الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاثنين 10/11/2025 العدد 1456

الصحافة الاسرائيل- الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

هآرتس 10/11/2025

 

إلى بينيت ولبيد وليبرمان: “تحالف الخدم” وإقصاء العرب فشل سياسي وأخلاقي.. سيهزمكم نتنياهو

 

 

بقلم: سليم بريك وأوري بار يوسيف

 

رؤساء المعارضة ستتذكرهم سجلات دولة إسرائيل كمجموعة أشخاص عاجزين، لا قدرة سياسية لهم، الذين لم ينجحوا حتى بعد كارثة 7 أكتوبر في إسقاط النظام الأكثر كرهاً في تاريخ إسرائيل. سيتم تذكرهم كسياسيين فضلوا التركيز على جهود سرقة الأصوات من بعضهم بدلاً من إسقاط الحكومة، كما يتضح من عجزهم عن صياغة بديل واضح عن الحكومة الحالية.

إذا لم يكن عجز المعارضة الذي أظهرته حتى الآن غير كاف، فإن هذا المعسكر الضعيف يضع خطة سيتبين أنها فشل سياسي وأخلاقي كبير آخر في حملة الانتخابات القادمة. اسم هذه الخطة التي عرضها نفتالي بينيت هو “تحالف الخدم”. فكرتها إنشاء تحالف من 70 في المئة من المواطنين الإسرائيليين الذين يعتقد أنهم يتحملون العبء، الذي سيهزم فئة المتهربين من الخدمة العسكرية. رئيس المعارضة يئير لبيد، ذهب بعيداً عندما وعد بالدفع قدماً بقانون يحرم كل من لا يخدم في الجيش الإسرائيلي من حقه في التصويت في الحكومة القادمة. أما افيغدور ليبرمان فجاء رأيه معبراً عن ذلك أيضاً.

هناك شك كبير بأن تنجح براءة الاختراع هذه في جذب مصوتي أحزاب الائتلاف إلى المعسكر المعارض. من جهة أخرى، واضح من الذي سيتضرر – المواطنون العرب في دولة إسرائيل الذين لا ينتمون إلى فئة السكان الخدم التي يصنفها بينيت. وبالتالي، لن يتمكنوا من المشاركة في الحكومة القادمة إذا تم تشكيلها على أساس المعارضة الحالية.

إن استبعاد 20 في المئة من مواطني الدولة أمر لا مبرر له، ويتناقض مع المبدأ الأساسي في وثيقة الاستقلال، الذي يضمن بأن تحافظ إسرائيل على “المساواة السياسية والاجتماعية الكامل لكل مواطنيها، بغض النظر عن الدين والعرق والجنس”. أغلبية الجمهور العربي تسعى إلى الاندماج، وتساهم في مجالات كثيرة في خدمة الدولة وبنائها وازدهارها. المواطنون العرب ليسوا بناة الدولة فحسب، بل جزء لا يتجزأ من الأطباء والصيادلة والمهندسين والمعلمين فيها. واندماجهم في النظام الحكومي ليس بادرة خير فقط، بل عنصر مهم وضروري في ضمان ازدهار الدولة وتقدمها في كل المجالات.

إن إبعادهم استناداً إلى الادعاء بأنهم لا يخدمون الجيش، يصب في مصلحة بن غفير وسموتريتش في الطرف اليهودي، وفي مصلحة “بلد” والجناح الشمالي للحركة الإسلامية في الطرف العربي.

الجمهور العربي هو الذي دفع ويواصل دفع الثمن الأعلى الذي تدفعه أي فئة في إسرائيل منذ تشكيل الحكومة الحالية. التعابير الأكثر وضوحاً عن ذلك هي عجز شرطة بن غفير إزاء تفشي الجريمة في الوسط العربي، وتقليص الميزانيات الذي يمنع تطور المجتمع العربي، والدعاية المناوئة للعرب التي أصبحت مصدر الرزق لكثير من السياسيين في الائتلاف وعدد لا بأس به في المعارضة. يضاف إلى ذلك شعور المواطنين العرب بالحزن والفقدان بسبب الدمار في قطاع غزة والحرب التي تجري فيه، التي جبت عشرات آلاف القتلى، الذين كثير منهم من أبناء عائلاتهم.

من الجدير التذكير بأنه حتى اندلاع الحرب تم تحذيرنا كثيراً من الخطر الذي يتربص منا من عرب إسرائيل، الذين قد يشعلون صراعاً كبيراً آخر في حالة اندلاع حرب. مثلاً، حذر اللواء (المتقاعد) إسحق بريك دائماً من أن أحد أخطار الحرب القادمة يتمثل في آلاف المشاغبين العرب الذين سيحاولون اقتحام المنازل”. هذه الرؤية المخيفة كانت جزءاً من رؤية يحيى السنوار للحرب، الذي توقع أن موجات الشغب للعرب في إسرائيل (الداخل) ستضعضع استقرار الجبهة الداخلية في إسرائيل.

عملياً، يمكن الافتراض أن بريك، سيقر بأن المواطنين العرب في البلاد قد لبوا شرط الولاء. واستبعادهم من المشاركة في الحكومة القادمة يتجاهل هذا الأمر. هم جديرون بعلاج مصابي الحرب في المستشفيات، لكنهم لا يستحقون أن يكونوا شركاء في الحكومة. واضح أن هذا النهج سيعزز شعور الجمهور العربي بأن الولاء للدولة في وقت الأزمات لا أهمية له، وقد يؤثر ذلك على الامتحان القادم.

إلى كل ذلك، يجب إضافة الجانب الانتخابي والضرر السياسي الكامن في “تحالف الخدم”. ففي انتخابات 2022 خسر الائتلاف 6 في المئة من أصوات ناخبيه الذين صوتوا لميرتس و”بلد”، اللذين لم يجتازا نسبة الحسم. لقد كانت نسبة المصوتين اليهود في الانتخابات 75 في المئة، ونسبة التصويت في أوساط الحريديم 80 في المئة، ونسبة المصوتين العرب، بما في ذلك الدروز الذين يميلون للتصويت للأحزاب اليهودية، كانت 52 في المئة. ولو كانت نسبة المصوتين العرب مشابهة لنسبة المصوتين اليهود لكان من المشكوك فيه أن يتمكن نتنياهو من تشكيل ائتلافه.

إن المعارضة كانت جديرة، وتدرك أن دورها الرئيسي هو منع معسكر نتنياهو من العودة إلى الحكم، وكانت جعلت زيادة نسبة المصوتين العرب في إسرائيل هدفاً رئيسياً لها. وهذا لن يتحقق من خلال الوعود الفارغة عشية الانتخابات، بل من خلال طرح خطط عملية لمعالجة مشكلات المجتمع العربي وإظهار رغبة حقيقية في دمجهم بكل مجالات الحياة، بما في ذلك العضوية في الحكومة. أما شعار “تحالف الخدم” فهو عكس ذلك تماما.

وحسب الاستطلاعات الأكثر تفاؤلاً، مشكوك فيه أن تحصل أحزاب المعارضة على أغلبية برلمانية في الكنيست القادمة تكفي لتشكيل الحكومة. والالتزام العلني بتشكيل حكومة بناء على ما يصفه بينيت بـ “تحالف الخدم” يقوض فرصة حدوث ذلك مسبقاً. إما أن تجبر المعارضة على الموافقة على جولة انتخابات أخرى، أو يجبر قادتها على ابتلاع الضفدع وطلب الدعم من حزب “راعم” برئاسة منصور عباس على الأقل، مثلما فعلوا في انتخابات 2021.

القاسم المشترك الأصغر الذي يخلقه شعار “تحالف الخدم” غير قائم، سواء على العدالة أو على الحكمة. الحريديم كسبوا ويكسبون المصادقة على إقصائهم. العرب لا. لذلك، من الجدير شطب هذا الشعار من جدول الأعمال.

-------------------------------------------

هآرتس 10/11/2025

 

أي اللقبين يلائم سادية بن غفير… “وزير الأرغفة” أم “وزير التك تك”؟

 

 

بقلم: عودة بشارات

 

يدللون وزير الأمن الداخلي، بن غفير، لإحراجه وإثارة موجة ضحك على سلوكه، ويطلقون عليه لقب وزير التك تك. هذا مضحك جداً. ولكن “التك تك” يثير في النفوس مشاعر الشباب. إنه تطبيق للشباب. تطبيق بسيط مليء بالأفلام المضحكة والألعاب والتقليد والأغنيات. ما الصلة بين الوزير الذي يتفاخر بأنه يدمر الكثير من بيوت العرب من مواطني الدولة، وبين روح الشباب؟ ما الصلة بين الوزير الذي يوزع بنفسه أوامر هدم البيوت التي هي مثل ضربة الموت لعائلات معوزة في المجتمع العربي، خاصة في النقب، وبين “التك تك” الذي يثير السرور؟

ثمة لقب طريف آخر لهذا الوزير اللطيف. يطلق عليه “ملك الأرغفة”، من أجل الإهانة وإضحاك الناس. الرغيف يجعلنا نشعر بالبيت والدفء. رائحة الرغيف تثير الشهية لتناول الشاورما الشهية مع السلطة أو أسياخ لحم الخروف مع السلطة والطحينة، ولا ننسى الفلافل الرائع. مع العلاقة بين السجناء الفلسطينيين الذين يعانون، حسب تقارير منظمات فلسطينية، من التجويع المتعمد على يد الوزير بن غفير وبين الأرغفة المثيرة للشهية ودفء البيت والشبع أيضاً؟

إن موقف السياسيين والإعلاميين وصناع الرأي العام في إسرائيل من هذا السادي هو موقف سادي ومضحك. كم هو لطيف هذا الشخص بوجهه الطفولي، يجوّع السجناء الفلسطينيين، يجب أن تضحكوا، يكبلهم ساعات إلى درجة ضمور بعض أطرافهم، ويهددهم بعقوبة الإعدام التي تنتظرهم على الباب. هذا شخص مضحك حقاً.

هنا في دولة إسرائيل، إضافة إلى هدم البيوت التي هي خطته الرئيسية، يتفاخر بأنه يخفض صوت المآذن، صفقوا. هو يهين رؤساء عرباً، ونشطاء عرباً، أصبحوا هدفاً للتحقيق معهم، وهناك من تحدثوا عن تعذيب، وبعد بضعة أسابيع على الكابوس، يخرجون إلى الحرية، لأنه لا شيء ضدهم باستثناء أنهم موضوع لسادية الوزير والمنظمة التي يترأسها.

ليس العرب وحدهم. بن غفير يقيد معارضيه اليهود أيضاً، الذين أطلقوا هتافات ضد سلوك الحكومة. وهناك آخرون، الذين يتركهم داخل السجن فترة طويلة في ظروف قاسية لأنهم تجرأوا على التظاهر أمام منزل رئيس الحكومة نتنياهو.

حسناً، بن غفير ليس وزير أرغفة الخبز، هو وزير التجويع، وزير السادية في إسرائيل. المعارضة لا تفعل شيئاً. أحياناً يكون بعضها مؤيداً متحمساً لمشاريعه الفظيعة. بن غفير يستمتع بإساءة معاملة من هم تحت حمايته. يفتقر إلى أي رادع أخلاقي. “الإنسانية” بالنسبة له هي كلمة بذيئة وليست جزءاً من تركيبة شخصيته.

في الأوقات الجميلة التي كانت هنا، عندما كنا نتحدث عن التعذيب الشديد في الأنظمة العربية، كان هناك من يقولون إن التعذيب موجود أيضاً في دولة إسرائيل. كنت أتفق مع وجود التعذيب هنا، لكني اعتقدت أنه تعذيب ليس بمستوى التعذيب الموجود لدى الأنظمة العربية المتعطشة للدماء.

الآن، دولة إسرائيل لحقت بالأنظمة العربية في موضوع التعذيب مع فرق واحد، هو أنه هناك لا توجد ديمقراطية والشعب ضد النظام، قلوب الناس هناك تعارض وحشية النظام، لكنهم يخشون من التحدث لكيلا يجدوا أنفسهم في جحيم السجن. أما هنا فأغلبية الجمهور تؤيد، لذلك هو لا يعبر عن رأيه، وإذا عبر عن ذلك يكون هذا لإثارة الضحك على هول ما تراه عيون السجناء، على السجناء الذين أصبحوا نحيفين إلى درجة يصعب فيها تمييزهم. هل الشخص الهزيل الذي وزنه مثل وزن الطفل، والذي يقف بجانب الوحش المحشي بالأرغفة المليئة بكل الأطعمة، هو حقاً مروان البرغوثي؟

------------------------------------------

إسرائيل اليوم 10/11/2025

 

لوزير “العجز المالي” سموتريتش: كيف تنتقد قوة اقتصادية عظمى مثل السعودية؟

 

 

بقلم: المحامي حجاي ادورام

 

عندما أوصى وزير المالية سموتريتش السعوديين قبل نحو أسبوعين بـ “أن يواصلوا ركوب الجمال”، فإنه نسي على ما يبدو بضع معطيات أساسية: السعودية 2025 ليست صحراء مع خيام وكرافانات، بل أحد الاقتصادات الغنية والمستقرة في العالم، التي تتخذ إصلاحات اقتصادية شاملة تحت رؤيا “Vision 2030”.

بلغ الناتج القومي الخام الاسمي للسعودية نحو 1.2 تريليون دولار حتى السنة الأخيرة – أكثر بالضعف عنه في إسرائيل، الذي يبلغ نحو 540 مليار دولار. شركات التصنيف الدولية تمنح السعودية تصنيفات مستقرة بل وإيجابية، وذلك بفضل فائض الميزانية، ومستويات الدين المتدني، وأرصدة العملة الصعبة الهائلة. أما إسرائيل، بالمقابل، فتواجه عجزاً مالياً متسعاً، وكلفة أمنية جسيمة، وتصنيفات تخضع للمتابعة مع توقع سلبي.

عبء الضريبة في إسرائيل من الأعلى في العالم الغربي؛ ضريبة الدخل التدرجية، وتأمين وطني، وضريبة قيمة مضافة تصل إلى 18 في المئة. أما في السعودية، فلا توجد ضريبة دخل على المواطنين على الإطلاق. وضريبة القيمة المضافة تبلغ 15 في المئة فقط. والدولة تمول ميزانيتها من أرباح النفط. المعنى بسيط: المواطنون السعوديون يحتفظون بقسم أكبر من مداخيلهم في جيوبهم، أما الإسرائيليون فيدفعون غالياً على خدمات عامة يصعب عليها تلبية الطلب.

والفجوة هائلة في مجال المقدرات أيضاً؛ صحيح أن إسرائيل تملك حقول غاز ذات مغزى – لافيتان، تمار وكريش – التي جعلتها لاعبة إقليمية في مجال طاقة الغاز، ولكن السعودية، مع احتياطاتها النفطية الهائلة، لا تزال إحدى موردات الطاقة المركزية في العالم. أرباح النفط السعودية تمول استثمارات عظمى في التكنولوجيا، والسياحة، والمواصلات والصحة –تلك المجالات التي تحاول إسرائيل تطويرها بلا “بطانة ذهب” مشابهة.

 

جهل مؤسف

 

في مستوى الخدمات الاجتماعية، تقدم السعودية التعليم والصحة المجانيين، ومنح سكن كبيرة، وخطط تحفيز للأعمال والمبادرات التجارية. في إسرائيل، مع أن المنظومة العامة ناجعة وأكثر تطوراً تكنولوجياً، فإن المشاركة المالية الذاتية للمواطنين عالية، والمساعدة في السكن محدودة أكثر بكثير لدرجة العدم.

من ناحية جودة الحياة، تتحول الرياض إلى مركز تكنولوجي وثقافي وسياحي دولي، مع مشاريع بمدى مئات مليارات الدولارات. أما إسرائيل بالمقابل، فتصارع العجز المالي، غلاء المعيشة وهروب الأدمغة.

وعليه، قبل أن نتعالى على دولة أخرى ونتحدث عن الجمال، يجدر بنا أن ننظر إلى المعطيات. لعل السعودية ركبت الجمال في الماضي، لكنها اليوم تركب مستقبلاً اقتصادياً واعداً. سخرية كهذه تعرض تفوقاً إسرائيلياً بل وجهلاً مؤسفاً.

-------------------------------------------

 

 

هآرتس 10/11/2025

 

للإسرائيليين: إذا أردتم معرفة ما يجري في الضفة فراقبوا ما يفعل المجرمان زامير وبلوط

 

 

بقلم: أسرة التحرير

 

يخون رئيس الأركان إيال زامير، والعقيد آفي بلوط من قيادة المنطقة الوسطى واجبيهما. كلاهما مسؤول عن أمن سكان الضفة الغربية، سواء المستوطنين أم الفلسطينيين، ولا يتصرفان وفقًا لذلك. وقد تفاقم تقصيرهما في أداء الواجب بشكل كبير في الآونة الأخيرة وبلغ ذروته خلال موسم قطف الزيتون.

لقد ذكر تقرير للأمم المتحدة نُشر أواخر الأسبوع الماضي، أن عدد الهجمات العنيفة التي شنها المستوطنون في أكتوبر كان الأعلى منذ أن بدأت الأمم المتحدة في تسجيلها في كانون الثاني 2006. ووفقًا لبيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد تم تسجيل ما يزيد على ثماني هجمات يوميًا في أكتوبر، ما تسبب في أضرار جسدية وممتلكات للفلسطينيين. ومنذ بداية العام، تم تسجيل حوالي 1500 هجوم من هذا القبيل بالفعل.

كانت عطلة نهاية الأسبوع الماضية عطلة غارقة في الدماء في الضفة الغربية. في عدة قرى، فالمزارعون الفلسطينيون والمتطوعون الإسرائيليون الذين جاؤوا لمساعدتهم وحمايتهم من الإرهابيين كلهم تعرضوا لهجوم يهودي. في قرية بيتا، التي عانت من عدد لا بأس به من الضحايا خلال موسم القطاف، أصيب 11 شخصًا، من بينهم عوديد يدعيا، مدير مدرسة “منشار للفنون” في تل أبيب، الذي تطوّع لمساعدة الفلسطينيين. وقد تهشّمت عظام وجنتيه وفكّه جراء ضربات بلطجية التلال. وكان من المفترض أن تُصدم صورته وهو مُغطّى بالدماء كل إسرائيلي، وخاصة الجيش المتواطئ في الجريمة.

هذا الواقع ممكن لأن الجيش الإسرائيلي يقف مكتوف الأيدي ولا يفعل شيئًا للقضاء على العنف وحماية ضحاياه. ومن بين مثيري الشغب جنود يرتدون الزي العسكري، وأعضاء في ثلل التأهب في المستوطنات، يستغلون زي الجيش الإسرائيلي والأسلحة المُقدّمة لهم للدفاع عن أنفسهم لمهاجمة عمال الأراضي، الذين لا يسعون سوى لقطف محاصيلهم.

إن تصريحات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأن قواته “اندفعت إلى المنطقة” و”عملت على تهدئة التوتر” تصريحات مضللة. فالأمر لا يتعلق بـ”احتكاك” أو معارك رعاة، بل باعتداءات منفلتة العقال، مُدبّرة ومن طرف واحد. ولا يقتصر دور الجيش الإسرائيلي على “تهدئة التوتر”. فالجيش، بصفته صاحب السيادة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، مُلزم بحماية ضحايا العنف وضمان سلامتهم. وكما يحمي الجيش الإسرائيلي المستوطنين من الإرهاب الفلسطيني، فإنه مُلزم بحماية الفلسطينيين من الإرهاب اليهودي. إن دعم الحكومة لمثيري الشغب لا يُعفي الجيش من مسؤوليته في حماية أمن الفلسطينيين وممتلكاتهم.

بالإضافة إلى شرطة منطقة “شاي”، التي لا تُحرك ساكنًا في التحقيق في الاعتداءات وتقديم مرتكبيها للعدالة، يجب على الجيش استخدام جميع الأدوات المتاحة له. يجب تقديم الجنود المشاركين في الاعتداءات للعدالة، وتسليم بقية مثيري الشغب إلى الشرطة. رئيس الأركان الذي لا يأمر، والقائد الذي لا يقوم بواجباته، يعتبران شريكين في الجريمة.

------------------------------------------

هآرتس 10/11/2025

 

“أسباب أمنية” و”مركز حياة” و”تطبيق الإدارة”.. ذرائع لطرد أهالي 3 قرى بمحيط القدس

 

 

بقلم: عميره هاس

 

بعد شهرين على إعلان الجيش الإسرائيلي عن ثلاث قرى في الضفة الغربية كمنطقة عسكرية مغلقة، يتواجد مئات من سكانها في بيوتهم بدون تصريح عسكري مطلوب، الذي دخل حيز التنفيذ اليوم (الإثنين). ولسبب غير معروف، امتنعت الإدارة المدنية عن إعطاء حوالي 300 شخص من سكان قرى: بيت اكسا، والنبي صموئيل، وحي الخلايلة في شمال القدس، التصاريح التي

تسمح لهم بالخروج من قراهم والعودة عبر الحاجز المخصص لكل قرية: حاجز راس بدّو إلى بيت اكسا – التي يعيش فيها حوالي 2000 نسمة. الجيب للقريتين الأخريين، التي يبلغ عدد سكانها تقريبا 5 آلاف نسمة.

سكان هذه القرى بحاجة إلى تصاريح بعد أن ضمهم في أيلول قائد المنطقة الوسطى الجنرال آفي بلوط، إلى منطقة التماس – المنطقة بين جدار الفصل والخط الأخضر، التي يعتبر الدخول إليها محظوراً على كل الفلسطينيين باستثناء سكانها الدائمين. بعد الإعلان، حصل معظم السكان على تصاريح إلكترونية على الهاتف.

70 شخصاً من السكان عرفوا عبر تطبيق الإدارة المدنية أو مباشرة من الضباط، بأنهم ممنوعون من الحصول على تصاريح، لأن 50 منهم سمعوا مباشرة أو استنتجوا بأن التصاريح لن تعطى لهم “لأسباب أمنية”. وهو تعريف ضبابي، يفرضه “الشاباك” على كثير من الفلسطينيين. ذريعة عدم إعطاء التصاريح هذه تعارض قواعد الجيش في منطقة التماس التي كتب فيها أن “وجود منع أمني لا يحرم حق الطالب في الحصول على تصريح مقيم دائم في خط التماس في الحالات التي كان يعيش فيها بمنطقة التماس قبل هذا الإعلان”.

النيابة العسكرية أبلغت “موكيد” للدفاع عن الفرد، بأن من رُفض إعطاؤهم التصاريح، والذين لم يحصلوا عليها لأسباب أمنية، يمكنهم الدخول إلى منطقة التماس. في المقابل، المتحدثة باسم منسق أعمال الحكومة في المناطق قالت للصحيفة إن “إصدار تصريح دائم للسكان الذين لديهم منع أمني، يخضع للفحص من قبل جهاز الأمن ويصادق عليه وفقاً لكل حالة”. التناقض بين الإجابات يعكس عدم الوضوح الذي يعيش فيه سكان هذه القرى. حسب النيابة العسكرية، لم يتم إعطاء تصريح لحوالي نصف حالات المنع الأمني التي أبلغت عنها “موكيد”؛ بسبب عمد تقديم طلب. ولكن الكثير من السكان حصلوا على تصاريح بصورة أوتوماتيكية بدون تقديم طلب.

بخصوص الذين لم يحصلوا على تصاريح، قال مصدر أمني للصحيفة: “كل من يثبت أن مركز حياته في منطقة التماس سيحصل على تصريح إقامة دائم. أما من ليس مركز حياته في منطقة التماس فسيحصل على تصريح دخول في كل مرة يأتي فيها إلى قرى منطقة التماس”. وهو لم يفسر ما هو “مركز الحياة”.

دخول الإعلان إلى حيز التنفيذ اليوم يقلق مئات السكان الذين لم يحصلوا على تصاريح هم وأبناء عائلاتهم. “إذا ذهبت إلى العمل لن يسمحوا لي بالعودة. وإذا بقيت فشخص سيأخذ مكان عملي كسائق”، قال للصحيفة ع.، وهو أحد سكان بيت اكسا الذي لديه منع أمني. وحسب قوله، قال له ضابط الإدارة المدنية بأن يطلب من “الشاباك” رفع المنع عنه. ولكن منذ 7 تشرين الأول 2023 تم تجميد الطلبات لهذا الغرض.

وقال عدد من السكان إنهم سيضطرون إلى الانفصال عن أبناء عائلاتهم الذين حصلوا على تصاريح. “كل أبناء عائلتي حصلوا على تصاريح إلا أنا”، قال أحد سكان حي الخلايلة. “حين أذهب إلى رام الله أخشى ألا أستطيع العودة إلى بيتي”. معلمة تعلم في قرية قريبة انتقلت إلى بيت اكسا في 2016 وهي تعيش فيها مع عائلتها، عبرت أيضاً عن خوفها من عدم اعتبارها من سكان القرية. تغيير العنوان في بطاقة الهوية يخضع لمصادقة إسرائيلية – هي لم تحصل على ذلك حتى الآن. وقال أبناء عائلة كبيرة انتقلت إلى بيت اكسا في بداية سنوات الألفين، إن إسرائيل لم تصادق بعد على تغيير عنوانهم. على الفور، بعد الإعلان عن القرية بأنها جزء من منطقة التماس، حصلوا على تصاريح إلكترونية، لكنهم اكتشفوا في الأسبوع الماضي أن التصاريح تم شطبها من التطبيق، ولا يعرفون سبب ذلك.

رئيس مجلس قرية بيت اكسا، مراد زايد، احتج وقال: “إذا ولد أحد ما وعاش طوال حياته هنا، فجأة يصبح ممنوعاً من الدخول إلى بيته – أو أنه سيبقى محبوساً في بيته. نصف الشعب الفلسطيني لديه منع أمني على لا شيء”. هو وغيره من السكان تطرقوا إلى جزء من حالات المنع الأمني وقدروا ما الذي يقف خلفها. أحياناً، هؤلاء هم رجال دين، وأحياناً يدور الحديث عن شخص لديه تصريح دخول إلى إسرائيل، الذي لم يدخل عبر الحاجز المخصص، وأحياناً آباء (ليس أمهات) كان أبناؤهم في السجن. في حالة أخرى، لم يتم إعطاء تصريح لامرأة في الخمسينيات، التي كانت ترعى الأغنام قبل ثلاث سنوات قرب بيتها. ويقول حرس الحدود إنها دخلت إلى المنطقة التي ضمت للقدس في 1967. مع ذلك، تم في الأسبوع الماضي رفع المنع الأمني عنها بعد توجهها إلى الإدارة المدنية.

منذ بداية سنوات الألفين وحتى قبل أن ضم هذه القرى في خط التماس، تسري عليها قيود حركة كبيرة. الفلسطينيون من غير سكانها لم يسمح لهم بدخولها، طرق الوصول المباشرة التي تصل بينها تم إغلاقها، والتقنيون والمهنيون بحاجة إلى تصاريح خاصة يتم الحصول عليها بصعوبة، وكمية الغذاء ومواد البناء تم تقييدها لـ “الاستهلاك الشخصي”. إضافات البناء والتطوير ممنوعة في النبي صموئيل وفي حي الخلايلة حتى قبل اتفاق أوسلو، الأمر الذي اضطر الكثير من الأزواج إلى البحث عن أماكن سكن أخرى. بسبب الحواجز والانفصال عن باقي الضفة، اعتاد سكان هذه القرى الثلاث الذين يعملون في منطقة رام الله أو في أرجاء الضفة، إلى السكن في شقق مستأجرة بمناطق أخرى طوال الأسبوع. وذكر رئيس مجلس بيت اكسا، بأن الكثير من السكان يعيشون في الخارج، مثلاً لغرض التعلم. سكان هذه القرى على قناعة بأنه لن يسمح لكل هؤلاء بالعودة إلى بيوتهم، وربما يصطدمون بصعوبات كثيرة.

------------------------------------------

هآرتس 10/11/2025

 

للمستشارة القانونية: لا عذر.. عليك إصدار أمر اعتقال لنتنياهو ولفين قبل دمار الدولة

 

 

بقلم: إيريس ليعال

 

بنظرة إلى الوراء، بعد أن حُول القضاة إلى أشخاص مشبوهين، كان قرار المحكمة العليا الذي صدر في الساعة 11:00 وسمح لنتنياهو بتشكيل الحكومة، لحظة عمى مأساوية مهدت الطريق لعدة قرارات خاطئة أخرى. منذ ذلك الحين تدهورت الأمور، وها نحن الآن في لحظة يسيطر فيها المغسولة أدمغتهم على الشبكات الاجتماعية، ورجال القناة 14 على جهاز إنفاذ القانون.

خمس سنوات من عدم الشجاعة وقصر النظر والتردد مرت منذ وعدت رئيسة المحكمة العليا استر حيوت بأنه لن يسقط أي حصن، حتى انهار الحصن فجأة فوق رؤوسنا. هل كان قضاة المحكمة العليا التعساء يجهلون تاريخ الطغاة وأسلوب عملهم، أم أنهم لم يدركوا إلى أي مدى سيذهب نتنياهو في الانتقام منهم وتقويض سيادة القانون؟

هذا ما أوصل المدعية العسكرية السابقة، يفعات تومر يروشالمي، إلى هذا الوضع المؤسف، وتردد النظام والرغبة في عدم خرق القواعد. لقد كان يمكنها إجراء مؤتمر صحافي وعرض الفيديو والقول: هذه بعض الأدلة الموجودة لدينا. هذا حدث بالفعل، ومهمتي هي ضمان عدم ارتكاب ضباط الجيش والجنود لجرائم حرب.

كان يجب عليها القول في تلك المناسبة بأن الحقيقة قاسية في الواقع. ولكن الجنود ضربوا معتقلاً وكسروا أضلاعه وثقبوا عنقه وأضروا بمعدته ومؤخرته. وأنه يجب تقديم هؤلاء للمحاكمة، وألا يحصلوا على الحماية من الوزراء وأعضاء الكنيست. ولكن تومر يروشالمي وصلت إلى هذه الجولة وهي مندهشة من الهيجان المدبر المحيط بها. لقد شاهدت ما يمكن أن تفعله الآلة بأصدقائها فانهارت. لم تكن لديها القوة الذهنية اللازمة للتصرف كما ينبغي، كرسول عام شجاع. كل من تردد أمام نتنياهو ورجاله من أجل إرضائهم دفع الثمن. الآن، دور المستشارة القانونية للحكومة. تم اقتباس غالي بهراف ميارا “لن يكتفوا بالإقالة، يريدونني في السجن”. هل تعرف بأنها على حق؟ لا لا يريدون رؤيتها داخل السجن فقط إذا لم توقفهم، بل يريدونها هناك فحسب. إن لحظة من التردد الآن ستكلفها ثمناً شخصياً وستكلف إسرائيل ثمناً وطنياً. إن مشهد الحشود وهم على الشاطئ يبحثون عن هاتف تومر يروشالمي، مثل الزومبي الذين فقدوا عقولهم ويطيعون أوامر القيادة العليا في الجهاز البيبي، مشهد يشعل الضوء الأحمر لدى بهراف ميارا.

إذا كان مصدر رفيع في الشرطة زعم أن تعيين القاضي آشر كولا بحد ذاته محاولة انقلاب نظامية، عرقلها مفوض الشرطة واثنان من الضباط، فإن دورها هو اعتقال ياريف لفين، بدون خوف وتردد. وبما أن الجميع يرى أن نتنياهو هو الذي يقف وراء الانقلاب الحالي ضد جهاز القضاء، فلتأمر الشرطة على الفور بالتحقيق معه؛ لخرقه اتفاق تضارب المصالح الذي يمنعه من التدخل في منظومة القضاء.

إذا تساءلت ما إذا كان تحمل المسؤولية عن التحقيق للتجريد من الصلاحيات، ثم أجلتِ الموعد النهائي، وأن التحقيق مع وزير العدل ورئيس الحكومة سيشعل حرباً أهلية عنيفة في الشوارع، فستكون الحرب وقعت بالفعل. فالنار صغيرة الآن، لكن إطفاءها يكمن في القيام بشيء حاسم.

المتظاهرون يحصلون على الضرب والبصق، وعائلات المخطوفين تصبح هدفاً، والمراسلون محميون، والمواطنون يعتقلون وتُخلع ملابسهم لأنهم وصفوا بن غفير بشخص عنصري وكهاني، إذاً كل مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام مليئة بوحيد القرن.

سلسلة الوهن والضعف يجب أن تتوقف بعمل شجاع وضروري. عليك إصدار أمر اعتقال لليفين ونتنياهو من أجل التحقيق معهما، سيدتي المستشارة القانونية، ربما عليك وقف هذا الجنون المتفاقم الذي يدمر الدولة.

------------------------------------------

 

 

 

 

معهد القدس للاستراتيجية والأمن – 10/11/2025

 

 

العلاقات الخاصة تحت الاختبار: إسرائيل والولايات المتحدة في عصر السياسات التبادلية والاستقطاب السياسي

 

 

بقلم: د. عيران ليرمان

 

تقوم العلاقة المميزة بين إسرائيل والولايات المتحدة (وهو مصطلح صاغه الرئيس كينيدي في العام 1962) مبدئيًا على ثلاثة ركائز أساسية تُكمّل بعضها البعض: القيم المشتركة، والمصالح المشتركة، والدعم السياسي (V.I.P. – القيم، المصالح، السياسة). ورغم تكثف التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل ووصوله إلى آفاق جديدة في عهد الرئيس ترامب، إلا أن العلاقة بينهما لا تخلو من التوترات. بعضها يتعلق بإدارة المعركة على مستقبل الشرق الأوسط، والشعور بأن الولايات المتحدة منخرطة فيها بشكل فردي وعميق، بهدف ضمان وقف إطلاق النار وتحقيق أهدافها العامة، مع فرض إرادتها على إسرائيل. في المقابل، يعكس بعضها الآخر التغيرات الجذرية التي طرأت مؤخرًا على كل من هذه الركائز، بل ويُهدد بظهور تصدعات حقيقية فيها.

في البعد القيمي، تضررت صورة إسرائيل لدى الرأي العام بشكل كبير، ويتعرض الأساس التقليدي لشراكة القيم للتقويض بسبب الاستقطاب السياسي (في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل). على صعيد المصالح، نشأت بالفعل شراكات غير مسبوقة – في الحملة ضد إيران، وفي التحركات التي تقودها الولايات المتحدة للتوصل إلى تسوية مستقبلية في غزة – ولكن هناك أيضًا قضايا جوهرية تقود فيها إدارة ترامب تحركات مثيرة للقلق، مع التركيز على موقفها تجاه تركيا وقطر. على الصعيد السياسي، يتعرض إرث الدعم الحزبي القوي في مجلسي الكونغرس للخطر، وفي الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي (كما يتضح من ترشح زهران ممداني لمنصب عمدة نيويورك)، تُسمع آراء معادية لإسرائيل والصهيونية كانت في السابق حكرًا على أقلية ضئيلة. على الجانب الآخر، على هامش حركة “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا” المعادية للسامية التابعة لترامب، هناك أيضًا دعوات لإنهاء الدعم لإسرائيل. طوال هذه الفترة، ظهرت تصدعات، بعضها نتيجة إخفاقات في السياسة الإسرائيلية، بما في ذلك تجاه الجالية اليهودية في الولايات المتحدة. لذلك، ثمة حاجة إلى إعادة بناء هيكلية التعاون بين البلدين، على أساس حملة توعية متجددة في الساحة العامة الأمريكية بمختلف أشكالها؛ وتعزيز العلاقات مع الجالية اليهودية الأمريكية؛ وبناء روابط مع التيارات الرئيسية في كلا الحزبين، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات المتبادلة بين المؤسسات الأمنية في البلدين. وينبغي أن يكون الهدف هو بناء نموذج علاقات يُقلل من مستوى التبعية، مع الحفاظ على الالتزام الأمريكي بالتفوق العسكري النسبي لإسرائيل وحرية عملها السياسية، في ساحة ستظل محفوفة بالمخاطر (والفرص).

 

ركيزة القيم: تصدعات في عصر الصورة الإشكالية والاستقطاب السياسي

 

خلال الربعين الثاني والثالث من العام 2025، شهدنا تدهورًا سريعًا، بل وخطيرًا، في مكانة إسرائيل العامة في الولايات المتحدة، كما انعكس في استطلاعات الرأي العام. واكتسبت الحملة الدعائية المنظمة حول “التجويع” وحتى “الإبادة الجماعية” في غزة، والتي ارتكزت منذ البداية على مواقف اليسار وبعض الجاليات المسلمة في الولايات المتحدة، زخمًا كبيرًا – بفضل الطريقة التي عرضت بها وسائل الإعلام التقليدية الواقع على الأرض – والأهم من ذلك، اكتسبت زخمًا كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الخطاب الأكاديمي. هذه الرسائل، التي تُشبه في جوهرها تلك التي أجّجت الحملة السياسية ضد إسرائيل في أوروبا (كما حرص الرئيس ترامب على التأكيد عليها في أذن رئيس الوزراء)، قد تغلغلت في أوساط واسعة، ليس فقط بين المعسكر التقدمي المُتميّز، بل أثارت تساؤلات حول أساس القيم المشتركة الذي شكّل لأكثر من ستة عقود أحد الركائز الثلاث للعلاقة الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة، والذي كان حتى العقود الأخيرة مقبولاً على كلا جانبي الانقسام الحزبي في واشنطن.

تنبع صعوبة الحفاظ على أساس القيم واستعادته، من جملة أمور، من أن مسألة الموقف من إسرائيل – أو على الأقل تجاه حكومتها الحالية، كما يُنظر إليها في أوساط واسعة في الولايات المتحدة – قد أصبحت تدريجيًا، وفي الآونة الأخيرة، جزءًا من منظومة أوسع بكثير من القضايا “الاجتماعية” (أي القيم، وحتى الدينية بطبيعتها) التي تُفرّق بين الجمهور الأمريكي وتُثير فصائله في مواجهة بعضها البعض. في قضايا القيم، يكاد يكون منعدمًا وجود قاسم مشترك أدنى بين اليسار التقدمي واليمين “الترامبي” – بدءًا من مسائل الرموز الوطنية والذاكرة التاريخية، وصولًا إلى الموقف من مكانة الدين في المجال العام، ووصولًا إلى مسائل الهجرة والنوع الاجتماعي والهوية – التي تُغذي، في معسكر “اليقظة” التقدمي، نمط “التقاطعية” العدواني.

يُصنف الفلسطينيون، في هذا النظام القيمي، كجزء من معسكر واسع من المضطهدين، إلى جانب الأقليات العرقية في الولايات المتحدة، والمهاجرين غير الشرعيين، والنساء، ومجتمع المثليين، وغيرهم (على الرغم من عبثية “الربط” الصارخ بين التعاطف مع حماس والمطالبة بالمساواة بين الجنسين)، بينما يُصنف اليهود، ما لم يتخذوا موقفًا معاديًا للصهيونية، منذ البداية على أنهم “مضطهدون بيض” لا مكان لهم في الخطاب المشروع، وفي الأوساط الأكاديمية، وفي الفضاء الإلكتروني. هناك، بالطبع، أيضًا من بين التقدميين من يعترضون على العداء الجامح لإسرائيل؛ لعلّكم سمعتم الرسائل الصادرة من صفوف الحكومة الحالية في القدس – من مسؤولين في الائتلاف، يرفض بعضهم عمدًا إبداء رأيهم في أهمية البعد الأخلاقي والأيديولوجي في الولايات المتحدة – تُصبّ في مصلحة المعسكر الراديكالي وتخدم حججه. إن مجرد كون زهران ممداني، صاحب المواقف الواضحة والصارمة من وجود إسرائيل، مرشحًا – ناهيك عن انتخابه عمدة – لنيويورك، المدينة التي لا يزال يعيش فيها أكبر عدد من اليهود في العالم، يشهد على عمق الاستقطاب وتأثيره حتى على الناخبين اليهود.

 في الوقت نفسه، يُغذّي هذا الاستقطاب المُتفاقم – وثقافة التطرف المُتعمّد، التي تُغذّيها الأنماط الأساسية التي تُشغّل شبكات التواصل الاجتماعي (ما عرّفه ميكا غودمان وآخرون بـ”صناعة جذب الانتباه”، والتي تتطلب تصريحات تحريضية) – أيضًا تعبيرات العداء، بل وحتى معاداة السامية العلنية، بين عناصر اليمين المتطرف المُرتبطة بحركة “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا”، قاعدة ترامب القوية، والتي غيّرت جذريًا التوجه الاجتماعي والسياسي للحزب الجمهوري. وتشكل الأصوات الصريحة المعادية لإسرائيل، مثل أصوات مارجوري تايلور جرين في مجلس النواب، وتوكر كارلسون في وسائل الإعلام، جزءاً من هذا الاتجاه، على الرغم من أنه من الجدير بالذكر أن ترامب هاجم كارلسون بشدة بسبب مواقف الأخير ضد العمل في إيران.

 

نقاط التقاء – واحتكاك – بين المصالح الأمريكية (في رواية ترامب) والإسرائيلية

 

بالتوازي مع تعقيد البعد القيمي (بعبارة ملطفة) في العلاقات، وصلت إسرائيل والولايات المتحدة، منذ حزيران 2025، إلى سلسلة من نقاط التقاء مكثفة وغير مسبوقة في جوانب مستمدة من مصالح البلدين، وبشكل أدق، المصالح الوطنية كما تُفسر على المستوى السياسي في القدس وواشنطن. وقد أدت مسارات مختلفة، ومتعرجة أحيانًا، إلى نقاط التقاء هذه، مع كل ما يترتب عليها.

يجب التأكيد، كنقطة انطلاق، على أن ترامب ليس “انفصاليًا” بالمعنى التقليدي للكلمة. هو وجماعته – كما جسّد وزير الحرب (بمنصبه الحالي) بيت هيسيث بوضوح في خطابه أمام القيادة العسكرية الأمريكية بأكملها – لا يسعون للعودة إلى واقع ما بين الحربين العالميتين، حين كان الجيش البري الأمريكي (كما اعتاد كيسنجر أن يذكر) أصغر من جيش بلغاريا، ووقفت الولايات المتحدة حانبا فيما تدهورت أوروبا وآسيا إلى الهاوية. واليوم، ورغم الانتقادات اللاذعة لسياسات أسلافه – بما في ذلك في العراق وأفغانستان – يهدف ترامب إلى الحفاظ على مكانة الولايات المتحدة كقوة عسكرية رائدة في العالم، والرد على التعاظم العسكري الصيني الهائل.

علاوة على ذلك، فإلى جانب تباهي ترامب – وهو أمر مبرر جزئيًا – بإنجازاته الدبلوماسية (يُعدد الآن ثماني حروب يدّعي أنه عمل على إيقافها – روسيا وأوكرانيا، رغم أنه لم يُحقق اختراقًا هناك بعد؛ باكستان والهند؛ مصر وإثيوبيا؛ تايلاند وكمبوديا؛ أذربيجان وأرمينيا؛ الكونغو ورواندا؛ إيران وإسرائيل – وأيضًا “السلام الكبير” بين إسرائيل وحماس)، فإنه لا يتردد في التهديد باستخدام القوة، بل يُجهّز لذلك، ضد عصابات المخدرات وأعداء الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية.

مع ذلك، فإن الاعتبارات التي تدفعه إلى القيام بمثل هذه التحركات القوية لا تنبع من مهمة أخلاقية للديمقراطية، كما فعل المحافظون الجدد في عهد بوش (الابن)، أو من التزام بالحفاظ على “نظام عالمي قائم على القواعد” كما في عهد بوش (الأب)، وأوباما، وخاصة بايدن. نهج الإدارة الأمريكية هو في جوهره نهجٌ “تجاري” – إذ يخدم المصالح المباشرة للولايات المتحدة (والرئيس شخصيًا) – ويمكن تعريفه بأنه أمميةٌ تعاقدية.

ومن هنا انبثقت المسارات التي أدت إلى نقاط التقاءٍ تلاقت فيها أهداف إسرائيل وسياساتها، مما خلق تحالفاتٍ غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين.

“الطريق إلى فوردو” وأهداف نووية أخرى في إيران (عملية “مطرقة منتصف الليل”): مزيجٌ من رؤية ترامب للمشروع النووي الإيراني، منذ ولايته الأولى، كتهديدٍ ما كان ينبغي السماح له بالتطور في إطار الاتفاق النووي أصلاً؛ وقدرة المنظومة العسكرية الأمريكية (وتحديداً “القيادة المركزية” (CENTCOM)، التي تعمل منذ العام 2021 بتعاونٍ وثيقٍ وعميقٍ مع إسرائيل) على الاعتماد على ما حققه سلاح الجو – التعطيل الفعلي للقدرات الدفاعية الجوية الإيرانية – دفعها إلى اتخاذ قرارٍ ذي تداعياتٍ بعيدة المدى: الانضمام الفعلي والمباشر إلى عمليةٍ عسكريةٍ إسرائيليةٍ وإكمالها. هذا الاستعداد لدحر الأصوات الانفصالية الصريحة (مثل كارلسون، كما ذُكر) وتجاوز العتبة يُذكرنا إلى حدٍ ما بقرار ترومان العام 1947 بالالتزام بمحاربة وكلاء الاتحاد السوفيتي (بما في ذلك في الحرب الأهلية اليونانية). ما يجمع بينهما (رغم الاختلافات الكبيرة في النظرة الاجتماعية للعالم) ليس فقط اللغة القاسية، بل أيضًا إدراك أن الولايات المتحدة تواجه عدوًا عالميًا. اليوم، يُمثل التحالف الاستراتيجي بين الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية – الذي يستخدمه البعض اختصارًا أجنبيًا، CRINK – التحدي الرئيسي، ومن وجهة نظر إدارة ترامب، فإن مهاجمة حلقتها الضعيفة – إيران – خطوة استراتيجية من الطراز الأول (الدرس الذي تعلمه من محاولته الفاشلة للتفاوض مع كيم يونغ أون هو أنه لا جدوى من محاولة إغلاق الإسطبل بعد فرار الحصان النووي). وقد وجد أرضية مشتركة مع إسرائيل في هذه النقطة، الأمر الذي لم يمنعه من التصرف بقوة لإنهاء القتال بمجرد أن بدا له أن الهدف الرئيسي قد تحقق.

الطريق إلى كريات غات (وإلى إنشاء مركز التنسيق العسكري الإسرائيلي): على غرار قرار مهاجمة إيران، شهد قطاع غزة تحولاً سريعاً من دور الوساطة إلى مشاركة مباشرة وواسعة النطاق في إدارة “اليوم التالي” في غزة – أكثر من مئتي عسكري أمريكي (مع أنهم لم يكونوا موجودين على الأرض في غزة نفسها – تماماً كما كان التدخل في إيران “معقماً”). لقد بنى ترامب وفريقه – ويتكوف وكوشنر – عملية معقدة تعتمد على تفعيل الدول العربية والإسلامية – السعودية والإمارات، ومصر والأردن، وإندونيسيا (وهي جزء من “معسكر الاستقرار في العالم العربي والإسلامي”)، إلى جانب تركيا وقطر (الداعمتين لحماس والإخوان المسلمين)، وباكستان، التي تشهد علاقاتها مع الولايات المتحدة تحسناً رغم دعمها للعناصر الإرهابية في الهند – لخلق نفوذ (ضغط؟ احتضان؟) على حماس. في الوقت نفسه، نصّبت الولايات المتحدة نفسها على أنها من “دفع” إسرائيل إلى الموافقة على الخطوط العريضة للاتفاق، حتى وإن كانت في الواقع قد وُضعت على مدى فترة طويلة، وبتنسيق رفيع المستوى بين إسرائيل والإمارات والمسؤولين الحكوميين. في جوهرها، تُلبي هذه الخطة المطالب الإسرائيلية الأساسية – إعادة الرهائن أحياءً (ومعظم القتلى، مع تردد حماس في مسألة الموافقة)؛ وإصرار مبدئي على ضرورة نزع سلاح حماس وتسليم الحكم المدني في غزة؛ وواقعٌ يُسيطر فيه الجيش الإسرائيلي، خلال المرحلة الانتقالية، على نصف الأراضي والمعابر. كل هذا يُشير إلى اهتمام الرئيس وجماعته بما يُنظر إليه ليس فقط كمطالب مشروعة، بل كمفتاح لتسوية طويلة الأمد ومستقرة. ومع ذلك، فإن ثمن المخطط كان في صالحه:

أدى هذا المسار إلى إنشاء مقر للتنسيق والاتصال (أو، باسمه الرسمي، “مركز التنسيق المدني العسكري”) في إسرائيل، في مبنى صناعي فارغ بكريات غات، تحت إدارة أمريكية كاملة؛ وقائده هو قائد الجناح البري للقيادة المركزية الأمريكية، الفريق باتريك فرانك، وإلى جانبه المنسق المدني المعين للسفير الأمريكي في اليمن، ستيفن فيجن. ويرافق المكون الأمريكي، الذي يبلغ عدده حوالي 200 عسكري، ضباط وجنود من بريطانيا وفرنسا وحتى إسبانيا (ليسوا من أصدقاء إسرائيل الأوروبيين). وعلى الرغم من الالتزام بالتنسيق الوثيق مع الجيش الإسرائيلي – الذي يتولى نيابة عنه رئيس الأركان، اللواء تمير يداعي، وكذلك اللواء يعقوب (ياكي) دولف، إدارة العلاقة المستمرة مع مركز تنسيق CMCC – فإن الصورة التي تم إنشاؤها، من بين أمور أخرى، في أعقاب زيارات نائب الرئيس جيه دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو إلى المنشأة، هي “استيلاء” أمريكي غير مسبوق على جانب مهم من جوانب الأمن القومي الإسرائيلي.

الأهم من ذلك، على المدى البعيد، هو موقف الإدارة من دور تركيا وقطر في “المرحلة الثانية” من تنفيذ الخطة. يبدو أن فيتو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو ما منع رئيس الوزراء فعليًا من المشاركة في اجتماع القادة (الذي أعلنه ترامب “مؤتمر سلام”…) في شرم الشيخ، كما أن الموقف المتعاطف للرئيس وكبار مبعوثيه – والذي قد لا يخلو من دوافع شخصية – تجاه أردوغان وقطر يُشكل صعوبة جوهرية لإسرائيل. في الماضي غير البعيد، نظرت الولايات المتحدة إلى مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين بريبة، واعتبرت إدارة بايدن أردوغان حاكمًا استبداديًا وغير ديمقراطي (ولم تدعه إلى “قمم الديمقراطية” الافتراضية التي دعا إليها مرتين خلال فترة ولايته). لكن في عصر السياسة الخارجية “التجارية”، أُزيلت هذه الحواجز القيمية، ويُعرب الرئيس شخصيًا عن تعاطفه مع تركيا وقطر. يُشكّل هذا تحديًا ليس فقط لإسرائيل، بل أيضًا لدول أخرى في “معسكر الاستقرار” الإقليمي (واليونان وقبرص!)، التي تنظر بقلق متزايد إلى “العثمانية الجديدة” لأردوغان واستخدام قطر الصارخ لقوتها الاقتصادية.

“الطريق إلى دمشق” وتحوّل جهادي (سابق؟) إلى ربيب للولايات المتحدة: تأثير تركيا وقطر على السياسة الأمريكية – وتحديدًا على مواقف السفير في أنقرة، توم باراك، المقرب جدًا من الرئيس شخصيًا – يتجلى أيضًا في نقطة التقاء معقدة أخرى للسياسة الإسرائيلية والأمريكية، والتي تُرجمت أيضًا إلى تحركات غير مسبوقة – في هذه الحالة، على المستوى الدبلوماسي: اجتماعات على المستوى الوزاري بين إسرائيل وسوريا، بمشاركة أمريكية، والسعي إلى ترتيب أمني واسع النطاق بين البلدين (وربما أبعد من ذلك). مرة أخرى، إلى جانب المزايا، فإن نهج الإدارة – الذي يتجاهل بشكل صارخ ماضي أحمد الشرع (أو كما يُعرف زعيم المتمردين، أبو محمد الجولاني) كجهادي واضح على صلة بتنظيم القاعدة – له ثمن باهظ من وجهة نظر إسرائيل. يُقال هذا في المقام الأول فيما يتعلق بوضع الأقليات في سوريا “الجديدة”، وخاصة الدروز، الذين تلتزم إسرائيل بحمايتهم؛ والأكراد، الذين لعبوا دورًا حاسمًا في احتواء داعش، والذين يتسم موقفهم بالإيجابية تجاه إسرائيل. تلعب الحاجة إلى مراعاة هذه المسائل دورًا في كل من المفاوضات الأمنية مع سوريا، وفي الحوار المعقد مع إدارة ترامب حول مستقبل النظام الإقليمي ككل. الوضع أقل تعقيدًا فيما يتعلق بلبنان، حيث تشارك الولايات المتحدة (وكذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) تمامًا مطلب إسرائيل – الذي أصبح الآن راسخًا أيضًا في قرارات الحكومة اللبنانية – بنزع سلاح حزب الله. مع ذلك، من الواضح أن التوجه الأمريكي – كما يتضح من الاتصالات مع المبعوثة مورغان أورتاغوس – هو التحلي بمزيد من الصبر في مواجهة الصعوبات التي تواجهها الحكومة اللبنانية الحالية.

خلاصة القول هي أن إدارة ترامب تدرس المصالح الأمريكية في النظام الإقليمي بأدوات أخرى – أكثر اقتصادية وعملية – من سابقاتها، وإسرائيل مطالبة في هذه المرحلة بتكييف تحركاتها مع رؤيتها العالمية، وإظهار قيمتها الاستراتيجية من خلال أفعالها. في هذا السياق، يُتيح توطيد العلاقات العملياتية مع النظام العسكري الأمريكي فرصًا لاستيعاب المواقف الإسرائيلية الأساسية، ولكنه يفرض أيضًا قيودًا جديدة بشكل دوري على حرية عمل الجيش الإسرائيلي.

في غضون ذلك، يتطلب موقف الإدارة تجاه الدول والأنظمة المعادية لإسرائيل بشكل واضح – والمتعاطفة مع حماس والإسلاموية – بناء رد (وإن كان حذرًا ومدروسًا) في الساحة السياسية الأمريكية. في هذا السياق، تكتسب المبادرة التشريعية للسيناتور تيد كروز، التي تهدف إلى إعلان جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية والحد من قدرتها على العمل داخل الولايات المتحدة، أهمية بالغة.

 

تفاقم متزايد في الصعوبات على الساحة السياسية الأمريكية

 

حتى وقت قريب مضى، كان هناك ما يدعو للاعتقاد بأن قدرة أصدقاء إسرائيل على قيادة هذا النوع من التشريعات في الكونغرس لا تزال مهمة، على الرغم من الرأي العام المذكور آنفًا، وعلى الرغم من تعمق الانقسام بين الأحزاب. ويعود ذلك، من بين أمور أخرى، إلى نفوذ جماعة الضغط الرئيسية المؤيدة لإسرائيل، أيباك – التي أنشأت في الحملتين الانتخابيتين الأخيرتين للكونغرس (على عكس سياستها السابقة) “لجنة عمل سياسي” (PAC) تُموّل المرشحين المرغوب فيهم وتُساهم في الحملات ضد أولئك الذين اختاروا اتخاذ مواقف علنية معادية لإسرائيل. وقد نجحت هذه العملية بشكل شبه كامل، في عامي 2022 و2024، وفي ظروف أخرى، ساهمت في ردع العناصر السياسية.

من الجدير بالذكر أيضًا أن “النار سقطت على الأرز”: فالمشكلة التي تواجه إسرائيل اليوم لا تقتصر على موقف المتظاهرين في الجامعات، والأكاديميين من اليسار الراديكالي، والمجموعة الصغيرة والمتطرفة من التقدميين في الكونغرس (الفرقة، ومعظمهم من النساء، بقيادة ألكسندريا أوكاسيو كورتيز)، الذين كانوا معادين لإسرائيل حتى قبل الحرب. خلال سنوات الحرب، وخاصة في خريف العام 2025، تحول العديد من أركان الحزب الديمقراطي، بمن فيهم اليهود وغيرهم ممن عُرفوا لعقود بدعمهم المستمر لإسرائيل، إلى مسار انتقادات لاذعة بشكل متزايد، لدرجة الدعوة إلى خفض المساعدات.

لطالما كان السيناتور بيرني ساندرز شديد الانتقاد؛ ولكن عندما دعا زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، وهو يهودي وصديق مخلص لإسرائيل، إلى تغيير في القيادة في إسرائيل في وقت مبكر من آذار 2024، بدا أن صدعًا يتشكل في مكون رئيسي من قاعدة الدعم الحزبية. في أوائل أيلول 2025، أعلن عضو الكونغرس جيري نادلر، وهو مؤيد قديم لإسرائيل في مجلس النواب، أنه لن يترشح لولاية جديدة، وأنه يؤيد فرض حظر على توريد الأسلحة إلى إسرائيل في ضوء سياستها في غزة، مما يشير إلى تحول جذري في مكانة إسرائيل بين الديمقراطيين وداخل الجالية اليهودية الأمريكية. وفي أكتوبر، تفاقم هذا الوضع بهجوم لاذع على كل من الحكومة الإسرائيلية والمجموعة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) شنه عضو الكونغرس سيث مولتون من ماساتشوستس، وهو عضو بارز في لجنة القوات المسلحة ومؤيد تقليدي لإسرائيل، ويترشح الآن لمجلس الشيوخ في انتخابات 2026. وكتوجه عام، اتسع نطاق مؤيدي تقييد المساعدات الأمنية بين الديمقراطيين في مجلس النواب من أفراد معزولين إلى عشرات. يأتي هذا في الوقت الذي يتعمق فيه الانقسام السياسي في الولايات المتحدة، وتتعطل فيه الحكومة الفيدرالية إلى حد كبير بسبب عدم الاتفاق على الميزانية.

هناك ثلاثة أسباب أساسية وراء هذا الضرر الذي لحق بالمكانة السياسية لإسرائيل بين الديمقراطيين والتي يجب على القيادة الإسرائيلية أن تأخذها في الاعتبار، حتى مع إلقاء اللوم بشكل صارخ على الرئيس ترامب ومواقفه:

أولاً وقبل كل شيء، الضرر الذي لحق بالصورة الأخلاقية لإسرائيل لدى “القاعدة” الديمقراطية. في الولايات المتحدة (وبشكل أكبر في أوروبا)، اشتد هذا التوجه ابتداءً من آذار 2025، وخاصةً حول مسألة “التجويع”. ومن المفارقات أن هذا الانهيار حدث تحديدًا في وقت كان فيه القتال أقل حدة، وأوقع عددًا أقل من الضحايا بين السكان، مقارنةً بالأشهر الأولى من الحرب، عندما كانت إسرائيل تتمتع بدعم شعبي وبرلماني؛ وينبع هذا، إلى حد كبير، من علامات الاستفهام التي أثيرت حول نوايا إسرائيل ودوافعها – فيما يتعلق بالأفكار التي عبّر عنها الرئيس ترامب أيضًا في بداية ولايته، بشأن إخلاء قطاع غزة من سكانه.

يرتبط هذا ارتباطًا مباشرًا بجانب آخر يُفاقم التوتر بين الديمقراطيين والحكومة الإسرائيلية الحالية: التماهي الشديد مع ترامب. ربما يكون هذا مفهومًا بالنظر إلى ظروف الحرب والنظام الإقليمي، وبالنظر إلى النهج الشخصي للرئيس، الذي كان حساسًا لكرامته، ولكنه لا يزال إشكاليًا للغاية في نظر معسكر واسع يشعر بالاشمئزاز منه ومن أساليبه وأنظمته. إن المظاهرات واسعة النطاق، وربما غير المسبوقة، في نطاقها، تحت شعار “لا ملوك”، تعكس قلقًا حقيقيًا لدى أوساط واسعة (وليس فقط اليسار التقدمي المتميز) من المساس بأسس الديمقراطية الأمريكية، بما في ذلك من خلال استخدام القوة العسكرية في المدن الكبرى؛ وهي تردد صدى التوترات على خلفية مخاوف مماثلة نشأت أيضًا في المجتمع الإسرائيلي (والتي تناولها الرئيس جو بايدن صراحةً آنذاك). إن الاستقطاب السياسي، كما هو موضح أعلاه، يزيد من استياء الديمقراطيين من أن القيادة في إسرائيل – والمزاج العام – يعكسان موقفًا يكاد يكون إعجابًا بالرئيس.

في أعماق الامور، ثمة دلالةٌ أيضًا في الشرخ المتزايد (ربما يكون من الأدقّ وصفه بالصدع) – على مستوى القيم والهوية – بين شريحةٍ كبيرةٍ من يهود أمريكا وإسرائيل (كما يُصوَّرون). ينتمي معظمُ يهود أمريكا وأساسُهم إلى تياراتٍ غير أرثوذكسية، والتي، بسبب سلسلةٍ من القضايا العملية والرمزية (مثل فشل محاولة تنظيم “عزرات إسرائيل” عند الحائط الغربي)، تواجه الإقصاءَ بل والازدراءَ في الساحة السياسية الإسرائيلية. وفي هذا الصدد، دأبت الحكومة الإسرائيلية لسنواتٍ على قطعِ الغصن الذي تستند إليه. هذا – بالإضافة إلى السببين المفصلين أعلاه – له تأثير مباشر على الواقع الذي نشأ في نيويورك، حيث وقفت أصوات شجاعة قليلة فقط في هذه المجتمعات (مثل الحاخام أمييل هيرش في الكنيس الإصلاحي الذي سمي باسم وايز) بحزم ضد ترشيح مسلم متطرف معادٍ للصهيونية لمنصب عمدة المدينة – وهو ترشيح كان حتى وقت قريب أمرًا لا يمكن تصوره.

كل هذا، بينما يوجد حتى بين الجمهوريين من يتخذون مواقف مثيرة للقلق: بعضها نابع من مواقف معادية للسامية، صريحة أو ضمنية، وبعضها الآخر بسبب المعارضة المبدئية، بروح انفصالية، لجميع أحكام المساعدات الخارجية؛ وفي بعض الحالات، قد تجعل الصلة الفعلية بينهم وبين اليسار التقدمي من الصعب التحركات التشريعية التي ترغب إسرائيل وأصدقاؤها في الترويج لها.

 

ما العمل؟

 

تنبع بعض الاتجاهات الإشكالية الموصوفة هنا من ظروف الحرب، وهناك احتمال أن تخف حدتها، بل وتتلاشى، إذا ما صمد “السلام الأبدي” الذي ينادي به ترامب، وتحول التركيز إلى تنفيذ المرحلة الثانية من خطته، والتي ستُتاح فيها لإسرائيل مساحة لإظهار حسن النية ونفي مزاعم “الإبادة الجماعية”. مع ذلك، فإن التصدعات المذكورة أعلاه في كل ركن من أركان العلاقة الخاصة – القيمية والاستراتيجية والسياسية – بدأت بالظهور حتى قبل 7 أكتوبر2023، وتتطلب تركيزًا على أعلى مستوى سياسي.

على المستوى الإداري، ثمة حاجة إلى هيئة تنسيق وطنية مخصصة للعلاقات مع الولايات المتحدة بجميع مكوناتها، ويفضل أن يكون ذلك في إطار مجلس الأمن القومي، الأكثر تكيفًا من وزارة الشؤون الاستراتيجية، التي يرأسها حاليًا المحور الفعلي للعلاقات مع الحكومة، لدراسة جميع المدخلات (الأمنية والاستخباراتية والدبلوماسية والاقتصادية والتوعية، وتلك المتعلقة بالجالية اليهودية) والسعي إلى تضمينها ووضع سياسة متوازنة ومتسقة.

على مستوى السياسة الوطنية، تتطلب التغييرات الناشئة في أسس العلاقة الخاصة إعادة النظر في أساليب العمل مع الولايات المتحدة، بناءً على المبادئ التالية:

إبراز مساهمة إسرائيل في تعزيز المصالح الاستراتيجية الأمريكية في مواجهة خصومها، الذين يتعاونون أيضًا ضدها. ينبع موقف إسرائيل تجاه الولايات المتحدة، وخاصةً تجاه إدارة ترامب وطابعها “المعاملاتي”، في المقام الأول من قوتها – فالأساليب المذكورة أعلاه (فوردو، كريات غات، دمشق…) مهدت، كلٌّ في جانب مختلف، لاستخدام القوة العسكرية الإسرائيلية ضد إيران وحماس وحزب الله. إن الاستعداد والقدرة على استخدام القوة لإعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي هما ما هيّآ الظروف لتحقيق الإنجازات السياسية التي يتفاخر بها الرئيس.

في الوقت نفسه، وكما أشار رئيس الوزراء في مناسبات عديدة، فقد حان الوقت، ضمن عملية تدريجية بالتنسيق مع الإدارة والتيار المركزي في مجلسي الكونغرس، لرسم مسار الانتقال من نموذج المساعدات الحالي – والذي سيحل محله في العقد المقبل – إلى نموذج تعاون في مجال التكنولوجيا العسكرية، بما يعود بالنفع على الجانبين. هذا، مع الحفاظ على الالتزام الأمريكي بالتفوق العسكري النوعي لإسرائيل على أي مزيج من القوى المعادية، إلى جانب الاعتراف بأن دولة ذات ناتج محلي إجمالي أعلى من ألمانيا واليابان يمكنها الحفاظ على أمنها على أساس الإنتاج الذاتي، في بعض الحالات (هذا ما وجّهه رئيس الوزراء في تصريحاته حول “سوبر اسبرطة”) أو من خلال المشاريع المشتركة.

ينبغي أن يقترن ذلك، كسياسة منهجية، بتعميق العلاقات المتبادلة التي بدأت بالفعل بين المؤسستين العسكرية والاستخباراتية في البلدين (والتي، من بين أمور أخرى، تحافظ على استمرارية وظيفية حتى أثناء التغييرات الحكومية على المستوى السياسي).

تُسهّل هذه المهمة، وستظل تُسهّلها، العلاقات الأمنية الاستراتيجية التي بُنيت في العقود الأخيرة – “تحت الطاولة” أو فوقها – مع عدد كبير من الدول العربية، وخاصةً تلك التي تُشكّل ثقلاً موازناً في واشنطن لنفوذ تركيا وقطر، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ليس من السهل، في ظلّ المناخ الحالي، كبح جماح إدارة طموحة وعدوانية؛ ولكن في ظلّ مواقف مُعيّنة – ومرة ​​أخرى، مع التركيز على موقف الإدارة والرئيس شخصياً تجاه عناصر إقليمية مُرتبطة بوضوح بجماعة الإخوان المسلمين وأنصار حماس – من المهمّ العمل مجدداً على استعادة المكانة التقليدية للولايات المتحدة في صفوف الكونغرس بمجلسيه. يجب عدم التخلي مُسبقاً عن دعم الديمقراطيين، أو على الأقل غالبيتهم، من التيار الرئيسي؛ وحتى بين الجمهوريين المُخضرمين والمتمرّسين، وخاصةً في مجلس الشيوخ (مثل ليندسي غراهام وتيد كروز)، هناك، كما ذُكر آنفاً، من هم على استعداد لقيادة تحركات ضد الإخوان المسلمين وأنصارهم.

يجب أن يصاحب كل هذا تحول جذري في نمط التعامل مع يهود أمريكا، وفي مستوى الاهتمام بمواقفهم من القضايا التي ستشكل موقفهم تجاه إسرائيل مستقبلًا؛ وتكثيف الاستثمار في العلاقات مع جيل الشباب، الذي يواجه تحديات واسعة النطاق في الحرم الجامعي؛ ووضع حد للاعتقاد السائد بأن إسرائيل تتجاهل عمدًا معظم مكونات يهود أمريكا الشمالية، وتُلقي باللوم في نجاحها على الدعم الإنجيلي. يجب أن يكون المسار الذي يربط بين الجزأين الرئيسيين من الشعب اليهودي في القرن الحادي والعشرين مسارًا ذا تأثير متبادل.

------------------------------------------

 

معاريف 10/11/2025

 

 

ازدواجية اردوغان

 

 

بقلم: د. موشي العاد

 

“نحن نشهد إبادة جماعية في غزة”، اعلن رجب طيب اردوغان مؤخرا في خطاب مشحون امام جمهور حماسي في أنقرة. بعد بضعة أيام من ذلك صادق على 37 أمر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين اذا ما وصلوا الى تركيا او مروا في سمائها. “إسرائيل ستحاكم على جرائمها ضد الإنسانية”، صرخ. ثمة شيء ما شبه مأساوي بل وربما سخيف أيضا في أن الرئيس التركي بالذات، الرجل الذي يجلس على رأس دولة بنت هويتها القومية على النفي المنهاجي لابادة جماعية تاريخية، يدعي اليوم انه بوق الضمير العالمي.

مرت اكثر من 100 سنة منذ الإبادة الجماعية الأرمنية – خراب جماعة أهلية عتيقة، التي فيها قتل، عذب او هجر الى حتفهم اكثر من مليون ونصف ارمني على ايدي حكم الإمبراطورية العثمانية. لكن تركيا، حتى في القرن الواحد والعشرين ترفض بعناد الاعتراف بالحقائق. وبصفته مواصل درب أولئك الذين تنكروا لجرائمهم، والذي يعرض نفسه كدرع الشعب الفلسطيني، هو أيضا الرجل الذي يقمع الشعب الكردي بوحشية. منذ صعوده الى الحكم حول اردوغان الجنوب الشرقي الكردي من تركيا حقل تجارب سياسية وامنية. صحافيون ونشطاء أكراد يلقى بهم في السجن. مدن كاملة دمرت وزعيم حزب العمال الكردستاني (PKK) عبدالله اوجلان يحتجز في جزيرة – سجن معزول.

هكذا تبدو الازدواجية الأخلاقية بكامل قوتها: الرجل الذي يندد بالاخرين على “إبادة جماعية” يتجاهل تماما العنف، القمع والاضطهاد الذي يجري في ساحته. لا حاجة للمرء أن يكون مؤيدا لإسرائيل كي يعترف بهذه الازدواجية. حتى اكثر منتقدي إسرائيل حدة في العالم العربي والغربي يذهلون من قدرة اردوغان على أن يعرض نفسه كبوصلة أخلاقية. فهو يستغل كل مواجهة في الشرق الأوسط كي يحمس الشارع المسلم لكنه لا ينظر ابدا في المرآة.

يفهم اردوغان جيدا قوة سردية الضحية. وهو يبني قوته السياسية على غضب أخلاقي زائف، على تعظيم “العدالة الإسلامية” وعلى توجيه اصبع اتهام تجاه الخارج كي يطمس جرائم الداخل. هذا تكتيك معروف للأنظمة المطلقة: تحويل العدو الخارجي الى ستار دخان يخفي القمع الداخلي.

في عالم يدعي فيه كل واحد بانه يملك الحقيقة الأخلاقية خاصته، يخيل أنه مطلوب شجاعة لاجل النظر الى الوراء ومراجعة اخطائك. ليس لاردوغان مثل هذه الشجاعة. هو يتحدث باسم التاريخ لكنه يرفض الاعتراف به. يطالب بالعدالة للاخرين لكن يغلق الباب في وجه العدالة لابناء شعبه. انظروا من يزايد علينا: رجل يسكن امام مظالم شعبه، يخاف من حقيقة التاريخ ويسعى لغسل ماضيه الدامي بخطابات صاخبة عن الاخلاق الكونية.

وربما، في نهاية الامر، ليست هذه الازدواحية موضوعا يتعلق باردوغان فقط. فهو اختبار أيضا للعالم كله: هل نواصل الهتاف لمزايدين زائفين يسعون لان يكسبوا الشرعية بصرخات أخلاقية ام نذكرهم بان الاخلاق الحقيقية تبدأ بالبيت.

-----------------انتهت النشرة-----------------

disqus comments here