الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاربعاء 5/11/2025 العدد 1452
|
الصحافة الاسرائيل- الملف اليومي افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
معهد بحوث الأمن القومي (INSS) 5/11/2025
التغييرات التي أحدثتها حرب غزة على الساحات العالمية والإقليمية والإسرائيلية-الفلسطينية
بقلم: تمير هايمن
بدء ذي بدء، حددت القيادة السياسية الإسرائيلية عدة أهداف للحرب، أهمها استبدال نظام حماس (“تدمير قدراته الحكومية”) وتفكيك المنظومة العسكرية للمنظمة (“تدمير القدرات العسكرية”). بعد بضعة أيام، أُضيف هدف يركز على إعادة الرهائن (“تهيئة الظروف لعودتهم”). أدى رفع مستوى الإنجازات المنشودة إلى إقرار خطة حرب طويلة. وتضمنت الخطة التي أقرها مجلس إدارة الحرب حملة طويلة من أربع مراحل:
المرحلة الاولى: التحضير للمناورة – جهد ناري دفاعي وتجهيز القوة للعمل – وتستمر لمدة شهر.
المرحلة الثانية: القرار العسكري – وكان التعريف المكتوب هو “تفكيك” الجناح العسكري لحماس – وتستمر لمدة ثلاثة أشهر.
المرحلة الثالثة: مواصلة استنزاف ما تبقى من القوة العسكرية لحماس (القوات الفدائية المتفرقة) مع طرح حكومة بديلة كعنوان مدني لقطاع غزة – وتستمر لمدة تسعة أشهر.
المرحلة الرابعة: المرحلة الرابعة: تأسيس سلطة مدنية بديلة في غزة واستعادة الاستقرار الأمني، والتي ستستمر 12 شهرًا.
وُصفت الحرب نفسها بأنها حرب في ثلاث دوائر:
الدائرة العالمية: كجزء من حرب بين العالم القائم على القواعد، بقيادة الولايات المتحدة، ضد قوى الشر والعدائية، مثل روسيا وحماس.
دائرة الشرق الأوسط: حرب القوى المعتدلة التي تتوق إلى الاستقرار ومستقبل أفضل، ضد العناصر المتطرفة بقيادة إيران.
الدائرة القريبة: حرب على الساحة الفلسطينية، بين إسرائيل وحماس.
إن وقف إطلاق النار وبدء تطبيق الخطة التي وضعتها الإدارة الأمريكية لإنهاء الحرب (خطة العشرين نقطة)، يُتيحان دراسة التغييرات التي طرأت على الدوائر الثلاث للحرب، بعد مرور عامين. يُعد هذا الفحص أساسيًا لصياغة استراتيجية لمواصلة الإبحار في مياه الساحة الإسرائيلية الفلسطينية المضطربة، والشرق الأوسط المتغير، والنظام العالمي الذي يمر أيضًا بعملية تفكك متسارعة.
الساحة العالمية
من بين القطاعات الرئيسية والبارزة في الرأي العام العالمي، أصبحت إسرائيل “الجانب السيء” من الأحداث، وجزءًا من “الأشرار”، إلى جانب روسيا. من ناحية أخرى، أصبح الفلسطينيون جزءًا من “الأخيار”، المظلومين والمضطهدين الذين تعرضوا للهجوم، مثل أوكرانيا. كان التحول في الرأي العام من وضع الضحية إلى وضع “الجلاد” سريعًا ومحبطًا للغاية. في الوقت نفسه، كان التغيير في سياسات الحكومات حول العالم تجاه إسرائيل بطيئًا نسبيًا، وتطور بشكل سلبي في أعقاب ثلاثة أحداث رئيسية سيتم تفصيلها بإيجاز:
1– أهمية الدعم من دولة عظمى: تسبب تأخير هجوم رفح في أزمة بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة بايدن، وكان أهم نقطة تحول في الحملة على غزة. يمكن استخلاص ثلاثة دروس مهمة من هذا الحدث: أهمية وتيرة الإنجازات التكتيكية على المستوى الاستراتيجي، وضرورة وضوح وتزامن هدف الحرب، بالإضافة إلى الجانب الشخصي – لا ينبغي للمرء أن يُهين رئيسًا، وخاصة رئيس الولايات المتحدة.
وتيرة التركيز والإنجازات – وفقًا للجدول الزمني (الذي كان مألوفًا لإدارة بايدن)، كان من المقرر أن تنتهي المرحلة الصعبة من الحرب (المرحلة ب) بحلول شباط 2024، وأن تبدأ المرحلة ج التي طال انتظارها (والتي تتضمن إدخال عنوان مدني لإدارة غزة – “اليوم التالي” باللغة الدارجة). عمليًا، تأخرت عملية رفح كثيرًا. من بين أسباب أخرى، المحاولات المتكررة للقضاء على زعيم حماس يحيى السنوار، المتمركز في عمق الأرض في خان يونس، ونقل الفرقة التي كان من المقرر دخولها رفح إلى لبنان. (نُقلت الفرقة 36 إلى مهمة دفاعية في قطاع الحدود الشمالي في شباط 2024، على ما يبدو بسبب الرغبة في إعفاء قوات الاحتياط). كل هذه التأخيرات قوضت ثقة الولايات المتحدة في عزم إسرائيل على حسم حماس بسرعة.
هدف الحرب – كان الموعد النهائي الأصلي لتطبيق آلية “اليوم التالي” (المرحلة ج) هو نهاية كانون الثاني 2024. انقضى هذا الموعد دون حتى مناقشة السؤال الجوهري: من سيستلم السيطرة المدنية على قطاع غزة؟ كان رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي مناقشة مسألة “اليوم التالي” حتى القضاء التام على حماس مخالفًا لرأي معظم الوزراء في الحكومة التي تدير الحرب. بعد أن طالب اثنان منهم بذلك علنًا وكتابةً، ورُفض طلبهما، ثارت الشكوك في الإدارة الأمريكية حول الهدف الحقيقي للحرب. تجدر الإشارة إلى أن كبار الوزراء في الائتلاف أدلوا بتصريحات عبّرت عن أهداف مختلفة عن تلك المحددة كأهداف للقتال (طرد سكان قطاع غزة، وضمه، والاستيطان الإسرائيلي على أراضيه).
الإهانة الشخصية للرئيس بايدن – فقد تسببت عملية رفح في توتر كبير بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية. عارضت الإدارة العملية بسبب مخاوفها من وقوع خسائر بشرية واسعة النطاق في صفوف المدنيين، وقطع طرق الإمداد إلى قطاع غزة من مصر، وعدم استعداد إسرائيل (حسب فهمها) لتوفير الشروط الأساسية للنازحين من رفح (الخيام، المياه، الصرف الصحي، الخدمات الطبية). بل هددت الإدارة بأن العملية ستكون لها “عواقب”، وطالبتها بألا تستغرب إذا ما عزمت إسرائيل على تنفيذها. ومع ذلك، بدأت العملية مفاجئة. وكانت العواقب: أمر الرئيس بايدن بوقف شحن القنابل التي تزن طنًا واحدًا، وأوقف توريد الجرافات الثقيلة للجيش الإسرائيلي. كما أشارت هذه الخطوة إلى دول أخرى في العالم إلى اتجاه نحو تغيير سلبي في العلاقات مع إسرائيل.
2 – أهمية انتهاك الاتفاقات: بدء عملية “عربات جدعون”: مع بداية الولاية الثانية لدونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة، تم التوصل إلى الاتفاق الثاني لإطلاق سراح الرهائن. واعتبر الكثيرون حول العالم هذا الإنجاز بمثابة نهاية للحرب. مع ذلك، عمليًا، قررت الحكومة الإسرائيلية عدم مواصلة المفاوضات بشأن المرحلة التالية من الاتفاق، فانفجر. وفُسِّر استئناف القتال عالميًا (وبين شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي) على أنه دليل على رفض إسرائيل إنهاء الحرب. وأدت العملية إلى تصعيد إضافي في الانتقادات الدولية، مما دفع الحكومات الأوروبية إلى فرض حظر على توريد الأسلحة إلى إسرائيل (لا سيما فيما يتعلق بقطع غيار الأسلحة البرية).
3-ضعف الدبلوماسية العامة وأهمية نظام الحرب المعرفية؛ الفشل في مواجهة حملة “التجويع المتعمد” التي شنتها حماس: تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين في آذار 2025 بشأن وقف المساعدات الإنسانية إلى غزة، والتي رافقتها تلميحات بالفخر، جاءت إلى حد كبير على حساب إسرائيل. ظلت حملة “التجويع المتعمد” (الحملة الزائفة التي قادتها حماس) تطاردها حتى إعلان وقف إطلاق النار في أكتوبر2025. وتسارعت وتيرة هذه الحملة بعد انتصار إسرائيل في حرب الأيام الاثني عشر مع إيران، نتيجةً لمزيج من الإحباط من تجدد الحرب في غزة ونفاد الإمدادات الإنسانية في القطاع، مما تسبب في نقص غذائي (خاصةً للفئات الأضعف في المجتمع – النساء والمرضى والأطفال). ووجدت إسرائيل نفسها لأول مرة في منطقة خطر حقيقي من العزلة والعقوبات الدولية. ووقفت دولة إسرائيل على شفا الهاوية.
ساحة الشرق الأوسط
خلال العامين الماضيين، تغيّر الشرق الأوسط. تصدّع المحور الشيعي، وضعف نفوذ إيران في المنطقة، وتعاظم نفوذ الدول التي تعمل على تعزيز رؤية الإخوان المسلمين (قطر وتركيا). لم تعد سوريا ولبنان كما كانتا، وعادت إمكانية توسيع “اتفاقيات إبراهيم” إلى الأجندة الإقليمية والعالمية.
1– إضعاف المحور الشيعي:
في بداية الحرب، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنها ستُغيّر الشرق الأوسط، لكن في بداية الحرب، لم يكن إضعاف المحور الشيعي ضمن أهدافها. بل على العكس، كان هدف المحور الشيعي التركيز على قطاع غزة و”منع التصعيد في ساحات أخرى”. صحيح أن 11 أكتوبر 2023 كان يومًا استثنائيًا. في ذلك اليوم، وحتى قبل بدء المناورة البرية في القطاع، كادت إسرائيل تشن حربًا على حزب الله. على أي حال، حتى لو تمت الموافقة عليها، لما كانت العملية (التي كادت أن تُنفذ) لتشمل فتح جبهة ضد إيران، بل ضربةً مُستهدفةً لحزب الله. بالنظر إلى الماضي، كانت الحرب ضد حزب الله ناجحةً للغاية، لذا فإن التساؤل عما كان سيحدث لو تعرض حزب الله لهجوم في 11 أكتوبر غير ضروري على الإطلاق.
الخلاصة: يكمن سر النجاح في الحرب ضد المحور الشيعي بقيادة إيران في استغلال عشوائية الواقع الناشئ والمرونة في استخدام الأدوات والقدرات المُعدّة لسنوات. لذلك، ينبغي أن يكون الدرس الرئيسي من الحرب هو أهمية الجمع بين التحضير العميق والمرونة والجرأة واستغلال الفرص العشوائية. لا بد من الاعتراف بأن الصدفة والحظ كانا عنصرين أساسيين للنجاح.
2 – قرار حزب الله:
طوال العام 2024، كان هناك تصعيد تدريجي وبطيء ضد حزب الله. وقد عزز هذا التصعيد البطيء تمسك الأمين العام للمنظمة الإرهابية، حسن نصر الله، بمفهوم أن إسرائيل ليست متجهة إلى الحرب. دفعه هذا المفهوم إلى التخلي عن جنوب لبنان وعدم تصعيد القتال ضد إسرائيل. وكانت نقطة التحول إطلاق صاروخ على موقع غلاديولا على جبل دوف، أخطأ هدفه وأصاب ملعب مجدل شمس الرياضي. ودفعت النتيجة المروعة (مقتل 12 طفلاً) إلى اتخاذ قرار بتصفية رئيس أركان حزب الله، فؤاد شكر (السيد محسن). ثم شُنّت عملية “البيجر”. كان التوقيت ضيقاً لأن العملية كادت أن تُكشف. ثم انتهز الجيش الاسرائيلي فرصةً سنحت له باجتماع جميع قادة قوة رضوان مع رئيس قسم عمليات حزب الله فوق الأرض، في موقع معروف للمخابرات الإسرائيلية، وتم تصفية هذه القيادة بأكملها. لم يغير نصر الله روتينه رغم التصعيد الإسرائيلي، ومكن تهاونه وغروره من تصفيته. في غضون ذلك، دُمّر آلاف الصواريخ والقذائف بعيدة المدى في عملية غارة جوية أُعدّت لسنوات بناءً على معلومات استخباراتية معمقة ودقيقة.
3– إضعاف إيران:
تم التخطيط للحرب مع إيران بدقة متناهية قبل أشهر من تنفيذها. وقد أمكن تنفيذها بنجاح بفضل العلاقة الوثيقة مع إدارة ترامب. قدمت إيران ذريعةً من خلال تسريع وتيرة البرنامج النووي وتطوراتٍ مُقلقة للغاية في مجال الأسلحة، مما استدعى ردًا سريعًا. إن إدراك أن الهجوم كان بموافقة أمريكية، بما في ذلك الاستعداد للقتال إلى جانب إسرائيل، خلق واقعًا جديدًا وفرصة إقليمية قد لا تتكرر. حققت الحملة ضد إيران أهدافها: تأجل المشروع النووي لعدة سنوات، وتآكلت قدرات إيران في مجال الصواريخ الباليستية بشكل كبير، وظهر ضعف إيران العسكري مقارنةً بقدرات إسرائيل – مما أدى إلى تآكل مكانتها الإقليمية. مع ذلك، لم يتزعزع النظام في إيران، وتوحد الشعب الإيراني حول رايته، وتزايد الدعم للنظام، وتصاعدت مشاعر الكراهية والخوف من إسرائيل، باعتبارها التهديد الرئيسي لإيران.
4– النظام الناشئ في العالم السني:
في 8 كانون الاول 2024، سقط نظام الأسد. كان هذا التطور نجاحًا استثنائيًا لهجوم المتمردين عليه والذي لم يكن له علاقة بإسرائيل، على الرغم من أن حقيقة أن جيش الأسد لم يرد ولو بشعرة واحدة على المتمردين ربما كانت مرتبطة بوقف إطلاق النار في لبنان (تشرين الثاني 2024) وهزيمة حزب الله. كان السبب الرئيسي لنجاح المتمردين هو الدعم الذي قدمته تركيا لمنظمة تحرير الشام (هيئة تحرير الشام)، وخاصة في السنوات التي سبقت الانقلاب في سوريا. رعت تركيا المنظمة، التي يقع مركز نشاطها في إدلب، تحت رعايتها الوثيقة. لذلك، بعد أن أصبحت هذه المنظمة حاكمة سوريا، أصبحت تركيا عامل النفوذ المهم في البلاد. مباشرة بعد صعود النظام الجديد، بدأ المحور التركي القطري العمل في الأراضي السورية. دفع هذا الوجود المملكة العربية السعودية إلى التحرك، إذ ترى أن المحور السني المتطرف المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين يُشكل تهديدًا لهيمنتها في الشرق الأوسط: فكانت استضافة الرئيس ترامب في الرياض في أيار 2025، في الوقت الذي كان يرفع فيه جميع العقوبات المفروضة على نظام الأسد من سوريا، خطوةً حكيمةً من جانب المملكة العربية السعودية في إطار صراعها على القيادة الإقليمية.
وكان التطور الأبرز الذي رفع مكانة قطر وتركيا في النظام الإقليمي هو الهجوم على سلاح الجو الإسرائيلي في الدوحة، قطر، في أيلول 2025. انتهكت إسرائيل القاعدة الخليجية غير المكتوبة: الأمن المتبادل. ووفقًا لهذه القاعدة، فإن الدول التي تُحافظ على نوع من الحوار فيما بينها لا تهاجم بعضها البعض. انتهكت إسرائيل هذه القاعدة عندما هاجمت الدوحة، بينما كانت تجري محادثات مكثفة مع قطر بشأن صفقة من شأنها أن تؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن، مما أذل النظام. وفي محاولة لإرضاء الأمير، حصلت الإمارة، من بين أمور أخرى، على بديل مماثل لتحالف دفاعي من الولايات المتحدة، واعتذار رسمي وعلني من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، فضلاً عن الالتزام بفرض وقف الحرب في قطاع غزة على إسرائيل ــ حتى في المرحلة الأولية، عندما لا تزال سيطرة حماس على المنطقة واضحة (على عكس معارضة إسرائيل المستمرة في هذا السياق).
تقلبات الساحة الإسرائيلية الفلسطينية
أعادت الحرب القضية الفلسطينية إلى صميم الأجندة العالمية، لكنها لم تعد كذلك في إسرائيل. بل على العكس تمامًا. غالبية الجمهور الإسرائيلي لا ترى أي أمل في حل الدولتين للصراع. أي ذكر لخيار الدولة الفلسطينية يُنظر إليه من قبل شريحة كبيرة من الجمهور الإسرائيلي على أنه مكافأة للإرهاب. حتى بين الراغبين في الانفصال عن الفلسطينيين، هناك إحباط كبير وغموض حول كيفية دفع فكرة الدولتين. كان تأثير الحرب على العرب عمومًا سلبيًا أيضًا؛ فصدمة 7 أكتوبر 2023 ستستمر في التأثير لسنوات طويلة على الجمهور الإسرائيلي، وخاصة الشباب والجنود المسرحين.
فيما يتعلق بهدف الحرب التي شنها السنوار، يمكن القول إن حماس هُزمت – هزيمة بمعنى عدم تحقيق أهداف الحرب. بمعنى آخر، فشلت استراتيجية الهجوم المفاجئ، التي جمعت إيران والمحور الشيعي لتدمير إسرائيل. علاوة على ذلك، فإن دمار غزة – الدمار الشامل والمعاناة الإنسانية والثمن الباهظ الذي دفعه الغزيون جراء هجوم 7 أكتوبر – كلها عوامل تُضيف إلى الهزيمة العسكرية عناصر الصدمة الوطنية الفلسطينية.
ومع ذلك، فإن الإنجاز الإسرائيلي غير مستقر ولا يُفضي إلى نظام جديد: لا توجد قيادة جديدة في الساحة الفلسطينية. لا تزال حماس منظمةً إجراميةً ومتطرفة، والسلطة الفلسطينية، بقيادة فتح، لا تزال ملطخة بالفساد وتفتقر إلى الشرعية الواسعة. ورغم تعاون السلطة مع إسرائيل في الحرب على الإرهاب في الضفة الغربية، إلا أن الكثيرين في الرأي العام الإسرائيلي لا يزالون ينظرون إليها ككيان معادٍ لا يختلف جوهريًا عن حماس.
وهناك خطر آخر يتمثل في أن خطة إنهاء الحرب قد تؤدي إلى بقاء حماس في قطاع غزة. فإذا لم تنزع حماس سلاحها وتسيطر على القطاع، فقد تُعزز مكانتها على المدى البعيد. وهذا يعني أن الشعور بالهزيمة قد يتحول إلى شعور بالنصر.
ملخص
التغييرات الرئيسية في النظام
تقويض مكانة إسرائيل الدولية وتصاعد ملحوظ في معاداة السامية حول العالم – لا تزال إسرائيل في وضع إشكالي. إن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه كجزء من تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب يمنع المزيد من التدهور، ولكنه لا يُحسّن الوضع بحد ذاته.
صعود مكانة الحرب في العلاقات الدولية – إن إمكانية تحقيق الأهداف السياسية من خلال الحرب أمرٌ معروفٌ منذ الماضي، لكن الكثيرين في العالم الغربي الليبرالي (وخاصة في أوروبا) أنكروه في العقود الأخيرة. ومع ذلك، فإن نجاح حماس في تحقيق اعتراف واسع النطاق بدولة فلسطينية من قبل دول العالم، واحتمال تحقيق بوتين لأهدافه فيما يتعلق بالمقاطعات الشرقية لأوكرانيا، يعززان مكانة الحرب وأهميتها، في تغيير عن التوجه السائد منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.
إن إضعاف المحور الشيعي وصعود المحور السني-الإخواني إلى موقع مؤثر، بدعم من الولايات المتحدة، يغيران مجموعة الضوابط والتوازنات في نظام الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن هذا الاتجاه بدأ للتو في الظهور ويختلف عن الثورة التي أحدثها داعش مع صعود الإسلام الجهادي، وحتى الآن لا يوجد محور سني متطرف يعرض إسرائيل للخطر بطريقة مماثلة للخطر الذي خلقه المحور الشيعي، فإن النفوذ المتزايد لقطر وتركيا في قطاع غزة والشرق الأوسط بشكل عام هو تغيير مهم، مع وجود تهديد من جانبه.
تدويل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني – تهيمن الولايات المتحدة على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بطريقة تملي وتحد من العمل التكتيكي لإسرائيل، ونشر القوات الدولية في قطاع غزة هو تحول استراتيجي في سياق الصراع. لا يزال من المبكر جدًا تحديد ما إذا كانت هذه ظاهرة عابرة، أم تطورًا يتطلب تحديث السياسة الإسرائيلية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مع محاولة استغلال الفرص وصياغة ردود فعل على المخاطر الكامنة فيه.
استقطاب متزايد في الساحة الاجتماعية والسياسية الإسرائيلية – دخلت إسرائيل الحرب على خلفية صراع اجتماعي وسياسي هائل وقع العام 2023. الصراع حول طبيعة الحرب، وأهمية قضية الرهائن مقابل أهمية قرار حماس، بالإضافة إلى الجدل حول “اليوم التالي” في قطاع غزة – كلها عوامل تُعمّق الخلاف في المجتمع الإسرائيلي على أسس سياسية متباينة وتزيد من حدة الاستقطاب.
التوصيات
الحاجة إلى سياسة أمن قومي جديدة، تتكيف مع التغيرات في النظام: على الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كانت الحرب قد انتهت، وحتى كتابة هذه السطور، لا يزال وقف إطلاق النار هشًا، إلا أنه يجب على إسرائيل تصميم سياسة أمن قومي جديدة. إن التغييرات التي طرأت على الساحتين الإقليمية والدولية ذات الصلة بإسرائيل لا تسمح بالاستمرارية، بل تتطلب تحولًا. لذلك، من المناسب إجراء عملية حسابية شاملة، تُنشر في نهايتها الحكومة الإسرائيلية سياسة مُحدثة، ويضع الجيش الاسرائيلي بناءً عليها استراتيجيةً لتنفيذها.
إلى جانب الدروس العسكرية، يجب استخلاص دروسٍ تتعلق بالمجتمع الإسرائيلي والمناعة الوطنية الداخلية من الحرب. تدخل دولة إسرائيل عام انتخابات، ويجب إجراؤها بالتركيز على مسائل تتعلق بمستقبلها، لا بماضيها. من المناسب استغلال الصدمة التي سببتها أحداث 7 أكتوبر 2023، والحرب التي اندلعت آنذاك، لاقتراح رؤية جديدة لدولة إسرائيل. للأسف، فرص تحقيق ذلك ضئيلة. من المرجح أن تُجرى الانتخابات حول الماضي، والاتهامات، وتحمل المسؤولية من عدمه، بالإضافة إلى الصور والروايات المتضاربة. كل هذا سيؤدي إلى زيادة الاستقطاب الداخلي، والخطاب العنيف، والعنف الداخلي في إسرائيل. مع أن هذا النقاش لا مفر منه، إلا أنه من المأمول والموصى به استغلال الأزمة لبناء مستقبل جديد ومتماسك.
------------------------------------------
هآرتس 5/11/2025
الجيش يغلق شرايين حياة الفلسطينيين في غزة
بقلم: عميره هاس
الضيفات تمت دعوتهن للاحتفال بالنبأ السار: لقد جاءت النتائج السلبية لفحوصات صديقتهن لينا. مرض السرطان لم يعد. بين كاس النبيذ الأحمر والشرح حول جوائز نهاية الموسم والتحضير لها، تحدثت المضيفة عن الفحوصات التي تم تبكيرها وعن سبب ذلك وقالت: امرأة أخرى شاركت في الاختبار أعلنت بانها لن تاتي لانها عالقة في نقاط التفتيش.
في الأصل كان من شان لينا (اسم مستعار مثل كل أسماء من أجريت معهن هذه المقابلة) أن تجتاز الفحص فقط في نهاية السنة، لكن المستشفى في رام الله ادخلها أيضا الى قائمة الانتظار للفحص في موعدين: التجربة تعلمنا انه بسبب الاغلاقات الفجائية أو بسبب ان الجنود بطيئين في الحواجز، لا سيما في الصباح، حيث يكون الناس يسرعون الى عملهم، أو بسبب اقتحام عسكري لحي أو قرية، فان لا أحد منهم يصل. في الموعد الأول لم يكن مكان في الدور. بعد أسبوعين، عندما كانت صائمة مرة أخرى، اتصلوا بها من المستشفى في الساعة 9:45 صباحا وطلبوا منها القدوم على الفور. “نحن سررنا بالطبع، لكن أيضا تماهينا مع احباط وقلق الشخص الذي لا نعرفه، الذي كان يمكن أن يأتي”، قالت لينا وزوجها.
من غيرهم يمكن ان يعرف بانه من الخطير تفويت فرصة اجراء فحص “الصورة الطبقية”، وهو الفحص الذي أجرته لينا. الجهاز الموجود في رام الله (واحد من اثنين في الضفة) يمكن فحص فقط 8 – 10 اشخاص كل يوم. في هذا الفحص تستخدم مادة اشعاعية يتم شراءها من إسرائيل. المادة يتم جلبها الى المستشفى بالكمية الضرورية بالضبط للفحوصات في نفس اليوم، قال الطبيب للينا. ولان معظم المفحوصين ليسوا من رام الله فان تشكيلة القائمة تأخذ في الحسبان الحواجز.
877 حاجز تنتشر في الجيوب الفلسطينية في الضفة الغربية، مناطق أ وب، وحولها، حسب توثيق واحصاء مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “اوتشا”. ربع هذه الحواجز، 220، تم وضعها منذ تشرين الأول 2023، 28 اغلاق جديد تم احصاءه منذ شهر شباط وحتى أيلول الماضي. في فحص مشابه أجرته في أيلول اللجنة الفلسطينية لمقاومة جدار الفصل والاستيطان، تم إحصاء 911 حاجز، 90 منها وضعت منذ بداية 2025. الفرق الصغير يدل على ازدياد الحواجز وانتشارها الواسع والعفوية التي توضع فيها، لذلك فان الإجابة على السؤال ترتبط أحيانا باليوم الذي يسأل فيه. الى ذلك يجب إضافة الحواجز الفجائية المتحركة، التي يقف فيها الجنود لساعة أو ساعتين في داخل القرى أو على مداخلها، يوقفون السيارات ويفحصون بطاقات هوية السائقين والركاب الفلسطينيين واحيانا يقومون بتصويرهم. مواقعها تتغير والأسلوب فيها متشابه. هكذا كان الامر أيضا في يوم الاحد الماضي، الذي فيه تم وضع 17 حاجز فجائي، 11 من بينها في محافظة رام الله. حسب بيانات قسم المفاوضات في م.ت.ف (الذي يعتمد على تقارير أجهزة الامن الفلسطينية) فانه خلال شهر أيلول تم وضع 495 حاجز فجائي، نصفها تقريبا في محافظة رام الله، وعدد مشابه تم توثيقه أيضا في الأشهر التي سبقت ذلك.
الحواجز على اشكالها هي بالفعل ترسم الخطوط الهيكلية المصطنعة لجيوب أ وب، التي تشكل حوالي 40 في المئة من مساحة الضفة الغربية. جميعها تبعد كليا الفلسطينيين عن الشوارع المستقيمة والسريعة في داخل الضفة، التي بالأساس يستخدمها الإسرائيليون، وتزيد مسافة السفر واحيانا تشل الحركة. عدم اليقين هو المعطى الثابت في كل سفر.
لا توجد قانونية واضحة
في الانتظار لاجراء الفحص التقت لينا مع فتاة صغيرة مصابة بالسرطان من سكان قرية في جنوب نابلس. كان يمكن ان تعالج العلاج الكيميائي في مستشفى النجاح الجامعي في نابلس – الذي يبعد مسافة ربع ساعة سفر عن بيتها في الأيام العادية. ولكن منذ تشرين الأول 2023 المدخل الجنوبي للشارع الرئيسي 60 – الذي يؤدي الى عاصمة المحافظة مغلق (حاجز حوارة). بالنسبة لها الطريق الى رام الله ليست اقصر، لكنها اسرع.
اذا كان حاجز حوارة مشهور بكونه مغلق، هناك بوابات حديدية يلعب بها الجنود لعبة “مفتوح، مغلق”، بدون أي قانون واضح، وبالتاكيد ليس من ناحية الفلسطينيين. بكلمات أخرى، كثيرين يمكنهم الرهان حول أي من الاحتمالين سيحدث. الجنود لن يكونوا ولكن البوابة مفتوحة، الجنود لن يكونوا ولكن البوابة مغلقة، الجنود موجودون والبوابة مفتوحة، لكن هؤلاء سينظرون الى المسافرين ببطء يبدو له متعمد. ولكن أيضا بوابة مفتوحة يمكن ان تؤدي الى مواجهة بوابة مغلقة بعد ذلك، أو ببساطة ازدحام ناتج عن لعبة اغلاق الطرق والسفر القسري داخل القرى، في شوارع ضيقة غير مخصصة للانتقال بين المدن.
“قل لها كم مسار بطيء تمر فيه كل يوم”، طلب أبو نهاد، وهو سائق سيارة عمومية من منطقة رام الله، من زميله الذي يعمل على خط رام الله – طولكرم. بدلا من السفر في شارع نابلس – عنبتا، المغلق امام الحركة عند حاجز عيناب، يسافر بسيارته في شوارع القرى القريبة والطرق الترابية. وتذكر أبو نهاد وقال: “أحيانا اسافر في حاجز باتجاه واحد والحركة تتدفق فيه كالعادة. وعندما اعود بعد عشر دقائق يكون الحاجز مغلق وانا اضطر الى الالتفاف أو الانتظار نصف ساعة حتى يتم فتحه”، الاشارة الى حاجز عطارة/بير زيت في شمال رام الله، الذي يربط الطريق بين مستوطنة نفي تسوف ومستوطنة عطيرت. أو حاجز جبع في جنوب شرق المدينة، الذي يوجد على حافة الشارع السريع 60، المليء بالسيارات المتجهة الى القدس من المستوطنات في المنطقة مثل عيلي وشيلو وعوفرا وآدم، والبؤر الاستيطانية الموجودة بينها.
أبو نهاد يعتبر التاخير إهانة. ومثل الكثير من الفلسطينيين هو يشك بان السبب الحقيقي لوقفهم في ساعات معينة هو ان الجنود يحصلون على أمر بأن يكون الشارع فارغ من اجل السيارات الإسرائيلية لتقليل الاختناقات في الصباح وفي الظهيرة لديهم. “هذا ليس فقط إهانة”، علقت لينا على اقوال أبو نهاد. “في كل سفرة أو قرار بعدم السفر انا اشعر انهم يسرقون الوقت منا”.
ثمن الوقت الضائع
مع سؤال كم من الوقت تمت سرقته، أراد إحصاء معهد الأبحاث الفلسطيني للسياسات الاقتصادية “ماس”. حسب بحث اجري في المعهد، الذي مسودته الأخيرة أرسلت للصحيفة في الشهر الماضي، بالتأكيد يمكن تقدير الوقت الضائع. حسب عينة تتكون من مئة سيارة في المواصلات العامة، التي كانت على الشارع في معظم ساعات اليوم خلال خمسة أيام في تشرين الأول 2023، فان كل رحلة داخلية قصيرة في محافظة نابلس نفسها كان يكتنفها تأخير متوسط يبلغ 23 دقيقة بسبب الحواجز والاغلاقات، مقارنة مع السفر في الأيام العادية (أي قبل الحرب).
السفر من اريحا واليها كان يكتنفه تأخير 40 دقيقة، ومن نابلس الى وسط الضفة وجنوبها – ساعة تقريبا. ولكن حجم خسارة الوقت يبرز بوضوح عند فحص الصورة الشاملة: حسب نفس البحث فان 191.146 ساعة عمل تضيع كل يوم على الحواجز. هذه الساعات الضائعة تكلف الاقتصاد الفلسطيني 2.5 مليون شيكل كل يوم، أو 55 مليون شيكل في الشهر، هكذا قام بحساب ذلك الباحثون في “ماس”، طارق صادق واحمد علاونة.
لكن التكلفة لا تنبع فقط من الانتظار، بل تنبع أيضا من محاولة تجاوز هذه الحواجز: السائقون الذين يفضلون إيجاد شوارع أخرى، أطول، ينفقون المزيد على الوقود، تكلفة الإضافة اليومية هي حوالي 60 ألف شيكل. وهذه تتراكم لتصبح 20 مليون شيكل في السنة تقريبا. كل سائق يشعر بذلك في جيبه. أبو نهاد لم يعد يكلف نفسه عناء حساب بدقة خسارته، هو فقط يعد مصادرها: الناس اصبحوا يسافرون اقل، والسولار يتم تبذيره في الانتظار في الحواجز اكثر مما ينفق على السفر، الإطارات تتآكل بسرعة في الطرق الترابية، والخراب اصبح متواتر اكثر، والطرق الالتفافية تستنزف سولار اكثر. “أحيانا نحن نعود الى البيت مع دخل 20 شيكل فقط في اليوم”، قال.
لا توجد أموال من اجل السفر
لينا عرفت من طبيبها ان احدى مريضاته التي تعيش في شمال رام الله توقفت عن المجيء للعلاج. عندما اتصل بها ليعرف السبب قالت بانه لا يمكنها دفع ثمن المواصلات العامة، وانها تفضل توفير القليل مما معها من اجل اطعام أولادها. هو ارسل اليها المال لتغطية ثمن السفر لفترة ثلاثة اشهر علاج، لكنها اعطته لاولادها.
الامتناع عن السفر هو ظاهرة عامة، عمليا، هو فقط احد مظاهر الازمة الاقتصادية في الضفة، عشرات آلاف العائلات فقدت مصدر الرزق الرئيسي عندما منعت إسرائيل على الفور بعد تشرين الأول 2023 دخول العمال اليها. أيضا السلطة الفلسطينية لا يمكنها دفع كل الراتب لموظفي القطاع العام، لان إسرائيل تجمد وتصادر جزء كبير من مداخيل الخزينة الفلسطينية من ضرائب الاستيراد. الموظفون ياتون الى المكاتب فقط بضعة أيام في الأسبوع، المعلمون يعلمون يومين أو ثلاثة أيام في “الزوم”، بقدر الإمكان.
داليا، وهي مواطنة من شرقي القدس وتعمل في الضفة، تعمل جيدا الحواجز. “يمكن رؤية كيف تساعد الحواجز على تقسيم أراضينا، لكن يصعب تفسير وقياس سيطرتها على حياتنا”. من ينظرون من الخارج، تشتكي وتقول، فان كل حاجز هو بشكل عام “لا يعتبر حدث كبير”. “عندما يكون اختناق في حاجز قلندية يمكننا الاحتجاج على ازدياد السيارات الخاصة وثقافة الاستهلاك”، هي تمثل على ذلك. “وننسى ان مسارات الحركة الثلاثة تصب في محطة فحص واحدة، وان الحاجز يفصل بين الفلسطينيين انفسهم”.
“القرارات بشان وضع الحواجز”، كتب في رد المتحدث باسم الجيش، “فتحها واغلاقها يتم حسب تقديرات الوضع العملياتي ووفقا للاعتبارات الأمنية فقط. ان وضع الحواجز يستهدف تمكين السيطرة العملية والدفاع الناجع عن كل المنطقة. سياسة الحواجز تتغير وتتم ملاءمتها حسب الوضع العملي على الأرض، مع الموازنة بين الاحتياجات الأمنية وبين السماح بالحركة في المنطقة. في اطار نشاطات الجيش الإسرائيلي يجري استخدام وسائل تكنولوجية مختلفة، وحسب القانوني الدولي، من اجل الحفاظ على الامن في المنطقة. استخدام هذه الوسائل أدى الى احباط عشرات محاولات تنفيذ عمليات ونشاطات إرهابية، ضمن أمور أخرى، بفضل وضع الحواجز على الطرق”.
-------------------------------------------
هآرتس 5/11/2025
غزة تنتظر مستقبل مختلف، لكن جميع اللاعبين المؤثرين ما زالوا يحرثون الحقول عبثا
بقلم: جاكي خوري
هناك حكمة عربية قديمة تقول “من يحرث بحمار لن تكون له أتلام مستقيمة حتى لو عمل بأقصى جهده”. هذا مثل شخص يحاول ويعرق، لكنه يستخدم الأدوات غير الصحيحة. الحمار، خلافا للثور، لا يسير بخط مستقيم، ولا يفهم أين يبدأ الحقل وأين ينتهي. هكذا فانه تبقى الأرض محروثة باتلام غير منظمة، وكأنه لم تلمسها يد بشر. هذا رمز لعمل كثير بدون نتيجة. هكذا بالضبط تبدو سياسة الولايات المتحدة في غزة الان: حراثة معوجة وجهد كبير، لكن بدون نتيجة.
منذ اكثر من سنة واشنطن تحاول إدارة الحرب، توقف اطلاق النار و”التسوية” وإعادة اعمار القطاع، لكنها تفعل ذلك مثل ذلك الحراث وحماره. كثير من الحركة، كثير من العلاقات العامة (بالأساس الرئيس الملك)، لكن القليل من الفهم.
من اليوم الأول للحرب لم يكن للولايات المتحدة خطة واضحة، سواء للحزب الديمقراطي في فترة جو بايدن، أو إدارة دونالد ترامب الآن. الأسئلة ما زالت مفتوحة: هل هدفها انهاء الحرب أو ادارتها الى الابد؟ هل هي تريد نزع سلاح حماس أو دمجها في الية حكومية محدثة بعد تدجين وتاهيل مثلما كان الامر مع احمد الشرع في سوريا؟ هل تريد استقرار إقليمي، أو بالتحديد الحفاظ على الغليان في الشرق الأوسط من اجل ان تبقى في دور القاضي والمحكم؟. الأسئلة كثيرة، لكن لا يوجد إجابات واضحة. السياسة تدار عبر الردود وليس المبادرات، إرضاء الأطراف وليس قيادة هذه السياسة. وعلى الأرض الفوضى تستمر.
يبدو ان الولايات المتحدة تحاول حراثة ارض نازفة بدون ان تعرف نسيجها. في قطاع غزة ينتظرون الخبز والدواء وسقف يظلهم، لكن واشنطن تتحدث عن “مراحل” و”ضمانات” و”شركاء موثوقين”، وكان الامر يتعلق بمشروع هندسي وليس باشخاص دفنوا تحت الأنقاض. ولكن التهمة ليست كلها ملقاة على ترامب وطاقمه، أيضا الدول العربية تتحمل المسؤولية. من بينها من يشارك في لعبة التاخير، لانها تخشى من التغيير أو التورط في الفوضى، دول أخرى تعتبر غزة عبء غير مرغوب فيه وتكتفي بتصريحات احتجاجية فارغة.
أيضا الفصائل الفلسطينية نفسها غير بريئة من التهمة، بالأساس من يطالبون بالقيادة – السلطة الفلسطينية وحماس. بين من يؤمن بالمقاومة وبين من يبحث عن إنجازات حكومية صغيرة باسم “البراغماتية” والتقرب من البيت الأبيض، ضاعت البشرى الوطنية. الانقسام بين رام الله وغزة، بين واقع سياسي وسخرية وكراهية شخصية، يخدم استمرار الجمود، وهكذا واشنطن ما زالت تحرث الأرض وتستفيد من الانقسام الفلسطيني وكانه جزء من المشهد.
النتيجة واضحة: لا حرب تم حسمها ولا سلام يتبلور ولا إعادة اعمار بدأت. الولايات المتحدة تصمم على التحدث عن “مراحل” و”حلول تدريجية”، بينما سكان قطاع غزة لا يريدون ألا التنفس ودفن الموتى والبدء من جديد. واشنطن تعتقد ان الشرق الأوسط يمكن تشكيله بمساعدة أدوات القوة والمال، لكنها تنسى ان هذه الأرض لا تستجيب للضغط، بل للتفاهم. من المستحيل زرع الامل في ارض سفكت فيها الكثير من الدماء، ومن المستحيل فرض الاستقرار بدون عدالة. فعندما يغيب العدل الأرض لا تنبت أي شيء.
في غزة، التي يدفن سكانها موتاهم، التوقع هو حراثة جديدة ومحصول يعطيهم ويعطي أولادهم مستقبل مختلف. ولكن يبدو ان كل اللاعبين المؤثرين – إسرائيل، أمريكا، الدول العربية والفلسطينيون أيضا – يحرثون نفس الحقل الذي تسود فيه الفوضى بأسلوب حراثة الحمير.
------------------------------------------
إسرائيل اليوم 5/11/2025
إسرائيل تلعب مرة أخرى في أيدي حماس
بقلم: العميد تسفيكا حايموفيتش
بعد سنتين استخدمنا فيهما في كل لازمة محتملة لتعظيم الإنجاز العسكري في الحرب ضد حماس – بدء من “النصر المطلق” الذي استبدل بـ “النصر العظيم”، فيما على الطريق “فككنا حماس، أبدنا قدراتها العسكرية، دمرنا معظم البنى التحتية العسكرية” وغيره غير قليل – فان الزمن الذي انقضى منذ اتفاق وقف القتال الذي فرضه علينا الرئيس ترامب يثبت انه بين ذاك الجمع من العناوين وبين الواقع توجد مسافة شاسعة.
في الأسابيع الأخيرة عادت حماس الى مركز الأمور في قطاع غزة (في المنطقة التي تسيطر فيها، وحيث توجد الأغلبية المطلقة من السكان)، فيما تأخذ لنفسها الحوكمة والسيادة على الإدارة الداخلية/المحلية في المنطقة وعلى مظاهر القوة – مثل ابراز التواجد من خلال لابسي بزات موحدة، مسلحين بأسلحة شخصية ويستقلون تلك المركبات التي خدمتهم منذ 7 أكتوبر. معظمهم رمزيون وعديمو القوة العسكرية الحقيقية، لكنهم يكفون لاجل تنفيذ اعمال مخطط لها ضد قوات الجيش الإسرائيلي وإلحاق خسائر في الأرواح (ثلاثة جنود من الجيش الإسرائيلي قتلوا منذ وقف الحرب، وأكثر من ذلك أصيبوا في سلسلة احداث إطلاق نار، معظمها في جنوب القطاع). وبالاساس، عادت حماس الى عادتها وسلوكها كمنظمة إرهاب تملي جدول الاعمال، تخدع الجميع في سياق إعادة جثامين المخطوفين – من تأخير اعادتهم، عبر مناورات إخفاء جثث وحتى إعادة جثة ليست لاسرائيلي مخطوف او أشلاء جثة ضحية سبق أن اعيد الى إسرائيل قبل زمن طويل. نضيف الى هذا تقديرات عسكرية استخبارية سمعناها مؤخرا عن مدى الانفاق النشطة التي تبقت لدى حماس، بعضها حتى في المنطقة التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، ويكفي كل هذا كي نفهم بان المسافة حتى تفكيك حماس وابادتها لا تقل عن المسافة للتنفيذ الكامل لمخطط العشرين نقطة بالرئيس ترامب.
أن نفهم وأن نستبدل القرص
حيال هذا السلوك من حماس، في إسرائيل يواصلون الخطاب إياه، الحماسة إياها والتهديدات إياها التي سمعت قبل الاتفاق الذي جلب وقف الحرب وإعادة العشرين مخطوفا الاحياء و 17 مخطوفا موتى حتى الان.
يجب الرد بقوة على خروقات ذات مغزى من حماس واساسا تلك العسكرية التي تمس بقوات الجيش الإسرائيلي. محظور التجلد ومحظور الاستخدام (مرة أخرى) بذاك المفهوم المغلوط للايام ما قبل 7 أكتوبر، والذي سمعته من غير قليل من الناطقين (أساسا من خارج إسرائيل) الذين ادعوا بالنسبة للخروقات بان من خرق هم (مارقون) وليس بالضرورة من رجال حماس. كل عمل من المنطقة غربي الخط الأصفر التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي هو بمسؤولية حماس وهي التي تقوم به بشكل مباشر.
لكن بين رد ذي مغزى وبين عودة الى تهديدات “سنعود الى القتال ونفكك حماس” المسافة واسعة. فقد سبق أن كنا هناك في السنتين الأخيرتين. لم ننجح حقا في أن نحقق ذاك الإنجاز الحاسم وليس كل عمل أدى الى النتيجة المنشودة، وعليه فقد حان الوقت لاستبدال القرص.
لما كان اتفاق وقف الحرب فرض علينا، فالان بالذات المصلحة الإسرائيلية هي التحرك بسرعة لتنفيذ المرحلة الثانية من بناء القوة الدولية وادخالها، مع تحديد صلاحيات ومهام واضحة، تحديد آلية الانفاذ والرقابة، حفظ حرية العمل الإسرائيلية والموافقة على جهاز تجريد حماس من سلاحها وجوهرها، ولا سيما من السلاح الثقيل.
كل يوم يمر وكل تسويف في الوقت في تنفيذ المرحلة الثانية – وثمة مجال للعناد والوقوف عند المصالح الإسرائيلية في الطريق الى تنفيذها، بأسرع وقت ممكن، إذ ان مخطط ترامب أبقى مباديء المرحلة الثانية غامضة جدا وغير واضحة – يخدمان حماس ويتيحان لها العودة لتثبيت سيطرتها وقوتها في المنطقة.
هذا هو الوقت الإسرائيلي لاستبدال القرص والسعي الى انتقال سريع الى المرحلة الثانية، وعدم الوقوع في الفخ الذي تعده حماس لنا في شكل خروقات الاتفاق، الاستفزازات في سياقات إعادة المخطوفين الموتى وباقي الأفعال من مصنع المنظمة الإرهابية الوحشية – واساسا عدم الوقوع في فخ القرارات العاطفية والحماسية التي لم تؤدي بنا في السنتين الأخيرتين حقا الى تحقيق اهداف الحرب. المصلحة الأساس لإسرائيل هي عدم العودة الى استئناف الحرب بل الانتقال الى المرحلة الثانية من الاتفاق.
------------------------------------------
هآرتس 5/11/2025
أمريكا وتشكيل قوة الاستقرار في غزة، لكنها لا تستطيع القفز عن مفاوضات معقدة
بقلم: ليزا روزوفسكي
السؤال الكبير حول مسودة مشروع القرار الذي تعده الولايات المتحدة لمنتدى الامن للأمم المتحدة هو بأي درجة سيكون الامريكيون منفتحون على تغييرات في هذه الوثيقة. الاقتراح الذي استهدف منح الدعم الدولي الرسمي لخطة سلام ترامب في قطاع غزة، ووضع قوة استقرار دولية في القطاع، هو نتيجة المفاوضات التي استمرت لاسابيع مع الأطراف ذات الصلة بالموضوع: دول عربية وإسلامية، إسرائيل، دول غربية مثل فرنسا وبريطانيا، أعضاء دائمين في مجلس الامن الذين يريدون عدم فقدان الصلة بكل ما يتعلق بمستقبل القطاع والنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين بصورة شاملة.
حقيقة ان الوثيقة سربت قبل أخذ موافقة رسمية، أو شبه رسمية، يمكن أن تدل على الرغبة في تحديدها كاساس صلب لكل نقاش في المستقبل. لقد ظهر فيها جهد لارضاء الأطراف المختلفة، وبالاساس رسم اطار واسع بما فيه الكفاية كي تستطيع ملاءمة تقريبا كل المقاييس وكل النزوات. هذه الضبابية يمكن ان تدفع قدما بتمرير الوثيقة في الأمم المتحدة، لكن تصعب رؤيتها تدفع قدما بتشكيلة قوة الاستقرار نفسها، أو وضعها في القطاع، حيث ان كل الأطراف العملية للخطة بقيت سائبة.
في كل الحالات، في الأوساط الدبلوماسية يتحدثون عن الوثيقة الامريكية كنقطة انطلاق للمفاوضات، التي ربما ستكون معقدة جدا. مثلا، يمكن الافتراض ان فرنسا وبريطانيا، اللتان طرحتا في الأسبوع الماضي اقتراح خاص بهما لقرار محتمل، ستصممان على ان يذكر في الوثيقة اعلان نيويورك الذي يرسم الطريق نحو حل الدولتين.
في إسرائيل يعرضون نقاط في الوثيقة كانجازات. الأولى، حسب المسودة، هي أن مجلس الامن لن يكون مصدر الصلاحية لقوة الاستقرار الدولية، بل يعطيها دعمه. وبالنسبة لإسرائيل – لن تكون قوة تشبه قوة اليونفيل. الإنجاز الثاني لإسرائيل كما يبدو هو عدم الرغبة الواضحة للدول العربية “من اجل القيام بالعمل القذر” بدلا من الجيش الإسرائيلي ومحاربة حماس فان الوثيقة تنص على ان قوة الاستقرار ستكون هي المسؤولة عن “ضمان نزع السلاح من القطاع، “تدمير البنى التحتية الإرهابية والبنى التحتية العسكرية والهجومية” و”سحب السلاح بشكل دائم من أيدي الجماعات المسلحة غير الحكومية”.
لكن هذا الإنجاز من غير المفروض أن يبقى حبر على ورق. فاستخدام عبارة “اخراج السلاح من قيد الاستخدام بدلا من نزع السلاح” هو أمر مضلل. هل القوة ستضطر الى سحب السلاح من عناصر حماس، أو أنها ستكتفي بمراقبتهم اثناء تسليمه أو ايداعه؟ في يد من ستودع الأسلحة؟ الأسئلة كثيرة، أهمها هو ان أي تفويض لن يعطي القوة العربية والإسلامية دافع اكبر للدخول في صراع ملسح مع حماس.
إضافة الى ذلك يذكر في المسودة ان قوة الاستقرار الدولية يجب أن “تساعد في تامين المناطق الحدودية” لقطاع غزة – أي، في الواقع، حماية حدوده من جيرانه، وفي المقدمة إسرائيل. أيضا المعنى العملي لهذا البيان غير واضح. منذ بدء وقف اطلاق النار يسافر ممثلون إسرائيليون الى القاهرة كل بضعة أيام للتفاوض حول استمرار تنفيذ خطة ترامب. ومن بين المواضيع المطروحة على الطاولة، موضوع عمق الانسحاب الإسرائيلي بعد نشر قوة الاستقرار في القطاع لتحل محل الجيش الإسرائيلي في بعض المناطق التي يسيطر عليها. حسب معرفتنا، لم تسفر النقاشات عن نتائج واضحة حتى الآن. ولكن لن يكون امام إسرائيل خيار عدا عن معالجة هذه القضية.
الامر نفسه ينطبق على مستقبل معبر رفح، الذي نوقش في القاهرة. وقد استعدت قوات السلطة الفلسطينية وبعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية (إيوبام) لتولي إدارة الطرف الغزي من المعبر الحدودي منذ الأيام الأولى لوقف اطلاق النار. واعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل أسبوعين بان هذا لن يحدث “حتى اشعار آخر” وأن فتح المعبر الحدودي الذي يربط غزة بالعالم، بدون المرور بإسرائيل، سيتم النظر فيه وفقا للطريقة التي تطبق فيها حماس دورها في إعادة الرهائن القتلى. وقد تمت إعادة معظم الرهائن القتلى الى إسرائيل منذ ذلك الحين. ولكن نتنياهو يفضل الاستمرار في تأجيل فتح المعبر. ويدفع ثمن التاخير المرضى والجرحى الفلسطينيون الذين كان يمكن اجلاءهم من القطاع بوتيرة اسرع بكثير. المستفيد من هذا الانتظار الطويل والمتزايد هي بالطبع حماس.
في الوقت الذي تحاول فيه إدارة ترامب كالعادة العثور على طرق قصيرة والتوصل الى حل سريع وبسيط يرضي الجميع، فان المناخ حول قوة الاستقرار فقط آخذ في التعكر. اللقاء الذي عقده اول امس في إسطنبول وزراء خارجية دول عربية وإسلامية لم ينتج عنه أي تصريح مشترك، بل فقط عدة تصريحات اكدت الـ “نعم، ولكن”. أيضا مصر، التي من شانها ان تلعب دور رئيسي في مستقبل القطاع – حتى طبقا للوثيقة الامريكية – لم تشرف اللقاء بمشاركتها.
يبدو ان هناك سبب وجيه لذلك: مثال جنوب لبنان، هناك ملقاة على الجيش المحلي مهمة نزع سلاح تنظيم قوي، يتعافى بسرعة وشعبيته تزداد كلما زادت إسرائيل هجماتها، ليس مثال مشجع. في غزة يتوقع ان يكون طريق مسدود مشابه. الامر الوحيد الذي يمكن ان يمنع ذلك هو خطة لا تقفز عن أي تفصيلة صغيرة متفق عليها من قبل جميع الأطراف وتمر من بين النقاط والحاجة الى قدر غير قليل من المرونة، من بين الجهات المطلوب منها هذه المرونة إسرائيل. خطة كهذه ليست في هذه الاثناء في متناول اليد.
------------------------------------------
معاريف 5/11/2025
فشل متعدد الساحات
بقلم: ران ادليست
ما هو غير الواضح هنا؟ الجرائم ينبغي أن يحقق فيها، الضالعون فيها ينبغي أن يقدموا الى المحاكمة وان يعاقبوا بما يتناسب مع افعالهم. النائبة العسكرية العامة سربت شريط اثبات في مواجهة موجة التنكر التي نشرتها آلة السم كي تصرف اتجاه المحاكمة وتؤدي الى تبرئة المشبوهين. النتيجة: توجد أوضاع يمكن فيها للمرء ان يرى بوضوح ما هي الحقارة المتوحشة.
احداث النائبة العسكرية العامة رسمت مرة أخرى الفجوة غير القابلة للجسر التي بين مؤيدي الحكومة ومعارضيها. فلا سبيل لان يتعاون الجناح الديمقراطي الليبرالي مع راقصي الدم للقسم المغلق حسيا في المجتمع اليهودي في إسرائيل. فضلا عن هذا، فان هذه سخافة. محاكمة النائبة العسكرية العامة سترفع الى السطح احداث سديه تيمان الى المستوى الدولي.
وفي هذه الاثناء، حكومة ممشكلة تخلق فوضى كي تصطاد غنيمتها – رأي عام مشوش. القسم المثير للغضب هو انها تنجح في ذلك. تغطي الحكومة على افعالها بكلمات فارغة وبتصريحات متبجحة، مثل “النصر المطلق” الذي سيطر على الخطاب نحو سنتين. بدلا منه تطوف عبارة باعثة على الحماسة والانتعاش، “شرق أوسط جديد”. نص وعد بتلال وجبال أقام جبالا من الأنقاض وتلالا من الجثث في صالح ذاك الشرق الأوسط القديم والسيء. فالايرانيون بقوا تهديدا نوويا، حزب الله وحماس يعيدان تنظيم نفسيهما، الحوثيون يغلقون المعبر البحري ودولة إسرائيل لا تزال تلعق جراح الحرب، وليس واضحا متى، كيف وهل سنشفى منها على الاطلاق.
تحرص الحكومة للإبقاء على وضع قتالي في أربع ساحات، بهدف تثبيت إمكانية جبهة أوسع تخدم مصالح سياسية وشخصية. أمن إسرائيل يمكن دوما أن يترك لبسموت وغوتليف. في الحياة وفي الموت الحقيقيين، في نهاية مراوحة دامية في المكان، فان مصير المواجهة مع حزب الله في لبنان سيكون كمصير المواجهة مع حماس في القطاع: تدويل النزاع وإعادة إسرائيل الى حدود متفق عليها. سفير ترامب في سوريا وفي لبنان يقول هذا صراحة.
هكذا أيضا في موضوع المطلب لنزع سلاح حماس وحزب الله. يا ليت. لا يوجد شخص في إسرائيل لا يريد ان ينزع سلاحهما. لاسفنا، لا يوجد لهذا المطلب أي احتمال. لحماس وحزب الله توجد مصلحة وجودية في حيازة السلاح في وجه من يهدد ويعمل كي يمس بهما (نحن). وان تكون لهم وسائل قتال لا يعني أنهم سيهاجمون غدا. في موازين القوى غير المتساوي جدا معقول اكثر الافتراض بانه بالنسبة لحزب الله هذا سلاح دفاعي تجاهنا ومهدد تجاه حكومة لبنان، اذا لم تحصل الأغلبية الشيعية على التمثيل المناسب.
الوضع المعقد والنازف للغاية منذ حرب الأيام الستة هو في جبهة الضفة والقدس. من ناحية الصهيونية القومجية – المسيحانية التي يعمل نتنياهو من اجلها، هذه هي الجبهة الحقيقية. هناك أيضا ستكون تسويات. ابرتهايد مثلما يجري في الضفة يجب أن يتوقف. وبالنسبة لـ 30 سنة على اغتيال رابين، النصر المطلق الوحيد لإسرائيل منذ حرب التحرير (التي فيها أيضا شارك رابين مشاركة هامة)، كان نصر رئيس الأركان رابين في حرب الأيام الستة. آمل أن تبدأ كل سيرة عن نتنياهو بدوره فيما أدى في نهاية المطاف الى اغتيال رابين.
------------------------------------------
يديعوت 5/11/2025
وزير الاتصالات والاعلام شلومو كرعي يحاول السيطرة على وسائل الاعلام
بقلم: نداف ايال
يُعدّ إحياء الثقافة العبرية من أعظم النجاحات في تاريخ الشعب اليهودي، وهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالصهيونية وعودة الشعب اليهودي إلى أرضه. ولكن لاستدامة عالم المحتوى العبري، لا بد من وجود كيانات تجارية ناجحة ومربحة. وهذه مشكلة عويصة. فربما يوجد 11 مليون ناطق باللغة العبرية حول العالم، وليس جميعهم يتحدثونها كلغة أولى. فالصحفي الأمريكي الذي يكتب في نشرة إخبارية لها عشرة متابعين يمتلك إمكانيات تجارية أكبر، نظرًا لحجم جمهوره، من أي قناة إعلامية إسرائيلية.
تسيطر قلة الجمهور الناطق بالعبرية أيضًا على سوق الإعلانات المركزية والمُعقدة في إسرائيل. فبدون سوق إعلانات، لا وجود للصحف، ولا لمواقع إخبارية إلكترونية مثل Ynet، ولا لقنوات إخبارية تلفزيونية. هذا هو مصدر دخلهم الرئيسي. وبدون وجود وسيلة إعلامية مزدهرة، ومنصة تجارية مزدهرة، فإنهم يتعرضون لمزيد من النفوذ والضغوط السياسية، ويواجهون صعوبة في توظيف كوادر مؤهلة، ويتراجع مستوى الخدمة التي يقدمونها للجمهور. هذه الخدمة أساسية لمجتمع منفتح وديمقراطي: قول الحقائق، وكشف الفساد، وفرض رقابة مستمرة على السلطة الجشعة للحكومة – أي حكومة، يمينية كانت أم يسارية.
كتبتُ هذه الكلمات لأنها تُجسّد الوضع الحقيقي لسوق الإعلام في إسرائيل: فهو يُعاني من ضرباتٍ مُتتالية بسبب شركاتٍ عالمية عملاقة مثل فيسبوك وجوجل وغيرها، التي تُنافسه في سوق الإعلانات المحلي الصغير. بالنسبة لهم، إسرائيل ليست سوى مكانٍ آخر لتحقيق ربح ضئيلٍ آخر، لكنهم بهذه الطريقة يُخنقون المحتوى العبري. في دولٍ أخرى حول العالم، تُشغل هذه الظاهرة، التي تُضعف الصحافة بأكملها، وبالتالي تُضرّ بالديمقراطية، المُشرّعين. وما الذي يشغلهم هنا؟ انظروا إلى “قانون الإعلام” الذي اقترحه شلومو كرعي.
يُقدَّم هذا المقترح على أنه “إصلاح ضروري”. ولكن كما هو الحال مع “الإصلاح” القانوني، الذي هو في الواقع محاولة لسحق الديمقراطية الإسرائيلية، فإن السؤال الأول الذي يجب طرحه هو: ما المشكلة التي يحاول الوزير كرعي حلها؟ لا جدوى من تخصيص كلمات لأعذاره وشعاراته الكثيرة حول “إعادة السلطة للشعب” و”زيادة القنوات” و”القضاء على التدخل البيروقراطي”. إذا نظرنا إلى بنود القانون، فستتضح الصورة جليةً: ما يهم كرعي هو السلطة والسيطرة والوظائف والنفوذ. سيُسيطر كرعي و/أو مساعدوه على مجلس البث. إنه نموذج هنغاري للغرامات، مع احتمال فرض غرامات ضخمة، على قنوات البث. وهذا دون معرفة ماهية الانتهاكات بدقة (والتي سيحددها المجلس السياسي). تنظيم المواقع الإلكترونية، والتدخل في قياسات التقييمات، وإلغاء الفصل بين الإعلاميين وأصحاب القنوات، وما إلى ذلك.
لا وجود هنا لـ”زيادة للمنافسة”، وبالتأكيد لا توجد أفكار ليبرالية تخدم المستهلك. كما لم يحاول الانقلاب القضائي حل مشكلة الازدحام في المحاكم، أو تعذيب القانون، أو حتى إرساء قواعد واضحة للعب بين الكنيست والمحكمة. الهدف الأساسي من اقتراح كرعي هو السيطرة الحكومية. يُعدّ إلغاء القيود اسمًا رمزيًا لبثّ السم في أنظمة الإعلام، سمٌّ سيسري في دمك إلى الأبد: يمكننا دائمًا، إن أردنا، أن نُسقطك. استقم، وإلا ستُدمر.
هذه الأمور مفهومة تمامًا. كرعي من أكثر السياسيين سميةً في إسرائيل. من “اذهب إلى الجحيم” قبل السابع من أكتوبر، إلى الهجمات على الكيبوتسيين بعد ذلك بكثير (“أنت كيبوتسي، تأكل طعامًا عضويًا، وتشبع من اللذة. متى عانيت في الكيبوتسات من غلاء المعيشة؟” لألون شوستر)، مرورًا بتعليق عنصري بسيط أدلت به النائبة يوليا مالينوفسكي في الكنيست، التي أخطأت في نعت التثنية فنعتت المذكر بالمؤنث أي قالت شيئين “اثنتين” بدلا من “اثنين”: “من يأتون من روسيا ويعودون إليها بعد بضعة أيام، لا يملكون فرصة لتعلم العبرية”، وبالطبع إهاناته الخطيرة والمستمرة للمستشارة القانونية للحكومة. الجانب الشخصي ليس صدفة. هناك العديد من أعضاء الكنيست في الائتلاف يعارضون النظام القضائي، أو يدعمون نتنياهو؛ في رأيي، لم يكره أي وزير نفسه من أجل زملائه بقدر كرعي.
هذه القصة مثال جيد على الطريقة التي يتخلى بها الليكود ليس فقط عن قيمه الليبرالية (أولئك الذين لا يريدون تدخل الحكومة في كل شيء، بل العكس)، ولكن أيضًا عن قيمه الوطنية. كان ينبغي أن يُلهب التهديد الذي تتعرض له اللغة والثقافة العبرية، والذي شُيّد هنا من جهات دولية، وبهدف الربح، كلَّ مشاعر الوطنية الإسرائيلية. كان ينبغي أن يُفضي هذا إلى عملية تفكير وإصلاح لا تُقيّد حرية الشركات ومنافستها، بما في ذلك الشركات الدولية، بل تُفضي إلى حماية سوق محلية هشة ونادرة، وهي معجزة الشعب اليهودي. لكن بدلًا من النظر إلى التهديد من الخارج، يسعى شلومو كرعي إلى تطهير الداخل من الأعداء؛ إلى التعيين والسيطرة، وسحق ما هو قائم هنا. فهو لا يرى قيمة حقيقية لقوة الإعلام، في الديمقراطية الإسرائيلية، فحسب، بل لا يسعى جاهدًا لحماية الثقافة العبرية. يُفضّل تكريس موارد الوقت والكفاءة السياسية لحرب مع الصحافة. هذا أمرٌ مُحزن وخاطئ أيضًا؛ ففي النهاية، يُقدّر الجمهور من يعمل حقًا لمصلحته، مثل موشيه كحلون في عصره، وليس من يخوضون معارك من أجل السيطرة السياسية.
------------------------------------------
يديعوت 5/11/2025
الولايات المتحدة تقترح: قوة دولية في غزة تخول بنزع السلاح
بقلم: ايتمار آيخنر
رفعت الولايات المتحدة لمجلس الامن في الأمم المتحدة مسودة قرار شامل لاقامة جهاز حكم انتقالي دولي يعمل في غزة، و”قوة استقرار” تعمل بتنسيق مع إسرائيل، مصر والسلطة الفلسطينية. وحسب مصادر دبلوماسية في نيويرك سيجرى تصويت على القرار قريبا ولكن ليس قبل الأسبوع القادم.
تستند المسودة على خطة العشرين نقطة التي عرضها الرئيس دونالد ترامب في نهاية أيلول، والى “تصريح ترامب لسلام وازدهار متواصلين، الذي وقع عليه ترامب وزعماء آخرون في قمة شرم الشيخ في 13 أكتوبر. وتقرر المسودة ضمن أمور أخرى أن القوة الدولية التي ستعمل في قطاع غزة ستخول لنزع سلاح المنظمات المسلحة.
حسب الوثيقة، يقرر مجلس الامن بان الوضع في غزة “يهدد سلام المنطقة وامنها”، وتقترح خطوات عملية لاعمار واستقرار القطاع – ولكنها لا تعمل بقوة المادة 7 لميثاق الأمم المتحدة، أي لا تمنح تخويلا باستخدام القوة العسكرية الملزمة من جانب الدول الأعضاء.
يتضمن أساس المقترح ضمن أمور أخرى إقرار رسمي للخطة السياسية ودعوة كل الأطراف لتنفيذها بكاملها وبلا ابطاء. إقامة جسم انتقالي دولي يدعى “مجلس السلام”، يؤتمن على إدارة مؤقتة لغزة، الرقابة على أموال الاعمار وعلى اعداد التربة لنقل الصلاحيات الى السلطة الفلسطينية؛ استئناف كامل للمساعدات الإنسانية بتنسيق مع الأمم المتحدة، الصليب الأحمر والهلال الأحمر، في ظل منع منظمات مسلحة من استغلالها؛ وتمويل الاعمار بواسطة صندوق دولي يديره البنك الدولي والدول المانحة.
كما يتضمن المقترح إقامة قوة استقرار دولية مؤقتة في غزة تعمل بقيادة موحدة مقبولة من مجلس السلام، بتنسيق مع إسرائيل ومصر، وتمول بواسطة تبرعات دول مانحة وأدوات تمويل مختصة من المجلس. تتشكل القوة من جنود من دول مشاركة وتخول بالعمل وفقا للقانون الدولي بالحفاظ على وقف النار، نزع سلاح المنظمات المسلحة، حماية المدنيين والمساعدة في تفعيل شرطة غزة المتجددة. فترة انتداب مجلس السلام والقوات الدولية تمتد حتى نهاية 2027 مع إمكانية التمديد بإقرار من مجلس الامن.
إضافة الى ذلك، تعمل قوة الاستقرار الدولية على حماية المدنيين وارساليات المساعدات الإنسانية بما في ذلك مرافقة قواف المساعدات وفتح ممرات إنسانية، تدريب وتقديم مساعدات مهنية لقوات الشرطة الجديدة في غزة، التي تتشكل من مهنيين فلسطينيين اجتازوا فحصا ومراجعة امنية، للتعاون مع جهات إقليمية ودولية لغرض إعادة بناء الشبكات المدنية، تنسيق عبور الأشخاص والبضائع، ضمان سيطرة مدنية على الأجهزة المحلية.
قيادة تنسيق وقيادة القوة ستكون حسب التخطيط، قيادة التنسيق الامريكية التي في كريات جات، والتي زارها سلسلة من المسؤولين الأمريكيين منذ التوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار.
------------------------------------------
هآرتس 5/11/2025
يتهم “المستشارة” ويعيّن قاضياً للنظر في “سديه تيمان”.. هل ترضخ “العليا” لـ “قانون لفين”؟
بقلم: أسرة التحرير
إن قرار وزير العدل يريف لفين، الذي يسعى من خلاله إلى الاستيلاء على صلاحيات ليست له بتعيينه مفوض الشكاوى ضد القضاة، القاضي المتقاعد آشر كولا، للنظر في قضية تسريب الفيديو من قاعدة “سديه تيمان” بدلاً من المستشارة القانونية للحكومة، باعتبار أنها “غير كفؤة”- هو قرار يفتقر إلى أي أساس قانوني، ويجب إلغاؤه.
لا يجيد لفين سوى تدمير النظام القضائي والتحريض ضده. كل خطوة يقوم بها تنبع من هذا، وتستهدف هذه النتيجة. هكذا يتحدد موقفه من كل قضية وحدث – في الأحوال العادية، وفي الحرب، وفي أوقات الطوارئ.
إن ما كُشف عنه بشأن تسريب الفيديو من قاعدة “سديه تيمان” من قبل النائبة العامة العسكرية، وخاصةً شبهات التستر، هو تعبير عن فشل أخلاقي، وهو أمر مُزعجٌ للغاية بالنظر إلى المكانة الرفيعة للمشتبه بهم ودورهم الفريد في إنفاذ القانون في الجيش. يجري التحقيق حاليًا في شبهات خطيرة تتعلق بجرائم جنائية، في تحقيق يشرف عليه رؤساء أجهزة إنفاذ القانون – النائب العام، والمدعي العام للدولة، ورئيس قسم التحقيقات والمباحث في الشرطة – ويتقدم التحقيق بوتيرة سريعة، وفقًا لتوصيات سلطات التحقيق والادعاء.
يستغل لفين هذه القضية لتحقيق هدفه النهائي: تشويه سمعة المستشارة القانونية للحكومة وإقالتها؛ إن لم يكن عن طريق إقالتها، التي عرقلتها المحكمة العليا في هذه الأثناء، فبإلقاء التهم عليها وتشويه سمعتها وخلق صورة عامة مضللة وخبيثة عن تورط مزعوم في الحقائق الصعبة التي كُشفت في قضية النائبة العامة العسكرية. لا بينة أو دليل يُذكر على تواطؤ العناصر التي اطلعت على التقارير الكاذبة المقدمة إلى المحكمة العليا في الممارسات غير السليمة للنيابة العسكرية. الافتراض المنطقي هو أن جميع العناصر على طول السلسلة التي اطلعت على التقارير المقدمة إلى المحكمة العليا في الوقت الفعلي قد تلاعب بها مكتب النائبة العامة العسكرية. لا يوجد ما يدعو إلى افتراض أي افتراض آخر بشأنهم، بمن فيهم المستشارة القانونية.
يمكن الافتراض بيقين أيضاً أن هناك نية سلبية من جانب لفين لمحاولة تصفية المستشارة القانونية بأي طريقة وبأي وسيلة، بما في ذلك من خلال خطوة بلا أساس وغير قانونية. خطوة يتصرف فيها وزير، وهو شخصية سياسية، بحرية بصفته المفسر القانوني المعتمد للسلطة التنفيذية، ويصرح بأن المستشارة القانونية ممنوعة من التعامل مع القضية، ويحاول تعيين بديل لها بطريقة تتجاوز القانون والمنطق.
لا تُمنع المستشارة القانونية للحكومة من معالجة الأمر ضمن الإطار المُشكّل. ولفين، بصفته شخصية سياسية، لا يملك صلاحية التدخل في إجراءات إنفاذ فردية، ومن الأفضل له عدم تلويث التحقيق بتدخل سياسي غير لائق.
يجب على محكمة العدل العليا رفض هذه الخطوة غير اللائقة من لفين، والتي تفوح منها رائحة المسّ بالمستشارة القانونية.
------------------------------------------
يديعوت 5/11/2025
خطر الاغتيال السياسي ما زال قائماً
بقلم: يديديا شتيرن
قبل ثلاثين عاماً تماماً، انقلبت حياتي؛ مساء السبت، عند منتصف الليل، رن الهاتف، كان على الخط صحافي من شبكة CNN يقول: "سمعنا أن القاتل طالب في كلية الحقوق بجامعة بار إيلان التي تشغل أنت منصب عميدها". هكذا تلقيت، بصدمة، نبأ اغتيال رئيس الحكومة، إسحق رابين. في صباح اليوم التالي، التقيت جاراً لي في المبنى، وهو أستاذ في الجامعة العبرية، فنظر إليّ بغضب، وقال متهماً: "ماذا فعلتم بنا؟". هكذا أدركت، لأول مرة، فكرة أنه يوجد "نحن"، الضحايا المقتولون، و"أنتم"، المتدينون الذين أُدرِج اسمي ضمنهم، القتَلة.
هالني أن القاتل تصرّف بدوافع دينية، بحسب إفادته، كان هذا تجسيداً درامياً للصعوبات التي تواجهها الديانة، التي شُكلت على مدى ألفَي عام من المنفى، في التعامل مع الظاهرة اليهودية الأهم في جيلنا: دولة إسرائيل. صُدمت كون قاتل الشرعية المتمثلة في رئيس الحكومة استمد شرعية فعلته البشعة من شركاء أيديولوجيين، بينهم أيضاً علمانيون يشاطرونه مواقفه القومية المتطرفة.
عقب الاغتيال، قررت أن أغيّر مجال تركيزي في العمل والبحث العلمي، من القانون التجاري والاقتصادي إلى القانون العام والديني، انطلاقاً من قناعة بأن ثمة خشية من فقدان استقلالنا الوطني مرةً أُخرى، على غرار ما حدث في "خراب الهيكل"، نتيجة اندلاع حرب أهلية.
هل يمكن أن يحدث اليوم اغتيال سياسي في إسرائيل؟ هل زال الخطر؟ لقد مرّ ثلاثون من الأعوام المتصلة بصراعات داخلية حادة، من دون أن تنزلق إلى عنف متطرف. ومن الجدير ذِكر حدثين: الأول، خلال فك الارتباط، حين التزم أصحاب "القبعات البرتقالية" ضبط النفس، على الرغم مما واجهوه من طرد مُهين، ودمار لمشروع حياتهم، وانهيار لمسار مسيحاني خلاصي، ومع ذلك أخلوا الأماكن من دون عنف، أما الحدث الثاني فكان خلال ما سُمّي "الثورة القضائية"، حين مارس مئات الآلاف من الأشخاص قدراً كبيراً من التروّي أثناء احتجاجهم على ما اعتبروه تدميراً للديمقراطية وضياعاً للمستقبل.
قليلة هي المجتمعات الديمقراطية التي شهدت نضالات تمسّ جوهر كيانها الجمعي بهذه الكثافة العاطفية، من دون اللجوء إلى السلاح. ويبدو كأنه تم استيعاب الدروس من اغتيال رابين.
ومع ذلك، يُظهر استطلاع حديث أجراه "معهد السياسات تجاه الشعب اليهودي" (JPPI) أن 81% من الإسرائيليين يخشون من احتمال وقوع اغتيال سياسي، وهذا الخوف مبرَّر، لأن الأسباب الجذرية للعنف السياسي الذي قاد إلى الاغتيال لم تُعالَج بعد؛ لذا ما زال الخطر قائماً.
كان لاغتيال رابين دافع ديني، إذ ولّد اتفاق أوسلو صداماً بين بعض الحاخامات وبين السلطة السيادية، ولا يزال ماثلاً في الذاكرة، وبشكل سلبي خروج المئات من الحاخامات ضد اتفاق أوسلو، تحت شعار "رأي التوراة"، الذي اعتبروه مُلزماً، بصفته حكماً شرعياً. وعلى الرغم من أن اغتيال رابين أدى إلى قدر من الوعي بخطورة مزج الشريعة الدينية بالسياسة، فإنه من الواضح عدم تطوُّر منظومة فكرية دينية جادة تعالج معنى السيادة. وهكذا، تصف الحاخامية الصهيونية - الدينية المحاكم الرسمية بأنها "محاكم للأغيار"، فتقوّض شرعيتها، بينما تصف الحاخامية الحريدية الجيش الإسرائيلي بأنه "مكان لا يجب العودة إليه." هذه مظاهر لعدم الاستيعاب الديني للدولة، وهي بذور فوضى قد تكون القفزة الفكرية منها إلى ممارسة العنف، على خلفية دينية، ضد أصحاب المناصب الرسمية، قصيرة جداً.
كان هناك أيضاً دافع سياسي لاغتيال رابين: دفع اليمين إلى الزاوية، وادّعى بعض قادته المتطرفين، ومنهم علمانيون، أن العمليات التي أفضت إلى اتفاق أوسلو تفتقر إلى الشرعية، وبذلك "أباحوا"، ضمناً، اللجوء إلى العنف. أمّا اليوم، فالوضع أشد خطورة: التطورات الاجتماعية (الأزمة الديمقراطية المستمرة التي تعمّق الفجوة بين الفئات)، والإعلامية (سهولة التحريض والكذب في خضم فوضى وسائل التواصل الاجتماعي)، والجيوسياسية ("مجزرة" السابع من تشرين الأول)، أمور كلها ترفع حرارة الحياة العامة في إسرائيل، وتزيد من احتمال الانزلاق إلى عنف حاضر في اليوميات. لقد بلغ مستوى الثقة العامة بمؤسسات الدولة، جميعها، أدنى مستوياته التاريخية، وهو ما يُضعف الكوابح النفسية أمام الإقدام على أعمال ضد القادة الذين يعملون من داخلها.
في ظل هذه التطورات الخطِرة، هل تتعامل السلطات في إسرائيل مثلما يجب مع المحرضين من اليسار واليمين؟ وفقاً للاستطلاع، يرى 80% من الإسرائيليين أن المعالجة "أقل مما يجب".
لقد حظينا بأن نولد يهوداً في جيل السيادة، وهذا يلقي علينا جميعاً مسؤولية جسيمة تقضي بأن نعامل الدولة وقادتها باحترام. فالخطيئة رابضة عند الباب.
------------------------------------------
يديعوت 5/11/2025
معركة الحوامات على الحدود المصرية..
بقلم: إيلينا كوريئيل
اعتاد سكان خط التماس مع مصر، بمن فيهم بتحات نيتسانا، خلال العام الماضي، على أزيز عشرات الحوامات بل المئات فوق رؤوسهم، عابرةً الحدود من سيناء إلى أراضيهم طوال اليوم. قال مسؤول الأمن في مجلس رمات هنيغف الإقليمي، عيدان بسموت، خلال جولة له في الموقع: "كانت هذه المنطقة بأكملها بمثابة طريق سريع للحوامات. بعضها كان يحلّق على ارتفاع منخفض وبعضها الآخر على ارتفاع عالٍ. وكانت تصل إلى المنطقة التي يريدها المهرّب".
عشية "يوم الغفران" هذا العام بدأ الجيش بتركيب أنظمة اعتراض الحوامات. أعلن القائد الجديد للواء باران، العقيد ج.، للقادة قبيل "يوم الغفران"، عندما كانت عشرات الحوامات تعبر الحدود يومياً، جاعلةً الحياة لا تُطاق لسكان بيتاح تكفا والمنطقة. أصبح أزيز الحوامات أمراً روتينياً بالفعل. سيعمل بعضها فوراً، وبعضها بعد "يوم الغفران"، ومن المتوقع وصول جزء كبير آخر بعد عيد العرش. إضافةً إلى ذلك، ستدخل قوات إضافية كثيرة للعمل في جميع أنحاء قطاع اللواء، سواء ضد عمليات الضبط أو مصادرة الأدوات والوسائل.
انتهت الأعياد، والخبر السار هو أن الحوامات لم تعد تُحلّق كما كانت في السابق فوق رؤوس سكان قرى قادش برنيع، وبئر ميلكا، ونيتسانا، وعزوز. هذا يعني أن الوسائل التي استخدمها الجيش الإسرائيلي تعمل بكفاءة. أما الخبر السيئ فهو أن المهربين انتقلوا ببساطة إلى موقع آخر، على بُعد عشرة كيلومترات شمال وجنوب القرى الحدودية.
بحسب أحد عناصر الجيش الإسرائيلي في المنطقة، "علينا أن نكافح من أجل صيانة الأجهزة. الأسبوع الماضي، حدث عطل في الجهاز بسبب تعطل المولد الكهربائي. ببساطة، نفد وقود الديزل. في غضون نصف ساعة قاموا ببعض عمليات التهريب واختفوا. الأكثر تهريباً هو السجائر والكريستال والماريغوانا. لكن هناك كميات لا حصر لها من الأسلحة، والقنابل اليدوية، والمسدسات، والبنادق الحديثة، وبنادق الكلاشينكوف. أول تجسيد للتهريب هو بير الدرج. تُخزن الأسلحة ليوم أو يومين، ثم يصل مشترٍ. ثم يختبرون الأسلحة، ويسمع سكان مستوطنات رفيم ورفيفيم وجيزاف إطلاق نار. وكما يقولون: "إطلاق النار أمر طبيعي - حماس تتدرب"، يبلغون عن إطلاق النار علينا، ويقولون "أمر طبيعي"، ويتم نقل الأسلحة. كل يوم هناك احتكاك مع الحوامات".
في منتصف تشرين الأول، عُقد نقاش في لجنة الشؤون الخارجية والأمن بمبادرة من عضو الكنيست تسفي سوكوت (الصهيونية الدينية) حول خطر تهريب الحوامات من الحدود المصرية. وفي الأيام التي سبقت ذلك، وصل أعضاء من الكنيست إلى المنطقة، بمن فيهم وزير الشتات، عميحاي شيكلي، من حزب "الليكود". كما قام رئيس الحزب الديمقراطي، يائير غولان، بجولة في المنطقة. ويعمل حزب "عظمة يهودية" حالياً على صياغة مشروع قانون يحد من استخدام الحوامات. كما أبدى أعضاء من أحزاب أخرى اهتمامهم بالمبادرة.
تكمن أهمية النجاح في الحد من تهريب الحوامات فوق البلدات نفسها في أنه إذا وضعت الدولة هذه القضية على رأس أولوياتها، فيمكن الحد من هذه الظاهرة بشكل كبير. وقال رئيس ديوان المجلس: "طائرات العام 2025 المسيّرة هي بمثابة جِمال الأمس. كان هناك تهريب، وسيظل هناك تهريب".
يقول رئيس مجلس رمات هنيغف، عيران دورون: "تُشكّل ظاهرة تهريب الحوامات مشكلةً وطنيةً لدولة إسرائيل. فالأسلحة غير القانونية المُهرّبة إلى إسرائيل لا تتوقف في الجنوب، بل يستمر جزءٌ كبيرٌ منها شمالاً إلى أعماق البلاد. في نيتسانا، تُشاهدون التهريب، وفي رفيف، تسمعون تجريب الأسلحة، أما في باقي أنحاء البلاد فلا تُصادفون هذه الأسلحة إلا عند إطلاقها". تُشكّل مستوطنات بتحات نيتسانا المستوطنة الوحيدة عبر الحدود المصرية، بين بني نتساريم وإيلات، وأدعو الحكومة الإسرائيلية إلى معالجة ظاهرة التهريب بشكل شامل، وتعزيز مستوطنات بتحات نيتسانا فوراً من خلال إصدار قرار حكومي بتوسيع المستوطنة. في نقاش بالكنيست، الشهر الماضي، كُشف عن وقوع ما يقرب من 900 عملية تهريب لحوامات من الحدود المصرية إلى إسرائيل خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وتتضح الزيادة في عدد عمليات التهريب على الحدود: فخلال الفترة المذكورة نُفّذت 896 عملية تهريب، مقارنةً بـ 464 عملية تهريب خلال الفترة نفسها من العام 2024.
-----------------انتهت النشرة-----------------