العنف الممارس ضد الفتيات والنساء..ناب أزرق متوحش..فمن يقتلعه..؟!

رغم التطورات الكُبرى التي شهدها واقع المرأة دولياً منذ عقود إلاّ أنه ما زال العنف ضد المرأة وصمة عار فى جبين الإنسانية،فواقع الإنسانية يقول: إنَّ من بين كل ثلاث نسوة في العالم تتعرض واحدة على الأقل في حياتها للعنف،وهناك أكثر من 60 مليون أنثى حُرمن من الحياة جراء عمليات الإجهاض الانتقائية الرامية إلى التخلص منهن ومن جنينهن.

ولا يمر عام إلا وتتعرض الآلاف من النسوة للاغتصاب على أيدي الأقرباء أو الأصدقاء أو الغرباء أو أرباب العمل أو الزملاء في العمل أو جنود وأفراد الجماعات الإرهابية المسلحة..! وتحت مسميات أخرى كــ”ملك اليمين” و”نكاح الجهاد” وغيرها.

أما العنف العائلي فقد صار هو الآخر بلاءً مستوطنًا في جميع أنحاء العالم والأغلبية الساحقة من ضحاياه هم من النساء والفتيات،وكثيرًا ما يربط بعض الناس العنف ضد المرأة بالدين الإسلامي إلا أنه كالإرهاب لا دين له فهو غير مرتبط بدين ولا بلد،ففي الولايات المتحدة -مثلاً- تشكّل النساء نحو أكثر من 80% من ضحايا العنف المنزلي،وضحايا الاغتصاب..

استفحال ظاهرة العنف بتونس..ونواقيس الخطر تدَّق:

ظاهرة العنف استفحلت في تونس حتى أصبحت هاجسا يؤرق جزءا من التونسيين الذين فقدوا الإحساس بالأمان.كما أصبح العنف عقيدة الجزء الآخر من الشعب وآليته الوحيدة للتعبير،حتى أن الامر تطور وبلغ حد تصدير العنف إلى ساحات قتال خارجية..

اللافت في ظاهرة العنف في تونس أنها امتدت على نسبة عالية من فئة الشباب،حتى أن العنف أصبح السمة الطاغية على هذه الفئة.وهو ما جعل الخبراء يدقون ناقوس الخطر إيذانا بضرورة التحرك لتطويق هذه الظاهرة والبحث في اسباب تشكّلها وآليات تفكيكها.

هذا،وتؤكد مختلف الأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية،من وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن أو تلك الصادرة عن منظمات المجتمع المدني،أن العنف المسلط على النساء يسجل تصاعدا دوريا،وتعرف ظاهرة قتل النساء ارتفاعا وتزايدا واضحا في السنوات الأخيرة..!

ولم ينجح القانون الأساسي عدد 58 أو الحملات الوطنية في التخفيض من نسق العنف المسجل.

وارتفع منسوب العنف المسلط على النساء خلال السنوات الأخيرة حسب جمعية-أصوات نساء-وتزايدت فيه جرائم قتل النساء التي بلغ عددها 13 جريمة حتى تاريخ 9أوت 2024.وقد عزز هذا المناخ التسامح والتطبيع مع القائم على النوع الإجتماعي،وعمق حالة الإفلات من العقاب،وغيب السياسات الناجعة التي من شأنها أن تكافح هذه الظاهرة وتحمي النساء وتتعهد بهن طبقا لما جاء في الدستور وفي القانون عدد 58-2017.

وتدق الجمعيات النسوية في تونس ناقوس الخطر وتحذر من تواصل السكوت على آفة قتل النساء وما يتعرض له من عنف في الفضاء العام والخاص،وتعتبر أن تبعاته ستكون مدمرة على الأفراد والأسرة والمجتمع التونسي ككل. 

وللإشارة حسب موقع الأمم المتحدة مازال العنف المسلط على المرأة والفتاة واحدا من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شيوعي في العالم،وتشير التقديرات إلى 736 مليون إمرأة على مستوى العالم،أي واحدة من كل ثلاث نساء تقريبا،كن ضحايا عنف جسدي أو جنسي ولو مرة واحدة على الأقل في حياتهن.!

وتتفاقم هذه الآفة في. بيئات مختلفة ،بما في ذلك أماكن العمل والمساحات عبر الأنترنت.   

في هذا السياق،يؤكّد الباحث في علم الاجتماع ممدوح عزالدين  ان منسوب العنف في تونس في استقرار ولم يصل بعد الى مستويات يمكن القول بأنها “مرَضيّة “وتهدّد المجتمع.واكّد أن الأرقام المتعلقة بالعنف لم تتغير بشكل كبير مقارنة بسنوات ما قبل 2011.وأضاف ممدوح عزالدين ان تسليط الضوء على ظاهرة جزئية او عابرة عبر وسائل الإعلام يجعلها تبدو في شكل ضخم.وشدّد على وجود تغيّر في نوعيّة الجريمة بعد 2011، مشيرا الى أن محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه في فضاء عام تعبيرا عن احتجاجه ومحاولة لرد اعتباره كان صورة تم استنساخها في ما بعد عديد المرات بأشكال مختلفة.

واضاف ممدوح أن ما يُلاحظ هو وجود جرائم مجانية في الفضاء العام فيها الكثير من «المشهديّة « وهي جرائم مجانية بلا تاريخ او أسباب واضحة وتحمل الكثير من "السّادية"والتوحّش كما اعتبر ان ما أصبح يُميّز الجريمة هو تداخل المرجعيات فهناك جرائم لها مرجعية تقليدية مثل "جرائم العروشية "وهناك جرائم حداثية مثل قتل الاخ لأخيه وقتل الزوجة لزوجها والزوج لزوجته..حيث تحوّلت العائلة من إطار يحمي الفرد من الجريمة إلى مصدر للجريمة.

واعتبر المختص في علم الاجتماع محمد الجويلي في تصريح اعلامي أن العنف جزء من التركيبة البشرية.واشار الى ان ظاهرة العنف في تونس تفاقمت خلال السنوات القليلة الماضية ملاحظا أن العنف كان موجودا قبل الثورة ولكن الدولة كانت قادرة على إخفاء جزء منه لتكون بذلك هي الأكثر احتكارا لهذه الظاهرة.واضاف أنه كلما تفاقمت ظاهرة العنف في مجتمع معين فإن ذلك يعكس ضعف الدولة.

من جهته،قال وزير الشؤون الدينية الأسبق،أحمد عظّوم،”إن للخطاب الديني التوعوي دورا كبيرا في التصدّي لكل أشكال العنف الذي قد يُسلّط على المرأة”.ولاحظ أحمد عظوم خلال ندوة إقليمية حول"حماية المرأة من العنف في المنظومة القيمية والقانونية" أن تونس لها جذور ضاربة في القدم في رفض هذه الظواهر المجتمعية".

وأضاف أن مسؤولية مناهضة العنف ضد المرأة مسؤولية جماعية لوزارة الشؤون الدينية دور فيها،بالتعاون مع بقية أجهزة الدولة والمكونات المجتمعية.

وإذن؟

إن مسألة العنف المسلط على النساء إذا،ظاهرة خطيرة وتتطلب النظر فيها بأكثر جدية،وأغلب ضحاياه يكشفن عن العنف المادي وقد لا يتحدثن عن بقية أصناف العنف،ذلك أن العنف بمعناه الشامل والذي يشمل العنف والتحرش الجنسي والعنف الاقتصادي والسياسي لا يزال التبليغ عنه ضعيفا..!

ومن هنا لم نصل بعد إلى درجة الوعي للمعالجة والإحاطة بالنساء المعنفات والمتابعة النفسية لهن ولأطفالهن…

على سبيل الخاتمة:

ان تحديد العنف لا يزال طبق التعريف القديم الكلاسيكي،وهو ما تعكسه الأرقام الحالية،فقانون مناهضة العنف ضد النساء،جاء ليكون أشمل ولحماية النساء والأسرة إلا أننا بعيدون عن الأهداف التي وضع من أجلها،ذلك أن الأرقام تكشف حقيقة مفزعة،وهو ما يستدعي معالجة ظاهرة العنف والإحاطة بالنساء أكثر،ومحاولات إيواء الضحايا وتوفير المعالجة النفسية لهن،لأن هذا هو المطلوب،خاصة وأن ظاهرة العنف تؤثر على التنمية وتمس الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان،وبات بالتالي من الضروري تطبيق الدستور التونسي ووضع الآليات لحماية الحقوق الاقتصادية للنساء..

يشار إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت  الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في 20 ديسمبر 1993 بموجب القرار عدد 48/104 وعَرَفتْ المادة الأولى منه مصطلح" العنف ضد المرأة "بأنه"  كل فعل عنيف تدفع إليه عصبية للجنس ويترتب عليه،أو يرجع أن يترتب عليه،أذى أو معاناة للمرأة،سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية ,سواء حدث ذلك في الحياة العامة والخاصة.

تقدير تكلفة العنف ضد المرأة في المنطقة العربية :

يقوم المكتب الإقليمي للمرأة في الدول العربية بالاشتراك مع مركز المرأة التابع للجنة الأمم المتحدة لغرب آسيا (الإسكوا) بتنفيذ مشروع إقليمي على مرحلتين حول تقدير تكلفة العنف ضد المرأة في المنطقة العربية.استلزمت المرحلة الأولى من المشروع نشر تقريرين.

يستند التقرير الأول وعنوانه "وضع المرأة العربية في المنطقة العربية: العنف ضد المرأة: ماذا على المحك؟"إلى استعراضٍ للأدبيات العالمية والإقليمية لصياغة إطار مفاهيمي وتحليلي حول العنف ضد المرأة وتطوير فهم للمنهجيات المستخدمة لتقدير التكاليف الاقتصادية لعنف الشريك.

يُسلّط التقرير الضوء على آليات الإبلاغ عن العنف ضد النساء والفتيات والقواعد الإدارية للبيانات والمتوفرة على المستوى الوطني،ويحلل العلاقة بين عنف الشريك والاقتصاد،كما يدرس الآثار الضارة للعنف على الصحة.

يشرح التقرير الثاني"تقدير تكاليف العنف الزواجي في المنطقة العربية: النموذج التشغيلي" النموذج الاقتصادي الأساسي والخيارات المتاحة لتقدير تكاليف عنف الشريك في المنطقة،مع الأخذ بعين الاعتبار الفجوات المعرفية وبيئة السياسات والإطار التشريعي في الدول العربية.في المرحلة الثانية من هذا المشروع المشترك،من المتوقع أن يُجَرَّب النموذج الاقتصادي في بعض بلدان المنطقة.

سيكون الهدف هو تقدير التكلفة السنوية لتقديم الخدمات في قطاعات مختارة مثل الصحة والأمن والخدمات الاجتماعية؛وتطوير تقديرات كليّة للخسارة في الإنتاجية،وتقدير التكلفة السنوية للعنف ضد المرأة على الأسر المعيشية.

يشار إلى أن فلسطين هي أول بلد يدخل ضمن المرحلة التجريبية.

*يحتفل العالم في الثامن من مارس باليوم العالمي للمرأة،الذي دشنت من أجله منظمة الأمم المتحدة للمرأة حملة باسم " أنا جيل المساواة:إعمال حقوق المرأة".

disqus comments here