القرار الأمريكي بشأن غزة… بين الوصاية الدولية وتحقيق الأهداف الإسرائيلية

 أثار اعتماد مجلس الأمن لمشروع القرار الأمريكي بشأن غزة سلسلة واسعة من ردود الفعل الفلسطينية التي اتسمت بالرفض والقلق العميق تجاه ما يحمله القرار من دلالات سياسية وأمنية تمسّ مستقبل القطاع. ورغم تنوع القوى الفلسطينية وتباين مواقفها، إلا أن الشعور العام اتجه نحو اعتبار القرار خطوة تمهّد لفرض وصاية دولية على غزة وإعادة تشكيل واقعها السياسي والإداري بعيدًا عن الإرادة الوطنية، وأن مجلس السلام هو الحاكم الفعلي للقطاع، وكذلك تهميش الحقوق الفلسطينية وعدم التطرق للضفة الفلسطينية المحتلة.

الفصائل الفلسطينية رأت في القرار مساساً مباشراً بالسيادة الوطنية، معتبرة أنه يمنح جهات دولية فوق وطنية دوراً مركزياً في إدارة غزة وإعادة إعمارها، على حساب المؤسسات الفلسطينية. ووصفت وجود قوة دولية بأنه تطور خطير قد يتجاوز الدور الإنساني إلى دور سياسي وأمني يؤدي إلى خلق واقع جديد يشبه شكلاً من أشكال الاحتلال المقنّع. كما رفضت الفصائل وبشدة أي بنود تتعلق بنزع السلاح، معتبرة أنها تستهدف حق المقاومة وتمهد لإعادة هندسة الوضع الأمني بما يخدم مصالح لا تتوافق مع المصلحة الفلسطينية.

من جانبها، اعتبرت حركة حماس أن القرار يعكس محاولة لفرض «وصاية دولية» على غزة، وأكدت رفضها للآليات الدولية المقترحة، خاصة تلك التي تتعلق بإدارة القطاع أو بتوجيه المساعدات خارج الأطر الفلسطينية. ومع ذلك، لم يكن موقف حماس رفضًا مطلقًا، بل اتسم بالبراغماتية؛ إذ تحاول الحركة الحفاظ على دورها السياسي ومصالحها المستقبلية، ومن المتوقع أن يتم عقد اجتماع بين قياداتها، بما في ذلك خليل الحية، مع ممثلين دوليين لمناقشة الترتيبات القادمة. وأوضحت حماس أن أي ترتيبات إنسانية أو سياسية يجب أن تمر عبر المؤسسات الفلسطينية الشرعية، محذّرة من أن تتحول القوة الدولية إلى أداة لإضعاف المقاومة أو فرض ترتيبات سياسية تتجاوز حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.

ويتعمق الرفض الفلسطيني مع التخوف من أن يؤدي القرار إلى فصل غزة عن محيطها الوطني عبر وضع ترتيبات إدارية وأمنية منفصلة، قد تنتج واقعًا سياسياً جديداً يُدار من الخارج. ويزداد هذا القلق مع البنود السياسية التي تربط أي مسار نحو الدولة الفلسطينية بشروط إصلاحية وأمنية واقتصادية تُشرف عليها جهات دولية وإقليمية، وهو ما يُنظر إليه كآلية لتأجيل الحقوق الوطنية وتقليص مساحة القرار الفلسطيني المستقل بل مصادرته وكأن الفلسطينيون لا يستطيعون إدارة أنفسهم.

على الجانب الآخر، تنظر إسرائيل إلى القرار من زاوية مختلفة. فعلى الرغم من التحفظات المبدئية في بعض الأوساط الإسرائيلية تجاه أي لغة تتحدث عن مسار سياسي أو دولة فلسطينية، إلا أن المؤسسة الأمنية والسياسية ترى أن بنود القرار تخدم مجموعة من الأهداف الإسرائيلية. فوجود قوة دولية يسهم في تخفيف مسؤوليات إسرائيل المباشرة في غزة، ويضع القطاع في إطار رقابة أمنية دولية تتماشى مع مطلبها الدائم بمنع تعاظم قدرات الفصائل المسلحة. كما أن ربط أي تقدم سياسي فلسطيني بإصلاحات أمنية وإدارية يتوافق مع المقاربة الإسرائيلية التي تشدد على أولوية الأمن قبل أي نقاش سياسي، وتستخدم هذه الشروط لتأجيل الاستحقاقات السياسية. وترى إسرائيل في الإشراف الدولي فرصة لإضعاف نفوذ حماس وإعادة تشكيل البيئة السياسية في غزة بما ينسجم مع رؤيتها للحكم المستقبلي هناك.

ويتقاطع هذا مع قراءة إسرائيلية أوسع للقرار بوصفه أداة لإعادة ترتيب غزة بما يضمن استمرار الضبط الأمني للقطاع، ومنع أي بنية عسكرية قد تراها إسرائيل تهديداً، عبر آليات دولية ذات شرعية أممية تُخفف عنها الكلفة الأمنية والسياسية في المرحلة المقبلة.

أما الرأي العام الفلسطيني، فقد عبّر عن مزيج من الخوف والرفض والقلق من أن يتحول القرار من إطار إنساني إلى مسار سياسي يمسّ السيادة ويعيد إنتاج أزمات جديدة. فقد شكك كثيرون في نوايا الدول الكبرى، ورأوا أن أي وجود دولي قد يُستخدم لتحقيق مصالح سياسية لا علاقة لها بحماية المدنيين أو إعادة الإعمار. وفي الوقت ذاته، عبّر بعض الفلسطينيين عن قلق من احتمال تجاوز المؤسسات الفلسطينية أو تهميشها ضمن ترتيبات دولية تفتقر إلى الشفافية. ورغم وجود رأي أقلية يرى أن وجود قوة دولية قد يسهم في تسهيل المساعدات وفتح الممرات الإنسانية، إلا أن هذا الطرح يظل هامشيًا أمام حجم التخوف الشعبي من تدخل يضع مستقبل غزة في أيدي قوى خارجية.

وبين الرؤى الفلسطينية الرافضة والطموحات الإسرائيلية التي ترى في القرار فرصة لتحقيق أهداف أمنية وسياسية، يقف القطاع أمام مرحلة شديدة الحساسية، حيث يتقاطع الضغط الدولي مع الحاجة الفلسطينية الملحة لوقف الحرب وفتح المعابر وتدفق المساعدات وبدء عملية إعادة الإعمار. ويبقى السؤال الأبرز: هل سيقود القرار إلى إدارة المرحلة القادمة بطريقة تحفظ السيادة الفلسطينية، أم يمهد لأطر جديدة من الوصاية تُدار من خارج إرادة شعب يعيش واحدة من أكثر اللحظات التاريخية تعقيدًا؟

disqus comments here