الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاربعاء 12/11/2025 العدد 1458
|
الصحافة الاسرائيل- الملف اليومي افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
إسرائيل اليوم 12/11/2025
استراتيجية، تكتيك وبناء قوة ليست “مفهوم أمن”
بقلم: اللواء احتياط ايتان بن الياهو
منذ عشرات السنين ومسألة مفهوم الامن ترافق الخطاب الجماهيري وبخاصة الخطاب في أوساط أسرة الامن الإسرائيلية. في كل مرة تطرح من جديد الحجة إياها في أن “ليس لإسرائيل مفهوم أمن محسوم ومقر من المستوى السياسي”.
الوثيقة الوحيدة ذات المكانة الحكومية استكملها في اثناء العام 1953 دافيد بن غوريون، لكن هي أيضا لم تبحث ابدا في محفل هيئة الحكومة الكاملة، ومع ذلك فقد وقعها في حينه من تولى منصب وزير الدفاع. قبل وبعد هذا الموعد كان بن غوريون رئيس وزراء (13 سنة)، ومن هنا دارج ان تعتبر هذه الوثيقة سارية المفعول وكأنها كانت قرارا حكوميا.
دون الدخول في تفاصيل المضمون الكامل، يمكن القول ان الوثيقة مكتوبة بايجاز. فيها بالاجمال 19 بندا أساسيا، و 27 بند فرعي إضافي تغطي كل المواضيع التي يسري مفعول معظمها حتى يومنا هذا. على مدى السنين حاول كثيرون صياغة مفهوم الامن، وثائق كتبت كلها بفهم عظيم وكان فيها مفاهيم تتلاءم والواقع الذي كتبت فيه. الخطأ الشائع هو اننا نخلط بين مفهوم الامن والاستراتيجية، التكتيك وبخاصة كل ما يتعلق ببناء القوة.
كل هذه ليست مفهوم الامن. هذه مفاهيم تنبع من مفهوم الامن، لكنها ليست جزءا من بنوده. يوجد في الوثائق تفصيل حتى مستوى قرارات الحكومة، لكن بطبيعة الأحوال يوجد فيها أيضا خطر الجمود، خطر المفهوم المغلوط الذي التصقت به الجماعة. الجغرافيا السياسية في العالم بعامة وفي الشرق الأوسط بخاصة دينامية لدرجة ان الاستراتيجية وبناء القوة يتغيران – وان كانا على مدى السنين دوما في موضع عقيدة ثابتة.
التحديثات اللازمة
توجد بضعة مواضيع تحتاج الى التحديث:
1- زمن الاخطار اللازم لامن إسرائيل كان خمسة – ستة أيام، اما اليوم فالزمن اللازم هو اقل من ساعة.
2- ينبغي الافتراض ان في المستقبل أيضا ستفاجأ إسرائيل، ولهذا فمطلوب نشر عدد أكبر من الجنود مما كان دارجا في الماضي. تنبع من هذا الحاجة الى عدد اكبر باضعاف من المقاتلين – بما في ذلك النساء والحريديم.
3- في الشرق الأوسط يسود التهديد النووي.
4- حماية الجبهة الداخلية ومشاركتها ضروريتان لتعزيز امتصاص الضربة والانتعاش السريع.
5- الإرهاب اصبح تهديدا بحجم دولة.
6- إسرائيل ملزمة بتواجد في الفضاء.
7- في الماضي اكتفينا بالاستناد الى قوة عظمى، اما اليوم فيستوجب تعاون فاعل مع قوة عظمى – وليس واحدة فقط. فالعمل على مسافة الاف الكيلومترات يستوجب الاتحاد في ائتلاف عسكري مع الدول.
8- لاسرائيل مسؤولية عن اليهود في العالم. خطوات إسرائيل من شأنها أن تشعل لاسامية تعرض اليهود للخطر. وعندما تنشب هذه يكون لإسرائيل دور في كبحها. وعليه يجب أن نرى في مشكلة اللاسامية أيضا جزء من مفهوم الأمني الإسرائيلي.
منذ قيام الدولة، وحتى منذ العشرينيات، مثلما كتب جابوتنسكي ونحن نعمل بافتراض أن حربا واحدة، مهما كانت واسعة، ليس بوسعها أن تنهي النزاع وعليه ففي كل مرة يجب انهاؤها فيما تكون يدنا هي العليا. هذه حقيقة واضحة لا يرتقي اليها الشك من أي جنب، لكن يثور السؤال الصعب متى نتوقف في كل مرة كي نستنفد الإنجازات، كي نعزز الردع، كي نقرب التسويات الإقليمية ونستعد كما ينبغي لتهديد مستقبلي.
هذه هي فقط بعض من التغييرات اللازمة على الأساس الذي وضعه دافيد بن غوريون. التحديث يتم عمليا بالفعل بشكل كامل. ما ينقص بالذات هو أنه بدلا من المصارعة في كل مرة بمفهوم الامن، مطلوب أن تبدأ الحكومة ولايتها بإقرار سياستها الأمنية وليس بمفهوم الامن.
سياسة الامن التي تقوم على أساس بنية مفهوم الامن – لكنها محدثة للواقع ومناسبة لمعتقد الحكومة المنتخبة. هكذا فقط يمكن للمؤسسة أن تؤدي مهامها بنجاعة، وهكذا فقط في الديمقراطية، يمكن للمعارضة ان تتصدى لهذه السياسة الواضحة.
-------------------------------------------
هآرتس.. 12/11/2025
هل ضاقت الدنيا واتسعت قلنديا؟ و”السلام الآن” رداً على مصنع إحراق القمامة: مخالف للقانون الدولي
بقلم: نير حسون
اسرائيل تخطط لاقامة في منطقة قلنديا التي جزء منها في القدس وجزء في الضفة الغربية مصنع لحرق القمامة. باقامة المصنع يتوقع أن يهدم مبنيين يعيش فيهما عشرات الفلسطينيين، وايضا جدار الفصل سيهدم ويبنى من جديد – بصورة تصادر من السكان 150 دونم من الاراضي الزراعية. الراي القانوني الداعم لنقل الجدار كتبه المحامي ايتي اوفير الذي عين في الاسبوع الماضي كمدعي عام عسكري رئيسي بدلا من يفعات يروشالمي.
المصنع تمت المصادقة عليه في الحكومة في يوم القدس الماضي. ومن المتوقع ان يستوعب قمامة غنية بالطاقة مثل البلاستيك والورق واغصان اشجار، وذلك من اجل حرقها واستخراج الطاقة منها التي سيتم ضخها لشبكة الكهرباء. هو واحد من خمس منشآت يتوقع انشاءها في السنوات القريبة في ارجاء البلاد. تمويل اقامة هذه المنشأة يمكن ان يوفره صندوق النظافة في وزارة حماية البيئة. وحسب قرار الحكومة فان الصندوق سيمول ايضا تفكيك جدار الفصل وتغيير مساره، الذي سيكون قريب اكثر من حدود بلدية القدس. اقامة المصنع القيت على عاتق الشركة البلدية “عيدن”.
جدار الفصل يخترق قلنديا في وسطها، وعدد من بيوت القرية بقيت في الطرف المقدسي من الجدار. في 2011 عندما استكملت اقامة الجدار قدم سكان القرية التماس ضد مساره. وفي اعقاب الالتماس تعهدت الدولة بوضع بوابة على الجدار من اجل السماح لسكان القرية، الذين بعضهم يحملون بطاقات الهوية الاسرائيلية، من الوصول الى القدس. “نحن نأمر بان يتضمن مسار الجدار بوابة كي يستخدمها سكان القرية”، كتبت رئيسة المحكمة العليا في حينه دوريت بينيش، ولكن بعد سنة ونصف حرس الحدود الذي كان مسؤول عن فتح البوابة توقف عن فتحها، وسكان القرية اضطروا الى السفر في طريق طويلة من اجل الانتقال من بيوتهم الى مركز القرية، الى عائلاتهم أو اماكن عملهم. في المنطقة كان هناك مع مرور السنين مصادرة للاراضي للاغراض العامة، والآن بمناسبة بداية المشروع استكمل الوزير بتسلئيل سموتريتش عملية مصادرة الاراضي.
الآن يتم فتح البوابة مرتين في السنة للاغراض الزراعية. المرة الثالثة كانت قبل اسبوعين عندما جاء رجال سلطة اراضي اسرائيل الى القرية وابلغوا السكان عن اقامة المصنع. موظفوا السلطة تركوا اوامر اخلاء لمبنيين مخصصين للهدم ولافتات بلون اصفر كتب عليها باللغة العبرية واللغة العربية بـ “الدخول الى المنطقة محظور. من يدخل الى المنطقة فهو يفعل ذلك على مسؤوليته وسيتحمل النتائج”.
الهدف الرئيسي للمصنع المخطط لاقامته هو تقليص كمية القمامة التي تنقل من اجل دفنها. من يؤيدون هذا الاسلوب قالوا ان هذا الاسلوب سائد ايضا في الدول المتقدمة. وحسب قولهم فانه اذا اقيم المصنع في ظروف مشددة فانه سيلوث الهواء بشكل قليل مقابل البدائل القائمة. ولكن المنطقة الصناعية عطروت القريبة من قلنديا توجد الآن في قمة المناطق الملوثة في اسرائيل. مثلا، اول أمس في الظهيرة اعطي لهذا الموقع من وزارة حماية البيئة علامة -144، وهي العلامة الادنى في البلاد. قرب محطة توليد الكهرباء في الخضيرة، من اجل المقارنة، كان مستوى تلويث الهواء في تلك الساعة -27، وفي خليج حيفا -8. في محيط المنطقة الصناعية يعيش مئات آلاف السكان، معظمهم من الفلسطينيين، في حي كفر عقب وبيت حنينا في القدس، وحي الجيب وقرية بير نبالا التي تقع في مناطق السلطة. في السنوات الاخيرة الحكومة تخطط لاقامة حي حريدي جديد مع آلاف الوحدات السكنية في منطقة المطار المتروك في عطروت.
تلوث الهواء الشديد يقلق سكان قلنديا بشكل اقل من نية هدم البيوت ومصادرة الاراضي لصالح اقامة المصنع. احد البيوت المتوقع هدمها هو لعائلة حمد، وهو بيت كبير وفاخر والذي تم استكمال بناءه في السنوات الاخيرة. “يوجد لنا طابو لهذه الارض من جدي ووالد جدي”، قال وليد حمد، الذي بيته مخصص للهدم. “انا عمري 59 سنة، طوال حياتي عملت من اجل بناء هذا البيت. والآن هم يصدرون أمر لاخلاءه خلال 20 يوم”.
الدكتور آريه فاغنر، العالم الرئيسي في رابطة “الانسان، الطبيعة والقانون”، قال عن هذا المخطط: “مشكلة القمامة حقيقية ومعروفة ويجب ايجاد حلول. ولكن حل الدفن سيء. الحل الافضل هو تقليص كمية القمامة واعادة تدويرها بقدر الامكان. بدون خيار آخر أنا مع بناء عدد من المنشآت لاسترجاع الطاقة، شريطة ان تخطط بعناية وضمن المعايير المتشددة”.
“ان شهوة انتزاع الاراضي والتهجير لدى الحكومة لا تعرف الشبع”، قالت حاجيت عوفران من حركة السلام الآن. “الامر يبدو وكأنه لا يوجد مكان آخر في منطقة القدس الكبرى يمكن اقامة مصنع فيها، باستثناء الدونمات القليلة المتبقية لسكان قلنديا بعد كل عمليات المصادرة والاسوار التي اقيمت حولها. هذا يعتبر خرق صارخ للقانون الدولي والمباديء الاخلاقية الاساسية. اخلاء عشرات السكان الموجودين تحت الاحتلال من اراضيهم وبيوتهم لصالح مصنع مخصص لخدمة سكان دولة الاحتلال”.
في شركة عيدن قالوا: “القدس كاحدى المدن المتقدمة في العالم تسعى بجهد نحو مستقبل افضل في مجال معالجة النفايات. اليوم تطبق سياسة تحويل النفايات الى طاقة نظيفة وصديقة للبيئة تغني عن الطاقة الملوثة. وهذه المنشآت تعمل في المناطق السكنية في كثير من مدن العالم. وسيتم بناء وتشغيل محطة اعادة التدوير وفقا للمعايير باسخدام تقنية متطورة تضمن المعالجة المحكمة وتقليص الملوثات ومنع الاضرار البيئية. ولن يقتصر الامر على ان هذه المنشأة لن تفاقم التلوث فحسب، بل يتوقع ان تخفض بشكل كبير حجم عمليات النقل ودفن النفايات وما يرافقها من تلوث، وستساهم في تحسين جودة البيئة في القدس ومحيطها واستيعاب القمامة من جميع الارجاء. وتعتبر هذه الخطوة استراتيجية تهدف الى توفير حل حضري في مدينة كبيرة للتخلص من القمامة والاستفادة منها.
“يجري العمل قدما لانشاء هذه المنشأة وفقا لسياسة وزارة حماية البيئة. وهي مطلوبة ايضا حسب خطة وطنية لمعالجة القمامة. وكما قلنا فانه لا توجد مشكلة في المسافة بين المنشأة والحي المخطط لاقامته في المنطقة في المستقبل. وفيما يتعلق بالادعاء المتعلق بالاخطارات الواردة من سكان قلنديا فان هذه اراضي بملكية سلطة اراضي اسرائيل ومخصصة للاستخدام الصناعي. انفاذ القانون جرى بشان مبان بنيت بدون ترخيص طبقا للقانون، ولمالكي هذه المباني لا توجد حقوق ملكية على الارض. ولا توجد بين انفاذ هذا القانون وبين اقامة المنشأة أي صلة”.
------------------------------------------
يديعوت احرونوت 12/11/2025
“لجنة ترجمان”: لم يكن الجيش مستعداً لحرب مفاجئة قبل 7 أكتوبر
بقلم: رون بن يشاي
قبل ساعات قليلة من انعقاد الكنيست في نقاش محتدم وصاخب، وإن لم يكن حاسمًا، حول من وكيف سيُشخّص أسباب وعواقب مذبحة 7 أكتوبر، قدّم اللواء (احتياط) سامي ترجمان إلى هيئة الأركان العامة استنتاجات تحقيق الجيش الاسرائيلي في جودة التحقيق الأصلي الذي أجراه في أدائه كجيش قبل تلك الكارثة وأثنائها وبعدها مباشرةً.
بدأ رئيس الأركان السابق هرتسي هليفي سلسلة التحقيقات الأصلية في جيش الدفاع الإسرائيلي، عندما اتضح أن فرص إصدار القيادة السياسية أمرًا بتشكيل لجنة تحقيق رسمية، على غرار تلك التي شُكّلت بعد إخفاقات حرب يوم الغفران عام 1973، ضئيلة.
لم يقتصر توقع القيادة السياسية على الجيش فقط، بل شمل تشكيل لجنة قادرة على دراسة كل شيء – بما في ذلك مسؤولية الحكومات والسياسيين المدنيين عن صياغة ما يُعرف بـ”المفهوم”، الذي ادّعى أن “حماس مردوعة ومهتمة بالمنافع الاقتصادية لمواطني قطاع غزة”. بل أراد الجيش تحديدًا لجنة مهنية وموضوعية، حكومية وغير سياسية، تدرس مدى تأثير القيادة السياسية على تفكير كبار مسؤولي الجيش والاستخبارات وتهاونهم في مواجهة التهديدات الحدودية التي برزت عام 2023، والتي تفاقمت بسبب اتساع الفجوة الاجتماعية والسياسية. عندما أدرك رئيس أركان الجيش الاسرائيلي، هاليفي، أن الحكومة والائتلاف لن يُشكّلا مثل هذه اللجنة، قرر عدم الانتظار، وأمر بإجراء عشرات التحقيقات داخل الجيش الاسرائيلي في أداء وصنع القرار في جميع المستويات والوحدات تقريبًا خلال الفترة التي سبقت المجزرة، وأثنائها، وحتى العاشر من أكتوبر، وهو اليوم الذي استعاد فيه الجيش الاسرائيلي السيطرة الكاملة على المنطقة المحيطة. أُجريت التحقيقات خلال الحرب، وترددت ادعاءات عديدة في المؤسسة الدفاعية بشأن أوجه قصور أو رداءة جودة المنتجات. وخاب أمل أولئك الذين رغبوا في “الرؤوس المتدحرجة” بشكل خاص – سواء لأسباب سياسية أو رغبة في الترقية.
عندما تولى الفريق إيال زامير منصبه، لم يستطع ولم يرغب في تجاهل هذه الادعاءات، وأمر بتشكيل لجنة من ضباط رفيعي المستوى وذوي خبرة، برئاسة اللواء (احتياط) سامي ترجمان، للنظر في جودة التحقيقات، والمطالبة باستكمالها وإجراء تحقيقات إضافية إذا لزم الأمر. وكان للجنة دور خفي آخر ــ وهو فحص مدى مسؤولية كبار الضباط الذين ما زالوا في الخدمة عن الإخفاقات، وما إذا كان من المناسب ترقيتهم أو إقالتهم.
قررت لجنة ترجمان دراسة 25 تحقيقًا رئيسيًا من بين عشرات التحقيقات. وُجد أن حوالي ثلثها مناسب تمامًا، بينما اقترحت اللجنة في تحقيقات أخرى إضافات وتصحيحات، وطالب بعضها بإعادة إجرائها. يتعلق هذا بشكل رئيس بالتحقيقات التي افتقرت للخبرة والكفاءة لدى المكلفين بإجرائها، أو لم يستخلصوا استنتاجات من الحقائق التي اكتشفوها إلا أن عمل اللجنة كان له قيمة مضافة فريدة في عدة مجالات:
تناولت تحقيقات الجيش الاسرائيلي الأصلية التي فحصتها اللجنة معركة محددة، أو أداء أحد فروع هيئة الأركان العامة أو وحداتها الفرعية، أو أداء هيئات مستقلة (مثل الوحدة 8200 في فرع الاستخبارات). تم فحص كل كيان من هذه الكيانات على حدة. اطلعت اللجنة، برئاسة اللواء ترجمان، على الصورة العامة لأول مرة، وتمكنت من تحديد أن هذا كان فشلًا منهجيًا للجيش الاسرائيلي بأكمله. كما تمكنت من تحديد أسباب هذا الفشل على جميع المستويات. سمحت اللجنة أيضًا لرئيس الأركان زامير بالتصريح علناأمس بأن الجيش الاسرائيلي هو المسؤول الرئيسي عن الفشل في الدفاع عن المستوطنات الجنوبية.
سيتعين على الجيش الاسرائيلي تدريب كبار قادته على الاستعداد لمفاجأة
تشير استنتاجات لجنة ترجمان بشأن قيادة هيئة الأركان العامة إلى أن كبار قادة الجيش الاسرائيلي لم يكونوا على دراية بحدث كبير – حرب مفاجئة – ولم يتمكنوا من التعامل معه، وهو حدث لم يكن مدرجًا في السيناريوهات المرجعية التي توقعوها وصاغوها في تقييمات الوضع التي أجروها قبل هجوم حماس في 7 أكتوبر. ببساطة: لم يعرفوا كيفية التعامل مع ما لم يكن متوقعًا، وهو أمر لم يخطط له الجيش الاسرائيلي أو يستعد له. الخلاصة هي أن الجيش الاسرائيلي سيضطر الآن إلى تدريب قيادته العليا على التعامل مع مواقف لم يتخيل كبار قادته حدوثها، والاستعداد لمثل هذه المواقف. على سبيل المثال – حرب مفاجئة تُشن دون إنذار استخباراتي مسبق. يقول رئيس الأركان زامير في هذا السياق إن مثل هذه المواقف لا تزال متوقعة، وعلى هيئة الأركان العامة أن تتعلم كيفية التعامل معها.
-------------------------------------------
معاريف 12/11/2025
خطة ترامب عالقة، غزة ممزقة الى قسمين
بقلم: آنا برسكي وآخرين
تقسيم بحكم الامر الواقع لقطاع غزة بين منطقة بسيطرة إسرائيل ومنطقة بسيطرة حماس بات محتملا أكثر فأكثر. هذا ما نشرته أمس وكالة “رويترز” للانباء على أساس معلومات من مصادر سياسية في الغرب.
ادعى ستة مسؤولين أوروبيين كبار على اطلاع مباشر للاتصالات للدفع قدما بالمرحلة التالية من الخطة بان المسيرة “مجمدة عمليا” وان اعمارا على نطاق واسع لا يبدو ممكنا في هذه المرحلة الا في المنطقة التي تحت سيطرة إسرائيل. على حد قولهم من شأن مثل هذا الوضع أن يؤدي الى “سنوات من الفصل”.
حسب المرحلة الأولى من الخطة، التي دخلت حيز التنفيذ في 10 أكتوبر، تحتفظ إسرائيل اليوم بنحو 53 في المئة من أراضي القطاع، بينها جزء كبير من المناطق الزراعية، رفح في الجنوب، مناطق في مدينة غزة ومجالات مدينية أخرى. يكاد يكون كل مليوني سكان القطاع حشروا في مخيمات وخرائب مدن في الأجزاء التي تحت سيطرة حماس.
تتضمن الخطة انسحابا إسرائيليا آخر من خط الانسحاب المحدد مسبقا – الخط الأصفر – إقامة حكومة انتقالية تدير القطاع، نشر قوة امنية متعددة الجنسيات تحل محل الجيش الإسرائيلي، نزع سلاح حماس وبداية الاعمار. لكن ليس للخطة جداول زمنية او آليات تنفيذ واضحة.
في هذه الاثناء ترفض حماس نزع سلاحها، إسرائيل تعارض مشاركة السلطة الفلسطينية في إدارة غزة ويوجد عدم يقين حول القوة متعددة الجنسيات. “نحن لا نزال نبلور الأفكار”، قال وزير الخارجية الأردني ايمن الصفدي في المؤتمر الأمني في المنامة عاصمة البحرين. “الكل يريد للمواجهة ان تنتهي. السؤال هو كيف نجعل هذا واقعا”.
دون دفعة ذات مغزى من جانب واشنطن، كما تحذر بعض الجهات – بينها المسؤولون الأوروبيون الكبار الستة ومسؤول امريكي سابق – من شأن الخط الأصفر أن يصبح حدودا بحكم الامر الواقع، يقسم القطاع، دون قيد زمني.
صاغت الولايات المتحدة مسودة قرار في مجلس الامن يمنح القوة متعددة الجنسيات والحكومة الانتقالية تفويضا لسنتين. لكن على حد قول محافل دبلوماسية في الغرب فان حكومات عديدة تتردد في التعهد بارسال جنود الى غزة. دول أوروبا ودول عربية على نحول خاص من غير المتوقع أن تشارك اذا ما تضمنت المهمة اكثر من مهام حفظ السلام ومن شأنها أن تؤدي الى مواجهة مباشرة مع حماس او منظمات إرهاب فلسطينية أخرى.
وأشار الناطق بلسان الخارجية الامريكية الى أنه تحقق “تقدم ذو مغزى” في تتحقيق الخطة، لكنه أضاف انه لا يزال هناك عمل كثير للقيام به – دون ان يتناول مسألة اذا كان الاعمار سيتقيد بالمنطقة التي بسيطرة إسرائيل.
في الميدان نصبت قوات الجيش الإسرائيلي بلوكات صفراء من الاسمنت ترسم خط الانسحاب وتقيم بنى تحتية في ذاك الجانب من القطاع الذي بسيطرة إسرائيل.
في الجيش يوضحون بان القوات ترابط هناك كي تمنع تسلل مخربين الى المنطقة التي بسيطرة إسرائيل وان إسرائيل ستبتعد عن الخط عندما تنفذ حماس تعهداتها، بما فيها نزع السلاح، وعندما سترابط في المنطقة قوة دولية. “في اللحظة التي تنفذ فيها حماس دورها في الاتفاق سنكون مستعدين للتقدم”، تقول مصادر إسرائيلية.
وبينما في الجانب الإسرائيلي من الخط الأصفر تقام بنى تحتية، في الجانب الفلسطيني تعيد حماس تثبيت سيطرتها في الأسابيع الأخيرة. وتقول التقارير ان المنظمة صفت خصوما، نشرت افرادا من الشرطة لحفظ النظام، ودفعت بعاملي بلدية لحماية بسطات الغذاء وتوسيع سبل بين الأنقاض.
دول أوروبية وعربية معنية بعودة السلطة الفلسطينية وشرطتها الى غزة الى جانب قوة متعددة الجنسيات لتحل محل حكم حماس. آلاف من افراد الشرطة الذين تدربوا في مصر وفي الأردن جاهزون للانتشار لكن إسرائيل تعارض مشاركة السلطة.
يدعي عدد من كبار المسؤولين الأوروبيين انه بلا تغيير جوهري في مواقف حماس وإسرائيل – او ضغط امريكي على القدس للموافقة على إعطاء دور للسلطة الفلسطينية ومسار لدولة فلسطينية – لا يتوقعون أن تتقدم الخطوة الى ما بعد وقف النار.
------------------------------------------
هآرتس 12/11/2025
نحن انتظرنا بهدوء اغلاق الدائرة، الآن لا توجد لدينا القوة للقتال من اجل الحياة الحقيقية
بقلم: تسفي برئيل
قصة صغيرة مخيفة، روتها لي قريبة رجل مخطوف قتل في غزة، تظهر عدم استعدادنا للتخلي عن الحرب. يدور نقاش حاد، حرفيا، حول الحياة والموت، وبالاحرى حول الموت، بين عائلتها ومؤسسة التامين الوطني. في خضم هذه العاصفة احتدم النقاش حول متى قتل الرجل المخطوف، هل كان ذلك عندما عرف الجيش الاسرائيلي عن عملية القتل، أو عندما عرفت العائلة بالعملية، أو عندما تمت اعادة جثمانه الى اسرائيل؟.
يتضح ان هذه قضية من شانها ان تبت مصير الامة. لانه من الاجابة عليها سيتحدد الموعد الذي ستبدأ فيه العائلة بالحصول على التعويض والمساعدة التي تستحقها من الدولة. كيف يعقل ان لا تدرك هذه العائلة الوقحة اننا ما زلنا في حالة حرب، وان التفهم، الصبر، ضبط النفس والتضامن، مطلوب منها ومن كل العائلات مثلها؟. في نهاية المطاف جبهة غزة مشتعلة، ولبنان يشتعل، واستعدادا للحملة على ايران تشتعل محركات الطائرات، في حين أنها تساوم الدولة بوقاحة، التي اغلقت عليها الدائرة وعلى موعد الوفاة.
صحيح ان المخطوفين الذين بقوا على قيد الحياة تم اهمالهم بشكل فظيع، ومعظم الشهداء ايضا. وبشعور مليء بالانجاز، تقرر أن “الدائرة” اغلقت. ولكن لم تكن هذه “دائرة” الجمهور، وبالتاكيد ليست دائرة عائلات واصدقاء الضحايا هي التي اغلقت. بالنسبة لهم لم تكن ولن تكون دائرة، بل مسار دم مستقيم ومؤلم، بدأ في 7 اكتوبر وسيستمر طوال حياتهم. وحدها الحكومة الخبيثة هي التي اغلقت الدائرة على نفسها ورسمت علامة النصر وهدمت الملجأ. من منظورها يبدأ 6 اكتوبر من جديد مع المعاملة الدنيئة التي تنزل على حياة العائلات، والمضايقة اللانهائية التي تطلب منهم المزيد من النماذج، ولم نتحدث بعد عن العائلات التي فقدت بيوتها وممتلكاتها ومصالحها التجارية. الان هم يدركون انه من ناحية الحكومة فان الحرب لم تنته بعد، وانه “في الدائرة التي اغلقت” هم بقوا لادارة حربهم لوحدهم بدونها.
لانه بعد الانتقام والثار والقتل الجماعي والحلم حول اعادة الترميم واعادة بناء المجتمع والدولة، ليس فقط للحكومة، ايضا لنا، من الصعب التخلي عن الحرب التي منحتنا الامل بأنه بعدها كل شيء سيكون افضل. لتكن لجنة تحقيق، وليتحمل احد العقوبة، ونستطيع ان نعالج الصدمة الوطنية من مكان جديد وان نفتح صفحة جديدة في الخطاب العام. نحن خدعنا انفسنا عندما وافقنا على انه طالما استمرت الحرب فنحن سنكون في عطلة. لقد علقنا القيم والاخلاق واللغة النظيفة. لقد اوقفنا الاحتجاج باستثناء الاحتجاج الذي اشتعل لاعادة المخطوفين، والتزمنا الصمت واغمضنا العيون ولم نتأوه حتى عندما دهسنا بلطجية النظام وسحقونا بالجرافات، كجنود مطيعين في ساحة المعركة، بدون شكوى أو اهانة صمدنا، لأنه كانت هناك حرب. كنا ننتظر الى حين انتهاء الحرب، كما قلنا، حتى تغلق الدائرة. ثم فجأة اغلقت “الدائرة” علينا.
الان، “بعد الحرب”، ما زلنا نوسعها ونأمل ان لا تنتهي. لأننا غير مستعدين بعد. وما زال الوقت مبكر ونحن لا نملك القوة لخوض حرب جديدة من اجل الحياة الحقيقية، التي لن يضطر فيها المخطوفون وعائلاتهم الى مد ايديهم مثل متسولين امام نوافذ التامين الوطني أو التوجه الى تجنيد الجمهور. حياة يعود فيها القانون والخضوع له الى مكانه، ولن ينهب فيها الاشرار والبلطجية خزينة الدولة، والسيادة فيها تعود للشعب. وستختفي العصابة التي تهدد حياتنا. ومثلما لا ينبغي التوقف فجأة عن تناول دواء مرض مزمن فانه لا ينبغي وقف الحرب فجأة. يجب ان نسمح للجسم بان يتعود عليه واكتساب القوة. نحن بحاجة الى فترة فطام بطيئة، حيث ندرك ان “اليوم التالي” ليس بالضبط ما حلمنا به. ومن اجل تحقيق ما وعدنا به انفسنا، سنضطر الى اعداد انفسنا لحرب اصعب بكثير.
------------------------------------------
هآرتس 12/11/2025
المحكمة العليا تخلت عن المستشارة القانونية للحكومة
بقلم: غيدي فايس
“الحكومة لا تتدخل في اعتبارات المستشار القانوني للحكومة”، هكذا اوضح مناحيم بيغن للوزراء الذين انتقدوا اسحق زمير في جلسة الحكومة في 29 نيسان 1979. “لا يوجد موظف عام مخول بمطالبة المستشار القانوني للحكومة بالغاء ما قرره والبحث عن قرار آخر… نحن لن نثني عليه، وهو لا يحتاج ذلك. المحكمة العليا قدمت له بالفعل بعض الثناء، واذا اضافت الحكومة ثناء آخر فهذا سيكون وقاحة.
وريث بيغن كما يبدو يدير الآن بواسطة المبعوثين حملة صليبية مدمرة كل هدفها هو ادانة المستشارة القانونية للحكومة والتخلص منها. الوزراء يتجاهلونها ويتجاهلون رايها ويحرصون على عدم دعوتها بلقبها. ماذا بشان المحكمة العليا، التي دعمت زمير ومن جاءوا بعده؟ هي تتعاون مع هذه الحملة وتقف الى جانب الحكومة في المفترق الحاسم بدلا من دعم غالي بهراف ميارا، التي تريد ان تضع امام الحكومة خطوط حمراء. “في السابق اعتبرت المحكمة العليا المستشار القانوني للحكومة الحصن الاخير”، قال احد رجال القانون الكبار. “لقد اعطوا المستشار القانوني للحكومة هامش للمناورة ولم يتدخلوا في قراراته، حتى لو اعتقدوا انه كان يجب ان يتخذ قرار مختلف. لقد احتفظوا بالتدخل في حالات نادرة، قرارات تقريبا تكون مدحوضة. هذا انتهى في هذه المحكمة العليا، بالتحديد مع الحكومة الاكثر هستيريا في التاريخ.
نائب رئيس المحكمة العليا، نوعام سولبرغ، مكن الحكومة من كي المستشارة لاسابيع بدلا من انهاء المحاكمة الصورية التي نظمها لها ياريف لفين وايتمار بن غفير وعميحاي شيكلي. لقد ظهر وأنه يستمتع بالاهانة التي تحملتها. رئيس المحكمة العليا، اسحق عميت، الذي يعرف نوايا الحكومة الخبيثة (“الديمقراطية تموت ببطء”)، هو ايضا خالف قواعد اللعب. فبدلا من اخذ زمام الامور وقيادة هيئة المحكمة العليا في النظر في الالتماسات المتفجرة المتعلقة بقضية سديه تيمان، ترك اختيار القضاة للقدر. والادعاء بتكليف القضاة المخضرمين بالنظر في جلسة استماع اخرى هو ادعاء غير مقنع. يبدو ان ماكنة السم نجحت في ردع وشل هدف آخر.
ان تراخي المحكمة العليا ينتج بالفعل عواقب وخيمة: قبل سنة خططت غالي بهراف ميارا لابلاغ المحكمة العليا بان تعيين ايتمار بن غفير كوزير مسؤول عن الشرطة هو امر غير معقول على الاطلاق، بسبب التسييس الصارخ والسريع لهذا الجهاز، الذي كان يهدف الى تحويل الشرطة الى مليشيا خاضعة للحكومة. ولكن مسؤولين كبار في وزارة العدل حذروها من ان المحكمة العليا بالتشكيلة الحالية سترميها عن الدرج، الامر الذي سيزيد من تقويض مكانتها. هذا كان السبب الرئيسي في موافقتها على تسوية بذيئة، على شكل ترتيب سخيف لتضارب المصالح، كان من المفروض ان يكبل ايدي الوزير ويحد من تدخله في النشاطات التنفيذية والتحقيقات والتعيينات.
بعد لحظة من تعهده بالتمسك بهذه التسوية، داس بن غفير عليها وكأنها عقب سيجارة. هو يدرك بوضوح ضعف الذين كان من المفروض ان يقوموا باعتقاله. في هذا الاسبوع تجاوز الاشارة الحمراء مرة اخرى عندما طلب من المفوض داني ليفي ورئيس قسم التحقيقات بوعز بلاط تسليم مواد التحقيق في القضية الى مفوض الشكاوى ضد القضاة آشر كولا، بدون انتظار قرار المحكمة العليا. “من يخالف القانون سيعاقب”، قال الوزير المجرم للضابطين.
خوف قضاة المحكمة العليا من الحكومة ظهر بوضوح في الجلسة امس. وكان من ابرز مظاهر هذا الخوف التسامح الكبير لرئيسة الجلسة ياعيل فلنر مع نوبات غضب تالي غوتلب المتكررة، التي تعودت على تعطيل أي جلسة حساسة في المحكمة. القاضية توسلت لعضوة الكنيست: “سيدتي، أنت تتصرفين بلطف كبير، لا تفسدي الانطباع”. ولكنها لم تعط أي اهتمام لممثل الدولة الذي قال ان الجندي موشيه سعادة قد حدد في مقابلة سابقة خطة ابعاد المستشارة القانونية عن الساحة: تعيين محقق من الخارج، والتحقيق معها في ظل انذار، ثم العودة الى المنزل. يدل تجاهل فلنر الصارخ للامر على انها هي واصدقاءها يختارون التركيز على التفاصيل الدقيقة ويرفضون رؤية الصورة الكاملة الواضحة للجميع، التي يبذل فيها مبعوثو رئيس الحكومة كل جهدهم للانتقام من شخص يصمم على تحقيق العدالة.
------------------------------------------
هآرتس 12/11/2025
“الكنيست” يقر إغلاق وسائل الإعلام “العدوّة”.. و”مجموعة العربدة”: لا أمر مؤقتاً عندنا
بقلم: أسرة التحرير
أقرّ الكنيست هذا الأسبوع مشروع قانون في قراءته الأولى، يسمح لوزير الاتصالات بإغلاق وسائل الإعلام الأجنبية، حتى في غير حالة الطوارئ، ودون رقابة قضائية. وهكذا نزع الستار من خلف “الأمر المؤقت” المُتجدّد بإغلاق قناة الجزيرة “في وقت الحرب”. لقد اعتادت الحكومة على كم الأفواه، وهي تُحبّ ذلك. فما كان يُعرّف بأنه مؤقت في أوقات الحرب، يسعى إلى أن يصبح دائمًا، واسع النطاق، ومطلقًا. ومع الرقابة تزداد الشهية لكمّ الأفواه.
ليس هذا فحسب، بل إن مشروع القانون، الذي بادر إليه عضو الكنيست أرييل كيلنر (من الليكود)، يغفل البند الوحيد المتبقي في الأمر المؤقت، وهو وجوب عرض الأمر على قاضٍ للموافقة عليه. وقد حذّرت المستشارة القانونية للجنة الأمن القومي، ميري فرانكل-شور، صراحةً من أن إلغاء المراجعة القضائية يُثير صعوبات “قد تُعدّ غير دستورية”. ذكرت ما هو بديهي في الديمقراطية: المحكمة حلقة وصل أساسية في سلسلة الضوابط والتوازنات، إذ تسمح للأطراف بالنقاش، وفحص الأدلة، وتصحيح التعسف الحكومي.
لكن لا أحد يهتم لتحذيراتها. فمن هم أصلاً أولئك المستشارون القانونيون في نظر المجموعة المعربدة التي تمسك بزمام السلطة؟ إن الصلاحيات التي سعى المشرع إلى توسيعها لا تقتصر على إغلاق المكاتب أو حجب المواقع الإلكترونية، وهي خطوات عقيمة في عصر الأقمار الصناعية ويوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعي، بل تسمح أيضاً لمنصات الاتصال بوقف البث، والتعاون مع وزارة الدفاع لتعطيل استقبال الأقمار الصناعية في إسرائيل والضفة الغربية.
لم يعد هذا “منعًا للضرر المباشر”، بل نهمٌ للسيطرة على تدفق المعلومات. يُلحق القانون الضرر بجوهر حرية التعبير والصحافة، ويفشل في اجتياز اختبارات التناسب، وقد فقد أساسه حتى في نظام الدولة نفسه، الذي برر الحكم المؤقت لقانون الجزيرة في صيغته المؤقتة. كل من يصدق حجة “إنها مجرد قناة الجزيرة” ينطلق من افتراض خطير. اليوم “الجزيرة”، وغدًا “بي بي سي”، أو أي قناة أخرى تُوصف بالتحيز ضد إسرائيل، وبعد غد “قنوات الذعر”، التي يعمل اليمين على تسويغ إغلاقها الآن، أو “هآرتس”، التي لطالما وصفها رئيس الوزراء بأنها أحد أكبر أعداء دولة إسرائيل (والثانية هي “نيويورك تايمز”).
لا مجال للأوهام: فالحكومة التي تبني لنفسها بنية تحتية قانونية لإسكات البث لأغراض سياسية، فإنها ستستخدمها. بالطبع، لا يمكن فصل القانون عن سياق الانقلاب. إن الإضرار بالإعلام – الذي يروج له وزير الاتصالات شلومو كيرعي من خلال “قانون البث”، وتقييد حرية التعبير، هما حجر الزاوية في السيطرة السياسية، إلى جانب إضعاف القضاء، والتحريض منفلت العقال ضد حراس العتبة والنخب، ونشر نظريات المؤامرة حول “الدولة العميقة”. على أعضاء الكنيست وحراس العتبة وقف محاولة تفكيك الديمقراطية من خلال تحييد الإعلام وقطع أجزاء منه.
------------------------------------------
دولة فلسطين يجب أن تخرج إلى الوجود: مقابلة مع غيرشون باسكين
ريتشارد ماكدانييل* - (فورين بوليسي إن فوكَس) 6/11/2025
يقول الناشط الإسرائيلي من أجل السلام، غيرشون باسكين: "نحن في حاجة إلى إنتاج ثقافة جديدة تمامًا للسلام داخل أنظمتنا السياسية". ويُعدّ باسكين، المؤسس المشارك والمدير المشارك لـ"تحالف من أجل الدولتين"، إحدى أبرز الشخصيات التي تؤيد عملية السلام في الشرق الأوسط، خاصة بسبب دوره كمبادر ومفاوض في القناة الخلفية السرية بين إسرائيل و"حماس" التي أدّت إلى الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في العام 2011. وبالإضافة إلى ذلك، كان باسكين منخرطًا بعمق في المفاوضات غير العلنية التي أفضت إلى اتفاق وقف إطلاق النار الهش الحالي بين إسرائيل و"حماس".
في هذه المقابلة، يقدّم باسكين رؤى حاسمة حول مجموعة من المواضيع، بدءًا من محدوديات اتفاق الهدنة الحالي، وصولًا إلى أهمية إقامة دولة فلسطين.
* * *
ريتشارد ماكدانييل: كنتَ منخرطًا في مفاوضات القناة الخلفية غير العلنية التي أدّت إلى اتفاق وقف إطلاق النار الحالي بين إسرائيل و"حماس". بعيدًا عن حقيقة أن الهدنة تحققت، هل هناك أي شيء في مفاوضات وقف إطلاق النار أو في تنفيذه يفاجئك حقًا؟
غيرشون باسكين: حسنًا، لم يفاجئني الاتفاق لأنني كنت أعلم أنه متى ما قرر ترامب أن الحرب يجب أن تنتهي، فإنها ستنتهي، لأنه الشخص الوحيد في العالم القادر على فرض ذلك على رئيس الوزراء نتنياهو وعلى دولة إسرائيل. لذلك كنتُ أعلم أن هذا سيحدث في نهاية المطاف، لكنه استغرق وقتًا أطول مما ينبغي.
لكنّ هناك بعض الأمور، على ما أظن، كانت مفاجئة. بحلول السابع من أيلول (سبتمبر)، كان [المبعوث الأميركي ستيف] ويتكوف قد تلقى مسبقًا الضوء الأخضر من الرئيس ترامب لالتقاء مباشرة مع "حماس". ولم يحدث ذلك إلا بعد شهر لاحقًا عندما تم ذلك اللقاء أخيرًا في شرم الشيخ. لكننا كنا نحاول تنظيم اجتماع بين ويتكوف وفريق "حماس" المفاوض في إسطنبول، وهو ما لم يحدث أبدًا لأن إسرائيل قررت محاولة اغتيالهم في الدوحة. وهكذا لم يحدث ذلك الاجتماع، وكان هذا مفاجئًا.
وكان من المفاجئ أيضًا، والذي لم يتم إعلانه ولا الإبلاغ عنه، أنهم عندما وقعوا الاتفاق في شرم الشيخ عند الساعة الثانية صباحًا، كان فريق التفاوض الإسرائيلي في الغرفة نفسها مع فريق التفاوض التابع لـ"حماس". كانوا يجلسون مقابل بعضهم بعضًا على طرفي الغرفة. كان هذا أيضًا شيئًا لم يحدث أبدًا من قبل.
ما لم يكن مفاجئًا ويستحق الملاحظة، والذي لا يتحدث عنه أحد أيضًا، هو أن هذا الاتفاق الذي أنهى الحرب وخلق ما يؤمّل أن يكون وقف إطلاق نار مستدامًا -حتى أن الرئيس ترامب تحدث عن "سلام دائم في الشرق الأوسط"- ليس له أي تأثير على الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
ما يزال الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني حيًا وقائمًا، ولم يتغير شيء من حيث معاييره أو حدوده. إنه ما يزال مطروحًا على الطاولة ويحتاج إلى معالجة. ما يزال يجري ركل العلبة على طول الطريق وتأجيل الأمور في انتظار وقت أفضل للتعامل مع هذا، كما هو مأمول، عندما يكون هناك قادة جدد في إسرائيل وفي فلسطين.
من المفاجئ أيضًا، ولو أنه لم يكن غير متوقع تمامًا لكنه مع ذلك مفاجئ بشكل إيجابي، هو أن الحكومة الأميركية تبقي الإسرائيليين تحت رقابة صارمة جدًا. إنها تراقب الهدنة عن كثب. وقد صنعوا سيلًا مستمرًا من الزيارات، من الرئيس ترامب إلى نائب الرئيس، إلى ويتكوف وجاريد كوشنر، والآن يأتي ماركو روبيو إلى هنا. وهناك أيضًا أدميرال أميركي بأربع نجوم، براد كوبر، يتمركز الآن هنا في مركز قيادة أميركي أنشأه الأميركيون خلال أسبوع واحد فقط، ويضم 200 فرد من العسكريين الأميركيين. وهم يجلبون أناسًا من جنسيات أخرى إلى هذا المركز أيضًا.
ما سيكون متوقعًا، ومأمولًا، ومفاجئًا أيضًا، إذا حدث فعلًا كما يُفترض أن يفعل، هو رعاية الولايات المتحدة قرارًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإضفاء الشرعية الدولية على الاتفاق ومنح تفويض أممي لتشكيل قوة أمنية متعددة الجنسيات من المفترض أن يتم نشرها في غزة. ومن المفاجئ أيضًا أننا لا نملك أي فكرة -أو على الأقل لا أملك أنا أي فكرة- عن كيف سيتم تشكيل الحكومة الفلسطينية المؤقتة الجديدة، ومتى سيتم إعلانها، وممن ستتألف. وهذا أمر ملح للغاية.
ماكدانييل: أعلم أنك و[الناشط الفلسطيني] سامر السنجلاوي قدّمتما قائمة من الأسماء إلى الدول العربية والأميركيين بشأن من يمكن أن يكون جزءًا من الإدارة المستقبلية في غزة. هل كان من بين الأسماء التي قدمتموها محمد دحلان، الرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي في غزة؟
باسكين: لا. دحلان لن يعود. دحلان يعيش في القصر الملكي (في دولة الإمارات العربية المتحدة) إلى جانب الشيخ محمد بن زايد. وهو يساعد الشعب الفلسطيني كثيرًا ويدافع عنهم داخل الإمارات، لكن دحلان لن يعود إلى فلسطين.
ماكدانييل: هل تعتقد أن لدى ترامب الرغبة أو الجلَد لإحداث تغيير جوهري في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني؟
باسكين: لست متأكدًا من أن المسألة تتعلق بالجلَد. أعتقد أن ترامب سيظل منخرطًا، لأن هذا يشكل، وبفارق كبير، أهم شيء قام به على الإطلاق، وهو يعلم ذلك. والأشخاص الذين يعمل معهم يعرفون ذلك، وستيف ويتكوف وجاريد كوشنر يعرفان ذلك. لكن السؤال هو ما إذا كان ترامب سيتوصل إلى الإدراك السياسي بأن الحل لهذا الصراع هو حل الدولتين. لقد خطا خطوة في الاتجاه الصحيح في الخطة ذات النقاط العشرين وفي تصريحاته العلنية عندما تحدث للمرة الأولى عن الحقوق الفلسطينية. لم يكن قد فعل ذلك من قبل قط. وبمجرد أن تبدأ بالحديث عن الحقوق الفلسطينية، فلا بد أن يقودك ذلك إلى فكرة أن دولة فلسطين هي الطريقة التي تتم بها ترجمة هذه الحقوق إلى واقع ملموس.
لذلك، لا أعتقد أن ترامب وصل إلى تلك المرحلة بعد. أظن أن هناك كثيرين حوله سيحاولون التأثير عليه حتى لا يتوصل أبدًا إلى هذا الاستنتاج، ومن بينهم المسيحيون الإنجيليون، وبعض الأشخاص في الحزب الجمهوري، وبالتأكيد جماعات الضغط الإسرائيلية والحكومة الإسرائيلية. لكنكَ إذا خطوتَ خطوة إلى الأمام وبدأت تتحدث عن الحقوق الفلسطينية، فلا بد أن تكون النتيجة هي الحرية الفلسطينية، وتقرير المصير الفلسطيني، وإقامة دولة فلسطينية.
ماكدانييل: هل تعتقد أن إدارة ترامب تشعر بالقلق حيال مكانتها الدولية، خصوصًا بالنظر إلى أنها دعمت الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة؟
باسكين: أعتقد أنهم غير مدركين تمامًا للمكانة الدولية للولايات المتحدة. إن ترامب لا يرى أبعد من نفسه، وإدارته، و"عظمته". لا أعتقد أنه يهتم بما تظنه بقية العالم بشأن الولايات المتحدة. لا أظن أن ذلك ضمن جدول أعماله، وهو ليس جزءًا من وعيه. إن ترامب يفعل ما يؤمن به ترامب. ترامب يفعل ما يخدم مصالح ترامب، وذلك هو محط تركيزه. أعتقد أن فهمه للمصلحة الأميركية هو: "ما هو جيد لترامب هو جيد لأميركا".
ماكدانييل: لقد أصررتَ سابقًا على أن إدارة بايدن لم تكن "ستنظر إلى الصفقة التي تفاوضتَ أنتَ عليها مع ’حماس‘ في أيلول (سبتمبر) 2024". لماذا كانت إدارة بايدن مترددة في النظر في الصفقة التي تفاوضتَ عليها؟ وهل تعتقد أن إدارة بايدن ضغطت في أي يوم على نتنياهو أو كانت جادة فعلًا في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار؟
باسكين: ليس لدي أي إجابة عن سبب عدم نظرهم بجدية في الصفقة التي كنتُ قد جلبتها إلى الطاولة. كانت صفقة أفضل بكثير من تلك التي حاولوا التفاوض عليها، والتي لم ينجحوا مطلقًا في إنجازها. أعتقد أن إدارة بايدن كانت تفتقر إلى نوع النفوذ الذي يمتلكه ترامب، وذلك لأسباب عديدة مختلفة. اثنان من أهمها هما:
أولًا، عندما تكون هناك إدارة ديمقراطية في واشنطن وحكومة إسرائيلية يقودها نتنياهو، تكون لدى نتنياهو دائمًا القدرة على اللجوء إلى الحزب الجمهوري وممارسة الضغط على الرئيس الديمقراطي وإدارته. هذا ما فعله نتنياهو مع أوباما. وهذا ما فعله نتنياهو مع بايدن كل الوقت، حتى على الرغم من أن بايدن كان على الأرجح أكثر الرؤساء تأييدًا لإسرائيل في تاريخ أميركا، إلى أن جاء ترامب. لكنه [بايدن] لم يمتلك أبدًا نوع النفوذ الذي يمتلكه ترامب.
ثانيًا، أعتقد أيضًا أنه [بايدن]، بشكل عام، أظهر ضعفًا أميركيًا على مستوى العالم، لذلك أعتقد أن السياسة الخارجية الأميركية خلال إدارة بايدن لم تكن ناجحة جدًا. بينما إدارة ترامب تُظهر القوة الأميركية وتمارسها في مختلف أنحاء العالم بحيث يخاف منه تقريبًا كل زعيم، وكل دولة في العالم تقريبًا، باستثناء روسيا والصين. إنهم ينحنون له، ويقدّمون له فروض الاحترام، ويفرشون له السجاد الأحمر، ويكيلون له المديح، ويخبرونه كم هو رائع، لأنهم يعلمون أن هذه هي الطريقة لكسب وده. إنهم يخافونه لأنه لا يمكن التنبؤ بأفعاله.
هل مارس بايدن في أي وقت ضغطًا حقيقيًا على إسرائيل؟ لقد فعل في مرات قليلة، لكن ذلك لم ينجح أبدًا. عندما قام بتجميد بعض شحنات الأسلحة التي كانت متجهة إلى إسرائيل، تمكن الإسرائيليون من تعبئة اليمين الأميركي، والجمهوريين في الكونغرس، وعدد كبير من الناس في الإعلام الأميركي من اليمين المسيحي الذين انتقدوا بايدن لأنه "وقف ضد إسرائيل"، مع أنه لم يقف ضد إسرائيل مطلقًا.
ماكدانييل: هذا منطقي تمامًا. ما قلتَه عن إظهار ترامب صورة القوة الأميركية -أعلم أنك كتبتَ عن ذلك- وهو أمر مثير للاهتمام حقًا، خصوصًا وأن معظم الناس الذين أتحدث إليهم يعتقدون أن العالم لا يأخذ ترامب على محمل الجد. لذلك، من المثير للاهتمام جدًا سماع أن الغالبية العظمى من دول العالم تأخذ ترامب بجدية كبيرة.
باسكين: إنهم يأخذونه على محمل الجد لأنه قادر جدًا على إحداث الضرر. انظر فقط إلى سياسته المتعلقة بالتعريفات الجمركية، وهي سياسة يفرض فيها تعريفات ثم يتفاوض على صفقة. أسلوبه في التفاوض هو نفس ما فعله مع "حماس"، وما فعله ويتكوف: إنهم يضعون صفقة على الطاولة مع مسدس محشو يوجهونه نحوهم، ثم يقولون: "وقّعوا". إذا بحثت عن الاجتماع الذي عقده ترامب مع رئيس وزراء فنلندا قبل بضعة أسابيع فقط في المكتب البيضاوي -يمكنك على الأرجح أن تجده على "يوتيوب"- فسوف تجد أنه كان قطعة مذهلة من المسرح السياسي؛ حيث يمكنك أن ترى رئيس الوزراء الفنلندي وهو يتملق ترامب، ويكيل له المديح، ويخبره كم هو رائع، وعندئذ، بالطبع، ردّ ترامب المديح لرئيس وزراء فنلندا. كان ذلك مذهلًا حقًا. لقد ذُهلت وأنا أشاهد ذلك.
ماكدانييل: كنتَ قد جادلتَ سابقًا بأن الإسرائيليين والفلسطينيين معًا "ربّوا الأجيال الشابة على العيش بالسيف، وعلى النظر إلى الطرف الآخر باعتباره غير شرعي". ما هي الخطوات اللازمة لبدء عملية المصالحة؟ وكيف يمكننا تغيير الذهنية لدى كلا الطرفين؟
باسكين: حسنًا، أعتقد أن هذه العملية ستكون عملًا من الأعلى إلى الأسفل، وليس من الأسفل إلى الأعلى. نحن في حاجة إلى قادة جدد ينهضون ويدركون التالي: "علينا أن نغيّر المسار لأن ما كنا نفعله منذ عقود طويلة لا يوصلنا إلى ما نريد الوصول إليه، وهو الأمن، والسلام، والازدهار، والكرامة". إن هذا لا يعمل لصالح أي من الطرفين. لن تكون إسرائيل آمنة أبدًا إذا لم تكن فلسطين حرّة، ولن تكون فلسطين حرّة أبدًا إذا لم تكن إسرائيل آمنة. نحن في حاجة إلى إدراك متبادل لتحقيق ذلك، من الشعب الإسرائيلي ومن الشعب الفلسطيني، بحيث يخوض كلا المجتمعين انتخابات خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة.
نحن نحتاج إلى خلق ثقافة سلام جديدة بالكامل داخل أنظمتنا السياسية. هذا هو محور المقال الذي أكتبه الآن، وأعترف، في بداية المقال، بأن هذه المقالة ربما تصدر قبل أوانها، لأننا ما نزال في حالة صدمة، أو ربما بصدد الخروج منها للتو. ولكن من رحم الصدمة يجب أن نصل إلى إدراك أننا في حاجة إلى إحداث تغيير. يمكن أن تأتي المبادرة من المجتمع المدني، ولكن حتى يكون لها أثر فعلي داخل المجتمعات، نحن في حاجة إلى قادة جدد وصلوا إلى هذا الإدراك. وعندما تكون لدينا عملية سلام حقيقية، يجب أن تبدأ بأمور مثل التعليم. يجب أن تبدأ بفهم أن على جميع الإسرائيليين أن يتعلموا اللغة العربية منذ الصف الأول، وعلى جميع الفلسطينيين أن يتعلموا اللغة العبرية منذ الصف الأول. نحن في حاجة إلى تغيير مناهجنا الدراسية. نحن في حاجة إلى الانفتاح على بعضنا البعض. علينا أن نتخلص من فكرة أن حل الدولتين مبني على الأسوار والجدران، وأن نفهم أنه مبني على التعاون، وعلى الحركة عبر الحدود، والتجارة، والعلم، والبحث، والثقافة. وهكذا، علينا أن نغيّر المنظور بأكمله حول معنى السلام.
*ريتشارد ماكدانييل Richard McDaniel: طالب في جامعة مينيسوتا. ينشر مقالاته في "أنتاي وور" و"كومون دريمز" و"شبكة زد". أمضى الصيف الماضي في بيت لحم، القدس.
*نشر هذا الحوار تحت عنوان: The State of Palestine Must Exist: An Interview with Gershon Baskin
------------------------------------------
هجوم ترامب على الأمم المتحدة يلحق الضرر به وبأميركا
ألون بن مئير* - (مدونة بن مئير) 2025/10/23
من الصعب تخيل عدم وجود شخص راشد واحد في دائرة ترامب ليخبره أن الانسحاب من العديد من وكالات الأمم المتحدة التي تقدم خدمات إنسانية بالغة الأهمية يقوض المصلحة الوطنية للولايات المتحدة ومكانتها العالمية بدلًا من تعزيزها.
* * *
لا يمكن وصف كيفية تعامل إدارة ترامب مع الأمم المتحدة إلا بأنها تلحق الضرر بالمصلحة الوطنية للولايات المتحدة، وتقوض نفوذها في جميع أنحاء العالم بشكل كبير. ومن الصعب أن نفهم كيف يظهر ترامب، الذي يريد "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، مثل هذا العداء الصارخ تجاه الأمم المتحدة، وهي المنظمة العالمية الوحيدة التي لعبت فيها الولايات المتحدة، على مر السنين، دورًا محوريًا وقياديًا تفوق على أي دولة أخرى منذ إنشائها في في العام 1945.
في خطابه أمام لجنة الإدارة والميزانية التابعة للأمم المتحدة في 6 تشرين الأول (أكتوبر)، صرح السفير جيف بارتوس، الممثل الأميركي لإدارة وإصلاح الأمم المتحدة، قائلًا: "لقد أصبحت الأمم المتحدة منتفخة وغير مركزة وغير فعالة في كثير من الأحيان، بل وكانت أحيانًا جزءًا من المشكلة"، مضيفًا: "إن فشل الأمم المتحدة في الوفاء بولاياتها الأساسية هو أمر مثير للقلق ولا يمكن إنكاره". وكان بيانه في أحسن الأحوال غير دقيق، وفي أسوأ الأحوال خاطئًا تمامًا.
لم يكن سراً أبدًا أن الأمم المتحدة متأخرة عن إجراء إصلاحات كبيرة، بدءًا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي عفا عليه الزمن والذي يصبح غير فعال بشكل متزايد ولا يمثل المجتمع الدولي والعديد من وكالات الأمم المتحدة الأخرى. لكن تجاهل العمل الحيوي للأمم المتحدة على جبهات متعددة دفعة واحدة، وقطع المساعدات الإنسانية التي يعتمد عليها ملايين البشر في الدول الفقيرة تعسفيًا، أو الانسحاب من وكالات الأمم المتحدة الحيوية، هو أمر غير مقبول ويضر بشدة بقيادة الولايات المتحدة ومصالحها الوطنية.
بأي منطق تبرر إدارة ترامب انسحابها من منظمة الصحة العالمية التي تتمثل وظيفتها الأساسية في تنسيق الاستجابات الصحية العالمية للأزمات كالأوبئة ووضع المعايير الصحية الدولية؟ قد يظن المرء أن إدارة ترامب ستدعم بقوة منظمة كهذه تخدم المصالح الأميركية من منظور الصحة العالمية، وأن لعب دور مهم في إصلاح وتحسين وظائفها لن يؤدي إلا إلى تعزيز النفوذ الدولي للولايات المتحدة.
كيف يمكن لإدارة ترامب أن تفسر انسحابها من "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة الذي يعزز حقوق الإنسان ويحميها في جميع أنحاء العالم من خلال التعاون الدولي؟ بانسحابه من هذه المنظمة، يتخلى ترامب عن أي دور يمكن للولايات المتحدة أن تلعبه في منع انتهاكات حقوق الإنسان، مما يؤدي إلى تقليل الضوابط العالمية على انتهاكات حقوق الإنسان وإضعاف المعايير الدولية. قد لا يكترث ترامب كثيرًا بانتهاكات حقوق الإنسان، ولكن كيف يخدم الانسحاب من منظمة كهذه أجندته التي يسميها "أميركا أولًا"؟ في الواقع، لا يمكن لأميركا أن تكون الأولى عندما تقوض مصالحها الوطنية والعالمية الشاملة.
وهناك مثال آخر على ذلك هو قرار إدارة ترامب الصارخ بقطع التمويل عن "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا) التي كانت تركز على تقديم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين، مثل التعليم والرعاية الصحية والمساعدات الإنسانية. وقد واجهت (الأونروا) اتهامات عديدة، منها سوء الإدارة ومزاعم بتحيز بعض موادها التعليمية، وأن حفنة من موظفيها الفلسطينيين على صلة بـ"حماس"، بل وأنهم شاركوا في هجوم "حماس" على إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
مع ذلك، ونظرًا لدورها الحيوي الممتد لعقود في التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والخدمات الاجتماعية والمساعدات الطارئة والإنسانية للاجئين الفلسطينيين، فإنها ما تزال وستظل حيوية، لا سيما في هذه المرحلة التي استؤنف فيها عملها في أعقاب وقف إطلاق النار الساري في الوقت الحالي بين إسرائيل و"حماس". وهنا أيضًا، ينبغي على الولايات المتحدة أن تجعل مساعداتها المالية مشروطة بتبسيط عمليات (الأونروا) وتوفير المساءلة لها بدلًا من عرقلتها ماليًا. إن سحب التمويل لا يؤدي إلا إلى حرمان الولايات المتحدة من إبداء رأيها في عمليات المنظمة، خاصة الآن عندما أصبح ترامب منغمسًا بشكل متزايد في البحث عن إيجاد حل للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
ومن الإجراءات المحبطة الأخرى رفض إدارة ترامب المشاركة في المراجعة الدورية الشاملة للأمم المتحدة، وهو ما يمثل ضربة قاصمة لقضية المساءلة في مجال حقوق الإنسان عالميًا. يضاف إلى ذلك انسحاب ترامب من "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة، حيث يقوض هذا القرار مصداقية الولايات المتحدة، ويرسل إشارة إلى الحكومات الاستبدادية مفادها بأنها هي الأخرى يمكنها تجاهل المساءلة.
بالإضافة إلى كل ما سبق، يثير قطع التمويل الأميركي عن وكالات الأمم المتحدة الأخرى، مثل "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة" (اليونسكو)، تساؤلًا جديًا حول الملاءة المالية للأمم المتحدة، بما يسمح لها بمواصلة المهام الحيوية التي كانت تؤديها على الرغم من أوجه القصور في جوانب مختلفة من عملياتها.
بشكل عام، أدى انسحاب ترامب من كثير من المنظمات وقطعه للمساعدات إلى فجوة فورية في الخدمات الإنسانية، مما أثقل كاهل المنظمات الإنسانية التي تركت لتحاول ملء الفراغ، في حين زاد من معاناة المناطق المستضعفة. وعلى سبيل المثال، يعاني اليمن وجنوب السودان، اللذان يعتمدان بشكل كبير على المساعدات الدولية في خضم أزماتهما الإنسانية، معاناة مروعة بسبب نقص الضروريات الأساسية، بما في ذلك الغذاء ومياه الشرب. وبالإضافة إلى ذلك، يؤثر خفض التمويل على برامج دعم اللاجئين في أماكن مثل سورية والأردن وميانمار وأوغندا.
وكما صرح السفير بارتوس في خطابه أمام لجنة الميزانية التابعة للأمم المتحدة، فإن "ترامب محق تمامًا -يمكن للأمم المتحدة أن تكون مؤسسة مهمة في حل التحديات الدولية، لكنها انحرفت بعيدًا عن هدفها الأصلي". حسنًا، إذا كان الأمر كذلك، فأي دولة أفضل تجهيزًا ومكانة من الولايات المتحدة لاقتراح أفكار جديدة واتخاذ تدابير محددة وقيادة عملية إصلاح الأمم المتحدة، التي "انحرفت بعيدًا عن هدفها الأصلي"؟
لكي تحافظ الولايات المتحدة على قيادتها ونفوذها العالميين بما يتماشى مع شعار ترامب "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، يجب عليها توسيع نطاق مسؤوليتها بدلًا من التنصل منها، والعمل مع القوى الأخرى على تحسين مهمة الأمم المتحدة في حل التحديات الدولية. إن عدم القيام بذلك لن يؤدي إلا إلى خلق فراغ تسعى الصين، على وجه الخصوص، جاهدة لملئه. يجب على ترامب أن يتذكر أن بكين ستظل دائمًا تتربص لأي فرصة لاستغلال إخفاقات الولايات المتحدة. وما يفعله ترامب هو أنه يسلم دور القيادة الأميركية في الأمم المتحدة للصين على طبق من فضة.
ينبغي على إدارة ترامب أن تأخذ زمام المبادرة وتشرك الدول الأخرى في الدفع نحو إصلاحات محددة، بما في ذلك زيادة إجراءات المساءلة، وتعزيز الرقابة والشفافية داخل مختلف وكالات الهيئة الدولية. وبدلًا من قطع جميع الأموال، ينبغي على الولايات المتحدة توفير التمويل مشروطًا بتحقيق معايير محددة. وعلاوة على ذلك، يجب على الولايات المتحدة العمل بشكل وثيق مع حلفائها لصياغة جدول أعمال وكالات الأمم المتحدة ومهمتها بشكل جماعي، والاستثمار في التدريب والموارد لمساعدة الوكالات على تحسين فعاليتها.
وأخيرًا، ينبغي على إدارة ترامب بناء تحالف أوسع، مع الدول ذات التوجهات المتشابهة، لإنشاء جبهة موحدة أقوى في عملية الإصلاح، وتقديم حوافز دبلوماسية لمعالجة المخاوف المحددة للدول المعارضة لتسهيل إيجاد أرضية مشتركة.
في خطابه أمام الجمعية العامة الذي ألقاه في 23 أيلول (سبتمبر)، قال ترامب: "ما هو هدف الأمم المتحدة؟ إنها لا تقترب حتى من الارتقاء إلى مستوى إمكاناتها". وأنا أتحدى ترامب نفسه أن يرتقي إلى مستوى التحدي إذا كان يعتقد أن الأمم المتحدة لديها الإمكانات. إنه يعلم أن الولايات المتحدة أكثر ملاءمة بكثير ولديها الموارد للقيام بذلك بالضبط، مما سيسمح للولايات المتحدة باستعادة موطئ قدمها الأخلاقي.
إن هجوم ترامب على الأمم المتحدة هو مظهر آخر من مظاهر تجاهله للأعراف والمعايير والالتزامات الدولية. بدلًا من سحب وقطع المساعدات المالية عن العديد من وكالات الأمم المتحدة ذات الأهمية الحيوية وتعريض بقائها الاقتصادي للخطر، ينبغي على ترامب أن يضع أمواله حيث يكون فمه لاستعادة مصداقية أميركا التي حطمها في تسعة أشهر فقط من فترة رئاسته.
*ألون بن مئير Alon Ben-Meir: أستاذ متقاعد في العلاقات الدولية. عمل سابقا في مركز الشؤون العالمية بجامعة نيويورك وكان زميلاً أول في معهد السياسة العالمية. خبير في شؤون الشرق الأوسط وغرب البلقان والمفاوضات الدولية وحل النزاعات. في العقدين الماضيين، شارك بشكل مباشر في العديد من المفاوضات الخلفية التي شاركت فيها إسرائيل والدول المجاورة لها وتركيا.
------------------------------------------
هآرتس 12/11/2025
لمـاذا صـوّت كثيـر مـن يهـود نيـويـورك لممـدانـي؟
بقلم: ديفيد روزنبيرغ
حدث أمر طريف في الانتخابات التي أفرزت فوز زهران ممداني عمدة للنيويورك، الأسبوع الماضي. رغم التحذيرات الهستيرية المتكررة بشأن ما يُزعم عن معاداته للسامية، وعدائه لإسرائيل الذي تم توثيقه بشكل أوضح، فقد حصل على نسبة كبيرة من أصوات اليهود. فما الذي كان يدور في أذهان هؤلاء اليهود؟
من الصعب تحديد النسبة الدقيقة لأصوات اليهود التي حصل عليها ممداني، إذ لا تجمع المدينة بيانات عن الانتماء الديني للناخبين. مع ذلك، أظهر استطلاع للرأي، أجرته شبكة "سي إن إن"، أن 32 بالمئة من المستجوبين اليهود أفادوا بأنهم صوتوا له. كانت هذه النسبة الأدنى مقارنة ببقية المجموعات الدينية في المدينة، وأقل بكثير من نسبة 50.4 بالمئة التي حصل عليها للفوز بالانتخابات، لكن 32 بالمئة يعدّ رقماً مضللاً.
ليس من السهل تحديد من هو اليهودي عندما يتعلق الأمر بالانتخابات. فاليهود الأرثوذكس المتشددون يختلفون كثيراً عن اليهود الآخرين لدرجة أنه ينبغي اعتبارهم فئة مختلفة في السياق السياسي. هم أفقر، ما قد يجعلهم يميلون إلى المرشحين التقدميين مثل ممداني، لكنهم أيضاً أكثر تحفظاً اجتماعياً من اليهود الآخرين، ما يدفعهم إلى المعسكر الجمهوري.
في الانتخابات الرئاسية للعام 2024، وفقاً لمركز موارد الناخبين اليهود، صوّت 86 بالمئة من اليهود الأرثوذكس لصالح ترامب (ومن المفترض أن النسبة بين المتطرفين الأرثوذكس كانت أعلى بكثير)، بينما تراوحت النسبة بين اليهود غير الأرثوذكس بين 14 و32 بالمئة (وفقاً لانتماءاتهم).
لم تقدم "سي إن إن" تفاصيل بشأن أصوات اليهود في انتخابات عمدة نيويورك، لكن الأرقام الرسمية التي تُظهر النتائج حسب الأحياء، أظهرت أن أندرو كومو حصل في الأحياء الحسيدية على تأييد يفوق 90 بالمئة، وهي نسبة تضاهي ما نراه في كوريا الشمالية. هذا يعني أن بقية اليهود دعموا ممداني بنسب أعلى من 32 بالمئة.
لا شك أن بعض الناخبين اليهود المنتمين إلى التيار التقدمي يشاطرون ممداني عداءه لإسرائيل، ويتقبلون فكرة أن معاداة إسرائيل باتت من المسلّمات في بعض الأوساط اليسارية داخل الحزب الديمقراطي، إلى جانب ملفات الرعاية الصحية الشاملة والاهتمام بتغيّر المناخ. قد لا يكون ذلك سبباً كافياً للتصويت لصالح ممداني، لكنه بالتأكيد لم يكن عائقاً.
لكن الأمر مختلف بالنسبة لغالبية يهود نيويورك، إذ إن نسبة كبيرة منهم، بل أغلبية ساحقة، عبّرت عن ارتباط عاطفي بإسرائيل، وفقاً لمسح أجرته منظمة "النداء اليهودي الموحد"، العام 2023. ما يبدو أنه جذب هذا العدد الكبير من اليهود غير الأرثوذكس إلى ممداني هو برنامجه الاقتصادي.
يصف ممداني نفسه بأنه "اشتراكي ديمقراطي"، بينما وصفه دونالد ترامب والجمهوريون بأنه شيوعي. الوصف الأخير سخيف بكل تأكيد، لكن حتى وصف "الاشتراكي الديمقراطي" مبالغ فيه. لا يقترح ممداني تأميم أي قطاع، ولا يسعى إلى توسيع برامج الرعاية الاجتماعية بشكل كبير. على سبيل المثال، تمّت تجربة فكرة محلات البقالة المملوكة للبلدية في مدن مثل كانساس، كما أن الحافلات المجانية باتت منتشرة في بوسطن منذ عدة سنوات.
حتى لو نجح بطريقة ما في تنفيذ برنامجه بالكامل، فلن يحوّل ممداني نيويورك إلى "جمهورية نيويورك الشعبية". لكنه لن ينجح على أي حال، فصلاحيات عمدة نيويورك محدودة، والميزانية المالية للمدينة تعاني من ضغوط كبيرة تمنعها من تمويل مشاريع بمليارات الدولارات. ومن غير المرجّح أن تجعل هذه المشاريع سكان المدينة أكثر قدرة على تحمّل تكاليف المعيشة.
من المحتمل أن معظم من صوتوا لممداني يدركون ذلك، تماماً كما كان أنصار ترامب يعلمون أن وعود حملته بإنهاء حرب أوكرانيا قبل تنصيبه، وإنهاء التضخم في "اليوم الأول" من رئاسته، كانت وعوداً غير قابلة للتحقيق. مثل هذه الوعود الحالمة تحفّز الناخبين أكثر من التقييمات الواقعية لما يمكن أن ينجزه السياسيون فعلياً.
يزداد هذا التأثير وضوحاً في ظل معاناة الأميركيين بشكل عام، وسكان نيويورك بشكل خاص، من ارتفاع تكاليف المعيشة واتساع الفجوة في توزيع الدخل. حتى لو كانت هذه الحلول لا تمس جوهر المشكلة، وقد تؤدي إلى تفاقمها، فإن مقترحات مثل محلات البقالة التابعة للبلدية والرعاية المجانية للأطفال تظل مفهومة وبسيطة على مستوى العائلات ذات الدخل المحدود.
الحكمة التقليدية، والتي تبدو صحيحة في هذه الحالة، تقول: إن الشباب هم الأكثر معاناة من الضائقة الاقتصادية. عاش جيل الطفرة السكانية في أميركا، المولود بين عامَي 1946 و1964، حياة مريحة مقارنة بأبنائهم وأحفادهم.
جاء في مقال غاضب نشره عدد من شباب نيويورك في صحيفة "نيويورك تايمز": "حصل الأميركيون في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية على العالم في طبق من فضة؛ حيث التعليم الجامعي بتكلفة منخفضة والسكن الميسور والفرص الوافرة. معظمكم أصبحتم أثرى من آبائكم".
وفي قائمة طويلة من الشكاوى، أشاروا إلى أن سنة دراسية في جامعة حكومية باتت تكلف أربعة أضعاف ما كانت عليه في العام 1970، وأن ثمن المنزل تضاعف (بعد احتساب التضخم). كما أن العديد من الوظائف الجيدة تم تصديرها إلى الصين، وما تبقى منها يوجد في مدن ترتفع فيها تكاليف المعيشة بشكل جنوني.
يرى كثير من الشباب أن الرأسمالية لم تخدمهم، فما المانع من تجربة الاشتراكية (أياً كان معناها). وفقاً لاستطلاع أجراه معهد "كاتو" في وقت سابق من هذا العام، فإن 62 بالمئة من الأميركيين تحت سن الثلاثين لديهم نظرة إيجابية تجاه الاشتراكية. كما أظهر استطلاع "سي إن إن" في انتخابات نيويورك الأخيرة، أنه كلما كان الناخب أصغر سناً زاد احتمال تصويته للاشتراكي زهران ممداني.
كما هو موثّق على نطاق واسع، فإن اليهود أكثر ثراءً من عموم الأميركيين. في نيويورك على سبيل المثال، وجدت منظمة "النداء اليهودي الموحد" أن 36 بالمئة من العائلات اليهودية يبلغ دخلها السنوي أكثر من 150 ألف دولار، مقارنة بـ29 بالمئة بين العائلات الأخرى.
لكن هل يشمل ذلك جميع اليهود؟ وهل يمرّ اليهود الأميركيون الأصغر سناً بنفس الفجوة بين الأجيال التي يعاني منها بقية الأميركيين؟ وهل باتوا يتجهون نحو الاشتراكية أيضاً؟
لا توجد بيانات في هذا الشأن، لكنّ هناك مؤشراً لافتاً ورد في سؤال ضمن الاستطلاع حول ملكية المنازل بين اليهود الأميركيين، حيث ارتفعت النسبة من 1 بالمئة إلى 57 بالمئة بين عامَي 2021 و2023، رغم ارتفاع أسعار العقارات.
كان جيل الطفرة السكانية قد اشترى المنازل منذ زمن بعيد، لذلك فإن هذه الزيادة في نسبة امتلاك المنازل جاءت على الأرجح من اليهود الأصغر سناً.
إذا كانوا لا يعانون اقتصادياً، فلماذا يدعم اليهود، صغاراً أو كباراً، مرشحاً يعد بأشياء لا يحتاجونها من قبيل مجانية ركوب الحافلات، ويهدد بزيادة الضرائب التي سيتوجب عليهم دفعها؟
إن استمرار دعم اليهود غير الأرثوذكس للسياسيين الليبراليين والتقدميين، رغم أنهم أصبحوا من الأثرياء وانضموا إلى أعلى الطبقات في المجتمع الأميركي، يتعارض مع الحكمة السوسيولوجية التقليدية. إذا لم تكن المصالح الاقتصادية كافية لدفعهم إلى التخلي عن السياسات التقدمية، فإن انخراط اليسار في سياسات الهوية وعداءه المتزايد لإسرائيل كان من المفترض أن ينفّر أعداداً كبيرة منهم.
لكن ذلك لم يحدث، فقد وجد مركز موارد الناخبين اليهود أن 46 بالمئة من اليهود يعتبرون أنفسهم ليبراليين، مقابل 17 بالمئة فقط يصفون أنفسهم بالمحافظين، كما أن 59 بالمئة منهم يعرّفون أنفسهم كديمقراطيين، مقابل 16 في المئة فقط كجمهوريين.
وصف ترامب اليهود الذين صوتوا لممداني بأنهم "أغبياء". لا أحد يستطيع تحديد متوسط معدل الذكاء لدى ناخبي ممداني، لكن من المؤكد أنهم تلقوا تعليماً جيداً، وبالتأكيد أكثر من متوسط ناخبي ترامب. أظهر استطلاع "سي إن إن" أن 57 بالمئة من الناخبين اليهود وغير اليهود الحاصلين على درجات علمية عالية صوتوا لممداني، مقابل 38 بالمئة لكومو.
يتبنى الناخبون اليهود الأجندة الاقتصادية التقدمية لأنها تتماشى مع قيمهم، حتى عندما لا تخدم مصالحهم. فهل يعكس ذلك مبدأً يهودياً عميقاً؟ إن صحّ ذلك، فقد غاب هذا المبدأ عن اليهود الأرثوذكس المتشددين.
ينبغي أن نرى هذا التوجه بوصفه ثمرة تعليم ليبرالي، ليس التعليم الليبرالي بمفهومه السياسي، بل ذلك الذي يركّز على التفكير النقدي والبحث الحر. وكما لاحظ عالم النفس في جامعة هارفارد، ستيفن بينكر، فإن هذا النوع من التعليم يمكّن الميسورين مادياً من رؤية السياسة، ليس كوسيلة لتعزيز مصالحهم الاقتصادية، بل كأداة لتحسين المجتمع الذي يعيشون فيه.
هذه النقطة يجب أن يتوقف عندها الإسرائيليون: هؤلاء اليهود الذين صوتوا لممداني في نيويورك كانوا مستعدين لتجاوز مصالحهم الجماعية في سبيل القيم التي يؤمنون بها. هذه القيم تتعارض مع تلك التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية الحالية، وربما مع قيم شريحة واسعة من الإسرائيليين. إذا ما انتشر هذا التوجه بين يهود العالم، فقد يُشكّل تهديداً للعلاقة بين إسرائيل ويهود الشتات.
-----------------انتهت النشرة-----------------