لكلِّ شهيدٍ حبيبة "هلا ومحمد، قصة حبّ تبدأ بنور الأمل، وتنتهي بظلام الفقد".
Tue 16 September 2025

في زاوية من غزة، حيث البحر لا يُسمع صوته بين دوي القنابل، وحيث تُبنى البيوت على أمل أن تبقى واقفة يومًا إضافيًا، نبت حبٌ بين شاب وفتاة، نبتةٍ تتحدى الصخر، لم يكن حبًا عابرًا، بل كان حبًا كُتب بدم القلب، وانتهى بدم الجسد.
محمد سلامة، الصحفي الأسمر، الشاب النشيط المثابر، الذي حمل الحلم بين يديه، وكان من المقررأن يُقيّد اسمه باسم فتاة يُحبها بعد أيام، ويُصبح أبًا لأطفالها يومًا ما.
هلا عصفور، زميلة محمد في حبّ الصحافة، حبيبته وخطيبته، كانت تحلم بزفافٍ صغير، لا يزيد عن ضحكة عائلتها، أحبت محمد فصار قلبه مدينتها وصارت عينها وطنه، كانا يتبادلان الرسائل، لا بالورق، بل بالعيون، بالهمس، وبكلمات تُكتب في زوايا الليل.
لم تكن قصة هلا ومحمد كغيرها من القصص، هي قصة لم تُكتب بالحبر، بل بدموع الفقد وتلويحات الوداع، حيث أصبحت خطيبة شهيد، يحمل قلبها اسمه، وتحفظ شكل ابتسامته بين طيات صورٍ بسيطة على شرفة بيتٍ تهادت عليه صواريخ الحزن، تزوجته بقلبها قبل أن تزيّن عرسها بالورود، وتزوجها بروحه قبل أن يلبس الكفن، هي ليست مجرد قصة حب، بل شهادة على أن القلب لا يموت، حتى وإن سُرق الجسد، حيث أن الحرب لم تمهل هلا ومحمد، ولم تعطهما فرصة لفرح عابر، صاروخ غادر أخذ معه حياة محمد أثناء تغطيته للأحداث في غزة، وترك قلب هلا جريحًا كما مدينتها.
يا هلا، ما أشقّ أن تحبّي شهيدًا... أن تنتظري رسالته، فلا تأتي، بل يأتي الخبر كالرعد: "محمد استُشهد"، وانطفأت الشموع قبل أن تشتعل، لكنكِ، يا هلا، لم تدفني الحب، بل جعلته نجمةً في ليلكِ الطويل، كل ليلة، تُصلّين له، وكل فجر تُنادين باسمٍ لا يسمعه أحد سوى قلبك، محمد لم يمت، بل سافر في طريقٍ لا عودة منه، وترك فيكِ كل شيء، عشقه، صوته، ضحكته، وصورة زفافٍ لم يتم، لكن عُرسكما سيُقام يومًا ما، تحت شجرةٍ لا تُقصف، وتحت سماءٍ لا تسقط عليها الصواريخ، هناك، ستلتقيان في عرس أبدي لا يقاطعه أحد.
في غزة، لا تعدّ قصة هلا ومحمد استثناءً، بل هي واحدة من آلاف القصص التي تُكتب بدم القلب، وتُختتم قبل أن تبدأ، قصصٌ تُقتل قبل الزفاف، وأحلام تُدفن قبل أن تُبنى، وأرواح تُخطف قبل أن تتنفس الحرية، إلا أن العدو قد يدمر الحجر والشجر والبشر، لكنه لن يستطيع تدمير الحب، فكلّ قصة حب تصبح نداءً، نداءً لا يموت.