"علاقات تركيا وإسرائيل المتذبذبة": كشف أسرار 66 عامًا من التحالفات والتوترات (1948–2010)

صدر مؤخراً عن دار "روتليدج" كتاب جديد ومحوري بعنوان "علاقات تركيا مع إسرائيل: الأعوام الستّة والستون الأولى، 1948–2010" للباحثة اليونانية إكافي أثناسوبولّو، أستاذة العلوم السياسية بجامعة أثينا.

تُعد هذه الدراسة هي العمل الأكثر شمولاً الذي يرصد التطورات الدرامية في العلاقات الثنائية منذ تأسيس دولة إسرائيل وحتى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وتتميز المنهجية المتبعة في الكتاب بكونها توثيقية وفريدة، حيث اعتمدت المؤلفة على أرشيف واسع النطاق، بالإضافة إلى إجراء 58 مقابلة مع كبار المسؤولين من تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة والدول العربية.

تقلب الهوية التركية.. مفتاح فهم العلاقة

يكشف الكتاب عن جوهر العلاقة، مشيراً إلى أنها لم تعرف قط "مرحلة استقرار حقيقي"، بل كانت دائمًا رهينة "تصورات الدور" التركي في المنطقة. وكانت العلاقة ترتقي وتتعمق عندما تتبنى تركيا هويتها الغربية وحليفاً للولايات المتحدة، بينما تتراجع وتتوتر عندما تتقدم الهوية الإسلامية، أو عندما تتبنى أنقرة سياسات استقلالية وتسعى لزعامة العالم الإسلامي وصداقة العرب.

التسعينيات: ذروة التعاون الأمني الهش

تُسلط أثناسوبولّو الضوء على عقد التسعينيات كفترة شهدت تعاوناً استخباراتياً وعسكرياً غير مسبوق بين الجانبين. ومع ذلك، لم يكن هذا التقارب العميق بمنأى عن الهشاشة والتوترات الداخلية في تركيا، حيث تذكر الكاتبة احتجاجات شعبية، وحتى محاولة اغتيال الرئيس سليمان ديميريل عام 1996، والتي جاءت اعتراضاً على هذا التعاون.

مفاجآت الأرشيف: المخاوف التركية من السلام السوري–الإسرائيلي

يُقدم الكتاب تفاصيل مثيرة حول معارضة أنقرة الشديدة لأي اتفاق سلام محتمل بين سوريا وإسرائيل في التسعينيات. كانت تركيا قلقة من عواقب هذا الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بـ:

إمكانية نقل سوريا قواتها نحو الحدود التركية.

استمرار دعم دمشق للحركة الكردية المسلحة.

مخاوفها المتعلقة بملف المياه المشترك.

ومن اللافت أن المقابلات كشفت عن محاولات تركية لإقناع واشنطن بأن النظام السوري قد يتفكك بعد وفاة حافظ الأسد، وهو موقف يُناقض بشكل لافت السياسة التركية الحالية. ويُضاف إلى ذلك التوثيق لزيارة وزير الدفاع التركي إلى هضبة الجولان عام 1997، وهي خطوة "يصعب تخيلها اليوم" في ظل التحولات الإقليمية.

عصر أردوغان: تحول تدريجي لا مفاجئ

يُصحح الكتاب تصوراً شائعاً، مؤكداً أن العلاقة لم تنهار فور وصول الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الحكم. بل شهدت في البداية تقارباً أولياً استغله أردوغان لإرسال رسائل طمأنة للغرب حول استمرار تركيا كحليف استراتيجي.

لكن نقطة التحول الكبرى جاءت بعد عملية "الرصاص المصبوب" الإسرائيلية عام 2008، حيث غيرت أنقرة استراتيجيتها لتعزيز مكانتها كـزعيمة للعالم الإسلامي، ما أدى إلى التراجع الحاد في مستوى العلاقة.

دعوة لاستكمال البحث بعد 2010 

تختتم الدراسة عند عام 2010، مستبقةً بذلك أبرز محطات التوتر التي تلتها، مثل أزمة "أسطول مرمرة"، والمصالحة التي تمت في 2016، وتطورات شرق المتوسط. وهو ما يفتح الباب أمام مطالبة طبيعية بصدور جزء ثانٍ يغطي العقد اللاحق ويستكمل هذا السجل المعقد.

disqus comments here