قاعة المحكمة طوال اليوم على لا شيء، سيجار ودمية باغز باني. هذه حملة صيد ساحرات، وهي تشبه كثيرا ما اجبروني على أن أمر به”. الرئيس الامريكي حتى هدد بوقف المساعدات الامنية لاسرائيل اذا استمر “هذا الجنون”، حسب رأيه. التفكير في أن رئيس الحكومة الاسرائيلية قد غرس فكرة خطيرة جدا في رأس الرئيس هو أمر يثير القشعريرة.

اذا كان لدى أحد شك في ان الرسائل تمت صياغتها بتنسيق كامل مع نتنياهو، فقد جاءت تغريدة شكر رسمية منه لترامب بعد بضع ساعات. توجد هنا سخرية في أبهى صورها. واضح هنا ان ترامب لا يردد طلب حماس بحل مشكلات رئيس الحكومة في اطار صفقة. بكلمات اخرى، يتبين مجددا أن تصميم نتنياهو على البقاء السياسي، كجزء من مساعيه التفاوضية في محاكمته، عمل على تاخير انهاء الحرب في غزة.

امس اثناء زيارته للشباك في قيادة المنطقة الجنوبية قال نتنياهو “لقد سنحت فرص كثيرة الآن في اعقاب النصر”. بشكل استثنائي وصف الهدف الاول للحرب، “قبل أي شيء آخر انقاذ المخطوفين”. خلال فترة طويلة اعتاد نتنياهو على طرح هزيمة حماس باعتبارها الهدف الاكثر اهمية. ورغم أنه بالفعل لا توجد أي صلة منطقية بين صفقة اعادة المخطوفين ومحاكمة ننتنياهو، وتصعب جدا رؤية المستشارة القانونية للحكومة تتراجع امام الضغط وتعقد اتفاق بدون ان تطالب بتنازل معين من قبل نتنياهو، فان رئيس الحكومة يصمم. بالنسبة له هو المخطوف الـ 51، الاكثر اهمية منهم جميعا. المخطوفون الحقيقيون – 20 مدني وجندي الذين ما زالوا على قيد الحياة ومحتجزين لدى حماس، 30 جثة – سيضطرون الى الانتظار الى حين توفير حل للمشكلة الاكثر الحاحا، وقف محاكمة نتنياهو. هذه الجهود تجري بعد فترة قصيرة على البدء في التحقيق المضاد، الذي يظهر بوضوح انه يضغطه ويحرجه.

امس طلب نتنياهو وحصل على جلسة طارئة في المحكمة، في طلبه تاجيل تقديم شهادته لاسبوعين بسبب التطورات الامنية. نتنياهو مرة اخرى جند رئيس “أمان” ورئيس الموساد، اللذان طلب منهما اقناع في الغرف المغلقة القضاة بالحاجة الملحة لذلك. القضاة استجابوا جزئيا وأجلوا تقديم الشهادة لاسبوع، وقرروا انهم سيعودون لمناقشة الطلب في الاسبوع القادم. خلفية التاجيل هي كما يبدو احتمالية التقدم في صفقة المخطوفين وربما اجراء مفاوضات مع السعودية. ربما المبررات شرعية، لكن هناك مشكلة عندما يجر نتنياهو اجهزة الاستخبارات المهمة في اسرائيل الى داخل مستنقع الوحل لشؤونه الخاصة، بعد ان دخل في مواجهة مع الشباك عندما حاول الحصول بواسطته على اعفاء من مواصلة محاكمته بسبب الصعوبة في تامين حمايته. يجب التذكير بان كل ذلك يحدث في الوقت الذي فيه كل الاجهزة وفرت المبرر الاستخباري لشن الحرب ضد ايران، وهي العملية غير النقية ايضا من اعتبارات رئيس الحكومة الشخصية.

حتى لو كانت خطوة نتنياهو الجديدة بواسطة ترامب ستفشل فهو سيحاول ترسيخ الشعور بالظلم في اوساط مؤيديه حول “الدولة العميقة”، التي كما يبدو تنكل به. بخصوص ادعاء ان الليكود لا يمكنه التوقع من نتنياهو ادارة دولة في مثل هذا الوضع المعقد، في الوقت الذي يزعجه فيه ويلاحقه ما يصفونه بمخالفات قانونية تافهة، فان هذا بالضبط هو العبء الذي قال رئيس الحكومة بأنه يمكنه تحمله عندما طلب خصومه منه تقديم استقالته بعد تقديم لائحة الاتهامات ضده.

لن يكون بالامكان لوم عائلات المخطوفين اذا انضمت الآن في محاولة يائسة لتحرير اعزائها لدعوة ترامب ونتنياهو. ولكن هذا الحدث يمثل نقطة ضعف اخرى في الحرب. في الاسبوع الماضي، تحت انذار نهائي من ترامب، طلب نتنياهو في اللحظة الاخيرة عودة الطائرات القتالية التي انطلقت لهجوم واسع النطاق (زائد) في طهران. وهو الان يحث الرئيس الامريكي على التدخل بشكل مباشر في الاجراءات القانونية الداخلية هنا. في الفترة الاخيرة يبدو ان اسرائيل تعيد بناء مكانة رادعة لنفسها في الشرق الاوسط. وفي نفس الوقت رئيس الوزراء يرهن سيادة البلاد لاحتياجاته الخاصة. الشعور بالغطرسة الذي ازداد لديه بعد الحرب في ايران، التي يصف نتائجها ايضا بصورة حاسمة جدا، يدفع الان نحو تحركات غير مسؤولة ضد النظام القضائي.

-------------------------------------------------------------

 

يديعوت احرونوت 30/6/2025

 

 

وحل لبناني ام نموذج لبناني

 

 

بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين

 

ثلاثة اشهر ونصف الشهر منذ استؤنف القتال في القطاع تبدو واضحة فجوة عميقة في تحقيق الهدفين الأعلى للحرب: إبادة القدرات السلطوية والعسكرية لحماس، وتحرير كل المخطوفين. صحيح أن حماس تلقت ضربة قاسية (تصفية زعماء أساسا)، والجيش يسيطر في معظم القطاع، لكن المنظمة لا تزال سائدة في الميدان – تنجح في خوض القتال والسيطرة في المجال العام (لا فوضى، ما يسود في الخطاب الإسرائيلي)، توجد سلسلة قيادة وعملية اتخاذ قرارات؛ لا يوجد اضطراب جماهيري ولم ينمو بديل محلي؛ الضغط المتزايد لم يلين المواقف في موضوع المخطوفين (تحرير عيدان الكسندر كان بادرة طيبة تجاه ترامب)؛ والمشاريع التي يتم العمل عليها، وعلى رأسها آلية توزيع المساعدات وتسليح الميلشيات، تتراوح بين التعثر والفشل.

لقد أجرت إسرائيل التفافة كبيرة كي تكتشف بانها تقف امام مفترق T استراتيجي نفسه مثلما كان قبل اكثر من سنة، يتضمن بديلين سيئين: من جهة احتلال كل القطاع، ومن الجهة الأخرى – تسوية بثمن أليم لانهاء الحرب والانسحاب. يدور الحديث عن خيار بين نموذج الوحل اللبناني الذي كان حتى العام 2000، وبين النموذج الذي يطبق في لبنان منذ نهاية 2024، وفي اطاره تتواصل الاعمال الجارية ضد التهديدات، لكن دون ادعاء بابادة حزب ايلله، احتلال اراضٍ من لبنان، او تغيير وعي الجمهور في الدولة.

في الوسط تتطور أخيلة تدعي الوصول الى التفاؤل: ابداء ثقة في القدرة على هزم حماس في غضون اشهر معدودة (دون الشرح ما هي تداعيات احتلال كل غزة، وفي ظل التغطية على حقيقة أن دوافع احتلال كل غزة في معظمها هي أيديولوجية تحت غطاء حجج استراتيجية)؛ إقامة جيوب تسيطر عليها مراكز قوة مشكوك فيها كبديل لحماس (مغامرة تنطوي على تسليح ميليشيا أبو شباب في رفح ومن شأنها ان تكون سيفا مرتدا يمس بإسرائيل)؛ وبالطبع – ايمان بتحقيق خطة ترامب لافراغ القطاع من الفلسطينيين فيما أنه عمليا لا توجد أي دولة في العالم توافق على الفكرة او مستعدة للتعاون معها.

لقد عكست حملة “شعب كاللبؤة” تركيزا صحيحا على التهديد المحلي الرئيس الذي تقف امامه إسرائيل.  لقد الحقت الخطوة التاريخية ضررا جسيما بالبرنامج النووي لكنها تتبين كجولة أولى في معركة طويلة: ايران ستتطلع باحتمالية عالية لاعادة بناء المشروع النووي، وبالطبع منظومة الصواريخ الباليستية و “طوق النار” الإقليمي. سيستوجب الامر مواصلة التركيز على ايران، فيما أن حربا طويلة في غزة ستصرف الانتباه والجهد، وتلحق ضررا استراتيجيا: استنزاف الجمهور (بخاصة منظومة الاحتياط)، خلافات داخلية ونقد دولي حاد.

ان انهاء الحرب في غزة حيوي أيضا لغرض استنفاد نافذة الفرص الاستراتيجية التي فتحت في الشرق الأوسط مع نهاية المواجهة مع ايران وفي مركزها إمكانية الدفع قدما بعلاقات مع دول عربية، على رأسها السعودية بل وربما مع سوريا ولبنان اللتين شهدتا تغييرا دراماتيكيا في اثناء الحرب. ان استمرار الحرب في غزة، فما بالك ضم مناطق واستئناف الاستيطان في المنطقة ستحبط خطوات التطبيع التي تشكل هدفا استراتيجيا لرؤية ترامب على الطريق لاعادة تصميم الشرق الاوسط. وبالتالي تنطوي ايضا على احتمال توتر بين القدس وواشنطن.

تتخذ إسرائيل نهجا مركبا في المواجهات ضد حزب الله وايران، وتمتنع عن استخدام اصطلاح “مطلق”.  الأهداف العليا هي القضاء على التهديد الاستراتيجي في لبنان (بخاصة ترسانة الصواريخ بعيدة المدى ومنظومة الانفاق قرب الحدود)، الى جانب تدمير البرنامج النووي لإيران والمس العميق لمنظومة صواريخها. في الساحتين لا يدور الحديث عن إبادة العدو، هدف كان سيتسبب بانحراف استراتيجي سلبي، مثلما لاح في الخطاب الذي بدأ ينشأ في إسرائيل حول تقويض الحكم في طهران، في اثناء حملة “شعب كاللبؤة”.

ان “النهج المركب” حيوي في القطاع أيضا، مطلوب خيال بعيد وتفاؤل زائد لاجل التصديق بانه سينشأ هناك قريبا واقع محسن بروح نصر مطلق، تبخر حماس وتغيير وعي الغزيين. مؤشرات إيجابية على تبني النهج المركب الواعي برزت مؤخرا في التقارير التي تقول انه ينظر في انهاء الحرب باشتراط السيطرة على منطقة الفصل (حزام امني على طول الحدود)، ترتيبات أمن في فيلادلفيا، والحفاظ على قدرة عمل في القطاع. كل هذه تعكس تراجعا عن هدف احتلال كل غزة بل وعن تقويض حماس.

اذا كانت إسرائيل مقيدة بفريضة “محظور السماح للنازيين بالبقاء على الجدار” فانها ستجد نفسها تحت مليوني غزي في منطقة مصابة بالإرهاب وحرب العصابات مع خطر عزلة دولية وشرخ داخلي حاد – دون تحرير مخطوفين وفي كل مصاعب في التركيز على ايران وتثبيت تعاون استراتيجي إقليمي. مثلما في لبنان، في غزة أيضا سيكون اضطرار بعد الوصول الى تسوية للعمل ضد التهديدات. وان كانت حماس ستواصل الوجود في مثل هذا السيناريو، لكنها ستكون ضعيفة من ناحية عسكرية، مقيدة سياسيا وتحت ملاحقة واحباطات دائمة من جانب إسرائيل. في الخلفية سيكون ممكنا بل وموصى به فحص تغيير عميق للواقع في القطاع في مستقبل ابعد، خطوة تستوجب ثلاثة شروط أساسية لا توجد الان: خطة مفصلة وواعية، اجماع داخلي واسناد خارجي.

-------------------------------------------------------------

 

يديعوت احرونوت 30/6/2025 

 

الترتيب الجديد: قبل كل شيء المخطوفون، الضغط الأمريكي والتوتر السياسي

 

بقلم:  ايتمار آيخنر

تكشف الأيام الأخيرة في الشرق الأوسط شبكة معقدة من المصالح السياسية، الشخصية والقومية، تتداخل فيها محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، التغريدات الشاذة للرئيس دونالد ترامب، تطلعات لتوسيع اتفاقات إبراهيم ومساعٍ لتحقيق تسوية في غزة. كل هذه ترتبط بالخيط الثاني لدينامية سياسية واستراتيجية كل خطوة فيها تؤثر على الأخرى. والصورة العامة تشير الى محاولة أمريكية عنيدة لاعادة تصميم الشرق الأوسط.

وبينما بلغ في غزة أمس عن “حزام ناري” وهجمات مكثفة من الجيش الإسرائيلي في شمال القطاع، ألمح رئيس الوزراء بتطورات سياسية لدى زيارته منشأة الشباك في جنوب البلاد. “بودي أن ابشركم بانه فتحت الكثير من الفرص”، قال نتنياهو. “قبل كل شيء انقاذ المخطوفين. بالطبع نحن يتعين علينا أن نحل أيضا موضوع غزة، نهزم حماس، لكني اقدر باننا سنحقق المهمتين”.

هذه هي المرة الأولى التي يضع فيها نتنياهو هدف تحرير المخطوفين كالهدف الأول وليس الثاني بعد تقويض حماس. ومع ذلك فقد استخدم كلمة “انقاذ” وليس “تحرير” وامتنع عن استخدام كلمة صفقة. هذه الاقوال ترتبط بروح التفاؤل الذي يبديه ترامب واحاديثه عن وقف النار.

وتدعي محافل سياسية بان الاتصالات لصفقة مخطوفين تتواصل كل الوقت. لكن في هذه اللحظة لا يوجد اختراق. حماس من جهتها ليست مستعدة بعد لصفقة مرحلية دون تلقي ضمانات لا لبس فيها لانهاء الحرب فيما أن نتنياهو لم يبدِ بعد هو الاخر المرونة اللازمة للوصول الى صفقة.

وقالت المصادر المطلعة على المفاوضات “اننا نعمل على صفقة مع الأمريكيين والوسطاء وبالتوازي مع الضغط العسكري في غزة. النصر التاريخي في ايران لم يغب عن عيون حماس ونحن نأمل في أن تؤدي كل هذه الإنجازات الى تحول في موضوع المخطوفين أيضا.

وحسب التقديرات حتى لو لم تكن الان صفقة تعد عمليا، يحتمل أن يكون نتنياهو يهيىء الرأي العام لانهاء الحرب لعلمه ان ترامب بالتأكيد يشد في هذا الاتجاه.

 

النقاش السري وإلغاء الشهادة

 

تقدم رئيس الوزراء في نهاية الأسبوع الماضي بطلبين لتأجيل شهاداته في الأسبوعين القادمين في محاكمته – ورد القضاة الطلبين. أما امس، في نقاش سري، وصل الى المحكمة المركزية في القدس كي يفصل الأسباب التي ينبغي بناء عليها برأيه الغاء مواعيد الشهادات. بناء على طلب نتنياهو حضر النقاش أيضا رئيس أمان وبشكل شاذ جدا حضر أيضا رئيس الموساد دافيد برنياع ورئيس هيئة الامن القومي تساحي هنغبي. بعد وقت قصير من ذلك اعلن القضاة عن قرارهم الغاء شهادات نتنياهو في محاكمته هذا الأسبوع.

لقد تحولت محاكمة نتنياهو الى نقطة أساسية في الساحة السياسية الإسرائيلية والدولية. تغريدة ترامب التي دعت الى الغاء المحاكمة ووصفتها بانها “صيد ساحرات” حول “سيجار ودمية “بغز بني”، اثارت عاصفة وبعث بتخمينات عن تنسيق بين الرجلين. مقربو نتنياهو ينفون كل تنسيق ويدعون بان الملفات “انهارت” وان ترامب يعمل انطلاقا من نظام شخصي. لكن مسؤول كبير في المعارضة يدعي بان ترامب يشخص في المحاكمة نقطة ضعف لنتنياهو ويستخدمها كرافعة لتحقيق اهداف سياسية أوسع.

ويعزز طلب نتنياهو هذا لاعتبار “تطورات إقليمية” الإحساس بان المحاكمة تشكل أداة في لعبة أكبر. فترامب الذي يرى في نتنياهو شريكا مركزيا لتحقيق رؤياه الإقليمية، يسعى لتحريره من العبء القضائي كي يتمكن من التركيز على مهام سياسية. في هذا السياق ليس واضحا بعد اذا كان نتنياهو سيصل قريبا لزيارة واشنطن، وفي القدس يوضحون: لم يتفق بعد على شيء.

 

بالون اختبار امريكي

 

في مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز” قال ترامب امس ان دولا أخرى توجهت اليه “مؤخرا” وطلبت الانضمام الى اتفاقات إبراهيم. واضح لترامب انه بدون انهاء الحرب لن توافق السعودية على الانضمام الى احتفال الاتفاقات، لكن هذا لن يكفيها: هي تريد أيضا ان تسمع من نتنياهو استعدادا ما لقبول دولة فلسطينية مستقبلية. المستوطنون يخافون جدا “بالون الاختبار” الذي يطلقه ترامب. من جهة يعمل لالغاء محاكمة نتنياهو ومن جهة أخرى يتوقع منه تنازلات أليمة في مسألة الدولة الفلسطينية.

وغدا سيصل وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر الى البيت الأبيض ليلتقي مستشاري ترامب بل وربما ترامب نفسه. عمليا، حتى الان لم يعرض الامريكيون حقا خططهم على الإسرائيليين.

والى ذلك اجتمع الكابنت المصغر امس للبحث في استمرار القتال في غزة. وانتهى البحث دون حسم، وفي إسرائيل يقدرون بانه في ضوء الطريق المسدود يفكر ترامب بعقد “صفقة رزمة” واحدة تتضمن انهاء الحرب وتحرير كل المخطوفين في نفس الوقت.

-------------------------------------------------------------

 

هآرتس 30/6/2025

 

 

محاكمة نتنياهو تنهار، تغريدات ترامب هي فقط القشة الأخيرة

 

بقلم: يوسي فارتر

يجب الاعتراف، سواء بحزن أو بسرور، بان محاكمة نتنياهو آخذة في التلاشي امام انظارنا. لم يعد من الواضح اذا كان يوجد لها أي فائدة. هذه المحاكمة تحولت الى نكتة، ايضا في السابق هي لم تتميز بجدية كبيرة. هيئة القضاء صادقت أمس على تاجيل المحاكمة لاسبوع. وفي الاسبوع القادم سنرى ماذا سيحدث. وفي الاسبوع الذي بعده المتهم رقم واحد بصفته رئيس الحكمة، يخطط للذهاب الى صديقه دونالد ترامب الذي بالتاكيد سيقول بصوته ما غرد به حتى الان ضد المحاكمة وجهاز القضاء في اسرائيل.

بعد لحظة على عودة الزوجين القيصاريين من رحلة نهاية الاسبوع، ستذهب المحكمة الى اجازة حتى 5 ايلول القادم، وفي الاسبوعين التاليين بعد ذلك سندخل الى شهر الاعياد. لذلك، يصعب التشكك ليس فقط بطلب التاجيل الذي قدمه نتنياهو، بل بالصورة التي تمت فيها معالجة هذا الطلب مثل كل محاكمته. طلب اول ليس له مضمون حقيقي، الذي كان من الواضح انه سيرفض. طلب ثاني الذي هو ايضا غير مقنع، وبعد ذلك جاء الاحتفال السوقي مع رئيس شعبة الاستخبارات ورئيس الموساد. يصعب ايضا استبعاد اسئلة بخصوص تشكيلة القضاة الذين سلوكهم الجبان هو من الامور المشهورة، وشوهوا بايديهم مفهوم “المساواة امام القانون”.

من المحتمل ان يكون ما فعله ترامب هو القشة الاخيرة، قبل لحظة من سحق ما بقي من احترام للمحكمة بشكل نهائي، التي جعلتهم يشددون التعامل مع المتهم. في الاسبوع الاخير شكر نتنياهو ترامب على المنشورات الداعمة له، بما في ذلك المنشور الثاني الذي صدر أمس والذي ظهر فيه تهديد مفهوم ضمنا لتعليق المساعدات العسكرية اذا لم يتم الغاء المحاكمة. في الانتخابات الاخيرة نتنياهو وعد باعادة الكرامة الوطنية لاسرائيل. في الفترة الاخيرة تحت قيادته اسرائيل تظهر كدولة محمية وهو يظهر مثل الكسندر لوكاشنكو الى جانب فلادمير بوتين. الغاءه كان مستخذيا بشكل مطلق.

القضاة الثلاثة الذين بالغوا في كل ما يمكن اعطاءه للمتهم، ادركوا مع مرور الوقت انه في معظم الاحيان يستهزئون بهم. هم ليس لديهم أي ثقة بالزبون، الذي ذات مرة اخبرهم بجدول اعمال دراماتيكي، ولكن حينئذ اكتشفوا ان هذه الدراما هي مجرد فرصة لالتقاط الصور في جبل الشيخ. فقط بسبب ظهور لاعبي التعزيز دادي برنياع والجنرال شلومو بندر القضاة اقتنعوا جزئيا. عدم الثقة هذا في كل ما يحاول نتنياهو بيعه لم يولد أمس، بل بني طبقة فوق طبقة في عشرات الساعات  التي قدم فيها شهادته، التي في معظمها كانت في التحقيق الاولي، الذي فيه ادرك القضاة رفقه فيلدمان وموشيه بار عام وعوديد شاحم مع من يتعاملون. من يكذب بوقاحة وبشكل فظ في قضايا مدعومة بجبال من الادلة لن يتردد في ان يكذب ايضا في مواضيع تتعلق بالامن الوطني. عليه فقط لا يمكن الاعتماد.

كبير المتهمين اخبرنا طوال سنين عن توقه الشديد للصعود وتقديم شهادته من اجل “تدمير الملفات التي تمت حياكتها ضده”. منذ ذلك الحين المحاكمة بدأت، ولم يكن هناك أي تلاعب أو خداع لم يتم استخدامها بهدف اطالة المحاكمة، الغاء وتاجيل وتدمير النقاشات خشية التحقيق المضاد. من غير المستغرب انه عندما ازدادت الضائقة والهاوية ظهرت قريبة تم القاء الى الساحة سلاح غير تقليدي، على شكل الرئيس الامريكي الذي بمقت جهاز القضاء في بلاده، بما في ذلك أي منظومة قضاء مستقلة ومساواتية. في التغريدة الاخيرة قال ترامب ان وجود نتنياهو “في محاكمة على لا شيء” يؤخر عودة المخطوفين. هذا ادعاء الذي حتى درايفوس خاصتنا لم يتجرأ على قوله حتى الآن، لأنه يبدو ايضا ان لصهيونيته حدود. بالعكس، هو يتفاخر مرة تلو الاخرى “أنا قمت باعادة هذا العدد أو ذاك من المخطوفين” (205 في الاحصاء الاخير، 148 منهم على قيد الحياة).

ربط المخطوفين والحرب في غزة، التي جبت أمس القتيل العشرين منذ بداية الشهر الحالي، بالمحاكمة، هذه بهارات ترامبية. اتباع رئيس الحكومة سارعوا الى استغلاله. حملة السم تعززت بادعاء آخر وهو ان الدولة العميقة هي المذنبة في ان الخمسين مخطوف لم تتم اعادتهم حتى الآن. نتنياهو لم يتأخر في القفز على العربة. في الفيلم الذي تم تصويره في مقر الشباك في المنطقة الجنوبية (كيف لا يخجل من ان يذهب الى هناك بعد كل القذارة التي القاها على هذا الجهاز)، وضع هدف اعادة المخطوفين على سلم الاولويات، وهذا يتساوق مع نص ترامب. البيبيون دخلوا في غيبوبة: لماذا استقبل تدخل الرئيس الامريكي جو بايدن ضد الانقلاب النظامي بالمباركة في اليسار، في حين أن ترامب يحظى بمعاملة مختلفة.

ادارة بايدن نظرت بقلق الى تحطم المجتمع الاسرائيلي، والاضرار الكبير بـ “القيم المشتركة” الموجودة في اساس الحلف القوي بين الدولتين، واضعاف الردع الامني وتآكل اسس الاقتصاد ومكانة اسرائيل الدولة. امام انظار جو بايدن كان هناك الخطر الذي سيحدثه الانقلاب النظامي لامن اسرائيل، كما حذر الاحتجاج وكل من له عيون في رأسه.

الرئيس الصهيوني الاخير” تجند لانقاذ اسرائيل من التفكك. ترامب في المقابل، تم تجنيده لانقاذ بيبي من التفكك على منصة الشهادات. هكذا يفضل أن يتوقف من دخلوا في حالة غيبوبة في الاستوديوهات عن محاولة تزوير تشابه اعوج آخر. وهم بالمناسبة نفس الاشخاص الذين يسمون ارهاب المستوطنين الذي بدأ يرفع رأسه في الضفة بالقاب مخففة خلافا للقانون، ويطالبون بالتحقيق مع جنود الجيش الاسرائيلي الذين اطلقوا النار دفاعا عن النفس.

-------------------------------------------------------------

 

معاريف 30/6/2025 

 

الولايات المتحدة، إسرائيل وايران اداروا المعركة بشكل عاقل

 

بقلم: ميخائيل هراري

وقف النار في الحرب ضد ايران تمنح هدنة وتسمح لكل الأطراف، مع التشديد على ايران والولايات المتحدة، العودة الى المسار الدبلوماسي. وللحقيقة، فان هذا المسار كان على مدى كل الطريق، بالتوازي مع الضربات العسكرية. الحرب التي بدأت في 13 حزيران دارت في اطار تنسيق امريكي – إسرائيلي وثيقة ومبهر. فضلا عن ذلك كان حتى نوع من التنسيق الأمريكي الإيراني، في ضوء الرد الإيراني في الهجوم على القواعد الامريكية في قطر وفي العراق والذي كان مقنونا جدا.

يمكن أن نستخلص من ذلك بضعة اقانيم أساسية:

 اللاعبون الثلاثة، الولايات المتحدة، إسرائيل وايران اداروا المعركة بشكل عاقل. ايران فوجئت تماما بالهجوم الإسرائيلي. وكما كان متوقعا ردت بقوة. والحقت اضرارا جسيمة بالارواح وبالممتلكات، لكن على الأقل حاليا يبدو أنها قننت خطواتها بحكمة. هكذا أيضا بعد الهجوم الأمريكي.

اللاعبون الاقليميون، ومعظم الاسرة الدولية، وفروا دعما للهجوم الإسرائيلي. لا ينبغي الاستخفاف بذلك، في ضوء مكانة إسرائيل في السنتين الأخيرتين حول الحرب في غزة. معقول أن يكون تواصل الخروقات الإيرانية مثلما جد الامر تعبيره في التقرير الأخير لوكالة الطاقة الذرية اثار قلقا لدى هذه الدول.

التشاؤم النسببي من جانب روسيا والصين مثير للاهتمام. الدولتان شجبتا، كما كان متوقعا، الهجمات من جانب إسرائيل، دعتا لانعقاد مجلس الامن، لكنهما لم تتخذا خطوات فاعلة. يبدو ان الرئيس بوتين اعتقد ان لا مصلحة له لتحدي او احراج إدارة ترامب الان على امل ان يجديه هذا في الغداة، في موضوع الحرب في أوكرانيا.

أسعار الطاقة ارتفعت اقل بكثير مما كان متوقعا، ولم تنشأ فوضى في السوق العالمية. ينبغي ان يعزى هذا لجودة التنسيق الوثيق الذي بين واشنطن وحلفائها في الخليج مثلما يعزى أيضا لاستقلالية الطاقة للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة.

لقد خرجت إسرائيل، صحيح حتى الان، باحساس مبرر بالانجاز. قد نجحت في ان تحصل على ضوء اخضر للهجوم من الولايات المتحدة، حلم نتنياهو منذ سنين بل وضم واشنطن لهجوم هام على منشآت النووي. بقي انتظار التطورات. في المدى الزمني القصير، في مسائل استقرار وقف النار ومدى الضرر الذي لحق بالبرنامج النووي الإيراني. في المدى الزمني الابعد ستكون حاجة للرد على السؤال اذا كانت الحرب لم تعمق بالذات التصميم الإيراني على الوصول الى قدرة نووية عسكرية. مسألة انهيار النظام غير قابلة للتقدير. واضح أنه ضعف، لكن التداعيات لن تتضح الا لاحقا.

على إسرائيل أن تتصدى للفكرة التي تجد لها موقعا في الدول العربية، وبالتأكيد في الساحة العامة في موضوع رغبتها في أن “تفرض في الشرق الأوسط اجندة هيمنتها”. من شأن حكومة إسرائيل أن تخطيء بالدفع قدما بسياسة مغرورة وخطيرة. المسؤولية في هذا الشأن تقع على الرئيس ترامب. اذا تمكن من لجنة الاماني الهاذية لدى محافل في الحكومة وربما اهم من ذلك اذا ما استغل الملابسات الخاصة الناشئة كي ينهي الحرب في غزة. تغريداته الأخيرة والمكالمة الهاتفية الغاضبة مع نتنياهو أثبتت انه يستطيع.

-------------------------------------------------------------

 

 

 

 

إسرائيل  اليوم 30/6/2025 

 

اتفاق سلام وصفقة إقرار بالذنب

 

 

بقلم:  د. ايسي روزن تسفي ود. رونين ابراهام

 

 دعكم من ترامب. فكروا بما هو خير لإسرائيل: حان الوقت بالنظر بجدية بصفقة إقرار بالذنب مع نتنياهو؟

في اعقاب انتهاء المعركة حيال ايران، دولة إسرائيل ناضجة الان للمرحلة التالية: اتفاق سلام في المجتمع الإسرائيلي. برأينا، اتفاق السلام هذا يجب أن يمر عبر صفقة إقرار بالذنب لبنيامين نتنياهو. هذا فقط سيسمح لنا بان نتقدم الى المرحلة التالية – ترميم المجتمع، الحيوي لدولة إسرائيل.

في أوساط قسم من الجمهور الليبرالي في اسرائيل توجد معارضة مبررة وثاقبة لصفقة إقرار بالذنب مع بنيامين نتنياهو. الحجج ضد صفقة كهذه ثقيلة الوزن، ومن المهم التعرف عليها بعمق قبل كل قرار.

أولا – صفقة إقرار بالذنب مع نتنياهو، بخاصة بلا عقاب ذي مغزى، يمكنها أن تخلق إحساسا بـ “الانفاذ الانتقائي” واضعاف الردع الجماهيري.

ثانيا – مثل هذه الصفقة من شأنها أن تفشل في الجمهور كتنازل سياسي او كضعف جهاز القضاء، مما يمس بأكثر فأكثر بثقة الجمهور بمؤسسات الدولة. إضافة الى ذلك، فان السير الى صفقة كهذه مع شخص بمكانة نتنياهو ستطلق رسالة إشكالية للسياسيين وللشخصيات العامة الاخرى وتخلق نمط سلوك يتمثل بانعدام المسؤولية.

ثالثا، هذه الصفقة ستمنع بحثا علنيا كاملا في المحاكم بشكل يمنع الجمهور من أن يعرف الحقيقة عن سلوك نتنياهو.

وأخيرا، أجزاء كبيرة من الجمهور سيرى في الصفقة “تسوية” غير عادلة ما يخلق لديهم إحساسا بخيبة الامل او اليأس، بخاصة بعد سنوات طويلة جدا من الإجراءات القضائية.

ومع ذلك، ليس مناسبا دوما ان يثقب القانون الجبل. بالذات من زاوية نظر مسؤولة، حان الوقت للنظر بجدية في صفقة إقرار ذنب مع نتنياهو.

من المهم القول ان هذا ليس ردا على تصريحات ترامب الذي دعا الى الغاء محاكمة نتنياهو. هذه التصريحات لا أساس لها في نظرنا، وان كان فقط بكلمات بسيطة – هذا ليش شأنه على الاطلاق.  لكن محظور أن يمنعنا هذا السياق من ان نبحث في المسألة موضوعيا – لان هذا ما فيه خير لإسرائيل.

حان الوقت لايجاد مخرج مشرف لكل الأطراف. صفقة إقرار بالذنب ستتيح مثل هذا المخرج. هي ستتيح التركيز على تحديات اهم، كالامن، الاقتصاد، المجتمع، انهاء الحرب في غزة وإعادة المخطوفين وترميم الشمال والجنوب واساسا ستتيح الانشغال بالترميم الاجتماعي، تقليص التوترات والاستقطاب في الجمهور الإسرائيلي.

فضلا عن ذلك، فان هذه الصفقة ستضمن أخذ مسؤولية ما من جانب نتنياهو بشكل فوري. إذ ان قسما من نظريات الادعاء العام هي على الحدود من ناحية قضائية ومن ناحية البينات – كما المح بذلك القضاة أيضا بشكل صريح بما يكفي. في مثل هذه الحالات دارج عقد صفقات قضائية حتى في حالة مواطن عادي – ويمكن التقدير بان هذا كان ممكنا ان يحصل على أي حال في فترة أقل عصفا.

كما ان مثل هذه الصفقة ستقلل من المخاطرة بضرر إضافي بثقة الجمهور في جهاز القضاء وذلك لان محاكمة طويلة من شأنها أن تعمق اكثر فأكثر الضرر لصورة جهاز القضاء بين اطراف غير قليلة في الشعب وتتسبب باحساس بالملاحقة السياسية.

وأخيرا، هذه الصفقة يجب ان تتضمن تسوية ما تنهي الطريق السياسي لنتنياهو في نهاية ولايته الحالية.

صفقة مع نتنياهو ستسمح لنا بان نركز على التحديات التالية لإسرائيل، وعلى رأسها انهاء الحرب في غزة وإعادة المخطوفين، في ظل التصدي المشتركة لاعادة بناء المجتمع الإسرائيلي – التحدي لجيلنا التالي. اذا ما اتحد الجمهور من اليسار ومن اليمين حول صفقة تحرر نتنياهو من السجن ومن الحياة السياسية معا فهذا سيكون دليلا لا بأس به على أنه لعله فشلت المحاولة لتقسيم الشعب.

-------------------------------------------------------------

 

هآرتس 30/6/2025

 

 

“سيدا الإرهاب” لنتنياهو وكاتس: أخبرا جنودكما أن لـ”زعراننا” حرية تامة في الضفة الغربية

 

 

بقلم: أسرة التحرير

 

في الأسبوع الماضي، أحرق مستوطنون ممتلكات فلسطينية، وأطلق جنود النار فقتلوا ثلاثة فلسطينيين في بلدة كفر مالك. بعد بضعة أيام من ذلك، اعتدى مستوطنون على جنود وصلوا إلى المكان في محاولة لإخلائهم من البؤرة الاستيطانية التي -حسب الاشتباه- خرج المشاغبون منها. ومع أن الحالتين خطيرتان، فإن إحداهما حظيت بالشجب، الذي جاء واهياً للغاية: تلك التي أصيب فيها يهود.

لم تكن إلا مسألة وقت حتى وجه أسياد الأبرتهايد في المناطق الذين يعيشون خارج القانون، عنفهم تجاه الفلسطينيين إلى جنود الجيش الإسرائيلي الذين يمنعونهم من تنفيذ مآربهم بالفلسطينيين. الجيش الإسرائيلي، الذي سمح بنمو البؤر الاستيطانية، ولم يمنع العنف تجاه الفلسطيني، بل تعزز لدى هؤلاء المستوطنين بأنهم محصنون في وجه القانون وأضعفوا بذلك جهاز إنفاذ القانون الضعيف أصلاً – تلقاهم مجرمين معززي القوة وعديمي الثبات ومعتدين على الجنود أيضاً.

عندما يكون عنف المستوطنين موجهاً ضد الجنود، فجأة يتحدث رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع إسرائيل كاتس ضد العنف في “المناطق” [الضفة الغربية]. الشركاء الكبار في ائتلاف نتنياهو، وخصوصاً ممثلَي المستوطنين والتفوق اليهودي في الكنيست، سموتريتش وبن غفير، احتجا على رد نتنياهو وكاتس. على العكس، فقد ركز سموتريتش نقده على الجيش الإسرائيلي لأن فتى ابن 14 أصيب برصاص حي في الوقت ذاته، في ملابسات ليست واضحة بعد. أما بن غفير ففضل الصمت. إن مس المستوطنين بالجنود كان سيحظى في الماضي بتنديدات من اليمين واليسار. أما اليوم، فقد فتحت حكومة نتنياهو والمستوطنين، فلا إجماع هناك. الوزراء الكبار في الحكومة معنيون بردع جنود الجيش الإسرائيلي ليعلموا بأن لجم “فتيان التلال” [المستوطنون] وإنفاذ القانون لا يجديهم. حين يكون هذا هو نهج أكبر المسؤولين، وحتى من لا يزال يفكر بتوقيف “فتى تلال” عنيف، فسيفكر مرتين.

هكذا يمكن ضمان أن أوامر الإبعاد التي لا يزال قائد المنطقة الوسطى يصدرها، لن تفرض. وأوامر “منطقة عسكرية مغلقة” ستبقى على الورق وتنشر لغرض البروتوكول. صمتاً، دعونا نعتدي، هذه هي الرسالة التي يطلقها كبار السياسيين الإسرائيليين إلى ميليشيات التلال في الميدان. تلك الميليشيات أدت أيضاً إلى طرد عشرات التجمعات الفلسطينية السكانية في السنوات الأخيرة واتخذت لها هدفاً هو محاولة تيئيس سكان الضفة الغربية الفلسطينيين لترك ممتلكاتهم “طواعية”. على الدولة والجيش أن يفهما بأن الطريق لضمان عم إصابة الجنود على أيدي مشاغبين يهود هو فرض القانون عليهم، حتى عندما يعتدون على فلسطينيين. كما يجدر بهم أن يفهموا كيف شاع للجيش الإسرائيلي شهرة جيش يسمح بالاعتداءات بدلاً من منعها، وكيف يحصل أن حدثاً يشاغب فيه مستوطنون في قرية فلسطينية ينتهي بإطلاق جنود الجيش الإسرائيلي النار فتقتل ثلاثة من سكان القرية.

 

-------------------------انتهت النشرة-------------------------

disqus comments here