الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاربعاء 22/10/2025 العدد 1440

الصحافة الاسرائيل- الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

هآرتس 22/10/2025

 

 

ماذا لو تمارس عصابات اليهود إرهابها في لندن ونيويورك كما تمارسه ضد الفلسطينيين في الضفة؟

 

 

بقلم: عميره هاس

 

تخيلوا مجموعة تتكون من 10 – 20 شخصاً ويرتدون الكوفيات ويحملون قضباناً حديدية أو عصياً، ويهددون اليهود في لندن وينكلون بهم ويضايقونهم. تخيلوهم يدخلون إلى مكاتب محامين يهود وهم يغنون ويتسببون في هرب الزبائن، وأحياناً يستمتعون بتحطيم الأثاث.

تخيلوا أنهم يضربون بائعاً في محل ملابس باسم “ليفي وكوهين” مع ضحكات تعلو المكان. وفي محل آخر، يضربون زبوناً يضع باروكة مع أكمام طويلة. سيكتفي بعضهم بمنع دخول الطلاب إلى مدرسة يظهر على شعارها نجمة داود، أو إحراق سيارة أحد المعلمين، أو السيطرة على حدائق بيوت لليهود. ويسرقون أحياناً هاتفاً ذكياً من صاحبه. وبشكل عام، يضحكون ويبتسمون للكاميرات. قاصرون، يرتدون الكوفيات، يستهزئون بنساء عجائز يرتدين القبعة التقليدية، ويصرخون عليهن: لا تلمسيني، عليك ترك الحي، أنت هنا بشكل مؤقت. ويقومون أيضاً برمي أغراض في محل للمأكولات الشهية، كما يشاؤون… تخيلوا كل ذلك وتخيلوا حدوثه باستمرار، يوم تلو يوم، شهر تلو شهر وسنة تلو سنة.

هل يبقى هناك تنظيم يهودي دون أن يهب ويطالب بإقالة قادة الشرطة وتقديمهم للمحاكمة بسبب العجز؟ هل ستتجاهل وسيلة إعلام أو تكتفي بالإبلاغ فقط عندما يهاجم شخص يرتدي الكوفية ويحمل مسدساً ويقتل أو يصيب يهودياً يرتدي القبعة المنسوجة؟ كم مرة كانت ستتكرر كلمة “لاسامية”؟ ما لا يحدث وما لم يكن ليمر مرور الكرام في نيويورك وفي لندن، ها هو عندنا يحدث ويحدث ويحدث. لكن من يفعل كل هذه الأفعال هم اليهود، يهود بملابس تنم عن أنهم متدينون يخشون الله، أما فريستهم اليومية فهي من الفلسطينيين. ورد حكومة إسرائيل على كل أعمالهم تلك يكون تعاطفاً مؤسساً، عسكرياً ودافئاً، وثمة بخل كبير في الإبلاغ عن ذلك.

موسم قطف الزيتون هو مناسبة خاصة للاحتفال بإظهار التفوق غير المقيد، وفي مأمن من العقاب – كما ظهر في مقال متان غولان المنشور في “هآرتس” أمس، ويثبت ذلك مقاطع الفيديو والشهادات المباشرة. في الأسبوع، من 7 إلى 13 تشرين الأول، سجلت الأمم المتحدة 71 هجوماً في الضفة الغربية، نصفها تقريباً في 27 قرية، كانت متعلقة بموسم قطف الزيتون، ورافقها إلحاق أضرار مباشرة بالأشجار وسرقة المحاصيل والمس بالمزارعين الفلسطينيين الذين يقطفون الزيتون. وقد أصيب خلالها 99 شخصاً، وقتل شخص واحد بالنار الإسرائيلية في قرية دير جرير، وتم تهجير عائلة من بيتها. هذه الإحصائيات لا تشمل المضايقة والتنمر والترهيب.

لماذا يعدّ العنف المتسلسل عندنا، المستمر بالدم بالضرورة، مثل “أخبار لا تستحق الطباعة” أو البث؟ الجواب: لأن كل شيء لا ننزعج منه يتحول عندما إلى طبيعي ودارج. بعنفهم المكشوف والمباشر، فإن المعتدين والمتحرشين المتسلسلين يحققون ما حققته السلطات الرسمية، والجيش، والصندوق القومي لإسرائيل، والهستدروت، ومؤسسات حماية الطبيعة وأبحاث الآثار، لكن بشكل بطيء جداً: طرد المزيد من الفلسطينيين من الفضاء، لأنه فضاء تم تخصيصه لنا، فنحن يهود البلاد ويهود العالم فقط.

مثلما لا يعد شروق الشمس مادة إخبارية، فهكذا أيضاً؛ لا يبلغون عن عنف روتيني يمارسه اليهود (جنود أو مدنيين) ضد الفلسطينيين، لأنهم شعب زائد. ومعاهد الأبحاث المليئة بخريجي الجيش و”الشاباك” لا يخطر ببالها فحص هذا العنف وإحصاءه وإظهار هدفه السامي، المشترك، كعامل رئيسي في تاريخ تدهورنا المؤكد إلى هاوية جديدة.

------------------------------------------

 

N12 - 22/10/2025

 

 

إسرائيل لفانس والوسيطين الأمريكيين: سنستأنف حربنا في غزة ما لم تُطبق “الـقضايا العشر”

 

 

بقلم: عاموس يادلين

 

لقد تكبد الهجوم الإرهابي الذي وقع الأحد في رفح ثمنًا باهظًا، وقد أحسن الجيش الإسرائيلي التصرف بالرد بقوة وعدم مهاجمة الكثبان الرملية مرة أخرى كما فعل قبل 7 أكتوبر. وفي حال أي انتهاك مستقبلي في قطاع غزة، فهو مستعد لضرب حماس مرة أخرى وتهيئة الظروف للعودة إلى حرب قوية إذا فشلت خطة ترامب.

إن استكمال المرحلة الأولى من الاتفاق لإنهاء الحرب، الذي يُلزم حماس بإعادة جميع الرهائن القتلى، هو مهمة أخلاقية وأمنية من الدرجة الأولى، ولن تهدأ إسرائيل حتى تتحقق بالكامل. لدى إسرائيل جميع الأدوات لضمان عودة آخر الرهائن، بدءًا من إغلاق معبر رفح، مرورًا بالقيود المفروضة على تدفق المساعدات الإنسانية، وانتهاءً بالعودة إلى الاغتيالات المستهدفة، التي لم تعد تعرض حياة الرهائن، الذين استخدمتهم حماس كدروع بشرية، للخطر.

في الوقت نفسه، يجب ألا تغفل إسرائيل عن بوصلتها الاستراتيجية – نزع سلاح حماس، والتطبيع الشامل مع العالم العربي والإسلامي. على إسرائيل المضي في المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترامب المكونة من عشرين نقطة، والتأكد من عدم تداخل التطورات في غزة مع تحركات ترامب لتوسيع دائرة التطبيع مع العالم العربي والإسلامي – وهو هدف يجسد فرصًا هائلة لإسرائيل: اقتصادية وسياسية وأمنية. في الوقت نفسه، يجب أن ندفع الولايات المتحدة إلى إكمال المرحلة الثانية، التي ستؤدي إلى تحقيق أهداف الحرب، وتركز على نزع سلاح حماس وتجريد سلاح قطاع غزة. ويكمن الطريق لتحقيق هذا الهدف في إنشاء قوة استقرار متعددة الجنسيات بتفويض واضح لنزع سلاح القطاع، وحشد الشرعية لإسرائيل للعمل على تدمير البنية التحتية العسكرية في غزة، وإحباط التهديدات، حيث ستواجه القوة صعوبة في تحقيق مهمتها.

على إسرائيل العمل على تحقيق تنسيق استراتيجي مع واشنطن بشأن الإنجازات المطلوبة في المرحلة الثانية: تدمير بنية حماس التحتية العسكرية، وجمع الأسلحة الثقيلة، وهدم الأنفاق، ومنع التهريب عبر إغلاق الحدود بين مصر وغزة. يجب على إسرائيل أن توضح للمجتمع الدولي أن أي صياغة مبهمة في تفويض القوة التي ستدخل القطاع، أو أي محاولة للتمييز بين الأسلحة “الدفاعية” و”الهجومية”، تحمل في الواقع بذور جولة التصعيد القادمة.

تسعى الإدارة الأمريكية جاهدةً لإنهاء الحرب والمضي قدمًا في رؤية ترامب للسلام الإقليمي، ولكن هناك أيضاً تفاهماً في واشنطن، خاصة بعد أحداث رفح الأخيرة، على استحالة الحديث عن “إنهاء الحرب” دون نزع سلاح حماس. يجب استغلال زيارة نائب الرئيس فانس، والوسيطين ويتكوف وكوشنر، ووضع خطة تحدد تفويضًا فعالًا لقوة الاستقرار متعددة الجنسيات. بدون آلية رقابة قوية، وبدون الدعم الأمريكي واستعداد الإدارة لاستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، قد تتآكل بنود خطة ترامب بسرعة. ويتجلى هذا عقب جهود حماس العدوانية للحفاظ على هيمنتها في غزة، ودعم ستتلقاه من تركيا وقطر، اللتين قد تحاولان استغلال غموض صياغة بنود المرحلة الثانية من خطة الرئيس.

فيما يلي عشر قضايا يُعدّ التنسيق فيها بين إسرائيل وإدارة ترامب أمرًا بالغ الأهمية:

ولاية ومهام القوة متعددة الجنسيات، التي ستركز على نزع سلاح حماس ونزع سلاح القطاع – وهو هدف واحد واضح لا يخضع للتأويل.

تحديد دقيق لمضمون “نزع السلاح” و”تجريد السلاح”: تدمير الأنفاق، ومواقع الإنتاج، وجمع الأسلحة الثقيلة والمتطورة، ومكافحة التهريب، وغيرها. لا مكان لـ”الأسلحة الدفاعية” في أيدي حماس، على الرغم من التمييز في خطة ترامب بين الأسلحة الدفاعية والهجومية.

منع “نموذج حزب الله”: عدم السماح لحماس بمواصلة إدارة القطاع من وراء الكواليس، كقوة مسلحة، تحت رعاية حكومة تكنوقراطية شرعية، وإن كانت ضعيفة، وتحظى بدعم دولي.

التفاهمات مع الولايات المتحدة: حرية عمل لإسرائيل لمواجهة أي تصعيد وتهديدات مستقبلية من القطاع، والتي لن تعالجها القوة متعددة الجنسيات. وهذا مشابه للنموذج الذي أرساه اتفاق وقف إطلاق النار مع “حزب الله” في الشمال.

حماية السكان المحليين: تشمل ولاية القوة مسؤولية حماية العشائر والقبائل المعارضة لحماس.

المشاركة الإقليمية الإيجابية: ستكون السعودية والإمارات، وليس قطر وتركيا، الدولتين المهيمنتين في القوة متعددة الجنسيات، وفي الحكومة الانتقالية، وفي تمويل عمليات إعادة الإعمار في غزة.

الفيتو الأمريكي: أي قرار في مجلس الأمن لا يتماشى مع مبادئ خطة ترامب المكونة من عشرين نقطة، ستُعرقل من قبل الولايات المتحدة.

حكومة تكنوقراطية من الخبراء: ستركز أولاً على إعادة إعمار المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، الخالية من حماس والبنية التحتية الإرهابية (المناطق منزوعة السلاح).

إشراف فعال على تنفيذ خطة ترامب، بقيادة القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، وليس الأمم المتحدة.

حرية العمل والاستخبارات: الحفاظ على حرية الطيران وجمع المعلومات في جميع أنحاء قطاع غزة.

الخلاصة: إن استكمال إعادة جميع الرهائن القتلى هو التزام أخلاقي، وإن نزع سلاح قطاع غزة ونزع سلاح حماس لا يزالان حاسمين لتحقيق أهداف الحرب، في حين أن تعزيز تطبيع إسرائيل واندماجها في الشرق الأوسط سيكمل النصر. لا يمكن لإسرائيل أن تتحمل العودة إلى واقع 6 أكتوبر، وعليها ضمان ألا تشكل غزة تهديدًا لمواطنيها مرة أخرى. ولذلك، على إسرائيل الاستعداد لاحتمال عدم نجاح العملية السياسية في غزة على المدى الطويل، وإعداد خطة عسكرية مختلفة ومفاجئة لتدمير حماس كجيش إرهابي، بما في ذلك حل تقني عملي لإحباط مركز الثقل الرئيسي لقدراتها العسكرية – الأنفاق.

-------------------------------------------

 

هآرتس 22/10/2025

 

 

من مبنى في كريات غات، ستحاول الولايات المتحدة الحفاظ على انجازها

 

 

بقلم: ليزا روزوفسكي

 

مبنى جديد في المنطقة الصناعية في كريات غات اصبح في الاسبوع الماضي احد النقاط المهمة في الشرق الاوسط. بالذات في مدينة الضواحي قرر الامريكيون اقامة بدعم دول المنطقة، مركز تنسيق عسكري – مدني في محاولة للحفاظ على وقف اطلاق النار في قطاع غزة. ضمن امور اخرى، هم سيراقبون من هناك الاتفاق والقوة الاجنبية التي يمكن أن تبدأ عملها في غزة، وعلى ادخال المساعدات الانسانية الى القطاع.

المؤتمر الصحفي الذي عقده أمس في المكان نائب الرئيس الامريكي جاي دي فانس، دشن بالفعل هذه المنشأة. حيث وقف الى جانبه المبعوث الامريكي ستيف ويتكوف والمبعوث جارد كوشنر وقائد قيادة المنطقة الوسطى الامريكية براد كوفر، فان فانس قضى هناك فترة بعد الظهر في الاستماع الى “احاطات استمرت لساعات من قبل رجال جيش امريكيين واسرائيليين”، كما قال احد المتحدثين باسمه.

اعلام المانيا، بريطانيا، كندا، الدانمارك والاردن تم وضعها على المنصة الصغيرة التي القى عليها فانس خطابه في حظيرة كبيرة وتمت تغطية الارضية فيها بالعشب الصناعي. اعلام اسرائيل والولايات المتحدة تم وضعها في وسط الساحة، لكن أي ممثل اسرائيلي لم يشارك في هذا الاحتفال. في المبنى تجول ضباط اسرائيليون وجنود امريكيون وحتى جنود بريطانيون. احد طوابق المبنى، كما اشارت لافتة من الورق تم تعليقها على احد الابواب مخصص للولايات المتحدة فقط، طابق آخر مخصص فقط لاسرائيل. المؤتمر الصحفي تم عقده في الطابق المشترك بين الدولتين والجيشين.

في حين ان اقوال الخطباء اظهرت ان مستقبل القطاع ما زال غامضا، فان حقيقة واحدة بقيت على حالها وهي ان الامريكيين يعتبرون وقف اطلاق النار الهش الذي تم التوصل اليه انجاز كبير، وهم لا ينوون السماح بانهياره. العشرون نقطة في خطة ترامب، التي تمت طباعتها على الواح من خلف الخطباء وكأنها الواح العهد المقدس. نائب الرئيس فانس، مثل الرئيس نفسه، رفض الاشارة في خطابه الى خط نهاية لنزع سلاح حماس. وحتى أنه اكد على أن اسرائيل ودول الخليج (القصد كما يبدو هو السعودية والامارات) يجب عليها التحلي بالصبر.

الدول التي ستشارك في قوة الاستقرار الدولية، حتى الان غير موجودة. ترامب في الحقيقة بالغ أمس في شكر لاندونيسيا، الدولة الوحيدة المستعدة لتخصيص 20 الف جندي لهذه المهمة، ولكنه واجهه مشكلة في تجنيد دول اخرى لهذه المهمة، كما نشر امس في “نيويورك تايمز”.

بالتحديد الدولة الوحيدة في الشرق الاوسط التي تحمست لارسال قوات الى المنطقة، تركيا، تثير التخوف في اسرائيل. فانس قال انه لا توجد نية لفرض على اسرائيل قوات غير مقبولة عليها (على اراضيها)، لكنه اكد على انه يوجد لتركيا دور بناء في القطاع، حتى لو لم يكن عسكريا. في البداية فانس اراد التاكيد على ان اقدام الجنود الامريكيين لن تطأ غزة، ربما ايضا دول اخرى كانت تريد الاعلان عن ذلك، لكنها تخشى من الضغط الامريكي.

ربما الجزء الاكثر غرابة في الخطط التي يفحصها الامريكيون هي نية البدء في اعادة اعمار اجزاء في القطاع التي توجد تحت الاحتلال الاسرائيلي الكامل. عندما سئل فانس هل تم فحص هذه الاحتمالية، اختار نقل الامر الى كوشنر، الذي اكد على ان هذه الاحتمالية يتم فحصها بالتاكيد. “توجد اعتبارات تجرى بشان المناطق التي تخضع لسيطرة الجيش الاسرائيلي. يجب ضمان ان يتمكن سكان غزة من العيش في مكان مزدهر وآمن”، قال صهر الرئيس الامريكي.

المعنى هو ان فكرة “المدينة الانسانية”، التي طرحت في الحكومة قبل بضعة اشهر، لم يتم التنازل عنها. بالتحديد في الاسبوع الماضي تحدثت شخصيات رفيعة في ادارة ترامب عن احتمالية “اعداد حياة مدنية لطيفة” في مناطق مثل رفح، النقية من حماس والتي توجد تحت سيطرة الجيش الاسرائيلي. اذا كانت اعادة اعمار هذه المناطق قد خرجت الى حيز التنفيذ فان ذلك يمكن ان تكون له تداعيات كبيرة: هذا الامر يمكن ان يرسخ الوضع على الارض ويمنع الانسحاب في المستقبل للجيش الاسرائيلي من نصف اراضي القطاع،  أو أكثر، لسنوات طويلة.

 ------------------------------------------

 

يديعوت أحرونوت 22/10/2025

 

 

جرارات تعلوها الأعلام القطرية والرمز IHH.. إسرائيل بقلق بعد سيطرة حماس: أين الخطة من الواقع؟

 

 

بقلم: نداف إيال

 

لم تعد هناك أعذار. انتهت الليلة الماضية بإقالة تساحي هنغبي. من الآن فصاعدًا، نتنياهو وحده هو المسؤول الكبير الوحيد الذي لم يدفع ثمن دوره في فشل السابع من أكتوبر. رئيس الأركان، ووزير الدفاع، ورئيس “الشاباك”، ورئيس المخابرات العسكرية، ورئيس أبحاث المخابرات العسكرية، واللواء في القيادة الجنوبية، وقائد فرقة غزة، جميعهم عادوا إلى ديارهم. كل من شارك في أكبر فشل في تاريخ الدولة، في أكبر كارثة للشعب اليهودي منذ المحرقة، كان عليه أن يتحمل المسؤولية.

من يتوقع أن يأتي يوم يراجع فيه نتنياهو نفسه، سيُصاب بخيبة أمل. الحديث عن التعافي الوطني بعيد عن مبادرات تشكيل لجنة تحقيق من قِبل الشخص الأكثر مسؤولية عن الفشل. والأهم: أن عدم استخلاص النتائج من فشل 7 أكتوبر لا يزال يُرافقنا في واقع يتبلور في قطاع غزة الآن. خذ قطر كمثال: أصدرت وزارة الخارجية القطرية أمس بيانًا يتضمن اقتباسات من خطاب الأمير، الشيخ آل ثاني، الذي ألقاه هذا الأسبوع. صحيح أن أمير قطر يتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وأن وزارة خارجيته تريد دفع هذه الأجندة، وبأسلوبه، يتهم إسرائيل بانتهاك وقف إطلاق النار، بعد هجوم أودى بحياة مقاتلين من الجيش الإسرائيلي، ورغم عدم إعادة جثث المختطفين من قِبل حماس. هؤلاء هم نفس القطريين الذين أقام معهم نتنياهو تحالفًا استراتيجيًا، وسمح لهم بإدخال الأموال التي حوّلها إلى الجناح العسكري لحماس قبل المجزرة. الآن، عادت قطر بقوة إلى قطاع غزة. عندما نشرنا أن إسرائيل تعهدت للأمريكيين بالسماح للدوحة بالمشاركة في إعادة إعمار غزة، أثار ذلك ردود فعل صادمة. واليوم، نرى بالفعل جرارات مزينة بالأعلام القطرية في قطاع غزة، وانضمت إليها منظمة IHH الإسلامية التركية.

وهذه ليست المشاكل الكبرى. عندما سألتُ مسؤولًا أمنيًا كبيرًا عن القوة الدولية المُفترض دخولها قطاع غزة، علّق بأنه يأمل بوجود عدد كافٍ من المساجد للصلاة فيها (وليس هناك). في هذه المرحلة، كانت الدول المعنية دولًا لا تحظى فيها إسرائيل بشعبية، ولها سجل “إشكالي للغاية” في الحفاظ على السلام. كانت زيارات القادة الأمريكيين – نائب الرئيس فانس، ووزير الخارجية روبيو، الأسبوع المقبل – تهدف إلى ضمان استمرار الهدوء، ونفاذ وقف إطلاق النار. إنها تُظهر أن الإدارة عازمة على منح السلام فرصة.

ينبغي الاستهانة بالتهديدات التي أطلقها ترامب الليلة الماضية على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن القضاء على حماس في قطاع غزة، ولكن علينا الاستماع أيضاً إلى كل ما يُقال من الإدارة والرئيس نفسه. وتبدو واضحة وضوح الشمس: الاتفاق ساري المفعول، وعلينا التحلي بالصبر. يُعدّ بناء القاعدة العسكرية الأمريكية في إسرائيل إنجازًا حقيقيًا يُظهر جديةً في تسوية شؤون غزة على المدى البعيد. تُمارس الدول العربية – وليس قطر، على ما يبدو – ضغوطًا على حماس لإجراء “إصلاح سياسي” يُرسخ صورة “أكثر مدنية” ويشمل التخلي عن أنواع مُعينة من الأسلحة. تغيير جذري وجوهري؟ لا تحبسوا أنفاسكم.

هناك مخاوف جدية في المؤسسة الأمنية بشأن نقطتين: الأولى أنه وفقًا لخطة ترامب، حتى لو لم تف حماس بالتزاماتها، يُفترض حدوث انسحاب آخر، ثم انسحاب آخر، لصالح القوة الدولية التي لا يُعرف تركيبتها. الثانية هي أن وجود هذه القوة، سيُقيّد قدرة الجيش الإسرائيلي على العمل بحرية في قطاع غزة.

لقد كان اختبار الجيش الإسرائيلي، في عملياته في قطاع غزة. أما اختبار المستوى السياسي فهو في التوصل إلى اتفاق. لا شك أن خطة ترامب المكونة من 21 نقطة إيجابية من حيث المصالح الإسرائيلية. السؤال هو: ما الذي سيتحقق على أرض الواقع؛ فقد استعادت حماس السيطرة الكاملة على المجتمع الفلسطيني في غزة، أما تحريره من قبضتها بالوسائل السياسية (أو العسكرية) فمهمة تتطلب مهارة سياسية فائقة ومتطورة. من المستحسن أيضاً استخلاص الدروس من إخفاقات إسرائيل السابقة في غزة، لكن نتنياهو ليس مستعدًا لذلك.

------------------------------------------

 

معهد بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية 22/10/2025

 

 

كيف تغتنم إسرائيل نقطة التحول الجيو استراتيجي التي يتيحها نهج ترامب في الشرق الأوسط؟

 

 

بقلم: شاي شبتاي

 

تُمثل حرب إيران ووقف إطلاق النار الذي طال انتظاره في غزة نقطتي تحول في الشرق الأوسط، على غرار حرب الأيام الستة في العام 1967. تستند المقارنة إلى عدة خصائص رئيسية:

انتصار عسكري إسرائيلي حاسم على عدة جبهات، يُغير الاستقرار الاستراتيجي الإقليمي.

النموذج الأيديولوجي الراديكالي الرائد (الناصرية آنذاك و”المقاومة” اليوم) يتعرض للتقويض والتراجع.

تعززت مكانة الولايات المتحدة الإقليمية بشكل ملحوظ. تحدث تحولات إيجابية في الولاءات تجاه واشنطن (مصر آنذاك، وسوريا، وربما قطر اليوم)، ولكن في الوقت نفسه، تعتمد قوى أخرى بشكل أكبر على القوى العظمى الأخرى (روسيا آنذاك، وروسيا والصين اليوم).

تمتلك إسرائيل أصولًا استراتيجية مهمة تحت تصرفها – أراض في الماضي، وتفوق أمني اليوم، وعليها أن تقرر كيفية استخدامها بشكل إيجابي.

الجمود ليس خيارًا. يسعى الخصوم إلى تغيير الوضع (من خلال حرب أكتوبر والنضال الفلسطيني، والآن من خلال نزع الشرعية والقوة المضادة)، لذا لا بد من اتخاذ خطوات جوهرية لتشكيل المنطقة بشكل إيجابي.

 

ماذا نتعلم من اليوم التالي لحرب 1967 على الجانب العربي؟

 

بعد حرب الأيام الستة، ظهرت خمس مدارس فكرية رئيسية في العالم العربي:

بدأت بعض الأصوات الليبرالية – مجموعة شجاعة من المثقفين – بالحديث عن السلام والاعتراف بإسرائيل. من أبرزهم المصري محمد سيد أحمد، الذي ألّف كتاب “في صمت البنادق” بعد حرب أكتوبر عام 1973، والذي استبق فيه التغيير في القيادة المصرية في عهد السادات.

نهج اللاءات الثلاث – قاد قادة عرب متطرفون قمة الخرطوم، ورسخت نهجًا متشددًا قائمًا على “لا سلام، لا اعتراف، لا مفاوضات مع إسرائيل” سيطر على العالم العربي حتى حرب الخليج الأولى ومؤتمر مدريد.

لقد حددت رؤية أنور السادات – أبرز القادة العرب في القرن العشرين من حيث الرؤية والاستعداد للتغيير – الحاجة إلى تحول نموذجي نحو الولايات المتحدة والسلام مع إسرائيل.

أفسح صعود الإسلام المتطرف – وتراجع الاشتراكية العربية (الناصرية والبعثية)، المجال للإسلام المتطرف الذي بشر بعصر الإرهاب الجهادي.

سيطرة الخطاب الفلسطيني، مع تراجع النضال القومي العربي، سيطرت منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات على الخطاب، ومثّل الانتصار الإسرائيلي بداية تحول دولي لصالح “الفلسطيني الضعيف”.

الاستنتاج الرئيسي هو إدراك أن التحول الاستراتيجي في الاستقرار الإقليمي يميل إلى التسريع – وخاصة في الرأي العام – باستجابة أكثر راديكالية منها عملية. ويتمثل التحدي الحالي في جعل الفترة التي تلت حرب إيران ووقف إطلاق النار في غزة فترةً يقودها نهج السادات-بيغن بدلاً من نهج الخميني-بن لادن-حماس.

 

النماذج السائدة حاليًا قد عفا عليها الزمن

 

في هذه المرحلة الحرجة، من المناسب تبني نهج جديد للتفكير في الجيواستراتيجية الإقليمية. يجب التخلي عن النماذج القديمة، التي يعود بعضها إلى نقطة تحول العام 1967، أو تحديثها، والتي فشلت في تحقيق الأمن في المنطقة على مدى نصف القرن الماضي. وللتعامل بشكل صحيح مع التحدي المعقد المتمثل في تعظيم الفرص والتحوط من المخاطر، من الضروري استبدال “الأفكار الكبرى” القديمة، بما في ذلك:

“اتفاقيات السلام” و”التطبيع” الرسمي: في العصر الحالي، أصبحت الاتفاقيات الرسمية أقل أهمية. وبدلًا منها، هناك حاجة إلى بروتوكولات أمنية ومدنية واقتصادية مرنة (مذكرات تفاهم)، دون الحاجة إلى شكليات مفرطة تعيق التقدم في القضية الفلسطينية مع سوريا ولبنان، ومع دول “اتفاقيات إبراهيم”، مع التركيز على السعودية.

حل “الدولتين” (قرار مجلس الأمن رقم 242): إن عشرين عامًا من فشل “السيادة” الفلسطينية في غزة تُعدّ الدليل الأبرز على أن حل القضية الفلسطينية يجب أن يستند إلى مناهج هجينة جديدة، لا إلى مفاهيم قديمة للسيادة.

“المحاور” الإقليمية: إن وصف العلاقات في الشرق الأوسط بمصطلحات “محور” (راديكالي، جهادي، إسلامي، براغماتي…) غير فعال، بل مُضلل. يُبسط هذا المفهوم التعقيد الجيوستراتيجي في الشرق الأوسط. قد يكون مفهوم مرن للتحليل والعمل، أكثر فائدة في التعامل مع التحديات الهائلة. على إسرائيل التصرف بمرونة وتحديد المصالح المشتركة حتى مع الجهات الفاعلة التي كانت تُعتبر في السابق مُعادية. على سبيل المثال، يُعد الضغط الذي مارسته قطر وتركيا على حماس لتحقيق مصالح إسرائيلية مُتميزة في مفاوضات وقف إطلاق النار الأخيرة في غزة تعبيرًا عن هذا التعقيد.

“الديمقراطية”: الدول العربية الأكثر تقدمًا واستقرارًا وبراغماتية وابتكارًا في المنطقة ليست ديمقراطية. يبدو أن أشكال الحكم الهجينة في الشرق الأوسط ضرورية أحيانًا لتحقيق التقدم والسيطرة.

“الشارع العربي”: غالبًا ما يرتكز الرأي العام الإقليمي على الخوف والكراهية، ولذلك لا ينبغي اعتباره أساسًا للدفع بالسياسات. يجب أن تتجاوز الحلول العملية مسألة الرأي العام هذه، ويجب أن تُشكّل القيادة الحقيقية الرأي العام، لا أن تتحكم به.

 

طرق جديدة للتفكير في الجيواستراتيجية الإقليمية

 

لإحداث تغيير إقليمي، يجب التخلي عن النماذج القديمة واعتماد نماذج جديدة. تتضمن قائمة أولية بالأفكار التي قد تكون مناسبة لصياغة الموقف الاستراتيجي الإقليمي الجديد ما يلي:

الشراكات الأمنية: بدلاً من “التحالفات” الرسمية، ينبغي إرساء تعاون غير رسمي ومرن قائم على مذكرات تفاهم. هكذا تعاملت إسرائيل إلى جانب الولايات المتحدة وحلفائها الآخرين خلال حرب إيران. قد تكون “التحالفات” و”الائتلافات” الأمنية رسمية وعلنية للغاية بحيث لا يمكنها التعامل مع تحديات كبيرة، مثل الرد الإيراني المحتمل على الهزيمة العسكرية، أو التحرك لنزع سلاح غزة، أو كبح نشاط الحوثيين، أو الاستجابة لعدم الاستقرار الدموي في سوريا. ينبغي للولايات المتحدة وإسرائيل والقوى الإقليمية والعالمية ذات التوجهات المماثلة استخدام أطر تعاون أقل رسمية، تستند إلى مذكرات تفاهم أكثر من الاتفاقيات. ويبدو أن هذا النهج كان واضحًا بالفعل خلال حرب إيران، عندما نُفذت جهود الدفاع ضد العدوان العسكري الإيراني في إطار آليات تنسيق عملياتية وثنائية ومتعددة الجنسيات.

شبكة بنية تحتية إقليمية: إن أفضل سبيل لبناء علاقات طويلة الأمد هو من خلال الاعتماد المتبادل الدائم على البنية التحتية المشتركة (لتوطيد العلاقات، إن جاز التعبير). هذا هو السبيل للتغلب على التقلبات الطبيعية في العلاقات السياسية والشخصية. تحتاج دول الشرق الأوسط إلى التواصل فيما بينها من خلال شبكات حيوية للطاقة والمياه والنقل والاتصالات. ولأن هذه جهود طويلة الأمد، يجب أن تبدأ هذه المشاريع الآن. وقد تستند إلى مبادرة الممر الاقتصادي الهندي-الشرق أوسطي-الأوروبي (IMEEC) التي تقودها الولايات المتحدة، وبناء البنية التحتية والممر الاقتصادي كطريق بديل إلى البحر الأحمر غير المستقر.

الرؤية المدنية: ينبغي بناء الرؤية الإقليمية الجديدة بمعزل عن معالجة القضايا السياسية والأمنية، والتركيز على تطوير التحديات المدنية والاقتصادية ومواجهتها بقيادة القطاع المدني والجانب المدني-الاقتصادي للحكومات. إن التحديات المستقبلية في هذه المجالات، مثل التحول التكنولوجي السريع وعواقب التغير البيئي، كبيرة بما يكفي لتأسيس رؤية مشتركة متينة.

المساءلة غير الانتخابية: الديمقراطية ليست شرطًا أساسيًا لمنطقة براغماتية مزدهرة. ينبغي أن تستند هذه المساءلة إلى اتفاق متبادل على مبادئ سلوكية أساسية مشتركة قد تعزيز رفاهية سكان المنطقة والتعاون البنّاء. يمكن أن تشمل هذه المبادئ عدم دعم الإرهاب؛ وعدم الإضرار المادي بالأقليات؛ واحترام الحقوق الفردية؛ والعلاقات الاقتصادية المفتوحة، إلخ. ويمكن تحديد هذه المبادئ من خلال إعلانات مشتركة للجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية.

سيادة الدولة الهجينة: لا يمكن حل مشاكل الشرق الأوسط على أساس مبادئ السيادة المقبولة. وهذا ينطبق ليس فقط على القضية الفلسطينية المعقدة، بل أيضاً على القضايا الإقليمية المهمة مثل الأكراد والدروز والأقليات المسيحية والوضع في اليمن والسودان وليبيا والصومال. لقد أصبح العالم هجينًا ومعقدًا على المستوى الفردي، وقد حان الوقت للانتقال إلى مستوى الدولة أيضاً. على المجتمع الدولي والإقليمي قبول أشكال أخرى من الوجود من خلال فصل طبقات الدولة المختلفة (السكان – الإقليم – الحكومة – الاعتراف الدولي) المنفصلة عن اتفاقية مونتيفيديو.

في القضية الفلسطينية، تتزايد بشكل متزايد أفكارٌ من نوعٍ مختلف (نموذج بورتوريكو، والترتيبات السياسية الخاصة، واتحادٌ بين كياناتٍ بعضها ليس دولًا ذات سيادة، وغيرها). يمكن للمرء أن يتصوّر نموذجًا يحظى فيه الشعب الفلسطيني بحمايةٍ كاملةٍ في مجال الجنسية غير الإسرائيلية، وتتولى إسرائيل السيطرة الأمنية على الأراضي التي يقيمون فيها، وتُدير شؤونهم المدنية هيئة حاكمة ليست حكومةً ذات سيادة، ويحافظ على علاقاتٍ – بما في ذلك تمثيليات – في مجالات نشاطه مع دولٍ حول العالم.

تهميش المتطرفين: بدلًا من تفكيك التطرف، يجب عزل العناصر المتطرفة ومحاصرتها. بحرمانهم من القدرة على إلحاق الأذى، وسيتم القضاء على حوافز كبيرةٍ لدعمهم، وستُتاح الفرصة لأنصارهم الشعبيين للعودة إلى رشدهم والتخلي عنهم. هذا بدلًا من جهود “إعادة التأهيل” التي تُشكك فعاليتها بشدة.

الحكم شبه الذاتي: يسمح هذا المبدأ للقوات المحلية بإدارة شؤونها بشكل مستقل لتحسين حياة السكان المدنيين، مع إضفاء الشرعية على التدخل الخارجي عند ظهور مشاكل تُشكل مخاطر داخلية محتملة (إبادة جماعية، إلحاق الضرر بالأقليات) وخارجية (التسلح النووي والصاروخي، تصدير الإرهاب، وموجات اللاجئين). في الواقع، ينعكس هذا المبدأ في التحرك الأمريكي والإسرائيلي ضد الحوثيين، وفي الحرب على إيران (التي ركزت على تهديد أسلحة الدمار الشامل بدلاً من تغيير النظام)، وفي التدخل الإسرائيلي لمنع الإبادة الجماعية للدروز في سوريا.

 

التغيير الاستراتيجي الإسرائيلي

 

في ظل الوضع الجيوستراتيجي الإقليمي الجديد، وتطبيق هذه النماذج، أصبح لإسرائيل دور جديد. أصبحت إسرائيل قوة أمنية إقليمية. وهذا موقف مختلف تمامًا عن استراتيجيتها الأصلية للأمن القومي، التي كانت تقوم على فرضية العمل المتمثلة في الدونية الأساسية والهيكلية مقارنةً بـ “التحالف الشامل” للدول العربية. من خلال أن تصبح إسرائيل قوة إقليمية، يُمكنها الموازنة بين الردع الأساسي الحقيقي – دون استخدام القوة – واستخدام أكثر دقة للقوة العسكرية لإزالة التهديدات عند الضرورة.

على إسرائيل صياغة استراتيجية شراكات ذكية تُخاطب جميع الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، وبناء تعاون مرن ثنائي ومتعدد الأطراف لتلبية احتياجاتها واحتياجات شركائها المتنوعة. يجب أن تبدأ باغتنام الفرصة الفريدة التي يتيحها نهج إدارة ترامب، وتوطيد شبكة البنية التحتية الإقليمية.

------------------------------------------

 

هآرتس 22/10/2025

 

 

النكبة الاسرائيلية يسمونها “نهضة”

 

 

بقلم: تسفي برئيل

 

“هذه نكبة غزة 2023″، هكذا سارع وزير الزراعة آفي ديختر الى تسمية تدمير غزة في تشرين الثاني 2023. وبعد ان تم توبيخه من قبل رئيس الحكومة عندما قال “هذه اقوال ضارة”، سارع الى صياغة نظرية لغوية ملتوية من اجل تبرير اقواله. “المفاهيم العربية يتم وضعها من قبل العرب. هم يسمون ما يحدث في غزة نكبة، وأنا اقترح استخدام مفاهيمهم. لا يوجد لدينا أي سبب لاختراع مفاهيم باللغة العبرية”.

ديختر كان على حق. النكبة الفلسطينية هي مفهوم عملت اسرائيل الى شطبه من قاموسها خلال عشرات السنين. وهو لا يعتبر مفهوم في القاموس يحتاج الى الترجمة. كارثة الطرد التي عاشها الفلسطينيون في 1948 هي تجربة مؤسسة فظيعة، التي تحولت الى جوهر ما يسمى “القضية الفلسطينية”. حولها تبلورت الهوية والقومية الفلسطينية، واليها يستند حلم العودة.

في غزة لم تحدث نكبة بالمعنى التاريخي. عشرات آلاف الفلسطينيين الذين قتلوا ومئات آلاف السكان الذين تم تهجيرهم من بيوتهم للمرة الثانية، لم يفقدوا وطن ولم يتم طردهم منه. اكثر من مليوني مواطن، الذين هم في معظمهم من لاجئي 1948، وسكان القطاع الاصليين، بقوا في القطاع. الدمار الذي أحدثت اسرائيل في القطاع لم يحطم حلم العودة، وفكرة اقامة الدولة الفلسطينية هي فقط تسارعت ووجدت التعاطف الدولي الواسع اكثر من أي وقت مضى.

لكن الحرب وبحق احدثت نكبة، ليس في غزة بل في اسرائيل. حملة الانتقام الوحشية التي تم شنها في 7 اكتوبر جعلت الكثير من مواطنيها لاجئين في ارض اجنبية. القصد ليس تهجير آلاف العائلات من بلدات غلاف غزة أو من مستوطنات الشمال التي حتى الآن لم يتم ترميمها، أو عشرات آلاف المواطنين الذين هاجروا الى خارج البلاد، أو تدمير البيوت بالصواريخ، أو حتى الشعور بالامن الذي تقوض. في اسرائيل حدث في السنتين الاخيرتين تدمير منهجي ومتعمد للبنى التحتية التي اقيمت عليها الدولة، وهو الامر الاكثر فظاعة وخطورة مما يحدث في غزة.

اذا كان الجيش الاسرائيلي في غزة قصف الجامعات والمدارس ودمر المحاكم والارشيفات والمتاحف والمراكز الثقافية والفنية، فانه في اسرائيل لم يتم تدمير أي جامعة والمتاحف ما زالت على حالها ومبنى المحكمة العليا ما زال قائما بكامل فخامته. ولكن في ظل الحرب فان هذه المباني المادية قصفت من الداخل، الى أن اصبحت واجهة. حرية الاكاديميا تم سحقها تحت حافر السياسي الثقيل المعروف باسم وزير التعليم، والمحكمة العليا تعتبر بالفعل منظمة ارهابية تعمل على اسقاط النظام، ورئيسها هو “شخص غير مرغوب فيه”، والعروض الثقافية والسينما والمسارح مهددة بالخنق المالي اذا لم تخضع لأوامر النظام.

قيم اساسية مثل قيمة المساواة والعدالة وحرية التظاهر وحرية التعبير وحقوق الاقليات ومباديء الحكم الديمقراطي، مثل فصل السلطات وتقييد سلطة الحكومة، تم سحقها على يد عصابة جامحة تعمل الآن ايضا على صياغة الرواية الوطنية، التي تهدف الى طمس مسؤولية الحكومة، لا سيما رئيسها، عن فشل وكارثة 7 اكتوبر. هذه هي المساحة التي فيها اخذت نكبة اسرائيل تترسخ.

لكن مقابل نكبة الفلسطينيين فان نكبة الاسرائيليين تتطور في ظروف ترف مادي تعطي شعور مزيف بان “الحياة السابقة” تستمر كالعادة، وأن الوطن لم يتم فقدانه، بل على العكس، هو يزدهر. وفي رمشة عين تحولت من كارثة الى ولادة جديدة. هذا هو بالضبط السحر المزيف الذي تنسجه الحكومة من جعبة اكاذيبها من اجل اقتلاع وعي النكبة الذي يشعل حنين المواطنين الى الوطن القديم، واسقاط حق العودة اليه. الحكومة الاسرائيلية تسوق الآن للمواطنين البضاعة التي حاولت تسويقها فيما يتعلق بالفلسطينيين، وهي ان الوطن الذي تحلمون به لم يكن أبدا، وبالتالي، لن يكون أبدا. فإما أن تبدأوا في الاندماج في الدولة الجديدة أو ستبقون لاجئين الى الابد.

-------------------------------------------

 

هآرتس 22/10/2025

 

 

في الولايات المتحدة يتطلعون الى استقرار في غزة، لكنهم نسوا اعداد خطة مسبقا

 

 

بقلم: جاكي خوري

 

التصريحات التي اسمعها أمس في اسرائيل نائب الرئيس الامريكي جاي دي فانس، والمبعوثين الامريكيين ستيف ويتكوف وجارد كوشنر، تكشف واقع بائس: في واشنطن فقط الآن بدأوا في تشكيل فكرة قوة متعددة الجنسيات التي تستهدف العمل في قطاع غزة، وكأنه لم تمر سنة منذ ان تولت الادارة زمام الامور. حقيقة ان المحادثات حول تركيبة القوة متعددة الجنسيات ودورها دخلت الى المرحلة الاولى تدل على كل شيء. لم يتم أي اعمال مشتركة جدية قبيل “اليوم التالي”، كما يتوقع من دولة عظمى لها رؤية استراتيجية.

من ناحية ادارة ترامب فان الهدف الوحيد حتى الآن هو انهاء القتال واعادة المخطوفين وتاجيل النقاش حول اعادة الاعمار والحكم في غزة الى مرحلة لاحقة. المحادثات التي تجري الآن دخلت في الواقع الى وتيرة عالية، لكنها بعيدة عن ان تكون خطة عمل واضحة. من اراد وبحق الاستقرار كان يمكنه عرض الآن هيكل عملي واضح: من يدير، يمول ويحمي، من اجل ان يكون بالامكان الدخول الى المنطقة بدون فراغ. المشكلة مزدوجة – امريكية واسرائيلية. في واشنطن لا توجد أي رغبة حقيقية في تحدي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. صحيح ان البيت الابيض يقيد مجال عمل رئيس حكومة اسرائيل، بالاساس فيما يتعلق باستئناف الهجوم في غزة، لكنه لا يفعل أي شيء يضره سياسيا. في نفس الوقت في اسرائيل يضعون فيتو ثابت وهم غير مستعدين للسماع عن عملية تعيد بطريقة معينة السلطة الفلسطينية الى القطاع. هكذا وجدت دائرة مغلقة من التاجيل: الجميع يتحدثون عن “قوة استقرار دولية”، لكن لا احد مستعد لوضع اسم لها أو علم أو مسؤولية. هم فقط ينتظرون وكأن غزة هي منطقة فارغة وليست منطقة منكوبة.

المفهوم الجديد الذي وضع على الطاولة هو “غزة الجديدة”: مناطق ستقام تحت رقابة دولية في منطقة موجودة تحت سيادة اسرائيل، هناك سيتم بناء “نموذج جديد” للفلسطينيين – بيوت، عمل وتشغيل. هذا يبدو واعد الى أن يعرفوا ان الامر يتعلق بحلم لا توجد له بنية تحتية سياسية، قانونية أو مالية، فكرة جيدة اخرى ستسمح للجميع بالتحدث عن المستقبل بدون مواجهة الحاضر.

ايضا العالم العربي لا يسارع الى ملء الفراغ. فالدول العربية ودول الخليج الغنية سبق لها واقترحت في السابق افكار لليوم التالي واعادة الاعمار، لكنها لم تستخدم أي ضغط حقيقي في أي يوم من اجل الدفع قدما بهذه الافكار. طالما ان اسرائيل تعارض والولايات المتحدة لا تدفع فانه لا يوجد أي محفز لتحريك أي شيء. من ناحيتها الفلسطينيون يمكنهم الانتظار، الألم لا يكلف الاموال والهدوء النسبي مريح جدا. هكذا تظهر الدول التي تفضل ادارة الازمات بدلا من حلها. الولايات المتحدة تسوف واسرائيل تتمسك بالفيتو، والعالم العربي يزحف. سنة 2025 اصبحت وراءنا تقريبا، وفي غزة لا يوجد “اليوم التالي” ولا حتى خطة من اجله. ومن يتوقع انه في 2026 سيحدث تغيير سيخيب امله. في اسرائيل يقولون ان الامر يتعلق بسنة انتخابات، لا يتم فيها اتخاذ قرارات. هكذا سيطيلون الانتظار والتسويف، سيضخون بعض المساعدات وسيتم اخلاء آلاف المصابين، السكان سيتقلصون، الروتين الجديد سيترسخ: قطاع معزز انسانيا بدون افق سياسي وبدون تساؤل عن السيادة.

في حين ان واشنطن تتحدث عن “غزة الجديدة”، فان الواقع يواصل خلق “غزة القديمة”، فقط مع القليل من الامل والمزيد من التعب.

 ------------------------------------------

 

معاريف 22/10/2025

 

 

بعد التطهر

 

 

بقلم: ران ادليست

 

السبت بعد الظهر. جمع المحتجين في مفترق الاحتجاج عندنا لا يزداد. هذا مفترق يعرف الالاف الذين وصلوا في الماضي للمطالبة بتحرير المخطوفين، أما هذه المرة فيوجد بضع مئات. أثر تحرير المخطوفين قائم والسؤال هو إلى اين تسير حركة الاحتجاج.

بعد تحرير المخطوفين يوجد إحساس بالنصر. ليس نشوى لكن إحساس مبرر بالتطهر. مسألة المسائل في المعسكر الديمقراطي في إسرائيل هي كيف وعلى ماذا يتواصل الزخم، هذا بافتراض ان الجميع يفهمون بان الهدف الاسمى هو اسقاط حكومة الإخفاقات وتشخيص المنطلق الذي يملأ المفترقات والشوارع.

في السنتين الأخيرتين كان المخطوفون الدافع والمحرك. إحساس عاطفي عمل على خليط من الرحمة، الفريضة القومية، خيانة الحكومة والطاقة اليائسة للعائلات مما جلب عشرات الالاف الى الشوارع للاحتجاج، ضد الحكومة أيضا. لقد كان الاحباط المضني لتحريرهم هو دليل قاطع على أن الحديث يدور عن حكومة البؤس، التفاهة وإدارة الحرب في صالح مصلحة شخصية وحزبية.

من هنا لاحقا يفترض بالصراع ضد الحكومة أن يرتفع درجة، في الصراع على وجه وهوية الدولة. توجد أسباب كثيرة تستوجب الصراع، لكنه ينطلق المنطلق المقرر. فالهجوم على الديمقراطية يأتي من كل الاتجاهات وإذهب لتعزل فعلا واحدا يوجد فيه إحساس عاطفي، يحرك عشرات الالاف الى الشوارع. هذه الجبهة العريضة تستوجب استمرار الصراع بكل طريقة ممكنة.

كل مقاتل من أجل الديمقراطية يفترض به أن يساهم بنصيبه في الانتظار لحدث محطم للواقع من جانب الحكومة. مثلا، اعتقال رجال احتياط أربعة كبار في السن، احرقوا حاويات قمامة في القدس ويوجدون قيد اعتقال متشدد لاكثر من شهر. هذا سبب لمظاهرة تضامن جماهيري لم تحصل بعد. من فوق اعتقالهم تحوم قصة يانون ليفي، مستوطن حسب الاشتباه، اطلق النار قبل بضعة اشهر فقتل فلسطينيا من قرية ام الحيران، وافرج عنه على الفور الى الإقامة الجبرية. هذا الانفاذ الانتقائي يفترض ان يصم الآذان – ولكن لا شيء. فهو لم يستدعي أحدا الى الشوارع ولا حتى رفاقهم في الوحدة وللاعمال التطوعية التي نفذوها بعد المذبحة في الغلاف.

هذا هو الوقت لان تنزل المعارضة البرلمانية الى الشوارع. جسديا. ان ترص الكتلة البرلمانية صفوفها على الطرقات الرئيسة، والاصطدام بشرطة بن غفير. تعلموا من يئير غولان ورفاقه.

إذا كان السياسيون يريدون أن يلعبوا في ملعب الكبار، فانهم ملزمون بان يقيموا اتصالات دائما مع برلمانيينا وشخصيات عامة من الدول الوسيطة. بما فيها عصبة ترامب، بفرض أنه هو نفسه لا يفهم يمينه عن يساره. هذه مواجهة قاسية مع الافنجيليين، إذ يوجد لهم ممثلون في كل ثقب في واشنطن.

توجد روافع أخرى مثل شركات التكنولوجيا العليا التي ينصت لها ترامب، أي يعجب بتريليوناتهم. من المجدي الاستثمار في علاقات رجال التكنولوجيا العليا في إسرائيل مع اصدقائهم في الجهد التكنولوجي في الولايات المتحدة. إسرائيليون ويهود ليبراليون ممن يجلسون في إدارات الشركات الكبرى هم مجموعة هدف هام، بأمل الا يكونوا قد ملوا إسرائيل. هم أيضا يفترض بهم ان يفهموا انه من الان فصاعدا الاحتجاج هو حرب الاستقلال والتحرير من حكومة الإخفاق، ما يعيدنا الى الشعب.

بقدر ما تتقدم المرحلة الثانية من الاتفاق، ستتبدد النشوة التي سادت مع عودة المخطوفين والاسئلة الحقيقية ستحوم في المجال الجماهيري والشخصي في إسرائيل. فهل الانشغال بالمشاكل الحقيقية سيحرك الشعب الى الشوارع؟ في فيلم “عش الدبابير” عندما حاول جاك نكلسون ان يحرض على التمرد ضد الطاقم المعالج صرخ يقول: Which one of you nuts has got any guts? -“لمن منكم أيها المجانين توجد خصي؟”. للمجانين في “عش الدبابير” لم تكن لهم. فماذا عنا؟

------------------------------------------

 

حرب نتنياهو "الأبدية" على غزة: ما الذي جعلها غير قابلة للاستمرار

 

 

 

 

 

ديباك تريباثي* - (كاونتربنش) 2025/10/17

 

طالما كان الدعم الأميركي العسكري والاقتصادي والدبلوماسي مضمونًا، تمتعت إسرائيل بقدر كبير من الحرية في رسم سياساتها عبر الشرق الأوسط. ولكن مع تغيّر أولويات ترامب -وخاصة طموحه المعلن إلى أن يُنظر إليه كصانع سلام دولي يستحق جائزة نوبل- بدأت تلك الضمانة في التراجع والعوز إلى اليقين.

*   *   *

جلبت الهدنة الهشة في غزة بين إسرائيل وحركة "حماس" الفلسطينية، ولو مؤقتًا، نهاية لسفك الدماء المستمر منذ عامين بلا هوادة. وسوف يأمل أكثر من مليوني نسمة من سكان القطاع المحتل -ومعهم الشعوب في مختلف أنحاء العالم- في أن تصمد هذه الهدنة بما يكفي من الوقت لتشكيل إدارة جديدة تتولى مهمة تعافي القطاع وإعادة إعماره في السنوات المقبلة. وقد دُمّرت غزة بالكامل تقريبًا. وقُتل ما لا يقل عن 67.000 فلسطيني -وربما يتجاوز العدد النهائي هذا الرقم- بمن فيهم عدد لا يُحصى من النساء والأطفال؛ كما أُصيب كثيرون آخرون بجراح بليغة وإعاقات دائمة. بالإضافة إلى ذلك، ينتشر سوء التغذية والمجاعة في القطاع على نطاق واسع. ويسود الفقر والحرمان في كل مكان، مع نقص حاد في الغذاء والمأوى والرعاية الصحية. والآن، بعد عامين من القصف المتواصل، أصبحت غزة اليوم واحدة من أكثر بقاع الأرض دمارًا.

جاء اتفاق وقف إطلاق النار إلى حد كبير نتيجة لإصرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أن توقف حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة القتال. وعلى مدى أكثر من عامين بعد الهجوم المفاجئ الذي شنّته "حماس" على جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، تحدى نتنياهو الرأي العام العالمي -وكذلك سلف ترامب، جو بايدن- واستمر في تنفيذ حملته الانتقامية. كما أن نظام التمثيل النسبي الفريد في إسرائيل، الذي يمكّن الأحزاب القومية المتطرفة والدينية الصغيرة من ممارسة نفوذ غير متناسب في تشكيل الحكومات، ترك نتنياهو مع القليل من المتسع لفعل شيء إلى أن تدخل ترامب. وبالإضافة إلى ذلك، كان لدى رئيس الوزراء دافع شخصي هو إطالة أمد بقائه في السلطة في ظل اتهامات بالفساد محليًا واتهامات أخرى بارتكاب جرائم إبادة وجرائم حرب وجهتها إليه الأمم المتحدة و"المحكمة الجنائية الدولية". والآن، إلى جانب ترامب، سيحاول نتنياهو أن ينسب الفضل إلى نفسه في تحقيق وقف إطلاق النار، على الرغم من أن مستقبله السياسي ما يزال غير مؤكد.

تحدّت تأكيدات نتنياهو المتكررة على خوض "حرب أبدية" ضد "حماس" والقضاء عليها النمط التاريخي الذي يُظهر أنه في الصراعات المطولة ومفتوحة النهاية -حتى أكثر الدول قوة تصل إلى نقطة تصبح فيها الكلف العسكرية والاقتصادية والأخلاقية لمواصلة الحرب غير محتملة وغير قابلة للاستدامة. وبالنسبة لإسرائيل -المنخرطة منذ وقت طويل في صراع مع جيرانها العرب- فإن حربها الممتدة لعامين على غزة، إلى جانب الأعمال العدائية التي شملت لبنان واليمن وسورية وإيران، قد استنزفت قدرًا كبيرًا من قوتها العسكرية واستقرارها الاقتصادي ومكانتها الدبلوماسية، لأنه طالما كان الدعم الأميركي العسكري والاقتصادي والدبلوماسي مضمونًا، تمتعت إسرائيل بقدر كبير من الحرية في رسم سياساتها عبر الشرق الأوسط. ولكن مع تغيّر أولويات ترامب -وخاصة طموحه المعلن إلى أن يُنظر إليه كصانع سلام دولي يستحق جائزة نوبل- بدأت تلك الضمانة في التراجع وفقدان اليقين.

لطالما كان ترامب، كرئيس، شخصية نفعية تتعامل بمنطق الصفقات والمقايضات والمصالح، تمامًا كما فعل طوال مسيرته المهنية. ومنذ بدء ولايته الثانية في البيت الأبيض، أظهر قدرًا أكبر من الدهاء في سعيه إلى تأمين ما يريد ومكافأة أولئك الذين يتبين أنهم مفيدون له. وقد حقق له نجاحه السياسي هذه المرة مكاسب شخصية ورمزية ضخمة. في لفتة جديرة بالملاحظة، أعلنت العائلة الحاكمة في قطر عن إهدائه طائرة فاخرة من طراز "بوينغ 747-8" -تبلغ قيمتها نحو 400 مليون دولار- لتحل محل طائرة "إير فورس ون" الحالية التي يستخدمها رئيس الولايات المتحدة. وفي المقابل، وقّع ترامب أمرًا تنفيذيًا يمنح قطر ضمانات أمنية في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على مكتب "حماس" في العاصمة القطرية. ووفق خطة إدارة ترامب، ستتم إعادة تجهيز الطائرة للاستخدام الرئاسي خلال فترة ولايته، ثم يتم تحويلها لاحقًا إلى "مكتبة ترامب الرئاسية". وكان عقد شركة "بوينغ" المنفصل مع الحكومة الأميركية لتزويدها بطائرة "إير فورس ون" جديدة قد واجه تأخيرات متكررة.

كما حصلت عائلة ترامب على صفقات تجارية مربحة أخرى في الشرق الأوسط وأماكن أخرى. وتواصل "مؤسسة ترامب"، التي يديرها الآن ابناه إيريك ودونالد جونيور، تنفيذ مشاريعها العقارية بينما يمارس ترامب مهامه في البيت الأبيض. وتمتلك المؤسسة عشرات العقارات في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك مشاريع حالية ومخطط لها في أميركا الشمالية والمملكة المتحدة وإندونيسيا، إلى جانب الشرق الأوسط. وتدير الشركة فنادق وملاعب غولف إلى جانب عقارات سكنية وتجارية محلية. ولعائلة ترامب علاقات تجارية وثيقة مع السعودية. وبالإضافة إلى مشاريع ترامب العقارية، حصل جاريد كوشنر -صهر ترامب ومستشاره السابق لشؤون الشرق الأوسط- على استثمار بقيمة ملياري دولار من صندوق الثروة السيادي السعودي بعد ستة أشهر فقط من مغادرته المنصب.

بينما استمرت حرب نتنياهو الطويلة على غزة، أصبح ترامب أكثر وعيًا بالعزلة الدبلوماسية المتزايدة التي تتعرض لها إسرائيل. في الأشهر الأخيرة، اعترفت دول عدة -منها كندا والمملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا- بدولة فلسطين، ليرتفع عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي تعترف بها إلى أكثر من 155 دولة، وهو ما يشكل غالبية كبيرة من أعضاء المنظمة. وكان مهمًا ولافتًا بشكل خاص أن بعض هذه الدول هي من بين أقرب حلفاء واشنطن. وكانت سياسات ترامب التجارية القائمة على فرض الرسوم الجمركية قد تسببت بالفعل في توترات مع حكومات أخرى، وجاءت حملة إسرائيل المستمرة في غزة لتضيف تعقيدًا غير مرحب به إلى هذا المشهد. وبما أن ترامب كان قد أظهر نفورًا من التورط في حروب خارجية مثل الحرب في أفغانستان، فإنه رأى أن حرب غزة الممتدة لعامين كانت مكلفة للغاية -عسكريًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا- وسعت إدارته إلى النأي بنفسها عنها.

مع ذلك، ما تزال الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحاصرة محفوفة بالمخاطر. ربما تم إضعاف "حماس"، لكنها لم تُهزم. ما يزال تنظيمها قائمًا، وما تزال المجموعة تواصل العمل للعثور على طرق للمقاومة وإثبات وجودها. وتستمر الاشتباكات بين الجانبين بينما تستمر إسرائيل في معاقبة سكان غزة عن طريق تقييد إمدادات الغذاء والدواء الأساسية. وما يزال شكل الإدارة المقبلة في غزة غير واضح. وفي الوقت الراهن، تهيمن تعبيرات الأمل -بل والابتهاج في بعض الأوساط- على اللحظة. ومع ذلك، تبقى احتمالات التوصل إلى هدنة دائمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين خالية من اليقين إلى حد كبير.

*د. ديباك تريباثي Deepak Tripathi: مؤرخ وباحث بريطاني من أصل هندي، وزميل في الجمعية التاريخية الملكية والجمعية الآسيوية الملكية لبريطانيا العظمى وإيرلندا. عُرف بكتاباته التحليلية حول العلاقات الدولية، وسياسات الولايات المتحدة، وصراعات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، مع تركيز خاص على جذور العنف السياسي والإمبريالية الحديثة. شغل مناصب صحفية وأكاديمية، وعمل سابقًا في هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) قبل أن يتفرغ للبحث والتأليف. من أبرز مؤلفاته: "أرض خصبة: أفغانستان وجذور الإرهاب الإسلامي" (2011)، و"تصميمات إمبراطورية: الحرب والإذلال وصناعة التاريخ" (2013)، و"أفغانستان ومتلازمة فيتنام: مقارنة بين الحروب الأميركية والسوفياتية" (2023).

 

-----------------انتهت النشرة

disqus comments here