“11,280 اعتداءً خلال 6 أشهر: النصف الأول من 2025 يسجل ذروة الانقضاض الاستعماري على الضفة الغربية

في الوقت الذي يتواصل فيه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تتصاعد الاعتداءات الممنهجة على الأرض والإنسان الفلسطيني في الضفة الغربية بوتيرة غير مسبوقة. فقد كشفت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في تقريرها النصفي أن دولة الاحتلال الإسرائيلي وأذرعها المختلفة، إلى جانب ميليشيات المستعمرين، نفذت 11,280 اعتداءً خلال النصف الأول من عام 2025 وحده، في تصعيد هو الأخطر من نوعه منذ عقود.
الجغرافيا الفلسطينية تحت المقصلة
أوضح رئيس الهيئة، مؤيد شعبان، خلال مؤتمر صحفي عُقد في رام الله، أن الاعتداءات تنوعت بين مصادرة أراضٍ، وتوسعة مستوطنات، وهجمات مسلحة من المستعمرين، وعمليات هدم وتهجير، واستهداف ممنهج للبنية الزراعية والاقتصادية الفلسطينية.
وسجّل التقرير الاستيلاء على أكثر من 800 دونم من الأراضي الفلسطينية عبر 36 أمرًا بوضع اليد لأغراض عسكرية وأمرٍ واحدٍ للاستيلاء بحجة شق وتوسعة طرق. كما أقام المستعمرون 23 بؤرة استعمارية جديدة، معظمها رعوية، في محافظات رام الله، الخليل، نابلس، طوباس، قلقيلية، والقدس.
في السياق ذاته، صادقت سلطات الاحتلال على 165 مخططًا هيكليًا، تشمل 8685 وحدة استيطانية في مستوطنات الضفة، و8865 وحدة في مستوطنات القدس، في إطار سياسة تسريع الضم والتهويد.
خارطة الاعتداءات: تركيز واضح وممنهج
تمركزت الاعتداءات الإسرائيلية في ثلاث محافظات رئيسية:
رام الله: 1975 اعتداء رسمي، و491 اعتداء من المستعمرين
الخليل: 1918 اعتداء رسمي، و409 اعتداءات مستعمرة
نابلس: 1784 اعتداء رسمي، و396 اعتداء مستعمرين
وفي هذه المحافظات، شن المستعمرون هجمات دموية ومنظمة، تضمنت إشعال منازل، إطلاق نار مباشر، سرقة أراضٍ، تخريب ممتلكات، وقطع الطرق، ما تسبب في استشهاد 4 مواطنين فلسطينيين.
ومن أبرز المناطق التي تعرضت لاعتداءات منظمة خلال هذه الفترة: كفر مالك، المغير، بيتا، وسنجل، وهي قرى تشهد تصعيدًا ممنهجًا يسعى لتحويلها إلى مناطق طاردة للسكان.
843 مواطنًا متضررًا من الهدم.. و411 طفلًا بلا مأوى
رصد التقرير أن سلطات الاحتلال أصدرت 556 إخطارًا بالهدم، منها:
322 منزلًا مأهولًا
18 منزلًا غير مأهول
151 منشأة زراعية
97 منشأة مصدر رزق
وقد نفذ الاحتلال فعليًا 380 عملية هدم أدت إلى تدمير 588 منشأة، ما تسبب في تضرر 843 مواطنًا، بينهم 411 طفلًا و378 امرأة، في مشهد يعكس الوحشية العارية لهذا التصعيد.
12 ألف شجرة مستهدفة: الزيتون تحت النار
لم يسلم القطاع الزراعي من الاستهداف، إذ وثّقت الهيئة تدمير أو تضرر 12,067 شجرة، منها 6144 شجرة زيتون، في سابقة خطيرة تعكس مساعي الاحتلال لتجفيف الأرض الفلسطينية حرفيًا.
وجاءت بيت لحم في المقدمة بتضرر 5359 شجرة، تليها رام الله بـ2282، ثم نابلس بـ1774 شجرة.
هذا الاستهداف لا يضرب الإنتاج فقط، بل يضرب الروح الوطنية الفلسطينية، فالزيتونة ليست مجرد شجرة؛ إنها أيقونة الانتماء والحق في الأرض.
شرعنة الإجرام: تسارع في سنّ القوانين الاستيطانية
أشار شعبان إلى أن الاعتداءات الميدانية يجري تهيئتها عبر تشريعات إسرائيلية تتسابق مع الجرافات، حيث تعمل حكومة الاحتلال على سن قوانين تكرّس «السيادة» الإسرائيلية في الضفة الغربية وتحوّل ميليشيات المستوطنين إلى أداة تنفيذ رسمية، تحت غطاء قانوني وإداري.
هذا التناغم بين السياسة والأمن والقضاء والميليشيات خلق حالة فريدة من الاستعمار الحديث المغلف بالقانون، ويدق ناقوس خطر حقيقي حول مستقبل القضية الفلسطينية إذا لم يتم مواجهته بحزم.
دعوة لوحدة وطنية وإستراتيجية شاملة
وفي ختام عرضه للتقرير، شدد شعبان على أن هذا الواقع الخطير يتطلب استجابة بحجم التحدي، داعيًا إلى توحيد الصف الفلسطيني خلف إستراتيجية وطنية تُعلي من قيمة الأرض وتُسقط الحسابات الفئوية.
وقال:
> “نحن بحاجة إلى أدوات جديدة وخلاقة تتلاءم مع طبيعة المرحلة… حماية الأرض لا تكون بالشعارات بل بالحضور الفعلي والميداني، وبشراكة الكل الوطني.”
كما جدد دعوته إلى توفير حماية دولية عاجلة للشعب الفلسطيني، في ظل الفشل المستمر للمجتمع الدولي في لجم الاحتلال وميليشياته.
الخلاصة: وطن يُذبح… والعالم يكتفي بالمشاهدة
التقرير النصفي لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان ليس مجرد وثيقة توثيقية؛ بل هو صرخة ميدانية توثق جريمة مستمرة. جريمة لا تُرتكب في الظل، بل في وضح النهار، وعلى مرأى من العالم الذي يكتفي حتى الآن بالتنديد اللفظي.
الاعتداءات في ارتفاع، والمخططات التوسعية تتسارع، والميليشيات تتوحش… لكن الفلسطيني لا يزال في الأرض، صامدًا، يزرع ما تبقى، ويحرس جذوره رغم محاولات الاقتلاع.
فهل يتحرك الضمير الدولي قبل أن يفوت الأوان؟