الاعترافات بالدولة الفلسطينية انتصار لها في المعركة على الوعي.. لكنها لا توقف الإبادة

تقول مصادر إعلامية عبرية إن إسرائيل لا بد أن ترد على الاعترافات الغربية الجديدة بفلسطين، لكنها تفضل الانتظار ريثما يلتقي رئيس حكومتها نتنياهو بالرئيس الأمريكي ترامب، على هامش اجتماع الجمعية العامة، بعد أسبوع.
من المفترض أن تعلن بريطانيا، اليوم، انضمامها للاعترافات، بعدما كانت تتحفظ وتشترط الاعتراف بأن يكون ضمن اتفاق سلام. وستتبعها دول أخرى كالبرتغال وهولندا وكندا. وما يثير حنق إسرائيل هو انضمام دول كبرى شريكة في نادي “الدول السبع”، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، فيما تمتنع عن ذلك اليابان وإيطاليا، رغم أن الرأي العام فيهما مساند بقوة للشعب الفلسطيني، وكذلك الولايات المتحدة التي تحاول منع توسّع الاعترافات بالتهديد والوعيد.
هارئيل: علينا أن نقر بأننا بعيدون عن الانتصار على “حماس”.. هذه الحكومة ترغب بالاستمرار في الحرب العبثية دون جدوى، ولكن دون حسم ودون نصر
من جهتها؛ تعيش إسرائيل حالة إرباك، لكنها تواصل الانسحاب للأمام، وتوجيه التهم لكل العالم تارة، وتتهم الدول الأوروبية بالسذاجة، وبسيطرة الإسلام عليها في ظل هجرة المسلمين.
كذلك لا تزال المؤسسة الإسرائيلية تلوّح بسلاح اللاسامية، وتتهم به حتى الرئيس الفرنسي ماكرون، الصديق التاريخي لإسرائيل، كما جاء على لسان القنصل الإسرائيلي في نيويورك أوفير أكونيس، في حديثه للإذاعة العبرية صباح اليوم الأحد، وكأن العالم لا يرى حرب الإبادة التي تشنها على غزة واقتراف فظائعها اليومية غير موجودة.
عنزة ولو طارت
هذا العمى، أو هذه الوقاحة الإسرائيلية التي ترمز لنهج “عنزة ولو طارت” تنطبق على كل الناطقين بلسان حكومة الاحتلال، ما دفع صحيفة “هآرتس” لتكريس افتتاحيتها اليوم لهذا النكران واتهام الآخرين، بالدعوة للإصغاء للعالم بدلاً من اتهامه، ووقف الحرب، وتوقيع صفقة تبادل، معتبرة الاعتراف الكبير بدولة فلسطينية رسالة للشعبين بأنه لا بديل عن “حل الدولتين”. رغم أن هذه الاعترافات بفلسطين لا توقف المذبحة والنزيف، وربما تبعد هناك حاجة لإقرانها بالحديث عن الاحتلال، لكنها تنطوي على أهمية كبيرة من ناحية المعركة على وعي العالم، في إطار المواجهة المفتوحة بين الشعب الفلسطيني وبين الصهيونية وإسرائيل حول السردية التاريخية وعدالة القضية الفلسطينية، مثلما أنها تسهم في زيادة فرص الدولة الفلسطينية والاستقلال وتغضب إسرائيل وتحشرها في زاوية معتمة، ما دفع رئيس حكومتها نتنياهو للقيام بضربة استباقية طمعاً بتخفيف وطأة العزلة في كافة المجالات بقوله إنه على إسرائيل أن تكون إسبرطة. ويثير هذا التصريح، الذي وصفته جهات اقتصادية وسياسية إسرائيلية بالغباء، انتقادات مستمرة، مثلما توجه أيضاً ضد استمرار الحرب وتعطيل الصفقة مع “حماس”، خاصة بعد العدوان على الدوحة، قبل نحو عشرة أيام.
كسب الوقت
وجدد وزير الأمن الأسبق رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” الحملة على نتنياهو بقوله إنه يواصل مساعي التسويف ومحاولة كسب الوقت حتى الانتخابات، دون النجاح بالتغلب على “حماس”، ولا باستعادة المخطوفين. وأضاف ليبرمان، في حديثه للإذاعة العبرية الرسمية اليوم: “لو استمرت هذه الحرب الملوثة باعتبارات سياسية أربع سنوات سنجد أنفسنا بذات الحالة. الانتصار على حماس يتطلب تحرير الرهائن أولاً.. وعلى الجميع فهم ذلك، فالجيش يعمل اليوم داخل القطاع بأيد مقيدة”.
من جهته يؤكد المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل أن الحملة العسكرية المستمرة رغم معارضة الجيش لن تفضي لحسم “حماس”، ولن تعيد المختطفين، بل ستقتل مدنيين فلسطينيين وتهدد الرهائن، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة هي القادرة الوحيدة على وقف الحرب. ويضيف: “حتى ذلك يبدو بعيداً بعد الهجمة في الدوحة. علينا أن نقرّ بالحقيقة بأننا بعيدون عن الانتصار على “حماس”. “حماس” تراجعت بعد قتل عدد كبير من قادتها وجنودها، لكنها ما زالت تملك آلافاً من المقاتلين، وإن كانت لياقتهم المهنية أقل مما سبقوهم. سبق أن سمعنا تهديدات ومزاعم إسرائيلية بأننا على بعد خطوة من الانتصار، وأننا سنحتل الحصن الأخير، لكنني أشك بقدرة هذه الحملات العسكرية على حسم المواجهة مع “حماس”. هذه الحكومة ترغب بالاستمرار في الحرب العبثية دون جدوى، ولكن دون حسم ودون نصر، وربما ينقلب مزاج ترامب مستقبلاً، فيبادر للقول “كفى” لنتنياهو. حالياً الحرب مستمرة بدعم ترامب، ويبدو لعدة شهور إضافية”.
الورقة الأخيرة
من هنا يستنتج المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” شيمعون شيفر أيضاً أن مواصلة الحرب دون استعادة المخطوفين حماقة كبيرة، مؤكداً على ضرورة دفع الثمن المنوط بوقف الحرب المكلفة جداً بعدة مستويات. وعلى غرار افتتاحية “هآرتس”، يخلص شيفر للقول إن الرهان على القوة لا يحل مشكلة، وتساءل: متى نفهم الخطر الكامن بالسيطرة على ملايين الفلسطينيين؟
عن الجبهة الثامنة
كذلك، المحاضر الباحث في الشؤون الفلسطينية في جامعة تل أبيب ميخائيل ميليشتاين يسخر من فكرة “القوة والمزيد من القوة” طمعاً بحسم “حماس” واستعادة المخطوفين. في مقال بعنوان “حقيقة مقابل وهم”، يرى أن إسرائيل في سبع جبهات، والجبهة الثامنة داخلية يخوضها الإسرائيليون مقابل قيادتهم. ويدعو ميليشتاين لمواصلة الضغط عليها لمنع الكذب والتضليل وللحصول على إجابات واضحة حول الإستراتيجية والمستقبل والأثمان البشرية والاقتصادية والسياسية، علاوة على طلب دراسة إخفاقات السابع من أكتوبر. ويضيف: “هذه هي الطريق الوحيدة لتصحيح أخطاء الماضي التي لن تختفي”.
شيمعون شيفر: مواصلة الحرب دون استعادة المخطوفين حماقة كبيرة.. الرهان على القوة لا يحل مشكلة، متى نفهم الخطر الكامن بالسيطرة على ملايين الفلسطينيين؟
في التزامن، تتواصل المظاهرات والاحتجاجات على عدم استعادة المحتجزين ووقف النزيف. وفي ظل بلادة إحساس حكومتهم، يبدون كمن يبحث عن الخلاص والخروج من العتمة داخل البيت الأبيض. ففي تل أبيب رفع المتظاهرون لافتة عملاقة بالإنكليزية تخاطب ترامب وتتوسّله: “أنقذ الرهائن”. في مفارق الطرقات، وفي إعلانات الصحف، ثبتت لافتات بالعبرية تقول: “أنقذوا المخطوفين، أنقذوا الجنود، أنقذوا إسرائيل”.
غزة مدمّرة في كراسات تربوية
لكن حكومة الاحتلال مستمرة في حرب الإبادة، غير آبهة بضغوط الخارج والداخل، مستفيدة من دعم أمريكي مفتوح، ومن فقدان خطوات غربية وعربية فعلية موجعة، فيما يواصل رئيسها نتنياهو بحثه المحموم المسموم عن نصر تاريخي، وعن تدمير كل مدن القطاع، وجعلها غير صالحة للحياة الآدمية أملاً بفتح باب “الهجرة الطوعية” أو التهجير. وربما يأتي اختلاق التوتر مع مصر في الفترة الأخيرة كتهديد عسكري إسرائيلي لها بأن تقبل بالأمر الواقع وترضى بتهجير الغزيين لسيناء.
ويشير كاريكاتير في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، إلى أطماع حكومة الاحتلال، حيث تبدو مربية مقابل تلاميذ في الروضة تقول لهم، عشية رأس السنة العبرية: “إن شاء الله السنة القادمة نتعلّم على الشرفة”، فيما يطل سموتريتش عليهم من النافذة وهو يقول: “على شرفة البيت في غزة”.
في هذا المضمار أيضاً تكشف صحيفة “هآرتس” العبرية، اليوم الأحد، أن جمعية إسرائيلية يمينية تدعى “شكراً للجيش” تقوم هذه الأيام بتوزيع كراسات تربوية للجنود في غزة تشمل رسومات لغزة مهدمة جاهزة للتلوين، وذلك بتشجيع من جيش الاحتلال