الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاربعاء 17/12/2025 العدد 1488

الصحافة الاسرائيل- الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

هآرتس 17/12/2025

 

“النواة التوراتية”.. ميليشيا المستوطنين في الضفة الغربية يفتتحون فرعاً في يافا: ماذا عن اللد وأخواتها؟

 

 

بقلم: عنات كام

 

في تموز 2022، في فترة نهاية حكومة التغيير، نشرت القناة 13 تقريراً عن مؤسسي البؤر الاستيطانية الرائدة، ووصفتهم، كما يقول عيدو دافيد كوهين، بأنهم نوبات ذعر جريئة. هذا الوصف قد يكون رومانسياً ومطرياً، لكنه ليس خاطئاً تماماً. لقد افتتحت حركة الشباب الاستيطاني فرعاً جديداً لها في يافا، السبت. هل هذا صحيح؟ اصعد وجسد؟ عزز وتبنّ؟ هو أقرب إلى “اضرب العربي”، حتى لو كانت امرأة في شهر حملها الأخير.

هذا الفرع الجديد أسسه ثلاثة مهاجرين من الوطن، أُخرجوا منه بأوامر إبعاد، وحتى إن أحدهم اعتقل إدارياً قبل سنة. في هذا الأسبوع تم اعتقالهم للاشتباه في الاعتداء على حنان حيمل، من سكان مدينة يافا، وعلى عائلتها في حادثة ما زالت تثير الاضطرابات في المدينة. إن وصف المحامي الصريح الذي يمثل المستوطنين، بأنهم كانوا “يتجولون في المدينة فقط”، وأن أحدهم يعيش هناك، لا يعتبر استهزاء بالضعيف. لدى هؤلاء هدف، ويتصرفون في يافا مثلما كانوا قبل دخولهم من الخط الأخضر. إن القول في هذه المرحلة بأن لايفوفيتش كان محقاً بشأن الفوضى التي ستنتشر في المجتمع الإسرائيلي يشبه القول بأن كوبر نيكوص كان محقاً في طرح نموذج بشأن مركزية الشمس.

لكن عندما نتذكر أن هؤلاء المشاغبين العنصريين والعنيفين ليسوا مجرد شباب سود متهورين يبحثون عن علاقات مع فتيات في مدارس أخرى، بل يشبهون عصابة مخدرات اكتشفت أرضاً بكراً لتوزيع بضاعتهم، عندما نتذكر ذلك فالأمر يفقد الدعابة. الحقيقة أن يافا باتت وجهة مرغوبة جداً، ومن حسن الحظ أنها لم تشاهد مثل هذه الأحداث حتى الآن. هي مدينة مختلطة، يأمل كل سكانها التعايش فيها، وفي الوقت نفسه، هي مدينة هشة ومعرضة لضغوط المتطرفين، اليهود والمسلمين. دخل إلى هذا التعايش أعضاء النواة التوراتية في يافا، المهووسين بالتوراة، والذين كان بعضهم في البداية مشكوكاً فيهم بالتورط في مهاجمة المرأة الحامل، وابتهج مؤيدوهم عندما تبين أن الأمر يتعلق بكائنات من الفضاء، وأن أهداف المشاغبين غير بعيدة: كل ما لا ينجح بالكلام المعسول الخانق عن “الوحدة” وتقريب القلوب، سينجح بالقوة بواسطة المليشيات المتضخمة.

رداً على الهجوم العنيف على حيمل، اندلع احتجاج بقيادة السكان العرب في المدينة، وسمعت فيه، ضمن أمور أخرى، شعارات مثل “بالروح، بالدم، نفديك يا يافا”. هنا يسجل الإنجاز الحقيقي للمشاغبين: جعل الإسرائيليين العاديين، الذين هم ليسوا من مؤيدي العنف، والذين كان يسرهم الذهاب في أيام السبت لأكل الحمص في يافا والقول “شكرا، يا زلمة”، أن يردوا باستخفاف بأن كل العرب نفس الشيء في الواقع.

هذا انتصار يريدون نقله إلى أماكن أخرى. لأنه سرعان ما سيملون من العمل في المناطق التي لا يلتفت فيها إليهم أحد باستثناء أقلية من النشطاء الشجعان الذين يدافعون عن وجودهم. اللد قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار. في حيفا وفي عكا، وبالتأكيد في القدس، تعتبر عمليات التحفيز والاستجابة من هذا النوع مسألة وقت. لم لا؟ هي مجدية بالنسبة لهم.

الأحد الماضي، صادقت المحكمة العليا على بقاء قاصر يهودي هناك متهم بسلسلة طويلة من أعمال الشغب العنيفة على خلفية عنصرية، كبديل مناسب عن الاعتقال إلى حين البت في قضيته. والإثنين، تم عقد جلسة استماع لتمديد اعتقال أريئيل دهاري، وهو المستوطن المشبوه بالاعتداء على امرأة فلسطينية كبيرة في السن أمام شهود عيان وكاميرات. وفي فيلم صوره ونشره أصدقاؤه في مجموعة “أخبار التلال” ظهر وتعلوه ابتسامة لا يبتسمها إلا من يعرف أنه في مأمن من العقاب الشديد على أفعاله. ومع أن دهاري نفسه سيتم اعتقاله أسبوعاً أو أسبوعين، فهناك ثلاثة آخرون ينتظرون فرصة الاعتداء على عربي.

------------------------------------------

هآرتس 17/12/2025

 

“انتصرنا على تركيا”… أي قعر سياسي هذا الذي تسقط فيه حكومة نتنياهو!

 

 

بقلم: تسفي برئيل

 

سجلت إسرائيل هذا الأسبوع انتصاراً دبلوماسياً كبيراً. حسب تقرير في “هآرتس”، فقد نجحت في منع مشاركة تركيا في المؤتمر الذي عقد أمس في الدوحة، الذي شارك فيه 45 ممثلاً لـ 45 دولة لمناقشة خطة القوة المتعددة الجنسيات، التي ستنتشر في غزة في المرحلة الثانية وفق خطة ترامب. من المؤسف أن رائحة الخسارة تتصاعد من هذا النصر؛ فليست تركيا وحدها هي التي غابت عن هذا المؤتمر، بل إن إسرائيل، التي تعتبر نفسها صاحبة البيت في غزة، لم تتم دعوتها هي الأخرى.

في الواقع، ما زال الحديث يدور عن عملية نظرية، فرغم جهوده الكبيرة يجد الرئيس ترامب صعوبة في تجنيد دول توافق على إرسال جنودها للقيام بمواجهة حماس والإشراف على الإدارة المدنية للقطاع وإعفاء إسرائيل من المسؤولية عن الاحتلال. ولكن تركيا، مع مؤتمر بدونها، ستبقى مشاركة في مستقبل غزة، حتى لو لم يسمح لجنودها بدخول القطاع؛ لأن “العدو التركي” يترسخ بكونه إحدى الركائز الاستراتيجية لترامب، في حين تبدو إسرائيل عبئاً عليه.

رغم جهوده الكبيرة يجد الرئيس ترامب صعوبة في تجنيد دول توافق على إرسال جنودها للقيام بمواجهة حماس والإشراف على الإدارة المدنية للقطاع وإعفاء إسرائيل من المسؤولية عن الاحتلال

هذا “الانتصار” لا يطمس سلسلة الضربات التي تلقتها إسرائيل. فبعد الانتهاء للتو من مسح آثار مطالبة نتنياهو المهينة بالاعتذار لرئيس وزراء قطر عن الهجوم الفاشل الذي هدف إلى القضاء على قادة حماس، جاء التوبيخ على العملية الفاشلة في قرية بيت جن في هضبة الجولان السورية. ثم أعلن ترامب نفسه نيته في التحقق مما إذا كان اغتيال رائد سعد، الرجل الثاني في قيادة حماس غزة، يعتبر خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار. هذه مجرد تفاصيل ثانوية. ففي القضايا الأساسية المتعلقة بتشكيل “الشرق الأوسط الجديد” و”جني ثمار الحرب” تبدو إسرائيل الآن وكأنها مقاول للسياسة الأمريكية التي يطلب منها الجلوس مكتوفة الأيدي والخضوع.

فلسطين، أو بعبارة مهذبة أكثر “حل الدولتين”، لم تعد كلمات فظة أو هواية “لاسامية” لكارهي إسرائيل. فقد وضع ترامب بقلمه وبتوقيعه المميز هذا الحل كجزء لا يتجزأ من خطته، ولم يتأثر كثيراً من الاشمئزاز الذي أظهرته إسرائيل. ومن المثير للصدمة أنه وافق على أن يكون للسلطة الفلسطينية دور في إدارة غزة. كان يجب حسم هذا الأمر منذ البداية، لكن إسرائيل التي وصلت إلى نهاية الحرب بجعبة استراتيجية فارغة، تجد نفسها خارج اللعبة.

هناك المزيد. فقد تجاهل ترامب مواقف إسرائيل المتشددة تجاه الرئيس السوري أحمد الشرع، وكأنها تغريدة “تك توك”. وقد احتضن الرئيس السوري مثل ابن ضال، ورفع العقوبات عن سوريا، ولا يبدو أنه في عجلة من أمره لتبني طلب إسرائيل إقامة منطقة منزوعة السلاح بين دمشق وجنوب سوريا. وفي أجواء احتفالية، وافق ترامب على بيع طائرات اف 35 للسعودية وقال: إن تطبيع العلاقات بينها وبين إسرائيل من الأفضل أن ينتظر أياماً أفضل، وستعود تركيا إلى مشروع طائرة الشبح، حيث قامت في نهاية المطاف بـ “أمور مدهشة” في سوريا، كما امتدح ترامب صديقه اردوغان. ويبدو أن قطر ستتمكن من شراء الطائرات التي منحت إسرائيل التفوق العسكري. ففي نهاية المطاف، هذه “الدولة العدوة” هي حليفة رئيسية للولايات المتحدة، والتي ليست عضوة في الناتو، وقد منحت الرئيس طائرة خاصة ضخمة وباهظة الثمن.

ماذا بشأن التفوق النوعي الذي تدين به الولايات المتحدة لإسرائيل؟ هذا سؤال وقح وبحق؛ ألم يطلب بل ويضغط من أجل منح العفو لنتنياهو، ومن أجلنا ومن أجل أن يستطيع بيبي توحيد شعب إسرائيل؟ هل هناك رئيس أمريكي آخر فعل ذلك من قبل؟

هكذا يحولون السقوط السياسي والفراغ الاستراتيجي إلى مميزات في ولاية نتنياهو. لا يمكن لأي قدر من التلاعب الخطابي أو التحايل إخفاء ضياع المسار الذي كان سيقود إسرائيل من الحرب الفظيعة إلى مرساة إقليمية آمنة. ولكن على الأقل لدينا رائد سعد و… رئيس أركان حزب الله، الذي قمنا بتصفيته. والأهم، أننا انتقمنا من تركيا.

------------------------------------------

 

 هآرتس 17/12/2025

 

 

“الكاميرا وحاملها إرهابيان”.. “الشاباك”: سنعتقل كل فلسطيني يوثق جرائمنا في الضفة الغربية

 

 

بقلم: أسرة التحرير

 

أيمن غريب ناشط حقوق إنسان فلسطيني، يوثق جماعات أهلية فلسطينية في غور الأردن تتعرض لخطر الطرد. وهو اليوم قيد الاعتقال الإداري منذ شهر في سجن مجدو، بدعوى التحريض ضد الدولة وتعريض أمن المنطقة للخطر.

يتبين أن شهراً كاملاً لم يكفِ لرفع لائحة اتهام ضد الناشط والكاميرا خاصته. أُقر هذا الأسبوع بأن اعتقاله الإداري قد يستمر خمسة أشهر أخرى. ليست هذه هي المرة الأولى التي يوقف فيها غريب ويعتقل، ولكنه تحرر في معظمها بعد وقت قصير. وعلى حد قول أصدقائه، تحدث معه في يوم اعتقاله الأخير رجلان من “الشاباك” هاتفياً، وأوضحا بأنهما ملّا نشاطه و”تحريضه”، وقالا له إنه سيزج في السجن. قالا وأوفيا.

الاعتقال الإداري وسيلة تعسفية، اعتقال بلا محاكمة. في دولة صالحة، لا يفترض لهذا الفعل إلا أن يكون كمخرج أخير شريطة أن يعتبر الشخص خطراً أمنياً على مستوى عال من اليقين – ما درج على تسميته قنبلة متكتكة – ولا سبيل آخر لمنع تحقق هذا الخطر. جاء تعقيب من الجيش الإسرائيلي بأن “الاعتقال تم وفقاً للوائح”.

متظاهرون احتجوا لتحرير غريب قالوا إن هذه “حالة واضحة من الملاحقة السياسية، إذ إن قسما مهماً من عمل غريب ينطوي على الإعلام عبر الشبكات الاجتماعية”. لكن في الدكتاتورية العسكرية التي تقيمها إسرائيل في ساحتها الخلفية في المناطق المحتلة، وبعيداً عن منطقة اهتمام الجمهور الإسرائيلي غير المبالي بحياة الفلسطينيين – فما بالك لحقوقهم الأساسية – فإن ناشطاً فلسطينياً يعمل في حقوق الإنسان وفي يده كاميرا، مثله مثل الإرهابي الذي يحمل قنبلة. وهو يحدد كخطر أمني يبرر استخدام أداة شاذة.

في نظر “الشاباك”، صورة واحدة تساوي ألف عملية. وفي نظر معظم الجمهور الإسرائيلي، إذا لم يكن الحديث يدور عن حقوق إرهابيين يهود أحرقوا طفلاً أو قرية، فمن ناحيتهم فليرسل كل الفلسطينيين إلى الاعتقال الإداري الجماعي دون قيد زمني.

وبالفعل، تستخدم إسرائيل هذه الأداء بالجملة. وحسب “هموكيد” لحماية الفرد، ارتفع عدد المعتقلين الإداريين على مدى الحرب ثلاثة أضعاف مقارنة بعددهم قبل 7 أكتوبر، وحتى كانون الأول 2025 بلغ 3350. تماماً هكذا: 3350 فلسطينياً يحتجزون في منشآت الحبس في إسرائيل دون أن ترفع ضدهم لوائح اتهام.

إذا كانت للدولة أدلة ضد غريب، فلتتفضل في رفع لائحة اتهام ضده وتقدمه إلى المحاكمة، وإلا فلتحرره فوراً وتتوقف عن الملاحقة السياسية لشخص كل ذنبه “زعماً” أنه تجرأ على توثيق جرائم إسرائيل في الضفة.

-------------------------------------------

 

معهد القدس للاستراتيجية والأمن – 16/12/2025

 

 

الحسم والنصر

 

 

بقلم: البروفيسور غابي سيبوني والعميد إيريز فينر

 

 

مقدمة

 

`تجمع إدارة النزاعات بين استخدام الأدوات السياسية والاقتصادية والقانونية والأيديولوجية والثقافية والعسكرية. وتشمل مجالات العمل التي تُستخدم فيها هذه الأدوات مستوياتٍ متعددة، مما يستلزم توضيحًا وتعريفًا دقيقًا للمصطلحات الأساسية المستخدمة في تعريفها والأنشطة التي تُنفذ ضمنها، وذلك لصالح كلٍّ من العناصر المهنية وعامة الجمهور. تبدأ مستويات العمل من المستوى التكتيكي، مرورًا بالمستوى المنظوماتي، ثم المستوى الاستراتيجي، وصولًا إلى مستوى الأمن القومي، وهو المستوى السياسي العام. في كل مستوى، من الضروري وضع لغة مشتركة تصف الإنجازات المطلوبة التي تتناسب مع ذلك المستوى من العمل؛ وفي هذا السياق، غالبًا ما يُستخدم مصطلحا “الحسم” و”النصر” دون توضيح معناهما.

إن الفرق بين “الحسم” و”النصر” ليس مجرد فرق لفظي، بل هو جوهري لفهم مدى النجاح في تحقيق تحسين في وضع الأمن القومي من خلال الحروب، ومنع تكرار الإخفاقات الاستراتيجية. في السياق الإسرائيلي، تتطلب هذه المصطلحات نقاشًا متجددًا بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، التي أدت إلى حرب النهضة، والتي لا تزال حاضرة بقوة حتى اليوم في ظل وقف إطلاق النار الهش الذي تم التوصل إليه في أكتوبر 2025.

على مر السنين، دار نقاش حاد حول مصطلحي “الحسم” و “النصر”، لا سيما في أبعادهما العسكرية. ومع ذلك، فقد أدى استخدام هذين المصطلحين في سياق حرب النهضة أحيانًا إلى إرباك الممارسين. لذا، سنحاول في هذه المقالة تحليل كلا المصطلحين من منظور الحرب. ويُطرح، لأغراض النقاش، أن مصطلح “الحسم” يُستخدم في المجال التكتيكي والمنهجي للقتال العسكري، بينما يُستخدم مصطلح “النصر” في مجال الاستراتيجية الكبرى والأمن القومي، ويعبر عن تحقيق الأهداف السياسية للحرب، مما يؤدي إلى تحسن طويل الأمد في الوضع الأمني ​​للبلاد.

 

الحسم

 

إن تعريف المصطلحات العسكرية ليس مسألة فنية بحتة، بل هو أساس للعقيدة العسكرية التي تؤثر على التخطيط العملياتي، وتدريب القوات، وصنع القرار السياسي، والوعي العام. وعلى مر السنين، صدرت العديد من المنشورات في سياق الحسم والنصر. ويُعرّف قاموس الجيش الإسرائيلي مصطلح الحسم بأنه “كسر مقاومة العدو للتحرك بفعالية ضدنا، من خلال تهيئة وضع (يرى فيه صاحب القرار) تتوافر فيه شروط تحقيق المهمة المحددة”. تتجلى حالة الحسم في فقدان العدو قدرته على العمل بفعالية ضدنا.

لقد صِيغ مصطلح “الحسم” لوصف حالة استنفاد قدرة العدو ووصوله إلى حالة من العجز التام في عمل واحد، أو حالة استسلامه. يثير هذا التعريف عدة تساؤلات تستدعي الدراسة.

سؤال العدو: في أي سياق يُحلل جانب الحسم؟ في السياق العسكري، يُمثل العدو مجموع قدراته العسكرية على ممارسة القوة ضدنا. وفي هذا الصدد، يجب التمييز بين نوعين من القدرات العسكرية: القدرة العسكرية المنظمة للعدو، أي وحدات جيشه المنظمة، والقدرة على المقاومة “غير المنظمة”، أي قدرة العدو على ممارسة المقاومة خارج إطار الوحدات العسكرية المنظمة، كالمقاومة المدنية والإرهاب وما شابه.

سؤال الحدث الحاسم: هنا يجب توضيح مصطلح “الزمن”. بعبارة أخرى، يمكن التمييز بين مجالين زمنيين، هناك حالتان: الأولى قبل اتخاذ القرار – وهي حالة لا يزال العدو فيها قادرًا على المقاومة، والثانية بعد اتخاذ القرار – وهي حالة تحقق فيها التعريف السابق. وهنا يبرز التساؤل حول مدة استمرار القرار. في هذا السياق، يبرز سؤال المدة، أي ما إذا كان القرار سيستمر لفترة زمنية محددة، وبعدها يمكن للعدو العودة والهجوم علينا.

لقد كان الدافع وراء هذا التحليل هو الحاجة إلى توضيح مفاهيمي للإنجاز العسكري في حرب النهضة، كما هو الحال في غزة. ينبغي أن يكون تحليل مصطلح “الحسم” من منظور شامل، وأن يقدم إجابة شاملة عن ساحة المعركة وأشكالها. ولنتذكر أن الوحدة العسكرية تعمل دائمًا بدافع الرغبة في إنجاز مهمتها لتحقيق هدف القيادة العليا على أكمل وجه. بغض النظر عن نوع الصراع الدائر، فإن شدة استخدام القوة تنبع فقط من الحاجة الأساسية لإنجاز المهمة على أكمل وجه.

لتقديم تحليل شامل لمصطلح “الحسم” في سياقه العسكري العام، لا بد من اتباع منهج تحليلي. يُقترح تقسيم هذا النهج إلى مرحلتين رئيسيتين: 1) توصيف مستويات القتال العسكري، 2) دراسة آلية اتخاذ القرار في كل مستوى في سياق الأسئلة المطروحة أعلاه.

يمكن توصيف مستويات القتال العسكري على النحو التالي:

المستوى التكتيكي: وهو مستوى قتالي يُعنى بتحقيق المهام العسكرية من خلال نتائج مادية محددة وقابلة للقياس. تُنفذ المهام التكتيكية باستخدام وحدات مُجهزة بالأسلحة. في الجيش الإسرائيلي، جرت العادة على تحديد هذا المستوى عادةً باللواء والفرقة باستخدام النتائج التكتيكية. في المجال التكتيكي، يُحدد العدو بشكل فوري وواضح، ولا فرق في هذا المستوى القتالي بين عدو مُنظم كوحدة عسكرية نظامية وآخر غير مُنظم. تُحدد المهمة زمانيًا ومكانيًا، وسياقها آني. يمكن هزيمة العدو في هذا النوع من المهام إما بتدميره ماديًا أو بخلق وضع لا يملك فيه القدرة أو الرغبة في مواصلة المقاومة. في هذا المستوى، يمكن تحديد عدة نطاقات زمنية: النطاق الزمني قبل الحسم – يكون العدو نشطًا ولديه القدرة والرغبة في القتال. المعركة حدثٌ يُتخذ الحسم. بعد المعركة، يمكن تحديد فترة زمنية يستمر فيها الحسم، إذ لم يعد للعدو دورٌ في السياق العملياتي الحالي. لذا، يمكن القول إن مصطلح “الحسم” مصطلحٌ ذو صلة في هذا المستوى من القتال.

المستوى المنظوماتي – مستوى قتالي يُعنى بتحقيق الأهداف (بدلاً من المهام المحددة) والنتائج غير المادية والقابلة للقياس بالضرورة. يتميز هذا المستوى القتالي عادةً بساحة قتال محددة بوضوح. ويتحقق تحقيق الأهداف المنظوماتية باستخدام نتائج نظامية (في الجيش الإسرائيلي، يُسلّم بأن هذه النتائج تُحقق من قِبل مستوى القيادة المكانية). ولأن المستوى القتالي يتعامل مع فضاء قتالي مسرحي شامل، ثمة فرق جوهري بين أنواع الأعداء المختلفة. ففي هذا المستوى، يختلف أسلوب تحقيق الأهداف ضد عدو منظم ضمن أطر عسكرية نظامية، وضد عدو “غير منظم” يمارس المقاومة المدنية والإرهاب.

يُسبب هذا الاختلاف أول غموض فيما يتعلق بمصطلح “الحسم” . أي، أي عدو نريد هزيمته، وهل يمكن استخدام مصطلح “الحسم” كما نُعرّفه في السياق التكتيكي في السياق المنظوماتي أيضاً؟ هل من الممكن القضاء على قدرة العدو ورغبته في القتال تمامًا، وهو ما يُعدّ تعريفًا لـ“الحسم” ؟ أم أن القضاء على معظم قدرته على المقاومة كافٍ لتحقيق الهدف الشامل، ولا ينبغي اعتباره حسما نهائيًا؟

في بعض الأحيان، يمكن تطبيق قوانين الحيز التكتيكي على هذا الحيز، لا سيما فيما يتعلق بتحديد مدة الحملة بوضوح. يُعدّ البُعد الزمني بالغ الأهمية في تكوين القدرة على الحسم على المستوى الشامل؛ إذ يجب أن يكون هذا البُعد طويل الأمد. بعبارة أخرى، يجب أن تكون نتيجة الحملة أطول من نتيجتها على المستوى التكتيكي، وأن تستمر لفترة زمنية تتناسب مع مدة الحملة المحددة. هنا، يتضح أن الهدف الشامل ليس بالضرورة الحسم، وأن تحقيقه لا يستلزم دائمًا هزيمة قدرات العدو. قد تنشأ حالة يكون فيها الهدف الشامل هو احتواء ساحة معينة والحفاظ على حالة محددة ومرغوبة فيها على مر الزمن. هكذا تصرف الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة ضمن سلسلة من العمليات الرادعة (الرصاص المصبوب، عمود السحاب، الجرف الصامد، حارس الاسوار)، حيث كان الهدف المنهجي هو إلحاق ضرر بالغ بالعدو وكسب فترة زمنية لا تُشن فيها معارك ضدنا.

المستوى الاستراتيجي، مستوى الأمن القومي – مستوى القتال العسكري الشامل، الذي يستخدم جميع الموارد العسكرية والوطنية لتحقيق أهداف تحددها القيادة السياسية. ويتحقق تحقيق الأهداف الاستراتيجية من خلال نتائج منهجية. في الجيش الإسرائيلي، يُعتبر هذا المستوى هو مستوى القيادة العامة الذي يُمكّن من تحقيق الأمن القومي على مستوى الدولة. ولا يُمكن قياس تحقيق هدف استراتيجي إلا على مدى فترة زمنية طويلة. وهذه الفترة غير ثابتة، وتعتمد على السياق المحدد. على سبيل المثال، يُمكن التساؤل عما إذا كان الجيش المصري قد مُني بهزيمة استراتيجية في حرب الأيام الستة؟ الإجابة على هذا السؤال هي النفي، إذ أنه في غضون ست سنوات، أُعيد تأهيل هذا الجيش وشنّ هجومًا شاملًا. لذا، من الممكن أن يكون الجيش المصري قد مُني بهزيمة في معارك تكتيكية ومنهجية، لكنه لم يُهزم استراتيجياً. عموماً، يبدو أن استخدام مصطلح “الهزيمة” في المجال الاستراتيجي إشكالي للغاية. يجب على المستوى الاستراتيجي، أكثر من أي مستوى آخر نوقش، تحديد أهداف طويلة الأمد، قابلة للتحقيق، ومستدامة، وتجنب استخدام مصطلح “الحسم” كما ورد أعلاه.

في حرب النهضة، حقق الجيش الإسرائيلي انتصاراً باهراً في العديد من المعارك في قطاع غزة، من بينها: القضاء على يحيى السنوار (أكتوبر 2024)، وتدمير جزء كبير من البنية التحتية لحماس، والقضاء على معظم مركز قيادتها. كما ساهم في ذلك إغلاق طرق التهريب في فيلادلفيا، والضغط الشديد على حماس، وهو الضغط الذي أدى في نهاية المطاف إلى اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح معظم الرهائن. هذا قرار منهجي يحد من قدرة حماس على التحرك، لكن تجنب احتلال قطاع غزة وفرض حكومة عسكرية للسيطرة على النظام المدني حال دون التوصل إلى حسم عسكري كامل. حتى اليوم، في كانون الأول 2025، ومع وقف إطلاق النار، وبينما يواصل الجيش الإسرائيلي تدمير البنية التحتية للعدو وملاحقة الإرهابيين المحاصرين تحت الأرض في رفح، إلا أنه دون سيطرة كاملة على قطاع غزة وهيمنة على النظام المدني، يبقى النصر العسكري مؤقتًا.

من المناسب للدولة وضع أهداف استراتيجية تُفضي إلى تحسين الوضع الأمني ​​بمرور الوقت. في ضوء هذا التحليل، يُقترح حصر استخدام مصطلح “الحسم” في نطاق العمليات العسكرية التكتيكية والمنهجية، وتجنب استخدامه على مستوى الأمن القومي، حيث يُقترح استخدام مصطلح “النصر” فقط. مع ذلك، ينبغي التذكير بأن “الحسم” شرط ضروري، وإن لم يكن شرطًا كافيًا، لتحقيق النصر.

 

النصر

 

أما فيما يتعلق بمصطلح “النصر”، فهناك تحليلات واسعة النطاق في الأدبيات، وهي تحليلات، في رأينا، لا تقدم إجابة كافية للتعريف المطلوب. نقترح تعريف النصر في السياق الإسرائيلي كما هو مُعرّف في وثيقة “مبادئ توجيهية لمفهوم الأمن لإسرائيل”، بأنه موافقة الأعداء على قبول شروط التسوية ووقف إطلاق النار التي تمليها عليهم إسرائيل. يتحقق النصر عندما يعجز العدو عن العمل ويستسلم، أو عندما يُدرك قادة العدو أن استمرار الصراع لن يؤدي فقط إلى عدم تحقيق أهدافهم، بل سيؤدي حتماً إلى استمرار خسارة الأصول التي يقوم عليها حكمهم، إلى درجة تُشكّل تهديداً حقيقياً لبقائهم السياسي والشخصي. يمكن تحقيق النصر من خلال مزيج من عدة عناصر، تشمل العمل العسكري الذي يتضمن تفعيل جميع مكونات القوة، بما في ذلك المناورات العسكرية البرية على الجبهة وفي العمق، والضربات النارية الاستراتيجية والمنهجية القائمة على معلومات استخباراتية دقيقة ضد أهداف مُخطط لها مسبقًا وأهداف مُتاحة، والعمليات الخاصة، والضربات في الفضاء السيبراني، والنشاط الهجومي في مجال الوعي. يأتي هذا بالتوازي مع جهود الدفاع الوطني (العسكرية والمدنية) للحد من أضرار أعمال العدو والحفاظ على استمرارية الحياة المدنية، وبالتوازي مع جهد سياسي لخلق شرعية دولية لأهداف إسرائيل العملياتية، وجهد لتشكيل تحالف سياسي لإحباط محاولات العدو لتحقيق أهدافه وصياغة ترتيب مناسب لإسرائيل.

في نهاية المطاف، يُعد النصر في الحرب إنجازًا سياسيًا على مستوى الأمن القومي، ويتحقق عندما تُحقق الأهداف السياسية طويلة الأجل من خلال مزيج من القوة العسكرية، وضربة للوعي، ومفاوضات سياسية تُحسّن ميزان الأمن القومي. يتضمن هذا المفهوم أربعة عناصر رئيسية: 1) حسم عسكري كأساس أساسي؛ ٢) تغيير في وعي العدو، والرأي العام المحلي، والمجتمع الدولي؛ ٣) اتفاق سياسي، كمعاهدة سلام أو قرار من مجلس الأمن؛ ٤) تحسين استراتيجي، كتوسيع الحدود، أو القضاء على تهديد قائم، أو تغيير الأنظمة. إذن، النصر في الحرب هو نتيجة سياسية بامتياز.

 

تحليل

 

تُشكّل هذه التعريفات أساسًا لتحليل المستويين العسكري والسياسي، حيث نرى كيف يُرسي الحسم  قاعدة، لكن النصر يتطلب تكاملًا أوسع. ومن الأمثلة الإسرائيلية حرب الأيام الستة (1967). حقق الجيش الإسرائيلي نصرًا شاملًا في غضون ساعات: فقد دمرت عملية “موكيد” 90 في المئة من طائرات الدول العربية، مما مكّنه من احتلال سيناء، وهضبة الجولان، والضفة الغربية في غضون ستة أيام. كان هذا نصرًا تكتيكيًا (في البُعد الجوي) ونصرًا شاملًا (هزيمة جيوش مصر والأردن وسوريا، مع 20 ألف قتيل عربي مقابل 800 قتيل إسرائيلي). مع ذلك، لم يتحقق نصرٌ كامل في هذه الحرب، إذ سرعان ما بدأت حرب استنزاف، ولم تُحقق إسرائيل أي مكاسب سياسية تُذكر نتيجةً لها، ثم استؤنفت الحرب بعد ست سنوات.

ومن الأمثلة الكلاسيكية الأخرى على النصر التكتيكي المنهجي دون تحقيق نصرٍ فعلي، هجوم تيت في حرب فيتنام (1968). فقد قتل الجيش الأمريكي 50 ألف مقاتل من الفيتكونغ، وحقق في الواقع نصرًا تكتيكيًا بتكلفة 4 آلاف قتيل أمريكي. إلا أن الصور المروعة التي نُشرت في وسائل الإعلام زعزعت ثقة الرأي العام الأمريكي ودعمه للحرب، مما أدى في نهاية المطاف إلى هزيمة أمريكية وانتصار فيتنام الشمالية. وبذلك، تحوّل التفوق العسكري إلى ضعف سياسي نتيجةً لمعركة الوعي.

وفي حرب أكتوبر (1973)، حقق الجيش الإسرائيلي نصرًا عسكريًا واضحًا في كلٍ من الجبهتين الجنوبية والشمالية. مع ذلك، لم يتحقق النصر السياسي إلا بتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد (1978)، التي غيّرت موازين القوى مع مصر، وأرست السلام، وأزالت تهديدًا وجوديًا. ولولا سياسة السادات، لكان النصر مؤقتًا، كما حدث في سوريا.

وفي حرب النهضة، شهدنا أيضًا تكرارًا لنفس هذا التضارب في المفاهيم. ففي قطاع غزة، حققت إسرائيل إنجازاتٍ باهرة ضد حماس، سلسلة من النجاحات التكتيكية التي لم تُجبر حماس على الاستسلام ووقف الحرب. في الوقت نفسه، أدى الضغط العسكري المستمر في غزة (عملية “عربات جدعون 2”)، وفي ساحات أخرى (بما في ذلك الهجوم على الدوحة)، إلى جانب الضغط السياسي الذي تحقق بدعم من الولايات المتحدة بقيادة الرئيس ترامب، وتدخل الوسطاء، إلى موافقة حماس على وقف إطلاق النار الذي تضمن عودة جميع الرهائن، واستمرار وجود الجيش الإسرائيلي داخل قطاع غزة، بما في ذلك على محور فيلادلفيا، والموافقة المبدئية على نزع سلاحها وسلطتها. ويشير هذا الاتفاق إلى التوصل إلى خسم على المستوى المنظوماتي. مع ذلك، قد يتغير هذا الوضع إذا رفضت حماس نزع سلاحها وقررت إسرائيل العودة إلى القتال وإتمام هزيمة حماس على المستويين التكتيكي والمنظوماتي. وانطلاقًا من هذه الإنجازات، قد تحقق إسرائيل النصر عندما تُشكّل حكومة جديدة في غزة وتتولى الحكم وتُسلّم حماس سلاحها.

في لبنان، هُزم حزب الله تكتيكيًا ومنًظوماتا، وهو حسم يعتمد على الظروف والسياق كما هو مُفصّل أدناه، ولذلك وافق على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار. نرى حزب الله يعمل على تعزيز قدراته المتضررة وإعادة بنائها، في مواجهة ضغوط دولية بقيادة الولايات المتحدة لنزع سلاحه. وهنا أيضًا، قد يؤدي إتمام المهمة تحت ضغط دولي، أو من قِبل إسرائيل، إلى النصر.

بعد الهجوم الذي استمر 12 يومًا، مُنيت إيران بهزيمة قاسية وأُجبرت على قبول اتفاق وقف إطلاق النار. تُشكّل سلسلة الضربات التي تلقتها إيران مثالًا واضحًا على حسم على المستوى المنظوماتي يعني فقدان العدو لإرادة القتال. إذا عادت إيران إلى القتال في المستقبل المنظور، أو استمرت في بناء قوتها إلى مستوى يشكل تهديداً لدولة إسرائيل (صواريخ باليستية بكميات تتجاوز قدرة الدفاعات الجوية الإسرائيلية)، فسيتعين على إسرائيل محاربتها مرة أخرى، وهذا هو جوهر الحسم الذي يعتمد على الوقت والسياق.

 

ملخص

 

في كتابه “الحرب والاستراتيجية”، يذكر يهوشفات هركابي أن كلاوزفيتس كان يرى النصر محصورًا في المستوى التكتيكي للمعركة. ويجادل هركابي قائلًا: “في الاستراتيجية، لا وجود للنصر المطلق”. ويضيف أن “النجاح الاستراتيجي السياسي للحرب يتحدد بمعايير خارجة عن النطاق العسكري”. في المعركة، يمكن تحديد ما إذا كان العدو قد هُزم لدرجة أنه لم يعد له أي دور مؤثر في تلك المعركة كمقاتل، سواءً من خلال الدمار أو الاستسلام أو الفرار. ومع ذلك، فإن الحكم على النصر في الحرب ليس تلقائيًا، بل مشروط بنتائجها، التي لا تظهر دائمًا بشكل فوري، بل تتأخر في جوهرها.

يكمن الفرق بين النصر والحسم في صميم الاستراتيجية الناجحة: فالحسم يبني البنية التحتية العسكرية اللازمة للنصر الذي بدوره يبني مستقبلًا سياسيًا. من المهم أن نعرف كيفية استخدام المصطلحات المختلفة استخدامًا صحيحًا، وذلك لتحديد ما يُطلب من جهاز الأمن ​​تحقيقه بدقة، ولشرح ما هو ممكن وما يُراد تحقيقه في كل حملة للجمهور. من المهم بشكل خاص فهم البُعد الزمني للحسم، وهو الأنسب للمستويين التكتيكي والمنظوماتي، ويعتمد على الزمان والسياق، بينما يُتيح تحقيق النصر، القائم على الجمع بين استخدام القوة العسكرية والسياسية، إحلال هدوء طويل الأمد في صفوف العدو. ولنتذكر أن الحسم العسكري عمومًا شرط ضروري (وإن لم يكن كافيًا) لتحقيق النصر. يكمن السبيل الأمثل في تحديث مفهوم الأمن القومي، بحيث تُصاغ فيه مفاهيم مُلائمة، أهمها الجمع بين الحسم العسكري والنصر السياسي الهادف إلى تحسين الأمن على المدى البعيد.

-------------------------------------------

 

يديعوت أحرونوت 17/12/2025

 

 

إنه الأمن، أيها الأحمق

 

 

بقلم: أمير أتينغر

 

إن السؤال الحقيقي الذي يُطرح في صلب النقاش بين ممثلي كتلة اليمين وناخبيهم ليس عمّا إذا كان القانون المقترح سيؤدي إلى تجنيد الحريديم؛ فخلافاً للحملات الموجهة إلى الخارج، من الواضح للأغلبية الساحقة من أعضاء الكنيست في الائتلاف - باستثناء قلة قليلة- أن القانون لن يجنّد الحريديم على نحوٍ يلبّي حاجات الجيش الإسرائيلي، وأنه في الأساس حل سياسي، لسدّ ثغرة في سفينة السلطة المتمايلة، لكن أعضاء الائتلاف عالقون على قرنَي معضلة أُخرى: هل يستحق التجنيد الحقيقي، بفرض عقوبات ذات معنى، دفع ثمن تفكيك التحالف السياسي- الاستراتيجي بين اليمين الديني والمحافظ وبين الحريديم؟

لكن الحقيقة أنه لا توجد معضلة؛ نتنياهو لن يفكك الكتلة التي بناها حوله، وربما أوضح للحريديم في لقائهم، الأسبوع الماضي، أن "الشراكة بيننا طويلة الأمد." كذلك يرى سموتريتش أن التحالف مع الحريديم مهم للحفاظ على حُكم اليمين، وهو يناقش مع حاخامات القطاع كيفية تصرُّف حزبه إزاء القانون المقترح.

يهددون بالائتلاف بالقول "إذا فككنا التحالف مع الحريديم، فستعرض عليهم المعارضة قانون تجنيد مشابهاً، وتؤلف حكومة معهم، أو ستؤلَف حكومة يسارٍ مع العرب، وسيكون اليمينيون والصهيونية الدينية كلهم حمقى نافعين." من جهتهم، يهدد الحريديم بأن المعارضة المتشددة في أوساط الجمهور الصهيوني - الديني لهم، والتي اشتدت في ظل الحرب، ستؤدي إلى صعود حكومات يسارٍ تضرّ بسلامة الأرض، وهي جوهر روح هذه الفئة.

هذه التهديدات عبارة عن تهويل فارغ، ومن غير الضروري أن تكون النتيجة إقصاء ممثلي الحريديم عن الحكم. علاوةً على ذلك، إن كتاب "المجتمع الحريدي السنوي"، وهو تقرير جديد للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية يستند إلى معطيات دائرة الإحصاء المركزية، يحذّر من خطر وقوع ضررٍ استراتيجي بدولة إسرائيل، والذي يتمأسس بسبب إحكام الأحزاب الحريدية قبضتها على دفة الحكم.

وفقاً للتقرير، إن وتيرة نموّ السكان الحريديم مرتفعة جداً، مقارنةً ببقية السكان، ومن المتوقع أن يتضاعف عددهم كلّ 17 عاماً، في حين أن بقية السكان اليهود لن يتضاعف عددها إلّا كلّ 80 عاماً. ووفق التوقعات، فبحلول سنة 2030، سيكون ربع جميع الشباب حتى سن العشرين من الحريديم. هذه الأرقام لا تترك مجالاً للشك في أن هناك خيطاً يربط ما بين سلامة دولة إسرائيل وسلامة الحريديم.

يعرض التقرير، من بين أمور أُخرى، حالة جمودٍ بشأن دمج الرجال الحريديم في سوق العمل خلال العقد الأخير، ويشير أيضاً إلى العلاقة بين وجود الأحزاب الحريدية في الائتلاف، وبين وتيرة نموّ عدد المتفرغين للدراسة وطلاب المعاهد الدينية؛ ووفقاً للمعطيات، في الفترة 2013 - 2014، عندما لم يكن الحريديم في الائتلاف، وتضررت ميزانيات دعم المعاهد الدينية، تباطأت وتيرة نموّ الطلاب والمتفرغين للدراسة في المجتمع الحريدي، وجرى الأمر نفسه في الحكومة السابقة في سنة 2021، ومع ذلك، فإن وتيرة النمو في المعاهد الدينية، وإن تضررت، ما زالت تحافظ على اتجاه تصاعُدي خلال العشرين عاماً الماضية.

يشمل التقرير طيفاً واسعاً من القضايا الأُخرى، بما فيها نقاط مضيئة تتعلق بالمجتمع الحريدي، لكن جمع المعطيات مع اختبار أوراق الاستنتاجات التي فرضتها الحرب يُبرز، بإلحاحٍ، الخلاصة المعروفة: دمج الحريديم لتحمّل العبء الأمني والاقتصادي هو حاجة استراتيجية من الدرجة الأولى، سواء لزيادة حجم القوة القتالية، أو لتقليص العبء على الاقتصاد، والناتج من حجم قوات الاحتياط ونفقات الأمن الكبيرة.

إن مقولة "يُحظَر الاستعداد للحرب السابقة" هي مفهوم عسكري معروف، ومن المرجَّح أن يكون الصراع المقبل في الشرق الأوسط أكثر صعوبةً وتعقيداً؛ وفي ظلّ حكومةٍ يملك فيها الحريديم حق النقض السياسي، من المستحيل الدفع قدماً بعمليات حقيقية لدمجهم في التجنيد، وفي سوق العمل.

صحيح أنه من دون الحريديم، لن يكون تأليف حكومة حصرية مكوّنة من كتلة نتنياهو ممكناً، لكن من المؤكد أنه يمكن تأليف حكوماتٍ صهيونية موسعة تعالج هذه المشكلة من دون قيود سياسية؛ إن الحريديم كجمهور ليسوا منبوذين، لكن ممثليهم ليسوا شركاء في مواجهة التحديات؛ كذلك يجب رفع المقاطعة المفروضة على نتنياهو من المعارضة في مثل هذا السيناريو من أجل الهدف الأهم: أرض إسرائيل لن تتضرر، ولن تقوم دولة فلسطينية. صحيح أنه لن يكون هناك إصلاحات قضائية، لكن هناك قضايا أهم. إنه الأمن، أيها الأحمق.

------------------------------------------

 

هآرتس 16/12/2025

 

 

تركيا غير مدعوة لمؤتمر قوة الاستقرار

 

 

بقلم: ليزا روزوفسكي وجاكي خوري

 

تركيا لم تتم دعوتها الى المؤتمر الذي تنظمه اليوم الثلاثاء قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي (سنتكوم) في الدوحة، والذي سيناقش قوة الاستقرار الدولية التي من شانها ان تنشر في قطاع غزة – هذا حسب قائمة المشاركين التي وصلت الى “هآرتس”. دبلوماسي غربي ومصدر عربي مقرب من تركيا اكدا لـ “هآرتس” بان تركيا لم تتم دعوتها للمؤتمر. مصدر غربي آخر قال انه يعرف ان تركيا لن تشارك في المؤتمر، وقدر انه لم تتم دعوتها. حسب القائمة فان ممثلين 44 دولة وممثلين عن الاتحاد الأوروبي تمت دعوتهم لهذا المؤتمر. هذه المصادر قدرت ان تركيا لم تتم دعوتها بسبب فيتو إسرائيل على مشاركتها في قوة الاستقرار. “لا يوجد أي سبب آخر”، قال المصدر العربي لـ “هآرتس”. “تركيا تمت دعوتها للمؤتمر الذي عقد في شرم الشيخ في تشرين الأول الماضي، وعلاقاتها مع الولايات المتحدة وقطر ممتازة، وتركيا موقعة على اعلان شرم الشيخ ومستعدة للمشاركة في القوة متعددة الجنسيات. الجهة الوحيدة التي تقول “لا” هي إسرائيل”. نفس المصدر قال أيضا بانه في هذه الاثناء الدوحة وانقرة تضغطان على واشنطن كي تقوم بدعوة تركيا للمؤتمر.

من القائمة التي وصلت الى “هآرتس” يتبين انه تمت دعوة لهذا المؤتمر عدد من الدول، التي ذكرت بصورة متواترة في قائمة الدول المرشحة للمشاركة في قوة الاستقرار – مصر، الأردن، أذربيجان، باكستان، اتحاد الامارات وإيطاليا. الى جانبها تمت دعوة أيضا اليمن، الكويت، كازاخستان، اوزباكستان، بلجيكا، فنلندا، استونيا، بولندا، هنغاريا، بلغاريا، اليونان، قبرص، جورجيا، نيبال، استراليا، نيوزيلاندا، بروناي، اليابان، كوريا الجنوبية وسنغافورة، وحتى كوسوفو التي هي ليست عضوة في الأمم المتحدة.

حسب اقوال دبلوماسي غربي فان المؤتمر في الدوحة هو نوع من “لقاء تمهيدي”، ولا يتوقع فيه اتخاذ قرارات نهائية بشأن قوة الاستقرار. وأوضح ان اول لقاء من هذا النوع عقد في واشنطن قبل أسبوعين تقريبا، ويتوقع عقد لقاء آخر على مستوى رؤساء الأركان في كانون الثاني القادم. وأضاف المصدر بان اللقاء اليوم سيكون على مستوى جنرالات. ومن المفترض ان تقدم الولايات المتحدة في المؤتمر تفاصيل إضافية حول قوة الاستقرار للدول التي قد تشارك فيها – كل واحدة بطريقتها – وستطلب منها سماع استعدادها للمشاركة. مع ذلك الدبلوماسي يرى انه من غير المرجح التوصل الى أي التزامات قاطعة في اللقاء.

في حين انه حتى الان إيطاليا هي الدولة الوحيدة التي تعهدت بوضوح بالمشاركة في قوة الاستقرار، بل وأبلغت الولايات المتحدة عن عدد الجنود الذين يمكن تخصيصهم لهذه المهمة، كما كشف في “هآرتس” أول أمس. الدبلوماسي الغربي يعتقد أيضا انه يتوقع التوصل الى اتفاقات والتزامات اكثر واقعية في مؤتمر كانون الثاني. وحسب مصدر دبلوماسي آخر فان الولايات المتحدة تظهر مؤشرات واضحة على احراز تقدم سريع نحو المرحلة الثانية في خطة ترامب.

رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التقى أمس مع السفير الأمريكي في تركيا ومع المبعوث الأمريكي الخاص في سوريا ولبنان توم باراك. مصدر اسرائيلي اعتبر اللقاء “جيد ومثمر”. في نفس الوقت رئيس حكومة قطر محمد آل ثاني يتوقع ان يزور في هذا الأسبوع واشنطن. مصادر في وزارة الخارجية التركية قالت لـ “هآرتس” بان وزير خارجية تركيا، هاكان فيدان، تحدث أمس هاتفيا مع آل ثاني. وحسب هذه المصادر في هذه المحادثة ناقشا “خطة الرئيس الأمريكي ترامب فيما يتعلق بقطاع غزة”. مصادر أخرى في الوزارة اكدت على ان المحادثة تناولت “التطورات الأخيرة حول غزة” و”التاثيرات السياسية للمبادرة الامريكية”.

بليت وايت، وهو شخصية رفيعة في المكتب السياسي – العسكري في وزارة الخارجية الامريكية، يوجد الان في إسرائيل مع عدة اشخاص آخرين أصحاب مناصب رسمية في جهاز الامن الأمريكي. هذا الطاقم يتوقع ان يسافر من هنا الى مصر، وهناك سيناقشون، ضمن أمور أخرى، “مجلس السلام” الذي سيدير غزة، ولجنة التكنوقراط الفلسطينية، التي ستكون مسؤولة عن الإدارة اليومية للقطاع، وكذلك “قوة الاستقرار” التي من شانها ان تنتشر في غزة.

من مكتب رئيس الحكومة لم يأت أي رد.

------------------------------------------

 

معاريف 17/12/2025

 

 

قبل اتهام أستراليا، ماذا فعلت الحكومة من أجل محاربة العداء للسامية؟

 

 

بقلم: ليلاخ ساغان

 

قام وزير شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية، عميحاي شيكلي، بزيارة للجالية اليهودية في سيدني، أستراليا، في أعقاب الهجوم الإرهابي الدموي. وعندما سُئل في مقابلةٍ إذاعية في إسرائيل عمّا إذا كان يحمّل الحكومة الأسترالية المسؤولية، أجاب الوزير بأنها "لم تتّخذ أيّ إجراءات على الإطلاق لمحاربة معاداة السامية."

يصعب الجدال في هذه الحقيقة، فالحكومة الأسترالية لم تتخذ فعلاً أيّ خطوات ضد المسيرات المتكررة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، حتى عندما رُفعت فيها أعلام داعش والقاعدة و"حماس"، وحتى عندما هتف المشاركون فيها بضرورة "عولمة الانتفاضة"، ومع ذلك، فإن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: ماذا تفعل حكومة إسرائيل في هذا الشأن؟

هل تقوم دولة اليهود بجهدٍ جدّي في مواجهة أكبر موجة معاداة السامية منذ الحرب العالمية الثانية، غير الشكوى منها في المقابلات والتغريدات؟ إن السفر لإظهار التضامن أمر جميل، وتنظيم وفدٍ من المعالجين لمساعدة الجالية أمر جميل جداً، لكن في نهاية المطاف، من أجل مواجهة موجة معاداة السامية التي نعيشها منذ أكثر من عامين، لا بد من العمل على نطاق واسع.

لقد تغيّر الواقع. وربما حان الوقت للاعتراف بذلك؛ فما نراه اليوم في العالم هو نتيجة عملٍ ميداني استمر أكثر من عقد، ولم نتعامل معه مثلما يجب؛ شمل ذلك التغلغل في المدارس وأقسام الدراسات الشرق الأوسطية في الجامعات، وإنشاء منظمات طلابية ومؤسسات خيرية، وتشغيل دعاية متواصلة. وهكذا، بُنيت شبكة متشعبة تعززت في الغرب، في موازاة موجات الهجرة.

على مدى عامَين من حرب واسعة، لم تنجح إسرائيل في بناء منظومة إعلامية/دعائية جادة وممولة، تبدأ بالعمل، عالمياً، على مواجهة هذا الواقع الجديد. ومنذ كانون الثاني/يناير من هذا العام، تعتمد على إدارة ترامب لتقوم بالعمل نيابةً عنها في مواجهة الجامعات في الولايات المتحدة، وحتى الآن، حققت نجاحاً جزئياً فقط.

إن المنظومة الحكومية التي يُفترض أن تخدم هذه الحاجات لم تشهد أيّ تغيير بعد الحرب - فهي مشرذمة وضعيفة، تماماً مثلما كانت طوال العقد الماضي. لقد فُصل ملف الشتات ومكافحة معاداة السامية عن وزارة الخارجية، كجزءٍ من صفقةٍ سياسية، ولم تتم إعادته إليها مطلقاً.

أمّا منظومة الدعاية والإعلام، فهي خاضعة لمكتب رئيس الحكومة، ويُفترض أن تنسّق نشاطات الدعاية، لكنها لا تملك صلاحياتٍ قانونيةٍ في هذا الشأن، ولا الموارد البشرية اللازمة، ولا الميزانيات الملائمة. وحتى تقرير مراقب الدولة، الذي فصّل أسباب الفشل الذريع في مجال الدعاية، لم يُحرّك شيئاً يُذكر.

اعتقدنا أنه بانتهاء الحرب، ستنتهي موجة معاداة السامية، لكن في الواقع، ازدادت محاولات المقاطعة في مسابقة يوروفيجن، ومقاطعة الفنانين الإسرائيليين، والمقاطعات الأكاديمية؛ لكن ماذا عنا نحن؟ هل لدينا خطة؟ هل طرح أحدٌ هذا الموضوع للنقاش في اجتماعات الحكومة؟

تهدر الحكومة طاقتها في استرضاء الأحزاب الحريدية، والحفاظ على الائتلاف، وتشويه الخصوم السياسيين. وفي ظلّ الانقسام الداخلي، كم يبقى من الطاقة لمواجهة الرأي المرعب في الغرب، الذي يرى أن القضاء على دولة إسرائيل حلّ مشروع؟

عندما تتشتت طاقتنا، نُهدرها، لا يبقى لدينا وقت لوضع خطة كبرى لجلب مليون مهاجر خلال خمسة أعوام، ولا يبقى لدينا وقت للتقارب مع الجاليات اليهودية في العالم والعمل معها على حملات توعيةٍ متواصلة، وبناء شبكاتٍ في مجال التعليم، والتأثير الداخلي والخارجي في الحكومات، والعمل القانوني ضد الهيئات والمؤسسات التعليمية التي تروّج العداء للسامية.

اليوم، يجوب شعبنا الصغير العالم خائفاً، كقطيع بلا راعٍ. وعلاوةً على ذلك، بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لم تعُد إسرائيل قادرة على الادّعاء أنها المكان الأكثر أماناً لليهود في العالم، حتى لو شعرنا نحن الإسرائيليين بذلك.

اليوم، تواجه إسرائيل موجة من معاداة السامية من اتجاهاتٍ سياسيةٍ عديدة، تؤثر في حكوماتٍ ذات توجّهاتٍ متنوعة، من اليسار، ومن اليمين. فهل تستطيع حكومة ضيقة تضم أصواتاً متطرفة واستفزازية أن تتعامل أصلاً مع مشكلةٍ كهذه؟ الشك كبير في ذلك. إن التقاعس الذي استمر أكثر من عامين ليس مصادفة، ويبدو كأن مشكلة معاداة السامية لن تواجَه مواجهة لائقة إلّا إذا أُلِّفت حكومة واسعة هنا، تُعطي الأولوية لقضايا وطنية عامة على حساب القضايا الضيقة والفئوية.

------------------------------------------

 

هآرتس 17/12/2025

 

 

من دون منظمة بتسيلم، وبمساعدة المحكمة العليا، يشهد تمويل البؤر الاستيطانية غير القانونية ازدهاراً كبيراً

 

 

بقلم: شاؤول أرئيلي

 

صحيح أن المحكمة العليا لم تسمح بإقامة بؤرٍ استيطانية في أراضي الضفة الغربية، لكنها رفضت الالتماس الذي قدمته هاغيت أوفران، من حركة "السلام الآن"، بواسطة المحامي ميخائيل سفارد، قبل ثلاثة أعوام، ضد حملات التمويل الجماعي المخصصة للبناء والتطوير وترميم البؤر الاستيطانية والمزارع غير القانونية؛ واليوم، أصبح المعنى العملي لذلك الرفض واضحاً تماماً: إنشاء مسارٍ يلتف على القانون والميزانية والسياسة الرسمية، ويتيح تمويل إقامة وتوسيع بؤر استيطانية ومزارع غير قانونية من دون أي ذرة من المساءلة، أو التدخل الحكومي. لا لأن القانون تغيّر، بل لأن المحكمة اختارت تفسير دورها بشكل آنيّ وضيّق، إلى حد جعلِها لاعباً هامشياً على الساحة التي يُفترض بها الإشراف عليها.

إن المعطيات من الأعوام الأخيرة لا تترك مجالاً للشك؛ حملة توسيع مزرعة "يهودا - إسرائيل" جمعت 770 ألف شيكل؛ حملة منفصلة لربط البنى التحتية ببؤرة "نحال تسفي آساف" جمعت أكثر من 700 ألف شيكل؛ حملة "رفع علم إسرائيل في يهودا والسامرة" وصلت إلى 451 ألف شيكل؛ وجمعت "معوز إستر" 325 ألف شيكل؛ حملة "داود حيّ" تجاوزت الـ250 ألف شيكل؛ أمّا حملة "نبني الاستيطان"، فطلبت جمع 1.9 مليون شيكل، ولم تجمع سوى 125 ألفاً، لكن حملات أُخرى جمعت عشرات الآلاف من الدولارات، عبر منصات تمويل متعددة. إن ما يجمع هذه الحملات، ليس فقط المبالغ المالية، بل حقيقة أن بعضها ما زال ناشطاً، ويواصل جمع تبرعات مخصصة، بشكل صريح، لإقامة نقاط استيطانية ومزارع وبنى تحتية هي، في معظمها، من دون أيّ أساس قانوني.

من أجل فهم عُمق المشكلة، يجب التذكير بما تعرّفه المحكمة جيداً: إن المزارع والبؤر الاستيطانية ليست كيانات نظرية، إنها نتيجة الاستيلاء على الأراضي، والبناء من دون تراخيص، وتجاهُل مخططات التنظيم، وسياسة تسمح لأفرادٍ بفرض وقائع على الأرض، والتمويل العام الذي يُحوَّل مباشرةً، عبر هذه الحملات، ليس "تبرعاً مدنياً" بريئاً، بل هو جزء من آلية سياسية - مكانية، هدفها تغيير الحدود وإقصاء مجتمعاتٍ فلسطينية وخلق واقعٍ لا يمكن التراجع عنه، تُساق الدولة إليه، بدلاً من أن تقوده.

وهنا بالضبط يدخل دور المحكمة العليا؛ فبدلاً من النظر إلى الآلية ككل، وبدلاً من فحص التداعيات الواسعة لهذه المنصات على سيادة القانون والحيز العام، حكمت المحكمة في سنة 2022 بأن سبب رفض الالتماس هو "هامش التقدير المهني الواسع للشرطة فيما يتعلق بتفعيل صلاحياتها." وبحسب المحكمة العليا: "إن تدخُّلنا في سياسات إنفاذ القانون وترتيب أولويات الجهات المسؤولة عن تطبيق القانون محفوظ للحالات القصوى والاستثنائية - عندما تتنصل هذه الجهات من القيام بواجبها في تطبيق القانون، أو عندما يتبين أن قراراتها مشوبة بعدم المعقولية، لكن الحالة المعروضة أمامنا لا تندرج ضمن هذه الحالات الاستثنائية، لذلك، لا توجد مبررات للتدخل" ("هآرتس"، 3/4/2022).

إن العدد الهائل من خروقات القانون وأعمال العنف التي نفّذها المستوطنون في الضفة الغربية خلال الأعوام الثلاثة التي تلت ذلك يدل على أن نتيجة هذا النهج ليست حياداً قانونياً، بل فوضى قانونية، وكان يمكن توقُّع ذلك بطبيعة الحال، إذ لا جديد في الأمر؛ فخرق القانون من خلال البؤر الاستيطانية غير القانونية بدأ منذ أعوام طويلة.

عملياً، كان رفضُ التماس حركة "السلام الآن" بمثابة موافقة ضمنية، لأنه خلق فراغاً لا تعمل فيه الدولة - الجيش يتعاون؛ الشرطة غائبة عن الساحة؛ الإدارة المدنية لا تطبّق القانون؛ ومسجّل الجمعيات لا يستخدم صلاحياته لفرض عقوبات على جمعياتٍ تجمع أموالاً لنشاط غير قانوني، بينما يجمع الجمهور الإسرائيلي مئات الآلاف من الشيكلات لإنشاء مبانٍ تحظر قوانين الدولة نفسها إقامتها.

تتجاوز التداعيات حدود الصراع السياسي تجاوزاً كبيراً؛ فكلما توسعت آلية التمويل الجماعي، كلما تآكل المبدأ الأساسي القائل إن الدولة وحدها تملك المسؤولية والصلاحية بشأن القرارات المتعلقة بإقامة البلدات وكيفية توزيع الموارد وماهية حدود التخطيط، إلّا إن حملات جمع التبرعات لا تقتصر على تمويل بناءٍ غير قانوني، بل تحلّ محلّ وظائف شرعية للحكومة، وتعمّق الفجوة بين القانون والواقع، إذ تسمح لأقلية مصممة وممولة جيداً من فرض أجندتها على الأرض، بينما الأغلبية تعتاد العيش في واقعٍ مزدوج: قانون على الورق ووقائع على الأرض.

وهكذا، في نهاية المطاف، تتضح الصورة القاتمة: في الفجوة بين حُكم قضائي ضيق وبين الممارسة على الأرض، وُلد نظام تمويل يدير السياسة الاستيطانية فعلياً؛ ففي الوقت الذي يحتاج مواطن في إسرائيل إلى تخصيص أشهر طويلة للحصول على ترخيص ترميمٍ، تستطيع بؤرة استيطانية غير قانونية جمع مئات الآلاف من الشيكلات خلال أيام وتوسيع وجودها من دون أي عراقيل. هذا فشل للدولة، لكنه فشل قانوني، قبل كل شيء، وفشل نابع من رؤية قضائية ترفض رؤية الحيّز الذي تعمل فيه.

كان في إمكان المحكمة وضع حدٍّ لهذه الآلية، أو على الأقل، رسم حدودٍ لها، لكنها اختارت تجاهُل الأمر. وحيث يختار القانون غضّ الطرف، تتقدم الوقائع بسرعة، على شاكلة حملة تمويلٍ ناجحة: تبرعات وراء تبرعات، وبؤرة بعد بؤرة، إلى أن يتحول القانون إلى قطعة زينة، لا أداة للحكم.

 ------------------------------------------

 

يديعوت أحرونوت 17/12/2025

 

 

الجبهة الثامنة: الحرب التي لم تعلَن بعد

 

 

بقلم: ماركو مورينو، ساغيف أسولين

 

في الأعوام الأخيرة، أصبح مصطلح "آلة السم" شائعاً في الخطاب العام الإسرائيلي؛ فكل طرف يتهم خصمه بنشر الأكاذيب، وهندسة الوعي، وإعادة إنتاج الرسائل الدعائية، يطلق عليه هذه التسمية. لكن وسط هذا الضجيج، ننسى أمراً أهم كثيراً؛ آلة السم الحقيقية، الكبيرة والمحكمة، لا تعمل داخل إسرائيل، إنما ضدها.

إنها آلة عالمية غنية بالموارد والقدرات، وتعمل منذ أكثر من عقد في الساحة الدولية، وتنجح يوماً بعد يوم في إخراج الجماهير إلى الشوارع للتظاهر، وإشعال الكراهية ضد إسرائيل، وتأجيج موجات معاداة السامية في الجامعات، والتأثير في الرأي العام في دول الغرب الليبرالي. هذه هي الآلة التي حولت إسرائيل إلى رمز للشر في نظر جيل شاب لم يلتقِ إسرائيلياً في حياته، والتي أدت في نهاية المطاف إلى انتخاب أحد ممثليها (زهران ممداني) لمنصب عمدة نيويورك. وهي أيضاً التي وقفت وراء الهجوم الإرهابي الوحشي في حفل عيد الحانوكا في سيدني هذا الأسبوع.

وهذه ليست ظاهرة اجتماعية – سياسية محلية، إنما منظومة تأثير إمبريالية، ممولة بالمليارات، ومُنسَّقة بإحكام، وتعمل على جميع مكونات الوعي الغربي: التعليم، والثقافة، والأكاديميا، والقانون، والإعلام، والسياسة، وشبكات التواصل الاجتماعي، كما تعمل انطلاقاً من فهم فحواه أن إسرائيل والولايات المتحدة والعالم الغربي لا يمكن هزيمتهم بالقوة العسكرية، ولذلك جرى شن الحرب عليهم بالخداع والحيل والصبر الطويل.

ومن المهم أن نفهم أن هذه الآلة لم تظهر بين ليلة وضحاها، بل بُنيت على مدى أعوام تحت الرادار: في الدوحة، وطهران، وموسكو، وتشكلت في جامعات مرموقة، وحظيت بشرعية في مراكز أبحاث، ونمت عبر تحالفات اجتماعية تقدم نفسها كنضال من أجل العدالة. إنها معركة عابرة للقارات حددت نقاط ضعف الغرب - كالشعور بالذنب الاستعماري، والفجوات بين الأجيال، وانعدام الثقة بالمؤسسات، وبإسرائيل - وتسللت عن طريق هذه الشقوق، وحولتها إلى أسلحة.

على مدى أكثر من عقد، ضخت هذه الآلة الأموال في منظمات طلابية، وبنت بنى تحتية للنشاط السياسي، وأنشأت شبكات من المؤثرين الشباب، وسيطرت على خطاب حقوق الإنسان، وربطته بأجندات معادية لإسرائيل وللغرب بصورة واضحة. والنتائج جميعنا نراها: طلبة لا يعرفون أين تقع إسرائيل على الخريطة، لكنهم واثقون بأنها "دولة أبارتهايد"، ومجتمعات يهودية تخفي هويتها، وسياسيون غربيون يرضخون لضغوط الشارع، وحشود تخرج للتظاهر من دون أن تدرك أنها تحولت إلى جنود في جيوش أنظمة متطرفة.

وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن لدولة قادرة على تدمير البنية التحتية النووية الإيرانية، وتنفيذ عملية البيجر، وتصفية نصر الله، وتنفيذ عمليات غير مسبوقة في العمق، وتشغيل أحد أفضل أجهزة الاستخبارات في العالم، أن تقف عاجزة أمام ما يحدث على شبكات التواصل الاجتماعي وفي الجامعات؟ الجواب بسيط: ما لا يعرَّف كتهديد أمني حقيقي، لا يعالَج.

الجيش الإسرائيلي يعرف كيف ينتصر في حرب وجبهة تم إعلانها، والموساد يحسم معارك حين تُوضع له أهداف واضحة، والشاباك يُحبط التهديدات التي تعرَّف كتهديدات، لكن الجبهة الثامنة لم تحدَد قط من جانب دولة إسرائيل، وحيث لا يوجد تعريف للتهديد، توجد فوضى وإهمال.

بعد إدراك أن الآلة التي تعمل ضد إسرائيل هي جبهة قتال استراتيجية وليست مجرد "خطاب عدائي" أو "مشكلة دعائية"، فإن الخطوة الأولى هي إصدار أمر التأسيس، ويبدأ ذلك بتوحيد الرؤية والاعتراف بوجود خط رابط بين 11 أيلول/سبتمبر، ونشاط قطر وإيران، مروراً بـ7 تشرين الأول/ أكتوبر، وصولاً إلى ما يحدث على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي شوارع أوروبا، والجامعات الأميركية، ومع صعود ممداني، وتصاعد التهديد على يهود الشتات. هذه ليست سلسلة أحداث منفصلة، إنما هي الجبهة نفسها.

أمّا المرحلة التالية، فهي قراءة دقيقة للساحة: والمقصود ليس الدعاية، ولا الدبلوماسية العامة، ولا محاربة العداء للسامية، فهذه مصطلحات تقلل من حجم التهديد. إنه صراع من أجل الحقيقة، وصراع للدفاع عن بقاء إسرائيل، ويهود الشتات، والعالم الغربي. هو بكلمتين: الجبهة الثامنة.

ومن هنا تنبع الحاجة إلى الإعلان المطلوب: الجبهة الثامنة هي تهديد استراتيجي - وجودي لإسرائيل. ويفتح تعريف كهذا المجال لإعطاء صلاحيات، وميزانيات، وقدرات، ويحرك سلسلة منظومة عمل عملياتية - استخباراتية تنتهي بالانتصار والحسم، تماماً كما حدث في جبهات أُخرى.

بعد ذلك، هناك حاجة إلى خطوة عملية أولى: عقد المجلس الوزاري المصغر (الكابينيت) وإعلان رسمي بشأن فتح الجبهة. وفي اللحظة التي تعرَّف فيها هذه الجبهة كجبهة حرب، تبدأ المنظومة كلها بالتحرك. والخطوة التالية هي إنشاء قيادة للجبهة الثامنة؛ هيئة مركزية تُدار تحت إشراف رئيس الحكومة، وبالتوازي، إنشاء منظومات مخصصة لجمع المعلومات والتنفيذ في الجيش الإسرائيلي، والموساد، والشاباك، ومجتمع الاستخبارات.

وهناك خطوة إضافية، وهي تغيير تعريف أدوار وزارة الخارجية، ووزارة شؤون الشتات، والإعلام، والمؤسسات الوطنية الصهيونية، والمبادرات المتعددة لمكافحة العداء السامية، إلى جانب الإلغاء التام لمفهوم "الهسبراه/الدعاية التفسيرية".

هذا فضلاً عن خطوة أُخرى، وهي فهم وتحليل ساحة المعركة: شبكات التواصل الاجتماعي، والإعلام، والساحة القانونية، والاقتصادية، والدبلوماسية، والسياسية، مع تركيز خاص على جيل الشباب وعلى الساحة الأهم على الإطلاق؛ الولايات المتحدة. وأخيراً، يجب إدراك أن الحديث يدور بشأن معركة طويلة الأمد، وليست عملية قصيرة، ولا خطوة تستغرق أياماً، إنما صراع لأعوام، ويتطلب صبراً، ومثابرة، وقدرة على العمل البعيد المدى.

-----------------انتهت النشرة-----------------

disqus comments here